سعيد شايع
24-01-2010, 04:39 PM
أخي الحبيب:
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
أما بعد:
فقد سبق الحديث بعنوان [ سبب نزول الحكم (1) ] ووعدتك بإكماله
وها هو بين يديك
لقد وعد النبي عليه الصلاة والسلام القوم بالإجابة { غدا } فمكث الوحي منقطعا عنه [ 15 ] يوما
وإنه مما لا شك فيه أنه سيلحقه الهم والغم ، خوفا ألا يَفهم القوم من تأخر الإجابة أنه كذب عليهم
والحقيقة التي يؤمن بها المؤمنون أن مثل هذا الأمر أمره بيد الله ، وأن نبينا صادق أمين , فقد يقولون :
وعدنا محمد بأن يخبرنا غدا ولم يفعل , فأين الصدق؟ وأين الوحي الذي يدعي أنه ينزل عليه؟
لقد تأخر الوحي ، وتأخر أخبار النبي ـ علية الصلاة والسلام ـ بذلك تربية له ، فقد ظهر من خلالها
صدقه وثباته ، وصدق أمانته , فلم يتقول من عنده ، فلو كان كاذبا لصنع قصة بين ليله وضحاها
ثم قال: هذه قصة أصحاب الكهف ، وهذه قصة هذا الرجل الذي ملك الأرض , لو كان كاذبا لكذب كما
يكذب الذين لا يبالون بالكذب ، ولكن حاشاه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدليل صدقه أنه لم يقل شيئا من
عنده ، بل صبر على ما يقولون حتى جاءه الوحي بتوجيه وتربية وتعليم فقال الله له
{ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا } إلا قولا مقرونا بمشيئة الله تعالى , والمراد بالغد: ما يستقبل
من الزمان لا يعني غد [ بكره ] ومن ذلك قوله تعالى { اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد } ومنه قول زهير:
وأعلم علم اليوم والأمس قيله >>>>>>> ولكنني عن علم ما في غد عم
يعني أنه لا يعلم ما يكون في المستقبل ، يقول الشنقيطي ـ رحمة الله ـ " فإذا عرفت معنى الآية وسبب
نزولها وأن الله عاتب نبيه فيها على عدم قوله ـ إن شاء الله ـ لما قال لهم سأخبركم غدا , فأعلم أن لسنة
نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ أهمية عظيمة في توضيح بعض الآيات التي لم يأتي بيانها تاما إلا بالسنة
ومن ذلك قوله عز وجل { ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ..} وأن ذلك الجسد هو نصف إنسان
هو الذي ألقى على كرسي سليمان , فمن وضح لنا ذلك تمام التوضيح؟ إلا سنة نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ "
ومن هنا نستفيد أن الإنسان قد يعاقب بسبب تركه قول ـ إن شاء الله ـ إما أن أمره لا يتحقق له ، أو أنه يغفل عنه
وينسى ، أو أنه يتحقق ويكون سببا لفتنتة والعياذ بالله ، فلا يتذكر أو لا يتعظ إلا بعد وقوع شيء ما .
ثم إن عندنا مفهوم أخر غير صحيح ، وهو أن بعضنا يدعو لأخيه أو لأبنائه أو ما شابه ذلك ، ثم يقرن
دعائه بالمشيئة , وهذا خلل وخطأ مثل أن يقول : الله يوفقك ـ إن شاء الله , أو الله يصلح لنا ولك ـ إن شاء الله ـ
أو الله يزوجك ـ إن شاء الله ـ وما شابه ذلك ، وإليك هذه القصة الجميلة ، أتى يهوديا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تشركون , تقولون ما شاء الله وشئت ، وتقولون: والكعبة , فأمرهم
النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة , وأن يقولوا: ما شاء الله وحده
وممكن أن نستفيد من هذه القصة ما يلي:
أولا: أن الإنسان يفهم الحق وأن كان على باطل ، فهذا اليهودي مع كونه يهوديا مغضوبا عليه فهم أن
الحلف بغير الله شرك ، وهو يريد أن ينتقص هذا الذين ، ومع هذا تقبل منه النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما
لاحظه ، ثم أرشد إلى تصحيحها . ثانيا: قبول الحق ممن جاء به ولو كان عدوا.
ثالثا: أن اليهود على ضلالهم يفهمون الشرك ، وفي المقابل تجد بعض من ينتسب للعلم من هذه الأمة لا
يفهمون الشرك ، لذا تجدهم يرون جواز عبادة الأضرحة والقبور ، ولا يستنكرونها.
رابعا: النهي عن قول [ ما شاء الله وشئت ] والنهي عن الحلف بالكعبة وبغيرها من المخلوقات ، لأن الحلف
بغير الله شرك لذا أقر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ اليهودي ولم ينكر عليه قوله " إنكم تشركون "
فدل على أن تلك الألفاظ ألفاظ شركية.
خامسا: ينبغي للعالم إذا منع من شيء ، فإنه يوجه إلى البديل الصالح ، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
وجه إلى أن يقال [ ورب الكعبة ] وأن يقال [ ما شاء الله ثم شئت ] فمن أفتى بتحريم شيء ، أو بمنع
شيء وهناك له بديل صالح ، فإنه يوجه إليه.
أخي المسلم: ينبغي لك أن لا تقعد بدون تفكير ، بل ينبغي لك أن تفكر فيما ينفعك في أمر دينك ودنياك
فلا بد أن تحسب حساب المآل وتجد وتعزم ، وتستعين بالله وبما شرعه سبحانه ، فللعبد مشيئة وتدبير وعمل
ولكنها لا تطغى على مشيئة الله وتدبيره ـ سبحانه ـ فإن جاءت مشيئة الله على غير ما عمل ودبر ، فلا يحزن
ولا ييأس لأن الأمر لله أولا وأخرا ، لا تقعد ـ أخي الحبيب ـ للكسل والتراخي والخمول والضعف والفتور
والاتكال ، بل عليك أن تنطلق بكل ثقة وتوكل واستعانة وقوة واطمئنان وعزيمة صادقة ، فإذا جاء الأمر
على غير ما يريد ، فلتقبل وتستقبل قضاء الله وقدره ومشيئته بكل رضا وقبول واستسلام ، هذا هو المنهج
الذي يأخذ به الإسلام قلب المسلم ، فلا يشعر نفسه بالفشل والإخفاق ، بل يبقى في كل أمواله متصلاً بالله قوياً
بالاعتماد عليه ، شاكراً لتوفيقه إياه مسلما لقضائه وقدره ، يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ " أساس كل خير أن تعلم
أن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، فتتيقن حينئذ أن الحسنات نعمة فتشكره عليها ، وتتضرع إليه أن لا
يقطعها عنك وأن السيئات من خذلانه وعقوبته فتبتهل إليه أن يحول بينك وبينها " أخي المسلم: دائماً نقرأ
ونسمع كلمة [ عسى ] مثل قوله تعالى { وقل عسى } وقوله { فعسى أن يكون من المهتدين } وقوله
{ فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم } فعـسـى : بمعنى الرجاء ، إذا وقعت من المخلوق ، أما إن كانت
من الخالق فهي للوقوع فقول الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم
أن يكفر عنكم سيئاتكم ..} فعسى هنا واقعه كقوله تعالى{ عسى ربه إن طلقكن } أي: واجب من الله
إن طلقكن رسوله { أن يبدله أزواجاً خير منكن } أما في قوله تعالى { وقل عسى أن يهديني ربي }
فهذه للرجاء ، كما قال موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ { ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني
سواء السبيل } عسى ربي أن يرشدني خير طريق ، وأحسن طريق ، وأقرب طريق إلى مدين ، فهو يرجو
من الله أن يهديه ويرشده { أن يهديني ربي } أن يدلني إلى الطريق ، ولهذا قال تعالى
{ لأقرب من هذا رشداً } أي: هداية وتوفيقاً ، وقد فعل الله ـ سبحانه ـ فهدى موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ
وهدى أصحاب الكهف للرشد ، فحقيقة الرجاء ظن بحصول أمر بذلت فيه أسبابه ، وأتخذت فيه وسائله
وطرقه الشرعية والعقلية ولم يبق لوقوعه أو لحصوله لك وتحقيقه إلا أن يقع ويتحقق ، كالزارع يحرث
الأرض ، ويبذر الحب في الوقت المناسب وفي المكان المناسب ، ويتعاهد زرعه بما يحتاجه من ماء وسماء
وترتيب وحفظ من الآفات والمواشي ، فيكون من المتوقع أن يأتي بثمرة طيبة ، ولكن لا يمكن القطع بذلك
لأنه قد ينقطع الماء ، وقد تأتيه هالكة تهلكه وغير ذلك ، وكذلك من يطيع الله تعالى بفعل المستطاع مما
أمر به وترك ما نهى عنه فإنه حقيق بأن يرجو بذلك تزكية نفسه ورفعها إلى مقام المتقين الذين هم أولياء
الله ، وما يترتب على ذلك من مثوبته ورضوانه في دار كرامته ، ولكن لا يمكن أن يحزم بذلك لما يخشى
على نفسه بالتقصير وشوائب الرياء والسمعة والنفاق ، أو عدم الثبات على الطاعة حتى يموت عليها
وغير ذلك مما يحبط الأعمال أو يمنع من قبولها ، والخير للمؤمن أن يكون بين الخوف الذي يصده عن
التقصير ، والرجاء الذي يبعثه على التشمير ، وأن يرجح الخوف في حال الصحة ، والرجاء في حال
المرض ، ولا سيما مرض الموت ، ومن أراد نعيم الآخرة ولم يسع لها سعيها الذي جعله الله سببا لها
فهو من الحمقى ، أصحاب الأماني الكاذبة ، لا من أصحاب الرجاء الذين يرجون ويعملون.
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
أما بعد:
فقد سبق الحديث بعنوان [ سبب نزول الحكم (1) ] ووعدتك بإكماله
وها هو بين يديك
لقد وعد النبي عليه الصلاة والسلام القوم بالإجابة { غدا } فمكث الوحي منقطعا عنه [ 15 ] يوما
وإنه مما لا شك فيه أنه سيلحقه الهم والغم ، خوفا ألا يَفهم القوم من تأخر الإجابة أنه كذب عليهم
والحقيقة التي يؤمن بها المؤمنون أن مثل هذا الأمر أمره بيد الله ، وأن نبينا صادق أمين , فقد يقولون :
وعدنا محمد بأن يخبرنا غدا ولم يفعل , فأين الصدق؟ وأين الوحي الذي يدعي أنه ينزل عليه؟
لقد تأخر الوحي ، وتأخر أخبار النبي ـ علية الصلاة والسلام ـ بذلك تربية له ، فقد ظهر من خلالها
صدقه وثباته ، وصدق أمانته , فلم يتقول من عنده ، فلو كان كاذبا لصنع قصة بين ليله وضحاها
ثم قال: هذه قصة أصحاب الكهف ، وهذه قصة هذا الرجل الذي ملك الأرض , لو كان كاذبا لكذب كما
يكذب الذين لا يبالون بالكذب ، ولكن حاشاه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدليل صدقه أنه لم يقل شيئا من
عنده ، بل صبر على ما يقولون حتى جاءه الوحي بتوجيه وتربية وتعليم فقال الله له
{ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا } إلا قولا مقرونا بمشيئة الله تعالى , والمراد بالغد: ما يستقبل
من الزمان لا يعني غد [ بكره ] ومن ذلك قوله تعالى { اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد } ومنه قول زهير:
وأعلم علم اليوم والأمس قيله >>>>>>> ولكنني عن علم ما في غد عم
يعني أنه لا يعلم ما يكون في المستقبل ، يقول الشنقيطي ـ رحمة الله ـ " فإذا عرفت معنى الآية وسبب
نزولها وأن الله عاتب نبيه فيها على عدم قوله ـ إن شاء الله ـ لما قال لهم سأخبركم غدا , فأعلم أن لسنة
نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ أهمية عظيمة في توضيح بعض الآيات التي لم يأتي بيانها تاما إلا بالسنة
ومن ذلك قوله عز وجل { ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ..} وأن ذلك الجسد هو نصف إنسان
هو الذي ألقى على كرسي سليمان , فمن وضح لنا ذلك تمام التوضيح؟ إلا سنة نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ "
ومن هنا نستفيد أن الإنسان قد يعاقب بسبب تركه قول ـ إن شاء الله ـ إما أن أمره لا يتحقق له ، أو أنه يغفل عنه
وينسى ، أو أنه يتحقق ويكون سببا لفتنتة والعياذ بالله ، فلا يتذكر أو لا يتعظ إلا بعد وقوع شيء ما .
ثم إن عندنا مفهوم أخر غير صحيح ، وهو أن بعضنا يدعو لأخيه أو لأبنائه أو ما شابه ذلك ، ثم يقرن
دعائه بالمشيئة , وهذا خلل وخطأ مثل أن يقول : الله يوفقك ـ إن شاء الله , أو الله يصلح لنا ولك ـ إن شاء الله ـ
أو الله يزوجك ـ إن شاء الله ـ وما شابه ذلك ، وإليك هذه القصة الجميلة ، أتى يهوديا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تشركون , تقولون ما شاء الله وشئت ، وتقولون: والكعبة , فأمرهم
النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة , وأن يقولوا: ما شاء الله وحده
وممكن أن نستفيد من هذه القصة ما يلي:
أولا: أن الإنسان يفهم الحق وأن كان على باطل ، فهذا اليهودي مع كونه يهوديا مغضوبا عليه فهم أن
الحلف بغير الله شرك ، وهو يريد أن ينتقص هذا الذين ، ومع هذا تقبل منه النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما
لاحظه ، ثم أرشد إلى تصحيحها . ثانيا: قبول الحق ممن جاء به ولو كان عدوا.
ثالثا: أن اليهود على ضلالهم يفهمون الشرك ، وفي المقابل تجد بعض من ينتسب للعلم من هذه الأمة لا
يفهمون الشرك ، لذا تجدهم يرون جواز عبادة الأضرحة والقبور ، ولا يستنكرونها.
رابعا: النهي عن قول [ ما شاء الله وشئت ] والنهي عن الحلف بالكعبة وبغيرها من المخلوقات ، لأن الحلف
بغير الله شرك لذا أقر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ اليهودي ولم ينكر عليه قوله " إنكم تشركون "
فدل على أن تلك الألفاظ ألفاظ شركية.
خامسا: ينبغي للعالم إذا منع من شيء ، فإنه يوجه إلى البديل الصالح ، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
وجه إلى أن يقال [ ورب الكعبة ] وأن يقال [ ما شاء الله ثم شئت ] فمن أفتى بتحريم شيء ، أو بمنع
شيء وهناك له بديل صالح ، فإنه يوجه إليه.
أخي المسلم: ينبغي لك أن لا تقعد بدون تفكير ، بل ينبغي لك أن تفكر فيما ينفعك في أمر دينك ودنياك
فلا بد أن تحسب حساب المآل وتجد وتعزم ، وتستعين بالله وبما شرعه سبحانه ، فللعبد مشيئة وتدبير وعمل
ولكنها لا تطغى على مشيئة الله وتدبيره ـ سبحانه ـ فإن جاءت مشيئة الله على غير ما عمل ودبر ، فلا يحزن
ولا ييأس لأن الأمر لله أولا وأخرا ، لا تقعد ـ أخي الحبيب ـ للكسل والتراخي والخمول والضعف والفتور
والاتكال ، بل عليك أن تنطلق بكل ثقة وتوكل واستعانة وقوة واطمئنان وعزيمة صادقة ، فإذا جاء الأمر
على غير ما يريد ، فلتقبل وتستقبل قضاء الله وقدره ومشيئته بكل رضا وقبول واستسلام ، هذا هو المنهج
الذي يأخذ به الإسلام قلب المسلم ، فلا يشعر نفسه بالفشل والإخفاق ، بل يبقى في كل أمواله متصلاً بالله قوياً
بالاعتماد عليه ، شاكراً لتوفيقه إياه مسلما لقضائه وقدره ، يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ " أساس كل خير أن تعلم
أن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، فتتيقن حينئذ أن الحسنات نعمة فتشكره عليها ، وتتضرع إليه أن لا
يقطعها عنك وأن السيئات من خذلانه وعقوبته فتبتهل إليه أن يحول بينك وبينها " أخي المسلم: دائماً نقرأ
ونسمع كلمة [ عسى ] مثل قوله تعالى { وقل عسى } وقوله { فعسى أن يكون من المهتدين } وقوله
{ فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم } فعـسـى : بمعنى الرجاء ، إذا وقعت من المخلوق ، أما إن كانت
من الخالق فهي للوقوع فقول الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم
أن يكفر عنكم سيئاتكم ..} فعسى هنا واقعه كقوله تعالى{ عسى ربه إن طلقكن } أي: واجب من الله
إن طلقكن رسوله { أن يبدله أزواجاً خير منكن } أما في قوله تعالى { وقل عسى أن يهديني ربي }
فهذه للرجاء ، كما قال موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ { ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني
سواء السبيل } عسى ربي أن يرشدني خير طريق ، وأحسن طريق ، وأقرب طريق إلى مدين ، فهو يرجو
من الله أن يهديه ويرشده { أن يهديني ربي } أن يدلني إلى الطريق ، ولهذا قال تعالى
{ لأقرب من هذا رشداً } أي: هداية وتوفيقاً ، وقد فعل الله ـ سبحانه ـ فهدى موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ
وهدى أصحاب الكهف للرشد ، فحقيقة الرجاء ظن بحصول أمر بذلت فيه أسبابه ، وأتخذت فيه وسائله
وطرقه الشرعية والعقلية ولم يبق لوقوعه أو لحصوله لك وتحقيقه إلا أن يقع ويتحقق ، كالزارع يحرث
الأرض ، ويبذر الحب في الوقت المناسب وفي المكان المناسب ، ويتعاهد زرعه بما يحتاجه من ماء وسماء
وترتيب وحفظ من الآفات والمواشي ، فيكون من المتوقع أن يأتي بثمرة طيبة ، ولكن لا يمكن القطع بذلك
لأنه قد ينقطع الماء ، وقد تأتيه هالكة تهلكه وغير ذلك ، وكذلك من يطيع الله تعالى بفعل المستطاع مما
أمر به وترك ما نهى عنه فإنه حقيق بأن يرجو بذلك تزكية نفسه ورفعها إلى مقام المتقين الذين هم أولياء
الله ، وما يترتب على ذلك من مثوبته ورضوانه في دار كرامته ، ولكن لا يمكن أن يحزم بذلك لما يخشى
على نفسه بالتقصير وشوائب الرياء والسمعة والنفاق ، أو عدم الثبات على الطاعة حتى يموت عليها
وغير ذلك مما يحبط الأعمال أو يمنع من قبولها ، والخير للمؤمن أن يكون بين الخوف الذي يصده عن
التقصير ، والرجاء الذي يبعثه على التشمير ، وأن يرجح الخوف في حال الصحة ، والرجاء في حال
المرض ، ولا سيما مرض الموت ، ومن أراد نعيم الآخرة ولم يسع لها سعيها الذي جعله الله سببا لها
فهو من الحمقى ، أصحاب الأماني الكاذبة ، لا من أصحاب الرجاء الذين يرجون ويعملون.