المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مـــشــوقــات لـلـحــج (10)


سعيد شايع
16-10-2011, 08:30 AM
سبق الحديث في اللقاء التاسع الحديث عن
( الفقر )
أما في هذا اللقاء فالحديث عن
( الذنوب )
لقد دل القرآن والسنة وإجماع الصحابة والأئمة على أن الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر قال الله عن الكبائر
{ إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً } [ النساء:31]
وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
" اجتنبوا السبع الموبقات " [رواه البخاري]
فالكبائر هي كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب
كما قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وهي غير منحصرة في عدد معين ، بل
( هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع ، غير أنه لا كبيرة مع استغفار ، ولا صغيرة مع إصرار )
فالصغيرة إذا حصل الإصرار عليها انقلبت كبيرة ، إن الذنوب قدر واقع لا محالة ، كما إن الأمراض من
قدر الله ـ تعالى ـ الذي لا يسلم منه إنسان ، فهي شر واقع لا بد منه ولا مفر منه ، فالأرض مليئة
بأسباب المرض ، من جراثيم وميكروبات وأحياء لا تعيش إلا على هلاك غيرها ، ولا يخلو إنسان
من مرض مهما اتخذ الحيطة والوقاية ، لا فرق في ذلك بين غني أو فقير ، شريف أو وضيع
كبير أو صغير ، ذكر أو أنثى .. وهكذا الذنوب قدر واقع لا بد منه ، لأن الأرض مليئة بأسباب الذنب
من شيطان لا همَّ له إلا غواية البشر والقعود لهم بكل صراط
ونفس أمارة بالسوء ، وهوى مضل عن سبيل الله ، مردٍ في أنواع المهالك ، إلى شياطين الإنس
الذين يميلون بالناس إلى الشهوات ميلاً عظيماً ، ويوعدون ويصدون عن سبيل الله من آمن
فهم يبغونها عوجاً ، فمهما اتخذ الإنسان الحيطة والوقاية والحذر من الذنوب فإنه غير سالم منها
لأنها قدر واقع لا يمكن دفعها بالكلية ، كما لا يمكن دفع الأمراض بالكلية ، وإذا كان الأمر كذلك
فهل هذا يعني التهاون بالذنوب وركوبها في كل خاطرة وسانحة بدعوى أنها قدر واقع لا مفر منه؟
الجواب: كلا ، فبالرغم من أننا نعلم أن الأمراض قدر واقع فإننا ينبغي أن نتخذ الحيطة والحذر منها
بالوقاية منها واجتناب أسبابها ، وإذا ما مرضنا لا نستسلم للمرض ، بل نكافحه بالعلاج والتداوي
هذا مع أننا نعلم أن من المستحيل السلامة من المرض ، فهذا العلم اليقيني الصحيح بحقيقة المرض
لم يمنعنا من علاجه والسعي في ذلك بكل ما نملك ، وهكذا ينبغي أن نتعامل مع الذنوب
نعم هي من قدر الله ـ تعالى ـ وكل إنسان مكتوب عليه حظه منها كما كتب عليه حظه من المرض
وكما يمكن الاحتياط من المرض ، كذلك يمكن الاحتياط من الذنب ، وكما أن للمرض علاجاً
فكذا للذنب علاج ، ولأن المرض إذا ترك بدون علاج تفاقم وأهلك البدن ، وكذا الذنب إذا ترك بدون
علاج تفاقم وأهلك الروح ، وهلاك الروح أشد من هلاك البدن ، فالنجاة يوم الدين مترتبة على سلامة
الروح لا سلامة البدن ، قال تعالى
{ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [ الشعراء:88-89 ]
فلا بد إذن من علاج الذنب وعدم الاستسلام له ، وحول هاتين الحقيقتين نجد الشرع يقرر أنك
ستقع في الخطأ وفي نفس الوقت يعطيك العلاج ، وفضل المدافعة للذنب والمجاهد له
ولذا يقول ـ عليه الصلاة والسلام ـ " كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون "
[أخرجه الترمذي ، وابن ماجة ، وحسنه الألباني]
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعاً
" ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب ، يعتاده الفينة بعد الفينة ، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا
إن المؤمن خلق مفتناً ، تواباً ، نسياً ، إذا ذكر ذكر " [رواه الطبراني ، صحيح الجامع]
فالوقوع في المعصية صغيرة كانت أم كبيرة لا يعني الاستسلام ، إن العبد إذا عصى أظلم قلبه
وتكدرت نفسه ، وهذه فرصة ليجدد التوبة ويقبل على الطاعة بصدق وندم ، حيث يكون القلب منكسراً مخبتاً
فإحداث الطاعة في هذه اللحظة مما يقرب العبد إلى ربه ، لشعوره بحاجته إليه في العفو والمغفرة
والتوبة عليه ، ولأن هذا الشعور مما يورث الخشوع في العبادة والتطلع إلى الرحمة والذلة
والمسكنة لله تعالى ، وهذا ما يريده الله من عبده ويرضاه عنه ويوجب له القبول
ودائماً ما يخطئ العصاة عندما يقعون في الذنب فيستسلمون للشيطان بعدها ، فيتركون الطاعات المفروضة
والنوافل المستحبة بدعوى أنهم عصاة ، وأن الله لن ينظر إليهم ، وأنهم إن قاموا بالطاعة
وهم عصاة لبسوا لباس المنافقين ، فالشيطان بهذه الطريقة يحكم قبضته عليهم
فهو الذي أوقعهم في المعصية أولاً ، ثم اليأس وإهمال الطاعة ثانياً ، وكان من الحكمة أن ينتبه الإنسان
إذا عصى ألاَّ يزله الشيطان ثانية كما أزله أول مرة ، وقد قال الله
{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } [الأعراف:201]
فالمؤمن إذا زل تذكر عقاب الله وثوابه ، فتاب وأناب ورجع ، فإذا هو أصح مما كان
أخي الحبيب: تخيل أن عدواً قبض عليك وطرحك أرضاً هل تستسلم له وتمد له يديك ورجليك
ليضع فيهما القيد فتكون أسيراً عنده؟
لا يمكن .. وفيك بقية قوة تقدر أن تدفعه بها ، هذا المبدأ في قتال الناس بعضهم بعضاً ، وهو عدم
الاستسلام من أول مرة ، وكثير منا لا يطبقه في حربه مع الشيطان ، فيستسلم له من أول هزيمة
وإلا فالواجب إذا ما وقع الإنسان في معصية ما أن يصابر الشيطان بفعل الطاعات والتوبة ، وعدم اليأس
ولقد كان من هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تشجيع أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ وحثهم على
معالي الأمور ومكارم الأعمال ، ولهذا تجده في أكثر من موقف يستحث أصحابه على تطهير قلوبهم من الخطايا
وينصحهم ويذكرهم ويدعوهم ويوجههم ويسألهم ويُعلي من هممهم حتى يرتقوا في مدارج العبودية
ومسالك الطاعات ، بل ويلفت انتباههم ويشوقهم ، ويحثهم على العمل والتركيز والتفكير ، ليستجمعوا أفهامهم
ويستحضروا أذهانهم ، فيبادروا للعمل ، ويتسابقوا ويتنافسوا
وهذا منهج تعليمي تربوي في غاية الأهمية ، فهو يبني الفكر ، وينشط الذهن ، ويسترعي الانتباه ، ويدفع للمبادرة
ولذا قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :
" تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب ، كما ينفي الكبر خبث الحديد والذهب والفضة "
وقال أيضا " أديموا الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد "
هذا وإلى لقاء آخر لتتمة الموضوع ـ إن شاء الله ـ

مثل بن ابراهيم أل سويدان
08-11-2011, 07:02 AM
جزاك الله خير
الله عيطيك العافية
على الطرح المتميز

مقبل السحيمي
09-11-2011, 07:33 AM
نسأل الله ان يتقبل منا ومن الحجاج صالح الأعمال وأن يتقبل حجهم
وسعيهم
جزاك الله خير شيخ سعيد على تلك الروائع التي أتحفتنا بها

المحب لكل مسلم
10-10-2013, 01:36 AM
عزالله انه من ذهب جزاك الله خير