[
أصناف الناس مع الضغوط:
تتسارع في عصرنا هذا أحداث الحياة حتى إن بعض الناس لم يعد في استطاعته أن يساير متطلبات وحاجات الزمن الذي يعيشه، الأمر الذي جعله يخضع لـ«ضغوط الحياة» ويستجيب للعديد من مظاهر الاضطرابات النفسية المختلفة، من قلق وخوف واكتئاب وفي النهاية قد ينتحر ليتخلص من تلك الضغوط وهذا ما نقرأه ونشاهده في وسائل الإعلام من حين لآخر. وآخرون يتخبطون في مواجهة الكثير من أمورهم الشخصية والعلمية والعملية والأسرية، فأصبحنا نرى ونلحظ في كل يوم الكثير من هؤلاء الضحايا الذين أقعدتهم الهموم والغموم، وأشغلتهم الوساوس، وعذبتهم الهواجس، حتى أضنت أجسامهم، وأضعفت قواهم، فأصيب كثير منهم بالأمراض العضوية المختلفة كأمراض القلب والقولون وقرحة المعدة وضيق التنفس وارتفاع الضغط.
وآخرون منهم يتلمسون العلاج بالاستعانة بالمشعوذين والدجالين تارة، والكهنة والسحرة تارة أخرى، بحثاً عن الخلاص من الوساوس القاهرة، والضغوط المتراكمة.
أو تضيع حياة البعض منهم بالانتحار والاستسلام لأوهام، معظمها نتيجةلأنماط خاطئة من التفكير السلبي.
لأجل هذا كله يحاول الأستاذ عبدالعزيز بن عبدالله الحسيني معالجة قضية «ضغوط الحياة» هذه القضية التي لا يكاد يسلم منها إلا من رحم ربي وخصوصاً في العصر الحاضر الذي تعقدت فيه الحياة بصورة أدت إلى زيادة الأعباء والضغوط من كل جانب، مع العلم أن الله تعالى وهب الانسان قدرات هائلة يستطيع بها مقاومة آثار هذه الضغوط أو التخفيف منها، ولكن البعض لم يحسن الاستفادة من هذه القدرات، وذلك لأسباب عدة يأتي في مقدمتها عدم الاستبصار بالطرق والوسائل المعينة على ذلك.
وفي كتابه:«ضغوط الحياة» يلقي المؤلف الأضواء الكاشفة على أهم هذه الوسائل التي تُبصّرُ الانسان بنفسه وقدراته وامكاناته، وتغير طريقة تفكيره، وتبث فيه روح الثقة بالله تعالى، وتشجعه على التعامل الجيد مع الأحداث ومقاومة ضغوطها، بطرق علمية وتجارب واقعية ويحرص على تدعيم ما يقول بالأدلة الشرعية والحقائق العلمية، بأسلوب مبسط، بعيداً عن التعقيد ليتناسب مع جميع المستويات والطبقات، متجنباً استخدام المصطلحات العلمية التي تشيع في كتب علم النفس والطب النفسي عموماً، والكتاب يقع في «160» صفحة من القطع المتوسط ويحمل اسم «دار اشبيليا للنشر والتوزيع» ويتميز بتناوله للموضوع بعمق في ضوء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والتجارب العلمية وفق السنن الكونية وبأسلوب عملي واقعي يتناسب مع بيئتنا وثقافتنا إذ ان معظم من ناقش الموضوع هم أناس أبعد ما يكونون عن ديننا وعاداتنا، ودون أن يراعوا تقاليدنا وظروف بيئتنا، وبأساليب معقدة، ومصطلحات نفسية قد لا يفهمها إلا المتخصص في هذا المجال، بالاضافة إلى ذلك فإن أكثر الباحثين والكتاب يركزون على الأمراض النفسية بوصفها مرضاً طبياً لا بوصفها اضطراباً يصيب معظم الناس العاديين، على اختلاف مراحلهم العمرية ومستوياتهم التعليمية، ومن ثم لم تتح الفرصة لقطاع عريض من الناس، للاطلاع والاستفادة الذاتية من الأساليب والطرق العلاجية المختلفة التي تعين بإذن الله تعالى على الوقاية من آثار ضغوط الحياة والتعايش الايجابي معها.
ضغوط الحياة لا تقتصر على الأحداث المؤلمة:
ضغوط الحياة لا تقتصر على الأحداث المؤلمة التي يشعر الانسان بألمها ومرارتها فحسب، وإنما تشمل أيضاً الأحداث المفرحة التي ينتج عنها ردود أفعال غير طبيعية، ولكن الكاتب يركز في هذه الدراسة على المواقف الضاغطة السلبية، وذلك لشيوعها وشدة اثارها المؤلمة، التي تؤثر سلباً في حياة الانسان وسعادته، مشيراً إلى أن السعادة النفسية، لا تعني أن يكون الفرد الصحيح، سعيداً باستمرار ولا أن يكون خالياً من الضغوط والمشكلات على الدوام، ولكنها تعني أن يكون الفرد قادراً على التعامل مع مشكلاته والتكيف مع الضغوط التي تقابله، حيث يثق بنفسه وقدراته، توكلاً على الله تعالى، فتقوى شخصيته، ويشعر بالسعادة عند تحقيقه أهدافه ووصوله إلى آماله، ويجعل ما يعترضه من احباط أو فشل، طريقاً للتفكير السليم في تغيير سلوكه وأفكاره، حتى يتكيف تكيفاً صحيحاً مع كل موقف ضاغط.
ويقول المؤلف إن معظم من يعمد إلى الحيل «اللاشعورية» كالهروب «الانسحاب والعزلة لتجنب الفشل»، أو الاسقاط «كأن ينسب عيوبه إلى غيره» أو التسويغ «كأن يخدع نفسه وغيره بأعذار مقبولة لتبرير فشله» أو اتخاذ الأساليب غير الصحيحة في التعامل مع المشكلات والضغوط «كالعدوان، أو السيطرة، أو التهور، أو الانتحار» فإنه إنما يعمد لذلك لتغطية فشله، ولفقده القدرة على التفكير السليم، في مواجهة الضغوط والتعامل الجيد معها.
أسباب تفاوت الناس في الاستجابة لضغوط الحياة:
ويلخص الأستاذ الحسيني أسباب تفاوت الناس في الاستجابة لضغوط الحياة في النقاط التالية:
عوامل وراثية.
الغدد وافرازاتها.
عوامل بيئية واجتماعية.
عوامل مهيئة.
الفراغ الروحي.
ويرى أن الوقاية من اثار تلك الضغوط تكمن في الخطوات التالية:
الالتزام بالإسلام.
التحصين بالأذكار.
معرفة طبيعة الحياة.
التفكير الايجابي.
معالجة آثار الضغوط:
ويؤكد أن معالجة اثار الضغوط لا تعني التخلص منها، أو تجنبها، واستبعادها من حياتنا، فوجود الضغوط في حياتنا أمر لازم، ولكل فرد منا نصيبه من الأحداث اليومية بدرجات متفاوتة، ووجودها لا يعني أننا مرضى؛ بقدر ما يعني أننا نعيش ونتفاعل مع الحياة، وخلال ذلك وبسببه تحدث أمور متوقعة ومن ثم فإن علاج الضغوط لا يتم بالتخلص منها وإنما بالتعايش الايجابي معها، ومعالجة نتائجها السلبية، مضيفاً أن التعايش مع الضغوط يقتضي منا الوقوف عند بعض الأساليب والمفاهيم الأساسية التي قد تخفى على البعض أو لا يفكر فيها، نظراً لانشغاله بتراكم مشكلاته وكثرة همومه، رغم كونها عاملاً أساساً لا غنى عنه، لمن يريد التعامل الجيد مع الضغوط أو التخفيض من اثارها السلبية.
ويقف الأستاذ الحسيني عند هذه الأساليب ويشبعها بحثاً وتحريراً ويقسمها إلى دينية وهي:
الايمان بالله وقضائه وقدره.
والدعاء.
والرقية الشرعية.
والطبيعية وهي:
أولاً: وصايا عملية للتعايش مع الضغوط:
ضرورة معالجة الضغوط أولاً بأول.
التخفيف من الضغوط وليس التخلص منها تماماً هو المطلوب.
لا تنظر إلى الماضي ولا تطل التفكير في المستقبل.
هوِّنها تهون.. كبِّرها تكبر.
إياك واليأس من رحمة الله.
التفاؤل والايحاء الذاتي.
التشاغل عن اثار المصائب والضغوط.
التنفيس عن النفس باستشارة الصديق الواعي.
تعلم الاسترخاء.
ثانياً: الخطوات العملية للتعامل مع المشكلات:
الشعور بالمشكلة.
تحديد أسباب المشكلة وتحليلها.
استعراض الحلول المطروحة للمشكلة واختيار الأنسب منها.
ويشدد المؤلف على أن ضغوط الحياة جزء لا يتجزأ من حياة الانسان، ولا يمكن أن يعيش الواحد منا بعيداً عنها، ولكن يمكن التخفيف من وطأتها والتعايش السليم معها من خلال مراعاة بعض العوامل المساعدة والتي من أهمها ما ذكر ويضيف بأنه مهما كانت هذه الضغوط سهلة أو تافهة في نظرك، فإن لم تبادر إلى مقاومتها ومعالجتها أولاً بأول، فإنها قد تتحول إلى عبء ضار بالصحة إذا ما تراكمت وتجمعت دون القيام بها.
نصيحة لمن أراد الشفاء:
وينصح الكاتب من أراد الشفاء من ضغوط الحياة أن يجعل نصب عينيه ثلاثة أسس هي:
1 الاتصال بالله عز وجل، وعبوديته، وطاعته، واللجوء إليه، وهي مسألة الايمان الكبرى.
2 اغلاق ملف الماضي، بمآسيه ودموعه، وأحزانه وضغوطه، وآلامه وهمومه، والبدء بحياة جديدة، مع يوم جديد.
3 ترك المستقبل الغائب، وعدم الاشتغال به والانهماك فيه، وترك التوقعات والانتظارات والتوجسات، وإنما العيش في حدود اليوم فحسب.
ويدعو المؤلف المريض لأن يتكيف مع الضغوط ويتعايش معها بالثقة بالنفس المستمدة من الثقة بالله تعالى، فإن الانسان لاحول له ولا قوة إلا بالله، فمتى وثق الانسان بنفسه وقرر أن يتعامل مع الضغوط بإرادة الرجال مستعيناً على ذلك بالله تعالى، فإنه يوفق لتجاوز المصاعب والمحن مهما اشتدت وعظمت، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام الأسوة الحسنة.
ويقول وإذا كان الأمر كذلك فإن ا لمسلم ينبغي ألا يستسلم ولا ينهار حين تواجهه الخطوب والأهوال؛ لأنه حين تنقطع به الأسباب يتصل بمسبب الأسباب سبحانه وبذلك يظل يأمل في زوال الغمة وتحسن الأحوال.
وينبه الأستاذ الحسيني على أهمية التفريق بين الانشغال الايجابي عن الهموم والهروب من مواجهة المشكلات والسعي إلى حلها، والأخير من شأنه أن يزيد من المشكلات وشدتها.
التنفيس عن النفس باختيار الصديق الواعي:
ويرى أن من أهم أسباب ازدياد القلق وتراكم المشكلات في زماننا هو غياب السند المعين،والصديق المخلص، والأخ الوفي، الذي يخفف عن أخيه مشكلات الحياة وضغوطها، داعياً إلى انتقاء الصديق المحب، الذي يثق الانسان بقدراته ووعيه، وتفاعله مع مشكلاته وهمومه.
ويختتم حديثه في الموضوع بذكر أساليب علمية، وتنقسم إلى العلاج النفسي، والعلاج الدوائي، مندداً باندفاع كثير من الناس نحو اللهو والسفر والسياحة والتمسك بالمظاهر والشكليات أو اللجوء إلى الكهنة والمشعوذين الدجالين، مذكراً أن السعادة في الحياة الموصولة بالله تعالى في واحة الايمان وتحت ظلال القرآن.
وتجدر الاشارة إلى أن الدكتور طارق بن علي الحبيب قدم للكتاب قائلاً انه: أطروحة مختصرة ميسرة وبأسلوب واع لخلفية المجتمع العربي المسلم، يحاول من خلالها تلمس وسائل الوقاية من تأثير ضغوط الحياة وكيفية التعايش معها.