المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مـــشــوقــات لـلـحــج (9)


سعيد شايع
16-10-2011, 08:17 AM
مشوق ينفي الفقر والذنوب:
وحديثي لك في هذا المشوق عن الفقر:
لقد أخبر نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ بقوله:
" تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكبر خبث الحديد والذهب والفضة "
[ رواه أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وصححه الألباني ] وفي رواية:
" أديموا الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد " [ رواه الطبراني في
المعجم الأوسط ، وهو حديث صحيح ]
إن الفقر يعد مشكلة معقدة ، والفقر متعدد الأبعاد ، وهو ذات جذور ضاربة على الصعيد المحلي
والإقليمي والدولي ، والمفاهيم المرتبطة بالفقر متعددة ، ولكننا نؤمن ونعتقد أن الإسلام أنكر الخوف
من الفقر لأن الخالق والرازق هو الله ، ورزق العباد ليس بيد العباد ، وإنما بيد خالق العباد ، قال جل ثناؤه:
{ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ } [الإسراء: 31]
وقال أيضًا: { وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } [الذاريات: 22]
والله ـ عز وجل ـ قد تكفّل برزق الخلائق
{ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } [هود: 6]
وما تكفل الله به فلا خوف من تأخره ، أو ضياعه وعدم وصوله ، ولذا ثبت في الصحيحين أنه
لما قدم أبو عبيدة بن الجراح ـ رضي الله عنه ـ بمال من البحرين ، سمعت الأنصار بقدومه
فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما صلى رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ انصرف ، فتعرضوا له ، فتبسم حين رآهم ثم قال:
" أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟"
فقالوا: أجل يا رسول الله ، فقال:
" أبشروا وأملوا ما يسركم ، فوالله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى أن تبسط عليكم
الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوا فيها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم "
وهذا يجعل عند المؤمن كمال اطمئنانه ، وعظيم ثقته بموعود ربه ، ويقينه التام بأن ما قدره الله
من رزق فهو آتيه لا محالة ، والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يخاف على أمته من الفقر
لأنه يمكن القضاء عليه بالأساليب الاقتصادية الإسلامية ، فحثَّ الإسلام الفقير المسلم القادر
على العمل على أن يعمل ، ويسعي في البحث عن الرزق الحلال واكتساب المعيشة الطيبة..
قال تعالى { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } [الملك:15]
وقال ـ جل وعلا ـ { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ } [المزمل:20]
وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
" لَأَن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له
من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه " [البخاري]
ويجب على ولي الأمر أن مساعدة الفقير في ذلك ، ليكون عضواً عاملاً في المجتمع
فيستفيد منه المجتمع ويكفيه ذلك عن السؤال ومدِّ يده للآخرين ، فيواجه الصعوبات التي يلاقيها
في حياته ، والفقر ليس دائماً وأبدياً ، فالرزق مكفول ، غير أن الله ـ عز وجل ـ ينزله بقدر معلوم
فلا يستطيع أحد أن يتنبأ بكسبه أو رزقه ، لأن الله يقول:
{ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا } [لقمان: 34]
قال الشاعر النابغة حاثاً على السعي لطلب الرزق:
إذا المرءُ لم يطلبْ معاشاً لنفسه ... شكا الفقرَ أو لامَ الصَّديقَ فأَكثرا
فَسرْ في بلادِ الله والْتمسِ الغِنَى ... تَعِشْ ذا يسارٍأو تموتَ فتُعْذَرا
يقول يحيى بن معاذ ـ رحمه الله ـ
( مسكين ابن آدم لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة )
انظر للهفنا ولهثنا وراء الدنيا.. نخاف من الفقر ، ونطمع في جمع الحطام.. كأننا نخلد أو نبقى في
هذه الحياة إلى الأبد.. سبحان الله!
نخاف الفقر ، ولا نخاف الحساب..
نخاف الجوع ، ولا نخاف من العقاب ..
هذه حالنا شح وجشع وحب للدنيا
تراكضت الشركات والمؤسسات المالية للربح السريع بدون ضوابط ، فأوردت المتزاحمين عليها
المهالك ، وصدق نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
" والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا "
وهذا مما وعد الشيطان به نفسه إذ قال الله عنه
{ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ } [البقرة: 268]
فواقعنا وحالنا تنافس على الدنيا خوفا من الفقر ، لا تكن نظرتنا كنظرة ذلك الرجل الذي قدم
على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأعطاه ما يريد من الدنيا ، فعاد إلى قومه ليقول لهم:
أتيت من عند من يعطي عطاء من لا يخاف الفقر.. إنه لم ينظر إلا من هذه الزاوية
لم يقل أتيت من عند نبي الله ، أو أنه قال هلموا لأكمل الأديان وأتمها ، لا بل نظر إلى من زاوية دنيوية
وهي التي لفتت انتباهه ، وهي التي رغبته في الإسلام ، لا يكن ظنا وشيمتنا وغايتنا كالمنافقين
الذين قال الله فيهم { فإن أعطوا منها رضوا و إن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون }
ولكن ليكن حال العبد الصالح كحال أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ فهي كما قال:
( أحب الفقر تواضعًا لربي ـ عز وجل ـ وأحب الموت اشتياقًا إلى ربي ، وأحب المرض تكفيرًا لخطاياي )
وكم من عبد من عباده كان فقره سبب سعادته!
وكم من عبد من عباده كان غناه سبب شقائه!
ولا يدل غنى العبد على رضى ربه عنه
ولا فقره على سخطه عليه
ولا الغنى دليل سعادة ، ولا الفقر دليل شقاء
وصدق الشاعر إذ يقول:
ولست أرى السعادة جمع مال ...... ولكن التقى هو السعيد
إن تربية العبد لنفسه على أن الغنى غنى النفس ، هو المطلب ، وهو الذي أشار إليه النبي
ـ صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ لما قال له:
" أترى كثرة المال هو الغنى؟"
قال أبو ذر: نعم " وترى قلة المال هو الفقر؟"
قال أبو ذر: نعم ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
" إنما الغنى غنى القلب ، والفقر فقر القلب " [ أخرجه ابن حبان في صحيحه]
وتلك حقيقة لا مرية فيها ، فكم من غني عنده من المال ما يكفيه ولو عُمِّر ألف سنة!
وكم من فقير يرى أنه أغنى الناس ، وهو لا يجد قوت غده! فالعلة في القلوب: رضيً وجزعاً
واتساعاً وضيقاً ، وليست في الفقر والغنى ، ولأهمية غنى القلب في صلاح العبد قام عمر بن
الخطاب ـ رضي الله عنه ـ خطيباً في الناس على المنبر يقول:
( إن الطمع فقر ، وإن اليأس غنى ، وإن الإنسان إذا أيس من الشيء استغنى عنه )
[ أخرجه أحمد في الزهد ، وأبو نعيم في الحلية]
وسئل أبو حازم فقيل له:( ما مالك؟ قال: لي مالان لا أخشى معهما الفقر: الثقة بالله
واليأس مما في أيدي الناس ) [أبو نعيم في الحلية]
وذا ضاقت عليك السبل وبارت الحيل ، وتقطعت الحبال وضاق الحال ، فاعلم أن الفرج قريب
وأن اليسر حاصل ، فلا تحزن ، فإن بعد الفقر غنى ، وبعد المرض شفاء ، وبعد البلوى عافية
وبعد الضيق سعة ، وبعد الشدّة فرحا ، سيصلك اليسر أنت وأتباعك ، فترزقون وتنصرون وتكرمون
ويفتح عليكم ، ولكن ليس يسر واحد بل يسران ، إنها سنة ثابتة ، وقاعدة مطّردة
أن مع كل عسر يسرا ، فبعد الليل فجر صادق ، وخلف جبل المشقة سهل الراحة
ووراء صحراء الضيق روضة خضراء من السعة ، سيجعل الله بعد عسر يسرا ، فخذ بالأسباب
وتأمل قول الحبيب ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ
" تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكبر خبث الحديد والذهب والفضة "
وقوله " أديموا الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد "
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمرنا إذا أخذنا مضاجعنا
أن نقول: " اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء ، فالق الحب والنوى
منزل التوراة والإنجيل والفرقان ، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته
اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء
وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين ، وأغننا من الفقر " [أخرجه أحمد ، ومسلم ، والترمذي]
وقوله " اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار
وفتنة القبر وعذاب القبر
وشر فتنة الغني ، وشر فتنة الفقر " [متفق عليه]
هذا في الفقر .
أما الحديث عن الذنوب .. ففي لقاء آخر ـ إن شاء الله ـ