المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قرية من الماضي


ربيع زهير
10-04-2006, 11:43 PM
قرية من الماضي
على ضفاف الوادي تقع القرية الصغيرة .

تغرب شمسها ويضع الليل أجنحة الظلام على أطرافها ..

أرى بيتاً كبيراً تلتف من حوله الأشجار كأنه خال من السكان ..

يتزايد البرد والأشجار تتمايل من شدة الريح ..

البيت في هدوء ومشب النار يأكل قطع الخشب فيجعلها خامدة ..

تستدير ساعة الحائط فتصل إلى العاشرة ثم تكمل المسير ..

عجوز مستلقية على سريره تستمع لصفير الرياح في النوافذ .. كأن ذلك الصفير موسيقى هادئة .

عيناها تنظر إلى سقف حجرتها ومن يرى هذه العجوز يقول أنها مجسم ولا تدب فيها الحياة .

وفجأة يلفت انتباهها شيء غريب .

تترنح قليلاً ثم تعاود النظر إلى السقف ..

يعود الصوت من جديد فتنهض من سريرها متجهة نحو الصالة وإذا بالباب يدق .

تشعر العجوز بقشعريرة البرد في بيت تمتلئ أركانها بالدفء ويصيبها الخوف لأول مرة تاريخ حياتها .

تتجه إلى الباب وتنادي من الطارق ..

يجيب من خلف الباب بصوت هادئ : أماه افتحي أنا ابنك أحمد تتجمد دماء العجوز في عروقها مندهشة لا تصدق ما تسمعه .

تتحول نغمة ذلك الصوت إلى رنين يدق فؤادها لتفتح سجل الذكريات ويطرأ على ذهنها ولدها الذي ذهب لإكمال دراسته خارج البلاد منذ خمس سنوات .

وفي هذه اللحظات تغيّم سماء عيونها ثم تمطر هذه السماء فتسيل صحراء الخدود التي كادت أن تحترق من الفرح وينبت ذلك السيل ورود الهناء في قلبها .

يصيح الولد من خلف الباب منادياً أمه فتفتح الباب العجوز ثم تحتضن ولدها الذي غيرت ملامحه السنين وتضمه إلى صدرها بعد غياب طويل .

هنا تتحدث العبرات وتنزف الدموع بسيل فياض من المحبة والحنان ..

تجلس الأم وابنها مقابل مشب النار ويغرقان في الحديث ويمر الوقت دون ملل ولا ينجيهما من الغرق سوى آذان الفجر .

إنني لم أرَ أمّاً حنوناً تحب ولدها كحب هذه السيدة العجوز لابنها .. ولم أرَ ابناً باراً مخلصاً لأمه ـ مثل هذا الابن .

وتمضي الأيام ويستقر أحمد في القرية ثلاثة أشهر شعر فيها بالملل كل يوم يمر من تلك الأيام شعر أنه لم يعمل فيه شيئاً جميلاً ..

يختلط بأبناء عمومته وأفراد قريته فلا يقتنع بما يفعلون ولا يرتاح له .

يرى راعي الغنم يشتغل من طلوع الشمس إلى وقت الغروب في رعي غنمه ثم ينام حتى الصباح فيبدأ من جديد في يوم آخر ويبقى على هذه الحال طيلة حياته وعندما يموت يأتي ابنه من بعده ويستمر على ما كان عليه أبوه دون تغيير أو تجديد وهكذا كأن هذا الإنسان خلق للرعي فيرعى الغنم وترعاه وليس بينهما فرق إلا أنه من فصيلة تختلف عن فصيلته .

إنه يعيش في عالم آخر يرى نفسه على (صح) وينتقد من سواه .

والآخر المزارع يروي الزرع على ظهر الثور وإذا حصد الزرع أعطاه للثور ليأكله فلا فائدة سوى الجهد الكثير مقابل الشيء القليل .

ويبقى على حاله كراعي الغنم حتى الموت دون إحداث في أمره . ويرى نفسه الأصح حتى من الراعي .

يفكر أحمد ويفكر في هؤلاء البشر .

إنهم يقدرونه ويحترمونه ليس لارتقاء درجة تعليمه ولكن لأنه ابن السيدة التي تملك بئر السقاء ولا يوجد مصدر للشرب سواها .

وهم في الحقيقة ينتقدونه في جميع تصرفاته لأنها مخالفة لأنظمتهم وقوانينهم العرفية ومع ذلك لم يشغل تفكير أحمد سوى سؤال واحد وهو :

كيف يقدر العيش هؤلاء في عصر لا يرحم الإنسان الخالي من التفكير ؟

إنهم لا يعلمون شيء عن هذا العصر بل هم غارقون في بحر عميق تلعب بهم أمواجه في كل اتجاه دون وعي منهم أو إدراك .

وأخيراً .. حاول أحمد التغيير فيهم ولكن دون جدوى فذهب ومعه كنز من الثراء كانت تحمله أمه العجوز التي كانت خير مربي يملك النظر البعيد والرأي السديد فقامت على تشجيعه لإكمال دراسته وشق طريقه في عالم العلم والإدراك الذي هو أساس الثراء ومصدر الارتقاء وبهذا فضل الله به العالم على الجاهل فقال جلّ وعلا { هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } .

عبدالله الوهابي
11-04-2006, 01:59 AM
الاخ ربيع قصة جميلة بارك الله فيك ودمت يالغاااالي

سنحان بن عامر
11-04-2006, 02:17 AM
قصة متميزة يا ربيع جعل أيامك ربيع في ربيع