مسنون في سراة عبيدة يجمعهم المقلقل وتفرقهم صافرة الكلية || صور خاصة جداً ||

يجد مسنون سعوديون يعملون في مهنة توصيل الطالبات بمحافظة سراة عبيدة في يومي السبت والأربعاء من كل أسبوع فرصة للقاء، وتذكر الأيام الخوالي من حياتهم الحافلة بالعطاء، ويصاحب اللقاء وجبة دسمة من اللحم المقلقل صباحاً يقبلون على أكله مع الخبز، بينما يشاركهم زملاء آخرون، يتمسكون بالغذاء الصحي، ولكنهم يرفضون تناول اللحوم اعتقادا منهم أنها تؤثر سلباً على الصحة، ويفضلون أكل الخبز مع فناجين من الشاي.
هؤلاء السائقون الذين يجمعهم هذا اللقاء، لا يفرقهم سوى شيء واحد، وهو صافرة الكلية، عندما يحين موعد كل منهم للانطلاق بسيارته للوصول إلى الكلية، ليقوموا بدورهم في إعادة طالبات الكليات إلى منازلهن.
"الوطن" دخلت إلى عالم هذه الشريحة المهمة التي هي جزء أصيل من المجتمع، واكتشفت الكثير من الأبعاد الاجتماعية والإنسانية.

استعادة الذكريات

بداية يؤكد الأصدقاء المسنون على أن هذين اليومين فرصة لاستعادة ذكرياتهم، وقضاء وقت ممتع وسط طبيعة جميلة في حديقة مرحبين التي أنشأتها البلدية منذ عقد من الزمن، وأنهم اختاروا هذا المتنزه لتوفر الماء والمسطحات الخضراء به، وقربه من مكان عملهم كسائقين خاصين لنقل بنات كلية تربية سراة عبيدة من قراهن.
ويتنافس أفراد المجموعة في إعداد الطعام، ويضيف كل منهم لمسته الخاصة، فيبادر أحدهم بتذوق المرق، ليعرف مدى حاجته لإضافة الملح، وآخر يصر على صب أكواب من لبن الماعز لتتناولها المجموعة قبل الوجبة لماله من تأثير في فتح الشهية.

يحيى علي آل يحيى

ويستغل أفراد المجموعة فرصة اللقاء، ليروي كل منهم ذكرياته وصولاته وجولاته، ويتذكر يحيى بن محمد آل يحيى الذي يبلغ من العمر 73 عاماً، أنه حج مرات عديدة سيراً على الأقدام من سراة عبيدة، مرورا بأبها وبلاد بني شهر وبني عمر والباحة والطائف، وصولاً إلى المشاعر المقدسة، ويقول إنه عمل بيده كثيراً في مكة لتوفير لقمة العيش، ولم يعرف في حياته سوى الطريق المؤدي إلى مكة، حيث كان يقطع الطريق من سراة عبيدة إلى مكة المكرمة سيراً على الأقدام في شهر كامل، مشيرا إلى أنه قطع طريق الهدا في الطائف حافي القدمين في يوم كامل.

التجارة بالمقايضة

ويتحدث آل يحيى عن الحياة قديما أيام صباه، وكيف كانت المقايضة أسلوباً وحيداً للتجارة، يقول "كان البدو من تهامة والسراة يصلون إلى سراة عبيدة بأغنامهم، ويقايضونها ببعض الحبوب من بر وشعير وذرة، وكان الأرز نادرا، وإن وجد فنوعيته تكون رديئة ذات رائحة غير طيبة، وكان النوع المشهور منه يسمى "أبو بكة"، مشيراً إلى أن الجمل كان الوسيلة الوحيدة في نقل البضائع لمقايضتها بين مختلف الأسواق في عسير.
وأوضح آل يحيى أنهم يجتمعون يومي السبت والأربعاء في هذه الحديقة لقضاء وقت ممتع في أجواء صحية جميلة، يتبادلون القصص والذكريات، وأنهم اعتادوا في كل مرة على أن يقوم أحد المجتمعين بدعوة المجموعة للإفطار، دون الالتزام بجدولة محددة.

تعب وكفاح

أما حسن علي آل عطاف من مركز الجوة في تهامة قحطان ( 62 عاما) فيتذكر شاخصا ببصره للفضاء الواسع، ويصف حياة اليوم بأنها أيام رخاء، مليئة بالفوارق الاجتماعية، مشيرا إلى أنه لم يعد بين الناس تلاحم، كما كان في الماضي، وأن العديد من الناس أصبحوا بـ"كروش"، لأنهم لا يمشون، كما كانوا يفعلون أيام زمان.

حسن علي آل عاطف

يقول آل عطاف "كانت الحياة في الماضي حافلة بالعمل والتعب والكفاح، أتذكر معاناة أبناء تهامة في أعمالهم، فقد كانوا يجلبون أغنامهم من أغوار تهامة سيراً على الأقدام إلى عقبة آل الخلف في شعف بني بشر من محافظة سراة عبيدة، ليتم بيعها هناك نقدا أو مقايضة بالحبوب".

عوض يحيى آل شيبان

ويرى العم عوض يحيى آل شيبان ( 75 عاماً) أن الحياة في الماضي كانت أبسط، وأنه كان يتمنى أن توجد السيارات والطائرات في زمنه، ليتمكن من التعرف على العالم الذي لا يعرفه إلا من خلال ما يشاهده في القناة السعودية الأولى.

وجبة دسمة

أما علي محمد آل زيارة ( 65 عاماً) فأشار ضاحكا إلى أنه تعرض منذ أيام لحادث سقوط من سطح الجمعية التعاونية في العسران، وأنه يتوقع من زملائه أن يقيموا له احتفالا بسلامته، لكنهم طالبوه ـ عكس المتبع ـ بأن يبدأ هو بإعداد وجبة إفطار دسمه، ليقوموا هم بالاحتفال بسلامته من خلال وجبة دسمة.

علي محمد آل زيارة

يتذكر آل زيارة الحياة فيما مضى ، ويقول "كنا نعانى قديما من شظف العيش، وصعوبات جمة في شتى مجالات الحياة، حيث لا توجد مستشفيات، ولم يكن أمامنا سوى الأطباء الشعبيين بأدواتهم البدائية، وكنا نعيش في تنقل دائم بحثاً عن الكلأ لرعي وتربية الأنعام، حيث لم يكن هناك عمل سواهما، خلافاً لما نعيشه اليوم من تطور في كل مناحي الحياة".
وأضاف "الرواتب فيما مضى لم تكن تكفي لأبسط مطالب المعيشة، ولم نكن نملك أية وسيلة للترفيه، حتى المياه الباردة كنا نشربها من البئر والقربة، وكنا نشرب من مياه الوادي دون أي تعقيم أو تحلية، حيث لم تكن هناك شبكة للمياه"، مؤكدا أن الحياة في العهد السعودي تغيرت وتطورت بشكل كبير.

أكلة ولا أحلى

إذكروا الله

اصبروا شوي

وحيداً مع الخبز والشاي