المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (( اذكر محاسن دينك , لا عيوب غيرك ))


عبيدي الدمام/ابوزياد
13-01-2005, 05:04 PM
اذكر محاسن دينك

لا عيوب غيرك



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تعالوا جميعاً ندعو إلى ديننا بذكر محاسنه لا بذكر عيوب الآخر حتى لا يصبح حوارنا كحوار الطرشان لا طائل منه، لعل الحوار يثمر ثمرة
فاقرأ ما دار بين جعفر بن ابي طالب(رضي الله عنه) والنجاشي رحمه الله لترى الرُقي في الأسلوب، ما دعا النجاشي في نهاية الأمر إلى الإسلام والدخول في دين الله






جعفر بن أبي طالب - أشبهت خلقي، وخلقي


وفي الحبشة كان جعفر بن أبي طالب المتحدث اللبق الموفق باسم الاسلام ورسوله

ذلك أن الله أنعم عليه فيما أنعم، بذكاء القلب، واشراق العقل، وفطنة النفس، وفصاحة اللسان

ولئن كان يوم مؤتة الذي سيقاتل فيه فيما بعد حتى يستشهد.. أروع أيامه وأمجاده وأخلدها

فان يوم المحاورة التي أجراها أمام النجاشي بالحيشة، لن يقلّ روعة ولا بهاء، ولا مجدا

لقد كان يوما فذّا، ومشهدا عجبا


كان النجاشي الذي كان يجلس أيامئذ على عرش الحبشة، رجلا يحمل ايمانا مستنيرا.. وكان في قرارة نفسه يعتنق مسيحية صافية واعية، بعيدة عن الانحراف، نائية عن التعصب والانغلاق
وكان ذكره يسبقه.. وسيرته العادلة، تنشر غبيرها في كل مكان تبلغه
من أجل هذا، اختار الرسول صلى الله عليه وسلم بلاده دار هجرة لأصحابه
ومن أجل هذا، خافت قريش ألا تبلغ لديه ما تريد فحمّلت مبعوثيها هدايا ضخمة للأساقفة، وكبار رجال الكنيسة هناك، وأوصى زعماء قريش مبعوثيهاألا يقابلا النجاشي حتى يعطيا الهدايا للبطارقة أولا، وحتى يقنعاهم بوجهة نظرهما، ليكونوا لهم عونا عند النجاشي
وحطّ الرسولان رحالهما بالحبشة، وقابلا بها الزعماء الروحانيين كافة، ونثرا بين أيديهم الهدايا التي حملاها اليهم.. ثم أرسلا للنجاشي هداياه
ومضيا يوغران صدور القسس والأساقفة ضد المسلمين المهاجرين، ويستنجدان بهم لحمل النجاشي، ويواجهان بين يديه خصوم قريش الذين تلاحقهم بكيدها وأذاها


وولّى النجاشي وجهه شطر المسلمين، ملقيا عليهم سؤاله
" ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، واستغنيتم به عن ديننا"..؟؟
ونهض جعفر قائما.. ليؤدي المهمة التي كان المسلمون المهاجرون قد اختاروه لها ابّان تشاورهم، وقبل مجيئهم الى هذا الاجتماع
نهض جعفر في تؤدة وجلال، وألقى نظرات محبّة على الملك الذي أحسن جوارهم وقال

يا أيها الملك
كنا قوما أهل جاهلية: نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله الينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا الى الله لنوحّده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان
وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدماء
ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات.. فصدّقناه وآمنّا به، واتبعناه على ما جاءه من ربه، فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئا، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا، فغدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردّونا الى عبادة الأوثان، والى ما كنّا عليه من الخبائث
فلما قهرونا، وظلمونا، وضيّقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا الى بلادك ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك


ألقى جعفر بهذه الكلمات المسفرة كضوء الفجر، فملأت نفس النجاشي احساسا وروعة، والتفت الى جعفر وساله
" هل معك مما أنزل على رسولكم شيء"..؟
قال جعفر: نعم

قال النجاشي: فاقرأه علي
ومضى حعفر يتلو لآيات من سورة مريم، في أداء عذب، وخشوع فبكى النجاشي، وبكى معه أساقفته جميعا
ولما كفكف دموعه الهاطلة الغزيرة، التفت الى مبعوثي قريش، وقال
ان هذا، والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة
انطلقا فلا والله، لا أسلمهم اليكما

انفضّ الجميع، وقد نصر الله عباده وآزرهم، في حين رزئ مندوبا قريش بهزيمة منكرة
لكن عمرو بن العاص كان داهية واسع الحيلة، لا يتجرّع الهزيمة، ولا يذعن لليأس
وهكذا لم يكد يعود مع صاحبه الى نزلهما، حتى ذهب يفكّر ويدبّر، وقال لزميله
والله لأرجعنّ للنجاشي غدا، ولآتينّه عنهم بما يستأصل خضراءهم
وأجابه صاحبه: " لا تفعل، فان لهم أرحاما، وان كانوا قد خالفونا"
قال عمرو: " والله لأخبرنّه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد، كبقية العباد"
هذه اذن هي المكيدة الجديدة الجديدة التي دبّرها مبعوث قريش للمسلمين كي يلجئهم الى الزاوية الحادة، ويضعهم بين شقّي الرحى، فان هم قالوا عيسى عبد من عباد الله، حرّكوا ضدهم أضان الملك والأساقفة.. وان هم نفوا عنه البشرية خرجوا عن دينهم
وفي الغداة أغذا السير الى مقابلة الملك، وقال له عمرو
" أيها الملك: انهم ليقولون في عيسى قولا عظيما"
واضطرب الأساقفة
واهتاجتهم هذه العبارة القصيرة
ونادوا بدعوة المسلمين لسؤالهم عن موقف دينهم من المسيح..
وعلم المسلمون بالمؤامرة الجديدة، فجلسوا يتشاورون
ثم أتفقوا على أن يقولوا الحق الذي سمعوه من نبيهم عليه الصلاة والسلام، لايحيدون عنه قيد شعرة، وليكن ما يكن
وانعقد الاجتماع من جديد، وبدأ النجاشي الحديث سائلا جعفر
"ماذا تقولون في عيسى"..؟؟
ونهض جعفر مرة أخرى كالمنار المضيء وقال
" نقول فيه ما جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم: هو عبدالله ورسوله، وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه"
فهتف النجاشي مصدقا ومعلنا أن هذا هو ما قاله المسيح عن نفسه
لكنّ صفوف الأساقفة ضجّت بما يشبه النكير
ومضى النجاشي المستنير المؤمن يتابع حديثه قائلا للمسلمين
اذهبوا فأنتم آمنون بأرضي، ومن سبّكم أو آذاكم فعليه غرم ما يفعل
ثم التفت صوب حاشيته، وقال وسبّابته تشير الى مبعوثي قريش
ردّوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لي بها
فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين ردّ عليّ ملكي، فآخذ الرشوة فيه
وخرج مبعوثا قريش مخذولين، حيث وليّا وجهيهما من فورهما شطر مكة عائين اليها
وخرج المسلمون بزعامة جعفر ليستأنفوا حياتهم الآمنة في الحبشة، لابثين فيها كما قالوا:" بخير دار.. مع خير جار.." حتى يأذن الله لهم بالعودة الى رسولهم واخوانهم وديارهم