المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ ابن سعدي........يرد على الدنمارك


بن عاصي
21-02-2006, 09:07 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

دحض شبهات الكفار على الرسول الاكرم صلى الله عليه وسلم للشيخ العلامة الإمام عبد الرحمن بن ناصر السعدي(ت:1376هـــ).

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا }{ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا }{ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } [الفرقان : 4 - 6] .
ذكر الله تعالى في هذا قدح المكذبين لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وإدلاءهم بهذه الشبه التي يعلمون ويعلم الناس بطلانها ، فزعموا أنه افترى هذا القرآن ، وأنه ساعده على ذلك قوم آخرون ، فرد الله عليهم هذه المقالة المنتهية في القبح بأن هذا ظلم عظيم ، وجراءة يعجب السامع كيف سولت لهم أنفسهم هذا القول الهراء ، وأنه من الزور والظلم ; فإنهم قد كانوا يعرفون بلا شك صدقه وأمانته التي لا يلحقه فيها أحد ، وأنه لم يجتمع بأحد من أهل العلم ، ولا رحل في طلبه ، وقد نشأ بين أمة أمية في غاية الجهل والضلال ، وقد جاءهم بهذا الكتاب العظيم الذي لم يطرق العالم أعظم منه ، ولا أعلى معاني وأغزر علما ، ولا أبلغ من ألفاظه ومعانيه ، وأتم من حكمه وحكمه ومبانيه .
وقد تحدى أقصاهم وأدناهم ، وأفرادهم وجماعتهم ، وأولهم وآخرهم أن يأتي بمثله أو بعشر سور من مثله ، أو بسورة واحدة من مثله ; وصرح لهم أنهم إن أتوا بشيء من مثله فهم صادقون ، وهم أهل الفصاحة والبلاغة في الكلام ، فعجزوا غاية العجز عن معارضته والإتيان بمثله ، واتضح لهم ولغيرهم عيهم وعجزهم ، وتبين بطلان دعواهم .
وكل من حاول أن يأتي بكلام يعارض به ما جاء به الرسول صار كلامه ضحكة للصبيان فضلا عن أهل النظر والعقول ، وكل شبهة يدلون بها في معارضة الرسول من حين يوجه لها النظر الصحيح تضمحل وتزهق ، { إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } [الإسراء : 81] .
ومن جراءتهم أنهم قالوا : إن هذا القرآن الذي جاء به محمد أساطير الأولين ، اكتتبها من كتب الأولين المسطورة ، فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ، فيا ويحهم ! من الذي عندهم في بطن مكة يمليها ؟ وهل يوجد في ذلك الوقت في مكة أو ما حولها كتب تملى ؟ ولو فرض وقدر أنه يوجد أحد ، لم يختص محمد وحده بالأخذ عنه ؟
ولما كانت هذه مقالة زور وافتراء ، لا يخفى كذبها على أحد ، تشبثوا وقالوا : كان محمد يجلس إلى قين حداد في مكة فارسي فيتعلم منه ، فلهذا قال عنهم : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ } [النحل : 103] : بالغ في البيان والبلاغة نهايتها وغايتها .
فلا يمكن الجمع بين النقيضين : أن يتعلمه من هذا الأبكم أعجمي اللسان ، الذي لم يعرف عنه علم يرجع إليه ، ولا معرفة يتميز بها ، وهذا القرآن الذي جاء به مع كمال بلاغته حوى علوم الأولين والآخرين .
ولما كان هذا القول الذي قالوه ، والمكابرة التي تجرءوا عليها قد علم الموافق والمخالف كذبها وافتراءها ، وكان جميع أعداء الرسول لهم ورثة ، يقومون بالعداوة للرسول والدين ، ويعطونها حقها ولو جلبت عليهم ما جلبت من الدخول في الكذب والافتراء والمكابرة ، وقد عرف هؤلاء الأعداء المتأخرون مكابرة إخوانهم الذين باشروا تكذيب الرسول ، ورأوا أن مقالتهم قد بطلت واضمحلت ، وبان زورها لكل أحد ، صاغها هؤلاء المكذبون بعبارة موهوها ، وظنوا أنها بهذا التمويه تروج ، فزعموا - وما أسمجه وأكذبه من زعم - أن محمدا كان يتعلم من نفسه ; وأنه كان يخلو بالطبيعة : السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم ، فيعطيها لبه ، ويناجيها بقلبه ، فيخيل إليه أصناف التخاييل ، فيأتي بها إلى الناس زاعما أنها من وحي الله على يد جبريل ، وأن هذه التخيلات من الأمور العالية التي يعتاد الإتيان بها أهل الرأي والحجى . ولما رأوا آثارها الجليلة في الإسلام وأهله ، وتعاليمه وتقويمه للأمم ، وبهرهم هذا النور العظيم لجأوا إلى هذا التحذلق الذي منتهاه وغايته أنهم صوروا النبي صلى الله عليه وسلم ورقوه إلى رجل من الطبيعيين ، كما قال هذا القول الباطل أحد ملاحدة الإفرنسيين ، وتلقاها عنه بعض الملاحدة العصريين ، وهو مبني على إنكار وجود رب العالمين ، وأنه ما ثم إلا عمل الطبيعة ، وقد علم الناس أن هذا القول المزور أعظم مكابرة ومباهتة من قول الأولين ، وأن هذا الافتراء الذي ولدوه بعد مئات السنين أوضح ضلالا وظلما وجراءة ووقاحة من زور الأولين ، وأن هؤلاء الأراذل الذين أعجبوا بآرائهم وتاهوا بعقولهم قد بين الله كذبهم فيما قالوه ، وأن عقولا ولدت هذه الأقوال المؤتفكة والخيالات الفاسدة والمقالات الفاسدة لعقول سافلة وآراء ساقطة ، يعرف فسادها بنتائجها ومكابرتها ، وإنكارها أجلى الحقائق ، ولهذا قال تعالى : { قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [الفرقان : 6] . فالرب القادر العظيم ، الذي أحاط علمه بجميع الأسرار ، وعلم أحوال العباد حاضرها ومستقبلها ، فأنزله لهدايتهم ، وجعله منارا وعلما يهتدي به المهتدون في كل وقت وحين .
فجميع الحقائق التي دعا إليها هذا الرسول وهذا القرآن حقائق ثابتة نافعة للعباد ، لا يأتي من الحقائق ما يغيرها ، ومحال أن يأتي شيء أصلح منها أو مثلها أو يقاربها : { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [المائدة : 50] .
ومن كمال علمه وقدرته أنه لو تقول عليه أحد بمثل هذه المقالة لعاجله بالعقوبة ، فلما أيد من جاء بها بنصره وحججه ، ورأى العباد آياته في الآفاق وفي أنفسهم ، التي يتبين بها أنه الحق ، وما سواه ضلال ، علم بذلك أن هذا الرسول أصدق الخلق وأنصحهم وأبرهم وأعلمهم وأخشاهم وأتقاهم لربه ، وأن أعداءه المكذبين له أكذب الخلق وأغشهم ، وأعظمهم جهلا وضلالا وغيا وفسادا في كل زمان ومكان .
ومن مكابرة أعداء الرسول أنهم جعلوا يتناقضون في مقالاتهم ، ويتفننون في إفكهم المكشوف كذبه ، فمنهم من قال : إنه مجنون ، ومنهم من قال : ساحر وكاهن ، ومنهم من قال : مسحور ، ومنهم من قال : لو كان صادقا لجاءت الملائكة تؤيده ، ولو كان صادقا لأغناه الله عن المشي في الأسواق ، وجعل له جنات وأنهارا وأموالا كثيرة . . وكل يعلم أن هذه الأقوال - مع تناقضها - ليست من الشبه فضلا عن كونها من الحجج ، ولهذا قال تعالى معجبا : { انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا } [الإسراء : 48] .
ومثل هذه الأقوال التي يذكرها الله عن المكذبين للرسول هي بنفسها تدل على كذبهم ومكابرتهم قبل أن يعرف بطلانها من الأدلة الأخرى ، وإذا وزنت هذه الأقوال الجارية من الأولين رأيت نظيرها وأقبح منها جارية من الملاحدة المتأخرين ; ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } [التوبة : 33] .
فما جاء به الرسول من الهدى في جميع أبواب العلوم النافعة ، والدين الحق الذي هو الصلاح المطلق ، أكبر الأدلة على أنه رسول الله حقا ، وأكبر الأدلة على إبطال كل ما ناقضه من أقوال المؤتفكين ; والحمد لله رب العالمين .
================================================== =================
قلت: رحم الله هذا الامام فكأنه بين ظهرانينا ونفع الله بعلومه وفقهه.

[المرجع:
تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام.]

محمد الحياني
21-02-2006, 09:55 PM
جزاه الله خيراً وكثر الله من أمثاله



وفقك ربي على مانقلت وأبدعت