ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب


مجلس الإسلام والحياة يهتم هذا القسم بجميع مايتعلق بديننا الحنيف

إضافة رد
قديم 28-10-2011, 08:07 AM
  #1
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

فضل العشر من ذي الحجة
الحمد لله، الحمد لله عالم السر والنجوى، المطلع على الضمائر وكل ما يخفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وعلى أصحابه، الذين يخشون ربهم بالغيب، وعلى كل من اتق الله وخشي الله بالغيب وراقبه حق مراقبته، إلى يوم الدين.


أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون

من مواسم الطّاعة العظيمة العشر الأول من ذي الحجة ، التي فضّلها الله تعالى على سائر أيام العام فإن فاتتنا بركات المكان فلا تفوتنا بركات الزمان !!!

وقد أقسم الله تعالى بها : والإقسام بالشيء دليل على أهميته وعظم نفعه ، قال تعالى : ( والفجر وليال عشر ) قال ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف : إنها عشر ذي الحجة .
قال ابن كثير : وهو الصحيح
وينبغي أن نلاحظ أن أجر المجاهد عظيم فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: لا أجده قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر؟ قال: ومن يستطيع ذلك؟.
فكيف بالأجر في هذه الأيام المباركة وأجرها يفوق أجر المجاهد إلا رجل خرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع من ذلك بشيء .
عن ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ما من أيام أعظم ولا أحب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد رواه الإمام أحمد.
فهذه النصوص وغيرها تدلّ على أنّ هذه العشر أفضل من سائر أيام السنة من غير استثناء شيء منها ، حتى العشر الأواخر من رمضان .
ولكنّ ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة ، لاشتمالها على ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر .
وأيام العشر من ذي الحجة أفضل من أيام العشر الأواخر من رمضان لاشتمالها على يوم عرفة .


قال الحافظ ابن حجر العسقلاني ( فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 2/534 ): والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه, وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج, ولا يتأتى ذلك في غيره.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية ( مجموع فتاوى ابن تيمية، 25/154 ) عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان، أيهما أفضل؟
فأجاب: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة.
وقال ابن القيم الجوزية ( بدائع الفوائد، 3/660 ): وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافيا كافيا، فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة. وفيها يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية. وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الأحياء التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحييها كلها، وفيها ليلة خير من ألف شهر. فمن أجاب بغير هذا التفصيل، لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة.
فينبغي على المسلم أن يستفتح هذه العشر بتوبة نصوح إلى الله ، عز وجل ، ثم يستكثر من الأعمال الصالحة ، عموما ، ثم تتأكد عنايته بالأعمال التالية :
1- الصيام
فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة . لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح في أيام العشر ، والصيام من أفضل الأعمال .
وقد اصطفاه الله تعالى لنفسه كما في الحديث القدسي : قال الله : كل عمل بني آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به أخرجه البخاري
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة :
فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر . أول اثنين من الشهر وخميسين أخرجه النسائي وأبو داود وصححه الألباني.
ويتأكد منها يوم عرفة : عن أبي قتادة – رضي الله عنه – عن النبــــــي –صلى الله عليه وسلم – قال : صيام يوم عرفة ، احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده رواه مسلم .
قال النووي ( شرح صحيح مسلم، 4/308 ):
معناه يكفر ذنوب صائمه في السنتين، قالوا: والمراد بها الصغائر، وهذا يشبه تكفير الخطايا بالوضوء، فإن لم تكن هناك صغائر يرجى التخفيف من الكبائر، فإن لم يكن رفعت درجات.
وقال الملا علي القاري ( مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، 4/474 ):
قال إمام الحرمين: المكفر الصغائر. وقال القاضي عياض: وهو مذهب أهل السنة والجماعة, وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة، أو رحمة الله.
قال المباركفوري ( تحفة الأحوذي، 3/171-172 ):
فإن قيل: كيف يكون أن يكفر السنة التي بعده مع أنه ليس للرجل ذنب في تلك السنة ؟
قيل: معناه أن يحفظه الله تعالى من الذنوب فيها.
وقيل: أن يعطيه من الرحمة والثواب قدرا يكون ككفارة السنة الماضية والسنة القابلة إذا جاءت واتفقت له ذنوب.
وفي العشر أيضا يوم النحر الذي هو أعظم أيام السنّة على الإطلاق وهو يوم الحجّ الأكبر الذي يجتمع فيه من الطّاعات والعبادات ما لا يجتمع في غيره .
2- الإكثار من التحميد والتهليل والتكبير :
فيسن التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح أيام العشر . والجهر بذلك في المساجد والمنازل والطرقات وكل موضع يجوز فيه ذكر الله إظهاراً للعبادة ، وإعلاناً بتعظيم الله تعالى .
قال الله تعالى : ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) الحج/28 .
والجمهور على أن الأيام المعلومات هي أيام العشر لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( الأيام المعلومات : أيام العشر )
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد ) أخرجه احمد وصحّح إسناده أحمد شاكر .
وقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ، والمراد أن الناس يتذكرون التكبير فيكبر كل واحد
3- الأضحية :
تشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق ، وهي سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين فدى الله ولده بذبح عظيم ، ( وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبّر ووضع رجله على صفاحهما ) متفق عليه .
وروى مسلم رحمه الله وغيره عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضّحي فليمسك عن شعره وأظفاره ( وفي رواية ( فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي ) ولعل ذلك تشبهاً بمن يسوق الهدي ، فقد قال الله تعالى : ( وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) وهذا النهي ظاهره انه يخص صاحب الأضحية ولا يعم الزوجة ولا الأولاد إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه ، ولا بأس بغسل الرأس ودلكه ولو سقط منه شيء من الشعر ، وهذا كله على سبيل الاستحباب .
4- التوبة النصوح
:ومما يتأكد في هذا العشر التوبة إلى الله تعالى والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب . والتوبة هي الرجوع إلى الله تعالى وترك ما يكرهه الله ظاهراً وباطناً ندماً على ما مضى ، وتركا في الحال ، وعزماً على ألا يعود والاستقامة على الحقّ بفعل ما يحبّه الله تعالى .
والواجب على المسلم إذا تلبس بمعصية أن يبادر إلى التوبة حالاً بدون تمهل لأنه
أولاً : لا يدري في أي لحظة يموت ثانياً : لأنّ السيئات تجر أخواتها .وللتوبة في الأزمنة الفاضلة شأن عظيم لأن الغالب إقبال النفوس على الطاعات ورغبتها في الخير فيحصل الاعتراف بالذنب والندم على ما مضى . وإلا فالتوبة واجبة في جميع الأزمان ، فإذا اجتمع للمسلم توبة نصوح مع أعمال فاضلة في أزمنة فاضلة فهذا عنوان الفلاح إن شاء الله . قال تعالى( فأما من تاب وآمن وعمل صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين )القصص67
فليحرص المسلم على مواسم الخير فإنها سريعة الانقضاء ، وليقدم لنفسه عملا صالحاً يجد ثوابه أحوج ما يكون إليه ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ) .

(5) قيام الليل

يقول بعض السلف : دقائق الليل غالية، فلا ترخّصوها بالغفلة .
وأغلى ما تكون دقائق الليل في الأيام والليالي الفاضلة .

في هذه الأيام والليالي المباركة ينادي رب العزة المتأخرين ليتقدموا،والمقصرين لينشطوا، ومن فاتته الحسنات فيما مضى ليدرك نفسه ويعوض خسارته في هذه الأيام بقيام الليل،
وكلما صليت في جوف الليل خاصة وقت السحر ؛كنت أقرب إلى الله حيث يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ (أخرجه الشيخان) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين “

فإذا وجدت قدميك خفيفتان إلى صلاة الليل ؛ فاعلم أن هذه علامة حب الله لك، إذ لولا أنه يحبك لما جعلك أهلا لمناجاته .

قال ابن رجب الحنبلي ( لطائف المعارف، 524 ): وأما قيام ليالي العشر فمستحب. وورد إجابة الدعاء فيها. واستحبه الشافعي وغيره من العلماء. وكان سعيد بن جبير، وهو الذي روى الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما، إذا دخل العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يقدر عليه، وروي عنه أنه قال: " لا تطفئوا سرُجُكم ليالي العشر "، تعجبه العبادة.
اللهم وفقنا لكل ما تحبه وترضاه
اقول ما تسمعون واستغفرالله لي ولكم فاستغفروه

الخطبة الثانية


(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ))[سبأ:1-2]، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وعلى أصحابه، وعلى كل من دعا بدعوته، واستن بسنته، واقتفى أثره على يوم الدين.

أما بعد:

كم من شخص تمنى ان يكون مع الحجاج وان يقف مواقفهم ولكن من رحمة الله ان هيأ اعمالا أجرها كأجر من حج بل وأعتمر

فإحرص على الأعمال التي يكون أجرها كأجرالحج :
(أ)التطهر في البيت ثم الخروج إلى أدء صلاة مكتوبة له ثواب الحجة ، والخروج إلى صلاة الضحى له ثواب العمرة :
روى أبو داود وصححه الألباني من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ‏( من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم ومن خرج إلى ‏ ‏تسبيح ‏ ‏الضحى لا ‏ ‏ينصبه (لا يخرجه )‏ ‏إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما ‏ ‏كتاب ‏ ‏في ‏ ‏عليين) .
توضيحات حول الحديث :
أ - قوله صلى الله عليه وسلم ( فأجره كأجر الحاج المحرم ) له ثلاثة تفسيرات :
1 -أي كامل أجره ، بأن يأخذ ثواب الحاج المحرم .
-2 أي كأجر الحاج المحرم من حيث أخذه ثوابا على كل خطوة يخطوها ، فالماشي إلى المسجد والحاج كلاهما لهما ثواب على كل خطوة يخطوهما ، وإن اختلف الثواب بينهما .
-3 أنه مثل الحاج المحرم من حيث أن له ثوابَ الصلاة من أول خروجه من بيته حتى عودته ، وإن لم يكن يصلي في كل الوقت ، كما أن للحاج ثوابَ الحج من أول خروجه إلى عودته ، وإن لم يكن في شعائر الحج طوال هذه الفترة ب - قوله ( تسبيح الضحى ) أي صلاة الضحى .
ج - قوله (ينصبه ) بفتح الياء أي يتعبه ، وبفتحها أي يقيمه .
د - ذهب بعض العلماء إلى استحباب صلاة الضحى في المسجد أخذا بهذا الحديث ، وعدوها من الاستثناءات في أفضلية صلاة التطوع في المنزل ، وذهب اّخرون إلى عدم ذكر المسجد في الحديث فتحصل الفضيلة بأدائها في أي مكان .
(و - قوله ( كتاب في عليين ) كناية عن رفع درجتها وقبولها .
( منقول من عون المعبود بتصرف )
(ب) - الخروج إلى المسجد لتعلم العلم أو تعليمه:
روى الطبراني رحمه الله في الكبير بإسناد لا بأس به - كما قال المنذري - من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلمه كان له كأجر حاج تاما حجته )
(ج) صلاة الصبح في جماعة ثم الجلوس في المصلى لذكر الله إلى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين :
لما رواه الترمذي وحسنه الألباني من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ‏من صلى ‏ ‏الصبح ‏ ‏في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة ‏ ‏تامة تامة تامة ).

ولا ننسى صيام يوم عرفة فإنه يكفر السنة الماضية والقادمه


اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك، وكرمك وفضلك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم اجعلنا ممن يتعظون بمواعظك، وممن يقفون عند حدودك، وممن يراقبونك ويخشونك في السر والعلن يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا، ولا بما فعل السفهاء منا.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا يجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.


اللهم تقبل من الحجاج حجهم واغفر ذنوبهم وردهم سالمين غانمين

إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعضكم لعلكم تذكرون (( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ))[النحل:91].


ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 13-11-2011, 12:20 PM
  #2
مثل بن ابراهيم أل سويدان
عضو نشيط
 الصورة الرمزية مثل بن ابراهيم أل سويدان
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 221
مثل بن ابراهيم أل سويدان has a spectacular aura aboutمثل بن ابراهيم أل سويدان has a spectacular aura aboutمثل بن ابراهيم أل سويدان has a spectacular aura about
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

جزاك الله خير
والله يجعلها في موازين حسناتك
لاهنت على الطرح المتميز
مثل بن ابراهيم أل سويدان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 17-11-2011, 12:37 PM
  #3
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

الوداع لهذه الحياة

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه و من اقتفى أثره واستنى بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيقول الله جل وعلا مبينا حقيقة وأمرا لابد لكل إنسان منه، لايرده مال ولا ملك ولا ناصر إنها ساعة الإحتضار والإنتقال من دار الدنيا إلى دار الآخرة وفراق الأهل والمال يقول الله جل وعلا :? وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد?، جاءت سكرة الموت وما أدراك ما هذا المجيء، إنه مجيء لا مناص عنه، ولا مهرب إنه بداية نهايتك في هذه الدنيا، والإقبالُ على الآخرة إنها والله ساعة مهولة ذات كرب شديدة ؛ لو تفكرت في حلولها وأنت في نعيم وهناء لهانت الدنيا عليك، وصغرعظيمها في عينيك، كيف لا وأنت تفارق المال والولد، والأحباب والأصحاب إلى دار الحساب، أهوال تهول عندها أهوال حتى تنتهيَ إلى أحد الفريقين:? فريق في الجنة وفريق في السعير?، ولشدة سكرات الموت التي أصابت خير الأنبياء وأكرم الخلق على رب العالمين، لقد قال ? وهو يدخل يديه في ركوة ماء ويمسح بها وجهه كان يقول:« لا إله إلا الله إن للموت لسكرات»، ولما رأت فاطمةُ رضي الله عنها ما برسول الله ? من الكرب الشديد الذي يتغشاه قالت:" واكرب أبتاه " فقال لها:« ليس على أبيك كرب بعد اليوم ».
اللهم هون علينا سكرات الموت إذا حلت، وثبتنا إذا وقعت وثقل اللسان وأوغرت العينان، ومدت الأكفان يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
يروى في الحديث:« أنه ما من أحد يموت إلا ندم إن كان محسنا ندم أن لايكون ازداد، وإن كان مسيئا ندم أن لايكون نزع واستغفر وتاب »، قال الحسن البصري رحمه الله: فضح الموت الدنيا لم يترك لذي لب فرحاً، فضح الموت الدنيا لم يترك لذي لب فرحاً، كيف يغفل العبد عن طاعة الله وأداء الصلوات وهو يعلم أن وراء الموت: القبر وظلمته، والصراط ودقته، والحساب وشدته، أمور عظام مهولة، والنهاية جنة أو نار.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول و عمل.
بكى الحسن البصري عند موته وقال: نفس ضعيفة وأمر مهول عظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون.
عن بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ? دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبه، فقال يا نبي الله لو اتخذت فراشا أوفر من هذا فقال ?:« مالي وللدنيا ، ما مثلي والدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ثم راح وتركها».
ولمعرفة صفة هذا الموت الذي لا يحس ألمَه إلا من يعانيه، فقد قال عمر رضي الله عنه لكعب: أخبرني عن الموت؟ فقال:" يا أمير المؤمنين هو مثلُ شجرة كثيرة الشوك في جوف بن آدم، وهو كرجل شديد الذراعين فهو يعالجها ينتزعها".
لما احتضر عامر بن عبد الله بكى وقال:" لمثل هذا المصرع فليعمل العاملون، اللهم إني أستغفرك من تقصيري وتفريطي وأتوب إليك من جميع ذنوبي لا إله إلا أنت ثم لم يزل يرددها حتى مات رحمه الله ".
وانظر إلى تأسفهم على الدنيا وما فيها، لعلمهم أنها دار عمل فقد بكى أحد العباد فقيل له: مايبكيك؟ فقال:" أن يصوم الصائمون ولست فيهم و يذكر الذاكرون ربهم ولست فيهم و يصليَ المصلون ولست فيهم".
إن الموت الذي تقدم وصفه كل منا ملاقيه، كل منا سيمر بتلك اللحظات العصيبة الأنفاس مضطربة، والعين حائرة كسيرة، والقلب في وجل وخوف،إنها ساعة الإحتظار التي قال فيها عمرو بن العاص ? لما سئل عنها وهو يموت فقال:" والله لكأني أتنفس من سم إبرة وكأن غصن شوك يجر به من قدميَ إلى هامتي"، هذا هو الموت وشدته فتذكر عبد الله تلك الساعة لا تدري من أي الأبواب ستدخل وأي الدارين تسكن فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال ميمون بن مِهْران من أراد أن يعلم منزلته عند الله فلينظر في عمله فإنه قادم على عمله كائنا من كان قال الله جل وعلا:? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ?، وقال ربنا جل جلاله:? يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ?.
قال بعضهم دخلنا على عطاء السلمي نعوده في مرضه الذي مات فيه فقلنا له كيف ترى حالك فقال :" الموت في عنقي والقبر بين يدي والقيامة موقفي وجسر جهنم طريقي و لا أدري ما يفعل بي ثم بكى بكاء شديدا وقال : اللهم ارحمني وارحم وحشتي في قبري ومصرعي وارحم مقامي بين يديك ياأرحم الراحمين".
قال الخليفة عبد الملك بن مروان في مرض موته: ارفعون ، فرفعوه حتى شم الهواء وقال:" يادنيا ما أطيبك إن طويلك لقصير وإن كثيرك لحقير وإنا كنا بك لفي غرور، وقيل له في مرض موته: كيف تجدك؟ فقال:" أجدني كما قال الله جل وعلا:﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ﴾.
قال بن السِمَاك:" إن استطعت أن تكون كرجل ذاق الموت وعاش ما بعده، ثم سأل الرجعة فَأُسْعِفَِ في طلبه وأعطيَ حاجته فهو متأهب مبادر نفعا، فإن المغبون من لم يقدم من ماله شيئا، ومن نفسه لنفسه ".
عباد الله : إننا ونحن نسمع قصص السلف ومواقفهم هذه لحري بنا أن نكون مثلهم
في الاجتهاد والعبادة، والاستعداد للموت قبل حلوله، وليكن المؤمن على خوف ووجل من ربه جل وعلا ، وإياك أيها العبد الموفق إياك أن تحتقر ذنبا، فلا تبالي به ولا تندم على فعله فإن هذا خطرعظيم، يروى أن بن المنكدر لما حضرته الوفاة جعل يبكي فقيل له ما يبكيك؟ فقال:" والله ما أبكي لذنب أعلم أني أتيته ولكن أخاف أني أتيت شيئا حسبته هينا وهو عند الله عظيم ".
إن ذكر الموت وسكرتِه وفضاعتِه تفزع منه النفوس وتقشعر القلوب ويصلح به العمل ويعظم الاستعداد ليوم الرحيل، ها هو عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول:" لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد "، سئل أحد السلف ما بالنا نحب الحديث في الدنيا ونكره الحديث في الموت؟ فقال :" لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة، فأنتم تكرهون الانتقال من العمران إلى الخراب"، قال المزنيُ دخلت على الشافعي في علته التي مات فيها، فقلت كيف أصبحت ؟ فقال:" أصبحت من الدنيا راحلا، ولإخواني مفارقا، ولكأس المنية شاربا، ولسوء عملي ملاقيا، وعلى الله واردًا، فلا أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أو إلى النار فأعزيها " ثم بكى رحمه الله وغفر له.
اللهم ياحي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام ، اللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله.
اللهم ياحي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام ، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول و عمل.
أقول هذا وأستغفر الله.

--------------------- الخطبة الثانية -----------------

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فلقد كان فقه السلف في هذا الباب عظيما، ها هو سفيان الثوري رحمه الله بكى ليلة إلى الصباح فلما أصبح قيل له: أكل هذا خوفا من الذنوب؟ فأخذ تبنة من الأرض وقال :" الذنوب أهون من هذه، وإنما أبكي من سوء الخاتمة "، وهذا من أعظم الفقه ، أن يخاف الرجل أن تخدعه ذنوبه عند الموت، فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنى.
قال بعض الحكماء:" إعلم أن الخاتمة السيئة - أعاذنا الله منها – لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه، ما سمع بهذا و لاعُلم به ولله الحمد، إنما تكون لمن له فساد في العقيدة، أو إصرار على الكبيرة وإقدام على العظائم، ولربما غلب ذلك عليه حتى نزل به الموت قبل التوبة، فيأخذه قبل إصلاح الطوية، فيظفر به الشيطان ويختطفه في تلك اللحظة والعياذ بالله ".
لما نزل الموت بسليمان التيمي وكان من العباد، قيل له: أبشر لقد كنت مجتهدا في طاعة الله ، فقال:" لا تقولوا هكذا فإني لا أدري ما يبدوا لي من الله عزوجل فإنه سبحانه يقول:? وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون? عملوا أعمالا كانوا يظنونها أنها حسنات فوجودها سيئات"، فاللهم احفظنا يا أرحم الراحمين.
إن دار الدنيا دار العمل والتزود من طاعة الله قبل الرحيل، فاليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل، والخروج من دار العمل إلى دار الحساب شديد، كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله :" الدخول في الدنيا هين ، ولكن الخروج منها شديد ".
فاستعدوا رحمكم الله بالعمل قبل أن يحال بينكم وبينه، فها هو القعقاع بن حكيم يقول:" قد استعددت للموت منذ ثلاثين سنة !، فلو آتاني ما أحببت تأخير شيء عن شيء ".
واحْتُضِر بعض الصالحين فبكت امرأته، فقال: ما يبكيك ؟ قالت: عليك أبكي، قال :" إن كنت باكية فابك على نفسك، فأما أنا فقد بكيَت على هذا اليوم منذ أربعين سنة" الله أكبر!!، إنه الا ستعداد للموت قبل الفوت، أين نحن من هؤلاء في الخوف من الله ، والحرص على الطاعات واجتناب المحرمات، تأمل بارك الله فيك في ساعة احتضارك وحلول الموت ببابك.
إن مشهد الاحتضار مؤثر مقلق حين تبلغ الروح الحلقوم ويقف صاحبها على باب عالَم آخر ومن حوله مكتوفوا الأيدي عاجزون لا يملكون له شيئا:? وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ماكنت منه تحيد? قد شلت قدمك ، ويبست يدك ، وشخص بصرك ، وخَرِصَ لسانك وهُدت أركانك.
فيا أيها العبد الحقير الذليل: إعلم أن من خاف الوعيد قصرعليه البعيد، ومن طال أمله قصرعمله، كل ماهوآت قريب، واعلم أن كل شيء يشغلك عن خالقك فهو مذموم ، و أن أهل الدنيا جميعا من أهل القبور، صغيرُهم، وكبيرُهم ،غنيهم، وفقيرهم، عما قليل إليها منتقلون وعما قدمت أيديهم مسؤولون، ﴿ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ﴾.
قال الأعمش: كنا نشهد الجنازة ولا ندري من المُعَزى فيها لكثرة الباكين وإنما كان بكاؤهم على أنفسهم لا على الميت.
زوروا القبور وتذكروا الجنة ونعيمها والنظر إلى وجه الرب جل جلاله، وتذكروا النار وما فيها من الأغلال والسلاسل والحديد والمقامع، وكيف يشرب أهلها شرابا من حميم يصهربه ما في بطونهم والجلود، عجبا!! عجبا!! لذاكر الموت كيف يلهو، ولخائف الفوت كيف يسهو، عجبا!! لمن يقدم على عل معصية الله ويضيع الصلوات ويجاهر الجبار بالمعاصي ، فاللهم احفظنا يا أرحم الراحمين.
عن صهيب ? أن رسول الله ? قال:« إذا دخل أهل الجنة الجنة ، و أهل النار النار، نادى مناد : يا أهل الجنة إن لكم عند ربكم موعدا يريد أن ينجزكموه ، فيقولون : و ما هو ؟ ألم يثقل موازيننا ، و يبيض وجوهنا ، و يدخلنا الجنة و ينجنا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب ، فينظرون إليه ، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه و لا أقر لأعينهم ».
اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم.
اللهم يا حي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك الجنة ونعيمها، ونعوذ بك من النار وعذابها.
اللهم يا حي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام، اللهم اختم لنا بالحسنى،اللهم اختم لنا بالحسنى.
اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم أعتق رقابنا من النار.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 20-12-2011, 11:41 AM
  #4
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

اب يوصي ابنه

الخطبة الاولى
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، والحمد لله على ما قدره بحكمته من دقيق الأمر وجله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.


فأوصيكم بتقوى الله سبحانه وتعالى.

اخوة الاسلام لنستمع إلى القرآن وهو يعرض علينا مشهداً من مشاهد الآباء مع الأبناء، مع لقمان الحكيم وهو يجلس مع ابنه جلسة روحية يوصيه فيها بأعظم وصية في الحياة، لقمان الحكيم يجلس ابنه أمامه، فلذة كبده وثمرة قلبه وفؤاده، ويوصيه وصية أب مشفق على ابنه، فاسمعوا إلى القرآن وهو يعرض علينا هذه الوصايا في إبداع عجيب، وروعة متناهية وأسلوب بديع يقول سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ [لقمان:12].
فمن هو لقمان – يا عباد الله –؟ إنه مولى من الموالي وعبد من العبيد وراع من رعاة الأغنام، وفقه الله بالحكمة ومجده بالتقوى وشرفه الله بالإيمان.
من عرف الله فلـم تغنـه معرفة الله فذاك الشقي
ما يصنع العبد بعز الغنى والعز كل العز للمتقي
آتى الله سبحانه وتعالى عبده لقمان الحكمة، وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ [البقرة:269].
ومما يؤثر من حكمته أن مولاه أمره بذبح شاة وأن يخرج له أطيب مضغتين فيها، فأخرج له اللسان والقلب، ثم أمره أن يخرج له أخبث مضغتين فيها، فأخرج له اللسان والقلب، فالتفت إليه متعجباً! فقال لقمان: ليس شيء هناك أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا.
ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى عبده لقمان بالشكر على هذه النعم التي أعطاها الله سبحانه وتعالى إياه، فقال سبحانه: وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ [لقمان:12].
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإلـه فإن الإلـه سـريع النقم
إخوة الإسلام:
استمعوا إلى وصايا لقمان لابنه وإلى آثار الحكمة التي أنعمها الله عليه، يقول سبحانه وتعالى: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]. انظروا إلى روعة الخطاب قال سبحانه: وَهُوَ يَعِظُهُ ما قال: يوبخه ولا يؤنبه ولا يزجره ولا يعنفه، ثم قال له: يٰبُنَىَّ يتلطف مع ابنه ويتحنن معه، وهذه من آداب الدعوة التي ينبغي أن يتحلى بها كل داعية إلى الله وكل ناصح إلى طريق الله فإن الله سبحانه وتعالى لما بعث موسى إلى فرعون الطاغية الذي ادعى الألوهية والربوبية مع الله ومع ذلك قال الله لموسى وأخيه هارون: ٱذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ [طه:43-44].
يٰبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]. بدأ لقمان يوصي ابنه بأعظم وصية وهي التوحيد الذي قامت عليه دعوة الأنبياء والمرسلين، وهي الوصية التي كان يعلمها الرسول لأصحابه وأتباعه من بعده، في مسند الإمام أحمد بسند صحيح أن الرسول ركب حماراً وأردف خلفه معاذا ، فقال الرسول لمعاذ: ((أتدري ما حق الله على العباد؟))، فقال معاذ: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله : ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً))، ثم قال الرسول لمعاذ: ((أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟))، فقال معاذ: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله : ((فإن حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك أن يدخلهم الجنة)).
قال ابن مسعود - كما في الصحيحين -: لما أنزل الله عز وجل: ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82] شق ذلك على أصحاب رسول الله فأتوا إليه ، قالوا: يا رسول الله وأينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ – وهم يعنون المعاصي – فقال : ((ليس ذلك المراد، إن المراد الشرك، أما سمعتم قول العبد الصالح لقمان: إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )).
فهل آن للآباء أن يجلسوا مع أبنائهم ويوصونهم بتوحيد الخالق جل في علاه، ويقولوا لهم: لا تشركوا بالله ولا تكفروا بالله ولا تجحدوا نعم الله، ولا تكفروا بآلاء الله ولا تراؤوا بأعمالكم غير الله، إنها والله أعظم وصية في تاريخ الإنسان وأكبر موعظة في تاريخ البشرية.
ثم يفصل الله سبحانه وتعالى وصايا لقمان بوصية من عنده فيقول: وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ بِوٰلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ إِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ [لقمان:14]. فقرن الله حقه بحق الوالدين، وقرن شكره بشكر الوالدين، فـ((رِضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين)) كما صح ذلك عن الصادق المصدوق محمد .
لا إله إلا الله، ما للوالدين من حقوق، ولا إله إلا الله ما للوالدين من واجبات، فعن ابن عباس ما: ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث، لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها: إحداهما قول الله تعالى: وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ [التغابن:12]، فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه، الثانية قوله تعالى: وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ [المزمل:20]، فمن صلى ولم يزكِّ لم يقبل منه، والثالثة قوله تعالى: أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ [لقمان:14]، فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه.
وبدأ الله سبحانه وتعالى في الآية بحق الأم، لأن لها ثلاثة أرباع الحق، فقد جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أبوك)).
ذكر أن أبا الأسود الدؤلي تخاصم مع زوجته إلى القاضي على غلام لهما، أيهما أحق بحضانته؟ فقالت الأم للقاضي: أنا أحق به حملته مشقة، وحملته تسعة أشهر، ثم وضعته، ثم أرضعته، فقال أبو الأسود للقاضي: حملتُه قبل أن تحمِلَه، ووضعتُه قبل أن تضَعَه، فإن كان لها بعض الحق فلي الحق كله أو جله، فقالت المرأة: إن كنت حملتَه خفاً فقد حملتُه ثقلاً، ولئن وضعتَه شهوة فقد وضعتُه كرهاً، فنظر القاضي إلى أبي الأسود وقال له: ادفع إلى المرأة غلامها ودعنا من سجعك.
وهاهو ابن عمر يرى في طوافه وهو يطوف بالبيت الحرام رجلا وقد أركب أمه على ظهره وأتى بها حاجاً إلى بيت الله، فيلتفت الرجل إلى ابن عمر ويقول له: يا ابن عمر أتراني قد أوفيت حقها؟ فقال له ابن عمر: والله ما أوفيتها ولا طلقة من طلقات ولادتها.
وفي الصحيحين عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: أتى رجل أبا الدرداء فقال له: إني تزوجت ابنة عمي، وهي أحب الناس إلي، وأمي تكرهها وأمرتني بفراقها وطلاقها، فقال له أبو الدرداء: لا آمرك بفراقها ولا آمرك بإمساكها، إنما أخبرك بما سمعته من رسول الله ، لقد سمعته يقول: ((الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فضيع ذلك الباب أو احفظه)).
فالله الله – يا عباد الله - في بر الوالدين، بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله، يسأل : أي العمل أفضل؟ فيقول : ((الصلاة لوقتها))، قيل: ثم أي؟ قال: ((بر الوالدين))، قيل: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله)).
يأتي رجل إلى رسول الله فيقول: يا رسول الله إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، فقال : ((هل بقي من والديك أحد؟)) قال: نعم أمي، فقال له : ((قابل الله في برها، فإن فعلت فأنت حاج ومعتمر ومجاهد)).
ويأتيه رجل من اليمن يبايعه على الجهاد والهجرة، ويخبره بأنه أبكى والديه بهجرته، فيقول الرسول : ((ارجع إليهما ففيهما فجاهد))، وفي رواية: ((ارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما)).
ويأتيه جاهمة يستأذنه في الجهاد فقال له الرسول: ((أحيّ والدتك؟)) قال: نعم، قال: ((الزمها فإن الجنة عند رجليها)).
ولذلك كان أحد السلف يقبل كل يوم قدم أمه فأبطأ يوماً على أصحابه فسألوه، فقال: كنت أتمرغ في رياض الجنة تحت قدمي أمي، فقد بلغني أن الجنة تحت قدميها.
ولما ماتت أم إياس القاضي المشهور بكى عليها فقيل له: ما بك؟ قال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة فأغلق أحدهما.
فالله الله في بر الوالدين، الله الله في بر الوالدين، من أراد السعادة في الدنيا والنعيم في الآخرة فعليه ببر الوالدين، من أراد تفريج الهموم والكروب وتيسير الأمور فعليه ببر الوالدين، من أراد الرزق وطول العمر فعليه ببر الوالدين، صح عنه أنه قال: ((من أراد أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليبر والديه وليصل رحمه)).
إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى :
روي عن الصادق المصدوق محمد أنه قال: ((إذا ظهر في أمة محمد أربع عشرة خصلة فانتظروا ريحاً حمراء وزلزلة وخسفاً ومسخاً وقذفاً وآيات تتابع كنظام قطع سلكه، ومن هذه الخصال: إذا أطاع الرجل زوجته، وعقّ أمه، وأدنى صديقه، وأبعد أباه)).
وعند الطبراني من حديث أبي ذر : ((يأتي زمان لأن يربي أحدكم كلباً خير له من أن يربي ولداً)). ونعوذ بالله أن يكون هذا زماننا.
عقوق الوالدين من أكبر الكبائر – يا عباد الله – عاق الوالدين ملعون، عاق الوالدين حرام عليه الجنة، عاق الوالدين دعا عليه أفضل أهل السماء وأمّن على هذه الدعوة أفضل أهل الأرض، صعد المنبر فلما رقى الدرجة الأولى قال: ((آمين))، ثم رقى الثانية فقال: ((آمين))، ثم رقى الثالثة فقال: ((آمين))، فلما نزل سأله الصحابة عن ذلك، فقال: ((لما كنت في الدرجة الأولى عرض علي جبريل وقال: يا محمد رغم أنف من أدرك أحد أبويه أو كليهما فلم يدخلاه الجنة قل: آمين، فقلت: آمين)).
إلى الله المشتكى مما وصل إليه الحال من عقوق الوالدين، لقد وجد في مجتمعنا أبناءٌ قلوبهم أشد قسوة من قلوب اليهود والنصارى، وجد من سب أباه ومن شتم أباه ومن استهزأ وتنقّص أباه، ووجد من تعير بأبيه وأمه وظن أنهما لا يتناسبان مع مكانته ومركزه، ووجد من فضل زوجته على أبيه وأمه، هذا رجل يذهب هو وزوجته وأمه إلى سوق الذهب وأم الرجل تحمل ابنه على كتفها، فيدخل الرجل وزوجته إلى محل صائغ الذهب، فيشتري الرجل لزوجته ذهباً بما يساوي 600 ألف ريال، وتأخذ الأم خاتماً بما يساوي ألفين وخمسمائة ريال، ويأتي الرجل فيحاسب عن الذهب الذي اشترته زوجته فيقول له البائع: بقي عليك ألفان وخمسمائة ريال قيمة الخاتم الذي أخذته هذه المرأة، فيغضب الابن غضباً شديداً ويقول: هذه العجوز لا تحتاج إلى ذهب، فتنفجر الأم باكية وتعود إلى السيارة وهي حاملة لابن ابنها ولسان حالها يقول: إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى ٱللَّهِ [يوسف:86]، ويرجع الزوج إلى السيارة وإذا بالزوجة تؤنبه وتوبخه وتأمره أن يشتري لأمه الخاتم ولسان حالها يقول: من يحمل لنا هذا الطفل إذا لم تشتر لها هذا الخاتم، يأتمر الرجل بأمر زوجته ويذهب لشراء الخاتم ويعطيه لأمه، فتلقيه الأم في الشارع وتقول: والله لا ألبس ذهباً في حياتي، حسبي الله ونعم الوكيل.
هذه أحداث ثابتة وواقعة والله ليست أساطير تروى، ولا حكايات تتلى، وعشرات مثلها في البيوت، ونعوذ بالله من العقوق والعاقين.
فنسأله تعالى أن يجعلنا من عباده البارين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.







الخطبة الثانية
فيا أيها العاق لوالديه، اتق الله واحذر دعوة من والديك قد تصادف ساعة إجابة، فتكون سهماً صائباً يرديك ويشقيك في الدنيا والآخرة، أذكر أن أباً كان له ابن اسمه منازل، وكان هذا الابن عاقاً بأبيه ولكن الأب الصالح دائما ما يذكره بالله، وكلما ذكره بالله زاد نفوره وعقوقه، وفي ذات يوم ألح عليه في التذكير فما كان من الابن إلا أن ضرب أباه، وما كان من الأب إلا أن شد الرحال إلى بيت الله الحرام وتعلق في أستار الكعبة، ودعا الله على ذلك الابن العاق، فوالله ما أتم الأب دعاءه إلا وقد شلت يمينه أشل يد ذلك الابن لدعاء أبيه عليه، فدعوة الأب على ابنه مستجابة.
وهذه حادثة وقعت في زماننا: أب كان له ابن يعمل في مزرعته، وأراد الابن أن يسافر للعمل ويترك أباه فاستأذن الابن أباه في السفر، فلم يأذن الأب وحاول الابن مع أبيه مرات ومرات ولكن الأب يرفض، فقال الابن: سوف أذهب وأسافر رضيت أم أبيت، وسافر الابن وعصى أباه، فما كان من الأب الصالح إلا أن توجه بيده إلى السماء وقال: اللهم أرني فيه ما يكره، فوالله ما وصل إلى نصف الطريق إلا وقد عميت عيناه، فرجع إلى أبيه وهو أعمى، فقال له الأب: هل وجدت السهم؟ قال: الابن إي والله، فحزن الأب على ابنه حزناً شديداً، وتأثر عليه تأثراً بالغاً، ونام ليلته تلك ساجداً راكعاً بين يدي الله سبحانه وتعالى يدعو الله بشفاء ابنه ويلحس عيني ابنه بلسانه، فوالله ما قام لصلاة الفجر إلا وقد رد الله بصر ابنه.
أيها العاق لوالديه، اتق الله وترقب عقوبة عاجلة، فكل الذنوب قد يؤخرها الله عز وجل إلى الآخرة إلا العقوق، فعقوبته معجلة في الدنيا قبل الآخرة.
ذكر العلماء أن رجلاً كان عنده والد كبير، امتدت به الحياة حتى تأفف من خدمته والقيام على شؤونه، فأخذه في يوم من الأيام على دابة وخرج به إلى الصحراء، فلما وصل بوالده إلى صخرة هناك أنزله فقال: يا بني ماذا تريد أن تفعل بي هاهنا؟ فقال الابن العاق: أريد أن أقتلك، أريد أن أذبحك، فقال له الأب: أهذا جزاء الإحسان يا بني فقال الابن العاق: لقد أتعبتني في حياتي ولا بد أن أذبحك، فقال له الأب: إن أبيت إلا أن تذبحني فاذبحني عند تلك الصخرة، قال: ولم يا أبت ما ضرك أن أذبحك عند هذه أو تلك؟ قال: يا بني لقد كنت عاقاً بوالدي وذبحته عند تلك الصخرة، فإن كان الجزاء من جنس العمل فاذبحني عند تلك الصخرة، والله يا بني مثلها.
حصادك يوماً ما زرعت وإنما يدان الفتى يوماً كما هو دائن
فيا أيها الأبناء اتقوا الله في آباءكم بروا آباءكم، أطيعوا آباءكم، وإياكم والعقوق، فالتوبة التوبة، لا نخرج من المسجد إلا وقد عاهدنا الله عز وجل بطاعة الوالدين وبرهما والتوبة عن كل تقصير تجاههما، فإن لم يكونوا موجودين فلندع لهما ولنتصدق عليهما، ولنصل صديقهما فإن ذلك من برهما، وأنتم يا أيها الآباء أعينوا أبناءكم على الطاعة والبر، وادعوا لهم بالهداية والتوفيق، وإياكم من الدعاء عليهم فقد تصادف الدعوة ساعة إجابة فتندمون على ذلك يوم لا ينفع الندم.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، وكن كما شئت فكما تدين تدان.
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 27-12-2011, 10:55 AM
  #5
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

قصة من كتاب الله ودروس

الحمد لله عالم السر والنجوى، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور؛ أحمده، وأشكره، وأتوب إليه، وأستغفره. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

عباد الله اوصيكم ونفسي بتقوى الله عزوجل

ثم أما بعد: فيقول المولى سبحانه: وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَىْ ءادَمَ بِٱلْحَقّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَـٰناً فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنّى أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ إِنّى أُرِيدُ أَن تَبُوء بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء ٱلظَّـٰلِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِى ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَـٰوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِى فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ [المائدة:27-31].

إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى محمد رسول الله :

مع قصة من قصص القرآن نعيش اليوم لنأخذ منها دروساً وعبراً، لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ [يوسف:111].

يقول سبحانه وتعالى: وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَىْ ءادَمَ بِٱلْحَقّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَـٰناً فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ [المائدة:27].

وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَىْ ءادَمَ بِٱلْحَقّ أي اقصص عليهم هذا النبأ العظيم وهذا الخبر العجيب بالحق كما كان وكما حصل وكما حدث بلا زيادة أو نقصان.

قال أهل التفسير: "لما هبط آدم وحواء إلى الأرض بدأ التناسل والتكاثر، وولدت حواء عشرين بطناً كانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى، فكان أول أولادهما قابيل وأخته ثم هابيل وأخته، وكان من شريعة آدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال، ولكن لا يجوز للأخ أن يتزوج بأخته التوأم ولكن يتزوج بأي أخت من أخواته غير التوأم التي لم تكن معه في نفس البطن، وكانت أخت قابيل جميلة وأخت هابيل دميمة، فطلب هابيل أن يتزوج أخت قابيل الجميلة – كما شرع الله – ولكن قابيل رفض وقال: أنا أحق بأختي مع أن هذا حرام في شريعة آدم عليه السلام.

وكان قابيل في طبعه خشونة وشدة، وأما هابيل فكان فيه ليونة ورقة، وكان قابيل يعمل في الزراعة، وأما هابيل فكان يعمل ويرعى الأغنام، وكان من شريعة آدم عليه السلام تقديم القرابين، والقربان هدية تهدى لله سبحانه وتعالى كهدي الحج، وكانت علامة قبول القربان أن تأتي نار فتأكل هذا القربان، وإذا لم تأكل النار هذا القربان فهذا علامة على عدم قبول هذا القربان، فقدم هابيل كبشاً وكان من أفضل المواشي عنده، وأما قابيل فجاء بزرع نتن غير صالح للأكل فقدمه قرباناً، فلما جاءا في اليوم التالي وجدوا أن قربان هابيل قد قبل وأكلته النار وأما قربان قابيل لم يتقبل بقي كما هو لم تأكله النار، فزاد حسده على أخيه وزاد حنقه وحقده وغضبه، وما كان من قابيل إلا أن قال لأخيه هابيل: أينظر الناس إليّ وأنت خير مني لا والله لأقتلنك، فقال له أخوه مع أنه كان أقوى من أخيه وقادرا على التغلب عليه، ولكن منعه الخوف من الله، يقول عبد الله بن عمرو قال هابيل: وما ذنبي أنا إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ [المائدة:27]، وسوس الشيطان لقابيل أن يقتل أخاه، وزين له ذلك ولم يكن القتل معروفاً ولم تحدث أي جريمة قتل قبل ذلك قال قابيل لأخيه هابيل: لأَقْتُلَنَّكَ فما كان من أخيه هابيل إلا أن ذكره بالله عز وجل وقال له: لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنّى أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ [المائدة:28]. يعني لن أدافع عن نفسي ولن أقاوم ولن أعاملك بالمثل ولكن أذكرك الله رب العالمين، ولكن لم ينفع ذلك فأخذ هابيل يخوفه عذاب الله وانتقل من الترغيب إلى الترهيب وقال له: إِنّى أُرِيدُ أَن تَبُوء بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء ٱلظَّـٰلِمِينَ [المائدة:29]. يعني لا تقتلني فإن فعلت ذلك فسوف تبوء بإثمي وإثمك، يعني سوف تحمل إثم قتلي فوق آثامك الماضية، وتكون من أصحاب النار عياذاً بالله. ولكن لم ينفع الترغيب ولا الترهيب لأن الشيطان قد استحوذ عليه، وأيم الله إن كان أشد الرجلين ولكن منعه الورع.

وملأ قلبه حسداً وحقداً على أخيه، فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ [المائدة:30]. حصلت الجريمة أول جريمة قتل في تاريخ الإنسانية سببها الحسد، فكان الحسد أول معصية يعصى بها الله سبحانه وتعالى في الأرض.

في ليلة سوداء بينما كان هابيل نائماً جاء قابيل بصخرة فهشم بها رأس أخيه فقتله، وكانت الجريمة.

احتار قابيل في جثة أخيه ماذا يعمل بها؟ كيف يستر جريمته فقد كانت أول جثة ولا يعرف ماذا يفعل؟ ما كان منه إلا أن حمل هذه الجثة على ظهره وأخذ يمشي بها في الأرض، وبينما هو كذلك إذ أنزل الله غرابين أخوين فتقاتلا وقتل أحدهما الآخر، ومات الغراب أمام نظر قابيل، ثم إن الغراب الحي بدأ يحفر التراب ثم دفع بجثة الغراب الميت وحثا عليه التراب، فتعلم قابيل من الغراب كيف يدفن أخاه، فحفر في الأرض، ووضع أخاه في الحفرة ثم حثا عليه التراب، وأصبح نادماً على ما فعل، ولكنه ما استغفر وما تاب وما أناب، وهذا قوله تعالى: فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِى ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَـٰوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِى فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ [المائدة:31].

أول هذه الدروس: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، يقول : ((لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل))، ولذلك يقول سبحانه وتعالى بعد هذه الآيات: مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ أي من أجل قتل قابيل لأخيه هابيل: مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً [المائدة:32].

الدرس الثاني: شناعة هذه الجريمة – جريمة القتل – وعظيم عقوبتها عند الله، فهي أعظم معصية عصي بها الله تعالى بعد الإشراك بالله تعالى يقول سبحانه وتعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93]. وفي الحديث الصحيح يقول : ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)) وفي الحديث أيضاً يقول : ((ما من فعل أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم)).

وقد اجتمع هذان الأمران – البغي وقطيعة الرحم – في قابيل أجارنا الله جميعاً وصرف عنا أسباب غضبه ومقته.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل رسله وخاتم أنبيائه محمدٍ الصادق الأمين، المبعوث إلى الأحمر والأسودِ وعلى من تبعهم بإحسان من الأئمة والهداة والدعاة والأتقياء والصالحين، وعلى كلِ من سلك سبيلهم إلى يوم الدين. وسلم تسليماً كثيراً.


أما بعد:

فالدرس الثالث في قصة ابني آدم عليه السلام أن الحسد مركوز في فطر الناس، قال الحسن رحمه الله: ما خلا جسد من حسد، ولكن المؤمن يدفعه، ويعتقد أن الحسد من أكبر الخطايا والذنوب وأنه من أقبح السيئات، وأنه يأكل الحسنات، وأنه ينحل الجسم، وأنه يذهب بالتقوى والورع، وأنه يغضب الرب على العبد.

أتدري على من أسأت الأدب
لأنك لم ترض لي ما وهب



ألا قل لمن بات لي حاسداً
أسأت على الله سبحانه




من حسد فقد أساء الأدب مع الله، وقد اعترض على القضاء والقدر، وقد ضيع نفسه وكره فضل ربه على الناس أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ [النساء:54]. فالحسد مقيت وهو أول ما عصي به الله في الأرض – كما عرفنا – نعوذ بالله منه.

واجب الحاسد أن يتوب إلى الله، وأن يراجع حسابه مع الله، وأن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يحسن إلى المحسود، وأن يهدي له، وأن يدعو له، وأن يعلم أنه ارتكب خطيئة ما أعظمها من خطيئة.

الدرس الرابع: أن المحن تقع بين الإخوة إذا فضل بعضهم على بعض، فمن حسن التربية أن يساووا في كل شيء في الحب والعطاء والتكاليف، وفي كل شيء، فلا يقدم أحدهم على الآخر، ولو كان مطيعاً ولو كان باراً، فلا ينبغي أن يفضل على إخوانه، يقول النعمان بن بشير ما: ذهب بي أبي إلى رسول الله وقد ميزني بشيء من القسمة فقال : ((أفعلت هذا بولدك كلهم؟)) قال: لا يا رسول الله، قال: ((فلا تشهدني إذاً، فإني لا أشهد على جور)) يعني على ظلم، أو قال: ((فأشهد على هذا غيري)). فنهى أن يقدم ويفضل أحد الأبناء على الآخرين لأن هذا يؤدي إلى المكيدة والعداوة بين الأبناء أعاذنا الله جميعاً.

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-01-2012, 11:29 PM
  #6
مقبل السحيمي
..:: كاتب مبدع ::..
مشرف
مجالس الإسلام والحياة
 الصورة الرمزية مقبل السحيمي
تاريخ التسجيل: Aug 2007
الدولة: ؟؟؟
المشاركات: 6,432
مقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond reputeمقبل السحيمي has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

جزاك الله خير شيخنا
مقبل السحيمي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-01-2012, 11:23 AM
  #7
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

شكر الله شيخنا وحبيبنا زمشرفنا الغالي ابو حمود


فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا

الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مغيث المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين، وجابر كسر المنكسرين، ورافع البلاء عن المستغفرين، لا إله إلا الله مجيب الدعوات، وغافر الزلات، وفارج الكربات، ومنزل البركات، وواهب الخيرات، سبحانه من إله كريم، ورب رحيم، عمّ بفضله وكرمه جميع المخلوقات، لا إله إلا الله الولي الحميد، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، سبحان من يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويصل ويقطع، {إِنَّ رَبّى عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [هود:56]. اللهم لك الحمد كله، ولك الشكر كله، وإليك يرجع الأمر كله، علانيته وسره، فأهلٌ أنت أن تُحمَد، وأهلٌ أنت أن تُعبد، وأنت على كل شيء قدير. لك الحمد كل الحمد لا مبدأٌ له ولا منتهى والله بالحمد أعلم. وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: أيها المؤمنون، إنّ الله تعالى أوجب على عباده تكاليف الدين، وحثهم على لزومها والاستقامة عليها، وحرَّم عليهم المحرمات، ونهاهم عن اقتراف السيئات، وحذرهم من السقوط فيها، وإن الله العليم الحليم الرحيم علِم بضعف الإنسان وتقصيره وخطئه وتحكُّم هواه وشيطانه فيه، فشرع له الاستغفار محوا لما يقع فيه من ذنوب وأوزار، وتطهيرا لما يدنس روحه من أكدار، وردََّا لما يمكن أن يلحقه بسبب ذلك من مصائب وعقوبات وأضرار، فرغّب الله سبحانه عباده في الاستغفار ليتخلّصوا من ذنوبهم، ويسلَموا من تبعاتها في الدنيا والآخرة، وحتى لا يهْلكوا بسببها رحمة منه وامتنانًا وتفضلاً وإنعامًا وإحسانًا، فقال جل شأنه: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المزمل:20]، وقال: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر:49]. وشوَّق إلى واسع رحمته وحذَّر من القنوط منها فقال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

والله عز وجل أرسل رُسله جميعا إلى أقوامهم ليذكِّروهم برحمة ربهم وغفرانه، فأمروهم بالتوبة والوقوف بباب الاستغفار بين يدي ربهم متضرعين سائلين باكين، وشوقوهم في عفوه وحلمه، وأخبروهم بأن رحمته سبقت غضبه، وأن حلمه سبق انتقامه، وأنه جل وتعالى يغفر الذنوب ولا يبالي، ولو بلغت مكان السُّحب العوالي، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: ((يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنَان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة)) رواه الترمذي عن أنس وقال: "حسن غريب". الله الله، ما أوسع رحمة الله، وما أشمل وأكمل وأجمل غفران الله.

ومن دلائل رحمة الله بالمذنب وإحسانه إليه ما نطق به فم رسول الله عندما قال: ((ما من مسلم يعمل ذنبا إلا وقف الملك ثلاث ساعات، فإن استغفر من ذنبه لم يكتبه عليه ولم يعذبه به الله يوم القيامة)) رواه الحاكم عن أم عصمة العوصية وقال: "صحيح الإسناد".

فما هذا الاستغفار الذي رغبنا المولى عز وتعالى فيه؟ وكيف يكون؟

أيها المؤمنون، الاستغفار هو طلب المغفرة والصفح، وهو دليل حساسية القلب وانتفاض شعوره بالإثم ورغبته في التوبة والإقالة من الذنب وعدم المؤاخذة عليه لنيل الرحمة الربانية في الدنيا والآخرة.

أما كيف يكون فلقد بين ذلك لنا أمير المؤمنين علي حينما قال رجل بحضرته: أستغفر الله، فقال له : ثكلتك أمك! ألا تدري ما الاستغفار؟ إن الاستغفار اسم واقع على خمسة معان: أولها الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك العودة إليه أبدا، والثالث أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله وليس عليك تبعة، والرابع أن تعمِد إلى اللحم الذي نبت من السحت فتذيبه بالأحزان حتى تُلصِق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد، والخامس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول: أستغفر الله.

والاستغفار ينبغي أن يكون بتذلل وتضرع وانكسار وخضوع وافتقار، وبعيون دامعة وقلوب خاشعة ونفوس إلى رحمة ربها وصفحه وفضله طامعة, وينبغي أن يكون معه حرارة الابتهال والصدق في السؤال والتضرع في الحال والشعور بالفقر إلى المغفرة في الاستقبال. ويستحب أن يكون متواصلا بالليل والنهار، وبالأخص في الأسحار، حينما ينزل الله جل جلاله بعظمته وعزته ورحمته إلى السماء الدنيا، وينادي عباده بنداء لطيف لنيل مصالحهم وغفران زلاتهم وقضاء حاجاتهم،

يقول الرسول صلوات ربي وسلامه عليه : ((ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخرُ، فيقول: من يدعوني فأستجيبَ له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفرَ له)) أخرجه البخاري عن أبي هريرة.

وعلى المؤمن أن يستغفر بالصيغ الواردة في القرآن والمأثورة عن خير الأنبياء؛ فهي أنصح بيانًا وأرجح ميزانًا وأجمع للمعاني وأروع في المباني وأعظم تأثيرًا في القلوب. على أن في الاستغفار والدعاء بالمأثور أجرين: أجر الدعاء والاستغفار، وأجر الاتباع والاقتداء. ولا حرج عليه فيما يلهمه الله ويفتح له من صيغ وابتهالات، وعليه بسيد الاستغفار كما قال النبي الكريم :
((سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) رواه البخاري عن شداد بن أوس.

والله تبارك وتعالى رغب عباده في الاستغفار لما له من فوائد عظيمة ومنافع جسيمة، وأول هذه المنافع أن المستغفر يُقر بصفة الله تعالى الغفار، ويردد اسمه تعالى ويلهج به، ويتعبد له بهذه العبادة العظيمة التي يجب توفرها في عباد الله المستحقين للاستخلاف في الأرض, ويحقق ـ أي: الاستغفار ـ للمؤمن الثقة بالله وبلطفه بعباده الضعفاء، فإذا كان الدعاء مخّ العبادة فالاستغفار جوهرها, وهو دعاء واستمداد، وهو استجابة لله وتنفيذ لأمره وذكر له وصلح معه وتقرب إليه وخضوع تام له واعتراف بعجز العبد وقدرة مولاه.

أيها المؤمنون، بالاستغفار يُقال المذنب من ذنبه ويسلَم من المؤاخذة عليه، قال الرسول المُوجّه الكريم : ((من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيوم وأتوب إليه غُفر له وإن كان فر من الزحف)) رواه أبو داود والترمذي.

وبه تمحى السيئات وتبدّل إلى حسنات، وتنزل الرحمات، وتُدفع الآفات، وتفتح أبواب السموات، وبه تفرَّج الكروب، وتتطهر القلوب، وترتبط بعلام الغيوب،
وتُكشف الهموم، وتزول الغموم, وتحصل البركة في المال، وتُحقَّق الآمال،
قال الرسول عليه صلوات الله وتسليماته: ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ هم فرجا، ومن كل ضِيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)) أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم عن ابن عباس.
وبه تكثر الأرزاق وتزداد النعم حتى لا يدري المستغفر مصدرها، ولا الوجهة التي أتت منها.

ولقد أمر الله هذه الأمة بالاستغفار والتوبة, ووعدهم بأن يمتِّعهم متاعًا حسنًا من إغداق في النعم والطيبات وسَعة في العيش وتمتع بالأموال وصلاح في البنين والأهل إن سمعوا وأطاعوا, وتوعدهم بعذاب كبير في الدنيا والآخرة إن خالفوا وعصوا،
فقال الله جل شأنه: أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ [هود:2، 3].

ومن فوائده أنه يدفع العقوبة عن صاحبه ويمنع نزول المصائب به, ويحول دون حلول الكوارث والأزمات والنكبات، ويرفع العقوبات النازلة بالإنسان،
كالقحط والطوفان والجوع والأوبئة المهلكة، ويحقق الأمن النفسي والاجتماعي، يقول الرسول : ((أنزل الله عليَّ أمانين لأمتي: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33], فإذا مضَيْت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة)) رواه الترمذي عن أبي موسى عن أبيه.

الاستغفار دواء وعلاج، وملاذ المضطر وباب الفوز برضا الله، وأساس الوقاية من غضبه، وهو سبب فرح العبد وحبوره يوم لقاء الله، يوم يجد صحيفته مملوءة بالاستغفار،
يقول الرسول الكريم : ((من أحب أن تَسُره صحيفتُه فليكثر فيها من الاستغفار)) أخرجه البيهقي بإسناد حسن عن الزبير. فالمكثر من الاستغفار يُبعث طاهرًا نقيًا فرحًا مسرورًا لا ذنب يؤاخذ عليه، ويزداد فرحًا وحبورًا عندما يقبض صحيفته بيمينه ويجدها ممتلئة بالاستغفار.

عباد الله، ومن فوائد الاستغفار المهمة والتي نحتاج إليها أشد الاحتياج في هذه الأيام بالذات
نعمة هطول المطر ونزول الماء قطرات وهبوط الغيث النافع، يقول الله تعالى على لسان سيدنا نوح لمَّا أجدب قومه: فقلت اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12]،
وقال سيدنا هود لقومه: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود:52]، وقال سيدنا صالح لقومه: لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النمل:46].
ولقد أمر الله رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام بالاستغفار فاستغفر وأكثر، وأمر أمته به.

الله أكبر، إنها وصايا نبوية غالية اتفقت في مجموعها على الاستغفار لما له من أثر في حصول المنافع ودفع الآفات والفواجع، ولما له من أسباب في حصول البركات وحلول الهبات وكشف الكربات.

إن نبي الله نوحا عليه السلام أمر قومه بالاستغفار ليحرك عواطفهم، وليهز مشاعرهم، وليجدد الإيمان في قلوبهم، وليُظهر لهم أن ما أصابهم من انحباس الأمطار وضيق الأرزاق وحرمان الذرية وفقد سبل العيش الكريم مردُّه أولا إلى جفاف القلوب من الإيمان وخلو الأفئدة من الخوف والتفكر والاعتبار؛ لأن جفاف القلوب والعقول أضر من جفاف الحقول، بل هو سبب كل ذلك.

أيها المسلمون الكرام، لقد اتفقت كل وصايا الأنبياء على الاستغفار؛ لأنهم عليهم السلام بدؤوا إصلاح أوضاع أممهم من القلوب، ولأنهم أرادوا أن يزرعوا الربانية في أفئدة أقوامهم، فتعطيهم قوة داخلية معنوية روحية تزرع الإيمان فيهم، فتُحرك جوارحهم بالعمل الصالح، فتتحول هذه القوة المعنوية إلى قوة مادية محسوسة.

روي أن عمر بن الخطاب استسقى يوما فلم يزد على الاستغفار، فقالوا له: ما رأيناك زدت على الاستغفار!
فقال: طلبت الغيث بمفاتيح السماء، ثم قرأ قول الله تعالى: وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [هود:3]. فعمر الملهم نطق بعين الصواب، وطلب الغيث بأعظم الأسباب، لأنه ربما رأى القلوب قد غطتها الذنوب وغلفتها، فلم يرى بُدا من المصالحة مع الله لكي تصبح القلوب وثيقة الصلة بخالقها ومربوطة به حتى يقبل منها الدعاء.

وحدث مرة أن أحد الفلاحين الصالحين لم يجد سبيلا لري أرضه التي جف ماؤها، حتى كاد الزرع يصبح هشيما، وجلس في وسطها وقال: اللهم إنك قلت وقولك الحق: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [نوح:10، 11]، وها أنا ذا ـ يا رب ـ أستغفرك راجيا أن تُفيض علينا من رحمتك، ثم طفق في الاستغفار في همة وثقة بوعد الله، فلم تمض إلا ساعات حتى تلبدت السماء بالغيوم ونزل المطر فياضا مدرارا.

أيها المؤمنون، جاء رجل إلى الحسن البصري فقال له: إن السماء لم تمطر، فقال له الحسن: استغفر الله، ثم جاءه آخر فقال: أشكو الفقر، فقال له: استغفِر الله، ثم جاءه ثالث فقال: امرأتي عاقر لا تلد، فقال له: استغفر الله، ثم جاءه بعد ذلك من قال له: أجدبت الأرض فلم تنبت، فقال له: استغفر الله، ثم جاءه بعد ذلك من قال له: جفَّ الماء من الأرض، فقال: استغفر الله، فقال الحاضرون للحسن: عجبنا لك، أوَكلما جاءك شاكٍ قلت له: استغفر الله؟!
فقال لهم: أوَما قرأتم قول الله من سورة نوح: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12]؟!


الخطبة الثانية

الحمد لله الواحدِ الأحد، الفرد الصمَد، الذي لم يلِد ولم يولَد، ولم يكن له كفوًا أحد، تفرّد بالخلق والتدبير، وتعالى عن الشبيه والنظير، فاستحقَّ وحدَه أن يُعبد، أحمده تعالى وأشكره، خلقنا ورزقنا وكفانا وآوانا، وهدانا للإسلام، واختصَّنا ببعثةِ سيّد الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن لربِّه تعبَّد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، جعل الإسلامَ طريق الجنّة الأوحَد، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، من أطاعه فقد اهتدى ورشد، ومن عصاه فلن يضرَّ إلا نفسه، ولن يضرَّ الله شيئًا.

أما بعد: أيها المسلمون، إن الاستغفار سنة الأنبياء والمرسلين، وطريق ووسيلة الأولياء والصالحين، يلجؤون إليه في كل وقت وحين، في السراء والضراء، به يتضرعون وبه يتقربون، وبه يرتقون في مدارج القرب عند الله، به ينوِّرون قلوبهم وينيرون قبورهم، وبه يصححون سيرهم إلى الله، وبه يُنصرون ويُمطرون ويرزقون ويغاثون ويرحمون،
فأبونا آدم وأمنا حواء عليما السلام لما أذنبا وعاتبهما ربهما أحسَّا بخطئهما التجآ إلى ربهما متضرعين مستغفرين نادمين مسترحمين، فكان مما قالا: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23].

وقال سيدنا نوح عليه السلام: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [نوح:28]، وقال: وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ [هود:47].
وقال موسى عليه السلام لما قتل رجلا من الأقباط: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [القصص:16]. وقال شعيب لقومه: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود:90].
وقال سيدنا صالح لقومه بعد أن أمرهم بعبادة الله: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود:61].
وحكى الله عن سيدنا داود لما تسَرَّع في الحكم بين الخصمين ولم يتريث في ذلك، فأحس بخطئه: فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [ص:24].
وهذا ابنه سليمان قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [ص:35].
وهذا إبراهيم عليه السلام كان يستغفر لنفسه ولأبيه رغم ضلاله، وبقي كذلك حتى تيقن أنه عدو الله فتبرأ منه، وكان يستغفر لكل مؤمن سابق ولاحق، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [إبراهيم:41].

وهذا خيرتهم وخاتمهم محمد قال له ربه: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19]، وقال له: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3].
وروى الإمام أحمد أن ابن عمر قال: إنا كنا لنعُدُّ لرسول الله في المجلس الواحد مائة مرة يقول: ((رب اغفر وتب علي إنك أنت التواب الرحيم)).
كان رسول الله وهو المعصوم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله، وعلى قدر منزلته عند الله يستغفر ويكثر، وهو الذي قال: ((والله، إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)) رواه البخاري.

فحاجة الإنسان إلى الاستغفار حاجة أساسية ضرورية قبل كل شيء؛ لأن الإنسان يلازمه التقصير في كل طاعة، ويصدر منه الخطأ كل ساعة،

يقول الرسول الكريم في الحديث القدسي يرويه عن ربنا جلا وعلا: ((يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم)) رواه مسلم عن أبي ذر.
وحاجتنا نحن اليوم للتوبة والاستغفار أكثر من أي وقت مضى؛ لأن وقتنا هذا امتلأ بالمغريات والذنوب، وكثرت أسباب المعاصي في البيت والشارع والعمل، وقست بسبب ذلك القلوب وعلاها الران، وانطمست البصائر والأبصار، فأصبح لزاما على المؤمنين لزوم هذه العبادة العظيمة وتجديدها حينا بعد حين، واللوذ بهذا الركن الركين، اقتداء بالرسل الكرام صفوةِ خلق الله، وبرسولنا الأواه وأصحابه والتابعين الذين وصفهم الله بقوله: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:16-18]. وقال : ((طوبى لمن وُجد في صحيفته استغفار كثير)) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح عن عبد الله بن بسر.

ومن فرط فيه جنى الحسرات وتوالت عليه الهموم والنكبات، وعاش وعنده النقص في الأرزاق، وغُبن أمام الناس يوم التلاق.

اللهم اجعلنا من المستغفرين المكثرين بالليل والنهار، واقبل اللهم استغفارنا واحشرنا مع أهلك الذاكرين، أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين...


__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 01-02-2012, 10:08 AM
  #8
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

أثر الكلمة الطيبة الفرد والمجتمعا

لخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مغيث المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين، وجابر كسر المنكسرين، ورافع البلاء عن المستغفرين،
لا إله إلا الله مجيب الدعوات، وغافر الزلات، وفارج الكربات، ومنزل البركات، وواهب الخيرات، سبحانه من إله كريم، ورب رحيم، عمّ بفضله وكرمه جميع المخلوقات،
لا إله إلا الله الولي الحميد، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، سبحان من يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويصل ويقطع، {إِنَّ رَبّى عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [هود:56].
اللهم لك الحمد كله، ولك الشكر كله، وإليك يرجع الأمر كله، علانيته وسره، فأهلٌ أنت أن تُحمَد، وأهلٌ أنت أن تُعبد، وأنت على كل شيء قدير. لك الحمد كل الحمد لا مبدأٌ له ولا منتهى والله بالحمد أعلم. وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث وأحسنه كتاب الله، وأفضل الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، اللهم أجِرنا من النار.

عباد الله، إنّ الإسلام يسمو بالأمة التي رَضيته دينا ـ أفرادا وجماعات ـ إلى أرقى مدارج الرقي، ويحفّزها لتدرك هذا الرقيّ عن طريق الخلُق الفاضل بانتهاج سبيل المحبة والمودّة وحسن السلوك والمعاملة، والخير الأصيل لا يموت مهما زاحمه الشرّ، والطيّب لا يصير خبيثا مهما زاحمه الخبث، وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم:25].

أيها المسلمون والمسلمات، إن للكلمة في حياة الناس أثرًا، وينقسم الناس بصدَدها إلى قسمَين: أصحاب الكلمة الطيبة وفي مقدّمتهم الأنبياء والرسل، وأصحاب الكلمة الخبيثة وفي مقدّمتهم إبليس المطرود من رحمة الله، أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ [إبراهيم:24-26]. فكم من شمل ممزَّق جمعت بينه كلمة طيبة، وكم من جماعات فرّقتهم كلمة خبيثة.

وجرح السّنان لـه التِئَام ولا يلتئم ما جرح اللسان

وقد توعّد الرسول خبيثَ اللسان بأن يكَبّ في النار.

إن الكلمة الطيبة ثابتة مثمِرة، تنفع صاحبها في حياته الدنيا بالذكر الحسن، وتعود عليه بالدعاء الصالح في آخرته، فهي ثابِتة لا تزعزعها الأعاصير، ولا تعصف بها رياح الباطل، وفي الحديث: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)).

والخير كلّ الخير أن تحرّك لسانك بتحيّة الإسلام حين تلقَى من تعرف ومن لا تعرف، والخير كلّ الخير أن تردّ التحية بأحسن منها أو مثلها، والخير كل الخير أن تشغل لسانك بذكر خالقك وأن تنصح من استنصحك إن كنت قادرا، وكلمة الخير أن تصلح بين اثنين وأن ترشد الضال التائه، والكلمة الطيبة أن تعلّم جاهلا وأن تصدُق القول فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، والكلمة الطيبة أن تشير بالرأي الحسن إذا طلب منك ذلك.

أما الكلمة الخبيثة فهي كلمة الباطل كشجرة خبيثة، قد يخيَّل لبعض الناس أحيانا أنها أضخم من الشجرة الطيبة، ولكن الخبث هو الخبث، والباطل هو الباطل، وجذور شجرة الخبث ليست عميقة، وما هي إلا فترة ثم تجتثّ من فوق الأرض ما لها من قرار ولا بقاء.

ومن الكلام الخبيث أن تشتمَ غيرك وتسبَّه وتلعنه، ومن الكلام الخبيث أن تشغل لسانك في مجالس اللغو بالخنا وفاحش القول، ومن الكلام الخبيث أن تفسد العلاقة بين اثنين من المؤمنين، ومن الكلام الخبيث أن تفسد العلاقة بين الأزواج والجيران، ومن الكلام الخبيث أن تمنّ على من أحسنتَ إليه وتؤذيه، ومن الكلام الخبيث أن تقول لوالديك: "أف لكما".

عباد الله، إن حسنَ الكلام وطيبَه والبشاشة في وجوه الناس أمر محمود يطلبه منكم نبيّكم محمد بن عبد الله ، أخرج البزار في مسنده أن جابر بن سليم قال: ركبت قَعُودِي ثم أتيت إلى مكة فطلبتُ رسول الله، فدلوني عليه، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: ((وعليك السلام))، فقلت: إنا معشرَ أهل البادية قوم فينا الجفاء، فعلمني كلمات ينفعني الله بها، فقال: ((ادنُ)) ثلاثَ مرات، فدنوت فقال: ((أعد عليّ ما قلتَ))، فأعدت عليه فقال: ((اتق الله، ولا تحقرنَّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق، وأن تفرغ دلوك في إناء المستسقي، وإن امرؤ سبّك بما لا يعلم منك فلا تسبَّه بما تعلم فيه، فإن الله جاعل لك أجرا وعليه وزرا، ولا تسبن شيئا مما خوَّل الله لك))، قال جابر: فوالّذي نفسي بيده، ماسببت بعده شاة ولا بعيرا.

فاللهم اجعل الإخلاص دأبنا، والعفو خلقنا، والمعروف عادتَنا، واجمع اللهم شملنا، ويغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين، والحمد لله رب العالمين.


الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين وإمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.

إن الحبيب المصطفى يأمر أتباعَه بتقوى القلب وتقوى اللسان وتقوى العمل، فيقول: ((اتقوا النار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة))، وإنَّ خبث اللسان مانع من موانع الهداية.

وإذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت

أيها المسلم، إذا تأذّيتَ بكلام جارح أو بفعل سيّئ فلا تردّ الإساءة بمثلها، وإنما بالإعراض إن كنت لا تقدر على أن تحسن لمن أساء إليك، فالرسول الأكرم عاش بين قوم يفترون عليه الكذب، ويموهون على الناس حقائق الوحي، ويؤذونه بالفعل واللسان، ومع ذلك يعرض عنهم ويدعو لهم بالهداية ويقول: ((رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)).
لقد حلاه الله وزيّنه بالخلق الكريم، ووصفه بالخلق العظيم. فاجتنبوا ـ عباد الله ـ كلام السوء، وعوّدوا ألسنتكم كلاما طيّبا، قد كان عيسى عليه الصلاة والسلام يخاطب حتى الحيوانَ بكلام طيّب، فقيل له: لم يا عيسى؟! فقال: كلٌّ ينفق مما عنده.

واعلمو أنّ الكلام الطيب لن يكلّفكم كثيرا، إنما هو تعوّد وممارسة، فلا تقل إلاّ خيرا لتكون من أهل الخير، ويجمعك الله مع أهل الخير في دار لا تسمَع فيها إلا همسا، لا تسمع فيه إلا قيلا: سلاما سلاما، في جنّة عرضها السموات والأرض أعِدّت للمتقين.

اللهم اجعلنا منهم، اللهم ليّن ألسنتا بذكرك وشكرك، وأصلح قلوبنا بهدايتك، واغفر لنا بحِلمك، وارحمنا بعفوك وفضلك، إنك غفور رحيم...

__________________


التعديل الأخير تم بواسطة المناضل السليماني ; 02-02-2012 الساعة 08:55 PM سبب آخر: خطأ املائي
المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-02-2012, 10:55 AM
  #9
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

محبة رسول الله

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].


أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الأنعام: 134].
فقد أوجب الله عز وجل علينا محبة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأن يكون هذا الحب أكثر من حب الآباء والأبناء، والإخوة والزوجات والأموال.


وهدد الله عز وجل من يحب شيئًا من ذلك أكثر من حبه لله عز وجل، أو لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أو للجهاد في سبيل الله، فقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة: 24]، ثم فسَّقهم الله عز وجل بخاتمة الآية، فقال: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].
فهذا الحب للنبي - صلى الله عليه وسلم - واجب على الأعيان، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين))[[1] البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه.
].


ومن تأمل الخير الواصل إليه من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أنه أحق بالمحبة والتوقير والتعظيم والاتباع من الآباء والأمهات، فإذا كان الآباء والأمهات سببًا في الحياة الفانية، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - سبب في الحياة الدائمة الباقية؛ بل هو - بأبي وأمي - أحب إلينا من أنفسنا، كما قال الله عز وجل: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6].
ويجب على كل مسلم أن يفدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنفسه وماله وأهله وولده، كما قال تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} [التوبة: 120].


وقال عمر - رضي الله عنه - للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي"، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك))، فقال له عمر - رضي الله عنه -: "فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي"، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الآن يا عمر))[رواه مسلم].


فقوله: ((الآن يا عمر))؛ أي كمل إيمانك الآن.
وهذا الحب الكامل للنبي - صلى الله عليه وسلم - له ثمرات عاجلة وآجلة، فمن ثمرات حب النبي - صلى الله عليه وسلم - تذوق حلاوة الإيمان؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار))[رواه مسلم].


ومن ثمرات هذا الحب الكامل للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يكون معه في الجنة، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله، متى الساعة؟"، قال: ((ما أعددتَ للساعة؟))، قال: "حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم"، قال: ((فإنك مع من أحببت)).
قال أنس - رضي الله عنه -: فما فرحنا بعد الإسلام فرحًا أشد من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فإنك مع من أحببت)).


قال أنس - رضي الله عنه -: "فأنا أحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما؛ فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم"[رواه مسلم].
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحب قومًا ولم يلحق بهم؟"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((المرء مع من أحب))[رواه البخاري ومسلم ].
ولهذا الحب الكامل للنبي - صلى الله عليه وسلم - علامات، فمن وجدت فيه هذه العلامات فقد كمل حبه للنبي صلى الله عليه وسلم، وليبشر بحلاوة الإيمان وصحبة النبي عليه الصلاة والسلام.


فمن هذه العلامات:
أن المسلم لو خُيِّر بين فقد غرض من أغراضه، أو فقد رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - إن لو كانت ممكنة، فاختار فقد غرض من أغراضه على فقد رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم -فهو عند ذلك موصوف بالأحبية المذكورة، وقد توفرت هذه العلامة في الصحابة الكرام، فكانوا يحرصون على صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة.


قال أنس - رضي الله عنه -: "لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أضاء منها كل شيء، ولما لحق النبي- صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى أظلم منها كل شيء، وما نفضنا الأيدي عن دفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أنكرنا قلوبنا".
ولما علمت فاطمة - رضي الله عنها - شدة حب الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - قالت لأنس - رضي الله عنه -: "يا أنس، أطابت نفوسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟".


فسكت أنس رعاية لحالها، ولسان حاله يقول: ما طابت نفوسنا بذلك، ولكن قهرناها على ذلك، استجابة لأمره، صلى الله عليه وسلم.
جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله، إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك، فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك، عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك"، فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل جبريل - عليه السلام - بهذه الآية: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69].


العلامة الثانية من علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم: بذل النفس والمال دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمن علامات حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من حب النفس: أن يبذل العبد نفسه وماله حتى يسلم رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
كان أبو طلحة الأنصاري يقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد: نحري دون نحرك يا رسول الله، وكان يجوب عليه بترس، ووقاه طلحة بن عبيدالله أحد العشرة المبشرين بيده؛ فَشُلَّت يده.


لما أسر خبيب بن عدي، وعذب عذابًا شديدًا بمكة، قال له أحد المشركين أتحب أن محمدًا مكانك، وأنت معافى في أهلك ومالك، فقال: والله ما أحب أن أكون معافى في أهلي ومالي، ويشاك محمد - صلى الله عليه وسلم - بشوكة، وفي ذلك قيل:
أَسَرَتْ قُرَيْشٌ مُسْلِمًا فَمَضَى بِلاَ وَجَلٍ إِلَى السَّيَّافِ
سَأَلُوهُ هَلْ يُرْضِيكَ أَنَّكَ سَالِمٌ وَلَكَ النَّبِيُّ فِدًى مِنَ الإِتْلاَفِ
فَأجَابَ كَلاَّ لاَ سَلِمْتُ مِنَ الرَّدَى وَيُصَابُ أَنْفُ مُحَمَّدٍ بِرُعَافِ


وترس دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو دجانة بنفسه، ويقع النبل في ظهره وهو منحنٍ عليه، حتى كثر فيه النبل.
وفي رواية: وهو لا يتحرك.


وروى الحاكم عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد لطلب سعد بن الربيع رضي الله عنه، وقال لي: ((إن رأيته فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله : كيف تجدك؟)).
قال: فجعلت أطوف بين القتلى، فأصبته في آخر رمق وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم، فقلت له: يا سعد، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ عليك السلام، ويقول لك: خبرني كيف تجدك؟


قال: على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلام، وعليك السلام، قل له: أجدني أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن يخلص إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وفيكم شفر يطرف، قال: وفاضت نفسه رضي الله عنه[الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".].


الخطبة الثانية
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.


ثم أما بعد:
فالعلامة الثالثة من علامات محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - الواجبة: المسارعة إلى امتثال أوامره، واجتناب نواهيه.
لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة الكرام بالخروج إلى حمراء الأسد لتتبع جيش أبي سفيان الغد من غزوة أحد، ما قالوا: عدنا بالأمس، وفينا من الجراح والقتلى، ولكنهم استجابوا لأمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن كان شاقًّا على النفس، من حبهم لله عز وجل ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وسجل الله عز وجل لهم ذلك في كتابه الخالد، فنزل قوله عز وجل: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 172 - 174].


ومن ذلك مسارعتهم إلى إراقة الخمر بعد تحريمها:
روى البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: فإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلانًا وفلانًا، إذ جاء رجل فقال: وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: حرمت الخمر، قالوا: أهرق هذه القلال يا أنس، قال: فما سألوا عنها، ولا راجعوها بعد خبر الرجل[رواه البخاري].


العلامة الرابعة من علامات محبة النبي - صلى الله عليه وسلم -: نصر سنته، والذب عن شريعته.
فمن ذلك إصرار أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - على بعث جيش أسامة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وارتداد من ارتد من الأعراب، وقد أشار عليه بعض الصحابة بإبقائه بالمدينة فقال - رضي الله عنه -: أنا أحبس جيشًا بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد اجترأت على أمر عظيم، والذي نفسي بيده لأن تميل العرب أحب إلي من أن أحبس جيشًا بعثهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية عند الطبري قال: والذي نفس أبي بكر بيده، لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته.


ومن ذلك فرح حرام بن ملحان بالشهادة، وهو يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم: روى البخاري عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث خاله - أخ لأم سليم - في سبعين راكبًا، فانطلق حرام أخو أم سليم وهو رجل أعرج، ورجل من بني فلان، قال حرام: كونوا قريبًا حتى آتيهم، فإن آمنوني كنتم قريبًا مني، وإن قتلوني أتيتم أصحابكم، فقال: أتؤمنوني أن أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فجعل يحدثهم فأومؤوا إلى رجل، فأتاه من خلفه فطعنه، قال همام: أحسبه حتى أنفذه بالرمح، قال: الله أكبر، فزت ورب الكعبة[رواه البخاري].


اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وأعلِ راية الحق والدين، اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بعز فاجعل عز الإسلام على يديه، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بكيد فكده يا رب العالمين، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره، واجعل الدائرة تدور عليه، اللهم اهدنا واهد بنا وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، وانصرنا على من بغى علينا.
وصل اللهم وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا.
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-02-2012, 10:13 AM
  #10
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

احدى الامور التي تعرفك بالله

الخطبة الأولى
الحمد لله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين. أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، رب السماوات ورب الأرض رب العالمين. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والأخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، حَمى حِمى التوحيدِ، وسد كل طريق يوصل إلى الشرك، وبلغ البلاغ المبين. صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين، آمنوا بربهم وأخلصوا له واستقاموا على أمره، فأنجز لهم ما وعدهم عزا في الدنيا وحسن ثواب في الآخرة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فحديثنا معكم اليوم ـ إخوة الإيمان ـ عن أمرٍ تصلح به القلوب بعد فساد، وتَقرُبُ بعد ابتعاد، وتصفو بعد كدر، وتفرح بعد حزن وقلق. إنّها عبادة قلبية لا تُمارس إلا بالقلب، وقد تُشارِكُ فيها العين، وهي من العبادات التي قد هجرها كثير من الناس إلا من رحم ربك، وقليلٌ هم. وسنُحاول اليوم إحياءها في أنفسنا، كالبذرة نغرسها وحتما ستؤتي أكلها ولو بعد حين ثمارًا يانعة تتغذى بها أرواح المؤمنين.

هذه العبادة ـ أيها الناس ـ قد عمل بها الأنبياءُ من قبل، وانتهجها حبيبكم وإمامكم محمد ، حتى صارت صفة ملازمة له، كما سار عليها مِن بعده سلف الأمة وخير القرون المفضلة، كيف وبهذه العبادة يُعرفُ المهيمنُ العزيزُ الجبارُ المتكبرِ جل جلاله وتقدست أسماؤه؟! لأن فيها الدليل على معرفته والإيمان به. فهل عرفتم هذه العبادة أم ليس بعد؟

إنّها عبادة التَفَكُّرِ في خلق الله عز وجل، إنّها عبادة من أعظم العبادات، بها يدخل العِباد على الله فيملؤون قلوبهم إجلالاً وتعظيمًا له، فهل وقفت مرةً في حياتك أمام منظرٍ مما خلقه الله تتعمّدُ من النظر فيه أن تشاهد جلال الله وعظيم شأنه عز وجل حتى يقول قلبك بكل قوة وتعظيمٍ وإجلال: "لا إله إلا الله"، يخشع بها القلب ويذل ويخضع لجلال روعة وعظمة خلق الله جل في علاه؟ هل مارست هذه العبادة في حياتك؟ وهل مارستها كثيرًا؟

إخوة الدين والعقيدة، بهذه العبادة يُعرَفُ اللهُ فيُحَبّ، وبها يُعرف مراد الله من الخلق، وبهذه العبادة يرِقُّ القلب ويتّصل بالخالق عز وجل، وبها تُتركُ المعاصي؛ لأنَّ هذه العبادة هي الباب الموصل إلى الله تبارك وتعالى، قال ابن القيم رحمه الله: "معرفة الله سبحانه وتعالى نوعان: الأول: معرفة إقرارٍ بوجوده، وهذه يشترك فيها البر والفاجر والمطيعُ والعاصي، فكل الناس يقولون: إن الله موجود. وأمّا النوع الثاني: فمعرفة حياءٍ ومحبةٍ وشوق وأُنسٍ واتصالٍ ورغبةٍ وخشيةٍ وإقبال، وهذه يفتح الله بها على من أراد أن يعرفه به".

أخي المبارك، كيف نصل إلى معرفة الله جلَّ وتقدَّس؟ إننا بالإمكان أن نصلَ إلى معرفة الله بطريقين:

الأول: آيات الله المقروءة، ألا وهو كلام ربنا عن نفسه في كتابه القرآن.

والثاني: آيات الله المنظورة، وهي صفحة الكون وما فيها من حياة؛ لكي لا يكون لمن لا يُجيدُ القراءةَ والكتابة حجة على الله تعالى، فيقول: لم أعرفك لأنني لا أجيد القراءة والكتابة، لم أكن أفهم. سبحان الله! ألم تنظر حولك؟! أفلم ينظروا؟! أفلم يسيروا في الأرض فينظروا؟! أفلم يسمعوا؟! أفلم يروا؟!

انظر حولك، وانظر إلى بديع صنع الخالق جَلَّ وعلا وتقدّس، تأمّل صَنعة الباري وقل: سبحان باريها! جبالٌ شاهقة، وبحارٌ ومحيطات، وسماء قد مُلئت بالنجوم والكواكب الكثيرة، وأرضٌ متنامية الأطراف قد مُلئت بالأشجار والأحجار والدواب، وكائنات تُرى بالعين المجرَّدة، وأخرى لا تُرى إلا بالمجهر، وشيء نعلمه وأخرى لا نعلمها، آيات عِظام تبهرُ العقول والأبصار. فلا إله إلا الله! سبحان من خلق فسوى وقدَّر فهدى!

وفي ظل هذه الآيات المنظورة يَنقلُ هذا الأعرابي ما صوَّرتهُ عدسات عينه عندما سُئل عن وجود الله فقال بفطرته السليمة: "البَعرَةُ تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على العزيز الخبير؟!". فلله ما أحسنه من استدلال! وما أعجبه من منطق وبيان!

هذا ولقد كانت آخرُ المراحل للنبي قبل بعثته هي عبارة عن تأمُّلٍ وتفكُّر، فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها كما عند البخاري ومسلم الحديث الذي تروي فيه بدء الوحي فتقول: (ثُمَّ حُبّبَ إليه الخلاء، فكان يذهب إلى غار حراء يتحَنَّثُ فيه ـ أي: يتعبّد ـ الليالي ذوات العدد). فأي عبادة تلك ولم يكن ثَمَّةَ صلاة ولا صيام؟! فأي عبادة عرفها النبي قبل أن يكون نبيًا؟!

إنّها عبادة التأمل والتفكّر في خلق الله تبارك وتعالى، كان يمكث أيامًا طويلة يتفكر، حتى ازداد قُربه من ربه قبل بعثته؛ فكانت هذه العبادة بمثابة التهيئة من الله لنبيه ، ولم يكن يترك هذه العبادة أيضًا بعد بعثته، فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أنّ النبي قال لها ذات ليلة: ((يا عائشة، ذريني أتعبد الليلة لربي))، فقالت: والله إني أحب قربك وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجره، قالت: وكان جالسا فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! قال: ((أفلا أكون عبدا شكورا؟! لقد أُنزلت علي الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 190، 191])) حسنه الألباني في صحيح الترغيب.

ولم يكن النبي هو فقط مَن كان يؤدي هذه العبادة، بل باقي الأنبياء مِن قبله، فهذا إبراهيم الخليل عليه السلام يقول تعالى عنه: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [الأنعام: 75].

فيا عبد الله، إذا كنت تريد معرفة الله فتفكر في مخلوقاته، عندها يزداد قُربُك ويزداد يقينك، فإنه كلما تفكَّرَ العبد المؤمن زاد يقينه وعظُمَ إيمانه وارتقى إلى منازل المتقين، الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء: 49].

سُئِلت أم الدرداء: ما كان أفضل عمل أبي الدرداء؟ قالت: التفكرُ والاعتبار. فانظر ـ يا رعاك الله ـ كيف كان التفكر في خلق الله تعالى مِن أفضل العبادات عند أبي الدرداء، ثمَّ انظر كم هي منسيةٌ هذه العبادة عند غيره. قال الإمام الحسن البصري: "تَفَكُرُ ساعة خير من قيام ليلة" أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وابن المبارك في الزهد. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (ركعتان مقتصدتان في تفكيرٍ خير من قيام ليلة والقلب ساه)، وقال عمر بن عبد العزيز: "الكلام بذكر الله عز وجل حسن، والفكرة في نعم الله أفضل العبادة"، وقال لقمان الحكيم: (إنّ طول الوحدة ألهم للفكرة، وطول الفكرة دليل على طَرْقِ باب الجنة)، وقال وهب بن المنبه: "ما طالت فكرة امرئ قط إلا فهم، ولا فهم امرؤ قط إلا علم، ولا علم امرؤ قط إلا عمل".

فهلا أعملنا هذا الفكر ـ أيها الأحبة ـ وأطلقنا له العنان يهيم في ملكوت الله؛ لعلّه يرجع بثمار المعرفة، فيتجدد بها الإيمان، ويُنال رضا الديّان، لتجلس في غرفتك بينك وبين نفسك، وشاهد خلق الله في نفسك، وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ، أو لعلّك تراقب يومًا شروق الشمس وغروبها، وتتأمل ـ يا رعاك الله ـ كيف يولج الله الليل في النهار ويُولج النهار في الليل.

تأمل فِي الوجود بعيْن فكر ترَ الدنيا الدنيئة كالْخيـالِ

ومن فيها جميعًا سوف يفنى ويبقى وجه ربك ذو الجلالِ

عباد الله، ولو مررنا بكتاب الله لوجدنا أنّه دائمًا يدعونا إلى إعمال العقل، كما في قوله تعالى: أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية: 17-20]، فيأمر الله عِبَاده بِالنَّظَرِ فِي مَخْلُوقَاته الدَّالَّة عَلَى قُدْرَته وَعَظَمَته. ويقول سبحانه: إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ [الجاثية: 3-6].

فيا عبد الله، تفكَّر وتأمّل فيما حولك من الآيات العِظام، ألم تهزُزك معجزة الليل والنهار؟! ألم تُحرِّك شيئًا في وجدانك؟! ألم يؤثِّر فيك منظرُ السُّحب وقد تكومت كالجبال فأراقت ما بجوفها من ماءٍ منهمر؟! ألم يُظهر البهجةَ ما سرح به ناظرك حين أخذت الأرض زُخرُفَها وازّيَّنت؟! ألم تكن تلك الدقة المتناهية في تسيير الكون وعدم اضطرابه آيةً تُسيّر قلبك ولسانك ليلهج بالتسبيح لخالقها ومصَرّفها؟! أكُلُّ هذا لا يُحَرِّكُ مشاعرك؟! أكلُّ هذه الحياة وما يدور فيها من حولك مِن كثرة اعتيادك عليها لم يعُد منها شيء يثير إحساسك؟! إن هذا لهوَ أمرٌ في منتهى الخطورة على صاحبه؛ إذ كيف يخافُ اللهَ مَن لا يعرف قوَّته وعظمته؟! وكيف يُعَظَّّمُ الجبار عند قلوبٍ لا تعرف شيئًا مِن مُلكِ الله؟! وكيف يثق الإنسان بنصر الله وهو لم يتفكر في قدرته على تدبيره سبحانه وتصريفه للحياة؟!

وإليكم الآن ـ عباد الله ـ شيئًا مما يُظهِرُ نتائج التفكر المحمودةِ على القلوب، لنتأمّل ونتفكر سويًا في خلقه تعالى للشمس مثلاً في السماء، وما يدور في أفلاكها، وكيف أنَّ الشمس هي مصدر طاقتنا، ولولا الشمس لما كان هناك حياة على الأرض، يقول العلماء اليوم: إنَّ الشمس تتحرك بسرعة عجيبة، فهي تقطع في ثانية واحدة ما يقطعه الإنسان الماشي في خمسمائة سنة! هل تتخيل هذه السرعة الفائقة؟! واسمع لقوله تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [يس: 38]، وتأمل كلمة تَجْرِي، وليس (تتحرّك). فانظر بعد هذا وتفكر في عظمة شيء مِن ملك الله تعالى، فمن أنت ـ أيها المخلوق الضعيف ـ حتى تتكبر على الله؟! وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ.

وجاء عن ابن عمر كما عند مسلم أنه قال: رأيت رسول الله وهو على المنبر يقول: ((يأخذ الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه فيقول: أنا الله، ويقبض أصابعه ويبسطها: أنا الملك)) حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه، حتى إني لأقول: أساقط هو برسول الله ؟ وفي رواية: رأيت رسول الله على المنبر وهو يقول: ((يأخذ الجبار عز وجل سماواته وأرضيه بيديه)).

فتخيل هذه الأرض التي هي في قبضة الله، هل تعلم كم تساوي؟ إنّها نقطة في المجموعة الشمسية، والمجموعة الشمسية تساوي نقطة في المجرّة، ومجرّة درب التبانة تساوي نقطة في آلاف المجرات، وآلاف المجرات تساوي نقطة في السماء الأولى. لا إله إلا الله! فانظر أنت ـ أيها المخلوق الضعيف ـ كم تساوي في مُلك علام الغيوب، انظر كم هو حجمك وكيف تعصي، وتأمّل كيف أنّه سبحانه لا يخفى عليه بعد ذلك دبيب النملة السوداء على صفاة سوداء في ليلة ظلماء. أرأيت التفكر في خلق الله إلى ماذا يوصلك؟

إذًا فعلينا مراجعة الإيمانِ في قلوبنا، وأن نتعاهده بالتربية والرعاية، حتى نبني صرحًا متينا من الخوف والمراقبة لله تعالى.

بارك الله لي ولكم قي القرآن الكريم...






الخطبة الثانية


أما بعد: فيا إخوة الإيمان، لِمَ لا نُعطي أعيننا حظها مِن العبادة؟ فهذه الأعين قد مضى عليها سنين وهي تعصي الله عز وجل وتتمنى أن تعبُد، إلا أننا لا نعطيها الفرصة لذلك، فلنترك أعيننا تعبد الله قليلاً؛ فلعلها تجد الحياة والإيمان طويلاً، ولنتأمل في خلق الله وننظر لجمال خلق السماوات العُلى عملاً بقوله تعالى: أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ. فانظروا كيف يداعب هذا الكلام عقولنا وقلوبنا قبل أسماعنا، فهل نظرتَ يومًا إلى السماء ورأيت فيها شقًا أو ثقبًا؟! فسبحان القائل: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ تفاوتٌ يعني: نَقْص أو عَيبٌ أو خَلَل، إلى أن قال تعالى: ثمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ. ولو كررت وأمعنت النظر كثيرًا فلن تجد أي خطأ في خلق الله عز وجل وتبارك، صُنعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ.

هذا هو خلق الله، فكلما عشت مع هذه المعاني تعلّقت به وعبدته أفضل، وكلما تعلّقت به أكثر أنستَ به أكثر، وكلما نظرت إلى الخلق زهدت فيهم مهما كانت قوَّتُهم وجبروتهم، فهل أخاف وأجزع من مخلوقٍ وأنسى خالق السماوات والأرض؟!

يا من ظننتم أنّكم أنتم مَن صنَع الحضارة، يا من تظنون أنَّ بأيديكم قيادة البشرية، اخسؤوا فالله خالق كلِّ شيء وهو على كلِّ شيء وكيل، هو المدبر وهو المتصرّف في هذا الكون كله.

إذًا، انظر ـ يا عبد الله ـ كيف تُرَبي العقيدة في قلبك، أرأيت كيف يُثمِرُ جمالُ خَلقِ الله في قلبك حين تفكَّرت، وكيف يقوَى تعلُّقكَ بالله، وهذا هو التفكر الذي نتكلم عنه، وهذه هي النتيجة التي نريد.


__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أذكار, أدعية, خطب, خطبة الجمعة, صلاة الجمعة, إسلاميات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من يوقف هدردماءاهل السنه يامسلمين في ايران المجوسيه الرافضية الصفوية ؟؟ ابومحمدالقحطاني فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 10 29-04-2015 06:44 PM
إبن سبأ اليهودي مؤسس الديانة الشيعية ابو عائشة الطائي فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 2 20-12-2009 10:31 PM
غزوات حدثت في شهر الانتصارات في رمضان المناضل السليماني مجلس الإسلام والحياة 5 30-08-2009 06:27 AM
أرقـــــــام وإيمـــيــلاتــ الدكـــتـــور جــــــــابـــــر القحطاني وبعض الوصفاتـــ سعيد الجهيمي عالم الصحه والغذاء 12 20-03-2008 12:02 PM
فتاوى السحر والمس والعين مفرغا من شريط للعلامة ابن باز : اعداد بعض طلبة العلم ابو اسامة مجلس الإسلام والحياة 11 26-05-2007 01:52 PM


الساعة الآن 01:51 PM

ملصقات الأسماء

ستيكر شيت ورقي

طباعة ستيكرات - ستيكر

ستيكر دائري

ستيكر قص على الحدود