المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العشق ....حديثٌ ذو شجون


رضا المعمري
29-10-2007, 07:32 PM
هل صحيح ان ينابيع الحب قد جفت وانه لم يعد هناك من وقت للحب واخبار العشاق ؟!
وكيف لا وهذه الموجات المتتاليه من الحقد والكراهيه تنشر الفزع والرعب بين الامنين وتمزق الصلات والوشائج بين المتحابين ؟!

لكن بالمقابل او ليس الذي ذكرناه كافيا ليجعلنا نتشبث بجدران الحب بل ونرسخ جذوره في ارضنا فلا مخرج ولا ملاذ لنا من كل ما ذكرناه الا عالما يسود الحب ومن هنا ارتآينا ان نلقي الضوء على هذا االموضوع ونغوص في عوالم الادب والفقه لنستخرج درره وننظمها في عقدٍ نزين به جيادنا كبشر كافضل ما تكون الزينه .
ولعل البححث في شؤون الحب والعشق في كتب التراث , الفقهيه منها والادبيه , سيجد الكثير الكثير .
لكن ذلك العالم الفقيه والاديب العربي الاندلسي كان فريدا ,متميزا , بل لقد شذ عن فقهاء عصره وسابقيه ايضا في توصيف الحب حتى انكر عليه البعض ما ذكره في كتابه طوق الحمامة في الالفه والا لاف .
ولا يجدر بباحث في شؤون الحب وشجونه الا ان يبدأ بابن حزم وكتابه طوق الحمامة في الافة والالاف
وقد اورد في الحب ما يلي :- "الحب اعزك الله اوله هزل واخره جد ودقت معانيه عن ان توصف لجلالتها فلا تدرك الا بالمعاناه والحب ليس بمنكرٍ في الديانه ولا بمحظورٍ في الشريعه , إذ القلوب بيد الله عز وجل
والحب هو اتصال بين النفوس المقسومه في الخليقه كما ان للتمازج والتباين بين المخلوقات سرا دليله الاتصال والانفصال "

وقارئ كتاب طوق الحمامة في الالفة والالاف يقف معجبا حيال صراحة العالم الفقيه ابن حزم في وصفه لحبه الاول مع جاريه رائعة الحسن يوم كان في الخامسه عشر من عمره وكانت الفتاة في مثل سنه تقريبا فذكر في كتابه انه سعى جاهدا للتحدث اليها والبوح بعاطفته تجاهها فكانت لا تجيب لشدة حياءها وحذرها , ووصفها بانها كانت تجيد العزف على العود والغناء وانه سمعها ذات يوم تغني للعباس بن الاحنف شعرا في البستان فازداد بها كلفا ووصف تاثير غناءها فيه
حيث قال "والله لا ما نسيت ذلك اليوم ولن انساه الى يوم مفارقة الحياه " واضاف يقول في كتابه انه ارسل اليها بيتين من الشعر الرقيق تعبيرا عن ولعه بها وعن عذره لها بداعي احتراسها وتفهُمه لتمنعها
لاتلمها على النفار ومنع..... الوصل ما هذا بنكير
هل يكون الهلال غير بعيد.....ٍ وهل يكون الغزال غير نفير كما اضاف انه شعر بغيرة شديده من الشاعر ابن الاحنف لانها غنت له ابياتا من شعره على عودها فارسل اليها البيتين التاليين
منعت جمال وجهك مقلتيا ولفظك قد ظننت به عليا
وقد غنيت للعباس شعرا هنيئا ذا للعباس هنيا
واذا كان ذلك موقف الامام ابن حزم فانه ليس ببعيد عن الامام محمد بن داود الظاهري وهو الذ وصفه الامام ابن القيم الجوزي في كتابه الداء والدواء :-" وهذا ابو بكر محمد بن داود الظاهري العالم المشهور في فنون العلم من الفقه والحديث والتفسير والادب وله قول في الفقه وهو من اكابر العلماء وعشقه مشهور "
فقد روى احد اتباعه ان الامام الظاهري كان يدخل الجامع من باب الوراقين دوما فعدل عن ذلك وجعل دخوله من غيره وكنت مجترأً عليه فسألته عن ذلك فقال يا بني اني في الجمعة الماضيه اردت الدخول منه فصادفت عند الباب عاشقين فلما راياني قالا ابوبكر قد جاء فجعلت على نفسي ان لا ادخل من باب فرقت فيه بين عاشقين .
وجاءته يوما فتيا تقول –
يا بن داود يا فقيه العراق افتنا في قواتل الاحداق
هل عليها بما اتت من جناحٍ ام حلال لها دم العشاق
فرد الامام بخطه تحت البيتين
عندي جواب مسائل العشاق فاسمعه من قرح الحشا مشتاق
لما سالت عن الهوى هيجتني وارقت دمعا لم يكن بمراق
ان كان معشوقا يعذب عاشقا كان المعذب انعم العشاق

ولعل في قصة رحيله ما يغني المرء عن البحث , فقد كان ممن اتصفوا بالعفاف ولما سال عنا يعانيه في مرضه
قال حدثني ابي قال حدثنا سويد بن سعيد قال حدثنا علي بن مسهر عن ابي يحي القتات عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال "من عشق وكتم وعف وصبر مات شهيدا وغفر الله له وادخله الجنه "
ومات من ليلته رحمه الله تعالى ورضي عنه .
والحب شغل مساحة كبيره في مؤلفات الامام ابن القيم الجوزي فلا تكاد تجد له كتابا من كتبه الشهير الا وقد تناول هذا الموضوع ومنها اغاثة اللهفان والداء والدواء واخبار النساء وزاد المعاد وتوج ذلك كله بمجلد كبير سماه نزهة المشتاقين وروضة المحبين .
والعشق عند ابن القيم لا يمدح مطلقا ولا يذم مطلقا وانما هو بحسب نتعلقه من حيث الحل والحرمه .
اما الامام ابن الجوزي فيقول :- اختلف الناس في العشق هل هو ممدوح ام مذموم ؟ فقال قوم هو ممدوح لانه لا يكون الا من لطافة الطبع ورقه عند جامد الطبع حبيسه ومن لم يجد منه شيئا فذلك من غلظ طبعه فهو يجلو العقول ويصفي الاذهان ما لم يفرط فان افرط عاد سما قاتلا , وقال اخرون بل هو مذموم لانه يستاثر بالعاشق ويجعله في مقام المستعبد .
ولعل ما رواه ابن حزم بستده من ان رجلا قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه " يا امير المؤمنين اني رايت امراة فعشقتها فقال عمر ذلك مما لايملك "تاكيدٌ بشان اضطراريته لا اختياريته
وقد ورد عن عمر ابن الخطاب ايضا ( رواه ابن الجوزي بسنده) انه قال " لو ادركت عفراء وعروه لجمعت بينهما ". وعروه عاشقٌ عذري وعده عمه بالزواج من ابنته عفراء بعد عودته من سفر للتجاره ثم زوجها لرجل من الاثرياء .
وقال هشام ابن عروه عن ابيه :- مات عاشقا فصلى عليه زيد بن ثابت احد كتاب الوحي وجامع القران الكريم فقيل له في ذلك فقال ان رحمته .( روضة المحبين)
وازعم ان قصة مغيث وبريره التي رواها البخاري في صحيحه الفاصلة في هذ الشان ذلك انها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى البخاري ان مغيثا كان يمضي خلف زوجته بعد فراقها له وقد صارت اجنبيه عنه ودموعه تسيل على خديه فقال النبي " يابن عباس الا تعجب من حب مغيث بريره وبغض بريرة مغيثا ثم قال لها هلا راجعته فقالت اتامرني ؟ فقال انما انا شافع فقالت لا حاجه لي فيه .ومن هذا الحديث نستشف ان النبي لم ينهى مغيثا عن ما قام به بل رق قلب النبي ل فحاول ان يشفع له عند بريره وحينما استعلمت من النبي "اتامرني ؟ فقال انما انا شافع اعتذرت بريره وقالت لا حاجه لي فيه
ولعل قول الرسول انما انا شافع ما يكفي لتوضيح الكيفيه التي يراها النبي للتعامل مع قضايا نثل الحب حيث لا امر فيها الا للقلوب فليس بالامكان ان نملي على الاخرين من يعشق وكيف يعشق فتلك لغة لا يجيده الا القلب وللناس فيما يعشقون مذاهب
ولله در الشاعر حين قال
اذا انت لم تعشق ولم تدر ما الهوى فانت وعيرٌ في الفلاة سواء
وقال اخر
اذا انت لم تعشق ولم تدر ما الهوى فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا
وقديما قال ابن الاثير : دمع العاشق ودم القتيل متساويان في التشبيه والتمثيل الا ان بينهما فرقا لانهما يختلفان لونا.