المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معركة بلجراد...هل سمعت بهكذا مفخرة


عبدالله الغريب
18-10-2005, 09:06 PM
معركة بلجراد..

--------------------------------------------------------------------------------

كانت مدينة بلجراد التابعة للإمبراطورية المجرية (في القرن العاشر الهجري) هي مفتاح أوربا الوسطى، وكانت قلعتها الشهيرة من أحصن القلاع في أوربا، وأشدها منعة، وكانت تبعد عن الأراضي العثمانية حوالي 20 كيلومترا فقط، وكان المجريون يكنون الكثير من العداء للعثمانيين، ويسعون لطردهم من أوربا بأسرها ومن منطقة البلقان على وجه الخصوص، ولعل هذا ما جعل العثمانيين يوجهون جهدهم لفتح بلجراد والقضاء على خطرها، وإزالتها كعقبة تعترض طريقهم نحو الانسياب إلى قلب أوربا وفتح فيينا وبودابست.


صعد السلطان سليمان بن سليم الشهير بـ"سليمان القانوني" إلى الحكم بعد وفاة والده، ولم تمض إلا 8 أشهر على توليه الحكم حتى قام بحملته الهمايونية الأولى والتي أراد أن تكون وجهتها بلجراد، وأن تكون حملة تبث الرهبة في قلوب الأوربيين المعادين للدولة العثمانية.

وبنى القانوني موقفه من بلجراد وتصميمه على فتحها على عدة اعتبارات سياسية وإستراتيجية؛ فالمملكة المجرية هي الخصم الأكبر للعثمانيين في أوربا الشرقية بعد زوال مملكتي الصرب والبلغار وزوال الإمبراطورية البيزنطية، كما أن المملكة المجرية تمثل سدا منيعا دون انتشار الإسلام في أوربا الشرقية خاصة في عهد "هونيادي" وابنه "ماتياس كورفين" اللذين تبنيا مشروعا صليبيا لطرد العثمانيين من أوربا.

ورأى القانوني أن الإمبراطورين المجريين "لادسلاس جاجلون" و"لويس الثاني" لم يستغلا عجز الدولة العثمانية أثناء قتال الصفويين والمماليك للتهيؤ لحرب العثمانيين؛ وهو ما جعل المجر في حالة ضعف نسبي مقارنة بالعثمانية.

كانت العلاقات بين الجانبين تنظمها معاهدة موقعة بينهما، لكنها لم تمنع من المناوشات بين العثمانيين والمجريين على الحدود، وهو ما تسبب في نوع من الإجهاد النسبي للمجريين.

ومن الناحية الأخرى استطاع "القانوني" بحنكته السياسية الكبيرة أن يحيد القوى الأوربية عن التدخل لإنقاذ بلجراد؛ فالبندقية كانت تناقش في ذلك الوقت عقد معاهدة تجارية مع العثمانيين، ولم يكن من مصلحتها أن تدخل في حرب ضد العثمانية تأييدا للمجريين. أما الفاتيكان وملك بولندا فلم يجدا مبررا للتدخل لمساندة بلجراد، كما أن أوربا كانت على وشك حالة من الانقسام الديني بسبب دعوة "مارتن لوثر" الدينية الجديدة التي تزامنت مع بدايات تحرك السلطان القانوني نحو بلجراد. والفرنسيون نصحوا الملك المجري "لويس" بإبرام هدنة مع القانوني كسبا للوقت، أما الألمان فكانوا مشغولين عن مساندة بلجراد ببعض العوامل الداخلية، ومن ثم تلكأت أوربا عن نصرة بلجراد.

كانت الظروف الداخلية والأوربية مهيأة لأن يقوم السلطان القانوني بفتح بلجراد، وتحقيق ما عجز ثلاثة من أكابر السلاطين العثمانيين عن تحقيقه؛ ومنهم محمد الفاتح، وانتظر القانوني الذريعة التي تمكنه من شن الحرب على المجريين، وأسعفه القدر عندما قام المجريون بقتل الرسول الذي أرسلته الدولة العثمانية إلى المجر ليطالبهم بدفع الجزية السنوية المقترحة من سليمان في مقابل تجديد الصلح معهم، ووجد في تلك الجريمة سببا كافيا لإعلان الحرب على مملكة المجر.





الفتح وقائع ونتائج

أخذ سليمان في الترتيب لفتح بلجراد طوال شتاء (926 هـ= 1520م)، فجمع قوات النخبة العثمانية المسماة "السباهية" من عدد من الولايات، وزاد في عدد القوات النظامية، وأصدر الأوامر لأصحاب الصنائع في الجهات المختلفة في الطريق إلى بلجراد بالاستعداد وأن ينفذوا ما يطلب منهم، وأمر بتخزين المؤن والحيوانات على طول الطريق إلى بلجراد، وتم تعهد الطرق والجسور على طول الطريق بالإصلاح والترميم.

وأصر القانوني أن يكون خروجه يوما مشهودا يشهده سفراء الدول الأجنبية في الدولة العثمانية، وكان يهدف من وراء ذلك إلى القيام بحرب نفسية ضد المجر، وحرب نفسية أخرى ضد الأوربيين حتى لا يفكروا في تقديم يد العون لبلجراد، لعلمه أن هؤلاء السفراء سيرسلون إلى دولهم بحجم هذه الاستعدادات، ومن ثم فإن ما قام به كان استعراضا مدروسا للقوة.

وكان في مقدمة هذا الجيش البديع التنسيق، 6 آلاف من فرسان الحرس الإمبراطوري بأزيائهم الرائعة، وخيولهم الأصيلة، وأسلحتهم الحديثة، وكان في الحملة 3 آلاف جمل محملة بالذخيرة والبارود، و30 ألف جمل محملة بالمهمات، وسفينة محملة بالخيول كانت تسير في نهر ألطونة (الدانوب)، و50 سفينة حربية، و10 آلاف عجلة محملة بالطحين والشعير، وعدد من الأفيال المدرعة، والمدافع.

وكان الجيش يسير وفق نظام دقيق محكم، فكان الجنود يرحلون من معسكر إلى آخر مع أول ضوء من النهار، ثم يحطون رحالهم مع الظهيرة ليستريحوا، في مكان تم اختياره من قبل، وتم تجهيزه قبل أن ينزل فيه الجيش، فكان النظام هو السمة الرئيسية في التحرك، أما السمة الثانية فكانت العدل، فكان الجيش يتحمل تكاليف كل عطب تسبب فيه أثناء سيره إذا لم يقم بإصلاحه، وكان كل شيء يُشترى لا بد أن يدفع ثمنه في الحال، وكان كل من يقوم بأعمال اللصوصية يُعدم في الحال.

وفي أثناء سير الجيش الهمايوني لحق به الوزير فرحات باشا ومعه عدة آلاف من الإبل محملة بالذخيرة والمدافع، والقمح والشعير، أما الصدر الأعظم بير باشا فسبق جيش القانوني وعسكر تحت أسوار قلعة بلجراد الحصينة، وعندما جاء سليمان وجنوده نصبوا المدافع فوق الجزيرة في ملتقى نهر الدانوب، وبدأت المدافع تقصف القلعة بدون انقطاع حسب الخطة الموضوعة، وتوالت الهجمات تلو الهجمات طيلة 3 أسابيع، لكنها كانت دون جدوى.

وفي هذه الأثناء قدم أحد الأوربيين نصيحة للقانوني بأن ينسف أكبر برج في التحصينات في القلعة لأن انهياره سوف يؤدي إلى انهيار معنويات المدافعين عن القلعة.

وبالفعل تم نسف البرج وانهارت معنويات المجريين والصرب المدافعين عن القلعة رغم ما أبدوه من بسالة في القتال، ثم ضرب القانوني ضربته الثانية للتفريق بين الصرب والمجريين، حيث وعد الصرب بالحفاظ على حياتهم إذا تركوا المجريين في القتال، واستطاعت هذه الخطة أن تبقي المجريين وحدهم في الميدان، فقتل أغلبهم وفتحت القلعة في (4 من رمضان 927هـ = 8 من أغسطس 1521م) أما بلجراد المدينة فتم فتحها في (25 من رمضان 927هـ = 29 أغسطس 1521م)، وسرعان ما انتشرت أخبار الانتصار في العالم، وأرسل الأوربيون في البندقية وروسيا وفودا للتهنئة بالفتح.

وقد تسبب فتح بلجراد في وضع مأساوي لمملكة المجر، فقد توفي ملكها لويس بعد سماع نبأ سقوط بلجراد حصن المسيحية في أوربا الشرقية، ولم تلبث هذه المملكة أن انهارت على يد القانوني بعد معركة صحراء موهاكس الشهيرة، وتدفق العثمانيون على أوربا كالسيل الجارف الذي لا تزيده الأمطار إلا قوة وعنفوانا.

وبقي سليمان في المدينة 19 يوما، ثم تركها بعدما ترك فيها حامية من 3 آلاف جندي و200 مدفع، وعاد من حملته بعد حوالي 5 أشهر

حراليدين
09-11-2005, 05:13 AM
و تلك الايام نداولها بين الناس ..

موضوع جميل و شيق .. و من الغرابة عزوف الاخوة الاعضاء المرور من هنا ..

سلمت اناملك يا كاتبنا ..

ملاحظة : حبذا لو يذكر اسم المصادر الذي تم النقل منه و ذلك لتوثيق العلمي لا اكثر ..

خوك بوفارس

مهدي القحطاني
09-11-2005, 02:31 PM
لا هنت يا استاذ عبد الله علا هذا الموضوع الجميل

وبالفعل لقد كانت الأمبراطوريه العثمانيه في فتره من الفترات الهاجس الأكبر لأوربا كلها

والعدو اللدود الذي لا يقهر وذلك بسبب تمسكهم بدينهم آنذاك

البشري
10-11-2005, 08:40 PM
حفظك الله اخي الكريم وانا اقدم اعتذاري لتأخر الرد وذلك لظروفي الخاصة الموضوع شيق وسرده كان ممتاز وانا استمتعت به اتمن ذكر المصدر للأستفادة فقط واذا كان من معلوماتك الشخصية فهذا شىء طيب .


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مهدي القحطاني
11-11-2005, 04:55 PM
ظهرت قوة إسبانيا كأعظم ما تكون في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني؛ فهي تملك أقوى الجيوش الأوربية وأكثرها كفاءة وقدرة على القتال، وأصبحت ماردًا يهدد الدولة العثمانية في البحر المتوسط حيث تهدد بلاد المغرب العربي، وفي وسط أوروبا حيث امتد نفوذها إلى ألمانيا بعد أن دخلت تحت تاج ملكها "شارل كوينت" الذي زاد من نفوذه زواج أخواته من ملوك البرتغال وفرنسا والدانمارك والنرويج والسويد والمجر؛ ولذلك أطلق على هذه الفترة من القرن السادس عشر الميلادي عهد شارل كوينت.

ولم يبق من ملوك أوربا خارج سيطرته وقبضته سوى إنجلترا، وفرنسا التي عزم ملكها على منازلة خصمه الإمبراطور شارل كوينت مهما كلفه الأمر، لكنه لم يقو على الصمود فخسر معه معركته، وسيق ذليلاً إلى مدريد حيث سجن في أحد قصورها، غير أن أم الملك الأسير "لويز سافوا" أرسلت إلى السلطان سليمان القانوني ترجوه تخليص ابنها من الأسر، فوجد السلطان في ذلك فرصة للانقضاض على شارل كوينت بعد أن صار معه حليف من الغرب الأوروبي، وامتلك مسوغًا للتحرك باسم الملف الفرنسي بصورة شرعية.

وكان ذلك أملاً يراود نفس السلطان لإعادة إسبانيا إلى سابق عهدها دولاً متفرقة لا دولة واحدة تهدد دولته، وكان السلطان قد عهد إلى خير الدين باربروسا بمهمة منازلة إسبانيا في البحر المتوسط ودفع خطرها فكفاه ذلك، وترك لنفسه مهمة منازلة إسبانيا في وسط أوروبا، وكان ينتظر الفرصة المناسبة للقيام بدوره، وما كادت تستنجد به أم الملك الفرنسي حتى استعد لتحقيق ما كان يصبو إليه.

ظروف مناسبة للحملة

ولما أفرج شارل كوينت عن الملك الفرنسي بعد شروط صعبة أجبره على قبولها في معاهدة مدريد في (29 من ربيع الأول 932هـ = 14 من يناير 1526م)، عمد الملك الفرنسي إلى تقوية روابطه مع السلطان العثماني، وألح في طلب العون والمساعدة؛ لأن قواته العسكرية لم تكن كافية لمجابهة الملك الإسباني الذي انفتحت جبهته لملاقاة خصوم أشداء، فكان عليه أن يواجه سليمان القانوني، وخير الدين باربروسا، وفرانسوا الأول ملك فرنسا، ومارتن لوثر الذي تفاقمت دعوته وازداد أتباعه، وانتشر مذهبه البروتستانتي، وتمزقت بسببه الوحدة الكاثوليكية، وعجز الملك الإسباني عن القضاء على دعوته بعد أن دانت أقطار كثيرة بمذهبه، وانفصلت عن نفوذ البابا في روما.

وهكذا تهيأت الظروف للسلطان العثماني للقيام بضربته وتقليص نفوذ الملك الإسباني في المجر، وكانت إسبانيا أكبر كثيرًا مما هي عليه الآن؛ إذ كانت تتكون من اتحاد المجر وتشيكوسلوفاكيا السابقة، بالإضافة إلى الأقطار الشمالية ليوغسلافيا، مثل: سلوفينيا، وترانسلفانيا التي هي الآن تابعة لرومانيا.

حملة سليمان القانوني
http://www.islam-online.net/Arabic/history/1422/02/images/pic06a.jpg
سليمان القانوني




سار السلطان سليمان من إستانبول في (11 من رجب 932هـ= 23 من إبريل 1526م) على رأس جيشه، الذي كان مؤلفًا من نحو مائة ألف جندي، وثلاثمائة مدفع وثمانمائة سفينة، حتى بلغ "بلجراد"، ثم تمكن من عبور نهر الطونة بسهولة ويسر بفضل الجسور الكبيرة التي تم تشييدها، وبعد أن افتتح الجيش العثماني عدة قلاع حربية على نهر الطونة وصل إلى "وادي موهاكس" بعد 128 يومًا من خروج الحملة، قاطعًا 1000 كيلو من السير، وهذا الوادي يقع الآن جنوبي بلاد المجر على مسافة 185 كم شمال غربي بلجراد، و170 كم جنوبي بودابست. وكان في انتظاره الجيش المجري البالغ نحو مائتي ألف جندي، من بينهم 38000 من الوحدات المساعدة التي جاءت من ألمانيا، ويقود هذه الجموع الجرارة الملك "لايوش الثاني".

اللقاء المرتقب

وفي صباح يوم اللقاء الموافق (21 من ذي القعدة 932هـ= 29 من أغسطس 1526م) دخل السلطان سليمان بين صفوف الجند بعد صلاة الفجر، وخطب فيهم خطبة حماسية بليغة، وحثهم على الصبر والثبات، ثم دخل بين صفوف فيلق الصاعقة وألقى فيهم كلمة حماسية استنهضت الهمم، وشحذت العزائم، وكان مما قاله لهم: "إن روح رسول الله صلى الله عليه وسلم تنظر إليكم"؛ فلم يتمالك الجند دموعهم التي انهمرت تأثرًا مما قاله السلطان.

وفي وقت العصر هجم المجريون على الجيش العثماني الذي اصطف على ثلاثة صفوف، وكان السلطان ومعه مدافعه الجبارة، وجنوده من الإنكشاريين في الصف الثالث، فلما هجم فرسان المجر وكانوا مشهورين بالبسالة والإقدام أمر السلطان صفوفه الأولى بالتقهقر حتى يندفع المجريون إلى الداخل، حتى إذا وصلوا قريبًا من المدافع، أمر السلطان بإطلاق نيرانها عليهم فحصدتهم حصدًا، واستمرت الحرب ساعة ونصف الساعة في نهايتها أصبح الجيش المجري في ذمة التاريخ، بعد أن غرق معظم جنوده في مستنقعات وادي موهاكس، ومعهم الملك لايوش الثاني وسبعة من الأساقفة، وجميع القادة الكبار، ووقع في الأسر خمسة وعشرون ألفًا، في حين كانت خسائر العثمانيين مائة وخمسين شهيدًا، وبضعة آلاف من الجرحى.

نتائج هذه المعركة

كانت معركة موهاكس من المعارك النادرة في التاريخ، حيث هُزم أحد أطرافها على هذا النحو من مصادمَة واحدة وفي وقت قليل لا يتجاوز ساعتين، وترتب عليها ضياع استقلال المجر بعد ضياع جيشها على هذه الصورة في هزيمة مروعة، وبعد اللقاء بيومين في (23 من ذي القعدة 932هـ= 31 من أغسطس 1526م) قام الجيش العثماني بعمل استعراض أمام السلطان سليمان، وقام بأداء التحية له وتهنئته، وقام القادة بدءًا من الصدر الأعظم بتقبيل يد السلطان.

ثم تحرك الجيش نحو الشمال بمحاذاة ساحل الطونة الغربي حتى بلغ بودابست عاصمة المجر، فدخلها في (3 من ذي الحجة 932هـ= 10 من سبتمبر 1526م)، وشاءت الأقدار أن يستقبل في هذه المدينة تهاني عيد الأضحى في سراي الملك، وكان قد احتفل بعيد الفطر في بلجراد في أثناء حملته الظافرة.

مكث السلطان في المدينة ثلاثة عشر يومًا ينظم شئونها، وعين جان "زابولي" أمير ترانسلفانيا ملكًا على المجر التي أصبحت تابعة للدولة العثمانية، وعاد السلطان إلى عاصمة بلاده بعد أن دخلت المجر للدولة العثمانية وتقلص نفوذ الملك الإسباني.