النظام الإيراني: الإلحاد في الحج مخرج للتنفيس عن الأزمات الداخلية..!
النظام الإيراني: الإلحاد في الحج مخرج للتنفيس عن الأزمات الداخلية..!
يبدو أن الأزمات الداخلية الإيرانية, والتي بدأت تحاصر أركان النظام الإيراني, خاصة منها ما نشأ على خلفية ما شاب الانتخابات الرئاسية الأخيرة من تزوير على نطاق واسع كان ثمنها إعادة انتخاب عراب تصدير الثورة: أحمدي نجاد, أقول يبدو أن تلك الأزمات من الاستفحالية بمكان لدرجة اضطرت معها ملالي النظام هناك إلى التفكير في البحث عن متنفس أيديولوجي عاجل لتصريف ما يطفو على سطحها, تأجيلاً للحظة وصولها إلى حافة الانهيار, فوجدوا في موسم الحج القادم فرصة للترويج لشعارات سياسية أكل عليها الدهر وشرب, طمعاً في صرف الأنظار, ولو لبرهة قصيرة, عما تغلي به مراجل الملالي هناك من أزمات تكاد عقابيلها تأتي على أخضر ويابس الثورة!
وإذا كانت الخزائن الملالية ملأى بأزمات تراكمت على مر السنين العجاف للثورة , فإن ما أعقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة من تنكيل بمعارضي نتائجها إلى درجة تواتر الأنباء عن حدوث اغتصابات جنسية منظمة في السجون الإيرانية, لا بحق منافسي الرئيس نجاد على السلطة فحسب, بل بحق أولئك العزَّل الذين التقطتهم قوات الشرطة والباسيج من الشوارع وهو يتظاهرون سلمياً على نتائج تلك الانتخابات, أقول إن تلك الانتهاكات تكاد تكون أبرز وأنكى المسامير التي دقها الملالي في نعش الثورة, إلى الحد الذي اضطرهم إلى محاولة صرف نظر المواطن الإيراني عن نتائجها الكارثية بأية طريقة كانت, فكانت شعيرة الحج إلى بيت الله الحرام الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً هي المتنفس العاجل أمام نظام تكاد منسأته أن تسقط جراء ما يحف بها من أعاصير المشاكل والأزمات!
في لقاء له مع قناة العالم, قال الرئيس أحمدي نجاد: "موسم الحج يعتبر فرصة استثنائية للدفاع عن القيم الإسلامية (...)، وأن اجتماع المسلمين وخاصة الحجاج الإيرانيين سيفشل مؤامرات الأعداء!, ويزيد من وحدة المسلمين!". كما أكد على: "ضرورة الاستفادة من كافة طاقات هذه الشعيرة ومنها البراءة من المشركين!، باعتبار ذلك فرصة استثنائية". وهذه النداءات/الاستجداءات ليست في حقيقتها إلا دعوة إلى تدنيس شعيرة دينية بحجم موسم الحج, بجعلها مناسبة لاستعراض شعارات سياسية فارغة من المضمون, مشوبة ببراغماتية أيديولوجية أكل عليها الدهر وشرب. شعارات من قبيل ما تنعتها القيادة الإيرانية ب"البراءة من المشركين". ومع كل ما يكتنف هذه "البراءة", التي يتكلف النظام الإيراني في الدعوة إلى إقامتها في المشاعر المقدسة, من مسوح سياسية صرفة, فإنها, من الناحية الشرعية, لم تعد قائمة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. إذ إنها, أعني البراءة, تستصحب شرعيتها من قول الله تعالى في الآية الثالثة من سورة التوبة: " وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله, الآية". والأذان (=الإعلام) بها حق لله تعالى ولرسوله فقط. نعرف ذلك من إجماع المفسرين, بمن فيهم المعتدلون من الشيعة, على أن معنى الآية هكذا: "وإعلام من الله ورسوله إلى الناس في يوم الحج الأكبر, أن الله ورسوله بريئان من عهد المشركين بعد الحجة". فالله تعالى يُعلِم الناس على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن حجة الوداع هي آخر عهد للمسلمين بالمظاهر الشركية. إذ بعدها, أعني حجة الوداع, قبض الرسول صلى الله عليه وسلم, والأمة على هذا العهد الذي اختص الله بإعلانه على لسان رسوله. وبالتالي فقد توقفت شعيرة الدعوة إلى البراءة من المشركين نهائياً إلى يوم القيامة. وأية دعوة لإعلان البراءة من المشركين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لا تعدو أن تكون افتئاتا على حق الله تعالى وحق رسوله صلى الله عليه وسلم.
مع ذلك, فالسؤال الرئيس هنا هو: من هم المشركون الذين تبرأ الله ورسوله منهم يوم الحج الأكبر؟. هل يظن الملالي ومريدوهم أنهم أولئك الذين يعبدون اللات والعزى وهبل؟ كلا, فلقد قضى الرسول صلى الله عليه وسلم, يوم فتح مكة, على كافة الأصنام التي كانت بها. إنما المقصود بهم أولئك الذين يشركون مع الله تعالى بطاعتهم لأحبارهم ورهبانهم وملاليهم وأقطابهم فيما يُشرِّعون لهم به من دون الله. لقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم هذه النقطة بجلاء لعدي بن حاتم عند ما اعترض, أعني عدياً, بعد ما نزل قوله تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله, الآية" بقوله: "إنا لسنا نعبدهم", إذ انصرف ذهنه إلى العبادة المحسوسة: الصلاة والدعاء وتقديم القرابين. فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحلونه, ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟". قال عدي: "بلى". قال صلى الله عليه وسلم: "فتلك عبادتهم". وبالتالي فمن يأتمر بأمر ملالي طهران باستحلال ما حرم الله في الحرم, فإنما هو, في حقيقة أمره, يعبدهم, عرف ذلك أم لم يعرف. مثلما أن دعوة الملالي لإقامة تلك البراءة المزعومة, إنما هي, في حقيقتها, دعوة إلى إحياء مظاهر الشرك وعبادة غير الله في المشاعر المقدسة. وبالتالي فالبراءة الحقة هي البراءة من هذه الدعوة ومن يدعو لها, ووأد مظاهرها, والأخذ على أيدي من يريدون إقامتها.
من جهة أخرى, فإن تسييس الحج بجعله فرصة لتصفية حسابات وهمية مع أنظمة سياسية أخرى, كما هي أهداف النظام الإيراني مما يدعو إليه حالياً, ليس إلا أحد مظاهر الإلحاد في الحرم أيضا. ذلك الإلحاد الذي توعد الله تعالى من تلبس به بالعذاب الأليم, فقال تعالى في الآية الخامسة والعشرين من سورة الحج: "ومن يرد فيه: (أي في البيت الحرام والمشاعر المقدسة من حوله), بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم". وقد فسر جل المفسرين الإلحاد في الحرم على أنه: "ظلم الناس في الحج وإتيان الأعمال السيئة التي تفتن الحجاج عن أداء مناسكهم". ومن البداهة بمكان القولُ بأن رفع الشعارات السياسية, خاصة إذا كانت براغماتية مصلحية صِرفة يشوبها الكذب والتزوير والنفاق, كما هي شعارات النظام الإيراني, من أبرز الأعمال السيئة التي تفتن الحجاج وتصرفهم عن الإخلاص في أداء نسكهم.
والدليل على أن رفع الشعارات السياسية ليس إلا مظهراً من مظاهر الإلحاد في الحرم ما جاء في الأثر من اعتراض عبد الله بن عمر على عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما عندما اتخذ هذا الأخير مكة مركزاً لرفع شعار معارضته ليزيد بن معاوية بقوله له: "يا ابن الزبير إياك والإلحاد في حرم الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه سيلحد فيه رجل من قريش لو توزن ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت فانظر لا تكن هو". فانظر كيف أن ابن عمر لم ينكر على ابن الزبير معارضته السياسية ليزيد بن معاوية لذات المعارضة, بل أنكر عليه معارضته إياه في مكة. وإذا أدركنا كيف أن معارضة ابن الزبير كانت سلمية بحتة تعتمد على جمع أنصاره والتحدث معهم عن خلفية تولية يزيد ومثالبه, ومع ذلك,فقد اعتبرها ابن عمر من الإلحاد في الحرم, أدركنا كيف أن الشعارات التي يرفعها النظام الإيراني في المشاعر, وهي, عادة, ذات بعد ثوري عنيف, وتؤدي, كما أثبتت محاولاته السابقة, إلى مزيد من الفتن والفوضى والعنف باضطرار قوات الأمن إلى التدخل الفوري حفاظاً على حياة الحجاج من جهة, وتمكيناً لهم من أداء نسكهم من جهة أخرى, أقول أدركنا كيف أن شعاراته (=النظام الإيراني) تلك من أشد المظاهر الإلحادية في الحرمين الشريفين.
ولمنزلة الحرمين الشريفين, فقد نزههما الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من أن يُدنسا بأفعال وأقاويل ومماحكات هي أهون بكثير من رفع الشعارات السياسية التي يترتب عليها, ضرورة, تبعات خطيرة تضرب صميم أمن الحجاج. فقد قال تعالى في الآية السابعة والتسعين بعد المائة من سورة البقرة: "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج, الآية". وقد ذهب المفسرون إلى أن المراد ب"الفسوق والجدال" في هذه الآية هي: المراء والملاحاة والسباب والتنابز بالألقاب والخصومات. ومن طبائع الأمور التي لا يجادل فيها إلا مكابر أو معاند أن رفع الشعارات السياسية لا بد وأن يجر, على الأقل, إلى السباب والتنابز بالألقاب والخصومات بين الحجاج, هذا إن لم يجر إلى القتال وإسالة الدماء في أقدس البقاع, كما هي تبعات رفع الشعارات السياسية التي نراها في أماكن عديدة من العالم.
كذلك, مما زايد عليه مرشد الثورة, خلال لقائه المسؤولين عن الحجاج الإيرانيين, ما أسماه: "توجيه الإهانات للمسلمين الشيعة في البقيع أو في المسجد الحرام أو المسجد النبوي". وبالنسبة لزيارة القبور في البقيع, أو في أحد, أو في غيرهما, فهي وإن كانت من المستحبات, إلا أنها مشروطة بشروطها الشرعية التي حددها رسول الله عليه وسلم بقوله عند زيارته للقبور عموما: " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين, وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. نسأل الله لنا ولكم العافية". وبقوله صلى الله عليه وسلم, عندما مر بقبور المدينة,: "السلام عليكم يا أهل القبور, يغفر الله لنا ولكم, أنتم سلفنا ونحن بالأثر". وأي إخلال بهذه الضوابط التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم بالزيادة على ما جاء فيها, فإنها محسوبة على البدع والخرافات, إن لم تكن محسوبة على المظاهر الشركية الحسية, كالتمسح بالقبور والتبرك بها, ناهيك عن دعاء أصحابها. وإذا صاحبت مثل تلك المظاهر زيارةَ القبور, سواءً في البقيع أو في غيره, فلا شك أنها تقلب فضيلة الزيارة إلى محظور يوجب على ولي الأمر,لا منع بعض الزوار من زيارتها فقط, بل حتى إغلاق أماكنها إن استدعى الأمر. ألا ترى أن الصلاة وهي عماد الدين وناهية عن الفحشاء والمنكر, إذا تحولت أماكن إقامتها: (المساجد) إلى أماكن للمشاحنات أو الخصومات بما يؤثر على السلم والنظام العام فإن إغلاقها يصبح حينها ضرورة.لأن الشريعة جاءت لمقصد أسمى هو: حفظ حياة الإنسان أن تنالها المؤثرات السلبية حتى وإن كانت في أماكن العبادة. أما الحرمان الشريفان فالله تعالى يقول لنبيه إبراهيم: "وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود". فمن يزرهما للعبادة والطواف فهما له مثابة وأمنا. ومن يزرهما للإخلال بالأمن فيهما, أو لممارسة ما نهى الله عنه, فحق المسلمين على ولي الأمر أن يمنعه كائناً من كان. ومرشد الثورة حين يدلي بمثل تلك التصريحات الجوفاء, فإنه إنما يحاول اللعب على وتر التناقضات المذهبية, إذكاءً لنار الفتنة, وخدمة لأغراضه السياسية ليس إلا. والدليل على ذلك, أن المعتقلين من السنة, على خلفية أحداث بقيع الغرقد التي جرت في فبراير الماضي, كانوا أكثر ممن اعتقل من إخوانهم الشيعة, كما أكد حينها سمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء الأمير نايف بن عبدالعزيز. مما يدل على أن المسألة, بالنسبة للحكومة السعودية, تكمن في حفظ الأمن والنظام داخل المزارات المقدسة وغيرها. ومن ثم فإن مسألة مواجهة من يخل بتلك المقاصد الحياتية, أياً كان مذهبه أو عقيدته, مسألة لا مناص منها.
__________________
** تذكر أن من أحب الأعمال إلى الله : الصلاة على وقتها وبر الوالدين **
استمع للقرآن أثناء تصفحك
http://www.tvquran.com