المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عسى ربكم أن يرحمكم، وإن عدتم للإفساد عُدنا للتسليط عليكم!


حد العود
02-01-2009, 09:06 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

عسى ربكم أن يرحمكم، وإن عدتم للإفساد عُدنا للتسليط عليكم!


قرأتُ (وسمعتُ) ولاأزالُ أقرأُ (وأسمعُ) الكثيرَ من المكتُوباتِ (والمنطُوقاتِ) التي تتساءل: لماذا لايفعل حُكام المسلمين عُمومًا والعربِ خُصوصًا شيئًا لنُصرة أهلنا في فلسطين؟! فما أسرع مايتناقل عُموم المسلمين هذه التساؤلات حَاملينَ بها غيظًا وناشرينَ بها حَنقًا. وكثيرًا ماتُختصرُ تِلك التساؤلاتِ في الأمانِّي بقولهم: لو أننا حكام لفعلنا كذا وكذا، ولو كنا قادة لأحدثنا ذا وذا. سبحان الله العظيم؛ أو يَختصِر عُمومِ الناس نُصرة إخوانهم في حُكامهم، دافعين بذلك اللوم عن أنفسهم، متناسين الأسباب والعوامل التي تقُود إلى ذلك، وكما نكُونُ يُولَى علينا. أضف إلى ذلك فساد التعلقِ بِغيرِ الله تعالى، وكأننا نُشرك مع الله غَيرهُ في النصرة بارتجاءها من الحُكام والقادة. أَوَ بِهذا يكُونُ لسان حالنا تكذيبًا لحديثِ الرسول صلى الله عليه وسلم في أن الله تعالى يجعلنا غثاءً كغثاء السيل ما إن ابتعدنا عن دينه؟! فقد أخرج الألباني في السلسة الصحيحة عن ثوبانِ مولى رسول الله أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يُوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: (بل أنتم يومئذ كثير، و لكنكم غثاء كغثاء السيل، و لينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، و ليقذفن الله في قلوبكم الوهن)، فقال قائل: يا رسول الله و ما الوهن؟ قال: (حُب الدنيا و كراهية الموت) (1).

ولعله من المحزن أن أذكر ردةَ فعل ثلةٍ من إخواني أصلحني الله وإياهم، فما إن ذكرتهم بضرورة إصلاح أنفسنا وعلاقتنا مع ربنا، مبينًا لهم بأن مايحدث لإخواننا في فلسطين ماهو إلا نذيرُ شؤمٍ علينا نحن المسلمين؛ فما كان بهم إلا أن صاحوا بي صيحة رجلٍ واحدٍ بقولهم: ماتقوله لايصلح إلا أن يكون في خُطب الجُمع أو الأعياد، أما الآن: فلا، فنحن في حالة حرب! نعم، سبحان الله العظيم، فهم في حالة حرب كلام وعواطف، وإلا لو رجعوا لاستعراض التاريخ الإسلامي، وكيف أن المسجد الأقصى وكذا عددًا من بلدان المسلمين ذهبت من أهلها وعادت إليهم، لعلموا أن ذلك لايُختصر في وجود قائدٍ واحدٍ (كصلاح الدين وغيره) يقلب الموازين بين عشية وضحاها، وإنما متى ماصلُح حال المُسلمين صلُحت لهم سَائر شؤونهم، وهيأ الله لهم أمثال عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وعمر بن عبدالعزيز وصلاح الدين! ومتى مافسد حالهم فسدت سائر شؤونهم وتسلط عليهم عدوهم، وماتسلطت جيوش التتار على المسلمين سنة 656هـ حتى قتلوا في بغداد وحدها مئات الألوف (2) إلا أنموذجًا مشابهًا لما يحدث اليوم ينبغي أن يعيدنا للتأمل فيه (3)، ومصداقًا له قول الله تعالى مخاطبًا بني إسرائيل: ((عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ)) (4) بصرفه العذاب عنكم وتسلط عدوكم عليكم (5)، ((وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا)) (4) وإن عدتم للإفساد عُدنا إلى تسليط عدوكم عليكم (5). فبصلاحنا نحن المسلمين في أنحاء المعمورة، يُمكِّن الله سبحانه وتعالى لنا في الأرض، ويقذف في قلوب أعداءنا المهابة، وباستمرارنا على الإفساد -بشتى صوره- ليُوشِكن الله أن يَعُمنا بعذاب من عنده، أو ليُسلطن علينا من لايخافه فينا ولايرحمنا؛ فيستبدلنا كما استبدل أقوامًا من قبلنا، فلقد أخرج البخاري عن زينب ينت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول: (لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه). وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم، إذا كثر الخبث) (1).


فالخَبَث فساد، والفساد له صورٌ عديدة، فمتى مارأينا صاحب المنكر ولم ننهه فهذا فساد، ومتى اهتممنا بأنفسنا ولم نحض غيرنا على الخير فهذا فساد، ومتى ماتهاونا في صلواتنا تأخيرًا أو تركًا فهذا فساد، ومتى مازاغت فطرنا للوقوع في المحرمات فهذا فساد، ومتى ماضعف همنا بإخواننا المسلمين فهذا فساد، ومتى ماأحببنا الدنيا وتكالبنا عليها فهذا فساد، ومتى مامنعنا الصدقات والزكوات من أموالنا فهذا فساد، ومتى ما ساءت أخلاقنا فهذا فساد، وهذه كلها من صور الفساد التي تقود بمجتمعات المسلمين لأن تُصبح كأحد مجتمعات الكفر والعياذ بالله. فياأيها الناس لاتنطقوا ولاتكتبوا إلا بواقعية ومنطقية، ولتشركوا أنفسكم في اللوم والمحاسبة؛ هكذا يكون الصلاح والإصلاح، وهكذا تكون نقطة انطلاق الإعداد لأعداءنا مااستطعنا من قوة ومن رباط الخيل، بغير هذا فما نحن إلا مستمرون في زيادة الغثاء!


والحمد لله رب العالمين

منقول للاهمية