هل كانت السنة تكتب على عهد رسول الله ام كان الناس يحفظونها ويتداولونها فيما بينهم
اَلْحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى اَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَآَلِهِ وَاَصْحَابِهِ وَمَنْ وَالَاهُمْ وَبَعْدُ، فَاِنَّنَا وَلِلهِ الْحُمْدُ نَرَى بِاَنَّ كُتُبَ السُّنَّةِ بِمَا فِيهَا مِنَ الْاَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَغَيْرِهَا، مُتَوَفِّرَةٌ جِدّاً فِي الْمَكْتَبَاتِ فِي سَائِرِ بِلَادِ الْعَالَمِ، وَهِيَ مَكْتُوبَةٌ وَمَشْرُوحَةٌ وَلَهَا شُرُوحٌ مُتَعَدِّدَة، فَهَلْ كَانَتِ السُّنَّةُ تُكْتَبُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ اَمْ كَانَ النَّاسُ يَحْفَظُونَهَا وَيَتَدَاوَلُونَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ؟ هَذَا هُوَ الْمَوْضُوعُ الَّذِي سَنُنَاقِشُهُ وَنَخُوضُ فِيهِ فِي هَذِهِ الْمُشَارَكَة، نَعَمْ اَخِي اَوّلاً نَاْتِي بِحَدِيثٍ يَتَضَمَّنُ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ حَدِيثٌ مِنْ اَحَادِيثِ اُسْلُوبِ التَّعْلِيمِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيف، نَعَمْ اَخِي نَحْنُ الْآَنَ نَقُولُ عَنْ اَيِّ اُسْلُوبٍ حَسَنٍ فِي تَدْرِيسِ الطُّلَّابِ هَذِهِ تَرْبِيَةٌ حَدِيثَة، وَنَتَجَاهَلُ وَنُغْفِلُ اَنْ نَقُولَ عَنْ هَذِهِ التَّرْبِيَةِ اَنَّهَا تَرْبِيَةُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام! وَلِذَلِكَ كُلُّ حَسَنَةٍ نَنْسُبُهَا اِلَى غَيْرِنَا! وَكُلُّ سَيِّئَةٍ نَنْسُبُهَا اِلَيْنَا! وَهَذَا طَبْعاً يُخَالِفُ الْحَقَّ وَالْعَدْل، نَعَمْ اَخِي وَمِنَ الْاَسَالِيبِ الْحَدِيثَةِ يَقُولُونَ اَنَّ الْمُعَلّمَ اَوِ الْمُدَرِّسَ اَوِ الْوَاعِظَ اَوْ اَيَّ اِنْسَانٍ يُرِيدُ اَنْ يُعَلِّمَ النَّاس، اَلْاَفْضَلُ لَهُ اَلَّا يُعْطِيَ الْمَعْلُومَةَ اِعْطَاءً فَوْرِيّاً, وَاِنَّمَا يَسْاَلُ وَالْحَاضِرُونَ يَسْتَمِعُونَ فَيُجِيبُهُمْ، فَاِنْ اَجَابُوا صَوَاباً صَوَّبَهُمْ مُعَلِّمُهُمْ، وَاِنْ اَخْطَؤُوا صَحَّحَهُمْ، وَهَذَا يَكُونُ اَرْسَخَ فِي الذِّهْنِ، فَاِذَا تَوَجَّهَ الْمُعَلِّمُ بِالسُّؤَالِ، فَاِنَّ كُلَّ الْاَذْهَانِ الْحَاضِرَةِ عِنْدَهُ تَسْتَعِدُّ لِاسْتِقْبَالِ هَذَا السُّؤَال، فَمَثَلاً رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ اَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اَتَدْرُونَ مَنْ اَشَدُّ خَلْقِ اللهِ عَجَباً اِيمَاناً؟ قَالُوا يَارَسُولَ الله اَلْمَلَائِكَة! فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام وَكَيْفَ لَايُؤْمِنُونَ وَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ! قَالُوا فَالْاَنْبِيَاءُ! فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ: وَكَيْفَ لَايُؤْمِنُونَ وَهُمْ يُوحَى اِلَيْهِمْ! فَقَالُوا نَحْنُ! فَقَالَ وَكَيْفَ لَاتُؤْمِنُونَ وَاَنَا بَيْنَ اَظْهُرِكُمْ(اَيْ مَعَكُمْ(فَقَالُوا: اِذاً مَنْ هُمْ يَارَسُولَ الله؟ فَقَالَ هُمْ قَوْمٌ يَاْتُونَ بَعْدَكُمْ يَجِدُونَ صُحُفاً مَكْتُوبَةً يُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهَا(وَنَرْجُو اللهَ تَعَالَى اَنْ نَكُونَ نَحْنُ هَؤُلَاء( نَعَمْ اَخِي: اَلرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يُعْطِ مَعْلُومَةً مُجَرَّدَةً، وَاِنَّمَا كَانَ يَسْاَلُ وَاَصْحَابُهُ يُجِيبُون، نَعَمْ اَخِي: وَحِينَمَا قَالَ اَيْضاً[اَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِس(فَظَنَّ الصَّحَابَةُ اَنَّهُ يُرِيدُ الْاِفْلَاسَ التِّجَارِيّ! فَقَالُوا: اَلْمُفْلِسُ فِينَا يَارَسُولَ اللهِ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ دِرْهَمٌ وَلَادِينَارٌ وَلَاعَصَا يَتَّكِىءُ عَلَيْهَا! فَقَالَ لَا: اَلْمُفْلِسُ مِنْ اُمَّتِي مَنْ يَاْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ وَزَكَاةٍ وَصَدَقَةٍ وَقَدْ شَتَمَ هَذَا! وَسَبَّ هَذَا! وَضَرَبَ هَذَا! وَاَكَلَ مَالَ هَذَا! وَقَذَفَ هَذَا! فَيَاْخُذُ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ! وَهَذَا(الْآَخَرُ اَيْضاً(مِنْ حَسَنَاتِهِ! حَتَّى اِذَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ وَلَمْ تَكْفِهِ لِيُوَفِّيَ مَاعَلَيْهِ مِنْ حُقُوقٍ سَلَبَهَا مِنْهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، اَخَذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ وَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحِ فِي النَّار(نَعَمْ اَخِي: فَهَذَا هُوَ الْمُفْلِسُ الَّذِي يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَحُجُّ وَيُزَكِّي وَيَتَسَرْبَلُ بِسِرْبَالِ التَّقْوَى الظَّاهِرِيِّ، وَلَكِنَّهُ مُؤْذٍ يُؤْذِي النَّاسَ، وَيَسُبُّ وَيَشْتُمُ وَيَلْعَنُ، وَيَاْكُلُ مَالَ هَذَا وَمَالَ غَيْرِهِ، وَيَقْذِفُ هَذَا بِالْبُهْتَانِ، بِمَعْنَى اَنَّهُ يَتَّهِمُ الْبَرِيءَ، وَلِذَلِكَ هَؤُلَاءِ جَمِيعاً مِنَ الَّذِينَ ظَلَمَهُمْ، يَتَعَلَّقُونَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ لِيَاْخُذُوا حُقُوقَهُمْ مِنْ حَسَنَاتِهِ! لِمَاذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: لِاَنَّهُ لَايُوجَدُ دِرْهَمٌ وَلَادِينَارٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَشْفَعُ لِلظَّالِمِينَ بِدَلِيل{وَلَوْ اَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَافِي الْاَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ(هَوْلِ(الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَة(وَالْاَدْهَى مِنْ ذَلِكَ وَالْاَمَرُّ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى{مَاتُقُبِّلَ مِنْهُمْ(هَذَا الْفِدَاءُ وَاِنْ وُجِدَ مَعَهُمْ مِقْدَارُ مَافِي الْاَرْضِ مِنْ هَذَا الْفِدَاءِ وَمِثْلُهُ مَعَهُ{مَاتُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ اَلِيم( وَلِذَلِكَ يَاْخُذُ الْمَظْلُومُونَ مِنْ حَسَنَاتِ ظَالِمِيهِمْ، فَاِنِ انْتَهَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا سَبِيلاً اِلَى وَفَاءِ مَاعَلَيْهِمْ مِنْ بَقِيَّةِ الْحُقُوقِ، فَاِنَّهُمْ يَاْخُذُونَ مِنْ سَيِّآَتِ مَنْ ظَلَمُوهُمْ، فَتُطْرَحُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يُطْرَحُونَ فِي النَّار، نَسْاَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَة، نَعَمْ اَخِي: اِنَّهُ الْاُسْلُوبُ النَّبَوِيُّ التَّرْبَوِيُّ الْاَخْلَاقِيُّ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى اَنَّ الْاَمْرَ الْمَكْتُوبَ الْمُوَثَّقَ يَجِبُ الْاِيمَانُ بِهِ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ التَّشْرِيعَاتِ الْاِسْلَامِيَّةَ وَصَلَتْ اِلَيْنَا بِطَرِيقِ الْكِتَابَةِ، فَلَوْ اَنْكَرْنَا كُلَّ مَاهُوَ مَكْتُوبٌ، فَعَلَيْنَا اَلَّا نُؤْمِنَ بِشَيْءٍ وَاَنْ نُنْكِرَ كُلَّ شَيْءٍ وَهَذَا لَايَقُولُ بِهِ عَاقِلٌ يَخَافُ اللهَ اَبَداً، نَعَمْ اَخِي: فَهَذَا الْحَدِيثُ يُقِرُّ كِتَابَةَ كُلِّ شَيْءٍ فِيهِ فَائِدَةٌ لِلنَّاسِ وَفِيهِ فَائِدَةٌ لِلْبَشَرِيَّةِ وَالْاِنْسَانِيَّة، وَذَلِكَ وَاضِحٌ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ قَوْمٍ يَجِدُونَ صُحُفاً مَكْتُوبَةً يُؤْمِنُونَ بِهَا، نَعَمْ اَخِي لَكِنْ اَحْيَاناً تَرَى اَحَادِيثَ اُخْرَى فِي ظَاهِرِهَا تَعَارُض! نَعَمْ اَخِي: وَنَحْنُ كَمَا قُلْنَا وَنُنَبِّهُ دَائِماً: اَنَّهُ لَايَحِقُّ لَكَ شَرْعاً اَخِي بِمُجَرَّدِ اَنْ تَاْتِيَ بِآَيَةٍ مِنَ الْقُرْآَنِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اَنْ تَبْنِيَ عَلَيْهَا مِنَ الْاَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة، بَلْ لَابُدَّ لَكَ اِذَا كُنْتَ فَقِيهاً عَالِماً: اَنْ تَجْمَعَ كُلَّ الْآَيَاتِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِمَوْضُوعِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي تُرِيدُ اسْتِخْرَاجَهُ مِنَ الْقُرْآَن ِوَبَيَانَهُ لِلنَّاس، فَلَابُدَّ لَكَ اَخِي اَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْآَيَاتِ، بَلْ لَابُدَّ لَكَ اِذَا احْتَاجَ الْاَمْرُ اَيْضاً: اَنْ تَجْمَعَ كُلَّ الْاَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الْحُكْمِ الشَّرْعِيّ، وَاَمَّا اَنْ تَاْخُذَ جُزْءاً مِنْ آَيَةٍ لِهَوىً فِي نَفْسِكَ ثُمَّ تُرِيدُ اَنْ تُلْزِمَ النَّاسَ بِهِ، فَهَذَا شَيْءٌ لَايَجُوزُ شَرْعاً، نَعَمْ نَحْنُ لَانُنْكِرُ اَنَّ هُنَاكَ حَدِيثاً صَحِيحاً رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ اَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام[لَاتَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئاً اِلَّا الْقُرْآَن، فَمَنْ كَتَبَ عَنِّي شَيْئاً غَيْرَ الْقُرْآَن ِفَلْيَمْحُهُ(فَهُنَا نَهَاهُمْ عَنْ اَيِّ شَيْء؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: نَهَاهُمْ عَنْ اَنْ يَكْتُبُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اَيَّ قَوْلٍ يَقُولُهُ اِلَّا الْقُرْآَن وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيح، نَعَمْ اَخِي: لَكِنْ قَدْ يَاْتِي اِنْسَانٌ قَاصِرُ النَّظَرِ فَيَنْظُرُ اِلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَلَايَنْظُرُ اِلَى الْاَحَادِيثِ الْاُخْرَى الَّتِي تَاْمُرُ بِالْكِتَابَةِ! ثُمَّ يُصْدِرُ حُكْمَهُ فَوْراً عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَيَقُولُ هَذَا حَدِيثٌ بَاطِل! لِمَاذَا بَاطِل! لِاَنَّهُ يَمْنَعُ الْكِتَابَةَ وَيَتَعَارَضُ مَعَ التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ اِلَى غَيْرِ ذَلِكَ! وَرُبَّمَا يَاْتِي اِنْسَانٌ آَخَرُ وَيَقُولُ بِالْعَكْسِ! فَاِنَّ كُلَّ مَايُكْتَبُ فَهُوَ حَقّ! وَنَقُولُ لِهَذَا وَهَذَا: بَلْ نَحْنُ لَانَاْخُذُ حَدِيثاً وَاحِداً فِي مَسْاَلَةٍ يَجِبُ اَنْ نَجْمَعَ لَهَا كُلَّ مَاعَرَفْنَا مِنَ النُّصُوصِ، وَلِذَلِكَ فَاِنَّ هُنَاكَ اَحَادِيثَ اُخْرَى صَحِيحَةً تُبَيِّنُ بِالْعَكْسِ: اَنَّهُ يَجُوزُ اَوْ تَجُوزُ الْكِتَابَة، بَلْ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَة! وَمِنْهَا اَنَّ رَجُلاً مِنْ اَهْلِ الْبَادِيَةِ يُكْنَى اَبَا شَاهٍ، جَاءَ اِلَى مَكَّةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَةَ الْفَتْحِ، فَقَالَ هَذَا الْاِنْسَانُ يَارَسُولَ الله: اَنَا اُعْجِبْتُ بِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي تَخْطُبُهُ، وَلَكِنَّ ذَاكِرَتِي لَاتَحْفَظ(مَعَ اَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا مَشْهُورِينَ بِالْحِفْظِ! وَكَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ يَحْفَظُ قَصِيدَةً اَوْ مُعَلَّقَةً وَيُلْقِيهَا عَلَى مَسَامِعِ النَّاسِ وَهُوَ لَايَعْرِفُ الْقِرَاءَةَ وَلَا الْكِتَابَةَ! بَلْ بِالسَّلِيقَةِ وَالْفِطْرَةِ هَكَذَا(فَقَالَ لَهُ يَارَسُولَ اللهِ: اَنَا سَمِعْتُ مِنْكَ هَذَا الْكَلَامَ فَاَعْجَبَنِي، وَلَكِنْ لَااَسْتَطِيعُ اَنْ اَحْفَظَهُ! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اُكْتُبُوا لِاَبِي شَاه، نَعَمْ اَخِي: مَاذَا قَالَ لَهُمْ؟ اُكْتُبُوا! فَهَذَا اَمْرٌ بِاَيِّ شَيْءٍ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اِنَّهُ اَمْرٌ بِالْكِتَابَة، نَعَمْ اَخِي: حَدِيثٌ آَخَرُ كَذَلِكَ: اَنَّ اَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ اَكْثَرَ اَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم رِوَايَةً لِلْحَدِيثِ، اِلَّا مَاكَانَ مِنِ ابْنِ عَمْروٍ، فَاِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَااَكْتُب، بَلْ كُنْتُ اَحْفَظُ الْحَدِيثَ شَفَهِيّاً عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ دُونَ اَنْ اَحْتَاجَ اِلَى كِتَابَتِه، نَعَمْ اَخِي: وَنَحْنُ نَعْلَمُ فِي عِلْمِ مُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ، اَنَّنَا حِينَمَا نَقُولُ مَثَلاً: اِبْنُ عَمْرٍو، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، كُلُّ هَؤُلَاءِ يُسَمَّوْنَ بِالْعَبَادِلَة، وَكَلِمَةُ الْعَبَادِلَةِ هِيَ جَمْعٌ مُفْرَدُهُ عَبْدُ الله، بِمَعْنَى اَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ اسْمُهُ عَبْدُ الله، فَنَحْنُ اخْتِصَاراً اِذَا قُلْنَا ابْنَ عَبَّاس، نَقْصُدُ عَبْدَ اللهِ ابْنَ عَبَّاس، وَاَمَّا اِذَا اَرَدْنَا الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، فَلَانَقُولُ ابْنَ عَبَّاسٍ هُنَا، بَلْ يَجِبُ اَنْ نَذْكُرَ اسْمَهُ وَهُوَ الْفَضْلُ، فَحِينَمَا نَقُولُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَاِنَّنَا حَسَبَ الِاصْطِلَاحِ الْعِلْمِيِّ بِالنِّسْبَةِ اِلَى مُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ، يَجِبُ اَنْ يَنْصَرِفَ ذِهْنُنَا اِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاس، وَهَكَذَا بِالنِّسْبَةِ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، يَجِبُ اَنْ يَنْصَرِفَ ذِهْنُنَا اَيْضاً اِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَاَمَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، فَيَجِبُ اَنْ يَنْصَرِفَ الذِّهْنُ اِلَى وَالِدِهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاص، وَكَذَلِكَ ابْنُ اُمِّ عَبْدٍ، يَصْرِفُ الذِّهْنَ اِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُود، وَكَذَلِكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، يَنْصَرِفُ الذِّهْنُ فَوْراً اِلَى عَبْدِ اللِه بْنِ الزُّبَيْرِ، فَهَؤُلَاءِ يُسَمَّوْنَ الْعَبَادِلَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعاً، نَعَمْ اَخِي: يَقُولُ اَبُو هُرَيْرَةَ: اَنَا كُنْتُ اَحْفَظُ ، لَكِنَّ ابْنَ عَمْرٍو كَانَ يَتَفَوَّقُ عَلَيَّ وَيَسْبِقُنِي فِي الْحِفْظِ؟ لِاَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ، وَنَفْهَمُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ: اَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْكِتَابَةِ، فَلَوْ كَانَتِ الْكِتَابَةُ غَيْرَ جَائِزَةٍ، لَمَنَعَهَا رَسُولُ اللهِ نِهَائِيّاً وَلَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ، وَاِنَّمَا مَنَعَهَا فَتْرَةً؟ حَتَّى لَايَخْتَلِطَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآَنِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي يَقُولُهُ رَسُولُ الله، فَلَمَّا اَمِنَ رَسُولُ اللهِ عَلَى الْقُرْآَنِ، سَمَحَ بِكِتَابَةِ مَايَقُولُهُ مِنَ الْحَدِيث، نَعَمْ اَخِي: وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَارَسُولَ اللهِ: اِنِّي اَكْتُبُ مَااَسْمَعُهُ مِنْكَ! فَقَالَ: اُكْتُبْ وَلَاحَرَجَ، فَقَالَ يَارَسُولَ اللهِ: اَكْتُبُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟ فَقَالَ: اُكْتُبْ فَاِنِّي لَااَقُولُ فِيهِمَا اِلَّا حَقّاً عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام، نَعَمْ اَخِي: يَقُولُ ابْنُ عُمَرَ يَارَسُولَ اللهِ: اَرَاكَ تَغْضَبُ وَتَنْفَعِلُ ثُمَّ تَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ! هَلْ اَكْتُبُهُ؟ فَرُبَّمَا اَنْتَ لَاتَقْصُدُ هَذَا الْكَلَامَ يَارَسُولَ الله؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَااَقُولُ فِي الرِّضَا وَلَا اَقُولُ فِي الْغَضَبِ اِلَّا حَقّاً فَاكْتُبْ وَلَاحَرَجَ، فَاَنَا اَقُولُ حَقّاً، وَمَهْمَا كُنْتُ غَضْبَاناً، فَاِنَّ لِسَانِي لَايَنْطِقُ اِلَّا بِالْحَقِّ؟ لِاَنَّ اللهَ عَصَمَنِي فِي حَالَةِ الرِّضَا وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ، لِمَاذَا اَخِي؟ لِاَنَّ مَنْ سَيَكُونُ رَسُولاً لِلنَّاسِ، لَايَكُونُ غَضَبُهُ لِشَخْصِهِ مِنْ اَجْلِ نَفْسِهِ، وَاِنَّمَا غَضَبُهُ يَكُونُ لِلهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ اَجْلِ الْحَقِّ، وَلِذَلِكَ كَانَ يَاْتِي اِلَيْهِ الْاَعْرَابِيُّ فَيَجْذُبُهُ بِرِدَائِهِ وَيَقُولُ يَامُحَمَّدُ! اَعْطِنِي حَقِّي، فَاِنَّكُمْ يَاآَلَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَوْمٌ مُطْلٌ! نَعَمْ اَخِي: وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُقْتَرِضاً مِنْهُ دَيْناً اِلَى اَجَلٍ مُسَمّىً وَلَمْ يَاْتِ بَعْدُ وَقْتُ الْوَفَاءِ، وَمَعَ ذَلِكَ جَاءَ هَذَا الْاَعْرَابِيُّ الْمُفْتَرِي عَلَى اللِه وَعَلَى رَسُولِهِ، يَتَّهِمُ الرَّسُولَ كَاذِباً بِتُهْمَةِ الْمُمَاطَلَةِ! وَهَزَّهُ هَزّاً قَوِيّاً بِتَلَابِيبِهِ! وَقَالَ اَعْطِنِي حَقِّي، وَلَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ وَافْتِرَائِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ! بَلِ اتَّهَمَ اَقْرِبَاءَهُ اَيْضاً عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْمُمَاطَلَةِ! وَقَالَ وَقِحاً: اِنَّكُمْ آَلَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَوْمٌ مُطْلٌ! بِاللهِ عَلَيْكَ اَخِي؟ لَوْ اَنَّ اِنْسَاناً عَادِيّاً فِي اَيَّامِنَا، جَاءَهُ هَذَا الرَّجُلُ، فَاِنَّهُ يُقِيمُ الدُّنْيَا عَلَيْهِ وَلَايُقْعِدُهَا، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللِه تَرَوَّى وَاَخَذَهُ بِحِلْمِهِ، وَقَالَ اَعْطُوهُ حَقَّهُ، بَلْ اِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اَرَادَ اَنْ يَبْطِشَ بِهَذَا الْاَعْرَابِيِّ، وَقَالَ لَهُ مَاذَا دَهَاكَ؟ مَاهَذَا الصَّنِيعُ الَّذِي فَعَلْتَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ! هَلْ هَذَا اُسْلُوبٌ اَدِيب! اِنْسَانٌ عَادِيٌّ مِنَ النَّاسِ لَايَجُوزُ لَكَ اَنْ تَفْعَلَ مَعَهُ هَذَا! فَكَيْفَ تَاْتِي اِلَى رَسُولِ اللهِ وَتَصِفُهُ بِهَذِهِ الْاَوْصَافِ هُوَ وَآَلُ بَيْتِهِ! نَعَمْ اَخِي: فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: اَعْطُوهُ وَزِيدُوه! نَعَمْ اَخِي: اَلْمَحَبَّةُ لَاتَكُونُ غَصْباً، وَالْاِيمَانُ لَايَكُونُ غَصْباً، نَعَمْ اَخِي: فَاِذَا قُلْتَ لِاِنْسَانٍ مَا آَمِنْ وَاِلَّا قَتَلْتُكَ! فَاِنَّهُ يَقُولُ لَكَ آَمَنْتُ؟ وَلَكِنَّ قَلْبَهُ لَيْسَ بِمُؤْمِن، وَبِالنَّتِيجَةِ فَاِنَّ عَدَدَ الْمُنَافِقِينَ فِي الْمُجْتَمَعِ الْاِسْلَامِيِّ سَيَتَضَاعَفُ وَاحِداً بَعْدَ الْآَخَر، نَعَمْ اَخِي: وَكَذَلِكَ الْمَحَبَّةُ لَاتَكُونُ اِلَّا بِالْمُعَامَلَةِ الْحَسَنَة، وَلذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اَعْطُوهُ حَقَّهُ وَزِيدُوهُ، فَقَالُوا يَارَسُولَ اللهِ: نُعْطِيهِ حَقَّهُ، فَمَابَالُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ؟! فَقَال: اَلزِّيَادَةُ لِقَاءَ مَارَوَّعْتُمُوهُ، اَيْ لِقَاءَ مَااَخَفْتُمُوهُ حِينَ قُمْتُمْ عَلَيْهِ وَكِدْتُّمْ اَنْ تَبْطِشُوا بِهِ، وَلِذَلِكَ نُرِيدُ اَنْ نُعْطِيَهُ تَعْوِيضاً، نَعَمْ اَخِي: هَذِهِ هِيَ الْاَخْلَاقُ السَّامِيَةُ الَّتِي حَبَّبَتِ النَّاسَ فِي الْاِسْلَام، نَعَمْ اَخِي: تَرَاهُ مُكْفَهِرَّ الْوَجْهِ عَبُوساً؟! وَلَايُخَاطِبُ النَّاسَ اِلَّا بِقَسْوَةٍ؟! فَاِذَا سَاَلْتَهُ لِمَاذَا؟ فَاِنَّهُ يَقُولُ لَكَ اَنَا مُتَدَيِّن، وَنَقُولُ لِهَذَا: اِذَا اَرَدْتَّ اَنْ تَكُونَ مُتَدَيِّناً حَقّاً، وَاَنْ تَقْتَدِيَ بِالتَّدَيُّنِ، فَاقْتَدِ بِرَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَاِنَّهُ كَانَ بَشُوشَ الْوَجْهِ، كَانَ حَسَنَ الْمُعَامَلَةِ مَعَ النَّاسِ، كَانَ كَذَا وَكَذَا وَكَذَا، نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ نَحْنُ الْمُسْلِمِينَ لَانُحَبِّبُ النَّاسَ بِالْاِسْلَامِ بِالْقَوْلِ فَقَطْ، وَاِنَّمَا بِالسُّلُوكِ اَيْضاً وَالْمُعَامَلَةِ الْحَسَنَة، وَلِذَلِكَ فِي شَرْقِ آَسْيَا اَوْ فِي جَنُوبِ آَسِيَا، هُنَاكَ تِسْعاً وَتِسْعِينَ بِالْمِائَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اَوْ سَبْعاً وَتِسْعِينَ وَاللهِ دَخَلُوا الْاِسْلَامَ دُونَ اَنْ يَدْخُلَ اِلَى بِلَادِهِمْ اَحَدٌ مِنَ الْفَاتِحِينَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ السُّيُوفَ! وَاِنَّمَا كَانَ التُّجَّارُ الْمُسْلِمُونَ هُمُ الْفَاتِحِينَ، وَلَمْ يَذْهَبُوا اِلَى بِلَادِهِمْ اِلَّا مِنْ اَجْلِ التِّجَارَةِ، وَلَكِنَّهُمْ عَامَلُوا النَّاسَ فِي بِلَادِهِمْ مُعَامَلَةً حَسَنَةً، فِيهَا مَافِيهَا مِنْ مُرَاعَاةِ الْاَمَانَةِ وَعَدَمِ الْغِشِّ وَالْخَدِيعَةِ وَالْخِيَانَة، نَعَمْ اَخِي: بَعْضُ النَّاسِ مَعَ الْاَسَفِ، يَقُولُ لَكَ: اِذَا خَالَفَكَ اِنْسَانٌ فِي الدِّينِ فَاحْتَقِرْهُ؟! وَاغْلُظْ لَهُ فِي الْقَوْلِ؟! وَعَامِلْهُ اَسْوَاَ مُعَامَلَة؟! وَرُبَّمَا يَسْتَدِلُّ بِبَعْضِ النُّصُوصِ مِنَ الْقُرْآَنِ اَوِ السُّنَّة! وَنَقُولُ لِهَذَا: اَلنُّصُوصُ الَّتِي فِيهَا شِدَّة، هَذِهِ لِلْمُحَارِبِينَ، وَلَيْسَتْ لِلْمُسَالِمِين، نَعَمْ هَذِهِ لِلْمُحَارِبِينَ مِنْ اَهْلِ هَذِهِ الْآَيَةِ مَثَلاً فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{اِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً(اَيْ جَاءَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ زَاحِفِينَ عَلَيْكُمْ{فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْاَدْبَار(نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا حِينَمَا يَكُونُ اِنْسَانٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ مُسَالِماً، فَهَلْ يَجُوزُ اَنْ نَعْتَدِيَ عَلَيْهِ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: لَايَجُوزُ بَلْ بِالْعَكْسِ، فَاِنَّ الْاِسْلَامَ جَعَلَ اِطْعَامَ الْاَسِيرِ الْكَافِرِ الْمُشْرِكِ فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِ مَنْ يُطْعِمُهُ، نَعَمْ اَخِي: هَذَا الْاَسِيرُ الْعَدُوُّ الَّذِي رُبَّمَا اِذَا فَكَكْتَ قُيُودَهُ لِلَحْظَةٍ قَصِيرَةٍ جِدّاً، فَاِنَّهُ رُبَّمَا يَطْعَنُكَ غَدْراً فِي الظَّهْرِ اَوِ الْبَطْنِ بِاَقْرَبِ سِلَاحٍ يَسْتَطِيعُ اَنْ يَجْعَلَهُ بِمُتَنَاوَلِ يَدَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَاَسِيرَا، اِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَانُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً( عَلَى مَعْرُوفِنَا مَعَكُمْ اَنْ تَغْدِرُوا بِنَا وَلَا اَنْ تَطْعَنُونَا فِي الظَّهْرِ وَلَا اَنْ تُظَاهِرُوا عَلَيْنَا وَاِنَّمَا نُرِيدُ جَزَاءً وَشُكُوراً وَرَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{هَلْ جَزَاءُ الْاِحْسَانِ اِلَّا الْاِحْسَان{لَايَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ اَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا اِلَيْهِمْ، اِنَّ اللَهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين(نَعَمْ اَخِي: وَكَلِمَة لَايَنْهَاكُمْ بِمَعْنَى يَاْمُرُكُمْ اَنْ تَبَرُّوهُمْ لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُمْ مَاقَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَااَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ، وَاِنَّمَا هُمْ مُوَاطِنُونُ مُسَالِمُونَ مُقِيمُونَ مَعَكُمْ{اِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَاَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا(سَاعَدُوا{عَلَى اِخْرَاجِكُمْ(نَعَمْ اَخِي: فَالَّذِي يُسَاعِدُ عَدُوَّكَ، يُعْتَبَرُ عَدُوّاً لَكَ، فَانْظُرْ اَخِي اِلَى سَمَاحَةِ الْاِسْلَامِ، وَاِلَى سَعَةِ صَدْرِهِ، نَعَمْ اَخِي: فَحِينَمَا نُرِيدُ اَنْ نَكْتُبَ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللِه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام، فَلَابُدَّ مِنْ ذِكْرِ السَّنَدِ، فَعَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ قَالَ: مَنْ اَرَادَ اَنْ يَكْتُبَ حَدِيثاً، فَلْيَكْتُبْهُ بِسَنَدِهِ، نَعَمْ اَخِي: رُبَّمَا تَقْرَاُ اَوْ تَسْمَعُ حَدِيثاً عَنْ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام، فَهَذَا هُوَ السَّنَدُ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ الْاِمَامُ عَلِيٌّ: اِذَا اَرَدْتَّ اَنْ تَذْكُرَ حَدِيثاً، فَعَلَيْكَ اَنْ تَاْتِيَ بِالسَّنَد، نَعَمْ اَخِي: لَكِنْ فِي اَيَّامِنَا، اِذَا مَا كُلَّمَا جَاءَ مُدَرِّسٌ لِيُدَرِّسَ النَّاسَ، وَاَنْ يَقْرَاَ عَلَيْهِمْ حَدِيثاً مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَثَلاً، وَاَنْ يَحْفَظَ هَذِهِ السِّلْسِلَةَ عَنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ فِي ذِهْنِهِ وَاَذْهَانِهِمْ وَيَحْشُوَهَا حَشْواً، فَرُبَّمَا يَتَضَجَّرُ وَيَتَضَجَّرُونَ مَعَهُ، وَرُبَّمَا يَمَلُّ وَيَمَلُّونَ مِنْ سَمَاعِهِمْ مِنْهُ لِهَذَا السَّنَدِ عَنْ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ، نَعَمْ اَخِي: لَكِنْ مَادَامَ الْعَالِمُ ثِقَةً، فَاِنَّكَ اَخِي تَاْخُذُ مِنْهُ؟ لِثِقَتِكَ بِهِ، وَلِكَيْ تَثِقَ بِهِ لَابُدَّ اَلَّا تَمَلَّ مِنْ ذِكْرِهِ لِلسِّلْسِلَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِفُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ عَنْ فُلَان، فَحِينَمَا نَقُولُ مَثَلاً رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، طَيِّبْ، هَلِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ سَمِعَا مِنِ ابْنِ عُمَر؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: لَمْ يَسْمَعَا مِنْهُ مُبَاشَرَةً وَاِنَّمَا سَمِعَا مِنْهُ بِوَاسِطَةِ خَلَفٍ ثِقَةٍ عَنْ سَلَفٍ اَوْثَقَ وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا مُعَاصِرَيْنِ لَهُ، فَهَلْ نَفْقِدُ ثِقَتَنَا بِالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لِهَذَا السَّبَب وَهُوَ اَنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا مِنْهُ مُبَاشَرَةً؟ طَبْعاً لَا يَااَخِي لِمَاذَا؟ لِاَنَّكَ اِذَا رَجَعْتَ اِلَى كُتُبِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، فَاِنَّكَ تَجِدُ فِيهَا مَثَلاً رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام، فَحِينَمَا الْاَحَادِيثُ تُكْتَبُ، فَاِنَّهَا لَيْسَتْ كَحِينَمَا تُلْقَى، فَاِذَا اَلْقَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ حَدِيثاً صَحِيحاً عَلَى مَسَامِعِ النَّاسِ فِي اَيَّامِهِمَا حِينَمَا كَانَا عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى، فَلَامَانِعَ مِنِ اخْتِصَارِ السَّنَدِ اِلَى ابْنِ عُمَرَ مُبَاشَرَةً دُونَ اَنْ يَذْكُرَا السَّنَدَ كَامِلاً لِمَاذَا؟ حَتَّى لَايَتَضَجَّرَ النَّاسُ وَيَمَلُّوا مِنْ طُولِ السَّنَدِ عَنْ فُلَانٍ حَدَّثَنَا عَنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ اِلَى غَيْرِ ذَلِك، وَاَمَّا اِذَا اَرَادَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كِتَابَةَ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَابُدَّ مِنْ ذِكْرِ السَّنَدِ كَامِلاً لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُمَا اِذَا كَتَبَا حَدِيثاً يُوحِي بِاَنَّهُمَا سَمِعَا مِنِ ابْنِ عُمَرَ مُبَاشَرَةً، فَاِنَّ مَنْ يَاْتِي بَعْدَهُمَا مِنَ الْمُحَقِّقِينَ سَيَتَّهِمُهمَا اَنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا مِنِ ابْنِ عُمَرَ مُبَاشَرَةً، مِمَّا يُؤَدِّي اِلَى الزَّعْزَعَةِ فِي ثِقَةِ النَّاسِ بِهِمَا وَفِي كُتُبِهِمَا الَّتِي تُعْتَبَرُ اَصَحَّ الْكُتُبِ بَعْدَ الْقُرْآَنِ الْكَرِيم، نَعَمْ اَخِي: فَنَحْنُ نَرَى مِنْ هُنَا:اَنَّ السُّنَّةَ الَّتِي جَاءَتْ كَمُذَكِّرَةٍ تَفْسِيرِيَّةٍ لِلْقُرْآَن ِالْكَرِيمِ كَمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي مُشَارَكَةٍ سَابِقَة، وَلِذَلِكَ هَذِهِ السُّنَّةُ، يَجِبُ اَنْ تُفْهَمَ عَلَى حَقِيقَتِهَا، نَعَمْ اَخِي: فَكَمَا اَنَّ هُنَاكَ مَايُسَمَّى اَسْبَابَ نُزُولِ الْآَيَةِ، فَكَذَلِكَ اَيْضاً يُوجَدُ سَبَبٌ لِلْحَدِيثِ الَّذِي قَالَهُ رَسُولُ اللهِ اَوْ فَعَلَهُ اَوْ قَرَّرَهُ اَوْ سَكَتَ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ طَبِيباً نَفْسَانِيّاً، فَمَثَلاً يَاْتِي اِنْسَانٌ مَا وَيَقُولُ لَهُ يَارَسُولَ اللهِ اَوْصِنِي، فَيَقُولُ لَهُ الرَّسُولُ الْكَرِيمُ لَاتَغْضَبْ، ثُمَّ يَاْتِي اِنْسَانٌ آَخَرُ وَيَقُولُ يَارَسُولَ اللِه اَوْصِنِي، فَيَقُولُ لَهُ لَاتَكْذِبْ، ثُمَّ يَاْتِي اِنْسَانٌ ثَالِثٌ بِقَوْلِهِ يَارَسُولَ اللهِ قُلْ لِي قَوْلاً فِي الْاِسْلَامِ لَااَسْاَلُ عَنْهُ اَحَداً بَعْدَكَ، فَقَالَ قُلْ آَمَنْتُ بِاللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ، نَعَمْ اَخِي: فَهَذَا الْاِنْسَانُ الثَّالِثُ يَفْهَمُ كَثِيراً؟ لِاَنَّهُ سَاَلَ رَسُولَ اللهِ سُؤَالاً ذَكِيّاً جِدّاً وَعَبْقَرِيّاً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ آَمِنْ بِاللِه ثُمَّ اسْتَقِمْ عَلَى الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ وَعَلَى السُّلُوكِ الْحَسَن، نَعَمْ اَخِي: فَالرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اِذاً، يُعْطِي كُلَّ اِنْسَانٍ مَرِيضٍ الْعِلَاجَ الَّذِي يُنَاسِبُهُ، وَلِذَلِكَ اَخِي نَحْنُ الْآَنَ مُصِيبَتُنَا الْكُبْرَى، اَنَّنَا نُشْغَلُ بِالْفَرْعِيَّاتِ عَنِ الْاُمُورِ الْاَصْلِيَّة، نَعَمْ اَخِي: هُنَاكَ اُمُورٌ فَرْعِيَّةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَلَيْسَ الْعُلَمَاءُ جَمِيعاً مُتَّفِقِينَ عَلَيْهَا، فَحِينَمَا يَكُونُ اَمْراً مُخْتَلَفاً فِيهِ، فَاَنْتَ اَخِي حُرٌّ اَنْ تَاْخُذَ بِالرَّاْيِ الَّذِي تَرَاهُ، وَهَذَا مِنْ بَابِ السَّعَةِ، وَمِنْ بَابِ الْيُسْرِ فِي الْاِسْلَام، بِدَلِيلِ اَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: مَاخُيِّرَ بَيْنَ اَمْرَيْنِ اِلَّا اخْتَارَ اَيْسَرَهُمَا اَوْ اَشَدَّهُمَا اَخِي؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: بَلِ اخْتَارَ اَيْسَرَهُمَا، اِلَّا اِذَا كَانَ فِيهِ اِثْمٌ، وَطَبْعاً فَاِنَّ رَبَّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لَايُخَيِّرُهُ بَيْنَ اَمْرَيْنِ اَحَدُهُمَا اَوْ كِلَاهُمَا فِيهِ اِثْمٌ، بَلْ يُخَيِّرُهُ بَيْنَ اَمْرٍ حَسَنٍ، وَبَيْنَ اَمْرٍ اَحْسَن، فَالرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: يَنْظُرُ هُنَا اِلَى هَذَيْنِ الْاَمْرَيْنِ، اَيُّهُمَا اَخَفُّ عَلَى الْاُمَّةِ وَاَيْسَرُ لَهَا فَيَاْخُذُ بِهِ، لَا كَسَلاً مِنْهُ*(بَلْ بِاَبِي هُوَ وَاُمِّي، يُرِيدُ اَنْ يَتَقَرَّبَ اِلَى اللهِ زِيَادَة(*وَاِنَّمَا لِاَنَّهُ مُشَرِّعٌ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلّ، وَلِذَلِكَ هُوَ يَاْخُذُ بِالْيُسْرِ عَلَى ضَوْءِ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَمَااَرْسَلْنَاكَ اِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين( نَعَمْ اَخِي: وَنَحْنُ قَوَاعِدُ شَرِيعَتِنَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْيُسْرِ، لَكِنْ هُنَاكَ فَرْقٌ كَبِيرٌ مَابَيْنَ الْيُسْرِ وَالتَّسَيُّبِ، نَعَمْ اَخِي: وَالتَّسَيُّبُ الَّذِي يُمَثِّلُ الْفَوْضَى، فَهَذَا طَبْعاً مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعاً، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا الْيُسْرُ الْخَالِي مِنَ التَّسَيُّبِ وَالْمَدْعُومُ بِاَقْوَى الْاَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ اِنْ اَمْكَنَ وَلَايُوجَدُ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ يَرُدُّهُ، فَهُوَ مُرَادُ اللهِ، بِدَلِيلِهِ فِي قَوْلِهِ {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ، وَلَايُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ( فَحِينَمَا اَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالصَّوْمِ، اَرْفَقَهُ اَيْضاً بِاَمْرٍ آَخَرَ وَهُوَ الْيُسْرُ فِي قَوْلِهِ{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً اَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ اَيَّامٍ اُخَرَ، يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَايُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ(نَعَمْ اَخِي: وَانْظُرْ اِلَى الْقُرْآَنِ الْكَرِيمِ، فَحِينَمَا قَالَ{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً(لَمْ يَقُلْ مَرِيضَ السُّكَّرِي، وَلَمْ يَقُلْ مَرِيضَ الضَّغْطِ، وَلَمْ يُعَدِّدْ اَنْوَاعَ الْمَرَضِ، وَاِنَّمَا تَرَكَ هَذَا الْمَرَضَ لِاَهْلِ الِاخْتِصَاصِ وَهُمْ اَهْلُ الطِّبِّ، نَعَمْ اَخِي: وَمَااَكْثَرَ النَّاسَ الَّذِينَ يَسْتَفْتُونَنِي وَيَسْاَلُنِي اَحَدُهُمْ قَائِلاً: اَنَا اِنْسَانٌ مَرِيضٌ، وَلَااَدْرِي اِنْ كَانَ الصَّوْمُ يَضُرُّنِي اَوْ لَايَضُرُّنِي، وَاَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ: عَلَيْكَ اَخِي اَنْ تَذْهَبَ اِلَى الطَّبِيبِ الْمُخْتَصِّ الثِّقَةِ وَتَسْاَلَهُ، فَاِذَا كَانَ الصَّوْمُ يَضُرُّكَ، فَاِنَّ اللهَ اَمَرَكَ بِاَيِّ شَيْءٍ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: بِالْاِفْطَارِ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الْقُرْآَنَ جَاءَ مُجْمَلاً فِي جَوَابِهِ عَلَى سُؤَالِكَ يَااَخِي، فَلَااَسْتَطِيعُ اَنْ اُجِيبَكَ مِنَ الْقُرْآَن ِاِلَّا بَعْدَ اَنْ يَبْحَثَ اَهْلُ الِاخْتِصَاصِ فِي اخْتِصَاصِيَّاتِهِمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِسُؤَالِكَ، وَلِذَلِكَ لَااَسْتَطِيعُ اَنْ اُفْتِيَكَ اِلَّا بِنَاءً عَلَى جَوَابِ اَهْلِ الِاخْتِصَاصِ مِنَ الْاَطِبَّاءِ الثِّقَةِ فِيمَا اِذَا كَانَ الصَّوْمُ يَضُرُّكَ اَوْ يَنْفَعُكَ، نَعَمْ اَخِي: فَنَحْنُ الْآَنَ بِحَاجَةٍ اِلَى الْاِيمَانِ الصَّحِيحِ الْقَوِيِّ، وَنَحْنُ الْآَنَ بِحَاجَةٍ اِلَى اَنْ نَجْتَمِعَ عَلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ، وَنَحْنُ الْآَنَ بِحَاجَةٍ اِلَى اَنْ نَنْزِعَ مِنْ قُلُوبِنَا الْبَغْضَاءَ وَالضَّغَائِنَ كُلَّهَا؟ لِنَعُودَ كَمَا كُنَّا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اُمَّةً وَاحِدَةً، نَعَمْ اَخِي: فَالصَّحَابَةُ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ، وَمَعَ ذَلِكَ فِي الْاُمُورِ الْفَرْعِيَّةِ وَلَا الْاَسَاسِيَّةِ، مَارَاَيْنَا اَحَدَهُمْ كَفَّرَ الْآَخَرَ، وَاَمَّا اَنْ يَاْتِيَ اِلَيَّ اِنْسَانٌ ثُمَّ يَقُولُ عَنِ الصَّلَاةِ اَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَاَنَّهَا زَعْبَرَةٌ وَاَنَّهَا كَذَا، فَهَذَا لَااَقُولُ عَنْهُ مُؤْمِناً؟ لِاَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ فَرِيضَةٌ مِنْ فَرَائِضِ اللِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا اِنْسَانٌ مَا فِي الصَّلَاةِ يَضَعُ يَدَيْهِ هَكَذَا، وَاِنْسَانٌ آَخَرُ يَضَعُ يَدَيْهِ هَكَذَا عَلَى السُّرَّةِ، اَوْ مِنْ فَوْقِهَا، اَوْ مِنْ تَحْتِهَا، اَوْ عَلَى خَاصِرَتِهِ، اَوْ يُسْبِلُ يَدَيْهِ، فَهَذِهِ اُمُورٌ فَرْعِيَّةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَاَمَّا الَّذِي يَقُولُ عَنِ الصَّلَاةِ اَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضاً، اَوْ عَنِ الصَّوْمِ اَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ، فَهَذَا هُنَا يُنْكِرُ شَيْئاً مَعْلُوماً مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَة، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا الْخِلَافُ فِي الْاُمُورِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ، فَهَذِهِ لَايَجُوزُ لَنَا اَنْ نُكَفِّرَ بَعْضَنَا بَعْضاً بِهَا، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ الْكِرَام: وَالْخُلَاصَةُ اَنَّ الْاَحَادِيثَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمْ تُجْمَعْ، وَاَمَّا الْقُرْآَنُ الْكَرِيمُ، فَجُمِعَ، وَلَكِنَّ الْاَحَادِيثَ مَاجُمِعَتْ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، نَهَى عَنْ كِتَابَةِ الْاَحَادِيثِ لِمَاذَا؟ خَشْيَةَ اَنْ تُخْلَطَ مَعَ الْقُرْآَنِ فِي اَوَّلِ عَهْدِ الرِّسَالَةِ، وَخَشْيَةَ اَلَّا يَتَمَكَّنَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنَ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَالْآَيَةِ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ النَّاسَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ شَرْعاً اَنْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الْقُرْآَنِ وَهُوَ كَلَامُ اللهِ، وَبَيْنَ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ بَشَرٍ، فَمَهْمَا كَانَ مِنْ اَمْرِ رَسُولِ اللهِ فَهُوَ بَشَرٌ، بِدَلِيلِ{قُلْ اِنَّمَا اَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى اِلَيّ(وَلِذَلِكَ نَهَى رَسُولُ اللهِ عَنِ الْكِتَابَةِ؟ خَشْيَةَ اَنْ يُخْلَطَ حَدِيثُهُ بِكَلَامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، اَوْ نَهَى عَنِ الْكِتَابَةِ فِي بِدَايَةِ عَهْدِهِ مَعَ الْقُرْآَنِ بِمَعْنَى اَلَّا يُكْتَبَ الْحَدِيثُ وَالْآَيَاتُ مَعَ بَعْضِهَا، وَاِنَّمَا كُلٌّ يُكْتَبُ وَحْدَهُ مُنْفَصِلاً عَنِ الْآَخَر، نَعَمْ اَخِي: وَكَذَلِكَ مَنَعَ رَسُولُ اللهِ مِنَ الْكِتَابَةِ؟ لِيَحُثَّ النَّاسَ وَيَحُضَّهُمْ عَلَى الْحِفْظِ؟ حَتَّى يُتْقِنُوا الْحِفْظَ غَيْباً عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْقِرَاءَةَ وَالْكِتَابَةَ مَعاً، نَعَمْ اَخِي: وَكَانَ اَكْثَرُ النَّاسِ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ اُمِّيِّينَ بِدَلِيل{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْاُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ( نَعَمْ اَخِي: اُمِّيُّونَ وَلَكِنْ كَانُوا فُصَحَاءَ، كَانُوا بُلَغَاءَ، كَانُوا لَايَلْحَنُونَ فِي اللُّغَةِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ كَلَاماً فَتَاْتِي الْاَعْرَابِيَّةُ وَالْمَرْاَةُ الَّتِي لَمْ تَتَخَرَّجْ مِنْ مَدْرَسَةٍ وَلَا مِنْ جَامِعَةٍ وَلَا مِنْ كُلِّيَّةٍ! فَتَاْتِي وَتَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ لَايَسْتَطِيعُ الْآَنَ اَعْظَمُ الْفُصَحَاءِ وَالْبُلَغَاءِ اَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ! وَلِذَلِكَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ فَصِيحاً، كَانَ يَقُولُ الْكَلَامَ، وَكَانَ يَاْذَنُ بِكِتَابَتِهِ اِذَا اَمِنَ عَدَمَ مَزْجِهِ بِالْقُرْآَن ِالْكَرِيم، وَلِلْحَدِيثِ بَقِيَّةٌ اِنْ شَاءَ اللهُ فِي مُشَارَكَةٍ قَادِمَة، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، اَشْهَدُ اَنْ لَا اِلَهَ اِلَّا اَنْتَ، اَسْتَغْفِرُكَ وَاَتُوبُ اِلَيْك، لَاعِلْمَ لَنَا اِلَّا مَاعَلَّمْتَنَا، اِنَّكَ اَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم، وَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللِه وَاَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَآَلِهِ وَاَصْحَابِه، وَسَلَامُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ مِنْ اُخْتِكُمْ فِي اللهِ غصون, وَآَخِرُ دَعْوَانَا اَنِ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِين