علي محمد الحازمي
22-01-2009, 11:50 PM
لو أن "حماس" غير موجودة !
جينيفر لوينشتاين
لنبدأ في شيء واحد صريح وواضح تماما. إذا كان التدمير ودهورة قطاع غزة الحاصل حاليا بشكل جنوني سوف يستمر ؛ وإذا نية إسرائيل متفقة مع نية أمريكا؛ وإذا الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة وجميع الوكالات والمنظمات الدولية القانونية المنتشرة في العالم سوف تستمر على الجلوس مثل عارضات الأزياء، لا يفعلون شيئا عدا " الدعوات" المتكررة للتوصل إلى "وقف إطلاق النار" من "الطرفين" ؛ وإذا قادة الدول العربية الجبانة أو المتخاذلة أو المجاملة أو الذليلة واقفة تشاهد أهلها في غزة يتعرضون للذبح كل < /span>ساعة بينما القوى العظمى في العالم بزعامة واشنطن تتفرج علي ما يحدث وبنفس الوقت تلوح لهم بالتهديد بحيث لا يتجرأ عن التعبير لكره هذه الدول العظمى خوفا منها؛ إذا دعونا على الأقل نقول الحقيقة لماذا يحدث هذا الجحيم على الأرض؟
إن حالة الرعب التي أطلقتها إسرائيل من السماء وعلى الأرض بكل شراسة ضد قطاع غزة ليس لها علاقة بحماس. وليس لها علاقة بـ "الإرهاب"، وليس لها علاقة بـ" أمن" إسرائيل علي المدى البعيد، ولا علاقة لها بـحزب الله أو بسوريا أو بإيران عدا ما تفاقم أثناء الأزمة الحالية. إن ما تقوم به إسرائيل بهذه الهجمة الجنونية عبارة عن استعراض للعضلات للتهديد باستعباد الدولة التي تتجرأ بالتصريح بالمطالبة بحقوقها المشروعة كدولة مستقلة ولاستعباد الدولة التي تعلن صراحة أن ثرواتها ملكا لها. و للتلويح كذلك للدولة التي ترفض أن تسخّر أرضها لتكون قاعدة عسكرية لأي من الدول العظمى.
هذه الأزمة ليس لها علاقة بالحرية والديمقراطية والعدالة والسلام. وليس لها علاقة بمحمود الزهار ، أو خالد مشعل أو إسماعيل هنية. وهي ليست حول حسن نصر الله ، أو محمود أحمدي نجاد. والحقيقة أن هذه كلها أكسبتها الظروف التاريخية الدور المناسب الذي تفسره إسرائيل كما تشاء. ولكن الوضع الكارثي الحالي إنما هو نتيجة تراكمات تم تنفيذها علي مدى 61 سنة فقد تم فيها إطلاق العنان لإسرائيل لكي تعربد في المنطقة كما تشاء ما أدي أن يصل إلى الوضع الراهن. إن الأحداث الحالية تطرح العداء للإسلام وسيستمر إيجاد المبررات للسيطرة على المنطقة باسم ملاحقة القادة المسلمين. والشعار المطروح في الوقت الراهن هو محاربة قادة المسلمين و مهاجمة ال مساجد والتهجم على القرآن والتهجم علي النبي محمد وكذلك الجهاد. ولكن تبقى هذه هي رموز يمكن أن تتغير في المستقبل حسب السياق التاريخي والدور التي تلعبه تلك الرموز.
كان هناك وقت كانتا فيه حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هما الرمز؛ حينها كانت فقط قلة من الفلسطينيين تطرح آرائها السياسية بسياق إسلامي. ولم يكن وقتها يوجد ما يسمي صواريخ بدائية تطلق على حدود إسرائيل أو تهريب أسلحة عن طريق المعابر التي تستخدم حاليا بمثابة حجج لتبرير ضرب غزة. و لم تكن فتح أو الجبهة الشعبية لديهما علاقة تذكر في العمليات الانتحارية التي نشطت في فترة من الفترات لكن إسرائيل أقحمتهما كطرف وذلك لتهيئة الظروف السياسية المناسبة لها. وقد ظهرت تحليلات السياسيين للأحداث المتعاقبة بصور تختلف عن ما يجري علي الأرض. ولكنها استخدمت كجزء من مشاهد اللعبة التي تريدها إسرائيل للشرق الأوسط المعتدل؛ ولتكن هذه المشاهد تعبر عن التمرد ضد الاحتلال أو تعبر عن الغضب الشعبي الفلسطيني أو غير ذلك من التعبير عن المطالبة بالحرية. هذه الأحداث المتراكمة جيرت لتخدم الساسة في إسرائيل وفي أمريكا لإخضاع المنطقة تحت سلطتهما بمختلف التبريرات.
لكن إذا طرحنا جانبا الصيغ الإسرائيلية المبتذلة والخطب الرنانة والدعايات الإعلامية المختلفة وتطوع البلدان الغربية لتنفيذ تلك البرامج، فإن الحقيقة المجردة هي الرغبة في الهيمنة والسيطرة؛ من أجل سيطرة القويّ على الضعيف والاستحواذ علي الثروات في العالم. وأسوأ من ذلك ستجد الأنانية والكره واللامبالاة والتمييز العنصري والتعصب الأعمى والذاتية الغارقة في الأنا، ولكننا حتما سنحاول بكل ما نملك بأن نخفي تلك الرغبات بمصطلحات تساعدنا عليها النظريات والنماذج الأكاديمية لنتمكن من إخفاء تلك الرغبات القبيحة. هذه القساوة التي ننغمس فيها لا تزال مستفحلة في عمق ثقافتنا؛ تنمو في هذا العالم كما تنمو الذبابة علي الجثث الميتة.
أتركوا جانبا الرموز الحالية وطبيعة اللغة التي يستعملها ضحايا أنانيتنا ونزواتنا المدمرة وستجدون ببساطة الصرخات الملتهبة الغير اصطناعية للمضطهدين؛ "للمستضعفين في الأرض" يستجدونكم لوقف الاعتداء الغاشم بدم بارد من قبلكم ضد أطفالهم وبيوتهم الآمنة؛ ضد عوائلهم وقراهم؛ يستجدونكم لترحلوا وتتركوا لهم أسماكهم وخبزهم فهم جياع، وبرتقالهم وزيتونهم وزعترهم؛ يطلبون منكم بكل أدب وباستغراب لماذا لا تقدرون علي أن تدعوهم يعيشون دون إزعاج على أرض الأجداد والآباء؛يعيشون دون استغلال ودون الخوف من الطرد والإخلاء أو خوف من عمليات الاغتصاب والتدمير؛ و للعبور بدون تصاريح وعدم التوقيف في نقاط تفتيش أو التقاطعات الممنوعة داخل أراضيهم؛ دون جدران إسمنتية ضخمة وأبراج حراسات ومتاريس وأسلاك شائكة؛ و دبابات وسجون تعذيب حتى الم وت. لماذا الحياة بدون هذه السياسات وهذه الآليات الجهنمية تبدو مستحيلة؟
الجواب هو لأن إسرائيل لا يوجد لديها النية للسماح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة علي حدودها.ولم يكن لديها النية للسماح بها عام 1948 عندما استولت علي 24% من أرض فلسطين فوق المساحة المخصصة لها قانونيا، حتى لو لم يكن عادلا، من قبل قرار الأمم المتحدة رقم 181. لم تكن لديها النية للسماح بذلك خلال المجازر والخدع ضد الشعب الفلسطيني عام 1950.ليس لديها النية للسماح بدولتين عندما استولت علي 22% من المتبقي من أرض فلسطين التاريخية عام 1967 وفسرت قرار مجلس الأمن رقم 248 لمصلحتها بالرغم من الإجماع العام الدولي الذي ينص علي الاعتراف بدولة إسرائيل والاعتراف بأمن حدودها إذا هي قامت بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها مؤخرا أي م ا قبل حرب 1967.
لا توجد لديها النية للاعتراف بالحقوق الوطنية للفلسطينيين في الأمم المتحدة عام 1974 عندما صوتت هي وأمريكا فقط ضد الحل القاضي بوجود دولتين. لم تكن لديها النية للسماح بتسوية سلام شاملة عندما أبدت مصر استعدادها لذلك ولكنها، أي مصر، قبلت بأن توقع اتفاقية ثنائية حصرية وبكل طواعية تنازلت عن حقوق الفلسطينيين وعن حقوق الشعوب الأخرى في الإقليم. لا توجد لديها النية في العمل علي وجود حل الدولتين عام 1978 في كامب ديفد أو 1982 عندما قامت بغزو لبنان وأمطرت بيروت بالقنابل ودخلتها بالبلدوزرات والتفجيرات البشعة، وذلك تمهيدا لضم الضفة الغربية دون عناء أو قتال.لا توجد لديها النية بمنح دولة فلسطينية عام 1987 عندما انطلقت الانتفاضة الأولى التي عمت كل فلسطين المحتلة والشتات وجميع اللاجئين في العالم، أو عندما ساعدت إسرائيل حركة حماس بهدف التوصل إلي زعزعة المقاومة ومناهضة التيار الوطني داخل منظمة التحرير الفلسطينية وفي جسد المقاومة الفلسطينية.
لا توجد لدى إسرائيل النية بمنح دولة فلسطينية في مدريد أو في أسلو عندما كانت منظمة التحرير ممثلة بالسلطة الفلسطينية المتواطئة والخائنة لقضيتها والتي تم شراء الكثير من أعضائها بالثروات والمناصب التي منحت علي حساب القضية الفلسطينية الأساسية وهي وجود دولة فلسطينية مستقلة. وبينما إسرائيل تبث دعاياتها عبر القنوات الفضائية في العالم حول رغبتها في السلام وحول حل الدولتين قامت داخليا بمضاعفة بناء المستوطنات اليهودية الغير شرعية على أراضي الضفة الغربية و في شرق القدس وتضمها إلي أراضيها وتستمر في بناء المنشآت والجسور والخطوط السريعة على باقي المدن والقرى الفلسطينية المتفرقة. وقد ضمت أراضي وادي الأردن والحدود الدولية مع الأردن والقيام بطرد السكان منها. وتصرح إسرائيل بكل غطرسة على أن الأراضي التي تغتصبها يوميا بأنها ملك لها و باسم العدالة و السلام و الأمن فإن إسرائيل تهدف ضم مزيدا من الأراضي وتهدف إلى مزيدا من التوسع.
من خلال هدم المنازل وعمليات القتل الإجرامية للمدنيين التي تهدف إلى القضاء علي التاريخ الفلسطيني من جذوره وطيه للنسيان؛ ومن خلال التدمير الشرس لمخيمات اللاجئين ومن خلال قذف القنابل على البنية الفوقية للانتفاضة الثانية ، من خلال الاغتيالات والأحكام العاجلة بالإعدامات، واستنكار التعبير عن الحرية وعدم العدالة وإلغاء الديمقراطية علي الفلسطينيين و عدم السماح لهم بالانتخابات الحقيقية فإن إسرائيل تكرر دائما وبلغة قوية جدا وهذه اللغة هي العظمة العسكرية والتهديد والترويع والمضايقة المستمرة والتجويع والتدمير.
إن إسرائيل، التي تحظى بدعم وتأييد غير مشروط من أمريكا، تقولها وبكل بجاحة للعالم ككل وتكررها مرارا وتعيد ذلك بالأفعال والممارسات وتقول إنها لن تقبل تطبيق دولة فلسطينية على حدودها. ماذا تحتاج البقية منا لكي تسمع المزيد؟ ما هو المطلوب لوضع حد للسكوت الإجرامي الذي تمارسه المجتمعات الدولية؟ ما ذا نحتاج لكي لا تمرر علينا الأكاذيب والإدعاءات التي تحدث يوما بعد آخر أمام نظر جميع سكان العالم؟ كلما تزداد حالات الترويع شراسة على الأرض كلما كانت المطالبة بالسلام أكثر إلحاحا. لابد من إيضاح الصورة للعالم وإلا فإن العالم سيكون ضحية للجهل ولتعقيدات الوضع الحاصل في المنطقة حيث تسعى إسرائيل إلى حجب الصورة الحقيقية للوضع لكي لا يهتم العالم بما يجري على الأرض وعلى الش عب الفلسطيني.
نعود مرة أخرى ونقول إن تدمير قطاع غزة ليس له علاقة بحماس. ببساطة فإن إسرائيل لا يمكن أن تقبل بأي سلطة فلسطينية في الأرض المحتلة إذا لم تكن تحت سيطرتها المباشرة. أي فرد أو قيادي أو تنظيم أو حركة لا تذعن لأوامر إسرائيل أو تبحث عن الاستقلالية والمساواة مع كل دول المنطقة؛ أي حكومة فلسطينية أو حركة شعبية تطالب بتطبيق القوانين الدولية الإنسانية وتطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لشعبها فإنها مرفوضة رفضا قاطعا من الدولة الصهيونية. أود أن أقول للذين يحلمون في العيش بدولة واحدة(التعايش داخل دولة واحدة كبديل لدولتين) لا بد أن يسألوا أنفسهم كيف ستتصرف إسرائيل مع سكان يبلغ عددهم 4 مليون فلسطيني داخل حدودها في الوقت الذي تقوم فيه حاليا بارتكاب الجرائم الوحشية الجماعية اللا إنسانية يوميا بل في كل ساعة عل ي الفلسطينيين الذين يعيشون جنبا إلى جنب علي حدودها. ماذا سيتغير لو تم ضم جميع الأراضي لها هل ستتغير سياستها تجاه الفلسطينيين أو هل ستتغير توجهاتها السلطوية والرغبة في مزيدا من الاسترقاق والاستعباد للفلسطينيين؟
ختاما، الواقع أن دماء الحياة للحركة الوطنية الفلسطينية تجري في شوارع غزة هذه الأيام. كل قطرة تسقط تروي التربة التي ستكون خصبة لاختزان الروح الانتقامية والمرارة والمقت والكره ليس من قبل الفلسطينيين فحسب ولكن على امتداد الشرق الأوسط بل وفي جميع أنحاء المعمورة. نحن لا نملك الخيار فيما إذا هذه الأعمال ستستمر أم لا، بل حان الوقت لأن نقرر أن هذا العمل يجب أن يتوقف وتحقن الدماء ويحصل الفلسطينيون علي حقوقهم الوطنية الكاملة بالعيش بحرية وسلام في ظل دولة فلسطينية مستقلة.
جينيفر لوينشتاين
لنبدأ في شيء واحد صريح وواضح تماما. إذا كان التدمير ودهورة قطاع غزة الحاصل حاليا بشكل جنوني سوف يستمر ؛ وإذا نية إسرائيل متفقة مع نية أمريكا؛ وإذا الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة وجميع الوكالات والمنظمات الدولية القانونية المنتشرة في العالم سوف تستمر على الجلوس مثل عارضات الأزياء، لا يفعلون شيئا عدا " الدعوات" المتكررة للتوصل إلى "وقف إطلاق النار" من "الطرفين" ؛ وإذا قادة الدول العربية الجبانة أو المتخاذلة أو المجاملة أو الذليلة واقفة تشاهد أهلها في غزة يتعرضون للذبح كل < /span>ساعة بينما القوى العظمى في العالم بزعامة واشنطن تتفرج علي ما يحدث وبنفس الوقت تلوح لهم بالتهديد بحيث لا يتجرأ عن التعبير لكره هذه الدول العظمى خوفا منها؛ إذا دعونا على الأقل نقول الحقيقة لماذا يحدث هذا الجحيم على الأرض؟
إن حالة الرعب التي أطلقتها إسرائيل من السماء وعلى الأرض بكل شراسة ضد قطاع غزة ليس لها علاقة بحماس. وليس لها علاقة بـ "الإرهاب"، وليس لها علاقة بـ" أمن" إسرائيل علي المدى البعيد، ولا علاقة لها بـحزب الله أو بسوريا أو بإيران عدا ما تفاقم أثناء الأزمة الحالية. إن ما تقوم به إسرائيل بهذه الهجمة الجنونية عبارة عن استعراض للعضلات للتهديد باستعباد الدولة التي تتجرأ بالتصريح بالمطالبة بحقوقها المشروعة كدولة مستقلة ولاستعباد الدولة التي تعلن صراحة أن ثرواتها ملكا لها. و للتلويح كذلك للدولة التي ترفض أن تسخّر أرضها لتكون قاعدة عسكرية لأي من الدول العظمى.
هذه الأزمة ليس لها علاقة بالحرية والديمقراطية والعدالة والسلام. وليس لها علاقة بمحمود الزهار ، أو خالد مشعل أو إسماعيل هنية. وهي ليست حول حسن نصر الله ، أو محمود أحمدي نجاد. والحقيقة أن هذه كلها أكسبتها الظروف التاريخية الدور المناسب الذي تفسره إسرائيل كما تشاء. ولكن الوضع الكارثي الحالي إنما هو نتيجة تراكمات تم تنفيذها علي مدى 61 سنة فقد تم فيها إطلاق العنان لإسرائيل لكي تعربد في المنطقة كما تشاء ما أدي أن يصل إلى الوضع الراهن. إن الأحداث الحالية تطرح العداء للإسلام وسيستمر إيجاد المبررات للسيطرة على المنطقة باسم ملاحقة القادة المسلمين. والشعار المطروح في الوقت الراهن هو محاربة قادة المسلمين و مهاجمة ال مساجد والتهجم على القرآن والتهجم علي النبي محمد وكذلك الجهاد. ولكن تبقى هذه هي رموز يمكن أن تتغير في المستقبل حسب السياق التاريخي والدور التي تلعبه تلك الرموز.
كان هناك وقت كانتا فيه حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هما الرمز؛ حينها كانت فقط قلة من الفلسطينيين تطرح آرائها السياسية بسياق إسلامي. ولم يكن وقتها يوجد ما يسمي صواريخ بدائية تطلق على حدود إسرائيل أو تهريب أسلحة عن طريق المعابر التي تستخدم حاليا بمثابة حجج لتبرير ضرب غزة. و لم تكن فتح أو الجبهة الشعبية لديهما علاقة تذكر في العمليات الانتحارية التي نشطت في فترة من الفترات لكن إسرائيل أقحمتهما كطرف وذلك لتهيئة الظروف السياسية المناسبة لها. وقد ظهرت تحليلات السياسيين للأحداث المتعاقبة بصور تختلف عن ما يجري علي الأرض. ولكنها استخدمت كجزء من مشاهد اللعبة التي تريدها إسرائيل للشرق الأوسط المعتدل؛ ولتكن هذه المشاهد تعبر عن التمرد ضد الاحتلال أو تعبر عن الغضب الشعبي الفلسطيني أو غير ذلك من التعبير عن المطالبة بالحرية. هذه الأحداث المتراكمة جيرت لتخدم الساسة في إسرائيل وفي أمريكا لإخضاع المنطقة تحت سلطتهما بمختلف التبريرات.
لكن إذا طرحنا جانبا الصيغ الإسرائيلية المبتذلة والخطب الرنانة والدعايات الإعلامية المختلفة وتطوع البلدان الغربية لتنفيذ تلك البرامج، فإن الحقيقة المجردة هي الرغبة في الهيمنة والسيطرة؛ من أجل سيطرة القويّ على الضعيف والاستحواذ علي الثروات في العالم. وأسوأ من ذلك ستجد الأنانية والكره واللامبالاة والتمييز العنصري والتعصب الأعمى والذاتية الغارقة في الأنا، ولكننا حتما سنحاول بكل ما نملك بأن نخفي تلك الرغبات بمصطلحات تساعدنا عليها النظريات والنماذج الأكاديمية لنتمكن من إخفاء تلك الرغبات القبيحة. هذه القساوة التي ننغمس فيها لا تزال مستفحلة في عمق ثقافتنا؛ تنمو في هذا العالم كما تنمو الذبابة علي الجثث الميتة.
أتركوا جانبا الرموز الحالية وطبيعة اللغة التي يستعملها ضحايا أنانيتنا ونزواتنا المدمرة وستجدون ببساطة الصرخات الملتهبة الغير اصطناعية للمضطهدين؛ "للمستضعفين في الأرض" يستجدونكم لوقف الاعتداء الغاشم بدم بارد من قبلكم ضد أطفالهم وبيوتهم الآمنة؛ ضد عوائلهم وقراهم؛ يستجدونكم لترحلوا وتتركوا لهم أسماكهم وخبزهم فهم جياع، وبرتقالهم وزيتونهم وزعترهم؛ يطلبون منكم بكل أدب وباستغراب لماذا لا تقدرون علي أن تدعوهم يعيشون دون إزعاج على أرض الأجداد والآباء؛يعيشون دون استغلال ودون الخوف من الطرد والإخلاء أو خوف من عمليات الاغتصاب والتدمير؛ و للعبور بدون تصاريح وعدم التوقيف في نقاط تفتيش أو التقاطعات الممنوعة داخل أراضيهم؛ دون جدران إسمنتية ضخمة وأبراج حراسات ومتاريس وأسلاك شائكة؛ و دبابات وسجون تعذيب حتى الم وت. لماذا الحياة بدون هذه السياسات وهذه الآليات الجهنمية تبدو مستحيلة؟
الجواب هو لأن إسرائيل لا يوجد لديها النية للسماح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة علي حدودها.ولم يكن لديها النية للسماح بها عام 1948 عندما استولت علي 24% من أرض فلسطين فوق المساحة المخصصة لها قانونيا، حتى لو لم يكن عادلا، من قبل قرار الأمم المتحدة رقم 181. لم تكن لديها النية للسماح بذلك خلال المجازر والخدع ضد الشعب الفلسطيني عام 1950.ليس لديها النية للسماح بدولتين عندما استولت علي 22% من المتبقي من أرض فلسطين التاريخية عام 1967 وفسرت قرار مجلس الأمن رقم 248 لمصلحتها بالرغم من الإجماع العام الدولي الذي ينص علي الاعتراف بدولة إسرائيل والاعتراف بأمن حدودها إذا هي قامت بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها مؤخرا أي م ا قبل حرب 1967.
لا توجد لديها النية للاعتراف بالحقوق الوطنية للفلسطينيين في الأمم المتحدة عام 1974 عندما صوتت هي وأمريكا فقط ضد الحل القاضي بوجود دولتين. لم تكن لديها النية للسماح بتسوية سلام شاملة عندما أبدت مصر استعدادها لذلك ولكنها، أي مصر، قبلت بأن توقع اتفاقية ثنائية حصرية وبكل طواعية تنازلت عن حقوق الفلسطينيين وعن حقوق الشعوب الأخرى في الإقليم. لا توجد لديها النية في العمل علي وجود حل الدولتين عام 1978 في كامب ديفد أو 1982 عندما قامت بغزو لبنان وأمطرت بيروت بالقنابل ودخلتها بالبلدوزرات والتفجيرات البشعة، وذلك تمهيدا لضم الضفة الغربية دون عناء أو قتال.لا توجد لديها النية بمنح دولة فلسطينية عام 1987 عندما انطلقت الانتفاضة الأولى التي عمت كل فلسطين المحتلة والشتات وجميع اللاجئين في العالم، أو عندما ساعدت إسرائيل حركة حماس بهدف التوصل إلي زعزعة المقاومة ومناهضة التيار الوطني داخل منظمة التحرير الفلسطينية وفي جسد المقاومة الفلسطينية.
لا توجد لدى إسرائيل النية بمنح دولة فلسطينية في مدريد أو في أسلو عندما كانت منظمة التحرير ممثلة بالسلطة الفلسطينية المتواطئة والخائنة لقضيتها والتي تم شراء الكثير من أعضائها بالثروات والمناصب التي منحت علي حساب القضية الفلسطينية الأساسية وهي وجود دولة فلسطينية مستقلة. وبينما إسرائيل تبث دعاياتها عبر القنوات الفضائية في العالم حول رغبتها في السلام وحول حل الدولتين قامت داخليا بمضاعفة بناء المستوطنات اليهودية الغير شرعية على أراضي الضفة الغربية و في شرق القدس وتضمها إلي أراضيها وتستمر في بناء المنشآت والجسور والخطوط السريعة على باقي المدن والقرى الفلسطينية المتفرقة. وقد ضمت أراضي وادي الأردن والحدود الدولية مع الأردن والقيام بطرد السكان منها. وتصرح إسرائيل بكل غطرسة على أن الأراضي التي تغتصبها يوميا بأنها ملك لها و باسم العدالة و السلام و الأمن فإن إسرائيل تهدف ضم مزيدا من الأراضي وتهدف إلى مزيدا من التوسع.
من خلال هدم المنازل وعمليات القتل الإجرامية للمدنيين التي تهدف إلى القضاء علي التاريخ الفلسطيني من جذوره وطيه للنسيان؛ ومن خلال التدمير الشرس لمخيمات اللاجئين ومن خلال قذف القنابل على البنية الفوقية للانتفاضة الثانية ، من خلال الاغتيالات والأحكام العاجلة بالإعدامات، واستنكار التعبير عن الحرية وعدم العدالة وإلغاء الديمقراطية علي الفلسطينيين و عدم السماح لهم بالانتخابات الحقيقية فإن إسرائيل تكرر دائما وبلغة قوية جدا وهذه اللغة هي العظمة العسكرية والتهديد والترويع والمضايقة المستمرة والتجويع والتدمير.
إن إسرائيل، التي تحظى بدعم وتأييد غير مشروط من أمريكا، تقولها وبكل بجاحة للعالم ككل وتكررها مرارا وتعيد ذلك بالأفعال والممارسات وتقول إنها لن تقبل تطبيق دولة فلسطينية على حدودها. ماذا تحتاج البقية منا لكي تسمع المزيد؟ ما هو المطلوب لوضع حد للسكوت الإجرامي الذي تمارسه المجتمعات الدولية؟ ما ذا نحتاج لكي لا تمرر علينا الأكاذيب والإدعاءات التي تحدث يوما بعد آخر أمام نظر جميع سكان العالم؟ كلما تزداد حالات الترويع شراسة على الأرض كلما كانت المطالبة بالسلام أكثر إلحاحا. لابد من إيضاح الصورة للعالم وإلا فإن العالم سيكون ضحية للجهل ولتعقيدات الوضع الحاصل في المنطقة حيث تسعى إسرائيل إلى حجب الصورة الحقيقية للوضع لكي لا يهتم العالم بما يجري على الأرض وعلى الش عب الفلسطيني.
نعود مرة أخرى ونقول إن تدمير قطاع غزة ليس له علاقة بحماس. ببساطة فإن إسرائيل لا يمكن أن تقبل بأي سلطة فلسطينية في الأرض المحتلة إذا لم تكن تحت سيطرتها المباشرة. أي فرد أو قيادي أو تنظيم أو حركة لا تذعن لأوامر إسرائيل أو تبحث عن الاستقلالية والمساواة مع كل دول المنطقة؛ أي حكومة فلسطينية أو حركة شعبية تطالب بتطبيق القوانين الدولية الإنسانية وتطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لشعبها فإنها مرفوضة رفضا قاطعا من الدولة الصهيونية. أود أن أقول للذين يحلمون في العيش بدولة واحدة(التعايش داخل دولة واحدة كبديل لدولتين) لا بد أن يسألوا أنفسهم كيف ستتصرف إسرائيل مع سكان يبلغ عددهم 4 مليون فلسطيني داخل حدودها في الوقت الذي تقوم فيه حاليا بارتكاب الجرائم الوحشية الجماعية اللا إنسانية يوميا بل في كل ساعة عل ي الفلسطينيين الذين يعيشون جنبا إلى جنب علي حدودها. ماذا سيتغير لو تم ضم جميع الأراضي لها هل ستتغير سياستها تجاه الفلسطينيين أو هل ستتغير توجهاتها السلطوية والرغبة في مزيدا من الاسترقاق والاستعباد للفلسطينيين؟
ختاما، الواقع أن دماء الحياة للحركة الوطنية الفلسطينية تجري في شوارع غزة هذه الأيام. كل قطرة تسقط تروي التربة التي ستكون خصبة لاختزان الروح الانتقامية والمرارة والمقت والكره ليس من قبل الفلسطينيين فحسب ولكن على امتداد الشرق الأوسط بل وفي جميع أنحاء المعمورة. نحن لا نملك الخيار فيما إذا هذه الأعمال ستستمر أم لا، بل حان الوقت لأن نقرر أن هذا العمل يجب أن يتوقف وتحقن الدماء ويحصل الفلسطينيون علي حقوقهم الوطنية الكاملة بالعيش بحرية وسلام في ظل دولة فلسطينية مستقلة.