المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الهلال الايراني المجوسي هل صارقمراً مكتمل النمو !!


محمدالسحيمي
24-11-2009, 05:56 PM
منذ وصول الخميني إلى قمة السلطة في إيران (فبراير 1979) وإعلانه عن مشروع تصدير ثورته إلى دول الجوار، مرّ هذا المشروع بمراحل في العمل، وتغييرات في الإستراتيجية. في البدايات الأولى تجسد أهم محاولات هذا المشروع بمنطقتنا في ثلاث حالات دموية، الأولى: الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) التي استمرت ثماني سنوات وأغرقت البلدين في دماء أكثر من مليون قتيل من أبناء البلدين


الثانية: المحاولة الانقلابية الفاشلة في البحرين (1981)، بقيادة الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين (يتزعمها هادي وتقي المدرسي الإيرانيين) التي تم كشفها والقبض على بعض من قادتها وهروب البعض الآخر.
والثالثة: ولادة حزب الله في لبنان (1982)، بمخاضها الدموي.
أما العوامل المشتركة بين هذه الحالات الثلاث فيمكن إيجازها في التالي:
(1) كانت تستهدف البلدان العربية ذات الثقل الشيعي سكانياً.
(2) كانت بقيادة إيرانية مباشرة.
(3) رفض الشيعة العرب لهذا التدخل الإيراني السافر في بلدانهم.
خلال الشهر الأخير من حرب الثماني سنوات العراقية الإيرانية، وبالتحديد في منطقة الفاو العراقية التي كانت تحت الاحتلال الإيراني حينها، دارت معارك ضارية تم فيها إبادة الجيش الإيراني، ودخلت القوات العراقية الأراضي الإيرانية للضغط باتجاه إنهاء الحرب، فتحقق الهدف واستسلم الخميني وأعلن في 8/8/1988 جملته الشهيرة "أوافق على وقف القتال وكأنني أتجرع كأساً من السم"، وبقيت هذه الجملة تتردد في وسائل الإعلام لأيام حتى باتت مرسومة في الذاكرة، في إشارة واضحة لرغبته في استمرار الحرب، وما اضطراره لإنهائها إلا بسبب هزيمة بلاده فيها.
لم يكن ذلك التاريخ مؤشراً لإنهاء الحرب وهزيمة إيران فقط، بل كان فاصلاً تاريخياً غيّرت بعدها إيران سياساتها المعلنة، فظهرت إيران الدولة وإيران الثورة لتبدأ لعبة الممارسات السياسية المزدوجة.. فمن جهة حاولت إيران الدولة، دبلوماسياً، أن تطمئن النظام العربي الرسمي عموماً بعدم التدخل في شئونه الداخلية، ومن الجهة الأخرى عملت إيران الثورة على تصدير ثورتها إلى بلداننا العربية عبر أبنائنا، والتحريض الداخلي لمجتمعاتنا، عوضاً عن التدخل الإيراني المباشر.
في كتابه "دولة حزب الله، لبنان مجتمعاً إسلاميا" (دار النهار، بيروت 1996) يذكر الدكتور وضاح شرارة أن التعاقب بين الثورة والحرب العراقية الإيرانية، بوجوهها الإقليمية والقومية والدينية المختلفة، قد اضطلع بدور فاعل في التوجه الإيراني الجديد "فغذّت الحرب الثورة، وحالت بينها وبين الخوض في مشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية لا قِبَلَ للثورة ولطاقمها الديني بالتصدي لها، فكيف بحلها.."، فتوجهت الثورة للعمل عن بُعد، دون تدخل إيراني مفضوح، بدءاً بإعداد قادة من أبناء هذه البلدان لقيادة الثورة في مجتمعاتهم، وانتهاء بالاختراق الثقافي لتغيير البنية الثقافية للطائفة في البلدان العربية.
وهكذا، مع بدء العقد التسعيني، شاهدت مجتمعاتنا وصول أعداد من الشباب خريجي حوزة قم، ليؤسسوا طبقة من المعممين الجدد، ممن تدربوا في إيران ليحلوا محل القيادات الإيرانية أو المجنسين من ذوي الأصول الإيرانية في بلداننا لإكمال مسيرة تصدير الثورة الخمينية.
في الحالة اللبنانية، مثالاُ، يحدد وضاح شرارة في كتابه هوية هؤلاء المعممين الجدد قائلاً إن "معظم المعممين، عدداً، هم من بلاد بعلبك والهرمل التي لم تنتشر فيها العمامة إلا منذ عقد ونصف العقد. وتقريب التشيع إلى مثل هؤلاء، وهم كثرة علماء الدين الجدد، يتهيأ بتهيئة الإعداد الصناعي أو التقني. فيدخل الطالب في "العلم" كما يدخل في أي حرفة لم يرثها ولا أُلفة بينه وبينها من قبل. فيغلب وجه التعقيد (أي صوغها في قواعد وقوانين) على علمها والتثقف بها. وهذا ما سبق للمؤرخين ملاحظته في تعلّم الموالي، من تُرك ونبط وفرس، العربية، وفي مباشرتهم اللغة الجديدة".
ويشرح الدكتور شرارة مفهوم الإعداد الصناعي أو التقني، لهؤلاء المعممين، على أنه تعليم "يعزل الفقه عن الروايات والرجال والعقائد والقيم، ويجمع هذا كله (الروايات...) في "فكر" راهن يسبق الفقه، ويُقَدّم له، ويرهنه به.. ويسترسل بالتعريف ويقول "ان هذا الفكر السابق على الفقه ''هو التشيع الإيراني الخميني في حلته السياسية".
وكأحداث عشنا حيثياتها يوماً بيوم، يمكننا التأكيد أن الوصف السابق للحالة الخمينية في لبنان يسري أيضاً على الحالة في البحرين وفي المنطقة الشرقية السعودية وفي صعدة اليمنية، حيث كان التغيير، والتحول الاستراتيجي، واضحاً وضوح الشمس.. ففي البحرين، مثالاً، بعد أن كشفت المحاولة الانقلابية، عام 1981، عن قادتها الإيرانيين (هادي المدرسي)، والمجنسين من أصول إيرانية (مرتضى بدر)، كمتهمين تمكنوا من الهرب إلى خارج البلاد، بعد هذه الأحداث تغيّرت أدوات المشروع، وبدأ الاهتمام باستقطاب أبناء البلاد إلى حوزة قم للتدريب، وعودتهم مع بداية التسعينيات بعمائمهم وفكرهم السياسي ليقودوا عمليات العصيان والعنف التي مازالت مستمرة حتى يومنا هذا.
خلال عقد ونصف العقد بعد الحرب العراقية الإيرانية، تمكنت إيران أن تبني قواعدها في بلداننا، التي باتت معروفة بعدم الاستقرار الأمني وتصاعد الاضطرابات.. ولكن مع احتلال العراق بدأت الأمور تأخذ مجرىً آخر، حيث كان لوصول الأحزاب الإيرانية (حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وميليشياتهما)، بقيادة المعممين القادمين من إيران إلى قمة السلطة في هذا البلد العربي، أثراً بالغاً في تغيير مجرى الأحداث لصالح إيران في المنطقة.. فالدعم الأمريكي للوجود الإيراني في العراق، إضافة للحالة الطائفية التي تجذرت في مجتمعاتنا خلال التسعينيات خصوصاً، باتت من أهم عوامل قوة الجمهورية الإسلامية لكي تتحول للعمل في ساحات مكشوفة دون خوف أو مبالاة، وحينها أطلق الملك عبدالله الثاني، ملك الأردن (2006)، تحذيره الشهير حول الهلال الإيراني الممتد من طهران عبر بغداد ودمشق إلى بيروت، الذي "بدا كقاب قوسين وأدنى".. وحتى ذلك الوقت لم يلق هذا الأمر اهتماما عربياً جاداً.
ولكن أحداث العراق، ومواقف سوريا المريبة، والمواقف الخطيرة لحزب الله في لبنان، وتصاعد العنف والاضطرابات في الكويت والبحرين والمنطقة الشرقية السعودية، وحركة التشيع الإيراني في مصر والسودان، والانقسام الخطير في الصف الفلسطيني لصالح إسرائيل، وأحداث الحوثيين المتصاعدة في اليمن، كلها كشفت للعرب إن الخطر الإيراني لم يعد حدثاً يمكن استدراكه دبلوماسياً، ولم يعد هذا الخطر محصوراً في هلاله، بقدر ما بدا قمراً مكتمل النمو مطبقاً على المنطقة بأسرها.

محمدالسحيمي
24-11-2009, 05:58 PM
كان الحديث يدور عن هلال إيراني يبدأ في طهران عبر بغداد ودمشق وينتهي في بيروت، ولكن الهلال لا يبقى هلالاً طوال الوقت، فما أن يبزغ نوره حتى يستمر في الاكتمال ليصبح قمراً كاملاً، قبل أن يبدأ في التلاشي.. ويبدو أن إيران بعد أن تحقق حلمها، الذي لم تتوقع يوماً أن يصبح حقيقة، لولا تعاونها مع الشيطان الأكبر، وصار احتلالها للعراق أرضاً وشعباً أمراً واقعاً، توسعت طموحاتها، لتسعى نحو اكتمال قمرها الفارسي من خلال افتعال الأزمات الداخلية في بلداننا العربية..

ولم تعد إيران تعتمد على خلايا نائمة، بل صارت تعمل جهاراً نهاراً من خلال قوات مدربة ومسلحة، من العراق ولبنان إلى اليمن..
إذن القوات الموالية لإيران، والمدربة على حروب التمرد والعصيان طويلة الأمد، قد أكملت دائرة القمر الإيراني في المنطقة العربية.. فمن العراق حيث مليشيات فيلق القدس وقوات بدر الحاكمة في ظل الاحتلال، مروراً بدمشق والانتشار الإيراني المعلن، إلى لبنان وسلطات حزب الله، أكملت إيران هلالها في المشرق العربي.. ومن خليجنا العربي المكشوف أمنياً وثقافياً وسياسياً أمام المرمى الإيراني والحركات الطائفية الخطيرة في البحرين والكويت وشرق المملكة السعودية، مروراً باحتلال الجزر الإماراتية، إلى حركة التمرد الحوثي الانفصالي على الحدود اليمنية السعودية، أكملت إيران النصف الثاني من هلالها في شبه الجزيرة العربية، واكتمل القمر الفارسي حول المنطقة من بحر العرب جنوباً حتى الحدود التركية العراقية السورية شمالاً، ومن الخليج العربي شرقاً حتى البحر الأحمر غرباً..
وبعد كل هذا الأداء الإيراني الناجح ألا يبدو أن دورها القديم الجديد مازال مستمراً، دور الشرطي المحافظ على مصالح الغرب المتقاطعة مع مصالحه وأطماعه في منطقتنا؟..
ولكن هناك الكثير من علامات الاستفهام حول هذا النجاح الإيراني الباهر في احتواء منطقتنا.. السؤال الأكبر والأخطر هو كيف سمحت السلطات العربية لهذا التغلغل الإيراني أن يبدأ ويستمر وينجح، على مدى ثلاثة عقود؟..
في كل هذا الأداء المتصاعد والخطير، اعتمدت إيران على عناصر محلية من مواطني المنطقة، وأحزاب وجمعيات وحركات تمرد داخلية وصلت إلى درجة من القوة حتى لم تعد تخشى أو تتردد، وخصوصاً بعد اكتمال احتلال العراق، في اعلان ولائها للمرشد الإيراني في طهران، كما لم تعد تتردد في الكشف عن علاقاتها التأسيسية والتمويلية والسياسية مع إيران الدولة والثورة.. لا بل مع استمرار نجاح وتقدم المشروع الإيراني، بدأ يستمد المزيد من القوة من سلبية وضعف وفشل العرب في مواجهته، حتى جاء تصريح وزير الخارجية الإيراني، منوشهر متكي، بعد ثلاثين عاماً من الثورة الخمينية في طهران، ليهدد العرب، بصريح العبارة، من المساس بمصالح الشيعة في بلدانهم، في معرض دفاعه عن التمرد الحوثي وشيعة اليمن، آملاً أن تحقق رسالته هذه على المستوى الدولي أمرين هامين، أولاً: ترسيخ دور إيران كدولة حامية للطائفة في كل مكان، وثانياً: تأكيد ولاء الشيعة العرب (زوراً) لإيران..
خلال أقل من سبع سنوات هو عمر احتلال العراق، حتى الآن، وانهياره كقوة مدافعة عن حدودنا الفاصلة مع الجمهورية الإسلامية، تمكنت إيران من السيطرة على المنطقة، وباتت كل مواقع التوتر العربية ورقة في سلة مصالحها، تلعب بها في مسيرة مفاوضاتها المفتوحة مع القوى الكبرى، من بغداد إلى جنيف وبروكسل وواشنطن، حتى وصل الأمر إلى الكشف عن جميع أوراقها في المنطقة كلما ارتفع مستوى التمثيل في المفاوضات حول برنامجها النووي.. فمنذ بدء المفاوضات الأمريكية الإيرانية في بغداد وصولاً إلى جنيف، لم يعد الوجود والأداء الإيراني في حكم العراق سراً، بل بلغ درجة واضحة من العلانية والتحدي.. وفي لبنان بات دور إيران، عبر حزب الله، في تعليق تشكيل حكومة الأغلبية المنتخبة مدة تزيد على أربعة أشهر، معلناً ومن دون مواربة.. وفي فلسطين مازالت حركة حماس، بتحريض إيراني، رافضة لكل عروض التوافق الفلسطيني الفلسطيني من دون أن تحدد هذه الحركة ما هي مصلحتها في الأزمة المفتعلة بينما لا ينكر إلا الغبي مصلحة إيران فيها.. وعلى الحدود اليمنية السعودية وصلت حركة التمرد الحوثي إلى درجة من القوة، عدة وعتاداً، حتى باتت قادرة على استنزاف جبهتي اليمن والسعودية على مدى أشهر، ولاتزال فضائية العالم الإيرانية مستمرة في إعلان الدعم الإيراني للتمرد.. وفي الخليج العربي تلعب خلايا إيران الهادئة على وتر الأوضاع الداخلية بتواصل وتماس مباشرة مع إيران..
إذن، إن ما حققته إيران من نجاحات كبرى في منطقتنا، هو نتيجة عمل سنوات عديدة..
لقد نجحت إيران فيما لم تنجح فيه إسرائيل في المنطقة، فتمكنت من اختراق بلداننا ثقافياً وسياسياً، وبأقل الخسائر، لا بل ما تحقق لها من نجاحات فاق توقعاتها..
وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل، يا ترى كيف سمحت الأنظمة العربية لكل هذا الاختراق الإيراني أن ينجح، حتى صار لجارتنا قوة مهابة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، على حساب مصالحنا وعلى حساب عدم الاستقرار في منطقتنا ومجتمعاتنا؟؟
ولماذا تم تجاهل هذا الاختراق حتى وصل الأمر إلى مستوى الاحتلال وحروب استنزاف لا يعلم غير الله متى تنتهي؟

م ن ق و ل