المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الترجمة والتنمية


أبو أحمد العبيدي
21-01-2007, 07:19 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


تعتبر الترجمة من الركائز الأساسية في كل نهضة ثقافية ، فهي الوسيلة المثالية لبلوغ ما نصبو إليه من أهداف في سعينا المتواصل نحو تحقيق التنمية الشاملة. والترجمة قديمة قدم الشعوب والحضارات فهي وسيلة التفاهم والاتصال بين هذه الشعوب التي تختلف ألسنتها ولغاتها. فالإنسان مفطور على حب الاستطلاع والرغبة في التواصل وارتياد المجهول، كما أن لديه حب عميق للمعرفة يجعله يتطلع وينظر إلى خارج حدود بيئته وجماعته لمعرفة ما لدى الآخرين.
وما من شك أن أهمية الترجمة لا تقتصر على تعدد اللغات واختلافها في الزمن الماضي. فقد زادت أهمية الترجمة والحاجة إليها في الوقت الحاضر الذي اتسع فيه دور الهيئات والمؤسسات والمنظمات الإقليمية والدولية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية مما يتطلب تكثيف الجهود وتركيزها للوقوف على النتاج الفكري والثقافي للحضارات الأخرى والإفادة منه بنقله إلى لغتنا العربية وهذا غير مستغرب إذ أن الدول المتقدمة حضارياً في هذا العصر قد سلكت هذا السبيل.

ولنا في أسلافنا أسوة حسنة حيث بدأ الاهتمام بنشاط النقل والترجمة أيام الأمويين ، وتطور في العهد العباسي حتى إن الخليفة المنصور أنشأ ديواناً خاصاً للترجمة، ثم جاء المأمون وأنشأ ""بيت الحكمة"" الشهير الذي كان بحق مصدر إشعاع فكري وثقافي في ذلك العصر وعين فيه الأكفاء من المترجمين وأجزل لهم العطاء .
ونحن نعلم جميعاً بأن الفضل (بعد مشيئة الله) في التقدم العلمي والطبي والتقني الذي تنعم به الدول المتقدمة يرجع في أساسه إلى الصحوة العلمية في الترجمة التي عاشتها خلال القرون الوسطى، حيث كانت المراجع الكبرى في العلوم الطبية والعلمية والاجتماعية هي الكتب المترجمة عن العربية لابن سيناء وابن الهيثم والفارابي وابن خلدون وغيرهم من العلماء العرب والمسلمين . وقد أقر بذلك المستشرقون المنصفون أمثال جورج ساتورن وغيره .
ومع أهمية الترجمة ودورها في فتح آفاق جديدة أمام القارئ العربي ، فإن لغة الأرقام تشير إلى ضعفها في الدول العربية كما ذكر ذلك مدير مركز الترجمة في جامعة الملك سعود بالرياض في كلمة له ، حيث أفاد بأن بعض الإحصائيات الصادرة من الأمم المتحدة تشير إلى أن المعدل السنوي لإنتاج الكتب تأليفاً وترجمة يبلغ 400 كتاب لكل مليون نسمة في الدول المتقدمة ، و 37 كتاب لكل مليون نسمة في الوطن العربي ،

كما توضح نفس الإحصائيات أن ما ترجم إلى اليابانية في عام 1975م يصل إلى ما يقرب من مئة وسبعون ألف كتاب ، بينما ما ترجم إلى اللغة العربية على امتداد عشرين عاماً وبالتحديد ما بين عامي 1948م – 1968م لا يزيد على أربعة ألاف كتاب .

إذن فإنه من الواضح بأن هنالك خللاً ما في نشاط التعريب والترجمة في الوطن العربين ويحتاج إلى المزيد من الدعم الحكومي والخاص ، وسوف أترك الموضوع مفتوحاً بدون خاتمة ترضي القارئ الكريم لأن النقاشات لا زالت مستمرة في أروقة الجامعات والجهات المختصة ولم تصل حتى الآن إلى حلول جذرية (كعادة العرب دائماً) ...

تحيتي وتقديري للجميع

أبو أحمد العبيدي

أبوعبدالله
26-01-2007, 07:01 PM
ارحب يابو أحمد :

إن قلة التنسيق بين المؤسسات التربوية أو الحكومية المعنية بالتعريب يجعل نشاط الترجمة يدور في حلقة مفرغة ، فتسير الأمور كيفما اتفق ناهيك عن قلة ا لدعم المالي والمعنوي ولا ننسى إهدار حقوق المترجم سواء في نشاط التعريب أو عكسه.ومن مساوئ قلة التنسيق أن تجد رواية مترجمة أكثر من مرة!!؟؟عجباً ..الواجب أن أي أحد لو أراد أن يترجم كتباً ما فعليه أن يتأكد بأن هذا الكتاب هل سبق ترجمته أم لا؟وبعضهم يترجم مطبقاً المثل القائل:"على ريح المرق سوو(أصنعوا) عشانا" فيأكلها باردة مبردة ، أي أنه يترجم عملاً بزيادة عبارة أو حذف كلمات وبعض التصحيحات والتنقيحات ..وذهب جهد المترجم الأول أدراج الرياح(كحل باكية).وقد يترجم كتاب ما قيمته العلمية قليلة جداً أو يستهدف قلة قليلة من القراء ..وهذا جهد بلا نتيجة .
فبعض المترجمين هدفه تجاري بحت فتجد ركاكة في الترجمة وسوء الرصف اللغوي وتعارض بين النصوص ولنزيد الطين بلة –كما يقال- تعمد بعض دور النشر إلى توزيع كتاب ما على عدة مترجمين فتجد العجب العجاب ناهيك عن تفاوت المستويات الثقافية بين المترجمين والدينية ...إلخ.
ومازالت المؤسسات المعنية بالترجمة تعاني نقصاً في الموارد المالية .فالترجمة ليست بالأمر السهل حتى مع توفر برامج الترجمة والانترنت والقواميس فذهن الإنسان ونشاطه العقلي هو سيد الموقف في سبك النصوص وحبكها..

أبو أحمد العبيدي
28-01-2007, 09:02 PM
حياك الله أخي الحبيب الحادي ، وأشكر لك مشاركتي في هذا الموضوع الذي نحمل همه جميعاً ،


أتفق معك أخي الكريم بأن هنالك مشكلات كبيرة تواجه الترجمة في بلادنا ، لقد ابتعدت قليلاً عن متابعة ما يجري في الساحة فيما يتعلق بالترجمة خلال السنوات الماضية بسبب عملي الجديد ، ولكن هذا الهم لم يفارقني لحظة ، وفي اعتقادي بأن هنالك من يهتم مثلي أيضاً .

هنالك العديد من الحلول ، ولكني سوف أدلي بدلوي مع الدلاء وأتمنى أن يكون فيها الفائدة :


يجب علينا أن نعالج الوضع على صعيدين :

الأول: تحقيق مكاسب سريعة وفعالة quick wins . وذلك من خلال الاهتمام بما هو قائم الآن من مراكز بحث وترجمة موجودة هنا وهناك (حتى ولو كانت تفتقر إلى التنظيم والتنسيق في ما بينها كما ذكرت يا صديقي) سواءً كانت في الجامعات والمعاهد والنوادي الأدبية ، وتنظيم هياكلها ودعمها بالمترجمين والمراجعين الأكفاء .

الثاني : على المدى البعيد أو على مستوى رؤية إستراتيجية يتم وضعها من قبل سلطات عليا في البلد يتم فرضها فرضاً (تسير جنباً إلى جنب مع الخطوة الأولى) وذلك بإنشاء مركز أو هيئة وطنية ذات شخصية اعتبارية وميزانية مستقلة تعنى بشؤون النقل والترجمة تلملم شتاتها وترسم أهدافها وتنظم أعمالها وتخطط لمستقبلها بكل مهنية واحتراف بشرط أن يتوفر لها دعم لا محدود بعيداً عن البيروقراطية السلبية التي قتلتنا وأحبطت كل مشاريعنا الطموحة ، وبعيداً عن العقول المتحجرة التي أصبحت هذه البيروقراطية مثل الأكسجين بالنسبة لها .

لقد آن الأوان بأن تضطلع الجامعات ومراكز الأبحاث الصورية في جامعاتنا ومراكزنا العلمية بدورها وأن تنفض الغبار عن منسوبيها وذلك بدعمهم وإتاحة الفرصة لهم لإظهار إبداعاتهم وجعل الترجمة ونقل العلم والتقنية وتوطينها في البلد من أساسيات رسالة هذه الجامعات .

وحيث أننا جميعاً متفقين على أهمية الترجمة ، فإن الفرصة في نظري مواتية لتحقيق الطموحات واستثمار ما قامت به الدولة في الماضي وتقوم به حالياً من خطط لإبتعاث أعداد كبيرة من أبنائنا إلى خارج المملكة . وفي اعتقادي بأن الاقتصار على دول تتحدث باللغة الإنجليزية كان من السلبيات التي حدت من الاستفادة من المبتعثين في الفترة الماضية وفوتت علينا الكثير مما عند الثقافات الأخرى التي تتحدث بلغات غير الإنجليزية . وها نحن والحمد لله نلاحظ بأن الإستراتيجية قد تغيرت حيث أصبح التركيز على دول أخرى تتحدث بلغات أخرى غير الإنجليزية مما قد يساعد على الإطلاع على ثقافات أكثر (اليابان ، ماليزيا، ألمانيا ، فرنسا) وبالتالي تنوع في المعرفة واستفادة قصوى من العائد من الاستثمار في هذه البعثات . كما أن التركيز على التخصصات العلمية والتقنية والطب والبزنس كان من مميزات برامج الابتعاث الحالية التي حرصت وزارة التعليم العالي على الالتزام بها ورفض ما سواها .

ولعل السلطات العليا في الدولة أدركت بأنه لا مناص من الانفتاح (رغم السلبيات) على العالم بأسرة وهي بذلك ...(كما ذكر د. عبدالله بن ابراهيم السعادات ، جامعة الملك فيصل في ورقة العمل التي قدمها في إحدى المناسبات العلمية في جامعة الملك سعود ) "تقتفي آثار أولئك الرواد الأوائل من العلماء والدارسين المسلمين الذين انطلقوا بتشجيع ودعم من أمرائهم وذوي الرأي فيهم يجوبون بلاد الأعاجم من حولهم ويتعلمون لغاتهم ويدرسون ذخائر فكرهم وعلومهم ومعارفهم ، وينقلونها إلى اللغة العربية، فيحذفون ويضيفون ، ويبحثون ويبدعون ويخرجون مزيجاً علمياً معرفياً ثقافياً حضارياً جديداً يزينونه بأخلاق الإسلام وآدابه، ويقدمونه للعالم حضارة إنسانية رائدة دانت لها شعوب الأرض قروناً طويلة" .

شكراً لك يالحادي على إضافتك القيمة وأتمنى أن يتم مناقشة هذه القضية هنا في منتدانا لأني أعلم بأن بيننا من هو مهتم بهذا المجال لعلنا نخرج بأفكار جيدة ننقلها عبر منتدانا العزيز للمهتمين وصناع القرار في هذا المجال.

أخوكم
أبو أحمد

أبو أحمد العبيدي
28-01-2007, 09:10 PM
وجب أن أنوه هنا أن التنمية التي أعنيها في هذا الموضوع تتجاوز الأفراد إلى تحميل المجتمعات بكامل مؤسساتها الحكومية والخاصة المسؤولية كاملةً عن تفعيل نشاط الترجمة ونقل المعرفة من الثقافات واللغات الأخرى التي سبقتنا بمراحل متقدمة جداً في ميادين العلم والتقنية والتي نحن بأمس الحاجة لها في القرن الواحد والعشرين ، قرن التقدم العلمي .

لقد أصبح من الصعب اليوم على أي شعب من الشعوب أن يظل حبيس لغة أو ثقافة معينة شئنا أم أبينا قرأنا أم لم نقرأ ، فلم يعد التقدم التقني والعلمي حكراً على بلد دون الآخر أو لدى أمة دون أخرى . لقد أدركنا هذه الحقيقة وأدركها كل شاب سعودي طموح حيث بدأ يستميت في سبيل تعلم لغة أجنبية لأنه يعتقد بأن إلمامة وإتقانه للغة أجنبية سوف يجعله متميزاً على أقرانه وقادراً على أن يتعلم وينهل من معين أغزر وبالتالي الحصول على وظيفة مناسبة وحياة كريمة .

دعني أضرب مثالاً بدول شرق آسيا (ماليزيا ، كوريا ، الصين) والتي أصبحت خلال العقود الماضية مارداً صناعياً واقتصادياً أجبر الغرب على أن يتخذ إجراءات اقتصادية وقائية لكبح طموحاتها التي تشكل خطراً استراتيجياً على صدارته العلمية والتقنية وحتى الاقتصادية .

لست مفرطاً في التفاؤل عندما أورد مثل هذه الأمثلة ولكن تواصل المملكة مع هذه النماذج الاقتصادية (عن طريق الترجمة والنقل ولو على المستوى الرسمي والتعليمي) سوف ييسر لها بإذن الله استكشاف الأسرار الخفية وراء هذه الريادة وكيفية مجاراتها والوصول يوماً ما إلى ما وصلت إليه

(وليس ذلك على الله بعزيز) .