المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رحلة الى رنية وأسفل وادي بيشة والمهمل ( في اقتفاء أثر توبة بن الحمير)


مسعود فهد المسردي
05-05-2012, 02:28 PM
كانت هناك رغبة تراودني منذ فترة طويلة لزيارة المناطق الوارد ذكرها في العنوان لكن لم تسنح لي الفرصة لتحقيق مااصبوا اليه وبعد زيارتي لمكتبة الثلوثية بالرياض وشرائي منها كتاب رنية بحوث جغرافية وتاريخية واجتماعية للمؤرخ الأستاذ / فهيد بن عبدالله السبيعي زاد اصراري على تلك الزيارة ولو على حساب الظروف والأعمال التي لاتنتهي الا بمغادرتنا هذه الدنيا وقد يسأل سائل ماالذي استوقفت وشد انتباهك في الكتاب لتقرر هذه الرحلة الطويلة وربما الشاقة
أقول الكتاب من أفضل ماقرأت حتى من كتب البلدان الحديثة ومؤلفه كاتب قدير ومؤرخ أديب من أهل تلك الناحية وهو أعرف من كتب عن تلك المرابع كما يقال ( أهل شعبى أدرى بشعابها) لذا قررت الرحلة لأظرب عصفورين بحجر
أولا / لزيارة هذا العلم البارز في التاريخ وتحقيق المواضع للتعرف عليه والاستفادة من علمه وأدبه
ثانيا / لزيارة المواقع التاريخية المشهورة هناك وبالأخص المواضع التي مر بها الشاعر الأموي الشهير توبة بن الحمير في قصته الاتي ذكرها
وقبل الشروع في حيثيات الرحلة وتفصيلاتها سوف أورد ما قاله صاحب الأغاني في خبر مقتل توبة بن الحمير وأورده صاحب كتاب رنية محققا في كتابه
القصة
( توبة بن الحميربتشديد الياء من بني خفاجة من عقيل بن عامر بن صعصعه شاعر بدوي ينتجع مع قومه القفار والصحاري المتاخمة لما يسمى الآن بهضب الدواسر في مكان يسمى (قنة بني الحمير) وفي الفرشة التي تسمى قديما( رياض بني عقيل) وفي المناطق المجاورة لها وربما رحلوا حتى يصلون أسافل وادي تثليث وماحوله أي أنهم بدو رحل أما هو فقد ورد عنه أنه شرير كثير الغارات على بني الحارث بن كعب وخثعم وهمدان وبلاد مهرة وكان بين بلاد مهرة وهمدان مفازة منكرة لايقطعها الطير وكان يحمل مزاد الماء فيدفن منه على مسيرة كل يوم مزادة ثم يغير عليهم فيطلبونه فيركب بهم المفازة وانما يتعمد حمارة القيظ وشدة الحر ليرجع عنه القوم مخافة أن يهلكوا ظمأ في الصحراء وكان هذا ديدنه واشتهر عفا الله عنه بعشقه للشاعرة ليلى الأخيلية في قصص توردها كتب الأدب والتراث القديمة
وشاء الله أن تحصل قصة تكون نهاية هذا الشاعر المثير للجدل في أحد فصولها وهو أن قوم توبة من بني خفاجة كان بينهم وبين بني عامر بن عوف بن عقيل لحاء ( مشاكل) ثم أن توبة حضر مجلسا لهمام بن مطرف عامل صدقات بني عامر في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وحدث خصومة بين قومه وبين بني عوف فوثب ثور بن أبي سمعان فضرب توبة بعمود من حديد شج وجهه فأمر همام (ثور بن أبي سمعان) أن يجلس بين يدي توبة ليقتص منه
فأبى توبة وقال مامعناه لولاك مااجترأ وضربني في مجلسك وماكان ليجترأ عند غيرك ( وقد اتهمه لأن ثور من أخوال همام بن مطرف)
ثم قام وتركه
وبعد مدة سرا خبر لتوبة أن ثور ( غريمه) خرج في رهط من قومه الى ماء يقال له قوبا أسفل وادي تثليث ( ربما تكون القيرة الآن ) يريدون مالا لهم بموضع يقال له جرير فخرج توبةيبحث عنه ليأخذ بحقه ومعه رجال من قومه فأخبروا أنهم عند رجل يقال له سارية بن عمير وكان صديقا لتوبة فقال والله لانطرقهم حتى يخرجوامنه وبعد مضي الليل قال لهم سارية ادرعوافوالله لا آمن عليكم توبة فانه لاينام عن طلبكم وكان توبة قد وكل رجلين يخبرانه عن القوم وتحركاتهم فغفلوا وأخذهم النوم فمر القوم ولم يأتوا بخبرهم
ففزع توبة وركب ومن معه في أثر القوم من ليله ثم النهار الذي بعده حتى انتصف النهار فلما أتوا جبلا يقال له أفيخ ( يسمى الآن يفيخ ) وتجاوزوه قليلا قال هل ترون سمرات الى جنب قرون بقر ( جبل صغير يسمى الآن الباقر) ان القوم لن يتجاوزوا هذا المكان لأن ليس بعده الا فلاة لاظل فيها فنظروا فقال قائل
أرى رجلا يقود بعيرا كأنما يقوده الى صيد قال توبة ان ذلك بن الحبترية وذل أرمى من رمى ( يحذرهم منه)
فقال عبدالله أخو توبة أنا له فلما دنوا منه اطلق عليهم سهما فعقر فرس عبدالله واختلج ساقه ثم انحاز لقومه ينذرهم فجمعوا ركابهم وكانت متفرقة وأخذوا سلاحهم وزحف توبة ومن معه اليهم وجعلوا السمرات في نحورهم فارتمى القوم لابغني أحد عن أحد شيئا وتوبة وقومه من خلفهم حتى لحقوا بهم وصوب توبة سهمه في ثدي ثور ( غريمه) فصرعه وجال القوم وغشيهم توبة وأصحابه فوضعوا فيهم السلاح حتى تركوهم صرعى بجانب جبل قرون بقر
ولم يزل توبة خائفا بعد هذه القصة الدامية وكان السليل بن ثور راميا كثير البغي والشر فأخبر بغرة من توبة وهو في قنة بني الحمير فركب هو وثلاثين فارسا من قومه حتى أتوا منزل توبة وكان متحصنا هو ورجل من اخوته في الجبل فأحاطوا بالبيوت فقال لهم توبة هاأنذا فمن تبغون
فاجتنبوا البيوت وأخذوا أفراسا لتوبة واخوانه انصرفوا
ثم أن توبة غزاهم مرة أخرى ( يتبين هنا مدى الشر المتمكن فيه)
فلما كان ببطن بيشة قال له رجل لاتفعل ان القوم قاتلوك قال توبة لا اقلع عنهم ماعشت ثم ضرب بطن فرسه وارتجز يقول
تنجوا اذا قيل لها يعاط
تنجو بهم من خلل الأمشاط
حتى اذا انتهى الى مكان يقال له حجر الراشدة ( غار في اسفل وادي بشة يقال له الآن جليبة الراشدة)
استظل فيه ومن معه وكانوا وقت الهاجرة ( الظهر) فمرت ابل هبيرة بن السمين أخي بني عوف غرمائه وكانت تريد بئر طلوب ( تسمى الآن الطويله) فأخذها وخلى سبيل راعيها وقال له
اذا أتيت مولاك صدغ البقرة فقل له أن توبة أخذ الابل ثم مضى يطردها فلما ورد العبد على مولاه أخبر بما حصل فنادى في قومه فتعاقدوا بينهم من ثلاثين فارسا ثم تبعوه ونهضت امرأة خثعمية متزوجة من أحد أفراد بني عوف وكانت ساحرة فقالت أروني أثره فلما رأته أخذت من ترابه فسافته وقالت اطلبوه فانه سيحبس عليكم ( معناها أن السحر سيعمل عمله فيه)
فطلبوه فسبقهم فتلاوموا بينهم فخرجوا في أثره مجتازين كل الجبال والقفار حتى اتوا هضبة بكبد المضجع يقال لها هند ( تسمى الآن هيده وهي على طريق رنية/ الخرمة عن يمين المسافر بعيده عن خط الاسفلت ولاترى منه)
وكان توبة ومن معه يريدون قصد عبدالعزيز بن زرارة من سادات بني عامر ونزلوا بجانب تلك الهضبة للمقيل بجانب ثمد الشجرة أو حوله فلم يشعروا الا والابل قد نفرت وكانت بروكا بالهاجرة من وئير الخيل فوثب توبة وكان لايضع السيف فضب الدرع على السيف فتقلده وراجت القوم فطلب قائم السيف فلم يقدر عليه لأنه تحت الدرع ولم يستطع سله فغشيه الاعداء وقتلوه وتشتت أصحابه
ثم فر قابض الخفاجي صاحب توبة من فوره الى ابن زرارة فأخبره بمقتل توبة بن الحميرفنادى في قومه فقال له والده ماشأنك وأين تريد
قال قتل توبة
قال أبوه / طوط طوط ( كلمة تهكم وسخرية) سحقا لك اتطلب بدم توبة أن قتلته بنو عقيل ظالما لها باغيا عاديا عليها
قال / ولكني أجنه ( أي سوف أقبره وأواريه التراب) قال أما هذه فنعم الى آخر القصة
التي بها طويت صفحة شاعر علم خلد التاريخ ذكره ولو أن الاسلام دعا الى نبذ كل هذه الاعمال الا أننا نعذر الأعراب الذين يقطنون الصحاري والقفار من أمثال شاعرنا لبعدهم عن مراكز العلم فبقوا على جاهليتهم التي توارثوها من آبائهم ، رحم الله شاعرنا وأسكنه فسيح جناته
الرحلة
بعد توفيق الله تحركت من الرياض مع أخوين فاضلين من هواة الرحلات البرية ومشاهدة المواقع التاريخية وهما الأخ زابن بن محمد بن شثين والأخ فهد بن مسعود بن حزام
وذلك عصر يوم الأربعاء الموافق 22/ 4 /1433هـ
وبعد خروجنا من الرياض مع طريق عقبة القدية أخذنا مع طريق الرين / بيشة الجديد الذي يفلج عروق قنيفذه وسرنا معه بعد أن أدينا صلاة العصر مجتازين كل القرى والمناهل والهجر التابعة لمركز الرين وأذكر من تلك الهجر التي مررنا بها أوشاهدة اسمها في اللوحة قرية شلاح ثم حويمضة فمفرق بعد مسافة جهة اليسار لسر آل كعدة ثم هجرة برودان وهي بينجبال سود في أرض طينية وبيوتها متفرقة أغلبها من الطراز الشعبي القديم تجاوزناها ودخلنا في أرض واسعة تحيط بها الجبال من جهة الجنوب والجنوب الغربي وأجبل متفرقة يمينا وشمالا ، لايزال الطريق فيه اصلاحات ، وعندها دخلنا حدودمركز الحصاة (عماية قديما) وهذا المركز لحاضرة قحطان في تلك الجهة ويتبعه عدد لا يحصى من القرى والهجر القديمة والحديثة بعد مفرق الحصاة بما يقرب من 10 كيلو تقريبا أتانا مفرق يسار يتجه لمركز صيحة ( صيحتان قديما) وهنا يرى مسيل وادي الركا العملاق ، انتهى الاسفلت وبدأنا في طريق ترابي ( ردميه) قبيل غروب الشمس وكان اتجاهنا الى الجنوب الغربي مابين بني موزر و بعد مايقارب من (5) كيلو مترات تراءت لنا أنوار احدى آخر قرى الحصاة المحيطة بها سرنا حتى اجتزنا وادي الارمض وهو واد متوسط وعر ملئ بشجيرات الحرمل وعلى ضفافه أطعس صغيره ثم خلصنا الى واد رغيب كثير الرمث تحف به أجبل متقاودة وذلك عند الساعة السادسة والثلث تقريبا من بعد المغرب
سرنا مع بطن ذلك الوادي وكان يتسع حينا ويضيق حينا آخر بسبب الجبال التي تتخلله وقد كنا قلقين بسبب قلة وقود السيارة وخائفين من أن تعلق السيارة في رباضات الوادي ( التغريز)
مما حد ا بأحد الرفقاء أن يقول مازحا ( وادي ومطبات وتغريز) المهم أننا مررنا بمجموعة من المنازل والغرف الشعبية المتهالكة في طرف شعيب تحف به جبال صغيرة وعلى جانبه آبار نثائلها كالكول منها القديم ومنه الجديد اجتزناها ومنا من يردد
أشهد ان الليل ظلم وديرتهم بعيد
غيبت الامثال من دونهم والفكر تاه
وماهي الا لحظات واذا بأنوار هجرة قمران تظهر لنا وكأننا قد ولدنا من جديد ، انعطفنا يسارا باتجاه الهجرة التي أخذت اسمها من وادي القمرا القريب منه وهو واد شهير بين وادي الركا وحزم الدواسر وسيله يبدأ بفرعين رئيسيين ، أحدهما يأتي من ناحية جبل الضيرين وهضبة خديرة ، والثاني يفترق رأسه مع رأس وادي سلامة ثم يلتقيان ويسيران باتجاه شرقي جنوبي مكونان مجرى واحدا ينتهي جانب نفود الدحي وهو معروف منذ الجاهلية بهذا الاسم ، دخلنا الهجرة وتزودنا بالوقود منها وشرينا بعض الحاجيات ثم تحركنا باتجاه الجنوب قاصدين الهضب على طريق بيشة الجديد المزمع سفلتته ومشينا مسافة خمسين كيلا ثم انعطفنا يمينا لأجل أداء الصلاة جمعا ولأجل المبيت واعداد وجبة العشاء وبعد قضاء الفرض اوقدنا النار وأنزلناعدة الطبخ ( العزبة) من السيارة ومع ايقاد النار وبرد الصحراء القارس تذكرت أبيات حاتم الطائي التي يقول فيها
أوقد فان الليل ليل قر
والريح ياموقد ريح صر
وبعد نضوج وجبة العشاء وأكلها بدأنا نتجاذب اطراف الحديث كل يدلي بدلوه فيما يروقه الحديث فيه

مسعود فهد المسردي
05-05-2012, 02:36 PM
وما قطع حلاوة ذلك الحديث سوى نجمتين نيرتين في كبد السماء مع ميل قليل لجهة الجنوب الغربي شغلنا تتبعهما واسمهما وقد بدتا بمنظر بديع علامة فارقة عن كل النجوم الأخرى وقادنا هذا المنظر للنجمتين الى الخوض في شكل النجم المسمى بالدب القطبي فمن قائل أنه على رسم حرف السين المقلوب وآخر على أنه على هيئةالملعقة والثالث على أنه على شكل سهم متجه للجنوب
ثم تطرقنا لقصائد الشعراء الأوائل واهتمامهم بعلم الفلك ومواقع النجوم أمثال الخلاوي وبن لعبون وغيره مرورا بالشاعر المعاصر عيدان بن راجس في قوله
وجودي وجود مشرف في كهف ليلي
وحيد وجاله ديرة مابعد جاها
وهو بين مظهار الكليبين وسهيلي
وتاه الطريق وعزبته كملت ماها
قررنا الارتحال من منزلنا لعلنا نقطع شيئا من المسافة تأسيا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( عليكم بالدلجة فان الأرض تطوى بالليل) فسرنا حتى اجتزنا مركز عسيلة وهو مركز حيوي متوسط لقرى ومناهل الهضب فيه خدمات ومدارس وجمع من السكان أسس قرب بئر قديمة تدعى ( بكوان) أو أبا الأكوان ثم اجتزنا بلثقا أوكما سماها بن جنيدل أبا الفقا ماء عد شرق هضبة بدوة الغربية أسس عليه هجره حديثه ثم قررنا أن يكون المبيت في المسافة بينه وبين هجرة نميص
وفي الصباح الباكر بعد تأدية الفريضة قررنا المسير على الطريق المسفلت الذي لايزال فيه اصلاحات ولم يكتمل بعد
ونحن بهذا حتى مررنا بصحراء ووادي الفرشة العملاق وقد عملت الشركة المنفذة للمشروع كبري طويل جدا نظرا لعرض هذا الوادي الذي هو مصب الواديين الشهيرين ( وادي بيشة ورنيه ) وقيل قديما أنهما اذا اجتمعا في هذه المنطقة يسميان بنهر آر وذلك في غابر الأزمان ان صحت الروايه
وأما الفرشة نفسها فكانت تسمى برياض بني عقيل ( قوم من بني عامر بن صعصعة)
اجتزنا الفرشة وبعدها بمسافة أتانا مفرق رنية / وادي الدواسر وكانت المسافة المدونة في اللوحة
أن رنية / 93كم
ووادي الدواسر/ 150كم
اخذنا على طريق رنية يسار حتى رأينا جبل حدا عندها انعطفنا يمينا واذا بخباء بدوي عند ابله فأوقفنا سيارتنا ونزلنا للاستعلام عن بعض المعالم فأفادنا بعد أن احتسينا معه فناجيل من القهوة التي أمامه على نار السمر المتقدة وكان يوما باردا
خرجنا لانلوي على شي قاصدين محافظة رنيه وعند دخولنا وسط البلد بدأنا بالسؤال عن منزل الأستاذ / فهيد السبيعي فلم نطل السؤال حيث دلنا عليه أحد المارة وماهي الا لحظات حتى وصل الى المنزل اذ يبدوا انه كان خارج العمران في مزرعته وما ان رآنا حتى استقبلنا بكل حفاوة وترحيب وأدخلنا المنزل وأكرمنا بمثل مايكرم المضيف به ضيوفه كعادة أهل رنية الكرماء أهل المثلوثة قديما وهي ثلاثة أشياء يقدمونها للضيف قديما في آن واحد أيام القلة والجوع وهي ( اللحم مع المرق ثم الحليب والتمر)
تجاذبنا مع مضيفنا اطراف الحديث وكان رجلا لايمل حديثه وقد وجدناه مرجعا في أنساب القبائل وبني عامر على وجه الخصوص كما وجدناه ملما الماما تاما بتاريخ منطقته ومافيها من مناهل ووديان وأعلام علاوة على أنه مؤرخ ثبت وأحد كتاب مجلة العرب الشهير ة أيام مؤسسها الراحل حمد الجاسر أمطر الله عليه شآبيب الرحمه
أخذنا منه مانريد وأخبرناه بمخطط رحلتنا ليعذرنا في الرحيل نظرا لضيق الوقت عندها ودعنا بمثل مااستقبلنا به من بشر وأخذنا طريق رنية / بيشة بعد خروجنا من العمران باتجاه الجنوب قابلنا جبل ورك يسار سرنا حتى وردنا بئر الجاهلية يمين الاسفلت في كنف جبل هناك ولها من اسمها نصيب حيث انها قديمه الا أن أثر التجديد قد بدأعليها
مشينا منها على طريقنا وبعد مسافة ( 45ك) اجتزنا كبري وادي السليل الذي يسيل من الغرب ويتجه للشرق وهو واد مسني كثير العشر اليابس بعد اجتيازه بأربه كيلوات تقريبا انحرفنا عن الاسفلت يسارا باتجاه الشرق ومشينا بين أبارق وأرض وعرة ذات تضاريس متباينة حتى ولجنا بين جبال طوال فعرضت لنا خيمة فأتيناها للاستخبار فدلونا على بئر الطويلة بوصف ليس بالدقيق
فسرنا منهم جهة الشمال على جنب الجبل حتى وردنا البئر وهي التي كانت تسمى قديما كما قلت من قبل ( طلوب ) وهذا تغيرسهل في الاسم وهي بئر جاهلية بعيدة القعر عذبة الماء يقول الاستاذ فهيد في كتابه رنيه أنها مطوية بالحجر الى وقت قريب ثم صبت بالاسمنت) وأنا هنا ابشر الاستاذ فهيد على أنها لازالت مطوية بالحجر ولم تطلها يد التجديد المقيتة التي طالت الآبار الأثرية القديمه
أما وصف مكانها فهي بجانب واد صغير كثير السمر وفي كنف هضبة حمراء على اسم البئر في جهتها الشرقية وعلى بعد 300 متر من البئر في جهتها الشرقية اطلال غرف شعبية ومسجد يقول السبيعي ( انها كانت مقرا لمركز امارة انتقل منها قبل سنوات مضت الى موقع آخر)
كان الوقت ظهرا سرنا باتجاه الشرق بحثا عن حجر الراشدة القريب جدا من البئر الا أن الحظ لم يحالفنا
ولم نشعر الا ونحن نجتاز وادي بيشة العملاق بأثلة الطوال الشهير به منذ الجاهلية الا أن هذا الوادي كان وعرا للغاية مما جعل سيارتنا تعلق في رماله وبعد جهد جهيد خرجت فاتجهنا غربا علنا نجد مخرجا من مأزق الوادي الا ان المبروكة علقت مرت أخرى وهات من الحفر والدفن في وقت الظهيرة اللاهب ولما خرجت تبطنا الوادي شمالا وسرنا مايقارب من ثلاثين كيلا حتى وجدنا كهلا من أهل تلك الجهة من قبيلة سبيع العزيزة فدلنا على طريق سهل للسيارة فخرجنا وعدنا من حيث أتينا بحثا عن الحجر الذي لم نصله الا مع أذان صلاة العصر وذلك لشكله العجيب وصغر حجمه ولونه الذي يشبه لون التربة فسبحان من صوره
وقد وجدناه كما صوره الأصفهاني حيث يقول ( حجر الراشدة ظليل أسفله كالعمود وأعلاه منتشر) ووجدنا على واجهته الشرقية كتابات ووسوم قديمة جدا وموقعه في وادي صغير يسمى الراشده بينه وبين وادي بيشة ترى أثل الوادي وأنت في ظل الغار ويسمى الآن ( جليبة الراشدة ) أو حيد الراشده
وهو المكان الذي استظل فيه توبة ورفاقه قبل أخذ ابل بني عوف
وبعد وقفة تأمل لهذا المعلم التاريخي البارز سرنا جنوب شرق مجتازين لوادي بيشة باتجاه ماتسمى بمديان بن ختلة من قحطان غرب جبل الضنط وهي عبارة عن مزرعة وبئر ماء بجانبها أحواض ماء كبيرة جدا لسقيا البهائم وتسمى في عرف اهل المنطقة (مديان) وهذا كله سبيل لوجه الله تعالى اسأل الله ألا يحرمه الأجر
صلينا الظهر والعصر قصرا ثم سرنا قليلا وتوقفنا جانبا لنعوض وجبة الغداء الفائتة بما نسميه (هجور) وهو الاكل بعد صلاة العصر
اجتزنا السريع باتجاه الشرق برا باتجاه المهمل ولم تغيب الشمس الا ونحن نجول بين هضاب بني عقره التي هي آخر معالم الميثب جهة المهمل وهي عبارة عن هضاب حمر صلع لكل منها اسم يميزه عن الأخرى وتقع شرق وادي مسره الذي يقول فيه الشاعر ابن جذنان من الهيازع بني هاجر
يالله لا تسقي جوانب مسرة ********** حيث ان قعد لي في مسرة بضايع
سمحان ياذيب الخلا لاتمره ********** لاتاكله ياذيب لو كنت جايع
والآخر يقول وهو ماضي بن شويع الهاجري
خلوني أرعى في طوارف مسرة ********** واطرد مهاها قبل ياتيني الموت
وبقرب عقرات ماء قديم يسمى مطربه اعتقد أنه اندفن
وكذا في جهتها الشرقية الشمالية عد شوك يقول الشاعر
الا واهني اللي روى قربته من شوك ********** روى قربته لوكان ماتسي بعيره
للأسف حال ظلام الليل عن مشاهدة باقي الأعلام هناك مع العلم أنها ليست الزيارة الاولى لي لهذه المرابع فقد نزلنا بدوا بجانبها عدة اشهر عام 1417هـ وزرتها بعد ذلك على فترات متقطعة
المهمل من أجمل الأماكن البرية وطبيعته عذراء ليس للمدنية فيه أدنى نصيب لكن يبدو أن التطور وحياة التقدم لن تبقي ولن تذر على وجه البسيطة مكانا الا وستدخله ومن ذلك أن أبراج الجوال (فل ) وأنت في قلب المهمل علاوة على أن الطريق السريع الجديد الرياض / بيشة قريب منها جدا
لذا فلايمكن أن يطلق على المهمل مهملا بعداليوم كماأن مظاهر البداوة في المملكة ككل مقبلة على الزوال وقلما تجد بدويا بأهله في الصراء بعدما كانوا قبل خمسة عشر عاما أوتقل يملئون سفوح واكناف الجبال وقديما أطرى أبو العلاء المعري البداوة التي هي ابرزمظاهر الصحراء
الموقدون بنجد نار بادية ********** لايحضرون وفقد العز في الحضر
نعود لاسم المهمل الذي قيل انه سمي بذلك قديما لقلة سكانه ومياهه

مسعود فهد المسردي
05-05-2012, 02:37 PM
كما أخبرني المؤرخ فهيد بن عبدالله السبيعي انه كان مشهورا بالمناجم قديما

قررنا المبيت في المهمل بالقرب من بئر الخاطبية ( على اسم جبل خاطب التي تقع جانبه)

وفي الصباح الباكر رأينا خياما بالقرب منا فأتيناها لنستعلم عن البئر فأصروا علينا أهلها بالفطور ولما قضينا وردنا البئر ثم اتجهنا للاسفلت نظرا لنفاد الوقود واتجهنا لقرية الجنينة ( تصغير جنة ربما لكثرة مزارعها الخضراء دور في التسمية ) وهي أسفل وادي بيشة في كنف جبل خشيم الذيب الغربي والجنينة عبارة عن سلسلة من الهجر الصغير المتصلة على حافة اسفل وادي بيشة

اخذنا مانحتاج من بيشة ثم قفلنا راجعين حتى اتينا مفرق الوادي ـرنية فاتجهنا لوادي الدواسر بحثا عن جبلي يفيخ وقرون بقر

سرنا حتى وجدنا جبل افيخ الوارد ذكره في خبر مقتل توبه ووصفه كالتالي

كما ورد في كتاب رنية

يفيخ لايزال على اسمه جبل احمر في مفازة من الارض على الطريق الذي يربط رنية بوادي الدواسر وهو الى الجنوب الشرقي من رنية على بعد 95 كم

والذي أود اقوله ان المسافة الحقيقية هي 136 كم تقريبا عن رنيه

وقال عن قرون بقر

تعرف الآن باسم الباقر جبيلات بيض يعلوهن دكنة سوداء وهن الى الشمال من يفيخ وترى منه بالعين وعندهن قتل توبة خصمه ثور بن أبي سمعان

واضيف أن الاسفلت فصل بينها وبين يفيخ ولون الجبيلات ليس كما قال السبيعي وبن جنيدل في كتابه عالية نجد
بل لونها عجيب يميل الى الزرقة الناصعة مع بعض البياض ولم أجد لها شبيها الا لون جبل حاضا الملح الذي بالقرب من مركز ورشة التابع لرنيه واطلب من الله الا تهتدي اليه شركات الاحجار التي شوهت منظر جبالنا واحالتها الى بلاقع كأن لم تغن بالأمس دون رقيب أو حسيب ولاحول ولاقوة الابالله

بعد مشاهدة هذه الاعلام وزيارة مركز شرطة يفيخ ادرنا وجه السيارة قافلين جهة رنية ودخلناهاا بعد ظهر الجمعة ولم نتوقف بها وسرعان ماأخذنا طريق الخرمة باتجاه آخر علم نريد أن نحقق موقعه في هذه الرحلة سرنا مسافة 35كم كيلا تقريبا لست ( لست متأكدا ) ثم فرقنا يسار مع مفرق كتيفان وبعد مسافة قصيرة ظهرت لنا هضبة هيدة يسار الاسفلت وهي التي قتل عندها توبه

ورد في كتاب رنية

ورد اسمها في الاغاني (هند) لكن في معجم البلدان ورد (هيده) وقال ابوعبيدة ( لم يقف علماؤنا على هيدة ماهي حتى جاء الحسن فأخبر أنه موضع قتل فيه توبة بن الحمير قلت وهن هضبتان يقال لهما بنتا هيدة ( أي بني هيده) قالت فيها ليلى الاخيلية

عقرت على أنصاب توبة مقرما

بهيدة اذ لم تحضره أقاربه

وهيدة وهيدان بمعنى واحد هما اكيمات احداهما اكبر من الاخرى وبقربهم ثمد الشجره وهما شمالي هضب ظلما وابوظلمان بطرف عرق سبيع ) انتهى

توقفنا ننظر هذه الهضيبة التي شهدت مقتل توبة رحمه الله وتعجبت كيف قالوابها وليس فيهاظل ولكنه الخوف اذا حل بالقوم رأوا الأشياء على نقيضها

يقضى على المرء في أيام محنته *********** حتى يرى حسنا ماليس بالحسن

لا أخفيكم أني تأثرت عند مشاهدتي تلك المعالم التاريخية التي شهدت مآثر وأحداث طواها وعفا عليها الزمان ولولا التدوين لم يصل لنا من خبرها شيئا

اللهم اعف عن توبة بن الحمير واجعل قتله تكفيرا لما اقترفه من الذنوب
من ذا الذي ماساء قط

ومن له الحسنى فقط

اللهم اغفر له وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله يارب العالمين وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وآسف على الاطاله

سليماني جحدري
05-05-2012, 04:59 PM
موضوع قيم يستحق القراء ة بتاني وتمعن

لاهنت وبيض الله وجهك
سليماني

الظور
05-05-2012, 11:18 PM
بحث لايقدر عليه الا من هم في همتك وعلمك وصبرك وجلدك اخوي مسعود

شيمه وسخاء جبلت عليه قبيله المسارده حيث انها لاتذخر كل غالي نفيس الاتجود به حتى العلم اجدت به ولو غيرك لاثره في كتاب يدر عليه دخلا وحجبه عن الانترنت

اقف احتراما لك ولبحثك فالشكر لايفي بالغرض

لك مني اجمل تحيه

مسعود فهد المسردي
06-05-2012, 11:35 AM
سليمان جحدري

ووجهك ابيض

تقبل تحياتي وفقك الله

مسعود فهد المسردي
06-05-2012, 11:37 AM
الظور

شكرا لك من الأعماق

ومرورك شرف لي أطلب من الله أن يكون من العلم المفيد

والذي يحسب لنا لا علينا يوم نلقى الله

وهذا منتدانا ولن بخل عليه بشي نستطيعه وما عندنا كما قيل الا بضاعة مزجاه

أشكرك أخي من الأعماق مرة اخرى

وتقبل ودي وتقديري

حمد الظلافيع
07-05-2012, 11:18 PM
الاستاذ مسعود مشكور على هذة المصطلح شوقتنا علي مثل هذه الرحاله امتعتنا الله يعطيك العافيه

مسعود فهد المسردي
07-05-2012, 11:43 PM
حمد الظلافيع

أشكرك على مرورك وفقك الله

تقبل تحياتي وتقديري

مشعل أبو زيد الحياني
08-05-2012, 08:58 AM
أستاذنا مسعود بن فهد الواقع أنك أجدت في هذه الرحلة
وأنت بهذا الأسلوب والنهج تستدعي زمن الكتابة الجميلة الذي نفتقر إليه اليوم

أشكرك من كل قلبي على هذه الرحلة الماتعة في طلل الماضي البعيد

مشاري بن نملان الحبابي
08-05-2012, 06:49 PM
جميلٌ أن يكون في قبيلة قحطان رجلٌ ملمٌ بجغرافية جزيرة العرب ..

ونتمنى أن تتتوجّ هذه الجهود البلدانية بمعجمٍ جغرافي لبلاد قبائل قحطان ..

اطلع على هذا الموضوع فهو يتناولُ ما تحدثت عنه ..

http://mekshat.com/vb/showthread.php?t=419112

لاهنت أيّها الخرّيتُ الماهر ..

مسعود فهد المسردي
09-05-2012, 09:25 AM
مشعل أبو زيد الحياني

أشكرك جزيل الشكر على هذا الاطراء

تشرفت بمرورك العطر تقبل أجمل تحياتي وفقك الله

ناصر بن هذال ال شري
09-05-2012, 09:28 AM
تسلم يابوفهد

ويعطيك العافيه على هالجهد والصياغه والدقه والاسلوب الاحترافي .

مسعود فهد المسردي
09-05-2012, 09:33 AM
مشاري بن نملان الحبابي

شكرا شكرا أولا لاطلاعك على الموضوع وهذا بحد ذاته مكسب كبير

ثانيا / أمتعتنا بهذا الرابط الذي يحمل موضوعا جميلا للغاية عن قرون بقر والطويلة والراشدة وكم تمنيت اني اطلعت عليه قبل رحلتي للاستغادة منه فهو موثق بالصور وهي كما تعرف مطلوبة جدا في مثل هذه المواضيع لكني مقل في تصفح المواقع وهذا اعتبره قصور وكان بودي لو علقت بما يجول في نفسي عن ماقالوه عن الدوائر وعن رحلتهم تلك لكن الوقت لايكفي لذلك

أشكرك وأشكرهم

تقبل اجمل تحياتي يا الغالي

مسعود فهد المسردي
09-05-2012, 09:35 AM
أبو يزيد


وأنا أشكرك وفقك الله

تشرفت بمرورك الذي أسعدني