عرض مشاركة واحدة
قديم 16-07-2009, 02:18 PM
  #90
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

وهذه الخطبة ايضا عن فقيد الأمة سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين منقولة جزى الله الكاتب خير الجزاء ووالله لم تكن رغبتي ان انقل ولكن وددت ان اكتب بمدامعي مايستحقه الشيخ ولكن لضيق الوقت ولشدة ماوجدت في قلبي على الشيخ وما اردت ان يخلوا منتدانا من خطبة عن وفاة الشيخ



[size=5]
الخطبة الاولى
معاشر المسلمين،
طـوى الجزيـرة حتى جاءنِي خبرٌ فزعـت فيـه بآمالي إلى الكذبِ
حتى إذا لم يـدع لي صدقـه أملاً شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
في صحيح مسلم عن عروة بن الزبير قال: قال النبي : ((إن الله لا ينتزع العلم من الناس انتزاعا، ولكن يقبض العلماء فيرفع العلم معهم، ويبقي في الناس رؤوسا جهالا يفتونهم بغير علم فيضلون ويضلون)).
إن بلاء الأمة أن تذهب خضراؤها وتنقشع زينتها وتختفي نضارتها وتغيب نجومها وتصبح تائهة هائمة. إن الأمة تزدان بصلحائها ونبلائها الذين يهدونها ويبصّرونها ويعيدون لها ذكرها وعزها وشرفها، إنهم لها الشموس الساطعة والمنارات اللامعة، فليست الرزية والبلية قلّة الطعام والشراب، وليست الرزيّة كثرة الأسقام والأوجاع، إن الرزية ذهاب البررة الأخيار الذين استضاءت بأنوارهم الأمة وزخرت بهم الملّة وازدانت بهم السنة. قولوا: تغيرت الأنهار وتعسّرت الأسفار وتاهت الأوطار، ولا تقولوا: مات الصلحاء وذهب العلماء.
إن الحياة مع توالي نكباتها وتقاذف شدائدها وتداعي رزاياها لن تجدوا في نكباتها أشد من فرقة الأحباب، إن الحبيب إذا فارق حبيبه انهارت نفسه وتعكّر صفو حياته، فما بالكم بعالم فذّ حبيب أحبته الأمة كلها وحفلت به أرجاؤها وانشرحت به أركانها وأذعن الجميع لفضله وعلمه؟!
أهـكذا البدر تخفي نـوره الحفر ويفقد العلـم لا عين ولا أثـر
خبت مصابيح كنا نستضـيء بها وطوحت للمغيب الأنْجم الزهر
قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ ، وروى الطبراني في الكبير والضياء في المختارة عن أبي أمامة أن النبي قال: ((إن الله وملائكة حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير)).
قال الإمام أحمد رحمه الله: "الناس محتاجون إلى العلم أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يُحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلم يحتاج إليه بعدد الأنفاس". وقال ابن القيم رحمه الله: "العلماء بالله وأمره هم حياة الوجود وروحه، ولا يُستغنى عنهم طرفة عين، فحاجة القلب إلى العلم ليست كالحاجة إلى التنفس في الهواء بل أعظم، وبالجملة فالعلم للقلب مثل الماء للسمك، إذا فقده مات، فنسبة العلم إلى القلب كنسبة ضوء العين إليها".
أيها المسلمون، لقد رُزئت الأمة في علَمها وعالمها وسيدها وقائدها وتاجها وفخرها، كُنيف مُلئ علمًا، وتاج شعَّ درًا، وجبل عظم صلابة، وقلب احتشى صدقًا ومحبة، أوت إليه أفئدة المؤمنين يطلبون علمه ويرومون فضله، ويأملون شفاعته وينشدون مشورته وبصيرته. كم اجتمع عنده الطالبون! وكم سأله الشاكون! وكم حطمه الغادون والرائحون! أكثر من ثلاثين سنة لا يعرف طعامَ الغداء مع أهله، جعل كرمَه وخلقه مأوى الفقراء والمساكين والسائلين. بالأمس ثُلم الإسلام ثُلمة وفُجعت الأمة في شيخها وعلامتها وحجتها شيخنا ووالدنا الشيخ عبد الله بن جبرين الفقيه النابغة، العالم العامل ومرجع المستفتين من مختلف أنحاء العالم.
فلقد ضرب أروع الأمثلة في التواضع ولين الجانب, فهو غاية في البساطة والتواضع في الحديث مع الجلساء، وحتى في صفة الجلوس حيث يترك نفسه على سجيتها، فيحترم الجليس ويقوم للغريب ولا يمل المرء من مجالسته اللطيفة، وهو سهل في مواعيد الزيارة والحياة الاجتماعية, وفوق كل هذا هو في القمة من العلم الواسع المتخصّص والثقافة التي يعجب المرء من تنوعها في صدره، ولديه القدرة على فهم أبعادها وحاجة الناس إليها، فلم يتقوقع حول نفسه، أو ينكمش مع الماضي الجميل الذي أدركه.
تفوّق دراسيًا على زملائه، وترقى في شهادات التعليم النظامي، وحصل على شهادة الدكتوراه التي تفخر به ولا يفخر بها، حصل عليها بعد أن قارب عمره الستين سنة، لم تكن الشهادة ذات قيمة علمية له آنذاك، ولكنه ساير الحضارة ولم ينقطع عنها، ولم تكن هذه الشهادة لتهبه منصبا جديدًا أو سلمًا وظيفيًا عاليًا، فقد بلغ سن التقاعد أو قاربه.
لم يعاتب نفسه بقوله: إني بدأت في الدراسة النظامية بعد أن بلغت الخامسة والعشرين، فماذا تفيدني هذه الشهادات؟! لم تراوده نفسه أنه نشأ بين بيئة علمية تقليدية لا تقدّر هذه الشهادات وحملتها، لم يفكر أن مشايخه لم يحصلوا على شهادة رسمية ولو صغيرة، ولكنّ نفسه طامحة للسمو والعلو، وها هو البطل اليوم يصبح عصريًا، بدأ من الكتابة على الألواح في كتاتيب القرية، ودرس في التعليم النظامي بعد أن كبر سنه، وناقش رسالته ولحيته بيضاء ناصعة، ناقشها وطلابه هم دكاترة الجامعات وعمداء الكليات، ولم يرهبه هذا، فأحب أن يمارس هوايته العلمية، أحب أن يمشي في ركاب الحضارة ويكسر التقاليد والأعراف، فعاش عمره بين النخل والماء وبيوت الطين، ولازال يحب تلك الحياة ويألفها، وعاش بين المدن والطائرات والبنايات الضخمة.
لا يأبه للمناصب، وكثير من الناس يصفونه بمناصب تَشرفُ به, وينعتونه بها من حسن ظنهم بنزاهة المناصب ومن يتولاها، لكنه لم يعين فيها أصلاً، بل ليس له منصب رفيع إلا في قلوب الناس، فهو خطيب لجامع عادي في الرياض، وعضو إفتاء متقاعد فقط، هكذا بدون زيادة، شغل منصب معلّم في معهد في الرياض سنين طوال، وهذا المعهد إنما تعادل شهادته الثانوية، ونقلت خدماته للجامعة على كبر سنه، فلم يمكث فيها إلا بضع سنين.
ثم طلبه شيخه ابن باز ليكون معه في رئاسة الإفتاء بمرتبة مفتي يرد على الهاتف ويجيب على الأسئلة الشفهية ويراجع البحوث قبل نشرها بمجلة الإفتاء، لم يكن ذا منصب كبير في رئاسة الإفتاء, ولكنه إذا دخل مكتبه تقاطر الناس عليه كما يتقاطرون على مواقع الربيع والخير، فكان هو زينة للمنصب، وبقي رفيع الجاه والمكانة عند الناس.
هذا هو سماحة الشيخ ابن جبرين، رجل يملأ سمع وبصر طلبة العلم في الخليج قاطبة، يتشرف طلبة العلم بجلسة معه، يفخرون بسؤاله مباشرة، وهو يحبهم ويودّهم ولا يأبه بدنياهم، وما ازداد إلا حبًا في قلوب الناس، وما ازداد إلا تواضعًا، فهو طيب القلب، وادع في تعامله، حنون على أمته وأبنائها.
ها هو يبحث عن اليتيم والأرملة كما يبحث المزارع عن شجرة يحبها فينظر هل تحتاج لعناية فيصلحها، يقضي سحابة نهاره مع الشعب، يمسح دمعة هذا، ويشفع في حال ذاك، يسد حاجة الأسرة الفقيرة، يسدد فاتورة الكهرباء لذلك العجوز الذي لم يجد معينًا وأنيسًا، يسمع الأخبار عن أحوال المضطهدين والمشردين في العالم، يبكي ويحزن ويتألم لمصاب ابن آدم على هذا الكوكب الصغير.
في بداية الأمر سكن الرياض في أول قدومه في بيوت الطين، وبقي فيها دهرًا طويلاً، ثم بنى بيتًا في حي من أحياء المدينة الممتدة، وبيته الجديد في الرياض لم يبنه إلا بعد أن زاد عمره على الخمسين، يقع المنزل في منطقة عادية وحي يسكنه عامة الناس، وكان مبلغ بنائه للمنزل عبارة عن قرض من صندوق البنك العقاري الحكومي، فهو مثل بقية عباد الله من أواسط الشعب ذوي الدخول المحدودة رغم شهرته وسمعته، يقترض من الصناديق العامة، ويسدد من حسابه كل شهر، ولو أراد أن يتاجر بكتبه أو يرتزق من محاضراته ودروسه لفعل ولغنم أي غنيمة، لم يهرب من الدنيا ويرفضها، ولكنه لم يركض ويلهث وراءها، ومع ذلك جاءته الدنيا صاغرة، فركلها بقدميه، وآثر ما عند الله، فعاش سعيدًا محبوبًا من الناس.
عرفه طلبة العلم في المواقف الصعبة، فهو لا يتحدث إذا وجد من يكفيه في الحديث، فهو لا يتكلم لمجرد أن يقال: تكلم فلان, وهو لا يشارك الغوغاء صخبهم سواء كانوا من المنتسبين للعلم أو جهلة الناس، ولكنه إذا رأى أن العجز والضعف دب لقلوب الخاصة وخشي أن لا يقوم بالحق قائم تراه وقد قام من بين الصفوف ليكون فيصلاً وناطقًا يحمده التاريخ، فهو يَسترُ عنا سوأة الضعف والخور التي رافقت المسلمين في عصورهم المتأخرة.
في مواقفه تلك يحرص أن لا يؤذي هذا ولا ذاك، فهو لا يَمدُّ لسانه لشتم أحد أو التنقص من أحد, بل يعمل في صمت وخلق رفيع، ويحمل في قلبه صدق المؤمن الذي يعامل الناس بصفاء سريرة ومودة ومحبة؛ ولذلك زرع الله محبته في قلوب الحكام والمحكومين، فهو طراز فريد صاحب الرحلات الصيفية الوعظية والإرشادية الطويلة جدًا.
تراه وهو شيخ كبير تتناوشه الأمراض، يسافر في كل صيف، يطوف المملكة من شرقها إلى غربها، ومن الجنوب إلى الشمال، يقطع آلاف الكيلومترات، يبحث عن الناس في المدن، أو في البوادي، يبحث عنهم في مدينة عالمية، أو قرية ساحلية، أو مجموعة تعيش في الجبال بعيدًا عن الحضارة، لا يهمه ذلك، المهم أنه سيجد بشرًا يتحدث معهم، سيجد أقوامًا يرشدهم إلى الله, سيجد أناسًا يسألونه فيجيب.
يجلس بين الناس بكل حب وود ونقاء، يبين لهم أحكام الشريعة بوضوح ويسر، يراعي ظروفهم، ويتكلم بما يناسب عقولهم، يتكلم ولا يملّ هو من الحديث المكرر، فهو يتكلم في هذه القرية، ويعيد الموضوع عند جارتها، وهكذا بدون ملل، ربما شرح لهم كتابًا وأقام أيامًا، وربما عقد لهم دورة علمية مكثفة كل سنة، يكتب لهم التزكيات والتوصيات، ويزور مشاريعهم الخيرية ويجلس مع أعضائها، ويلتقي بالقضاة وطلبة العلم والدعاة الذين يحرصون أن يروه ويجلسون معه، مع أنه لا يحمل صفة رسمية للزيارة، بل يسبق زيارته أحيانًا تنسيق مع رجال الدعوة هناك, وكل هذا يفعله بدون مقابل مالي أو تكليف رسمي، والأعجب أنه يسافر بدون أن يتنقل في طائرة، ليس لأنه يحرمها، بل لأنها لن تدخل القرى والبوادي التي يريدها، فهو يتنقل بسيارته في لهيب الحرّ حيث صيف الجزيرة العربية اللافح، يتنقل مع رفقة من طلابه، تارة في مدينة جبلية أو في مدينة ساحلية، من مكة إلى جدة والطائف والباحة وأبها، ثم تراه يسافر إلى الساحل الشرقي لدورة علمية مكثفة، ثم يعود إلى المدن النجدية القائمة على الصحاري اللاهبة، ثم شمال الجزيرة مرورًا بالمسجد النبوي، ويستمر في الرحلة قرابة الشهرين من كل عام، وهو قد جاوز السبعين من عمره.
ولقد ذكر عدد كبير من الدعاة القرى النائية التي دخلها، ولقد ذكروا أيضًا أنه يدخل مناطق وقرى بعيدة عن مواطن التجارة والمطارات والأسواق، وهذه القرى لم يزرها داعية بحجم أحد من طلابه فكيف بمثله؟! فتراه بين الجبال في قرى تهامة، وفي سهول الأودية، وفي قرى الشمال حيث الصحراء، وهو في غاية النشاط والحرص على التعليم. ولربما تعب رفقائه في الرحلة وهم في قوة شبابهم، فمن ذا الذي يستطيع أن يصمد كما يصمد؟! ومن ذا الذي يتحمل ويطيق ما يتحمل رحمه الله؟!


الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان، ما زال الألم بفقد الشيخ موجعًا، وقد تجاوبت أرجاء العالم بالتعزية فيه، وذكر مآثره وتعداد مناقبه، وقد أفضى الشيخ إلى ربه، وهو سبحانه أعلم بعبده وما قدمه في سبيل دينه، ورحمة الله واسعة، وما عند الله خير وأبقى.
ولكن الحاجة الآن ماسة إلى أخذ العبرة من سيرة الشيخ والبحث في سرّ هذا الحب الذي ملأ القلوب وعطّر الأفواه، مما تكنه جموع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف طبقاتها وتباعد أقطارها. بل إن الشيخ وسيرته مدرسة حافلة بالعطاء والبذل في شتى الميادين، فقد تمكنت محبة الشيخ في قلوب الجميع، وهذه منحة إلهية، فمحبة الناس لا تشترى بالمال، ولا بالتزين الأجوف الذي لا ينطلق من مبادئ راسخة وقيم ثابتة.
والحديث عن الشيخ يدعونا إلى تلمس العظات والفوائد التي ينبغي الوقوف عندها من الجميع، لا سيما العلماء والدعاة وطلبة العلم وأهل المال والجاه، وإليكموها في هذه الوقفات المختصرة:
الأولى: تميز الشيخ رحمه الله تعالى بالحرص الشديد على العلم وقضاء الأوقات الكثيرة فيه، وترتيب الأوقات المناسبة له، والحرص على استقطاب طلاب العلم وإعانتهم وترغيبهم والإنفاق عليهم وتفقد أحوالهم وتشجيع النابهين منهم وتعاهدهم.
الثانية: عرف الشيخ رحمه الله تعالى ببذل جاهه في حاجات المسلمين في داخل البلاد وخارجها، وكم من المشاريع الإسلامية والمساجد وصروح العلم التي ساهم فيها برأيه وجاهه لدى أرباب الأموال والمسؤولين، وكان رحمه الله تعالى أبًا للمحتاجين والفقراء يواسيهم بماله قدر استطاعته، فضلاً عن الشفاعة لدى المحسنين ودلالتهم على ذوي الفقر والحاجة.
الثالثة: ومما يشهد به لسماحة الفقيد تفقد أحوال المسلمين ومتابعة أخبارهم، والتألم لآلامهم في شتى بقاع العالم، وكم صدر له من البيانات والفتاوى فيما يهم المسلمين ويمس حاجتهم.
الرابعة: أن المتابع لسيرة الفقيد وبرنامجه اليومي يرى عجبًا، فوقته رحمه الله مملوء بدروس العلم والإفتاء وخدمة المسلمين، والسعي في مصالحهم من بعد صلاة الفجر إلى الهزيع الأول من الليل، كما ذكره القريبون منه.
اللهم اغفر لشيخنا وارحمه، وارفع درجته في المهديين، واخلُفه في عقبه في الغابرين، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه، واغفر لنا وله أجمعين...[/
size]
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس