المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفات مع مقال"الحرية شئ والردة شئ آخر"(3)


عبدالله آل مسعود القحطاني
13-04-2008, 02:03 PM
الوقفة السابعة:قوله عن الجابري:"وهو في البدء يستبعد الشك في صحة الحديث المذكور؛لأن قتال المرتدين واقعة تاريخية في عهد أبي بكر الصديق-رضي الله عنه-،كما أن قتل المرتد مسألة تحظى بإجماع الفقهاء"ا.هـ.
ويلاحظ عليه ثلاثة أمور:

الأمر الأول:قوله:"وهو في البدء يستبعد الشك في صحة الحديث المذكور"ا.هـ.
وهذا من خزعبلات هذا الكاتب وأستاذه الجابري،وتلاعبهم بعقول الناس؛فمن أنتم حتى تسمحوا لأنفسكم بالحكم على الأحاديث النبوية بالقبول أو الرد أو التشكيك فيها؟!!
ومن هو العاقل الذي يعوِّل على حكمكم على الأحايث حتى تستبعدوا الشك في صحة الحديث المذكور؟!!

الأمر الثاني:قوله:"لأن قتال المرتدين واقعة تاريخية في عهد أبي بكر الصديق-رضي الله عنه-،كما أن قتل المرتد مسألة تحظى بإجماع الفقهاء"ا.هـ.
وهذا من العجائب؛إذ يعتمد في اسبعاد الشك في صحته على كون مضمونه واقعةً تاريخية في عهد أبي بكر الصديق-رضي الله عنه-،وعلى كونه مجمعاً عليه بين الفقهاء مع أن الحديث مخرج في دواوين أئمة الإسلام:مالك والشافعي وأحمد والبخاري وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والدارقطني وأبي داود الطيالسي والطبراني وأبي يعلى وعبدالرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي وغيرهم-كماتقدم-.

الأمر الثالث:قوله:"كما أن قتل المرتد مسألة تحظى بإجماع الفقهاء"ا.هـ.
وهذا تعويل من الجابري على إجماع الفقهاء في حكم المرتد،ولكنه يخالف إجماعهم في مفهوم الردة-كما سيأتي-!!،فهو يأخذ من الدين ما يهوى،وينسف ما لا يهوى-عياذاً بالله-.

الوقفة الثامنة:قوله عن الجابري:"ويشير إلى أن العرب المرتدين الذين حاربهم أبو بكر الصديق لم يقتصروا على"خيانة"دولة الإسلام،بل هيأوا أنفسهم للانقضاض عليها بعد عصيانهم لقوانينها من خلال الامتناع عن دفع الزكاة،وبذلك يكون المرتد خارجاً على دولة الإسلام بشكل أو بآخر"ا.هـ.
وحصره المرتدين في زمن أبي بكر الصديق-رضي الله عنه-في الممتنعين عن دفع الزكاة لا يصح؛فإن هؤلاء المرتدين كانوا صنفين:
"صنف ارتدوا عن الدين،ونابذوا الملة،وعادوا إلى الكفر.
وهذه الصنف طائفتان:
أحداهما:أصحاب مسيلمة من بني حنيفة وغيرهم الذين صدقوه على دعواه في النبوة،وأصحاب الأسود العنسي ومن كان من مستجيبية من أهل اليمن وغيرهم.
وهذه الفرقة بأسرها منكرة لنبوة نبينا محمد-صلى الله عليه وسلم-،مدعية النبوة لغيره؛ فقاتلهم أبو بكر-رضي الله عنه-حتى قتل الله مسيلمة باليمامة،والعنسي بصنعاء،وانفضت جموعهم،وهلك أكثرهم.
والطائفة الأخرى:ارتدوا عن الدين،و أنكروا الشرائع،وتركوا الصلاة والزكاة وغيرها من أمور الدين،وعادوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية؛فلم يكن يسجد لله-تعالى-في بسيط الأرض إلا في ثلاثة مساجد:مسجد مكة ومسجد المدينة ومسجد عبد القيس في البحرين في قرية يقال لها جواثا...
والصنف الآخر:هم الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة؛فأقروا بالصلاة،وأنكروا فرض الزكاة ووجوب أدائها إلى الامام"ا.هـ."شرح صحيح مسلم"1/202.
وهذه الأصناف يجمعهم وصف واحد هو علة إجماع الصحابة-رضي الله عنهم-على قتالهم،وهو وصف الردة عن الدين سواء بالخروج منه بالكلية أو بإنكار ما هو معلوم منه بالضرورة؛ويدل لذلك قول أبي هريرة-رضي الله عنه-:"لما توفي رسول الله-صلى الله عليه وسلم-،واستخلف أبو بكر بعده،وكفر من كفر من العرب"إلخ.

الوقفة التاسعة:قوله عن الجابري:"وبهذا يرى الجابري أن حكم الفقه الإسلامي بقتل المرتد ليس حكماً ضد حرية الاعتقاد - التي نصت عليها الآيات المذكورة سابقاً"ا.هـ.
وقد تقدم الكلام على استدلاله بهذه الآيات،وما فيه من التلبيس من جهة كون الآيات مدنية،وهو يجعلها مكية،ومن جهة عدم دلالتها على ما يدعيه من الحرية الدينية.

الوقفة العاشرة:قوله:"ومن هنا جاء ربط الفقهاء بين حكم "المحارب"الذي يخرج على الدولة والمجتمع،ويشهر السلاح ويقطع الطريق،وبين"المرتد"الذي هو صنف من "المحاربين"، وحكمه فيه اختلاف فقهي؛فالمرتد المحارب يُقتل باتفاق الفقهاء،أما قبل أن يحارب فقد اختلفوا هل يستتاب أولاً أم يقتل دون استتابة؟
كما ميزوا بين المرتد المحارب وهو في ديار الإسلام وبين المرتد إذا لحق بدار الحرب، وهي أرض العدو"ا.هـ.
وهذا تمويه منه مبني على الخلط بين المحارب والباغي و المرتد؛ولكل واحد منهم حكم غير حكم الآخر؛وقد عقد الفقهاء لكل منهم باباً مستقلاً.

الوقفة الحادية عشرة:قوله:"وبناء على ما سبق ذكره، يخلص محمد عابد الجابري إلى نتيجة مفادها أن الوضع القانوني للمرتد لا يتحدد في الإسلام بمرجعية"الحرية"-حرية الاعتقاد،إنما بمرجعية ما يسمى اليوم بـ"الخيانة للوطن"،من خلال إشهار الحرب على المجتمع والدولة،مؤكداً أنّ الذين يتحدثون عن"حقوق الإنسان"-ومنها حرية الاعتقاد- لا يدخلون من باب حرية "الخيانة للوطن والمجتمع والدين"،ولا من باب"حرية قطع الطريق وسلب الناس ما يملكون"ا.هـ.
ويلاحظ عليه أمران:

الأمر الأول:تعبيره عن الإيمان والدين بلفظ"الاعتقاد"،مع استدلاله على ذلك بنصوص الإيمان والدين؛فهو يعتقد أنهما مجرد الاعتقاد،ظلمات بعضها فوق بعض!!.
والحق الذي دلت عليه النصوص الصريحة،وأجمع عليه السلف أن الإيمان يتضمن قول القلب واللسان،وعمل القلب واللسان والجوارح.

الأمر الثاني:تفسيره للردة بما ذكر هو من خزعبلاته وأباطيله،وذلك من عدة أوجه:

الوجه الأول:أن معنى الردة شرعاً مستفيض عند الخاصة والعامة بأنه"قطع المسلم المكلف المختار الإسلام بنية أو قول كفر أو فعل عناداً أو استهزاءً أو اعتقاداً".
وما ذهب إليه مخالف لما عليه المسلمون في ذلك.
وإن كنت أعلم أنهم لا يتحاشون أي قول أو فعل-ولو كان مخالفاً لما علم من الدين بضرورة-إذا كان يخدم مصالحهم،ويحقق مآربهم.

الوجه الثاني:أن النصوص الدالة على جزاء المرتد الدنيوي أو الأخروي فيها الصريح في أن الردة هي الردة عن الإسلام بغض النظر عن البغي أو الحرابة:
منها قول الله-تعالى-:"كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"[آل عمران:86-87].
ومنها قوله-تعالى-:"يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم"[المائدة:54].
ومنها قوله-تعالى-:"من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم"[النحل:106].
ومنها قول النبي-صلى الله عليه وسلم-:"من بدل دينه فاقتلوه".
ولكن أبى المفتونون إلا أن يستدركوا على كلام الله-تعالى- وكلام رسوله-صلى الله عليه وسلم-،ويحرفوا معانيها بأي وجه كان-وإن أضحك عليهم العقلاء-.

الوقفة الثانية عشرة:قول الكاتب بعد أن نقل كلام الجابري كاملاً:"وقد يصح لي هنا أن أفكر قياساً على هذا بما فعله الإرهابيون بحق المجتمع والوطن؛فحينما تكون الحرية شيئا،والردة شيئا آخر فإن الحرية أيضاً شيء،والتكفير والاتهام بالردة شيء آخر!"ا.هـ.
أقول:قارن بين قوله هذا وقوله في ما تقدم:"خصوصاً بعد عاصفة الفتاوى التكفيرية بتهمة الردة،والآراء التضامنية الداعمة لها"ا.هـ،وهو يريد فتوى الشيخ العلامة/عبدالرحمن بن ناصر البراك حول ما طرحه بعض الكتاب هذه الأيام من كلام تضمن بعضه ما هو من نواقض الإسلام بإجماع أهل العلم،وأيده عليها الشيخ العلامة/صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء.
فماذا يُفهم من اتهام الكاتب لهذين الشيخين بـ"أنهم تكفيريون"،وتلميحه بأن فتواهم هذه من الإرهاب؟!!
وما موقفه من مقالات ابن بجاد و أباالخيل التي رد عليها هؤلاء العلماء بعد هذا؟!!
وأخيراً أود التنبيه إلى أمرين:

الأمر الأول:إن ما يقوم هذا الكاتب وأستاذه من تلاعبٍ بنصوص الكتاب والسنة هدفه التمويه على القراء،ومن ثم الوصول إلى مرامهم من إلغاء أحكام الشرع،والتي من أعظمها حكم المرتد عن الإسلام فضلاً عن ما هو دونه من الأحكام الشرعية كحد الزنا والسرقة،وفتح المجال أمام كل منحرف من فاسق ومبتدع وملحد ليبث سمومه في المجتمعات الإسلامية؛وذلك باسم الحرية،وبدعوى المواطنة،وإلا فإن النصوص الشرعية لا قيمة لها عندهم،وكيف يكون لها قيمة عندهم والكاتب يرى أن الانتماء للدين انتماء فرعي وتشرذم!!؛كما يقول في مقال"المواطنة من زاوية أخرى"،الوطن،الجمعة،6/ربيع الأول/1429هـ:"وترتكز المواطنة بدايةً على الانتماء المدني-الحضاري للوطن/الدولة،فيخرج من ذلك التشرذم الناتج عن الانتماءات الفرعية (الأسرة-العشيرة- القبيلة- الطائفة"ا.هـ.
ولك أن تتصور مراده بالطائفة هذه في مجتمعٍ ينتمي إلى سنة النبي-صلى الله عليه وسلم-(سني).
وكيف يكون لها قيمة عندهم وهو يرى أن التطور الحقيقي يبدأ بالشك في المسلمات،والرفض والثورة الشاملة على الواقع!!؛كما يقول في مقال"ديموقراطية الهوهوة"،الوطن،الجمعة،17،محرم،1429:"ولذا يكون التطور الديموقراطي الحقيقي نتيجة طبيعية لتطور المجتمع ونضوج عقله الجمعي الذي يفترض أن يبدأ بالشك في مسلمات الواقع،مروراً بمرحلة الرفض والإنكار،وصولاً إلى الثورة الاجتماعية الشاملة على الواقع السيئ"ا.هـ.
ولك أن تتصور مراده بمسلمات الواقع،والواقع السئ في مجتمع مسلم جعل من كتاب الله-تعالى-وسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم-مصدراً للتشريع في شؤونه كلها!!.
ولو ذهبت أتتبع مقالاته الأخرى التي تفضح مقاصده في هذا المقال لطال بنا المقام.

الأمر الثاني:إن ما يخفيه الكاتب ونظراؤه أعظم وأكثر وأخطر مما طرحوه تصريحاً وتلميحاً؛فلا مجال للتعامي عن مخططاتهم الإجرامية نحو دين الإسلام،وتجاه كل من ينتمي له من قريب أو بعيد من الحكومات والشعوب.
انظر إلى ما فعله سلف هذا الكاتب في بلاد الإسلام شرقاً وغرباً،وما وصل إليه حال المرأة ،وما حال منهاج التعليم،و ما مستوى انجطاط الإعلام في تلك البلدان يتبين لك سبيلهم ومآربهم الإجرامية بهذا البلد-حماه الله من كيدهم،ووفق ولاة أمرها لقطع دابرهم-.
وها هو الكاتب يقول في مقال"التنوير العربي:ما مصيره؟"،الوطن،29/صفر/1429:"إنّ التنوير العربي لم ينتهِ ولم يفشل؛لأنه لم يبدأ أصلاً!!! فالمئة سنة الماضية،بكل جهود مثقفيها قد تكون مهّدت للتنوير-سواء بخطوة أو بعدة خطوات -،لكنها بالتأكيد غير كافية.
وعلى الرغم مما نشهده من طروحات نقدية لبعض المفكرين العرب المبنية على المناهج العلمية الحديثة فمعركة التنوير مع الجهل العربي!!! تحتاج-عدا الجهد والتضحية-إلى الكثير من الوقت!"ا.هـ.

والله أعلم…

أبو زيد
13-04-2008, 03:34 PM
والله إني أقف احتراماً لهذه الوقفات
هذه هي الكتابات التي ننشدها ،، ردود مبنية على أساس متين من العلم ،، خالية من التشنج والسطحية في التفكير

تابعت هذه السلسة اجميلة منك أخي عبد الله بكل استمتاع وفائدة.
لكن لدي طلب -أو هو بالأحرى أحمّلك مسؤولية وأمانة-:
وهي أن يتم نشر هذه الردود في صحفية "الوطن" أو ملحق "الرسالة" أو غيرها حتى تتم منها الاستفادة العظمى.



تحياتي لهذا القلم الكبير
أبو زيد
يحييييييك

عبدالله آل مسعود القحطاني
14-04-2008, 12:27 AM
أخي الفاضل/أبو زيد أشكرك على تواضعك ومرورك الذي أتشرف به،وما طلبته سأقوم به،وأحملك أيضاً نشر هذه الوقفات بحلقاتها في المواقع والمنتديات قدر استطاعتك؛فكلنا عليه مسؤولية...
وتقبل تحياتي...

سعد محمد الفهري
14-04-2008, 09:58 PM
جزاك الله خير على التوضيح وان يكتب لنا ولك الاجر والمثوبة

وتقبل مروري

أبو زيد
14-04-2008, 11:09 PM
على خشمي ،،

عبدالله الوهابي
15-04-2008, 12:33 AM
جزاك الله خيراً أخي المُحب على هذه الوقفات
ويجب علينا أن نتأملها بعناية ودراية ودراسة من فهم وعمل وإيمان بها
حفظك الله ورعاك

عبدالله آل مسعود القحطاني
15-04-2008, 06:07 PM
بارك الله فيكم وأشكركم على مروركم...

محمد آل غانم
17-04-2008, 05:43 PM
جزاك الله خير

وبيض الله وجهك


ولا هنت

عبدالله آل مسعود القحطاني
20-04-2008, 11:55 AM
جزاك الله خيرًا...

مشاري بن نملان الحبابي
20-04-2008, 12:49 PM
جزاك الله خير

ابوحسين
24-04-2008, 02:48 PM
جزاك الله خير على التوضيح