تجربة فتاة في سيول جدة
السلام عليكم..
المأساة نتشاركها ليس إلا لنزداد قوة في الحق.. ولنكن يدا بيد في اتخاذ المواقف .. اسعد بردودكم
-------------------------------------------------------------------------------------------------------
تقول ابنة الوطن:
---------------------------------------------------------------------------------
{{تجربتي في سيول جدة!! }}
أنا والسيل (الجزء الأول) والأبسط
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
أولا أحمد الله الذي نجاني من هذه التجربة المريعة والآن بعد ان لملمت شتات نفسي سأروي لكم أعزائي تجربتي المريرة في 26 ساعة منذ خروجي من منزلي وبين أهلي إلى عودتي سالمة إليهم مرة أخرى.. 26 ساعة مرت علي كدهر .. لم أشعر فيها بالرعب بقدر ما شعرت فيها بقدرة الله العظيمة وتجلت أمامي آياته عز وجل..
خرجت من منزلي في شمال جدة الساعة 8:44 دقيقة عندما تلقيت اتصال من سائق باص ال****.. لكي أذهب لجامعة الملك عبدالعزيز يوم الأربعاء 22/2/1432هـ ,,
كان المطر متوسط الغزارة عندما صعدت مسرعة للباص.. تحرك الباص وبدأ يدور في الحي متنقلا من منزل لآخر ولم تتهاون قطرات المطر عن السقوط حتى اقتربنا من الجامعة .. فهناك كان الجو صحوا وليس هناك دلائل على تغير الجو.. كنت اشعر بالجوع ولكني أجلت افطاري حتى انتهي من تسليم اختباري .. الساعة العاشرة وبعد اتصالات أمي الحثيثة على غير العادة سائلة اياي ان كنت قد تناولت الافطار .. وكأنها تشعر بما اشعر به وتعلم ما هو كائن .. لم استطع تحمل الجوع فنزلت كي اشتري الطعام إذعانا لأوامر والدتي ومعدتي .. وفوجئت بالفتيات يقفن عند الباب الزجاجي غير قادرات على الخروج بسبب المطر الغزير ,, تراجعت مؤجلة انذارات معدتي المتكررة حتى اشعار آخر,, وعدت لقاعة الاختبار انتظر دوري.. وللأسف كان رقمي 35 من 37 طالبة ,, أي في آخر القائمة.. شعرت بالقلق لأني كنت أقابل النافذة ,, وبدأت أرى تلبد الغيوم.. وقد رأيت غزارة المطر في الأسفل.. وقلت في نفسي " هل يعقل أن يزداد المطر شدة؟" .. " هل يمكن أن يسوء الوضع؟؟" وبالفعل بدأت أرى الغيوم السوداء تقترب كما لو أنها تغطي وجه جدة السافر..!!
(ظللت السماء الأرض) في تمام الساعة 11:20 دقيقة صباحا .. واصبح شروق الشمس غروبا , وبات المرء لا يصدق ان منتصف النهار قد يصبح ليلا مظلما .. فتدريجيا بدأ يحل الظلام وكأنه الغروب وما يليه.. !!
واصبحت الموظفات والاستاذات يتناقشن ولم يعد لهيبتهن أية أهمية أمام الطالبات .. في سبيل انقاذ ارواحهن .. فقد اعلنوا من تعابير وجههن واجسادهن ومن اصواتهن الخائفة المرتجفة انهن كالفراخ الصغيرة المحاصرة .. واصبحن يجرين في الممرات يلتقطن ما خف حمله وهواتفهن النقالة ترتجف مع ايديهن..
وماهي الا دقائق حتى خلا المكان إلا مني ومن الرقمين 36 و37 و ثلاث موظفات .. ادى كلا منا ما عليه وهربنا تاركين الشجاعة لأقدامنا فقط.. وما ان وقفنا أمام البوابات الزجاجية حتى تيقنا أن الخروج منها ضرب من الجنون , وادركنا ان الله بقدر رحمته الواسعة ,, قادر على العذاب..!!
كنت أرى المطر فقط , ولم أكن أعيشه.. واصبحت الأصوات حولي تثنيني على الخروج .. واسمع الهمسات" هنا أكثر أمانا ,, سنبقى هنا " .. ولم تجرؤ احداهن حتى على الاقتراب من الباب , وكأنهن ينظرن إلى خطيئة!!
[
ولكن شيء ما كان يصرخ في عقلي , صوت يقول اخرجي.. وماهي إلا ثوان .. حتى خرجت بلا روية .. وما ان خرجت حتى علمت ان المطر ليس كالمطر الذي اعرفه.. كنت لا ارى,, لا اسمع,, لا اشعر .. سوى المطر!! وكأنه اعلن علي الحرب.. فهو في عيني واذني وفمي و.. وحقيبتي الثمينة!!
ضحكت للحظة حين فكرت في حمايتها وانا لا استطع حماية نفسي ولا ان افتح عيني لأرى موضع قدمي من شدة المطر,, كان كأنه يهاجمني من فوقي ومن أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي وحتى حين انظر للاسفل لا آمنه كأن الأرض تقذفه بقوة في وجهي ..
لذت بأقرب مبنى لالتقط انفاسي.. وشعرت ان الغوص في البحر اهون من هذا العذاب .. درت هنا وهناك.. طلبت احدى المستخدمات ان ارافقها تحت مظلتها حيث سارت .. لكنها هزت كتفيها ساخرة,, واستجديتها بنظراتي لكنها شعرت ان طولي بالنسبة لأطوالهن هي والسيرلانكية الأخرى قد يعيق حمايتهن الكاملة من المطر,, كنت انظر للمظلة بحسرة وفكرت في ان ادفع لها بمئتي ريال مقابلها.. ولكنها لم تمنحني الفرصة فخرجت قبل ان تخرج هي لامنح كرامتي بعض ما فقدته قبل قليل.. آه.. يا كرامتي المسكينة..!!
اخبرتني احدى السعوديات المنتظرات - حيث فقدت كرامتي- ان الباصات دخلت الجامعة وهي خلف البنك.. فاخذت هاتفي واخذت اطلب ارقام سائقي الباص.. ولم اجد ردا فغامرت بالخروج على غير هدى.. وحدي في شدة المطر وسط ذهول النساء خلف الأبواب الزجاجية..
عدت أدفع نفسي بعد ان ارهقتني الخطوات اليسيرة في تلك الشدة من المطر والبرد والجوع.. حتى وصلت إلى ما يمكن تسميته بالمحشر الصغير .. حيث اختلط الرجال بالنساء ولم يعد للخجل وسط الخوف داع...
طلبت منه ان يطلب لي باص الحي .. فقال.. "اركبي أي باص.. يوصلك" صعدت الباص وطلبت منه ان يأخذني للبوابة الغربية حيث يفترض ان يقف باصي.. ونزعت غطاء رأسي وعصرته لكي استطيع ان ارى .. فقد اصبحت كل ملابسي ملتصقة بي.. حتى غطاء وجهي ,, ازحته واستغفرت ربي.. وتلثمت به كي ارى.. ولكن هيهات.. فالأمر سيان.. اتصلت مرة اخرى فأجابني السائق انه حيث اكون.. (وهنا حيث فقدت كرامتي أيضا) رجوته ان يأتي إلي فأنا لا أرى ويستحيل ان اتحرك وسط المطر والماء يغطي الطريق.. رفض وطلب مني ان آتيه بنفسي حيث لا أراه ولا أعلم أين يكون.. رأيت خيالات باصات تشبه باصي ..
وما ان حاولت ان اتقدم حتى رأيت انني سأغامر بوضع قدمي في بركة ممتدة من الماء الذي لا أعلم عمقه ولا ما يخبيء تحته.. رميت قدمي مستعينة بالله .. فإذا بالماء العميق يتعدى ركبتاي..
لم افكر في التراجع .. ولكن شدة المطر والبرد وحمل لا اعرف مصدره..كل تلك وغيرها جعلتني اشعر باليأس..
شعرت بالرمل يسحب قدمي واصبحت اخرج قدمي بصعوبه فتخرج قدمي بلا حذاء.. كان الماء ثقيلا أو هي الرمال؟ وسمعت حينها صراخا من رجال سعوديين لا ادري ماذا يكونون ولا ماذا يريدون.. فمرة أخرى لا اسمع ولا أرى سوى المطر.. و صوت المطر..!!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~ ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~ ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
أنا والسيل .. الجزء (الثاني) والأصعب
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
لم اسمع ما يقولون ولكن اقربهم كان يصرخ وهو يشير لي بأن اتجه للرصيف أو هو ذلك الباص القريب ؟.. لم افهمه.. واصبحت اتحرك في بركة من الرمل والماء وكأنني ازرع قدمي ثم اجتثها من جذورها في كل خطوة..
كان عقلي يقول "من اين اتى الرمل؟ .. كان هنا طريق اسفلتي!!" لكن لا يستمر حديث العقل طويلا في مثل هذه المواقف..
وجدت رصيفا فاعتليته كالغريق الذي وجد جزيرة.. وسرت إلى اقرب باص.. صعدت وجلست ملتقطة انفاسي.. وللمرة الثانية نزعت غطاء رأسي وأنا ألعن سائق الباص واعصره لتمتلئ ارضية الباص الآخر الذي لا ذنب له سوى انه من نفس النوع.. اخذت هاتفي الذي استغربت بقاءه على قيد الحياة واتصلت مرة اخرى على سائق الباص.. صرخت في وجهه " انا عند البوابة الغربية , اين انت؟ لا أراك.." فقال ببرود
" أنا في الجهة الأخرى .." فقلت له "هل ترى احد غيري يمشي .. لا استطيع القدوم .. تعال.. انا في باص رقم***" فبدأ يتلفظ على بحنق بلغته الاسيوية وكأنه يسب كل ما نتمي إليه – لم تعد كرامتي تشكو من شيء- فلم اغضب منه .. وحاولت اقناعه في ظل الظروف الراهنة انني الحلقة الأضعف.. لكنه قال بنصر"انتي تعالي" واغلق الخط في وجهي!! .. لكن اطمئنكم ان كرامتي السعودية لم تهزم تماما!!
سألت صاحب هذا الباص ان يذهب بي لباصي .. فرفض بحكم موقعه الاستراتيجي الأقرب.. وقال"اطلبي باصك يأتي" فاخبرته انه رفض,, وقلت له "انا تابعة لنفس الشركة.." فقال "كلهم هنا نفس****شركة " فخرجت وأنا أتمتم عائدة للعذاب ..
خرجت للمطر وغطست مرة اخرى في بركة الماء.. كان المطر يعيق رؤيتي بشدة ولم استطع فتح جفوني.. وبدأت اطرافي ترتجف من البرد.. كنت اسير في الماء وتحت المطر وأنا اغبط أولئك الذي يتفرجون من خلف زجاج سيارتهم ومن تحت المظلات.. تقريبا كنت وحدي التي اتحرك تحت المطر.. ولشدة ما اعاني اصبحت اجري.. اعلم ان منظري قد يكون مؤلما للبعض ومضحكا للآخر.. لكن اختباء الجميع من المطر والسيل اكبر دليل على ما اقاسيه .. صعدت اقرب باص بعد معاناة.. وهذه المرة سألته مستسلمة"أي حي؟" فقال "السليمانية.." , لم أكن اعرف عن هذا الحي سوى انه بعيد جدا عن بيتي.. فارتحت قليلا والتقطت انفاسي .. وترجلت مرة اخرى.. للعذاب..!!
مررت بنفس المعاناة ولكن قدرتي على التحمل كانت تضعف شيئا فشيئا.. فالماء يجري تحتي والمطر أشد مما اتصور من حولي.. ركبت باصا آخر.. وسألته"أي حي؟" أجاب "المرجان" هو بعيد ايضا ,,تنهدت وقمت بطقسي ذاته في كل مرة .. اعصر غطاء رأسي واتصل بسائق باصي الجبان.. ولكن هذه المرة ساعدني ان سألت سائق الباص الذي اجلس به إن كان يرى باصي.. قال انه يسير هناك.. كان بعيدا جدا وكنت اعلم انه ليس قريب كما كان يزعم.. ولم يكن يضيره ولو تقدم تلك المسافة في سبيل انهاء معاناتي.. اتصلت به وقلت وانا ارتجف من البرد.. "أنا اراك .. تحرك وتعال عند باص***" كنت أكذب.. فلم اكن اراه ولا اعلم اين هو.. فشدة المطر والنوافذ المظللة تعيقان رؤيتي.. اغلق الخط واعتبرت هذه موافقة .. فجلست قليلا وعدت أسأل صاحب الباص.. "هل ترى باصي؟" فقال " قولي له ان يأتي للشارع المقابل فهو خلفنا.." ترجلت وكلي سعادة ونقلت رسالة السائق للسائق ما ان نزلت حتى تحرك ذلك الباص الذي كنت فيه كما لو ان كل شيء لا يريدني.. لم ارى الباص ولا اعلم هل سيأتي أم لا..؟؟ وقفت تحت المطر وسقطت دموعي مختلطة بماء المطر..
كانت قلة من الشباب السعوديين يرتدون اكياسا لا تسمن ولا تغني.. ويصرخون لا ادري لماذا ولا ماذا يقولون.. كنت ارتجف فقد بلغ مني البرد مبلغه.. صرخ احدهم عندما تحرك ذلك الباص دوني.. "اركبي.. اركبي" ولكني سلبية كمن يشاهد مشهدا لا يعنيه .. سار نحو حادثه اخرى يصرخ دون ان اكلف نفسي عناء النظر حيث سار ووقفت في المطر انتظر باصي.. مرت دقيقة .. واثنتان .. و.. 15 .. واظن انها وصلت 30 دقيقة.. المطر يزداد ومنسوب المياه في ارتفاع..
مر الكثير ابناء الوطن الذين صرخوا لكي اركب أي مركبة وساروا متابعين عملهم.. ثم جاء شاب ضعيف البنية يرتدي بدلة امنية يغطيها كيس شفاف وصرخ .. "اركبي أي باص.. يوديك بيتك" كان يصرخ بفزع وكأنني الوحيدة التي سأعيق عمله.. قلت "اريد الباص ان يأخذني لباصي فقط" فقال" يوديك.. اركبي.. اركبي" فقلت "رفضوا.." صرخ كأنه يملك السلطة العليا"مين اللي رفض؟؟ اركبي .." واقترب من باص قريب واخذ يضرب بيده بقوة على مقدمة الباص" وديها مكان ما تبغى.. اركبي" لكن الباص تحرك ومشى.. لعله ظن ان ذلك الشاب يريده ان يتحرك .. مسكين ..!! فقال الشاب" ابعدي من المطر .. روحي أي باص..!! " كان يحرك يديه يمينا وشمالا بحماس , رحمت ذلك الشاب السعودي وقارنت موقفه بموقف الاجنبي الذي احوجتنا لهم الـ.... , اخذت هاتفي لكي يطمئن ويتابع عمله .. "سيأتي باصي الآن" اتصلت بسائق الباص وقلت بيأس.." انا قريبه من باص*** .. اين انت..؟" فقال ببرود "أيوه ايوه.. طيب.. خلاص..".. آه.. أخيرا..
كان الشاب يمسك رأسه بكلتا يديه من هول الموقف ومن عجزه عن التصرف.. اشرت له بأن باصي قادم.. عله يتحرك وضميره مرتاح.. سار وهو يصرخ في فتاه تسأل مجموعة من السائقين ربما ما سألته من قبل .. " أركبي أي باص يوديك .. اركبي بسرعه.."
رأيت باصي قادما فتحمست.. اشرت بيدي خشية ألا يراني في هذا المطر الشديد.. واخيرا تقدم بعد ان توقف لبرهة ليتحدث مع سائق باص آخر غير مبال بوقوفي وحدي في الماء والمطر.. صعدت الباص وكأنني وصلت منزلي..
وارتميت على اقرب كرسي بعد ان غرقت تماما .. اختفى شعور الخوف والجوع والضياع.. وبقي البرد والبلل اشد ما اعانيه.. تحول لون اظافري للأزرق.. وكانت اصابعي المجعدة من طول بقائي في الماء تذكرني بأيام السباحة.. لكن رغم ذلك كنت ابتسم.. واتصل بالهاتف على افراد عائلتي لأطمئنهم وكأني تجاوزت مرحلة الخطر.. غيرت كرسي القماشي المبلل علي أشعر بالدفء في آخر جاف.. لكن ليس الكرسي السبب!!
توقفنا في عدة محطات لأخذ طالبتي علوم صحية ولكي ننتظر ان ينخفض منسوب المياه, فالسائق رفض لدقائق ان يسير في هذا المنسوب المرتفع.. لكنه سار عندما تيقن ان الوضع من سيء لأسوأ.. خرجنا في طريقنا المعتاد لكن,, لا أمل في الخروج.. فعاد الباص مرة أخرى للجامعة.. رأينا الكثير من السيارات التي تركها اصحابها والتي اعترضت الطريق لعلة اصابتها.. واحزنني شاب ومسن في سيارة قد اعتلوا الرصيف وقد تمزق اطار السيارة بجانبهم وهم يجلسون داخلها لا حول لهم ولا قوة متجنبين المطر الغاضب والسيل العارم.. مشاهد كثيرة لا يسعني ذكرها هنا..
توقفنا حوالي الربع ساعة بعد ان حاول السائق السير من جهات عدة بلا بصيص امل أمام لوحة كتب عليها التموين الطبي وحدنا في مجري سيل وصل ارتفاعه المتر.. فطلبت من الفتيات ان نتجه للمستشفى الجامعي بحكم اننا مررنا امامه في محاولتنا الحثيثة للخروج حوالي 4 مرات.. لكن فتاتين رفضتا رفض قاطع.. فخشيت ان نغرق هنا فنحن لا نرى أي دلائل على الحياة او وجود اشخاص سوى ذلك الماء الذي يحاصرنا.. طلبنا جميعنا من السائق ان يتحرك.. فتحرك وسار بنا نحو محطة بنزين بمنطقة السليمانية.. وهنا أخذ مني البرد والجوع مأخذه.. كانت احداهن في المقدمة تنظر لي بين الفينة والأخرى .. وما ان التفتت للفتاة القريبة مني سائلة "هل عندك أي شي للأكل؟" لم تسمعني من صوتي المنخفض واسناني التي تصطك مرتجفة****ببعضها .. لكني استغربت بشدة ان تلك الفتاة التي كانت تسترق النظر لي قد اسرعت تجيب وهي تبحث في حقبتها"هل تريدين شوكولا.. لحظة.. انا عندي.." اظنها كانت تفكر بما اشعر به.. ثمنت كثيرا اصبعي التويكس التي مدتها وكأنها قدمت لي الشي الكثير.. نظرت لي احداهن وسألتني ان أدفي نفسي واستغربت كم الماء الذي يغرق شعري وحقيبتي وملابسي.. فخلعت حذائي وقلبتها لترى كم الماء الذي بداخلها .. وضحكنا فبات الأمر كما يقولون"شر البلية ما يضحك"!!
اختار سائق الباص ان يقف عند محطة بنزين تطل على شارع رئيسي كبير يقطعه كوبري.. رأينا على مد بصرنا المركبات متوقفة في الطريق المقابل وفوق الكوبري .. حتى اصبح اصحاب المركبات يصعدون فوقها واصبحت النساء والرجال يقفزون فوق الحواجز الاسمنتية منتقلين للجهة الأخرى حيث نقف.. لا اعلم مقدار ارتفاع الماء في تلك الجهة.. لكن في الجهة التي نحن فيها كان الماء يسير بلا توقف..
توقف الباص عند المحطة وجميعنا يعاني من البرد والجوع.. بقينا في الباص منذ خروجنا من اسوار الجامعة حوالي 3 ساعات, نزل سائق الباص منذ فترة.. لم يكن يجيب على اتصالاتنا .. رأته احدى الفتيات يخرج من احدى المحلات بفطوره.. حسدناه بحق واخرجت البنات رؤسها من النوافذ واخذن يصرخن كي يأتي ويشتري لنا فطورا.. او يذهب بنا لمطعم او مقهى.. وفي النهاية نزلت فتاتان واشتروا من البقالة القريبة طعاما خفيفا.. وهناك اخبرتهم احدى السيدات انها اتت من تلك السيارات المتوقفة وانهم امروهم بإخلاء المركبات لأن الوضع خطير وقد يداهم السيل القادم من انهيار السد الاحترازي كل الشارع.. وان المركبات ليست آمنه.. وعلى الجميع ان يلجأوا للأدوار العليا في المباني.. وهنا دب الرعب في قلوبنا.. فسألت الفتيات" من يمكنها قيادة السيارة؟" فتلفتت الفتيات في بعضهن البعض وكأنني أسألهن المستحيل.. كنت اعلم منذ البداية ان وجودنا بالقرب من المحطة خطر.. لكن الآن اصبح الخطر خطران..!!
__________________
يا أبوي زاد الحمل ما طقت أشيله
وشلون بالشايب كفى عنه مني
يا أبوي ما للعضد من الصبر حيله
باصبر إلين الله .. يفرجه عني
التعديل الأخير تم بواسطة د.سيف ; 01-02-2011 الساعة 02:40 AM