ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب


مجلس الإسلام والحياة يهتم هذا القسم بجميع مايتعلق بديننا الحنيف

إضافة رد
قديم 27-12-2011, 10:55 AM
  #221
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

قصة من كتاب الله ودروس

الحمد لله عالم السر والنجوى، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور؛ أحمده، وأشكره، وأتوب إليه، وأستغفره. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

عباد الله اوصيكم ونفسي بتقوى الله عزوجل

ثم أما بعد: فيقول المولى سبحانه: وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَىْ ءادَمَ بِٱلْحَقّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَـٰناً فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنّى أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ إِنّى أُرِيدُ أَن تَبُوء بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء ٱلظَّـٰلِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِى ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَـٰوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِى فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ [المائدة:27-31].

إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى محمد رسول الله :

مع قصة من قصص القرآن نعيش اليوم لنأخذ منها دروساً وعبراً، لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ [يوسف:111].

يقول سبحانه وتعالى: وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَىْ ءادَمَ بِٱلْحَقّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَـٰناً فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ [المائدة:27].

وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَىْ ءادَمَ بِٱلْحَقّ أي اقصص عليهم هذا النبأ العظيم وهذا الخبر العجيب بالحق كما كان وكما حصل وكما حدث بلا زيادة أو نقصان.

قال أهل التفسير: "لما هبط آدم وحواء إلى الأرض بدأ التناسل والتكاثر، وولدت حواء عشرين بطناً كانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى، فكان أول أولادهما قابيل وأخته ثم هابيل وأخته، وكان من شريعة آدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال، ولكن لا يجوز للأخ أن يتزوج بأخته التوأم ولكن يتزوج بأي أخت من أخواته غير التوأم التي لم تكن معه في نفس البطن، وكانت أخت قابيل جميلة وأخت هابيل دميمة، فطلب هابيل أن يتزوج أخت قابيل الجميلة – كما شرع الله – ولكن قابيل رفض وقال: أنا أحق بأختي مع أن هذا حرام في شريعة آدم عليه السلام.

وكان قابيل في طبعه خشونة وشدة، وأما هابيل فكان فيه ليونة ورقة، وكان قابيل يعمل في الزراعة، وأما هابيل فكان يعمل ويرعى الأغنام، وكان من شريعة آدم عليه السلام تقديم القرابين، والقربان هدية تهدى لله سبحانه وتعالى كهدي الحج، وكانت علامة قبول القربان أن تأتي نار فتأكل هذا القربان، وإذا لم تأكل النار هذا القربان فهذا علامة على عدم قبول هذا القربان، فقدم هابيل كبشاً وكان من أفضل المواشي عنده، وأما قابيل فجاء بزرع نتن غير صالح للأكل فقدمه قرباناً، فلما جاءا في اليوم التالي وجدوا أن قربان هابيل قد قبل وأكلته النار وأما قربان قابيل لم يتقبل بقي كما هو لم تأكله النار، فزاد حسده على أخيه وزاد حنقه وحقده وغضبه، وما كان من قابيل إلا أن قال لأخيه هابيل: أينظر الناس إليّ وأنت خير مني لا والله لأقتلنك، فقال له أخوه مع أنه كان أقوى من أخيه وقادرا على التغلب عليه، ولكن منعه الخوف من الله، يقول عبد الله بن عمرو قال هابيل: وما ذنبي أنا إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ [المائدة:27]، وسوس الشيطان لقابيل أن يقتل أخاه، وزين له ذلك ولم يكن القتل معروفاً ولم تحدث أي جريمة قتل قبل ذلك قال قابيل لأخيه هابيل: لأَقْتُلَنَّكَ فما كان من أخيه هابيل إلا أن ذكره بالله عز وجل وقال له: لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنّى أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ [المائدة:28]. يعني لن أدافع عن نفسي ولن أقاوم ولن أعاملك بالمثل ولكن أذكرك الله رب العالمين، ولكن لم ينفع ذلك فأخذ هابيل يخوفه عذاب الله وانتقل من الترغيب إلى الترهيب وقال له: إِنّى أُرِيدُ أَن تَبُوء بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء ٱلظَّـٰلِمِينَ [المائدة:29]. يعني لا تقتلني فإن فعلت ذلك فسوف تبوء بإثمي وإثمك، يعني سوف تحمل إثم قتلي فوق آثامك الماضية، وتكون من أصحاب النار عياذاً بالله. ولكن لم ينفع الترغيب ولا الترهيب لأن الشيطان قد استحوذ عليه، وأيم الله إن كان أشد الرجلين ولكن منعه الورع.

وملأ قلبه حسداً وحقداً على أخيه، فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ [المائدة:30]. حصلت الجريمة أول جريمة قتل في تاريخ الإنسانية سببها الحسد، فكان الحسد أول معصية يعصى بها الله سبحانه وتعالى في الأرض.

في ليلة سوداء بينما كان هابيل نائماً جاء قابيل بصخرة فهشم بها رأس أخيه فقتله، وكانت الجريمة.

احتار قابيل في جثة أخيه ماذا يعمل بها؟ كيف يستر جريمته فقد كانت أول جثة ولا يعرف ماذا يفعل؟ ما كان منه إلا أن حمل هذه الجثة على ظهره وأخذ يمشي بها في الأرض، وبينما هو كذلك إذ أنزل الله غرابين أخوين فتقاتلا وقتل أحدهما الآخر، ومات الغراب أمام نظر قابيل، ثم إن الغراب الحي بدأ يحفر التراب ثم دفع بجثة الغراب الميت وحثا عليه التراب، فتعلم قابيل من الغراب كيف يدفن أخاه، فحفر في الأرض، ووضع أخاه في الحفرة ثم حثا عليه التراب، وأصبح نادماً على ما فعل، ولكنه ما استغفر وما تاب وما أناب، وهذا قوله تعالى: فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِى ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَـٰوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِى فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ [المائدة:31].

أول هذه الدروس: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، يقول : ((لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل))، ولذلك يقول سبحانه وتعالى بعد هذه الآيات: مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ أي من أجل قتل قابيل لأخيه هابيل: مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً [المائدة:32].

الدرس الثاني: شناعة هذه الجريمة – جريمة القتل – وعظيم عقوبتها عند الله، فهي أعظم معصية عصي بها الله تعالى بعد الإشراك بالله تعالى يقول سبحانه وتعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93]. وفي الحديث الصحيح يقول : ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)) وفي الحديث أيضاً يقول : ((ما من فعل أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم)).

وقد اجتمع هذان الأمران – البغي وقطيعة الرحم – في قابيل أجارنا الله جميعاً وصرف عنا أسباب غضبه ومقته.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل رسله وخاتم أنبيائه محمدٍ الصادق الأمين، المبعوث إلى الأحمر والأسودِ وعلى من تبعهم بإحسان من الأئمة والهداة والدعاة والأتقياء والصالحين، وعلى كلِ من سلك سبيلهم إلى يوم الدين. وسلم تسليماً كثيراً.


أما بعد:

فالدرس الثالث في قصة ابني آدم عليه السلام أن الحسد مركوز في فطر الناس، قال الحسن رحمه الله: ما خلا جسد من حسد، ولكن المؤمن يدفعه، ويعتقد أن الحسد من أكبر الخطايا والذنوب وأنه من أقبح السيئات، وأنه يأكل الحسنات، وأنه ينحل الجسم، وأنه يذهب بالتقوى والورع، وأنه يغضب الرب على العبد.

أتدري على من أسأت الأدب
لأنك لم ترض لي ما وهب



ألا قل لمن بات لي حاسداً
أسأت على الله سبحانه




من حسد فقد أساء الأدب مع الله، وقد اعترض على القضاء والقدر، وقد ضيع نفسه وكره فضل ربه على الناس أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ [النساء:54]. فالحسد مقيت وهو أول ما عصي به الله في الأرض – كما عرفنا – نعوذ بالله منه.

واجب الحاسد أن يتوب إلى الله، وأن يراجع حسابه مع الله، وأن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يحسن إلى المحسود، وأن يهدي له، وأن يدعو له، وأن يعلم أنه ارتكب خطيئة ما أعظمها من خطيئة.

الدرس الرابع: أن المحن تقع بين الإخوة إذا فضل بعضهم على بعض، فمن حسن التربية أن يساووا في كل شيء في الحب والعطاء والتكاليف، وفي كل شيء، فلا يقدم أحدهم على الآخر، ولو كان مطيعاً ولو كان باراً، فلا ينبغي أن يفضل على إخوانه، يقول النعمان بن بشير ما: ذهب بي أبي إلى رسول الله وقد ميزني بشيء من القسمة فقال : ((أفعلت هذا بولدك كلهم؟)) قال: لا يا رسول الله، قال: ((فلا تشهدني إذاً، فإني لا أشهد على جور)) يعني على ظلم، أو قال: ((فأشهد على هذا غيري)). فنهى أن يقدم ويفضل أحد الأبناء على الآخرين لأن هذا يؤدي إلى المكيدة والعداوة بين الأبناء أعاذنا الله جميعاً.

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-01-2012, 11:29 PM
  #222
مقبل السحيمي
..:: كاتب مبدع ::..
مشرف
مجالس الإسلام والحياة
 الصورة الرمزية مقبل السحيمي
تاريخ التسجيل: Aug 2007
الدولة: ؟؟؟
المشاركات: 6,432
مقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

جزاك الله خير شيخنا
مقبل السحيمي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-01-2012, 11:23 AM
  #223
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

شكر الله شيخنا وحبيبنا زمشرفنا الغالي ابو حمود


فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا

الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مغيث المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين، وجابر كسر المنكسرين، ورافع البلاء عن المستغفرين، لا إله إلا الله مجيب الدعوات، وغافر الزلات، وفارج الكربات، ومنزل البركات، وواهب الخيرات، سبحانه من إله كريم، ورب رحيم، عمّ بفضله وكرمه جميع المخلوقات، لا إله إلا الله الولي الحميد، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، سبحان من يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويصل ويقطع، {إِنَّ رَبّى عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [هود:56]. اللهم لك الحمد كله، ولك الشكر كله، وإليك يرجع الأمر كله، علانيته وسره، فأهلٌ أنت أن تُحمَد، وأهلٌ أنت أن تُعبد، وأنت على كل شيء قدير. لك الحمد كل الحمد لا مبدأٌ له ولا منتهى والله بالحمد أعلم. وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: أيها المؤمنون، إنّ الله تعالى أوجب على عباده تكاليف الدين، وحثهم على لزومها والاستقامة عليها، وحرَّم عليهم المحرمات، ونهاهم عن اقتراف السيئات، وحذرهم من السقوط فيها، وإن الله العليم الحليم الرحيم علِم بضعف الإنسان وتقصيره وخطئه وتحكُّم هواه وشيطانه فيه، فشرع له الاستغفار محوا لما يقع فيه من ذنوب وأوزار، وتطهيرا لما يدنس روحه من أكدار، وردََّا لما يمكن أن يلحقه بسبب ذلك من مصائب وعقوبات وأضرار، فرغّب الله سبحانه عباده في الاستغفار ليتخلّصوا من ذنوبهم، ويسلَموا من تبعاتها في الدنيا والآخرة، وحتى لا يهْلكوا بسببها رحمة منه وامتنانًا وتفضلاً وإنعامًا وإحسانًا، فقال جل شأنه: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المزمل:20]، وقال: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر:49]. وشوَّق إلى واسع رحمته وحذَّر من القنوط منها فقال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

والله عز وجل أرسل رُسله جميعا إلى أقوامهم ليذكِّروهم برحمة ربهم وغفرانه، فأمروهم بالتوبة والوقوف بباب الاستغفار بين يدي ربهم متضرعين سائلين باكين، وشوقوهم في عفوه وحلمه، وأخبروهم بأن رحمته سبقت غضبه، وأن حلمه سبق انتقامه، وأنه جل وتعالى يغفر الذنوب ولا يبالي، ولو بلغت مكان السُّحب العوالي، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: ((يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنَان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة)) رواه الترمذي عن أنس وقال: "حسن غريب". الله الله، ما أوسع رحمة الله، وما أشمل وأكمل وأجمل غفران الله.

ومن دلائل رحمة الله بالمذنب وإحسانه إليه ما نطق به فم رسول الله عندما قال: ((ما من مسلم يعمل ذنبا إلا وقف الملك ثلاث ساعات، فإن استغفر من ذنبه لم يكتبه عليه ولم يعذبه به الله يوم القيامة)) رواه الحاكم عن أم عصمة العوصية وقال: "صحيح الإسناد".

فما هذا الاستغفار الذي رغبنا المولى عز وتعالى فيه؟ وكيف يكون؟

أيها المؤمنون، الاستغفار هو طلب المغفرة والصفح، وهو دليل حساسية القلب وانتفاض شعوره بالإثم ورغبته في التوبة والإقالة من الذنب وعدم المؤاخذة عليه لنيل الرحمة الربانية في الدنيا والآخرة.

أما كيف يكون فلقد بين ذلك لنا أمير المؤمنين علي حينما قال رجل بحضرته: أستغفر الله، فقال له : ثكلتك أمك! ألا تدري ما الاستغفار؟ إن الاستغفار اسم واقع على خمسة معان: أولها الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك العودة إليه أبدا، والثالث أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله وليس عليك تبعة، والرابع أن تعمِد إلى اللحم الذي نبت من السحت فتذيبه بالأحزان حتى تُلصِق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد، والخامس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول: أستغفر الله.

والاستغفار ينبغي أن يكون بتذلل وتضرع وانكسار وخضوع وافتقار، وبعيون دامعة وقلوب خاشعة ونفوس إلى رحمة ربها وصفحه وفضله طامعة, وينبغي أن يكون معه حرارة الابتهال والصدق في السؤال والتضرع في الحال والشعور بالفقر إلى المغفرة في الاستقبال. ويستحب أن يكون متواصلا بالليل والنهار، وبالأخص في الأسحار، حينما ينزل الله جل جلاله بعظمته وعزته ورحمته إلى السماء الدنيا، وينادي عباده بنداء لطيف لنيل مصالحهم وغفران زلاتهم وقضاء حاجاتهم،

يقول الرسول صلوات ربي وسلامه عليه : ((ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخرُ، فيقول: من يدعوني فأستجيبَ له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفرَ له)) أخرجه البخاري عن أبي هريرة.

وعلى المؤمن أن يستغفر بالصيغ الواردة في القرآن والمأثورة عن خير الأنبياء؛ فهي أنصح بيانًا وأرجح ميزانًا وأجمع للمعاني وأروع في المباني وأعظم تأثيرًا في القلوب. على أن في الاستغفار والدعاء بالمأثور أجرين: أجر الدعاء والاستغفار، وأجر الاتباع والاقتداء. ولا حرج عليه فيما يلهمه الله ويفتح له من صيغ وابتهالات، وعليه بسيد الاستغفار كما قال النبي الكريم :
((سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) رواه البخاري عن شداد بن أوس.

والله تبارك وتعالى رغب عباده في الاستغفار لما له من فوائد عظيمة ومنافع جسيمة، وأول هذه المنافع أن المستغفر يُقر بصفة الله تعالى الغفار، ويردد اسمه تعالى ويلهج به، ويتعبد له بهذه العبادة العظيمة التي يجب توفرها في عباد الله المستحقين للاستخلاف في الأرض, ويحقق ـ أي: الاستغفار ـ للمؤمن الثقة بالله وبلطفه بعباده الضعفاء، فإذا كان الدعاء مخّ العبادة فالاستغفار جوهرها, وهو دعاء واستمداد، وهو استجابة لله وتنفيذ لأمره وذكر له وصلح معه وتقرب إليه وخضوع تام له واعتراف بعجز العبد وقدرة مولاه.

أيها المؤمنون، بالاستغفار يُقال المذنب من ذنبه ويسلَم من المؤاخذة عليه، قال الرسول المُوجّه الكريم : ((من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيوم وأتوب إليه غُفر له وإن كان فر من الزحف)) رواه أبو داود والترمذي.

وبه تمحى السيئات وتبدّل إلى حسنات، وتنزل الرحمات، وتُدفع الآفات، وتفتح أبواب السموات، وبه تفرَّج الكروب، وتتطهر القلوب، وترتبط بعلام الغيوب،
وتُكشف الهموم، وتزول الغموم, وتحصل البركة في المال، وتُحقَّق الآمال،
قال الرسول عليه صلوات الله وتسليماته: ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ هم فرجا، ومن كل ضِيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)) أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم عن ابن عباس.
وبه تكثر الأرزاق وتزداد النعم حتى لا يدري المستغفر مصدرها، ولا الوجهة التي أتت منها.

ولقد أمر الله هذه الأمة بالاستغفار والتوبة, ووعدهم بأن يمتِّعهم متاعًا حسنًا من إغداق في النعم والطيبات وسَعة في العيش وتمتع بالأموال وصلاح في البنين والأهل إن سمعوا وأطاعوا, وتوعدهم بعذاب كبير في الدنيا والآخرة إن خالفوا وعصوا،
فقال الله جل شأنه: أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ [هود:2، 3].

ومن فوائده أنه يدفع العقوبة عن صاحبه ويمنع نزول المصائب به, ويحول دون حلول الكوارث والأزمات والنكبات، ويرفع العقوبات النازلة بالإنسان،
كالقحط والطوفان والجوع والأوبئة المهلكة، ويحقق الأمن النفسي والاجتماعي، يقول الرسول : ((أنزل الله عليَّ أمانين لأمتي: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33], فإذا مضَيْت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة)) رواه الترمذي عن أبي موسى عن أبيه.

الاستغفار دواء وعلاج، وملاذ المضطر وباب الفوز برضا الله، وأساس الوقاية من غضبه، وهو سبب فرح العبد وحبوره يوم لقاء الله، يوم يجد صحيفته مملوءة بالاستغفار،
يقول الرسول الكريم : ((من أحب أن تَسُره صحيفتُه فليكثر فيها من الاستغفار)) أخرجه البيهقي بإسناد حسن عن الزبير. فالمكثر من الاستغفار يُبعث طاهرًا نقيًا فرحًا مسرورًا لا ذنب يؤاخذ عليه، ويزداد فرحًا وحبورًا عندما يقبض صحيفته بيمينه ويجدها ممتلئة بالاستغفار.

عباد الله، ومن فوائد الاستغفار المهمة والتي نحتاج إليها أشد الاحتياج في هذه الأيام بالذات
نعمة هطول المطر ونزول الماء قطرات وهبوط الغيث النافع، يقول الله تعالى على لسان سيدنا نوح لمَّا أجدب قومه: فقلت اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12]،
وقال سيدنا هود لقومه: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود:52]، وقال سيدنا صالح لقومه: لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النمل:46].
ولقد أمر الله رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام بالاستغفار فاستغفر وأكثر، وأمر أمته به.

الله أكبر، إنها وصايا نبوية غالية اتفقت في مجموعها على الاستغفار لما له من أثر في حصول المنافع ودفع الآفات والفواجع، ولما له من أسباب في حصول البركات وحلول الهبات وكشف الكربات.

إن نبي الله نوحا عليه السلام أمر قومه بالاستغفار ليحرك عواطفهم، وليهز مشاعرهم، وليجدد الإيمان في قلوبهم، وليُظهر لهم أن ما أصابهم من انحباس الأمطار وضيق الأرزاق وحرمان الذرية وفقد سبل العيش الكريم مردُّه أولا إلى جفاف القلوب من الإيمان وخلو الأفئدة من الخوف والتفكر والاعتبار؛ لأن جفاف القلوب والعقول أضر من جفاف الحقول، بل هو سبب كل ذلك.

أيها المسلمون الكرام، لقد اتفقت كل وصايا الأنبياء على الاستغفار؛ لأنهم عليهم السلام بدؤوا إصلاح أوضاع أممهم من القلوب، ولأنهم أرادوا أن يزرعوا الربانية في أفئدة أقوامهم، فتعطيهم قوة داخلية معنوية روحية تزرع الإيمان فيهم، فتُحرك جوارحهم بالعمل الصالح، فتتحول هذه القوة المعنوية إلى قوة مادية محسوسة.

روي أن عمر بن الخطاب استسقى يوما فلم يزد على الاستغفار، فقالوا له: ما رأيناك زدت على الاستغفار!
فقال: طلبت الغيث بمفاتيح السماء، ثم قرأ قول الله تعالى: وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [هود:3]. فعمر الملهم نطق بعين الصواب، وطلب الغيث بأعظم الأسباب، لأنه ربما رأى القلوب قد غطتها الذنوب وغلفتها، فلم يرى بُدا من المصالحة مع الله لكي تصبح القلوب وثيقة الصلة بخالقها ومربوطة به حتى يقبل منها الدعاء.

وحدث مرة أن أحد الفلاحين الصالحين لم يجد سبيلا لري أرضه التي جف ماؤها، حتى كاد الزرع يصبح هشيما، وجلس في وسطها وقال: اللهم إنك قلت وقولك الحق: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [نوح:10، 11]، وها أنا ذا ـ يا رب ـ أستغفرك راجيا أن تُفيض علينا من رحمتك، ثم طفق في الاستغفار في همة وثقة بوعد الله، فلم تمض إلا ساعات حتى تلبدت السماء بالغيوم ونزل المطر فياضا مدرارا.

أيها المؤمنون، جاء رجل إلى الحسن البصري فقال له: إن السماء لم تمطر، فقال له الحسن: استغفر الله، ثم جاءه آخر فقال: أشكو الفقر، فقال له: استغفِر الله، ثم جاءه ثالث فقال: امرأتي عاقر لا تلد، فقال له: استغفر الله، ثم جاءه بعد ذلك من قال له: أجدبت الأرض فلم تنبت، فقال له: استغفر الله، ثم جاءه بعد ذلك من قال له: جفَّ الماء من الأرض، فقال: استغفر الله، فقال الحاضرون للحسن: عجبنا لك، أوَكلما جاءك شاكٍ قلت له: استغفر الله؟!
فقال لهم: أوَما قرأتم قول الله من سورة نوح: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12]؟!


الخطبة الثانية

الحمد لله الواحدِ الأحد، الفرد الصمَد، الذي لم يلِد ولم يولَد، ولم يكن له كفوًا أحد، تفرّد بالخلق والتدبير، وتعالى عن الشبيه والنظير، فاستحقَّ وحدَه أن يُعبد، أحمده تعالى وأشكره، خلقنا ورزقنا وكفانا وآوانا، وهدانا للإسلام، واختصَّنا ببعثةِ سيّد الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن لربِّه تعبَّد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، جعل الإسلامَ طريق الجنّة الأوحَد، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، من أطاعه فقد اهتدى ورشد، ومن عصاه فلن يضرَّ إلا نفسه، ولن يضرَّ الله شيئًا.

أما بعد: أيها المسلمون، إن الاستغفار سنة الأنبياء والمرسلين، وطريق ووسيلة الأولياء والصالحين، يلجؤون إليه في كل وقت وحين، في السراء والضراء، به يتضرعون وبه يتقربون، وبه يرتقون في مدارج القرب عند الله، به ينوِّرون قلوبهم وينيرون قبورهم، وبه يصححون سيرهم إلى الله، وبه يُنصرون ويُمطرون ويرزقون ويغاثون ويرحمون،
فأبونا آدم وأمنا حواء عليما السلام لما أذنبا وعاتبهما ربهما أحسَّا بخطئهما التجآ إلى ربهما متضرعين مستغفرين نادمين مسترحمين، فكان مما قالا: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23].

وقال سيدنا نوح عليه السلام: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [نوح:28]، وقال: وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ [هود:47].
وقال موسى عليه السلام لما قتل رجلا من الأقباط: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [القصص:16]. وقال شعيب لقومه: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود:90].
وقال سيدنا صالح لقومه بعد أن أمرهم بعبادة الله: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود:61].
وحكى الله عن سيدنا داود لما تسَرَّع في الحكم بين الخصمين ولم يتريث في ذلك، فأحس بخطئه: فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [ص:24].
وهذا ابنه سليمان قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [ص:35].
وهذا إبراهيم عليه السلام كان يستغفر لنفسه ولأبيه رغم ضلاله، وبقي كذلك حتى تيقن أنه عدو الله فتبرأ منه، وكان يستغفر لكل مؤمن سابق ولاحق، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [إبراهيم:41].

وهذا خيرتهم وخاتمهم محمد قال له ربه: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19]، وقال له: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3].
وروى الإمام أحمد أن ابن عمر قال: إنا كنا لنعُدُّ لرسول الله في المجلس الواحد مائة مرة يقول: ((رب اغفر وتب علي إنك أنت التواب الرحيم)).
كان رسول الله وهو المعصوم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله، وعلى قدر منزلته عند الله يستغفر ويكثر، وهو الذي قال: ((والله، إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)) رواه البخاري.

فحاجة الإنسان إلى الاستغفار حاجة أساسية ضرورية قبل كل شيء؛ لأن الإنسان يلازمه التقصير في كل طاعة، ويصدر منه الخطأ كل ساعة،

يقول الرسول الكريم في الحديث القدسي يرويه عن ربنا جلا وعلا: ((يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم)) رواه مسلم عن أبي ذر.
وحاجتنا نحن اليوم للتوبة والاستغفار أكثر من أي وقت مضى؛ لأن وقتنا هذا امتلأ بالمغريات والذنوب، وكثرت أسباب المعاصي في البيت والشارع والعمل، وقست بسبب ذلك القلوب وعلاها الران، وانطمست البصائر والأبصار، فأصبح لزاما على المؤمنين لزوم هذه العبادة العظيمة وتجديدها حينا بعد حين، واللوذ بهذا الركن الركين، اقتداء بالرسل الكرام صفوةِ خلق الله، وبرسولنا الأواه وأصحابه والتابعين الذين وصفهم الله بقوله: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:16-18]. وقال : ((طوبى لمن وُجد في صحيفته استغفار كثير)) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح عن عبد الله بن بسر.

ومن فرط فيه جنى الحسرات وتوالت عليه الهموم والنكبات، وعاش وعنده النقص في الأرزاق، وغُبن أمام الناس يوم التلاق.

اللهم اجعلنا من المستغفرين المكثرين بالليل والنهار، واقبل اللهم استغفارنا واحشرنا مع أهلك الذاكرين، أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين...


__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 01-02-2012, 10:08 AM
  #224
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

أثر الكلمة الطيبة الفرد والمجتمعا

لخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مغيث المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين، وجابر كسر المنكسرين، ورافع البلاء عن المستغفرين،
لا إله إلا الله مجيب الدعوات، وغافر الزلات، وفارج الكربات، ومنزل البركات، وواهب الخيرات، سبحانه من إله كريم، ورب رحيم، عمّ بفضله وكرمه جميع المخلوقات،
لا إله إلا الله الولي الحميد، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، سبحان من يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويصل ويقطع، {إِنَّ رَبّى عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [هود:56].
اللهم لك الحمد كله، ولك الشكر كله، وإليك يرجع الأمر كله، علانيته وسره، فأهلٌ أنت أن تُحمَد، وأهلٌ أنت أن تُعبد، وأنت على كل شيء قدير. لك الحمد كل الحمد لا مبدأٌ له ولا منتهى والله بالحمد أعلم. وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث وأحسنه كتاب الله، وأفضل الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، اللهم أجِرنا من النار.

عباد الله، إنّ الإسلام يسمو بالأمة التي رَضيته دينا ـ أفرادا وجماعات ـ إلى أرقى مدارج الرقي، ويحفّزها لتدرك هذا الرقيّ عن طريق الخلُق الفاضل بانتهاج سبيل المحبة والمودّة وحسن السلوك والمعاملة، والخير الأصيل لا يموت مهما زاحمه الشرّ، والطيّب لا يصير خبيثا مهما زاحمه الخبث، وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم:25].

أيها المسلمون والمسلمات، إن للكلمة في حياة الناس أثرًا، وينقسم الناس بصدَدها إلى قسمَين: أصحاب الكلمة الطيبة وفي مقدّمتهم الأنبياء والرسل، وأصحاب الكلمة الخبيثة وفي مقدّمتهم إبليس المطرود من رحمة الله، أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ [إبراهيم:24-26]. فكم من شمل ممزَّق جمعت بينه كلمة طيبة، وكم من جماعات فرّقتهم كلمة خبيثة.

وجرح السّنان لـه التِئَام ولا يلتئم ما جرح اللسان

وقد توعّد الرسول خبيثَ اللسان بأن يكَبّ في النار.

إن الكلمة الطيبة ثابتة مثمِرة، تنفع صاحبها في حياته الدنيا بالذكر الحسن، وتعود عليه بالدعاء الصالح في آخرته، فهي ثابِتة لا تزعزعها الأعاصير، ولا تعصف بها رياح الباطل، وفي الحديث: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)).

والخير كلّ الخير أن تحرّك لسانك بتحيّة الإسلام حين تلقَى من تعرف ومن لا تعرف، والخير كلّ الخير أن تردّ التحية بأحسن منها أو مثلها، والخير كل الخير أن تشغل لسانك بذكر خالقك وأن تنصح من استنصحك إن كنت قادرا، وكلمة الخير أن تصلح بين اثنين وأن ترشد الضال التائه، والكلمة الطيبة أن تعلّم جاهلا وأن تصدُق القول فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، والكلمة الطيبة أن تشير بالرأي الحسن إذا طلب منك ذلك.

أما الكلمة الخبيثة فهي كلمة الباطل كشجرة خبيثة، قد يخيَّل لبعض الناس أحيانا أنها أضخم من الشجرة الطيبة، ولكن الخبث هو الخبث، والباطل هو الباطل، وجذور شجرة الخبث ليست عميقة، وما هي إلا فترة ثم تجتثّ من فوق الأرض ما لها من قرار ولا بقاء.

ومن الكلام الخبيث أن تشتمَ غيرك وتسبَّه وتلعنه، ومن الكلام الخبيث أن تشغل لسانك في مجالس اللغو بالخنا وفاحش القول، ومن الكلام الخبيث أن تفسد العلاقة بين اثنين من المؤمنين، ومن الكلام الخبيث أن تفسد العلاقة بين الأزواج والجيران، ومن الكلام الخبيث أن تمنّ على من أحسنتَ إليه وتؤذيه، ومن الكلام الخبيث أن تقول لوالديك: "أف لكما".

عباد الله، إن حسنَ الكلام وطيبَه والبشاشة في وجوه الناس أمر محمود يطلبه منكم نبيّكم محمد بن عبد الله ، أخرج البزار في مسنده أن جابر بن سليم قال: ركبت قَعُودِي ثم أتيت إلى مكة فطلبتُ رسول الله، فدلوني عليه، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: ((وعليك السلام))، فقلت: إنا معشرَ أهل البادية قوم فينا الجفاء، فعلمني كلمات ينفعني الله بها، فقال: ((ادنُ)) ثلاثَ مرات، فدنوت فقال: ((أعد عليّ ما قلتَ))، فأعدت عليه فقال: ((اتق الله، ولا تحقرنَّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق، وأن تفرغ دلوك في إناء المستسقي، وإن امرؤ سبّك بما لا يعلم منك فلا تسبَّه بما تعلم فيه، فإن الله جاعل لك أجرا وعليه وزرا، ولا تسبن شيئا مما خوَّل الله لك))، قال جابر: فوالّذي نفسي بيده، ماسببت بعده شاة ولا بعيرا.

فاللهم اجعل الإخلاص دأبنا، والعفو خلقنا، والمعروف عادتَنا، واجمع اللهم شملنا، ويغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين، والحمد لله رب العالمين.


الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين وإمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.

إن الحبيب المصطفى يأمر أتباعَه بتقوى القلب وتقوى اللسان وتقوى العمل، فيقول: ((اتقوا النار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة))، وإنَّ خبث اللسان مانع من موانع الهداية.

وإذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت

أيها المسلم، إذا تأذّيتَ بكلام جارح أو بفعل سيّئ فلا تردّ الإساءة بمثلها، وإنما بالإعراض إن كنت لا تقدر على أن تحسن لمن أساء إليك، فالرسول الأكرم عاش بين قوم يفترون عليه الكذب، ويموهون على الناس حقائق الوحي، ويؤذونه بالفعل واللسان، ومع ذلك يعرض عنهم ويدعو لهم بالهداية ويقول: ((رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)).
لقد حلاه الله وزيّنه بالخلق الكريم، ووصفه بالخلق العظيم. فاجتنبوا ـ عباد الله ـ كلام السوء، وعوّدوا ألسنتكم كلاما طيّبا، قد كان عيسى عليه الصلاة والسلام يخاطب حتى الحيوانَ بكلام طيّب، فقيل له: لم يا عيسى؟! فقال: كلٌّ ينفق مما عنده.

واعلمو أنّ الكلام الطيب لن يكلّفكم كثيرا، إنما هو تعوّد وممارسة، فلا تقل إلاّ خيرا لتكون من أهل الخير، ويجمعك الله مع أهل الخير في دار لا تسمَع فيها إلا همسا، لا تسمع فيه إلا قيلا: سلاما سلاما، في جنّة عرضها السموات والأرض أعِدّت للمتقين.

اللهم اجعلنا منهم، اللهم ليّن ألسنتا بذكرك وشكرك، وأصلح قلوبنا بهدايتك، واغفر لنا بحِلمك، وارحمنا بعفوك وفضلك، إنك غفور رحيم...

__________________


التعديل الأخير تم بواسطة المناضل السليماني ; 02-02-2012 الساعة 08:55 PM سبب آخر: خطأ املائي
المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-02-2012, 10:55 AM
  #225
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

محبة رسول الله

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].


أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الأنعام: 134].
فقد أوجب الله عز وجل علينا محبة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأن يكون هذا الحب أكثر من حب الآباء والأبناء، والإخوة والزوجات والأموال.


وهدد الله عز وجل من يحب شيئًا من ذلك أكثر من حبه لله عز وجل، أو لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أو للجهاد في سبيل الله، فقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة: 24]، ثم فسَّقهم الله عز وجل بخاتمة الآية، فقال: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].
فهذا الحب للنبي - صلى الله عليه وسلم - واجب على الأعيان، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين))[[1] البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه.
].


ومن تأمل الخير الواصل إليه من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أنه أحق بالمحبة والتوقير والتعظيم والاتباع من الآباء والأمهات، فإذا كان الآباء والأمهات سببًا في الحياة الفانية، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - سبب في الحياة الدائمة الباقية؛ بل هو - بأبي وأمي - أحب إلينا من أنفسنا، كما قال الله عز وجل: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6].
ويجب على كل مسلم أن يفدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنفسه وماله وأهله وولده، كما قال تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} [التوبة: 120].


وقال عمر - رضي الله عنه - للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي"، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك))، فقال له عمر - رضي الله عنه -: "فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي"، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الآن يا عمر))[رواه مسلم].


فقوله: ((الآن يا عمر))؛ أي كمل إيمانك الآن.
وهذا الحب الكامل للنبي - صلى الله عليه وسلم - له ثمرات عاجلة وآجلة، فمن ثمرات حب النبي - صلى الله عليه وسلم - تذوق حلاوة الإيمان؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار))[رواه مسلم].


ومن ثمرات هذا الحب الكامل للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يكون معه في الجنة، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله، متى الساعة؟"، قال: ((ما أعددتَ للساعة؟))، قال: "حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم"، قال: ((فإنك مع من أحببت)).
قال أنس - رضي الله عنه -: فما فرحنا بعد الإسلام فرحًا أشد من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فإنك مع من أحببت)).


قال أنس - رضي الله عنه -: "فأنا أحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما؛ فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم"[رواه مسلم].
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحب قومًا ولم يلحق بهم؟"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((المرء مع من أحب))[رواه البخاري ومسلم ].
ولهذا الحب الكامل للنبي - صلى الله عليه وسلم - علامات، فمن وجدت فيه هذه العلامات فقد كمل حبه للنبي صلى الله عليه وسلم، وليبشر بحلاوة الإيمان وصحبة النبي عليه الصلاة والسلام.


فمن هذه العلامات:
أن المسلم لو خُيِّر بين فقد غرض من أغراضه، أو فقد رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - إن لو كانت ممكنة، فاختار فقد غرض من أغراضه على فقد رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم -فهو عند ذلك موصوف بالأحبية المذكورة، وقد توفرت هذه العلامة في الصحابة الكرام، فكانوا يحرصون على صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة.


قال أنس - رضي الله عنه -: "لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أضاء منها كل شيء، ولما لحق النبي- صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى أظلم منها كل شيء، وما نفضنا الأيدي عن دفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أنكرنا قلوبنا".
ولما علمت فاطمة - رضي الله عنها - شدة حب الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - قالت لأنس - رضي الله عنه -: "يا أنس، أطابت نفوسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟".


فسكت أنس رعاية لحالها، ولسان حاله يقول: ما طابت نفوسنا بذلك، ولكن قهرناها على ذلك، استجابة لأمره، صلى الله عليه وسلم.
جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله، إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك، فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك، عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك"، فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل جبريل - عليه السلام - بهذه الآية: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69].


العلامة الثانية من علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم: بذل النفس والمال دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمن علامات حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من حب النفس: أن يبذل العبد نفسه وماله حتى يسلم رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
كان أبو طلحة الأنصاري يقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد: نحري دون نحرك يا رسول الله، وكان يجوب عليه بترس، ووقاه طلحة بن عبيدالله أحد العشرة المبشرين بيده؛ فَشُلَّت يده.


لما أسر خبيب بن عدي، وعذب عذابًا شديدًا بمكة، قال له أحد المشركين أتحب أن محمدًا مكانك، وأنت معافى في أهلك ومالك، فقال: والله ما أحب أن أكون معافى في أهلي ومالي، ويشاك محمد - صلى الله عليه وسلم - بشوكة، وفي ذلك قيل:
أَسَرَتْ قُرَيْشٌ مُسْلِمًا فَمَضَى بِلاَ وَجَلٍ إِلَى السَّيَّافِ
سَأَلُوهُ هَلْ يُرْضِيكَ أَنَّكَ سَالِمٌ وَلَكَ النَّبِيُّ فِدًى مِنَ الإِتْلاَفِ
فَأجَابَ كَلاَّ لاَ سَلِمْتُ مِنَ الرَّدَى وَيُصَابُ أَنْفُ مُحَمَّدٍ بِرُعَافِ


وترس دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو دجانة بنفسه، ويقع النبل في ظهره وهو منحنٍ عليه، حتى كثر فيه النبل.
وفي رواية: وهو لا يتحرك.


وروى الحاكم عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد لطلب سعد بن الربيع رضي الله عنه، وقال لي: ((إن رأيته فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله : كيف تجدك؟)).
قال: فجعلت أطوف بين القتلى، فأصبته في آخر رمق وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم، فقلت له: يا سعد، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ عليك السلام، ويقول لك: خبرني كيف تجدك؟


قال: على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلام، وعليك السلام، قل له: أجدني أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن يخلص إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وفيكم شفر يطرف، قال: وفاضت نفسه رضي الله عنه[الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".].


الخطبة الثانية
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.


ثم أما بعد:
فالعلامة الثالثة من علامات محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - الواجبة: المسارعة إلى امتثال أوامره، واجتناب نواهيه.
لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة الكرام بالخروج إلى حمراء الأسد لتتبع جيش أبي سفيان الغد من غزوة أحد، ما قالوا: عدنا بالأمس، وفينا من الجراح والقتلى، ولكنهم استجابوا لأمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن كان شاقًّا على النفس، من حبهم لله عز وجل ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وسجل الله عز وجل لهم ذلك في كتابه الخالد، فنزل قوله عز وجل: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 172 - 174].


ومن ذلك مسارعتهم إلى إراقة الخمر بعد تحريمها:
روى البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: فإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلانًا وفلانًا، إذ جاء رجل فقال: وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: حرمت الخمر، قالوا: أهرق هذه القلال يا أنس، قال: فما سألوا عنها، ولا راجعوها بعد خبر الرجل[رواه البخاري].


العلامة الرابعة من علامات محبة النبي - صلى الله عليه وسلم -: نصر سنته، والذب عن شريعته.
فمن ذلك إصرار أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - على بعث جيش أسامة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وارتداد من ارتد من الأعراب، وقد أشار عليه بعض الصحابة بإبقائه بالمدينة فقال - رضي الله عنه -: أنا أحبس جيشًا بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد اجترأت على أمر عظيم، والذي نفسي بيده لأن تميل العرب أحب إلي من أن أحبس جيشًا بعثهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية عند الطبري قال: والذي نفس أبي بكر بيده، لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته.


ومن ذلك فرح حرام بن ملحان بالشهادة، وهو يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم: روى البخاري عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث خاله - أخ لأم سليم - في سبعين راكبًا، فانطلق حرام أخو أم سليم وهو رجل أعرج، ورجل من بني فلان، قال حرام: كونوا قريبًا حتى آتيهم، فإن آمنوني كنتم قريبًا مني، وإن قتلوني أتيتم أصحابكم، فقال: أتؤمنوني أن أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فجعل يحدثهم فأومؤوا إلى رجل، فأتاه من خلفه فطعنه، قال همام: أحسبه حتى أنفذه بالرمح، قال: الله أكبر، فزت ورب الكعبة[رواه البخاري].


اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وأعلِ راية الحق والدين، اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بعز فاجعل عز الإسلام على يديه، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بكيد فكده يا رب العالمين، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره، واجعل الدائرة تدور عليه، اللهم اهدنا واهد بنا وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، وانصرنا على من بغى علينا.
وصل اللهم وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا.
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-02-2012, 10:13 AM
  #226
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

احدى الامور التي تعرفك بالله

الخطبة الأولى
الحمد لله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين. أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، رب السماوات ورب الأرض رب العالمين. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والأخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، حَمى حِمى التوحيدِ، وسد كل طريق يوصل إلى الشرك، وبلغ البلاغ المبين. صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين، آمنوا بربهم وأخلصوا له واستقاموا على أمره، فأنجز لهم ما وعدهم عزا في الدنيا وحسن ثواب في الآخرة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فحديثنا معكم اليوم ـ إخوة الإيمان ـ عن أمرٍ تصلح به القلوب بعد فساد، وتَقرُبُ بعد ابتعاد، وتصفو بعد كدر، وتفرح بعد حزن وقلق. إنّها عبادة قلبية لا تُمارس إلا بالقلب، وقد تُشارِكُ فيها العين، وهي من العبادات التي قد هجرها كثير من الناس إلا من رحم ربك، وقليلٌ هم. وسنُحاول اليوم إحياءها في أنفسنا، كالبذرة نغرسها وحتما ستؤتي أكلها ولو بعد حين ثمارًا يانعة تتغذى بها أرواح المؤمنين.

هذه العبادة ـ أيها الناس ـ قد عمل بها الأنبياءُ من قبل، وانتهجها حبيبكم وإمامكم محمد ، حتى صارت صفة ملازمة له، كما سار عليها مِن بعده سلف الأمة وخير القرون المفضلة، كيف وبهذه العبادة يُعرفُ المهيمنُ العزيزُ الجبارُ المتكبرِ جل جلاله وتقدست أسماؤه؟! لأن فيها الدليل على معرفته والإيمان به. فهل عرفتم هذه العبادة أم ليس بعد؟

إنّها عبادة التَفَكُّرِ في خلق الله عز وجل، إنّها عبادة من أعظم العبادات، بها يدخل العِباد على الله فيملؤون قلوبهم إجلالاً وتعظيمًا له، فهل وقفت مرةً في حياتك أمام منظرٍ مما خلقه الله تتعمّدُ من النظر فيه أن تشاهد جلال الله وعظيم شأنه عز وجل حتى يقول قلبك بكل قوة وتعظيمٍ وإجلال: "لا إله إلا الله"، يخشع بها القلب ويذل ويخضع لجلال روعة وعظمة خلق الله جل في علاه؟ هل مارست هذه العبادة في حياتك؟ وهل مارستها كثيرًا؟

إخوة الدين والعقيدة، بهذه العبادة يُعرَفُ اللهُ فيُحَبّ، وبها يُعرف مراد الله من الخلق، وبهذه العبادة يرِقُّ القلب ويتّصل بالخالق عز وجل، وبها تُتركُ المعاصي؛ لأنَّ هذه العبادة هي الباب الموصل إلى الله تبارك وتعالى، قال ابن القيم رحمه الله: "معرفة الله سبحانه وتعالى نوعان: الأول: معرفة إقرارٍ بوجوده، وهذه يشترك فيها البر والفاجر والمطيعُ والعاصي، فكل الناس يقولون: إن الله موجود. وأمّا النوع الثاني: فمعرفة حياءٍ ومحبةٍ وشوق وأُنسٍ واتصالٍ ورغبةٍ وخشيةٍ وإقبال، وهذه يفتح الله بها على من أراد أن يعرفه به".

أخي المبارك، كيف نصل إلى معرفة الله جلَّ وتقدَّس؟ إننا بالإمكان أن نصلَ إلى معرفة الله بطريقين:

الأول: آيات الله المقروءة، ألا وهو كلام ربنا عن نفسه في كتابه القرآن.

والثاني: آيات الله المنظورة، وهي صفحة الكون وما فيها من حياة؛ لكي لا يكون لمن لا يُجيدُ القراءةَ والكتابة حجة على الله تعالى، فيقول: لم أعرفك لأنني لا أجيد القراءة والكتابة، لم أكن أفهم. سبحان الله! ألم تنظر حولك؟! أفلم ينظروا؟! أفلم يسيروا في الأرض فينظروا؟! أفلم يسمعوا؟! أفلم يروا؟!

انظر حولك، وانظر إلى بديع صنع الخالق جَلَّ وعلا وتقدّس، تأمّل صَنعة الباري وقل: سبحان باريها! جبالٌ شاهقة، وبحارٌ ومحيطات، وسماء قد مُلئت بالنجوم والكواكب الكثيرة، وأرضٌ متنامية الأطراف قد مُلئت بالأشجار والأحجار والدواب، وكائنات تُرى بالعين المجرَّدة، وأخرى لا تُرى إلا بالمجهر، وشيء نعلمه وأخرى لا نعلمها، آيات عِظام تبهرُ العقول والأبصار. فلا إله إلا الله! سبحان من خلق فسوى وقدَّر فهدى!

وفي ظل هذه الآيات المنظورة يَنقلُ هذا الأعرابي ما صوَّرتهُ عدسات عينه عندما سُئل عن وجود الله فقال بفطرته السليمة: "البَعرَةُ تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على العزيز الخبير؟!". فلله ما أحسنه من استدلال! وما أعجبه من منطق وبيان!

هذا ولقد كانت آخرُ المراحل للنبي قبل بعثته هي عبارة عن تأمُّلٍ وتفكُّر، فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها كما عند البخاري ومسلم الحديث الذي تروي فيه بدء الوحي فتقول: (ثُمَّ حُبّبَ إليه الخلاء، فكان يذهب إلى غار حراء يتحَنَّثُ فيه ـ أي: يتعبّد ـ الليالي ذوات العدد). فأي عبادة تلك ولم يكن ثَمَّةَ صلاة ولا صيام؟! فأي عبادة عرفها النبي قبل أن يكون نبيًا؟!

إنّها عبادة التأمل والتفكّر في خلق الله تبارك وتعالى، كان يمكث أيامًا طويلة يتفكر، حتى ازداد قُربه من ربه قبل بعثته؛ فكانت هذه العبادة بمثابة التهيئة من الله لنبيه ، ولم يكن يترك هذه العبادة أيضًا بعد بعثته، فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أنّ النبي قال لها ذات ليلة: ((يا عائشة، ذريني أتعبد الليلة لربي))، فقالت: والله إني أحب قربك وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجره، قالت: وكان جالسا فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! قال: ((أفلا أكون عبدا شكورا؟! لقد أُنزلت علي الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 190، 191])) حسنه الألباني في صحيح الترغيب.

ولم يكن النبي هو فقط مَن كان يؤدي هذه العبادة، بل باقي الأنبياء مِن قبله، فهذا إبراهيم الخليل عليه السلام يقول تعالى عنه: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [الأنعام: 75].

فيا عبد الله، إذا كنت تريد معرفة الله فتفكر في مخلوقاته، عندها يزداد قُربُك ويزداد يقينك، فإنه كلما تفكَّرَ العبد المؤمن زاد يقينه وعظُمَ إيمانه وارتقى إلى منازل المتقين، الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء: 49].

سُئِلت أم الدرداء: ما كان أفضل عمل أبي الدرداء؟ قالت: التفكرُ والاعتبار. فانظر ـ يا رعاك الله ـ كيف كان التفكر في خلق الله تعالى مِن أفضل العبادات عند أبي الدرداء، ثمَّ انظر كم هي منسيةٌ هذه العبادة عند غيره. قال الإمام الحسن البصري: "تَفَكُرُ ساعة خير من قيام ليلة" أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وابن المبارك في الزهد. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (ركعتان مقتصدتان في تفكيرٍ خير من قيام ليلة والقلب ساه)، وقال عمر بن عبد العزيز: "الكلام بذكر الله عز وجل حسن، والفكرة في نعم الله أفضل العبادة"، وقال لقمان الحكيم: (إنّ طول الوحدة ألهم للفكرة، وطول الفكرة دليل على طَرْقِ باب الجنة)، وقال وهب بن المنبه: "ما طالت فكرة امرئ قط إلا فهم، ولا فهم امرؤ قط إلا علم، ولا علم امرؤ قط إلا عمل".

فهلا أعملنا هذا الفكر ـ أيها الأحبة ـ وأطلقنا له العنان يهيم في ملكوت الله؛ لعلّه يرجع بثمار المعرفة، فيتجدد بها الإيمان، ويُنال رضا الديّان، لتجلس في غرفتك بينك وبين نفسك، وشاهد خلق الله في نفسك، وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ، أو لعلّك تراقب يومًا شروق الشمس وغروبها، وتتأمل ـ يا رعاك الله ـ كيف يولج الله الليل في النهار ويُولج النهار في الليل.

تأمل فِي الوجود بعيْن فكر ترَ الدنيا الدنيئة كالْخيـالِ

ومن فيها جميعًا سوف يفنى ويبقى وجه ربك ذو الجلالِ

عباد الله، ولو مررنا بكتاب الله لوجدنا أنّه دائمًا يدعونا إلى إعمال العقل، كما في قوله تعالى: أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية: 17-20]، فيأمر الله عِبَاده بِالنَّظَرِ فِي مَخْلُوقَاته الدَّالَّة عَلَى قُدْرَته وَعَظَمَته. ويقول سبحانه: إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ [الجاثية: 3-6].

فيا عبد الله، تفكَّر وتأمّل فيما حولك من الآيات العِظام، ألم تهزُزك معجزة الليل والنهار؟! ألم تُحرِّك شيئًا في وجدانك؟! ألم يؤثِّر فيك منظرُ السُّحب وقد تكومت كالجبال فأراقت ما بجوفها من ماءٍ منهمر؟! ألم يُظهر البهجةَ ما سرح به ناظرك حين أخذت الأرض زُخرُفَها وازّيَّنت؟! ألم تكن تلك الدقة المتناهية في تسيير الكون وعدم اضطرابه آيةً تُسيّر قلبك ولسانك ليلهج بالتسبيح لخالقها ومصَرّفها؟! أكُلُّ هذا لا يُحَرِّكُ مشاعرك؟! أكلُّ هذه الحياة وما يدور فيها من حولك مِن كثرة اعتيادك عليها لم يعُد منها شيء يثير إحساسك؟! إن هذا لهوَ أمرٌ في منتهى الخطورة على صاحبه؛ إذ كيف يخافُ اللهَ مَن لا يعرف قوَّته وعظمته؟! وكيف يُعَظَّّمُ الجبار عند قلوبٍ لا تعرف شيئًا مِن مُلكِ الله؟! وكيف يثق الإنسان بنصر الله وهو لم يتفكر في قدرته على تدبيره سبحانه وتصريفه للحياة؟!

وإليكم الآن ـ عباد الله ـ شيئًا مما يُظهِرُ نتائج التفكر المحمودةِ على القلوب، لنتأمّل ونتفكر سويًا في خلقه تعالى للشمس مثلاً في السماء، وما يدور في أفلاكها، وكيف أنَّ الشمس هي مصدر طاقتنا، ولولا الشمس لما كان هناك حياة على الأرض، يقول العلماء اليوم: إنَّ الشمس تتحرك بسرعة عجيبة، فهي تقطع في ثانية واحدة ما يقطعه الإنسان الماشي في خمسمائة سنة! هل تتخيل هذه السرعة الفائقة؟! واسمع لقوله تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [يس: 38]، وتأمل كلمة تَجْرِي، وليس (تتحرّك). فانظر بعد هذا وتفكر في عظمة شيء مِن ملك الله تعالى، فمن أنت ـ أيها المخلوق الضعيف ـ حتى تتكبر على الله؟! وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ.

وجاء عن ابن عمر كما عند مسلم أنه قال: رأيت رسول الله وهو على المنبر يقول: ((يأخذ الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه فيقول: أنا الله، ويقبض أصابعه ويبسطها: أنا الملك)) حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه، حتى إني لأقول: أساقط هو برسول الله ؟ وفي رواية: رأيت رسول الله على المنبر وهو يقول: ((يأخذ الجبار عز وجل سماواته وأرضيه بيديه)).

فتخيل هذه الأرض التي هي في قبضة الله، هل تعلم كم تساوي؟ إنّها نقطة في المجموعة الشمسية، والمجموعة الشمسية تساوي نقطة في المجرّة، ومجرّة درب التبانة تساوي نقطة في آلاف المجرات، وآلاف المجرات تساوي نقطة في السماء الأولى. لا إله إلا الله! فانظر أنت ـ أيها المخلوق الضعيف ـ كم تساوي في مُلك علام الغيوب، انظر كم هو حجمك وكيف تعصي، وتأمّل كيف أنّه سبحانه لا يخفى عليه بعد ذلك دبيب النملة السوداء على صفاة سوداء في ليلة ظلماء. أرأيت التفكر في خلق الله إلى ماذا يوصلك؟

إذًا فعلينا مراجعة الإيمانِ في قلوبنا، وأن نتعاهده بالتربية والرعاية، حتى نبني صرحًا متينا من الخوف والمراقبة لله تعالى.

بارك الله لي ولكم قي القرآن الكريم...






الخطبة الثانية


أما بعد: فيا إخوة الإيمان، لِمَ لا نُعطي أعيننا حظها مِن العبادة؟ فهذه الأعين قد مضى عليها سنين وهي تعصي الله عز وجل وتتمنى أن تعبُد، إلا أننا لا نعطيها الفرصة لذلك، فلنترك أعيننا تعبد الله قليلاً؛ فلعلها تجد الحياة والإيمان طويلاً، ولنتأمل في خلق الله وننظر لجمال خلق السماوات العُلى عملاً بقوله تعالى: أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ. فانظروا كيف يداعب هذا الكلام عقولنا وقلوبنا قبل أسماعنا، فهل نظرتَ يومًا إلى السماء ورأيت فيها شقًا أو ثقبًا؟! فسبحان القائل: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ تفاوتٌ يعني: نَقْص أو عَيبٌ أو خَلَل، إلى أن قال تعالى: ثمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ. ولو كررت وأمعنت النظر كثيرًا فلن تجد أي خطأ في خلق الله عز وجل وتبارك، صُنعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ.

هذا هو خلق الله، فكلما عشت مع هذه المعاني تعلّقت به وعبدته أفضل، وكلما تعلّقت به أكثر أنستَ به أكثر، وكلما نظرت إلى الخلق زهدت فيهم مهما كانت قوَّتُهم وجبروتهم، فهل أخاف وأجزع من مخلوقٍ وأنسى خالق السماوات والأرض؟!

يا من ظننتم أنّكم أنتم مَن صنَع الحضارة، يا من تظنون أنَّ بأيديكم قيادة البشرية، اخسؤوا فالله خالق كلِّ شيء وهو على كلِّ شيء وكيل، هو المدبر وهو المتصرّف في هذا الكون كله.

إذًا، انظر ـ يا عبد الله ـ كيف تُرَبي العقيدة في قلبك، أرأيت كيف يُثمِرُ جمالُ خَلقِ الله في قلبك حين تفكَّرت، وكيف يقوَى تعلُّقكَ بالله، وهذا هو التفكر الذي نتكلم عنه، وهذه هي النتيجة التي نريد.


__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 17-02-2012, 01:17 AM
  #227
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

نعم المستقبل لديننا

الخطبة الاولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وسفيره إلى عباده، أرسله الله عز وجل بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وهدى به من الضلالة وعلم به بعد الجهالة، فصلى الله عليه وآله الطيبين وذرياته وأزواجه الطاهرين، وارض اللهم عن أصحابه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد:
أيها المؤمنون، من الحق الذي نؤمن به وإن لم نر تأويله أن المستقبل لهذا الدين.
قال الله تعالى: وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلأرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ [النور:55]، وقال النبي : ((إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها)) [1]، وقال أيضا: ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام وأهله، وذلا يذل به الكفر)) رواه الامام احمد والبيهقي.
إنها نصوص صريحة في البشارة أن المستقبل لهذا الدين، لكن ضعاف النفوس ومنحطي الهمم من المنافقين والانهزاميين يشكون في هذا الوعد، أو ينكرونه ويستبعدون وقوعه، فيقولون في قرارة أنفسهم: كيف للمسلمين أن يجتاحوا العالم؟! كيف لهم أن يحرروا القدس واليهود مسيطرون على الإعلام والتجارة الدوليين؟! أنى لهم أن يفتحوا أو يغزوا بلدانا لا تدين بدين وتملك من المنعة والقوة ما تذود به عن نفسها وتدفع شر أعدائها؟!!
فإلى هؤلاء نقول: أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ [القصص:13]، والحق مقدم على الواقع، وعلى تجارب الناس.
ثم إن في التاريخ عبرا للمعتبرين، فإن النفوذ والقوة والطغيان إنما يكون بأحد أمرين: المال أو السلطان، وقد قص الله لنا أخبار رأسي كل من الأمرين: قارون وفرعون.
فأما قارون رمز الطغيان بالمال فقال الله في حقه: إِنَّ قَـٰرُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَءاتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِى ٱلْقُوَّةِ [القصص:76]، فأذاقه الله ما لم يكن يخطر ببال أحد، فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ [القصص:81].
وأما فرعون رمز التجبر بالقوة فقد قال الله فيه وفي جنده: فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ فِي ٱلْيَمّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَـٰفِلِينَ وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَـٰرِقَ ٱلأرْضِ وَمَغَـٰرِبَهَا ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِى إِسْرءيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ [الأعراف:136، 137]، عذاب في الدنيا، وعذاب في الآخرة: وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى ٱلأرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَـٰهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَـٰهُمْ فِى ٱلْيَمّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ وَجَعَلْنَـٰهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ لاَ يُنصَرُونَ وَأَتْبَعْنَـٰهُم فِى هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَـٰمَةِ هُمْ مّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ [القصص:39-42]، أمهلهم الله ولم يهملهم، فَلَمَّا ءاسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ [الزخرف:55].
فهذان هما رمزا الظلم: فرعون وقارون، دمرهم الله وأصبحوا أحاديث تذكر، وعبرا تدرس.
إن الذي أهلكهم ونصر أتباع الرسل وقتهم قادر على أن يكرر ذلك، أَكُفَّـٰرُكُمْ خَيْرٌ مّنْ أُوْلَـئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِى ٱلزُّبُرِ [القمر:43].
فالمستقبل لهذا الدين يا عباد الله، ومن لم تكفه نصوص الوحي دلالة على ذلك فلا كفاه الله، ومن أراد زيادة اليقين والاطمئنان وَلَـٰكِن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى [البقرة:260]، فلينظر إلى أحداث الساعة، إلى أمة ما كان يخطر ببال أحد أن ينالها ما نالها، جهارا نهارا، فماذا أغنت الرادارات التي تكشف كل شيء؟! وأين كانت الآذان التي لا يخفى عليها شيء زعموا؟! وماذا فعل المتحكمون في الشبكات المعلوماتية العالمية؟!
سبحان الله، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [يس:82].
فالمستقبل لهذا الدين ـ يا عباد الله ـ، وليس شرطا لتحكم وتقود أن تملك طائرات لا يراها الرادار أو أسلحة الدمار، فإنه ينبغي أن لا يغيب عنا أن ميزان القوى فيه جانب الغيب: إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِى يَنصُرُكُم مّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:160].
فالمستقبل لهذا الدين أيها المؤمنون، وطريق سيادة المسلمين ودفع الظلم عنهم بيّن، قد أفصح عنه الصادق المصدوق في قوله: ((إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم))رواه احمد وابوداوود.
رجوع جاد وشامل للدين.
رجوع يتطلب صبرا كصبر القابض على الجمر، ((يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر))اخرجه الترمذي من حديث انس.
صبر على التقوى يحفظ به المؤمن نفسه، وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلاْمُورِ [آل عمران:186].
لكنه صبر يثمر الخير وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً [النساء:66].
صبر على تعلم الدين الصافي، خاليا من الخرافة والابتداع، وتربية أنفسنا وأبنائنا على ذلك، حتى تصل الصحوة إلى أكثر إخواننا المؤمنين، كما صبر النبي على الأذى أزيد من عقد من الزمان، يدعو إلى إخلاص العمل لله وحده دون سواه.
وهذا الطريق طريق تصفية الإسلام مما علق به من الخرافة وتربية النشء على ذلك، وإن كان طويلا فهو الطريق المشروع الأسلم بل والوحيد.
وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105].


الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده

أما بعد:
قال النبي : ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم))رواه الامام احمد.
فاتقوا الظلم عباد الله، فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، ولينصرنها الله ولو بعد حين.
فهذه أمة ظلمت بمالها وبقوتها وجاهها، بالأمس حاصروا شعوبا، وجوعوا صبيانا، ولم ينجدوا مرضى ولا هدمى، سكتوا وساندوا واستعملوا حقوقهم في المدافعة عن قتلة الشيوخ والعجزة، بل حتى الصبيان والرضع، وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مّنَ ٱللَّهِ فَأَتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ [الحشر:2].
فاتقوا الظلم ـ عباد الله ـ فالظلم ظلمات يوم القيامة، و((كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه))رواه مسلم.
والحمد لله رب العالمين.

__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 17-02-2012, 08:30 AM
  #228
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

لماذا نحب رسول الله


الحمدلله الذي لايحيط بحمده حامد ، ولاتوفي قدره بليغ المحامد
سبحانه فلا يعبده حق عبادته عابد ولو قضى عمره قانتاً لله وهوراكعاً أو ساجد .
الحمد لله عظيم الشآن واسع السلطان مدبر الأكوان في ملكه تسبح الأفلاك وحول عرشه
تسبح الأملاك ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) لوجهه سبوحات الجلال وهو الجميل الذي له كل الجمال .
والله لو كان البحر محابر والسموات السبع والأراضون دفاتر فلن تفي في تدوين فضله وأفضاله ولن تبلغ في بيان عظمته وبديع فعاله .
الله كريم الإسم علي الوصف سبح له السموات والأرض ومن فيهن والطير قابضات وصف .

أشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له أصدق كلمة فاهت بها الشفاه وخير جملة نطقة بها الأفواه وأشهد أن محمد عبده ورسوله العرف بالله حق والمتوكل عليه صدق التذللله تعبداً ورقا صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وسلم تسليماً كثيراً .

لماذا نحب محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم

محمد صلى الله عليه وسلم.. لولاه بعد الله عز وجل لهلكنا ومتنا على الكفر

واستحققنا الخلود في النار.. به عرفنا طريق الله، وبه عرفنا مكائد الشيطان

شوقَنَا إلى الجنة، ما من طيب إلا وأرشدنا إليه، وما من خبيث إلا ونهانا عنه

ومن حقه علينا أن نحبه، لأنه: هو الذي علمنا الشهادتين وعلمنا الصلاة والزكاة

والصيام والحج هو الذي علمنا كيف نتوب وعلمنا الصبر علمنا الصدق

علمنا التقوى والمراقبة والتوكل بسببه استقمنا وبسببه تناصحنا

علمنا البر بالوالدين حتى بعد الموت ودول التقدم والتطور والتكنولوجيا

يرمون بآبائهم وأمهاتهم في دور العجزة علمنا الإصلاح بين الناس

بين لنا حق الجار علمنا كيف نخاف من الله وكيف نرجوه وكيف ندعوه علمنا الحب في الله حذرنا من قطيعة الأرحام زهدنا في الدنيا علمنا كيف نأكل وكيف نشرب علمنا حتى

قضاء الحاجة بأي قدم تدخل كيف تستنجي كيف تستجمر حثنا على الجود والكرم والإنفاق ونهانا عن البخل والشح أدبنا فأمرنا بالتواضع وإفشاء السلام وخفض الجناح للمؤمنين والإيثار والمواساة والورع ونهانا عن العجب والتكبر والشح والبخل الغيبة والنميمة و أمرنا بأداء الامانه وستر عورات المسلمين حثنا على التوبة والاستغفار وصف لنا الجنة وبين لنا سبب دخولها ووصف لنا النار وبين لنا سبب دخولها وحذرنا

بالجملة والله ماترك باب خير إلا دلنا عليه ولا باب شر إلا حذرنا منه ارحم الخلق واعظم الخلق واجمل الخلق واحب الخلق الى الله وإلى عباد الله يكفي قول الله وانك لعلى خلق عظيم وقول عائشة رضي الله عنها كان خلقه القرآن

ومما لا شك فيه، إن علينا تجاه هذا النبي - صلى الله عليه وسلم – واجبات كثيرة، يجب القيام بها وتحقيقها، فلا بد من تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر .

وكذلك مما يجب علينا تجاه رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أن نحقق محبته اعتقاداً وقولاً وعملاً ، ونقدمها على محبة النفس والولد والوالد،

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ( لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ) رواه البخاري و مسلم .

ومن المعلوم أن من أحب شيئاً آثره وآثر موافقته وإلا لم يكن صادقاً في حبه

وكان مدعياً لمحبته، فالصادق في محبة النبي– صلى الله عليه وسلم– تظهر علامة ذلك عليه.
وإليك أخي الحبيب بيان تلك العلامات الدالة على محبته - صلى الله عليه وسلم -: *

أول تلك العلامات الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - والتمسك بسنته ، واتباع أقواله وأفعاله ، وطاعته، واجتناب نواهييه ،
والتأدب بآدابه في عسره ويسره ، ومنشطه ومكرهه ، وشاهد هذا من كتاب الله ومن سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم –

فمن الكتاب، قوله سبحانه: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } (آل عمران:31) وقال تعالى: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } (الأحزاب:21) ،
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم ( لايؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) صححه النووي في الأربعين وضعفه آخرون.
* الثاني الإكثار من ذكره ، والتشوق لرؤيته ، فمن أحب شيئاً أكثر من ذكره وأحب لقائه ، قال ابن القيم رحمه الله : " كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه ، واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه ، تضاعف حبه له ، وتزايد شوقه إليه واستولى على جميع قلبه " .

ومن علامات محبته – صلى الله عليه وسلم – الثناء عليه بما هو أهله ، وأبلغ ذلك ما أثنى عليه ربه جل وعلا به ، وما أثنى به هو على نفسه ، وأفضل ذلك : الصلاة والسلام عليه ، لأمر الله عزوجل ، وتوكيده ، قال سبحانه: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } (الأحزاب:56) ففي هذه الآية أمر بالصلاة عليه، لهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – ( البخيل من ذُكِرت عنده فلم يُصلِ علي ) رواه الترمذي .

ومن علامات محبته التحاكم إلى سنته – صلى الله عليه وسلم – قال الله تعالى: } فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما { (النساء:65).

* ومن علامات محبته محبة من أحب النبي - صلى الله عليه و سلم - من آل بيته وصحابته من المهاجرين والأنصار ، وعداوة من عاداهم ، وبغض من أبغضهم وسبهم، والدفاع عنهم، والاهتداء بهديهم والاقتداء بسنتهم .
*
ومن علامات محبتة الذَّبُّ والدفاع عن سنته – صلى الله عليه وسلم – وذلك بحمايتها من انتحال المبطلين، وتحريف الغالين وتأويل الجاهلين، ورد شبهات الزنادقة والطاغين وبيان أكاذيبهم.

ومن علامات محبته التأدب عند ذكره – صلى الله عليه وسلم – فلا يذكر اسمه مجرداً بل يوصف بالنبوة أو الرسالة ، فيقال : نبي الله، رسول الله، ونحو ذلك ، والصلاة عليه عند ذكره ، والإكثار من ذلك في المواضع المستحبة .

ومن علامات محبته نشر سنته – صلى الله عليه وسلم – وتبليغها وتعليمها للناس ، فقد قال – صلى الله عليه وسلم – : ( بلغوا عني ولو آية ) رواه البخاري و مسلم
[
من تحركت لعظمته السواكن فحن إليه الجذع ، و كلمه الذئب ، و سبح في كفه الحصى ، و تزلزل له الجبل كلٌ كنى عن شوقه بلسانه يا جملة الجمال ، أنت واسطة العقد و زينة الدهر تزيد على الأنبياء زيادة الشمس على البدر ، و البحر على القطر و السماء على الأرض . أنت صدرهم و بدرهم
اللهم ارزقنا حبه واحشرنا تحت لوائه يارب العالمين
اقول ماتسمعون واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه


الحمد لله وحده.........
ومن فضائل محبتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم انك تحشر معه وتحت لوائه

جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: متى الساعة ؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أعددت لها؟ ". قال: إني أحب الله ورسوله. قال: " أنت مع من أحببت ".
بهذا الحب تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحوض فتشرب الشربة المباركة الهنيئة التي لا ظمأ بعدها أبداً.

أبشر بها يا ثوبان
قال القرطبي: كان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحب له قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه، يعرف في وجهه الحزن، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ما غير لونك؟! ". قال: يا رسول الله.. ما بي ضر ولا وجع غير أنى إذا لم أراك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك هناك، لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين، وأنى إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل لا أراك أبداً، فأنزل الله عز وجل قوله: " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً "

وابشر يا صادقا في حب رسول الله فالبشرى لثوبان وللأمة الى قيام الساعة

صلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 23-02-2012, 09:29 PM
  #229
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

الدفاع عن حبيب القلوب

الخطبة الأولى
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده

أما بعد: عباد الله، لقد رحمنا الله تعالى رحمة واسعة حين خصّنا فجعلنا أتباع خير الخلق ، الذي أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهداية، ومن الشقاء إلى السعادة، ومن الذلّ والظلم والجهل والشتات والمهانة إلى العزّ والعدل والعلم والاجتماع والكرامة، مَنْ نحن لولا دين محمد وملته؟! وما قيمتنا لولا رسالته وشريعته؟! وما مصيرنا لولا دعوته وعقيدته؟! لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164].
بلغ الرسالة أحسن بلاغ، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده. آذاه قومه فصبر ليبلّغ هذه الرسالة، ذهب إلى الطائف على قدميه يعرض الإسلام على قبائلها، فأغرَوا به صبيانهم، وأدمَوا قدميه وهو صابر في سبيل الدعوة، يعرض نفسَه على القبائل فتطرده فلا يثنيه ذلك شيئا، أصحابه يعذّبون في حرّ الهجير وهم يستغيثون بالله تعالى في سبيل هذا الدين، يؤمَر بالهجرة فيخرج من بلده مكّة ويقف على شفير خارج مكة ويقول: ((والله إنك لأحب البقاع إلى الله، ووالله إنك لأحب البقاع إليّ، ولولا أنّ قومك أخرجوني ما خرجت)). يشجّ رأسه يوم أحد، وتكسر رباعيته، ويتكالب الأعداء على قتله يوم الخندق، فيحزّبون الأحزاب طلبا لرأسه، ويدسّ له اليهود السمّ، ويحاولون قتله أكثر من مرّة، لكن ذلك لا يثني من عزيمته لنشر هذا الدين، حتى بلغ الإسلام مشارقَ الأرض ومغاربها.
لا تحصَى فضائله، ولا تعدّ مزاياه . ما من صفة كمال إلا اتّصف بها، زكّى الله تعالى عقله فقال: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم:2]، وزكّى لسانه فقال: وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى [النجم:3]، وزكّى شرعه فقال: إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4]، وزكّى معلِّمه فقال: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى [النجم:5، 6]، وزكّى قلبه فقال: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11]، وزكّى بصره فقال: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17]، وزكّى أصحابه فقال: وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29]، وزكّاه كلَّه فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].
نعته بالرسالة: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [الفتح:29]، وناداه بالنبوة فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الممتحنة:12]، وشرفه بالعبودية فقال: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1]، وشهد له بالقيام بها فقال: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ [الجن:19].
شرح الله له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وأتمّ أمره، وأكمل دينه، وبرّ يمينه. ما ودّعه ربه وما قلاه، بل وجده ضالاً فهداه، وفقيرًا فأغناه، ويتيمًا فآواه. وخيّره بين الخلد في الدنيا ولقاه، فاختار لقاء مولاه، وقال: ((بل الرفيق الأعلى)).


تالله ما حملت أنثى ولا وضعت مثل الرسول نبيّ الأمّة الهادي

واليومَ يأتي أقوام ما عرفوا الله طرفةَ ساعة، يعيشون في ظلمات الشهوات، أهدافهم وأفكارهم واعتقاداتهم منحطّة، يحاولون النيلَ من هذه المنارة الشامخة. قبل ايام يكتب حمزة كشغري ثم يكتب حمود العمري من مكة المكرمة يسخرون ويستهزيؤن بأعظم البشر على مرأى ومسمع من جميع المسلمين، أين الغيرة؟! أين حب الرسول ؟! أين الدفاع عنه؟! أليس هذا هو مقام سيدنا رسول الله ؟!
هؤلاء سينتقم الله منهم لأنه قال في كتابه: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ [المائدة:67]. آذاه عتبة بن أبي لهب وسخِر منه فقال : ((اللهم سلّط عليه كلبا من كلابك))، فكان لا ينام إلا وسط رفاقه خوفًا من دعوة الرسول ، لكن ذلك لم يمنعه، وفي بعض أسفاره استيقظ على أسدٍ مفترس قد نشب مخالبه في صدغيه، فجعل يصرخ ويقول: يا قوم، قتلتني دعوة محمد، لكن ذلك لم يغن عنه شيئا.
مزّق كسرى رسالتَه، فدعا عليه ، فقتله الله في وقته، ومزّق ملكه كلّ ممزّق، فلم يبق للأكاسرة ملك بعده، تحقيقًا لقوله تعالى: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:3] أي: مبغضك، فكل من شنأه وأبغضه وعاداه فإن الله يقطع دابره ويمحق عينَه وأثره، وفي الصحيح عن النبي أنه قال: ((يقول الله تعالى: من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب))، فكيف بمن عادى سيد الأنبياء ؟!
ويقول سبحانه: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر:95]، قال ابن سعدي رحمه الله في تفسيرها: "وقد فعل تعالى، فما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شرّ قتلة" اهـ.
أخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل وابن مردويه بسند حسن والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ قال: المستهزئون الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحارث بن عبطل السهمي والعاص بن وائل، فأتاه جبريل، فشكاهم إليه رسول الله ، فقال: أرني إياهم، فأراه كلّ واحد منهم، وجبريل يشير إلى كلّ واحد منهم في موضع من جسده ويقول: كَفَيتُكَهُ، والنبي يقول: ((ما صنعت شيئا!))
فأما الوليد فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلاً فأصاب أكحله فقطعها، وأما الأسود بن المطلب فنزل تحت سمرة فجعل يقول: يا بنيّ، ألا تدفعون عني؟! قد هلكت وطُعنت بالشوك في عينيّ، فجعلوا يقولون: ما نرى شيئًا، فلم يزل كذلك حتى عتمت عيناه، وأما الأسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها، وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منه، وأما العاص فركب إلى الطائف فربض على شبرقة فدخل من أخمص قدمه شوكة فقتلته.
لكن يا عباد الله، ما موقِفنا نحن؟ يجب أن نسأل أنفسنا: هل نحن نحبّ رسول الله حبّا صادقا، أم أن الأمر مجرد ادعاء؟! يقول : ((لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ))، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ : ((لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ))، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّك الآنَ ـ وَاللَّهِ ـ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ : ((الآنَ يَا عُمَرُ)).
وهذا أبو بكر رضي الله عنه يبكي فرحًا حينما علم أنه رفيق لرسول الله في هجرته، وهو يمشي أمامه في الهجرة يوم يذكر الرّصد، ويمشي خلفه يوم يذكر الطلَب، حتى إذا جاء أمر فَداه بنفسه.
وهذه نسيبة بنت كعب المازنية أم عمارة، امرأة تحمل السيف تذود عن رسول الله حينما تكشّف عنه الرجال، فيقول لها: ((سليني يا أم عمارة))، فتقول: أسألك مرافقتك في الجنة، حبّ في الدنيا وحبّ في الآخرة.
وبعد أن انتهت غزوة أُحد مرّ جيش النبيّ وهو عائد للمدينة بامرأة من بني دينار وقد أُصيب زوجها وأخوها وأبوها، فلما نُعوا لها قالت: فما فعل رسول الله ؟ قالوا: خيرًا يا أمّ فلان، هو بحمد الله كما تحبّين، قالت: أرونيه حتى أنظرَ إليه، فأشير إليها حتى إذا رأته قالت: كل مُصيبة بعدك جلَل ـ تريد صغيرة ـ.
ولما أرسلت قريش عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه عندما كان مشركا يفاوض النبيّ في صلح الحديبية، فرأى نماذج من حب الصحابة له ، رجع إلى قريش فقال لهم: "أي قوم، والله لقد وفدتُ على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملِكا قطّ يعظّمه أصحابه ما يعظّم أصحاب محمد محمّدا، والله إن تنخّم نخامة إلا وقعت في كفّ رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمرَه، وإذا توضّأ كادوا يقتَتلون على وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون النظر إليه تعظيما له".
هذا هو حبّ الصحابة لرسول الله ، فهل نحن نحب رسول الله أو أن الأمر مجرّد ادّعاء؟! هل نوقّره؟! هل ننشر سنته؟! هل نتأدب بآدابه؟! هل نقتدي بهديه؟!
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الفتح:8، 9].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.




الخطبة الثانية
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
تكريم الله له
جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه من قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : إني اتخذتك خليلاً ، فهو مكتوب في التوراة : أنت حبيب الرحمن .
والخليل قال : ولا تخزني يوم يبعثون [ سورة الشعراء / 26 ، الآية : 87] .
والحبيب قيل له : يوم لا يخزي الله النبي ، فابتدئ بالبشارة قبل السؤال .
والخليل قال في المحنة : حسبي الله [ سورة الزمر / 39 ، الآية : 38 ] .
والحبيب قيل له : يا أيها النبي حسبك الله [ سورة الأنفال / 8 ، الآية : 64 ] .
والخليل قال : اجعل لي لسان صدق في الآخرين [ سورة الشعراء / 26 ، الآية : ]
والحبيب قيل له : ورفعنا لك ذكرك ، أعطي بلا سؤال .
والخليل قال : واجنبني وبني أن نعبد الأصنام . سورة إبراهيم / 14 ، الآية : 35 .
والحبيب قيل له : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً

ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم ( ألم نشرح لك صدرك ) ( ونيسرك لليسرى ) ( فإنما يسرناه بلسانك ) ( لعلك ترضى ) .
ويقول على لسان موسى عليه السلام ( اشرح لي صدري ) ( يسّر لي أمري ) ( احلل عقدة من لساني ) ( وعجلت إليك ربي لترضى ) .
عن القاسم بن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً وإنه لم يكن نبي إلا وله خليل ألا وإن خليلي أبو بكر).
عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله قسم الخلق قسمين ، فجعلني من خيرهم قسماً ، فذلك قوله : أصحاب اليمين ، و أصحاب الشمال ، فأنا من أصحاب اليمين ، وأنا خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين أثلاثاً ، فجعلني في خيرها ثلثاً ، و ذلك قوله تعالى : فأصحاب الميمنة . و أصحاب المشأمة ، و السابقون السابقون ، فأن من السابقون ، و أنا خير السابقين ، ثم جعل الأثلاث قبائل ، فجعلني من خيرها قبيلة ، و ذلك قوله : وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم . فأنا أتقى ولد آدم و أكرمهم على الله و لا فخر . ثم جعل القبائل بيوتاً ، فجعلني من خيرها بيتاً ، فذلك قوله تعالى : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ سورة الأحزاب / 33 ، الآية : 33 ]

ولو وزنت به عرب وعجم --- جُعلت فداه ما بلغوه وزنا
إذا ذكر الخليل فذا حبيب --- عليه الله في القرآن أثنى
وإن ذكروا نجي الطور فاذكر --- نجي العرش مفتقراً لتغنى
فإنّ الله كلم ذاك وحيا --- وكلّم ذا مخاطبةً وأثنى
ولو قابلت لفظة "لن تراني" --- لـ "ما كذب الفؤاد " فهمت معنى
فموسى خرّ مغشياً عليه --- وأحمد لم يكن ليزيغ ذهناً
وإن ذكروا سليمان بملكٍ --- فحاز به الكنوز وقد عرضنا
فبطحا مكة ذهباً أباها --- يبيد الملك واللذات تفنى
وإن يك درع داوود لبوساً --- يقيه من اتقاء البأس حصنا
فدرع محمد القرآن لما --- تلا "والله يعصمك "اطمأنا
وأغرق قومه في الأرض نوحٌ --- بدعوة "لا تذر" أحداً فأفنى
ودعوة أحمد (رب اهد قومي) --- فهم لا يعلمون كما علمنا
وكل المرسلين يقول "نفسي" --- وأحمد " أمّتي "إنساً وجنّا
وكلّ الأنبياء بُدُورُ هَدْيٍ --- وأنت الشمس أكملهم وأهدى


وبعد: عباد الله تعالى، حبّ الرسول عقيدة يتّفق عليها كلّ المسلمين بشتى طوائفهم وأفكارهم، فكلّ القلوب مجتَمعة على حبّه ، لهذا يجب علينا أن نستثمِر هذه الأزمة العالمية التي تتنامَى بسبب التعرّض لشخصه في توحيد الأمّة وجمع كلمتها حول الرسول ؛ لتكون غضبة المسلمين لدينهم في الاتجاه الصحيح، يجب أن نشيع توقير الرسول وتعريف الجيل به وبشمائله ، يجب على الأمهات أن يرضعن أولادهنّ محبّة رسول الله ، وعلى الآباء أن يجعلوا من السيرة مادّة لجلسات العائلة، وعلى المعلّمين أن يخصصوا بعض حصَصهم لسيرته العطرة . ؟!

اللهم يا حي يا قيوم، يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد، يا جبار السموات والأرض، يا سريع الانتقام، اللهم أرنا فيمن أساء لنبيّك عجائب قدرتك وصنعِك، اللهم شلّ أيديهم وألسنتهم، وأعم بصيرتهم وأبصارهم، اللهم اجعلهم عبرة للعالمين، اللهم يا من له العزة والجلال، ويا من له القدرة والكمال، ويا من هو الكبير المتعال، اللهم لا تبقِ لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية، اللهم أنت بهم عليم وعليهم قدير...
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 27-02-2012, 02:43 PM
  #230
المنبع الطيب
عضو جديد
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 21
المنبع الطيب is on a distinguished road
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب


جزال الله خير
وشكرا لك على هذا المجهود الكبير ..
المنبع الطيب غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أذكار, أدعية, خطب, خطبة الجمعة, صلاة الجمعة, إسلاميات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من يوقف هدردماءاهل السنه يامسلمين في ايران المجوسيه الرافضية الصفوية ؟؟ ابومحمدالقحطاني فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 10 29-04-2015 06:44 PM
إبن سبأ اليهودي مؤسس الديانة الشيعية ابو عائشة الطائي فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 2 20-12-2009 10:31 PM
غزوات حدثت في شهر الانتصارات في رمضان المناضل السليماني مجلس الإسلام والحياة 5 30-08-2009 06:27 AM
أرقـــــــام وإيمـــيــلاتــ الدكـــتـــور جــــــــابـــــر القحطاني وبعض الوصفاتـــ سعيد الجهيمي عالم الصحه والغذاء 12 20-03-2008 12:02 PM
فتاوى السحر والمس والعين مفرغا من شريط للعلامة ابن باز : اعداد بعض طلبة العلم ابو اسامة مجلس الإسلام والحياة 11 26-05-2007 01:52 PM


الساعة الآن 03:33 AM

سناب المشاهير