ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب


مجلس الإسلام والحياة يهتم هذا القسم بجميع مايتعلق بديننا الحنيف

إضافة رد
قديم 18-06-2009, 07:01 AM
  #71
خالد العاصمي
مشرف مجلس التربية والتعليم
 الصورة الرمزية خالد العاصمي
تاريخ التسجيل: Jul 2006
الدولة: نجد
المشاركات: 8,288
خالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond reputeخالد العاصمي has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

شكرا لك يالمناضل السليماني وبارك الله فيك
خالد العاصمي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 20-06-2009, 10:09 AM
  #72
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

ولو أنني أوتيت كل بلاغة ****** وأفنيت بحر النطق في النظم والنثر
لما كنت بعد القول إلا مقصرا ***** ومعترفا بالعجز عن واجب الشكر
مشكور اخوي خالد العاصمي

هذه الخطبة عن الامام العابد الحسن البصري

الخطبة الأولى
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره

أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فإنها الزاد إلى الله، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.

أيها الأخوة الأعزاء: إن النفوس البشرية يصيبها الملل والسآمة والفتور، فكلل عن العمل وفتور عن الطاعة، لكنها ما إن يحدوها الحادي ويقودها الساعي ويذكرها الذاكر سير أولئك الأفذاذ وأخبار الأتقياء وإخبات الصالحين وخشوع الناسكين إلا وتنشط. ويبدأ عملها من جديد.

فإذا الفتور يصبح حماساً، والكلل يصير عملاً، ولذلك قال أبو حنيفة النعمان بن ثابت: لسير الصالحين أحب إلينا من كثير من الفقه.

ذلك لأن الفقه وحده ودراسة العلوم وحدها دون مواعظ تلين لها القلوب أو تذكرة ترق لها الأسماع. تصبح القلوب أدعية للعلم ولا عمل، تصبح القلوب قاسية كالحجارة أو أشد قسوة فما أحوجنا أيها الأخوة وخاصة طلبة العلم لسير الصالحين وآدابهم واتباع سيرهم والاقتداء بسمتهم ودلّهم.

كرر علي حديثهم يا حادي فحديثهم يجلو الفؤاد الصادي.

أيها المسلمون: وسنتذاكر في هذه الخطبة المباركة سير علم من أعلام الصالحين وإماماً من أئمتهم ورجلاً من رجالتهم، ما إن يذكر اسمه إلا ويذكر الزهد – وما إن يذكر الزهد إلا ويذكر اسمه.

رجل هو الزهد، والزهد هو.

غير أنه لم يدرك النبي وإنما كان على درجة من الفطنة والزكاة، والخشية والإنابة والعقل والورع، والزهد والتقوى ما جعله يشبه الصحابة الكرام بل قال عنه علي بن زيد لو أدرك أصحاب رسول الله وله مثل أسنانهم ما تقدّموه.

قال عنه أحد العلماء: كان جائعاً عالماً عالياً رفيعاً فقيها ثقة مأموناً عابداً ناسكاً كبير العلم فصيحاً جميلاً وسيماً.

قال عنه أحد الصحابة: لو أنه أدرك أصحاب رسول الله لاحتاجوا إلى رأيه.

كانت أمه خيرة مولاة لأم سلمة زوج النبي وكان مولده قبل نهاية خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بسنتين.

وكانت أمه تخرج إلى السوق أحياناً فتدعه عند أم سلمة فيصيح جوعاً فتلقمه أم سلمة ثديها لتعلله به، إلى أن تجيء أمه – وإذا برحمة الله تنزل على الثدي فيدر لبناً فيرضع الطفل حتى يرتوي.

فإذا هو يرتوي حكمة وفصاحة وتقى، فما إن شب صاحبنا إلا وينابيع الحكمة تنبع من لسانه وجمال الأسلوب ورصانة العبارة وفصاحة اللسان تتحدر من كلامه.

إنه الحسن بن أبي الحسن يسار، الإمام شيخ الإسلام أبو سعيد البصري المشهور بالحسن البصري، يقال: مولى زيد بن ثابت، ويقال: مولى جميل بن قطبة.

وأمه خيرة مولاة أم سلمة، نشأ إمامنا في المدينة النبوية وحفظ القرآن في خلافة عثمان. وكانت أمه وهو صغير تخرجه إلى الصحابة فيدعون له، وكان في جملة من دعا له عمر بن الخطاب.

قال: اللهم فقهه في الدين، وحببه إلى الناس.

فكان الحسن بعدها فقيهاً وأعطاه الله فهماً ثابتاً لكتابه وجعله محبوباً إلى الناس.

فلازم أبا هريرة وأنس بن مالك وحفظ عنهم أحاديث النبي ، فكان كلما سمع حديثاً عن المصطفى ازداد إيماناً وخوفاً من الله.

إلى أن أصبح من نساك التابعين ومن أئمتهم ومن وعاظهم ودعاتهم، وصار يرجع إليه في مشكلات المسائل وفيما اختلف فيه العلماء، فهذا أنس بن مالك ، سُئل عن مسألة فقال: سلوا مولانا الحسن، قالوا: يا أبا حمزة نسألك، تقول: سلوا الحسن؟ قال: سلوا مولانا الحسن. فإنه سمع وسمعنا فحفظ ونسينا.

وقال أنس بن مالك أيضاً: إني لأغبط أهل البصرة بهذين الشيخين الحسن البصري ومحمد بن سيرين.

وقال قتادة: وما جالست رجلاً فقيهاً إلا رأيت فضل الحسن عليه، وكان الحسن مهيباً يهابه العلماء قبل العامة، قال أيوب السختياني: كان الرجل يجالس الحسن ثلاث حجج (سنين) ما يسأله عن مسألة هيبة.

وكان الحسن البصري إلى الطول أقرب، قوي الجسم، حسن المنظر، جميل الطلعة مهايباً.

قال عاصم الأحول: قلت للشعبي: لك حاجة؟ قال: نعم، إذا أتيت البصرة فأقرئ الحسن مني السلام، قلت: ما أعرفه، قال: إذا دخلت البصرة فانظر إلى أجمل رجل تراه في عينيك وأهيبه في صدرك فأقرئه مني السلام، قال فما عدا أن دخل المسجد فرأى الحسن والناس حوله جلوس فأتاه وسلّم عليه.

وكان الحسن صاحب خشوع وإخبات ووجل من الله، قال إبراهيم اليشكري: ما رأيت أحداً أطول حزناً من الحسن، وما رأيته قط إلا حسبته حديث عهد بمصيبة.

وقال علقمة بن مرثد: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، فأما الحسن بن أبي الحسن البصري. فما رأينا أحداً من الناس كان أطول حزناً منه، وكان يقول أي الحسن: نضحك ولا ندري لعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا.

فقال: لا أقبل منكم شيئاً، ويحك يا ابن آدم، هل لك بمحاربة الله طاقة؟ إن من عصى الله فقد حاربه، والله لقد أدركت سبعين بدرياً، لو رأيتموهم قلتم مجانين، ولو رأوا خياركم لقالوا ما لهؤلاء من خلاق، ولو رأوا شراركم لقالوا: ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب.

قال مطر الوراق: الحسن كأنه رجل كان في الآخرة ثم جاء يتكلم عنها، وعن أهوالها. فهو بخبر عما رأي وعاين.

وقال حمزة الأعمى: وكنت أدخل على الحسن منزله وهو يبكي، وربما جئت إليه وهو يصلي فأسمع بكاءه ونحيبه فقلت له يوماً: إنك تكثر البكاء، فقال: يا بني، ماذا يصنع المؤمن إذا لم يبكِ؟ يا بني إن البكاء داع إلى الرحمة. فإن استطعت أن تكون عمرك باكيا فافعل، لعله تعالى أن يرحمك.

ثم ناد الحسن: بلغنا أن الباكي من خشية الله لا تقطر دموعه قطرة حتى تعتق رقبته من النار.

وقال حكيم بن جعفر قال لي من رأى الحسن: لو رأيت الحسن لقلت: قد بث عليه حزن الخلائق، من طول تلك الدمعة وكثرة ذلك النشيج.

قال يزيد بن حوشب: ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز، كأن النار لم تخلق إلا لهماً.

وعن حفص بن عمر قال: بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني غداً في النار ولا يبالي. لله ما أطهر هذه القلوب، ولله ما أزكى هذه النفوس، بالله عليك قل لي: هل أرواحهم خلقت من نور أم أطلعوا على الجنة وما فيها من الحور أو عايشوا النار وما فيها من الدثور أم إنه الإيمان يكسى ويحمل فيكون كالنور نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء.

سبحان الله لا إله إلا الله، ما الذي تغيّر هل لهم كتاب غير كتابنا أم أرواح غير أرواحنا أم لهم أرض غير أرضنا، لا والله لكنها القلوب تغيرت والنفوس أمنت والأجساد تنعمت، غيرتها الذنوب وقيدتها المعاصي حتى أصبحنا لا نرى هذه الصور الإيمانية ولا النفوس القرآنية وصرنا نذكرها كفقير يذكر غناه أو بئسٍ ينادي فرحة دمناه، أين إخبات الصالحين، أو خشوع المؤمنين أو دموع التائبين أو أنين الخائفين.

أين أهل الإيمان، كمدتُ ألا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب.

بارك إلله لي ولكم...


الخطبة الثانية


الحمد لله على إحسانه.

أيها المسلمون: وكان الحسن البصري صاحب مواعظ وتذكير، ولكلامه أثر في النفوس وتحريك للقلوب.

قال الأعمش: ما زال الحسن يعي الحكمة حتى نطق بها.

وكان أبو جعفر الباقي إذا ذكره يقول: ذاك الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء.

ومن كلامه رحمه الله:

روى الطبراني عنه أنه قال: إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة، رجاء الرحمة حتى خرجوا من الدنيا وليست لهم أعمال صالحة.

يقول أحدهم: إني لحسن الظن بالله وأرجو رحمة الله، وكذب، ولو أحسن الظن بالله لأحسن العمل لله، ولو رجا رحمة الله لطلبها بالأعمال الصالحة، يوشك من دخل المفازة (الصحراء) من غير زاد ولا ماء أن يهلك.

عن حميد قال: بينما الحسن في المسجد تنفس تنفساً شديداً ثم بكى حتى أرعدت منكباً ثم قال: لو أن بالقلوب حياةً، لو أن بالقلوب صلاحاً لأبكتكم من ليلةٍ صبيحتها يوم القيامة، إن ليلة تمخض عن صبيحة يوم القيامة ما سمع الخلائق بيوم قط أكثر من عورة بادية ولا عين باكية من يوم القيامة.

وجاء شاب إلى الحسن فقال: أعياني قيام الليل (أي حاولت قيام الليل فلم استطعه)، فقال: قيدتك خطاياك.

وجاءه آخر فقال له: إني أعصي الله وأذنب، وأرى الله يعطيني ويفتح علي من الدنيا، ولا أجد أني محروم من شيء فقال له الحسن: هل تقوم الليل فقال: لا، فقال: كفاك أن حرمك الله مناجاته.

وكان يقول: من علامات المسلم قوة دين، وجزم في العمل وإيمان في يقين، وحكم في علم، وحسن في رفق، وإعطاء في حق، وقصد في غنى، وتحمل في فاقة (جوع) وإحسان في قدرة، وطاعة معها نصيحة، وتورع في رغبة، وتعفف وصبر في شدة.

لا ترديه رغبته ولا يبدره لسانه، ولا يسبقه بصره، ولا يقلبه فرجه، ولا يميل به هواه، ولا يفضحه لسانه، ولا يستخفه حرصه، ولا تقصر به نغيته.

وقال له رجل: إن قوماً يجالسونك ليجدوا بذلك إلى الوقيعة فيك سبيلاً (أي يتصيدون الأخطاء).

فقال: هون عليك يا هذا، فإني أطمعت نفسي في الجنان فطمعت، وأطعمتها في النجاة من النار، فطمعت، وأطمعتها في السلامة من الناس فلم أجد إلى ذلك سبيلاً، فإن الناس لم يرضوا عن خالقهم ورازقهم فكيف يرضون عن مخلوق مثلهم؟

وسُئل الحسن عن النفاق فقال: هو اختلاف السر والعلانية، والمدخل والمخرج، ما خافه إلا مؤمن (أي النفاق) ولا أمنة إلا منافق، صدق من قال: إن كلامه يشبه كلام الأنبياء.

توفي الإمام الحسن البصري وعمره 88 سنة عام عشر ومائة في رجب منها. بينه وبين محمد سيرين مائة يوم.

رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جنانه وجمعنا وإياه في دار كرامته.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين.

__________________


التعديل الأخير تم بواسطة المناضل السليماني ; 20-06-2009 الساعة 10:11 AM
المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 20-06-2009, 10:19 AM
  #73
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

حديثنا في هذه الخطبة عن الزهد

الخطبة الأولى
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره......................

أما بعد: إن الزهد هو عبارة عن انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه، وهو ترك راحة الدنيا طلبًا لراحة الآخرة وأن يخلو قلبك مما خلت منه يداك.

ومما يعين العبد على ذلك علمه أن الدنيا ظل زائل وخيال زائر، فهي كما قال تعالى: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا [الحديد: 20]. وسماها الله: مَتَاعُ الْغُرُورِ، ونهى عن الاغترار بها، وأخبرنا عن سوء عاقبة المغترين، وحذرنا من الوقوع في مثل مصارعهم، وذم من رضي بها واطمأن إليها، وعلمنا أن وراءها دارًا أعظم منها قدرًا وأجل خطرًا وهي دار البقاء.

ومما يعين العبدَ على الزهد فيها معرفتُه وإيمانه الحق بأن زهده في الدنيا لا يمنعه شيئًا كتب له منها، وأن حرصه عليها لا يجلب له ما لم يقض له منها، فمتى تيقّن ذلك ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة، فأما ما ينفع في الدار الآخرة فالزهد فيه ليس من الدين، بل صاحبه داخل في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة: 26].

وليس المقصود بالزهد ترك الدنيا ورفضها، فقد كان سليمان وداود عليهما السلام من أزهد أهل زمانهما ولهما من المال والملك والنساء ما لهما، وكان نبينا من أزهد البشر على الإطلاق وله تسع نسوة، وكان علي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف والزبير وعثمان رضي الله عنهم من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال، وغيرهم كثير.

وقد سئل الإمام أحمد: أيكون الإنسان ذا مال وهو زاهد،؟ قال: "نعم، إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصانه". وقال الحسن: "ليس الزهد بإضاعة المال ولا بتحريم الحلال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك، وأن تكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء، وأن يكون مادحك وذامك في الحق سواء".

هذه هي حقيقة الزهد، وعلى هذا فقد يكون العبد أغنى الناس لكنه من أزهدهم؛ لأنه لم يتعلق قلبه بالدنيا، وقد يكون آخر أفقر الناس وليس له في الزهد نصيب؛ لأن قلبه يتقطع على الدنيا.

والزهد أنواع، فالزهد في الحرام فرض عين، أما الزهد في الشبهات فإن قويت الشبهة التحق بالواجب، وإن ضعفت كان مستحبًا، وهناك زهد في فضول الكلام والنظر والسؤال واللقاء وغيره، وزهد في الناس، وزهد في النفس حيث تهون عليه نفسه في الله، والزهد الجامع لذلك كله هو الزهد فيما سوى ما عند الله، وفي كل ما يشغلك عن الله، وأفضل الزهد إخفاء الزهد، وأصعبه الزهد في الحظوظ.

عباد الله، لقد مدح الله تعالى الزهد في الدنيا وذم الرغبة فيها في غير موضع، فقال تعالى: وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ [الرعد: 26]، وقال عز وجل: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [يونس: 24]، وقال سبحانه: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد: 23]، وقال تعالى على لسان مؤمن آل فرعون: يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر: 39].

وعن ابن مسعود أن رسول الله قال: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة)) رواه مسلم، وعن سهل بن سعد الساعدي قال: أتى النبي رجل فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال رسول الله : ((ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك))، وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله : ((لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء)) رواه الترمذي وصححه.

ولذلك فقد كان الأنبياء والمرسلون أزهد الناس، فهم قدوة البشر في الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ [الأنعام: 90]. ومن تأمل حياة سيد الأولين والآخرين علم كيف كان يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، وما شبع من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض، ولربما ظل اليوم يتلوى لا يجد من الدقل ـ وهو رديء التمر ـ ما يملأ بطنه، وفي غزوة الأحزاب ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع، ويمر على أهله الهلال ثم الهلال ثم الهلال لا يوقد في بيتهم النار، طعامهم الأسودان: التمر والماء، وكان يقول: ((اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة))، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما كان فراش رسول الله الذي ينام عليه أدمًا حشوه ليف، وأخرجت رضي الله عنها كساءً ملبدًا وإزارًا غليظًا فقالت: قبض رسول الله في هذين؛ ولذلك فهو قدوة الناس وأسوتهم في الزهد والعبادة. قال : ((ما لي وللدنيا؟! إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل رجل سار في يوم شديد الحر، فاستظل تحت شجرة ساعة ثم راح وتركها))، وفي لفظ: ((ما لي وللدنيا؟! إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها)) رواه أحمد والترمذي.

لقد حذر الله تبارك وتعالى من فتنة الأموال والأولاد في هذه الحياة؛ حتى لا ينشغل العبد بها عن الاستعداد لما أراد الله منه وهو العبادة، فقال تعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال: 28]. ونهى جل وعلا عن النظر إلى ما في أيدي الناس؛ لأن ذلك مدعاة إلى الركون إلى الدنيا والانشغال بها عن الدار الآخرة الباقية، فقال تعالى: وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْواجًا مّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ [طه: 131].

ولقد كان المصطفى يتخوف الدنيا على أصحابه أن تبسط عليهم كما بسطت على من كان قبلهم، فيتنافسوها كما تنافسها القوم، فتهلكهم كما أهلكت من كان قبلهم، قال : ((إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء)) رواه مسلم.

ولما كان هو الأسوة والقدوة فقد سار على دربه الأفاضل والأخيار من أمته، فعن علي أنه قال: (طوبى للزاهدين في الدنيا والراغبين في الآخرة، أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطًا، وترابها فراشًا، وماءها طيبًا، والكتاب شعارًا، والدعاء دثارًا، ورفضوا الدنيا رفضًا). وكتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه، (أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله والزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبتك فيما عنده، وأحبك الناس لتركك لهم دنياهم، والسلام)، فما أعظمها من وصية وما أحلاها. وعن عروة بن الزبير أن أم المؤمنين عائشة جاءها يومًا من عند معاوية ثمانون ألفًا، فما أمسى عندها درهم، فقالت لها جاريتها: فهلا اشتريت لنا منه لحمًا بدرهم؟! قالت: لو ذكرتني لفعلت. وقال ابن مسعود : (الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا علم له). ولما قدم عمر الشام تلقاه الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة، وهو آخذ برأس راحلته يخوض بقدميه في الماء، فقالوا: يا أمير المؤمنين، يلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على حالتك هذه، فقال: (إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله). ودخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته، فقال يا أبا ذر: ما أرى في بيتك متاعًا ولا أثاثًا، فقال: (إن لنا بيتًا نوجه إليه صالح متاعنا)، فقال الرجل: إنه لا بد لكم من متاع ما دمتم ها هنا، فقال أبو ذر: (إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه). وكان عمرو بن العاص يخطب بمصر ويقول: (ما أبعد هديكم من هدي نبيكم ، أما هو فكان أزهد الناس في الدنيا، وأما أنتم فأرغب الناس فيها). وقال علي : (تزوجت فاطمة وما لي ولها فراش إلا جلد كبش، كنا ننام عليه بالليل، ونعلف عليه الناضح ـ أي: البعير ـ بالنهار، وما لي خادم غيرها، ولقد كانت تعجن وإن قصتها ـ أي: شعرها ـ لتضرب حرف الجفنة من الجهد الذي بها).

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

عباد الله، لما حضرت معاذ بن جبل الوفاة قال: (اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ـ أي: قيام الليل ـ ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر).

وقد ذكر الإمام أحمد أن أفضل التابعين علمًا سعيد بن المسيب، أما أفضلهم على جهة العموم والجملة فأويس القرني، وكان أويس يقول: "توسدوا الموت إذا نمتم، واجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم". وقال مالك بن دينار: "يعمد أحدهم فيتزوج ديباجة الحي ـ فاتنة الحي ـ، فتقول له: أريد مرطًا ـ أكسية من صوف ـ فتمرط دينه" أي: تذهب به.

وكان كثير من السلف يعرض لهم المال الحلال، فيقولون: لا نأخذه، نخاف أن يفسد علينا ديننا.

وكان سعيد بن المسيب يتجر في الزيت، وخلّف أربعمائة دينار، وقال: "إنما تركتها لأصون بها عرضي وديني". وقال سفيان الثوري: "الزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباءة". قال الشافعي في ذم الدنيا والتمسك بها:

فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها وإن تَجتذِبْها نازعتك كلابُها

وكان أبو سليمان الداراني يقول: "كل ما شغلك عن الله من أهل ومال وولد فهو مشؤوم".

ويكفي أن في الزهد التأسي برسول الله وصحابته الكرام، كما أن فيه تمامَ التوكل على الله، وهو يغرس في القلب القناعة، إنه راحة في الدنيا وسعادة في الآخرة.

والزاهد يحبه الله ويحبه الناس، فإن امتلَكتَ فاشكُر وأَخرج الدنيا من قلبك، وإن افتَقَرتَ فاصبر فقد طويت عمّن هم أفضل منك، فقد كان النبي ينام على الحصير حتى يؤثر في جنبه، ومات وفي رف أم المؤمنين عائشة حفنة من الشعير تأكل منها، وكان الصبيان إذا دخلوا بيوت رسول الله نالوا السقف بأيديهم، فلم يسكن القصور صلوات الله وسلامه عليه. وخطب عمر بن الخطاب وهو خليفة المؤمنين وعليه إزار به اثنتا عشرة رقعة.

لقد طويت الدنيا عنهم ولم يكن ذلك لهوانهم على الله، بل لهوان الدنيا عليه سبحانه، فهي لا تزن عنده جناح بعوضه، في الأثر: (إن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا كما يحمي أحدكم غنمه).

إن الدنيا ظل زائل وسراب راحل، غناها مصيره إلى فقر، وفرحها يؤول إلى ترح، وهيهات أن يدوم بها قرار، وتلك سنة الله تعالى في خلقه، أيامٌ يداولها بين الناس؛ ليعلم الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، إنما هي منازل، فراحل ونازل، وهي بزينتها وبريقها ونعيمها إنما هي:

أحلامُ نومٍ أو كظل زائلٍ إنّ اللبيب بمثلها لا يخدع

ومن يرى الناس اليوم وهم يتصارعون على هذه الدنيا ويتكالبون عليها يدرك لماذا يفقد البعض دينه ويضيّع الكثيرُ أهلَه وأولاده، وتنتشر الأحقاد وتُزرع الضغائن وتعمّ البغضاء، وهذا مصداق ما قاله النبي : ((من كان همه الآخرة جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته الدنيا فرق الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له)) أخرجه أحمد.

ولقد كان يوجه أصحابه ويحثهم على الزهد في هذه الدنيا، ومنها قوله : ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها))، وقوله أيضًا: ((لأن أقول: سبحان الله ولا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس)). ففي ذلك توجيه منه إلى أن الدنيا لا تساوي شيئًا، فلا تأس ولا تجزع على ما فاتك منها، ولا تفرح بما أتاك؛ فالمؤمن لا يجزع من ذلها ولا يتنافس في عزها، له شأن وللناس شأن، فالمؤمن عبدٌ لله في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه، وسواء أقبلت الدنيا أو أدبرت، فإقبالها إحجام، وإدبارها إقدام، والأصل أن تلقاك بكل ما تكره، فإذا لاقتك بما تحب فهو استثناء. وإذا تحقق ذلك كان حريًا بالمسلم أن يقبل على العبادة بقلب غير متعلق بهذه الدنيا الفانية ولا بشيء من حطامها.

ألا وصلوا وسلموا على خير الخلق محمد بن عبد الله، عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم، إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].


__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 23-06-2009, 04:32 PM
  #74
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

هدي خير البشرية صلى الله عليه وسلم مع زوجاته رضي الله عنهن
--------------------------
الخطبة الأولى

ان الحمد لله نحمده ونستعينه .........................

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، فخير الهدي هدي محمد، فمن اتَّبع هديه فأتمر بأمره وتجنب نهيه سعد في الدنيا والآخرة وأسعد من حوله، ومن خالف أمره واتبع السبل خاب وخسر، وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور: 54].

ومن هدي النبي حسن معاشرة النساء والإحسان إليهن، فهذا هديه قولا وعملاً، فمن حسن معاشرة النبي لأزواجه مدحهن والثناء عليهن وبيان فضلهن وما لهن من مزايا، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)) رواه البخاري (3411) ومسلم (2413).

وقد كان النبي يحفظ لأزواجه ودّهن، ويعترف بجميلهن حتى بعد وفاتهن، فحينما عاتبته عائشة رضي الله عنها قائلة له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة! أجابها بقوله: ((إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد)) رواه البخاري (3818)، فذكر النبي أنه يحفظ لها جميلها حيث ساندته في بداية دعوته ووقفت معه وخففت عنه آلام الدعوة وواسته بمالها.

ولا تخلو المرأة من جوانب مضيئة متعدّدة، سواء ما يتعلق بجمالها الحسّي أو المعنوي من ديانة وأدب وحسن تصرف أو حسن عمل في البيت طبخا وترتيبا وإصلاحا أو غير ذلك، فيثني الزوج على الزوجة في هذا الجانب، ويدعو لها، فهذا مظنة الازدياد من هذا الجانب الحسن أو على الأقل المحافظة عليه، أما كثرة الوقوف على الملاحظات التي لا يخلو منها أحد والمعاتبة عليها فهذا مظنة الشقاق والنزاع، ومع ذلك تبقى هذه العيوب وتتكدّر الخواطر؛ فلذا أرشد النبي إلى النظر إلى الجوانب الحسنة في المرأة وهي كثيرة، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر)) رواه مسلم (1469).

ومن حسن معاشرة النبي لأزواجه أنه كان يستمع لوجهة نظرهن ويقبل منهن المراجعة له والاعتراض على بعض تصرفاته، فيعاتبنه ويردّدن القول عليه، بل ربما هجرته الواحدة منهن، وهو في ذلك لا يقابل الإساءة بالإساءة، بل بالصبر والإحسان، فعن عمر بن الخطاب قال: كنا ـ معشر قريش ـ نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصحتُ على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ولِمَ تنكر أن أراجعك؟! فوالله، إن أزواج النبي ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل. رواه البخاري (2468) ومسلم (1479).

هذا هو هديه في نزاع أهله له، فما بال البعض منا لا يحتمل أن يسمع الكلمة من زوجته وإن كانت محقة؟! لا يريد النقاش فيما يتخذه من قرارات حتى ما يخصّ الزوجة والأولاد، بل ربما صبّ جم غضبه على زوجته وسبّها، ثم لا يحتمل منها أن ترد عليه خطأه وتبين له وجهة نظرها. سبحان الله! من الذي أباح لك أن تقول لها ما شئت من الكلام وحرم عليها أن ترد عليك فيما ظلمتها به؟!

ومن حسن معاشرة النبي لأزواجه حسن معاشرة أهل الزوجة وأصدقائها، فعن عائشة قالت: ما غرت على نساء النبيّ إلا على خديجة، وإني لم أدركها، قالت: وكان رسول الله إذا ذبح الشاة فيقول: ((أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة))، قالت: فأغضبته يوما فقلت: خديجة؟ فقال رسول الله : ((إني قد رزقت حبها)) رواه البخاري (3816) ومسلم (2435) واللفظ له.

فكان النبي يحسن معاشرة أهل المرأة ويكرمهم، وحسن معاشرته مع آل أبي بكر وآل الخطاب أمر مشهور، فمن أسباب دوام الألفة والمحبة بين الزوجين الدنو من أهل المرأة وصلتهم وحضور مناسباتهم، وهذا مفقود عند البعض من الأزواج، فتجده تمرّ الأشهر بل السنون ولم يحضر لهم مناسبة ولم يلج لهم بيتا، يقف عند الباب لإيصال زوجته وأخذها من بيت أهلها أو بيوت أقاربها، وهذا مما تنقم منه النساء، قد يعتذر البعض باختلاف وجهات النظر معهم أو وجود منكرات عندهم أو غير ذلك من المعاذير، وهذا ليس بعذر، فتتمّ الزيارة ويتلطّف الصهر في إنكار المنكر، فهم أولى من غيرهم بالتوجيه والنصح، فالقريب له من الحق العام والخاصّ ما ليس للبعيد.

معاشر الإخوة، أوصى النبيّ بالنساء، وأمر بتقوى الله فيهن، فحينما خطب النبي في عرفة في حجة الوداع في أكبر تجمع إسلامي في عهد النبي قال: ((فاتقوا الله في النساء)). فعلينا ـ معاشر الأزواج ـ أن نتقي الله في النساء، فلا نهضمهن حقهن فنمنعهن من حقوقهن أو نتطاول عليهن باليد أو اللسان، ويجب علينا الوفاء بالشروط التي قطعناها على أنفسنا، سواء كان الشرط مسجّلا في عقد الزواج أو غير مسجل، فعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله : ((أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج)) رواه البخاري (2721) ومسلم (1418).

ويحرم الضغط على المرأة للتنازل عن الشروط التي اشترطتها على الزوج ولا يصح تنازل المكره، والراشدة من النساء زوجة كانت أو بنتا أو أختا أو أمّا ليس لوليها ولاية على مالها، فلها أن تتصرف بمالها من غير إذن الولي أو إعلامه، والزوجة كسائر الناس؛ يحرم على زوجها أن يأخذ من مالها القليل أو الكثير إلا برضاها إلا إذا كان مشروطا، فالأصل في أموال المسلمين الحرمة إلا على الوالدين، فلهما الأخذ من مال أولادهم.




الخطبة الثانية


الحمد لله، والصلاة والسلام على من أثنى عليه ربه بحسن خلقه.

وبعد: من نافلة القول أن نذكر أنّ النبي لا يلجأ إلى إصلاح الخطأ بالضرب، فلم ينقل عنه أنه ضرب امرأة من نسائه، وأكثر ما حصل منه هو الهجر حيث حلف أن لا يدخل عليهنّ شهرا، فعن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله شيئا قطّ بيده ولا امرأة ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قطّ فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل. رواه مسلم (2328).

وقد عدّ النبي ضربَ الرجل المرأة عيبًا في الرجل، وأرشد المرأة إلى عدم القبول بمن يضرب النساء حينما يتقدّم لخطبتها، فعن فاطمة بنت قيس قالت: أتيت النبي ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله : ((أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد))، فكرهته ثم قال: انكحي أسامة، فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت. رواه مسلم.

فما بال البعض منا لا يحسن في الحوار وحلّ المشاكل إلا لغة الضرب؟! هل يرضى من هذه حاله أن يعامل بمثل هذا الأمر؟! ألا يتذكر ضرّابُ النساء قدرة الله عليه؟! فعن أبي مسعود الأنصاري قال: كنت أضرب غلاما لي فسمعت من خلفي صوتا: ((اعلم أبا مسعود، لله أقدر عليك منك عليه))، فالتفت فإذا هو رسول الله ، فقلت: يا رسول الله، هو حرّ لوجه الله، فقال: ((أما لو لم تفعل للفحتك النار)) أو: ((لمستك النار)) رواه مسلم (1659). هل يرضى من هو ضرّاب للزوجة أن تعامل ابنته أو أخته بالضرب؟! كيف يرضى للناس ما لا يرضاه لأهله؟!

وإنك لتعجب أشدّ العجب من شخص متعلّم يلجأ لضرب زوجته! فهل طرُق إصلاح الخطأ إن كان هناك خطأ أعيته فلم يبق إلا الضرب؟! نعم، أباح الشرع ضرب المرأة في حال النشوز وهو ترفعها عن الزوج وعدم طاعته فيما افترض الله عليها طاعته فيه، لكن هذه حالة استثنائية، ولم يبح الضرب ابتداء، إنما أبيح بعد النصح والتوجيه الحسن، ثم إذا لم ينفع ذلك واستمرت المرأة على الخطأ وعصيان الزوج يلجأ الزوج لحلّ آخر وهو الهجر في المنزل، فلا يجامعها ولا يبيت معها في فراش واحد، ولا زال العلاج داخل أسوار بيت الزوجية ولم تدخل أطراف أخرى في المشكلة، هنا يلجأ للضرب للتأديب لا لتشفي وإرواء الغليل، هذا إذا كان الخطأ متحقّقا من الزوجة، أما إذا كان الزوج مخطئا والمرأة تطالب بحقّ أخلّ به الزوج كالنفقة والمعاشرة بالمعروف وغير ذلك من حقوقها فيحرم عليه الهجر فضلا عن الضرب، وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء: 34].

وليس ضرب المرأة في نشوزها إهانة لكرامتها أو إذلالا لها، بل هو نوع من أنواع التربية وتعديل السلوك، وليس الأمر خاصا بها، فمثلا من له ولاية كالأب والمعلم والمعلمة لهم التأديب بالضرب للحاجة، بل الزوج الذي أبيح له ضرب المرأة في حال النشوز قد يمارس معه الضرب، مثلا لو ارتكب الزوج ما يوجب الحد أو التعزير كشرب الخمر أو التطاول على الناس فيحكم عليه بالجلد تأديبا له وزجرا عن المعصية التي ارتكبها، كما أن المرأة العاصية بنشوزها حكم عليها الشارع بالضرب، والفرق بينها وبين الرجل أن الرجل الذي يحكم بتأديبه بالضرب هو القاضي والذي يحكم بتأديب الزوجة زوجها.

عباد الله صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه........
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 23-06-2009, 04:40 PM
  #75
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

الأمان من عذاب الله ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
-------------------------------------------

الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين.........................
.............

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:23، 24].

عباد الله، اتقوا الله واحذروا غضبه وعقابه، واتقوا عذابًا لا يخص أهل الفجور والمعاصي وحدهم، بل يُهلكهم ومن سكت عنهم، ولا ينجو إلا من كان ينهى عن السوء، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:165].

عباد الله، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، واعلموا أن الخبث قد كثر، وأن الشر قد انتشر، وإن لم نقم بما أوجب الله علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن لم نغضب مما يُغضب الله، وإن لم تتمعر وجوهنا لانتهاك حرمات الله فلنهلكن مع الهالكين، ولنغرقن مع الغارقين، وليبدأن الله بعبد لم يتمعّر وجهه فيه، قال : ((والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم))، وقال : ((ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعمله لم يغيروه إلا عمهم الله بعقاب))، قالت زينب بنت جحش : يا رسول الله، أنهلِك وفينا الصالحون؟! قال: ((نعم؛ إذا كَثُرَ الخبث)).

عباد الله، إن الله سائلنا عن قيامنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هل أنكرت المنكر حين رأيته أم لا؟ وهل عملت على تغييره أم لم تعمل؟ وليس الله سائلك عن الناس: هل انتهوا عن سوئهم أم لا؟ فما على الرسول إلا البلاغ المبين.

عباد الله، يقول الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ [التوبة:71]. من صفات المؤمنين والمؤمنات أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فالذي هجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارج عن صفة المؤمنين، وواجب عليه أن يقوم بما أمره الله بالقيام به، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بل يجب هذا حتى على أصحاب المنكر وهم في منكرهم أن ينهى بعضهم بعضًا عن فعله، يقول تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78، 79]، فحتى من تلبس بالمعصية واجب عليه أن يسعى لإصلاح نفسه وأن ينهى غيره عن فعلها، فترك النهي عن المنكر سبب لحلول اللعنة بالعبد حتى وإن كان من أصحاب ذلك المنكر، ولن تكون هذه الأمة خير الأمم إلا إذا أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر، فإن الله تعالى يقول: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الأمة، إن قام به البعض كفى غيره، وإن لم يقم به أحد أثموا جميعًا، فلو رأيت منكرًا ولم ينكره غيرك تعين عليك إنكاره، فإن لم تفعل أثمت ومن رآه معك.

عباد الله، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُظهر الدين ويعز شأنه ويعليه، وبه يعرف الحلال من الحرام، وتعرف السنة من البدعة، ويَعز أهل الطاعة، ويذل أهل المعصية والفجور، ولو سَكت الناس عن إنكار المنكر لصار أمرًا عاديًا يألفه الناس، بخلاف ما لو أنكروا ونصحوا وتكلموا، يقول سفيان رحمه الله: "إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر أخيك، وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق"، ويقول الإمام أحمد: "إن المنافق إذا خالط أهل الإيمان فأثمرت عدواه ثمرتها صار المؤمن بين الناس معزولاً"، لأن المنافق يصمت عن المنكر وأهله، فيصفه الناس بالكياسة والبعد عن الفضول، ويسمّون المؤمن فضوليًا.

فواجب على كل مسلم ومسلمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على حسب الاستطاعة، وبخاصة فيما تحت قدرتهم من منكرات البيوت وما في حكمها، قال : ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)). تنكر على كل من جاهر بمعصية الله مِن كل مَن خلقه الله، حتى لو لم يكن من المسلمين، من أهل الكتاب كاليهود والنصارى وغيرهم، فإنهم مأمورون بالإيمان بهذا النبي الذي أُرسل إلى الناس كافة، والذي بُعث إلى الثقلين، وهم مسؤولون عنه في قبورهم، ومسؤولون عنه يوم بعثهم ونشورهم، قال : ((والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار))، فهؤلاء الكفرة من اليهود والنصارى الذين كفروا بمحمد وكذّبوه مأمورون بالإيمان به وبمتابعته، ومحاسبون على مخالفتهم شرع الله الذي أنزله عليه: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر42-46]، فهم مع كفرهم وتكذيبهم بيوم الدين محاسبون على ترك الصلاة وعدم إطعام المسكين والخوض مع الخائضين، فحوسبوا بالمعاصي وأُوخذوا بها مع أنهم كفار.

ولا يضعف المسلم أو يتوانى بدعوى أنه غير كامل في نفسه، بل عليه أن يسعى في إكمال نفسه مع أمره ونهيه لغيره، ولا بد لمن قام بهذا الأمر من التحلي بالرفق وسعة الصدر وإن سمع ما يكره، فلا يغضب كأنه منتصر لنفسه، ولينظر للواقعين في المعاصي بعين الشفقة والرحمة والنصح، وليعرف نعمة الله عليه حيث لم يقع فيما وقعوا فيه، ولا ينظر إليهم نظر ازدراء وإعجاب بالنفس، فبحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، وعليه بالتخلق بالصبر على ما يلقى، فهو ملاق أذى كثيرًا، يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [لقمان:17]، وليبتعد عن المداهنة والمداراة، ولا يأسف على من هجره وقلاه، ولا يحزن على من فارقه وخذله، وليقطع أطماعه في الخلق، ويجعل تعلقه بربه ومولاه، لا يتوكل إلا عليه، فمن توكل عليه كفاه، ومن استغنى به أغناه.

فاتقوا الله رحمكم الله، واعلموا أنه متى ما ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ازداد ظهور الفساد، وأصبح أصحاب المنكر يأتونه بعزة وتبجح، يقوي بعضهم بعضًا على إظهار المنكرات وإعلانها, وعندها تخرب البلاد ويهلك العباد ويحل عذاب الله، وإن عذاب الله لشديد.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة خير عباده، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية


الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه، أحمده سبحانه على نعمه وآلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله جل في عليائه وكبريائه، وأصلي وأسلم على خِيرته من خلقه وأوليائه، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لقائه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واتقوا يومًا تُرجعون فيه إلى الله.

عباد الله، ضرب لنا رسولنا مثلاً بينًا واضحًا يرشد من الضلالة ويهدي من العمى، إنه مثل من يأمر بالمعروف ومن يسكت عنه، مثل من ينهى عن المنكر ومن يتغافل عنه ويستحيي من إنكاره ويتغاضى عنه، قال عليه الصلاة والسلام: ((مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به، فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا: ما لك؟! قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم))، وجاء في رواية أن رجلاً منهم قال: ((ألا ترون لهذا يريد أن يغرقنا؟! فقال له آخر: دعه، فإنما ينقر مكانه)).

عباد الله، لقد كان رسولكم شديدَ الغيرة على حرمات الله، يغضب لها إذا انتهكت، وينهى عنها إذا ارتكبت، وقد كان لكُمْ فِي رسُولِ اللّهِ أُسْوةٌ حسنةٌ لِمنْ كان يرْجُو اللّه والْيوْم الآخِر وذكر اللّه كثِيرًا، فليجتهد كل منا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولنعرف لهذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام قدرها، ولنترك التلاوم وإلقاء التبعة على الآخرين، وحذار أن نكون ممن هان عليهم أن يعصى اللهُ ويبارزَ بالمعاصي ثم لا نحرك ساكنًا، وكأن الأمر لا يعنينا، وكأن الغيرة على الدين قد عدمت من قلوبنا، ونزعم أننا أولياءُ لله نحب ما يحب ونكره ما يكره، ثم نخشى الناس ولا نخشى الله، ونُبعد عما يغضب الخلق ونُغضب الخالق، ونشتري رضا الناس بسخط الله.

ألا فلنستيقظ من غفلتنا، ولنرجع إلى رشدنا، ولنتذكر أن الله إنما خلقنا لنعبدَه، لا لنكون عبيدًا لهذه الدنيا، نجامل الناس على حساب الدين، ونداهن الناس ونغضب رب العالمين، ألا رُبَّ كلمة تتكلم بها من رضوان الله لا تُلقي لها بالاً تكون سببًا لسعادتك في الدارين، قال : ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله عز وجل ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عز وجلَّ له بها رضوانه إلى يوم القيامة)).

أسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعلنا ممن استعمله لنصرة دينه وإعلاء كلمته.

ألا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه، فقال جل من قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم وأحبهم إلى يوم الدين...

__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 23-06-2009, 04:51 PM
  #76
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

لا والف لا لا لدور العجزة (عنوان الخطبة حقوق المسنين)

الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه........................
اوصيكم ونفسي بتقوى الله ...............

يولد الإنسان ضعيفا عاجزا عن خدمة نفسه، ثم ينمو شيئا فشيئا حتى إذا بلغ الحلم شعر بقوة جسمه وفوران شبابه، فسابق ولاحق وصارع ولاعب، يتحدى الأقران ويهزأ بالمصاعب والمتاعب. فما هي إلا أعوام تمر كالطيف في خيال النائم فيصبح ذلك الشاب المتوقّد بالقوة والنشاط شيخا كبيرا، يقول تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ. إذا به شيخ تصحبه الآلام، وتنغّص عليه الأسقام، حركته ثقيلة، ونفسه منقبضة، يسمع بين الحين والحين بصديق له قد لزم الفراش، وآخر فقد بصره أو سمعه أو حاسة من حواسه الغالية، فيسترجع ذكرياته معهم، وكيف كانوا من القوة هو وإياهم، فقد ذهبت بالنشاط السنون، وأخذت بعض الرفاق المنون.

إن هذه الفئة الغالية ـ أيها الكرام ـ تعيش بيننا الآن، وحقها أن تكرم ويحسن إليها، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟! إنه الكبير الذي رق عظمه وكبر سنه وخارت قواه وشاب رأسه، إنه الكبير الذي كم أعطى وبذل من جهده ووقته وشبابه، كان يخرج بالأمس القريب إلى الأصحاب والأحباب والإخوان والخلان, يخرج من عندهم بثغر باسم ونفس مبتهجة، فلا يخرج اليوم إلا بالأشجان والأحزان, يخرج إلى الأحباب والأصحاب يُشيع موتاهم ويعود مرضاهم, فالله أعلم كيف يعود إلى بيته, يعود بالقلب المجروح المنكسر وبالدمع الغزير المنهمر.

وإن عزاء الكبير في فقده لشبابه أن يجد من المجتمع توقيرا واحتراما، فقَدْ فقَدَ عزيزا غاليا وحبيبا ومعينا، وما لنا أن لا نعزّيه وقد بكى الأول على فقده لشبابه قبل أن يفقده بقوله:

ولقد بكيتُ على الشبابِ ولمتي مسودّةٌ ولِمـاءِ وجهي رونقُ

حذرًا عليـه قبلَ يومِ فراقـه حتّى لكدتُ بماءِ جفني أشرقُ

يا معاشر الكبار، الله يرحم ضعفكم, الله يجبر كسركم، في الله عوض عن الفائتين, في الله أنس للمستوحشين.

يا معاشر الكبار، أنتم كبار في قلوبنا, وكبار في نفوسنا, وكبار في عيوننا, كبار بعظيم حسناتكم وفضلكم بعد الله علينا، أنتم الذين علمتم وربيتم وبنيتم وقدمتم وضحيتم، لئن نسي الكثير فضلكم فإن الله لا ينسى, ولئن جحد الكثير معروفكم فإن المعروف لا يَبْلى, ولئن طال العهد على ما قدمتموه من خيرات وتضحيات فإن الخير يدوم ويبقى، ثم إلى ربك المنتهى, وعنده الجزاء الأوفى، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً.

إن القيام بواجب التوقير للكبار واجب الجميع، بل هو مشروع الجميع ذكورا وإناثا، وسيقطفون ثماره فيما يستقبلون من الأيام، فالكبر غاية سيصل إليها من مد الله في عمره ولم تتخطفه المنون، فإن وقروا كبارهم وحفظوا أقدارهم وصانوا أعراضهم وجد من يصل إلى هذه المرحلة العمرية فضل ذلك ونتيجته في نفسه، وفي الأثر: (ما أكرم شاب شيخًا لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند كبر سنه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي أنه قال: ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا)). فقوله: ((ليس منا)) فيه زجر للإنسان الذي لا يحترم الكبير. وإن الإنسان الذي تربى من صغره على إكرام الكبار فهو عندما يكبر في السن يجد الصغار يكرمونه، يقول تعالى: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ.

وإنك لتأسف اليوم لحال كثير من الناس مع المسنين وما آل إليه تعامل الكثير معهم، فتجد بعضهم يسخر من المسنّ، وربما كان ذلك المسن أحد والديه أو أجداده أو من العمومة أو الخؤولة، وأصبح من الدارج اليوم أن يوصف الأب الكبير بالشائب، والوالدة المسنة بالعجوز، ناهيك عن التضاحك على بعض أقوالهم وعدم احترام حديثهم، فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: لقد كنت على عهد رسول الله غلامًا، فكنت أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالاً هم أسن مني. فقد امتنع عن الكلام فيما يعلم توقيرا لمن هم أسن منه رضي الله عنه وأرضاه. وفي هذا تأديب لمن علمه والده وأدخله المدارس حتى إذا اطلع على ما يجهله والده الذي ربما كان أمّيا أو قريبا من الأمية بدأ يردّ عليه بسخرية ولم يترك له خطأ لا يلزمه تصحيحه إلا صحّحه، فمن الأدب أن يُترك الوالد على سجيّته؛ يفصح عما في نفسه، وأن يترك على عفويته دون كثير إنكار.

ولربما ضاق بعضهم من حديث بعض المسنين عن ماضيهم، فإن الماضي يشكل لهم الرصيد الذي يملكونه، ومن المحال أن نطالبهم بنسيانه، وأحدنا يشعر بالبهجة وهو يتذكّر أحداثا جميلة على قلّتها، فكيف وتلك الأحداث تاريخ كامل وتجربة ثرية عاشها إنسان بكل تفاصيلها؟! أوَلما حانت ساعة نقلها للجيل الجديد تبرم هذا الجيل وبحث عن الجدة والحداثة متماشيا مع إيقاع السرعة، لا يريد سواها؟! مع أن الحياة تجارب وفوائد، وعند الأولين ثمار يانعة لو أحسن الاستفادة منها، وليس يُطلب من أحد أن لا يعيش تجربته، ولكن من المفيد أن يستفيد الآخر من الأول ويعرف له فضل القدم.

إن مشروع العناية بالمسنين مشروع تمتد أطرافه لتشمل الفرد وتعامله والمجتمع وأنظمته، فلا بد من احتواء الأنظمة على معاملة خاصة للمسنين، ومن ذلك أن يخصّص لهم موظف يخدمهم على وجه يليق بهم؛ فإن المشاهد اليوم أنهم يقفون مع الشابّ النشيط والكهل القادر دون مراعاة لحالتهم النفسية والجسدية، وكذلك العقلية التي ربما يعتورها بعض الخلل عند بعضهم، ولا بد من تدريب الموظف على التعامل معهم بما يرفع وعيه ويزيد من لباقته في التعامل مع هذه الفئة الغالية.

فنحن في مجتمع مسلم، يعلي من شأن المسنين، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)) رواه الترمذي.

وإن من إكرام ذي الشيبة المسلم العمل على إغلاق دور المسنين، وذلك بنشر الوعي بفضل القيام عليهم أولا، ثم مساءلة من يتخلّى عن أحد والديه، وتضييق نطاق هذه الدور، فلا يوضع فيها إلا من لم يكن له ولد. كما أن من إكرامهم عمل أندية خاصة بهم، وعمل هيئة واجبها القيام على شؤون المسنين والمدافعة عن حقوقهم, فإن بخلت الأنظمة بالقيام بسَن قوانين تعلي من شأن المسن وتقوم على خدمته فلا أقل من أن يقوم الفرد برعايته، وأن يقوم الموظف في أي جهة كان بالقيام بحقه، مع مراعاة المراجعين لذلك والتنازل له بحق التقديم؛ فإن دقائق الانتظار التي تؤثره بثمرتها ستؤجر عليها وأنت مطيق لما لا يطيق.

كما أن من إكرامهم مراعاتهم في المشي، لا سيما الوالدين، فلا يعجل بهم من يذهب بهم، وكذلك عدم الإسراع بسيارة يركبونها، فإن ذلك مما يزعجهم، والمحافظة على هدوء المكان الذي يكونون فيه، وعدم إزعاجهم بالأطفال؛ فإن أذن المسنّ تميل إلى الهدوء، فقد ملّ صخب الحياة وأحب هدوءها.

ومن إكرامهم رفع روحهم المعنوية، وإسماعهم كلمات التشجيع، وإشعارهم بأنهم لا زالوا يحتفظون بقدر من الشباب، وأن الله لا يزال يحسن إليهم، ومن ذلك أن مد الله بأعمارهم على الإسلام والطاعة، وفي الحديث: ((خير الناس من طال عمره وحسن عمله)). إن رقة عظمه يقابلها متانة تجربته، وضعف أعضائه يقابله قوة عقله.

ثم مراعاة المسنين في المأكل والمشرب، والإتيان لهم بما يتوافق مع حالتهم الصحية مما ينبغي التنبيه إليه، فإذا كانوا مرضى فلا بد من تكثيف العناية بهم من إطعام يتوافق مع حميتهم ورفع للأذى وتقليب لهم بين الحين والحين في منامهم، لا سيما عند حالات السنّ المتقدمة أو المرض الشديد، ناهيك عن مراعاتهم في درجة حرارة الجو من البرودة والحرارة، فما يطيقه الشاب قد لا يطيقه المسن. كما أن من المهم أن نراعي وجود المسنين في المجالس بأن نشركهم بأحاديثنا، فلا نتحدث عن رياضة أو سياسة أو اقتصاد إذا كانوا لا يحسنون شيئا منها، مع تلمّس مرغوباتهم وتلافي ما يزعجهم ما استطعنا إلى ذلك سبيلا؛ طمعا فيما عند الله ورجاء ما عنده من الأجر والثواب.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله...

الخطبة الثانية

عباد الله، الشيب نذير الآخرة وعلامة السنّ، وقد رُوي عن ابن عباس أنه قال في تفسير قوله تعالى: وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ قال: (يعني: الشيب). وقد أعذر الله لمن بلغه الستين، فعن أبي هريرة عن النبي قال: ((أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً)). قال الخطابي: "((أعذر إليه)) أي: بلغ به أقصى العذر، ومنه قولهم: قد أعذر من أنذر، أي: أقام عذر نفسه في تقديم نذارته".

فينبغي للمسن أن يحفظ قدر نفسه بتقواه لربه، وأن يكون أهلا لواجب المجتمع تجاهه، وأن يستثمر ما بقي من عمره في التعبد، ولا يلزم من التعبد أن كون في العبادات المعروفة فحسب، وإنما يمكن أن يتعبد المرء لله في نفع الناس، ومن ذلك النفع مشاركته للمجتمع شؤونه، فلا يحسن به إن تقاعد من العمل الوظيفي أن يتقاعد عن الحياة؛ فلا ينتج ولا يبذل، بل يحسن به أن يكون منتجا وطموحا حتى يفارق الحياة ويودع الدنيا، كما يحسن به أن لا يكثر الشكوى إلى المخلوقين، فإنه إن فعل ذلك لم يزد على أن يشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم. فإن تألمت فاجعل من ألمك أملا تدّخر ثوابه عند الذي لا تغيب عنه غائبة، قال : ((عجبت لأمر المؤمن، إن أمره كله خيرٌ، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له, وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له)) رواه أحمد والترمذي. وإن تخلى عنك من تخلى فاعلم أن الله بكل شيء عليم، وما عند الله خير وأبقى. وإن عومِلت معاملة لا تليق بك فإن الذي أساء إليك أساء إلى أمته ودينه قبل أن يسيء إليك، والله المستعان وعليه التكلان، وإليه الملتجأ وهو الرحمن الرحيم.

ثم صلوا وسلموا على خير البرية...


__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 26-06-2009, 09:42 AM
  #77
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

هذه الخطبة عن الأم
الخطبة الاولى
الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزز بعظمة الربوبية، القائم على نفوس العالم بآجالها، والعالم بتقلبها وأحوالها، المانّ عليهم بتواتر آلائه، المتفضل عليهم بسوابغ نعمائه، الذي أنشأ الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، وخلق البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بعزته إرادته. وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر السموات العلا، ومنشىء الأرضين والثرى، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـئَلُونَ} [الأنبياء:23]. وأشهد أن محمداً عبده المجتبى ورسوله المرتضى، بعثه بالنور المضيء والأمر المرضي، على حين فترة من الرسل، ودُروس من السبل، فدمغ به الطغيان، وأكمل به الإيمان، وأظهره على كل الأديان، وقمع به أهل الأوثان، فصلى الله عليه وسلم ما دار في السماء فلك، وما سبح في الملكوت ملك، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: أيها الإخوة المؤمنون، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا والعمل على طاعته، يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70، 71].
قلبٌ رحيم وصدر حنون، مجبولٌ على الشفقة، نفسٌ كبيرة وسعت ما لم تسعه آلاف النفوس، خلِق يوم خُلِق فركّبت فيه الرحمة حين خالطت أحشاءَه وسرت سريان الدم في عروقه، يحِبَّ وإن لم يُحَبّ، ويحنو وإن أغلِظ عليه، لا تجازي بالسيئة السيئة، بل يغشى المسيء برّا وإحسانًا، لكأنما حيزَت معاني الحبّ حتى استأثَر بها عمّن سواه، وجُمعت خصال الرقة والشفقة فظفِر بها عن سائر الخلق، لم أصفْه بعد أيها الأخيار، إنه المخلوق الذي قدّم وضحّى ولم يزل، كم حزن لتفرح، وجاع لتشبع، وبكى لتضحك، وسهر لتنام، وتحمّل الصعاب في سبيل راحتك، إذا فرحت فرح، وإن حزنتَ حزن، إذا دَاهمك الهمّ فحياته في غمّ، أمله أن تحيى سعيدًا رضيًّا راضيا مرضيًا، مُناه أن يرفرف السرور في سمائك، وسكن الحبور ربوعَك، إنه المخلوق الضعيف الذي يعطي ولا يطلب أجرًا، ويبذل ولا يأمل شكرًا، هل سمعتَ عن مخلوق يحبّك أكثر من ماله؟ لا، بل أكثر من دنياه، لا، بل أكثر من نفسه التي بين جنبيه، نعم يحبّك أكثر من نفسه، إنها الأم، الأم وكفى، رمز الجنان.
تأمّل ـ يا رعاك ربيّ ـ حالَ صغرك، تذكّر ضعف طفولتك، فقد حملتك أمك في بطنها تسعةَ أشهر وهنًا على وهن، حملتك كرهًا ووضعتك كرهًا، تزيدها بنموّك ضعفًا، وتحملها فوق طاقتها عناءً، وهي ضعيفة الجسم واهنة القوى، وعند الوضع رأت الموتَ بعينها، زفرات وأنين، غصص وآلام، ولكنها تتصبّر، تتصبّر، تتصبّر، وعندما أبصرتك بجانبها وضمتك إلى صدرها واستنشقت ريحك وتحسست أنفاسك تتردّد نسيت آلامها وتناست أوجاعها، رأتك فعلّقت فيك آمالها ورأت فيك بهجة الحياة وزينتها، ثم انصرفت إلى خدمتك ليلها ونهارها، تغذيك بصحتها، وتنميك بهزالها، وتقوّيك بضعفها، فطعامك درّها وبيتك حجرها، ومركبك يداها، تحيطك وترعاك، تجوع لتشبع، وتنهر لتنام، فهي بك رحيمة، وعليك شفيقة، إن غابت عنك دعوتَها، وإذا أعرضت عنك ناجيتها، وإذا أصابك مكروه استغثتَ بها، تحسب الخير كلَّه عندها، وتظنّ الشرّ لا يصل إليك إذا ضمّتك إلى صدرها أو لاحظتك بعينها، تخاف عليك رقّة النسيم وطنين الذباب، وتؤثرك على نفسها بالغذاء والراحَة، فلما تم فصالك في عامين وبدأت بالمشي، أخذت تحيطك بعنايتها وتتبعك نظراتها وتسعى وراءك خوفًا عليك، ثم كبرت فكبر جهالك، وأخذت منك السنين، فأخذ منها الشوق والحنين، صورتك أبهى عندها من البدر إذا استتمّ، صوتك أبدى على مسمعها من تغريد البلابل وغناء الأطيار، ريحك أروع عندها من الأطياب والأزهار، سعادتك أغلى من الدنيا لو سيقت إليها بحذافيرها، يرخص عندها كلّ شيء في سبيل راحتك، حتى ترخص عندها نفسها التي بين جنبيها، فتؤثر الموت لتعيش أنت سالمًا معافى.
روى أحمد والنسائي وابن ماجه عن معاوية بن جاهمة السلمي رضي الله عنه، قال: أتيت رسول الله فقلت: يا رسول الله، إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي وجه الله والدار الآخرة، قال: ((ويحك، أحية أمك؟)) قلت: نعم، قال: ((ارجع فبرها))، ثم أتيته من الجانب الآخر، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي وجه الله والدار الآخرة، قال: ((ويحك، أحية أمك؟)) قلت: نعم يا رسول الله، قال: ((فارجع إليها فبرها))، ثم أتيته من أمامه، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه اللهَ والدار الآخرة، قال: ((ويحك، أحية أمك؟)) قلت: نعم يا رسول الله، قال: ((ويحك، الزم رجلَها فثمّ الجنة)). إنها الجنة وربّ الكعبة: ((الزم رجلها فثمّ الجنة)).
قال محمد بن المنكدر: "بتّ أغمز رجلَ أمي، وبات أخي عمر ليلته يصلّي، فما تسرّني ليلته بليلي".
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتي رجل رسول الله فقال: يا رسول الله، إني جئت أريد الجهاد معك أبتغي وجه الله والدار الآخرة، ولقد أتيت وإن والدي ليبكيان، قال: ((فارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما)) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
عن أنس بن نضر الأشجعي قال: استقت أم ابن مسعود رضي الله عنها ماءً في بعض الليالي، فجاءها بالماء فوجدها قد ذهب بها النوم، فثبت عند رأسها حتى أصبح، ولما قدم أبو موسى الأشعري وأبو عامر على رسول الله فبايعاه وأسلما، قال لهم عليه الصلاة والسلام: ((ما فعلت امرأة منكم تدعى كذا وكذا؟)) قالوا: تركناها في أهلها، قال: ((فإنه قد غفِر لها)) قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: ((ببرها والدتها)) قال: ((كانت لها أم عجوز كبيرة، فجاءهم النذير: إن العدوّ يريد أن يغير عليكم، فجعلت تحمل أمها على ظهرها، فإذا أعيت وضعتها، ثم ألزقت بطنها ببعض أمها وجعلت رجليها تحت رجلي أمها من الرمضاء حتى نجت)) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه.
إنها الأم، يا من تريد النجاة، الزم رجليها، فثمّ الجنة، قال ابن عمر رضي الله عنهما لرجل: (أتخاف النار أن تدخلها، وتحب الجنة أن تدخلها؟) قال: نعم، قال: (برّ أمك، فوالله لئن ألنت لها الكلام وأطعمتها الطعام لتدخلن الجنة ما اجتنبت الموجبات)، يعني: الموبقات.
إن البر دأب الصالحين وسيرة العارفين، أراد ابن الحسن التميمي قتلَ عقرب فدخلت في جحر، فأدخلها أصابعه خلفها فلدغته، فقيل له في ذلك، قال: "خفت أن تخرج فتجيء إلى أمي وتلدغها".
قال محمد بن سيرين: "بلغت النخلة على عهد عثمان رضي الله عنه ألف درهم، فعمد أسامة بن زيد رضي الله عنهما إلى نخلة فاشتراها، فنقرها وأخرج جمّارها، فأطعمها أمه، فقالوا له: ما يحملك على هذا وأنت ترى النخلة قد بلغت ألف درهم؟! قال: إن أمي سألتني ولا تسألني شيئًا أقدر عليه إلا أعطيتها".
عبد الله بن عون نادته أمه فعلا صوته صوتها، فأعتق رقبتين، وزين العابدين كان أبر الناس بأمه، وكان لا يأكل معها في صحفة واحدة، فقيل له: إنك أبرّ الناس ولسنا نراك تأكل معها في صحفة واحدة؟! فقال: "أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون قد عققتها، ولقد مضى بين أيدينا أقوام لا يعلو أحدهم بيته وأمه أسفله".
إنها الجنة، يا طالب الجنة، الزم قدميها فثمّ الجنة.
روى الترمذي وصححه عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله يقول: ((الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه)).
وفي صحيح الترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي قال: ((رضا الرب من رضا الوالد، وسخطه الرب من سخط الوالد)).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح إليهما محتسبًا إلا فتح الله بابين ـ يعني من الجنة ـ وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما لم يرضى الله عنه حتى يرضى عنه)، قيل: وإن ظلما؟ قال: (وإن ظلما).
رأى ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً يمانيًا يطوف بالبيت حمل أمه وراءه على ظهره، يقول: إني لها بعيرها المدلَّل، إن أذعِرت ركابها لم أذعر، الله ربي ذو الجلال الأكبر، حملتها أكثر مما حملتني، فهل ترى جازيتها يا ابن عمر؟! قال ابن عمر: (لا، ولا بزفرة واحدة).
ليس هذا فحسب، بل برها مكفّر للكبائر، قال الإمام أحمد: "بر الوالدين كفارة الكبائر"، وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل قتل امرأته ما توبته؟ قال: (إن كان له أبوان فليبرهما ما داما حيين، فلعل الله أن يتجاوز عنه). وقد جاء عنه مثل ذلك في توبة من تعلّم السحر.
معاشر المؤمنين، كم ساعات قضى فيها المسلم للوالدين حاجات، غفر الله عز وجل بها الذنوب والزلات، وخرج بها الهموم والكربات، كم ولد بار أو فتاة بارة قاما من عند والديهما بعد سلام أو طيب كلام أو هدية متواضعة وقد فتحت أبواب السماء بدعوات مستجابات لهما من والديهما الضعيفين الكبيرين.
فاتقوا الله في الوالدين، سيما إذا بلغا من الكبر والسنّ ما بلغا، ووهن العظم منهما واشتعل الرأس شيبًا، إذا بلغت بهما الحال ما بلغت وأصبحا ينظران إليك نظر الذي ينتظر لقمة هنية أو أعطية جزية.
حَدّث أحد الضباط العاملين في جهاز الدفاع المدني فقال: إنهم وصلوا إلى بيت قد اشتعلت فيه النيران وفي البيت أم وأطفال لها ثلاثة، بدأ الحريق في إحدى الغرف، فحاولت الأم الخروج من الأبواب فإذا هي مقفلة، صعدت سريعا مع أطفالها الثلاثة إلى سطح المنزل لتخرج من بابه فألقته مغلقًا كذلك، حاولت فما استطاعت، كررت فأعياها التكرار، تعالى الدخان في المنزل، وبدأ النفس يصعب، احتضنت صغارها، ضمتهم إلى صدرها، وهم على الأرض حتى لا يصل الدخان الخانق إليهم، والأم الرؤوف تستنشقه هي، لما وصلت فرق الإنقاذ إلى سطح المنزل وجدوها ملقاة على بطنها، رفعوها فإذا بأبنائها الثلاثة تحتها أموات، كأنها طير يحنو على أفراخه يجنبهم الخطر، تدافع عنهم من عدوّ كاسر، وجدوا أطراف أصابع يدها مهشّمة وأظافرها مقطوعة إذ كانت تحاول فتح الباب مرّة، ثم نرجع إلى أولادها لتحميهم من لهيب النار وخنق الدخان مرة أخرى، حتى قضت وقضوا.
في صورة تجسّد روعة التضحية، في لوحة مصونة بألوان الحنان منقوشة بريشة العطف والرحمة.
ومع كلّ هذه التضحية والتفاني في الحفظ والرعاية التي تقدمها الأم لوليدها وفلذة كبدها، حتى قال النبي في بيان عظم حقها مع الوالد: ((لا جزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فتشتريه فيعتقه)) رواه مسلم.
مع هذا الحب الفياض والعطف الرؤوف والحنان المتدفق نسمع ونرى من صور العقوق ونكران الجميل والقسوة العجيبة والغلظة الرهيبة وإساءة العمل وسوء التعامل ما لو أن الواحد وقف على بعضه وسمع من الأثبات البعض الآخر لأنكره أشدّ النكير ولما تطرق إلى خياله أنه الصدق والواقع.
رسالة تبعَثها أم مكلومة إلى وليدها وريحانة فؤادها، قالت الأم المسكينة: "يا بني، منذ خمسة وعشرين عامًا كان يومًا مشرقًا في حياتي عندما أخبرتني الطبيبة أني حامل، والأمهات ـ يا بني ـ يعرفن معنى هذه الكلمة جدًّا، فهي مزيج من الفرح والسرور وبداية معاناة مع التغيرات النفسية والجسدية، وبعد هذه البشرى حملتك ـ يا بني ـ تسعة أشهر في بطني فرحة جذلة، أقوم متثاقلة، وأنام بصعوبة، وآكلُ مرغمة، وأتنفّس بألم، ولكن كل ذلك لم ينقص من محبتي لك وفرحي بك، بل نمت محبتك مع الأيام وترعرع الشوق إليك. حملتك ـ يا بني ـ وهنًا على وهن وألمًا على ألم، بيد أني كنت أفرح وأفرح كلما شعرت بحركتك داخل جوفي، وأسرّ بزيادة وزنك، مع أنه حمل ثقيل علي، إنها معاناة طويلة، أتى بعدها فجر تلك الليلة التي لم أنم فيها ولم يغمض لي فيها جفن، ونالني من الألم والشدة والرهبة والخوف ما لا يصفه القلم ولا يتحدّث عنه اللسان، ورأيت بأمي عيني ـ والله يا بني ـ الموت مرات عدّة حتى خرجت إلى الدنيا، فامتزجت دموع صراخك بدموع فرحي، وأزالت كل آلامي وجراحي. يا بني، مرّت سنوات من عمري وأنا أحملك في قلبي وأغسلك بيدي، جعلت حجري لك فراشًا، وصدري لك غذاء، أسهرت ليلي لتنام، وأتعبت نهاري لتسعد، أمنيتي أن أرى ابتسامتك، وسروري كلّ لحظة أن تطلب مني شيئًا أصنعُه لك، فتلك منتهى سعادتي. ومرت الأيام والليالي وأنا على تلك الحال، خادمة لم نقصّر، ومرضعة لم تتوقف، وعاملة لم تفتر، حتى اشتدّ عودك واستقام شبابك، وبدأت تظهر عليك معالم الرجولة، فإذا بي أجري يمينا ويسارًا لأبحث لك عن المرأة التي طلبت، وأتى موعد زفافك فتقطع قلبي وجرت مدامعي فرحة بحياتك السعيدة الجديدة وحزنا على فراقك، ومرّت الساعات ثقيلة فإذا بك لست ابني الذي عرفت، لقد أنكرتني وتناسيت حقي، تمرّ الأيام لا أراك، ولا أسمع صوتك، وتجاهلت من قامت لك خير قيام، يا بني، لا أطلب إلا القليل اجعلني من أطرف أصدقائك عندك وأبعدهم خطوة لديك.
اجعلني ـ يا بني ـ إحدى محطات حياتك الشهرية لأراك فيها ولو لدقائق. يا بني، أحدودب ظهري وارتعشت أطرافي وأنهكتني الأمراض وزارتني الأسقام، لا أقوم إلا بصعوبة، ولا أجلس إلا بمشقة، ولا يزال قلبي ينبض بمحبتك، لو أكرمك شخص يومًا لأثنيت على حسن صنعه وجميله، وأمك ـ يا رعاك ربي ـ أحسنت إليك إحسانًا لا تراه ومعروفًا لا تجازيه، لقد خدمتك وقامت بأمرك سنوات وسنوات، فأين الجزاء والوفاء؟! إلى هذا الحد بلغت بك القسوة وأخذتك الأيام؟!
يا بني، كلما علمت أنك سعيد في حياتك زاد فرحي وسروري، ولكني أتعجب وأنت صنيع يدي، وأتساءل: أي ذنب جنيته حتى أصبحت عدوة لك لا تطيق رؤيتي وتتثاقل عني؟! لن أرفع شكواك، ولن أبثّ الحزن لأنها إن ارتفعت فوق الغمام واعتلت إلى باب السماء أصاب شؤم العقوق ونزلت بك العقوبة، وحلت بدارك المصيبة، لا، لن أفعل، لا تزال ـ يا بني ـ فلذة كبدي وريحانة حياتي وبهجة دنياي.
أفق يا بني، بدأ الشيب يعلو مفرقك، وتمر سنوات ثم تصبح أبا شيخًا، والجزاء من جنس العمل وستكتب رسائل لابنك بدموع مثل ما كتبت لك، وعند الله تجتمع الخصوم. يا بني.
اتق الله في أمك، كفكِف دمعها، وخفف حزنها، وإن شئت بعد ذلك فمزّق رسالتها، واعلم أنه من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فعن زيد قال: قلت للحسن البصري: ما دعاء الوالدين للولد؟ قال: نجاة، قال: فقلت: فعليه؟ قال: استئصاله، يعني الهلاك.
إن حق الأم على الولد عظيم، وشانها كبير، فلا يدعُها باسمها، بل نادها بما تحبّ من اسم أو كنية، لا تجلس قبلها، ولا تمشي أمامها، قابلها بوجه طلق، قبل رأسها، والثم يدها، إذا نصحتها فبالمعروف من دون إساءة، أجب دعوتها إذا دعتك من دون ضجر أو كراهية، تكلم معها باللين، أطعمها إذا جاعت، أو اشتهت صنفًا وإن تأنيت في ذلك، أهدها قبل أن تسأل شيئًا، تحسَّس ما تحبّ فاجلبه لها، كان خادمًا مطيعًا لها، أطعها في غير معصية، لا تسبقها بأكل أو شرب، أبهجها بالدعاء لها آناء الليل وأطراف النهار بالرحمة والمغفرة، غضّ الطرف عن أخطائها وزلاتها، لا تتأسّف أو تحدّث أحدًا عن سبيل الشكاية أو النكاية، وقرها واحترمها، لا تتكبّر عليها فقد كنت في أحشائها وبين يديها، أدخل السرور عليها، صاحبها بالمعروف، اطلب الدعاء منها فله تفتح أبواب السماء.
هذا واعلموا أن الله أمركم بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته وثلث بكم عباده المؤمنين، فقال عز من قائل حكيم: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك وأنعم على عبدك ونبيك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة ...
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 30-06-2009, 04:27 PM
  #78
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

هذه الخطبة اخواني عن الجار وماله من حقوق والنهي عن إيذائه

الخطبة الأولى
الحمد لله وحده .............



يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وستون شعبة، أعلاها كلمة لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء من الإيمان)).

عباد الله: إن المسلم يسعى جاهداً ليكون ممن استكمل هذه الشعب وصار مؤمناً خالصاً كامل الإيمان، وإن من شعب الإيمان التي فرط فيها المسلمون: حق الجار.

عباد الله: إن حق الجار عظيم، ومن عظم حق الجار أن الله تعالى قرنه مع حق الله والوالدين والأرحام، يقول الله عز وجل: وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً وَبِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ [النساء:36].

والجيران كما يقول العلماء ثلاثة، فالجار الأول له ثلاثة حقوق، وهو الجار المسلم ذو الرحم، الذي له حق الجوار وحق الإسلام وحق القرابة، أما الجار الثاني فهو الذي له حقان: حق الإسلام وحق الجيرة، وأما النوع الثالث فهو الجار الكافر، فهذا له حق واحد وهو حق الجوار.

واسم الجار كما يقول ابن حجر يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق والصديق والعدو والبلدي والغريب والنافع والضار والقريب والأجنبي والأقرب داراً والأبعد.

وأما حد الجار فاختُلِف فيه، فعن علي رضي الله عنه من سمع النداء فهو جار، وقيل من صلى معك الصبح في المسجد فهو جار.

ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الجار من أسباب السعادة والشقاوة فقال: ((أربع من السعادة:المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء، وأربع من الشقاء:المرأة السوء والجار السوء والمركب السوء والمسكن الضيق))، ولقد عَظَّم الإسلام حق الجار أيما تعظيم، فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه))، ولقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى الجار كما في الآية الماضية، وكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأكد على الإحسان إلى الجار إذ قال: ((خير الجيران عند الله خيرهم لجاره))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم))، ولقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال له: ((يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك))، فالهدية بين الجيران تورث الألفة والمحبة بينهم، فما ينبغي لمسلم أن يحقر أي هدية تهدى إليه، فإن الهدية لا تدل على قدر المُهْدَى إليه ولا على مقدار المحبة التي في القلوب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة))، بمعنى فلتهدها ما تيسر ولا تستهن أو تستصغر شيئاً.

ولا شك أن الإحسان إلى الجار من أفضل الأعمال والقربات، كيف لا وهو سبب من أسباب نيل محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: ((إن أحببتم أن يحبكم الله ورسوله فأدوا إذا ائتمنتم واصدقوا إذا حدثتم وأحسنوا جوار من جاوركم))، والجامع لإكرام الجار هو أن ترجو له الخير وأن تقدم له ما استطعت من معروف وأن تمنع عنه الأذى أياً كان نوعه، قال العلماء: وجملة حق الجار أن يبدأه بالسلام ويعوده في مرضه ويعزيه في مصيبته ويخدم أهله بصنع الطعام فترة العزاء، ويهنئه في أفراحه ويصفح عن زلاته، وأن لا يتطلع من السطح على عوراته، وأن لا يصب الماء أو يضع القاذورات أمام داره، وأن يستر ما ينكشف له من عيوبه وأخطائه، وأن لا يغفل عن ملاحظة داره حال سفره وغيابه، وعليه بغض البصر عن حريمه والتلطف مع أولاده في الكلام مع إرشادهم إلى أمور دينهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.

ويعظم ويتأكد حق الجار إن كان الجار مسكيناً أو يتيماً أو مسناً أو أرملة لا عائل لها،

أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.


الخطبة الثانية



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
كما أكد الإسلام على الإحسان إلى الجار، فكذلك توعد بالعقوبة من أساء إلى جاره، ولقد أقسم نبينا ثلاثاً مبيناً عظم ذنب أذية الجار فقال: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن .. من لا يأمن جاره بوائقه))، وفي رواية لمسلم: ((لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه))، ولقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكيه من أذية جاره، فقال له: اذهب فاصبر، فأتاه الرجل مرتين أو ثلاثاً، فقال له صلى الله عليه وسلم: ((اذهب فاطرح متاعك في الطريق))، ففعل ذلك، فجعل الناس يمرون به ويسألونه فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنون جاره وينالون منه، فجاء إليه الجار قائلاً: ارجع، لا ترى مني شيئاً تكرهه.

عباد الله إن حق الجار عظيم في الإسلام، ولقد تقدم معنا أن من حقوق الجار أن يغض الطرف عن محارمه، سواء عبر السطح أو النافذة أو من عين الباب السحرية، ولكن للأسف الشديد فإن شكوى الناس من تعديات جيرانهم في تزايد والعياذ بالله، ذلك لأن وسائل الإعلام الهدامة تزين للناس قيام العلاقات الآثمة مع بنت الجيران وأن ذلك أمر فطري طبيعي، والنبي صلى الله عليه وسلم يجيب من سأله أي الذنب أعظم؟ فيقول: ((أن تزاني حليلة جارك)).

فاتقوا الله عباد الله وصونوا حرمات جيرانكم كما تصونوا حرمات أمهاتكم وأخواتكم، تفقدوا جيرانكم وتعاهدوهم بالصلة والسؤال، واتقوا الله فيهم ولا تؤذوهم، فليس بمؤمن من آذى جاره، وإن من أذية الجار أن يرفع المرء صوت المذياع أو المسجل بالموسيقى التي تغضب الله وتؤذي الجار المسلم.

ومن الأذية رمي القاذورات أمام بيت الجار وهو أمر كان يفعله المشركون مع نبينا صلى الله عليه وسلم، كذلك من الأذية تجمع الصبية والشباب مع أصحابهم أما بيت الجار، مع ما يصحب ذلك من ضجيج وإزعاج وربما كلمات نابية قذرة وهيئات وأشكال مزرية قبيحة تؤذي أعين الناظر إليها فضلاً عن أذية الجيران، ومن الأذية كذلك خروج النساء سواء كن ربات البيوت أو الخادمات من البيوت وهن متبرجات متهتكات، فذلك أيضاً يؤذي المؤمنين ويغضب الله رب العالمين، فاستروا بناتكم وزوجاتكم والخادمات اللاتي تحت أيديكم، ولا تؤذوا جيرانكم وعباد الله بمناظرهن، ولا تجعلوهن عرضة لأذية الفساق، والله تعالى يقول: ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59].

عباد الله صلوا على البشير النذير والسراج المنير كما أمركم الله بذلك حيث قال سبحانه ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 30-06-2009, 04:53 PM
  #79
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

هذه الخطبة عن بعض المناهي اللفظية
الخطبة الأولى

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..............

يقول الله تعالى: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ، عباد الله، إن الإنسان محاسب بما يقول، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، ولقد سُئل نبينا صلى الله عليه وسلم عن أفضل الناس فقال: ((من سلم المسلمون من لسانه ويده))، ولقد تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من شر المني فقال: ((اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني))، بل كان يخاف من شر اللسان على أصحابه، ((فعن سفيان بن عبد الله قال قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ عليه الصلاة والسلام بلسان نفسه وقال: هذا))، وإن الكلمة عباد الله لترفع قائلها إلى أعلى عليين أو تهبط به إلى أسفل سافلين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى، ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة))، لذا ينبغي على المسلم أن يحترس مما ينطق به لسانه، فإنه محاسب عليه لا محالة، وهنالك ألفاظ انتشرت بين المسلمين مما يخالف شرع رب العالمين، أشير إلى بعضها لكي نكون على حذر منها، ولننبه من نسمعه يقولها من إخواننا المسلمين، فمن ذلك القسم بغير الله تعالى، وهو شرك بالله عز وجل، كأن يقول وحياتك أو بشرفي أو والنبي، كذلك قسم بعضهم بالأمانة، فيقول لمن يريد أن يستوثق من كلامه أسألك بالأمانة، ولقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بالأمانة فقد أشرك))، فالمسألة فيها خطر الشرك وكذلك الحلف بالطلاق، فينبغي علينا أن نتجنب ذلك وأن ننكر على من فعل ذلك، ولو لم يكن قاصدا، أيضا هنالك من عبارات الشرك التي تصدر من البعض بدون وعي أو قصد، مثل قولهم أنا بالله وبك، أو أنا في وجه الله ووجهك، أو أنا أعتمد على الله وعليك، وهذا كله لا يجوز، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يقولن أحدكم ما شاء الله وشاء فلان، ولكن ليقل ما شاء وحده))، وذلك الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ((ما شاء الله وشئت، فغضب منه وقال له أجعلتني لله ندا؟ قل ما شاء الله وحده))، أيضا من الأمور الشائعة عند العوام سب الزمان الذي في ظنهم هو سبب المصائب التي تصيبهم، فيقول أحدهم لعنة الله على الساعة التي أتيت فيها، أو يقول كان يوما أسودا ذلك الذي رأيتك فيه، أو نحو ذلك وهذا لا يجوز وهو محرم، لأن الذي يصرف الأمور ويقدرها هو الله تعالى، فسب الزمان سب له تعالى الله عز وجل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر، فإن الله هو الدهر))، وجاء في الحديث القدسي المتفق على صحته أن الله تعالى يقول: ((يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار))، ومن الألفاظ المخالفة عباد الله ، لفظة السيد أو سيدنا أو سيدي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تقولوا للمنافق سيدنا، فإنه إن يكن سيدكم فقد أسخطتم ربكم))، والنهي يكون أشد وأعظم عند إطلاق هذه اللفظة على المنافقين والفسقة والكفار، وهذه اللفظة مستخدمة بكثرة في المراسلات والمعاملات التجارية، فلفظة سيد، ما ينبغي إطلاقها على المسلمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يناديه أحد أصحابه بها، وكان يقول لهم السيد الله، والنهي صريح في المنافقين والفسقة والكفار قياسا عليهم، أقول قولي واستغفر الله.






الخطبة الثانية



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
جاء في صحيح البخاري عن أم العلاء الأنصارية أنهم عندما هاجر المهاجرون إلى المدينة اقترع الأنصار ليقتسموا المهاجرين، فوقع عثمان ابن مظعون في نصيبهم، فاشتكى رضي الله عنه حتى مات، تقول أم العلاء: ((فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت:يرحمك الله يا أبا السائب، شهادتي عليك أن الله أكرمك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:وما يدريك أن الله أكرمه؟فقالت بأبي أنت يا رسول الله فمن يكرمه الله؟ فقال أما هو فوالله لقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير، وما أدري والله وأنا رسول الله ما يُفعل بي، قالت: فوالله لا أزكي أحدا بعده أبداً))، عباد الله من هذا الحديث يظهر لنا جليا الخطأ الذي يقع فيه الكثيرون عند حديثهم عن الموتى، كقول بعضهم إن فلانا قد انتقل إلى رحمة الله، أو انتقل إلى الرفيق الأعلى، وما يدريك يا عبد الله أن يكون قد انتقل إلى سخط الله ولعنته؟ وبعضهم ينشر نعيا في الجرائد ويصدر نعيه بقوله تعالى: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية ، وهذا لا يجوز لأننا ممنوعون من الحكم على أحد بعينه أنه من أهل الجنة إلا من أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه من أهلها، كالعشرة المبشرين، والعجيب أن بعض الجرائد اللندنية تنشر يوميا نعيا للنصارى الكفار وتصدره بقولها انتقل إلى رحمة الله جورج صليبا، بل إن وسائل الإعلام قد شغلت المسلمين بموت امرأة نصرانية كافرة، كما شغلتهم من قبل بفسقها وفجرها وعلاقاتها وأخبارها المشينة، والتي كانت وما تزال وللأسف قدوة الكثيرات من المنتسبات إلى الإسلام، ثم إن صحيفة من تلك الصحف قالت بالخط العريض: إن الأرواح الطيبة لا تتأخر عن دخول الجنة، فجعلت تلك النصرانية في الجنة، بل قد سمعت من بعض المسلمين استنكارا وشجبا وتنديدا على من يقول إنها كافرة، وأن مصير الكفار النار، ومن يشك في كفر النصارى وأنهم من أهل النار فقد أتى ناقضا من نواقض الإسلام، لأنه يأبى أن يكفر من كفره الله تعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، لا يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار))، فاتقوا الله عباد الله واشغلوا أوقاتكم ومجالسك بالذي ينفعكم عند ربكم، ولا تعجبكم أموالهم ولا أولادهم، فما هي إلا عذاب من الله تعالى في الدنيا والآخرة، نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم.

__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 30-06-2009, 05:03 PM
  #80
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

خطبتنا في هذه عن الظلم

الخطبة الأولى
الحمد لله............................................... .

أما بعد: عن عبد الله بن عمر أن النبي قال: ((اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة)). والظلم هو الجور ومجاوزة الحد والميل عن القصد ومنع أهل الحقوق حقوقهم. وقد حذر الله تعالى منه أشد التحذير، وبينه لنا نبينا إذ قال: ((الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفره الله، وظلم يغفره، وظلم لا يتركه. فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك، قال الله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]. أما الظلم الذي يغفره فظلم العباد أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم. وأما الظلم الذي لا يتركه فظلم العباد بعضهم بعضا، حتى يُدْبِرَ ـ يقتص ـ لبعضهم من بعض)).

فهذه ثلاثة أقسام، القسم الأول هو الذي لا يغفره الله أبدا، وهذا النوع هو أكثر ما يشير إليه القرآن كقوله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وكقوله: وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]. فالشرك والكفر لا يغفره الله تعالى أبدا إلا بالتوبة، فالذي يعبد الأحجار والأشجار أو الذي يتمسح بالقبور ويستغيث ويطلب المدد من الموتى أو يؤمن بالكهان والعرافين والسحرة ويتعامل معهم أو يستهزئ بشرع الله ويأبى تحكيمه، فأولئك ـ وغيرهم كثير ـ هم الظالمون الذين إن لم يتوبوا فلن يغفر الله لهم أبدا، وهم في الآخرة من المخلدين في النار.

وأما الظلم الذي يغفره الله تعالى فهو ما بين العبد وربه، وأغلب الذنوب والمعاصي من هذا النوع، كالنظر إلى الحرام وسماعه وشرب الدخان ونحوه، والله تعالى يقول: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1]، ويقول: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [البقرة:229]. وهذا النوع من الظلم أمره إلى الله، إن شاء عذب وإن شاء غفر، وتكون المغفرة أقرب إذا أعقب الذنب استغفارا، يقول تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:110].

وانظر إلى قول موسى عليه السلام بعد أن قتل القبطي ماذا قال: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ [القصص:16]، وهذه المغفرة مقيدة بشرط، وهو عدم المجاهرة، لقول النبي : ((كل أمتي معافى إلا المجاهرون))، وفي الصحيح أن النبي قال: ((إن الله يدني المؤمنَ فيضع عليه كنفَه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى نفسه أنه هلك قال تعالى: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته. وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين)).

وأما الظلم الذي لا يتركه الله تعالى، فهو ظلم العبد أخاه المسلم، يقول النبي : ((يقول الله تعالى: يا عبادي، إني حرمت على نفسي وجعلته محرما بينكم فلا تظالموا)). وهذا النوع من الظلم يقتص الله من المسيء إلى المظلوم يوم القيامة بقدر ظلمه وإساءته، ففي الصحيح أن النبي قال: ((من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسناتٌ أُخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه)). فانظر كم من مسلم ضربت أو شتمت، وكم من مسلم أكلت ماله أو نظرت أو عاكست أهل بيته، جاء في صحيح مسلم أن النبي قال: ((المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا، فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه فطرح في النار)).

أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه.........

أما بعد: فمن الأدعية التي علمنا إياها نبينا حين الخروج من المنزل: ((اللهم إني أعوذ بك أن أَضِلّ أو أُضَلَ أو أَزِل أو أُزَلّ أو أَظلم أو أُظلَم أو أَجهَل أو يُجهَل عليّ)). وكان النبي قلما يقوم من مجلسه إلا دعا بدعوات فيها: ((واجعل ثأرنا على من ظلمنا)).

وظلم العباد بعضهم البعض أمر خطير، ولا تكفيه خطبة أو خطبتان، ولكنها إشارة وتذكير، وسيذكر من يخشى. وإن من أبشع الظلم ما يفعله البعض من إساءة معاملة الزوجات والأبناء، فلا ينفق عليهم ولا يحسن تربيتهم ويضربهم ويهينهم، وربما أجبرهم على معصية الله، والنبي يقول: ((كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت)). وإن من إضاعتهم أيضا تركهم دون رعاية ولا قوامة ولا تفقد لأحوالهم، وذلك بإعطائهم ما يرغبون فيه من أموال وتيسير لسبل الفساد والغواية، وهذا هو عين الظلم إذ يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، فمن لم يمنع أهله من اقتحام النار بل وسهل لهم ذلك فقد ظلمهم.

كذلك ما تفعله بعض الشركات والأفراد من منع الموظفين رواتبهم ومستحقاتهم، شهرين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك، والنبي يقول: ((مطل الغني ظلم))، ويقول: ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)).

ومن الظلم كذلك ما يفعله البعض من استقدام العمال وأخذ نسبة معلومة من رواتبهم الشهرية، وهذا سحت محرم. ومن الظلم أن تستقدم خادمة أو سائقا، فتحمله ما لا طاقة له به مما لا يجوز عرفا، كأن يعمل لثلاثة أو أربعة بيوت، مع تكليفه بالعمل المتواصل من السادسة صباحا إلى الثانية بعد منتصف الليل، ولا يحلو لربة المنزل الخروج إلا وقت الصلاة كي تفوته صلاة الجماعة، وربما ضرب بعضهم سائقه أو خادمته إن أخطآ، وهذا الذي تظلمه ـ يا عبد الله ـ وتسخر منه سوف يأخذ من حسناتك يوم القيامة حتى يرضى، وما أظنه يرضى بالقليل، فهو يخدمك الآن وسوف تخدمه يوم القيامة، وحتى لو كان هذا الذي تظلمه كافرا فإن ظلمه حرام، يقول النبي : ((اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا، فإنه ليس دونها حجاب))، فكيف ـ عباد الله ـ بدعوة المسلم المظلوم؟!

وإن من الظلم أن نسمع وشاية الواشين وغيبة وبهتان النمامين في شخص ثم نصدق إفكهم ونيسر لهم إيغار صدورنا على أحد من المسلمين دونما تثبت أو تحقق، وكم من أوقات ظلمنا فيها وأخطأنا بسبب قيل وقال.

فاتقوا الله عباد الله، واتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، وبادروا بالتوبة وإنصاف الناس وإعطائهم حقوقهم قبل فوات الأوان، فإن المتقين يسعى نورهم أمامهم يوم القيامة وهم على الصراط ليضيء لهم، والظالم لا نور له؛ لأن الظلم ظلمات، فربما مشى فزلت قدمه فسقط في النار لظلمه، والعياذ بالله.

ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين...


عباد الله صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه

__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أذكار, أدعية, خطب, خطبة الجمعة, صلاة الجمعة, إسلاميات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من يوقف هدردماءاهل السنه يامسلمين في ايران المجوسيه الرافضية الصفوية ؟؟ ابومحمدالقحطاني فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 10 29-04-2015 06:44 PM
إبن سبأ اليهودي مؤسس الديانة الشيعية ابو عائشة الطائي فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 2 20-12-2009 10:31 PM
غزوات حدثت في شهر الانتصارات في رمضان المناضل السليماني مجلس الإسلام والحياة 5 30-08-2009 06:27 AM
أرقـــــــام وإيمـــيــلاتــ الدكـــتـــور جــــــــابـــــر القحطاني وبعض الوصفاتـــ سعيد الجهيمي عالم الصحه والغذاء 12 20-03-2008 12:02 PM
فتاوى السحر والمس والعين مفرغا من شريط للعلامة ابن باز : اعداد بعض طلبة العلم ابو اسامة مجلس الإسلام والحياة 11 26-05-2007 01:52 PM


الساعة الآن 08:24 PM

سناب المشاهير