عرض مشاركة واحدة
قديم 06-05-2011, 05:00 AM
  #201
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب

الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير

الخطبة الأولى

الحمد لله ...................................

وبعد: أيها المسلمون، فاتقوا الله تعالى، فإنها وصيته سبحانه للأمم كلها: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء: 131].

ثم إنه مما يزيد الإنسان فخرًا أن يبقى في ضيافة أحد الكرماء الشرفاء النبلاء، وأن يرافق أحد الشجعان الأقوياء العظماء، وأن يستمع إلى سيرة أحد الصحابة الفضلاء الأصفياء. نحن وإياكم في هذا اليوم المبارك على مائدة من موائد السِّيَر، وعلى ضفاف بحر من بحور التربية الجادة، وفي بيت من بيوت الإيمان بالله تعالى. نتحدث عن حياة رجل وسيرة بطل وصفات فذّ من الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، رجل كانت ولادته للمسلمين فتحًا، وكانت حياته إيمانًا وتقوى، وكانت وفاته للناس عبرة ودرسًا.

أبوه هو الزبير حواريّ رسول الله وصفيه، وأمّه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ذات النطاقين، هل عرفتموه؟ إنه عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد القرشي.

كان مولده فتحًا للمسلمين؛ لأن المسلمين مكثوا في المدينة سنة لا يولد لهم، فقال اليهود: سحرناهم فلا يولد لهم ولد، فولد عبد الله بن الزبير، فكان يُعدّ أول مولود للمسلمين في المدينة بعد الهجرة، وفرح المسلمون بولادته فرحًا كبيرا، فأتت به أمّه الرسول، فوضعه في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها ثم وضعها في فمه، فكان أول شيء دخل بطنه ريق النبيّ، ثم دعا له بالبركة، وسماه عبد الله على اسم جدّه أبي بكر، وكناه بكنيته.

وظهرت عليه علامات الشجاعة منذ طفولته، فذات يوم تحدث بعض الصحابة مع النبي في أمر أبناء المهاجرين والأنصار الذين ولدوا في الإسلام حتى أمثال عبد الله بن الزبير وعبد الله بن جعفر وعمر بن أبي سلمة، وقالوا له: لو بايعتهم فتصيبهم بركتك ويكون لهم ذكر؟ وجاؤوا بهم إلى النبي فخافوا ووجلوا من النبي، إلا عبد الله بن الزبير الذي اقتحم أولهم، فرآه النبيّ فتبسَّم، وقال: ((إنه ابن أبيه))، وبايعه النبي وهو ابن سبع سنين. رواه مسلم.

ومرّ به عمر بن الخطاب وهو يلعب ففرّ الصبيان ووقف هو، فقال له عمر‏:‏ ما لك لم تفر معهم؟ فقال‏:‏ لم أجرم فأخافك، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسّع لك‏.‏

وقد روي من غير وجه أن عبد الله بن الزبير شرب من دم النبيّ ، كان النبيّ قد احتجم في طست فأعطاه عبد الله بن الزبير ليريقه فشربه، فقال له: ((لا تمسك النار إلا تحلة القسم، وويل لك من الناس، وويل للناس منك))، وفي رواية أنه قال له: ((يا عبد الله، اذهب بهذا الدم فأهريقه حيث لا يراك أحد))، فلما بعد عمد إلى ذلك الدم فشربه، فلما رجع قال: ((ما صنعت بالدم؟)) قال: إني شربته لأزداد به علما وإيمانا وليكون شيء من جسد رسول الله في جسدي وجسدي أولى به من الأرض، فقال: ((أبشر، لا تمسك النار أبدا، وويل لك من الناس، وويل للناس منك)).

وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء أن مجاهدًا قال: كان ابن الزبير إذا قام إلى الصلاة كأنه عود، وقال ثابت البناني: كنت أمر بابن الزبير وهو خلف المقام يصلي كأنه خشبة منصوبة لا تتحرك، وقسم ابن الزبير الدهر على ثلاث ليال، فليلة هو قائم حتى الصباح، وليلة هو راكع حتى الصباح، وليلة هو ساجد حتى الصباح. انتهى كلام الذهبي.

وعن مسلم ابن يَنَّاق قال: ركع ابن الزبير يوما ركعة فقرأنا بالبقرة وآل عمران والنساء والمائدة وما رفع رأسه. وقال مجاهد‏:‏ لم يكن باب من أبواب العبادة يعجز عنه الناس إلا تكلفه ابن الزبير، ولقد جاء سيل طبق البيت فجعل ابن الزير يطوف سباحةً‏.‏

أيها المسلمون، ولقد كان عبد الله بن الزبير وهو لم يجاوز السابعة والعشرين بطلا من أبطال الفتوح الإسلامية، وشارك في فتح إفريقية والأندلس والقسطنطينية. وفي فتح إفريقية وقف المسلمون في عشرين ألف جنديّ أمام عدوّ قوامه مائة وعشرون ألفا، وألقى عبد الله نظرة على قوات العدو فعرف مصدر قوته التي تكمن في ملك البربر وقائد الجيش الذي يصيح بجنده ويحرضهم على الموت بطريقة عجيبة، فأدرك عبد الله أنه لا بد من سقوط هذا القائد العنيد، ولكن كيف؟ نادى عبد الله بعض إخوانه وقال لهم: احموا ظهري واهجموا معي، وشقّ الصفوف المتلاحمة كالسهم نحو القائد حتى إذا بلغه هوى عليه في كرَّة واحدة فهوى، ثم استدار بمن معه إلى الجنود الذين كانوا يحيطون بملكهم فصرعوهم ثم صاحوا: الله أكبر! وعندما رأى المسلمون رايتهم ترتفع حيث كان قائد البربر يقف أدركوا أنه النصر، فشدّوا شدَّة رجل واحد، وانتهى الأمر بنصر المسلمين. كما اشترك في الجيوش الإسلامية التي فتحت إصطخر من بلاد فارس.

ولما حوصر الخليفة عثمان بن عفان في بيته سنة 35هـ=655م كان عبد الله بن الزبير في مقدمة المدافعين عنه.

ومن المواقف المؤثرة في حياته ما ورد أن عائشة رضي الله عنها بلغها أن عبد الله بن الزبير كان في دار لها باعتها، فسخط عبد الله بيع تلك الدار فقال: أما والله لتنتهينّ خالتي عائشة عن بيع رباعها ودورها أو لأحجرن عليها، قالت عائشة: أوَقال ذلك؟! قالوا: قد كان ذلك، قالت: لله عليّ أن لا أكلّمه حتى يفرِّق بيني وبينه الموت، فطالت هجرتها إياه فأثر ذلك في حياة ابن الزبير، فاستشفع بكلّ أحد فأبت أن تكلّمه. فلما طال ذلك كلّم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود أن يشملاه بأرديتهما ثم يستأذنا على عائشة، فإذا أذنت أدخلاه عليها، ففعلا ذلك، فدخلا وهي لا تشعر، فدخل معهما ابن الزبير فكشف الستر فاعتنقها وبكى وبكت عائشة بكاء كثيرًا، وناشدها ابن الزبير الله والرحم، ونشدها مسور وعبد الرحمن بالله والرحم، وذكرا لها قول رسول الله : ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث))، فلما أكثروا عليها كلّمته بعدما خشي أن لا تكلمه. ثم بعثت إلى اليمن بمال فابتيع لها أربعون رقبة فأعتقتها. قال عوف وهو أحد الرواة: ثم سمعتها بعد ذلك تذكر نذرها ذلك فتبكي حتى تبل خمارها.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية


الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد: مما يجدر ذكره هنا أن ابن الزبير حكم العراق والحجاز في عهد بني أمية تسع سنين، ولكن بني أمية أخذوا العراق منه بعد أن انتصروا على مصعب بن الزبير، فأعدّوا حملة عسكرية في عشرين ألف جندي، بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي، ووجهها عبد الملك بن مروان الأموي إلى الحجاز للقضاء على ابن الزبير المعتصم بمكة الذي لم يكن بمقدوره الصمود بعد أن فقد معظم دولته، ولم يبق له سوى الحجاز، ولم تكن بطبيعة الحال غنية بالمال والرجال، لكنه لم يسلّم الراية، ولم يستسلم مهما كلفه الأمر، فطبيعته وخلقه يأبيان ذلك.

توجه الحجاج إلى الحجاز، ونزل الطائف، وأخذ يرسل بعض جنوده لقتال ابن الزبير، فدارت بينهما عدة اشتباكات كانت نتيجتها في صالح الحجاج، ثم تقدّم إلى محاصرة عبد الله بن الزبير ونصب المنجنيق على جبل أبي قيس، فلما أهلّ ذو الحجة لم يستطع ابن الزبير أن يحجّ، وحجّ بالناس عبد الله بن عمر، وطلب من الحجاج أن يكفّ عن ضرب الكعبة بالمنجنيق؛ لأنّ الناس قد امتنعوا عن الطواف فامتثل الحجاج، وبعد الفراغ من طواف الفريضة عاود الحجاج الضرب، وتشدّد في حصار ابن الزبير حتى تحرّج موقفه، وانصرف عنه رجاله ومنهم ابناه حمزة وخبيب اللذان ذهبا إلى الحجاج وأخذا منه الأمان لنفسيهما.

فلما رأى عبد الله بن الزبير ذلك دخل على أمّه أسماء بنت أبي بكر حزينًا يشكو إليها ما هو فيه من هم وحزن، فشدّت من أزره، وأوصته بالصبر والثبات وعدم التراجع ما دام على الحقّ، فخرج من عندها وذهب إلى القتال، فاستشهد في المعركة في 17 من جمادى الأولى 73هـ، وبوفاته انتهت دولته التي استمرت نحو تسع سنين.

قال عمر بن عبد العزيز يومًا لابن أبي مُلَيْكة: صِفْ لنا عبد الله بن الزبير، فقال: والله، ما رأيت نفسًا رُكّبت بين جَنْبين مثل نفسه، ولقد كان يدخل في الصلاة فيخرج من كل شيء إليه، وكان يركع أو يسجد فتقف العصافير فوق ظهره وكاهله، لا تحسبه من طول ركوعه وسجوده إلا جدارًا أو ثوبًا مطروحا، ولقد مرَّت قذيفة منجنيق بين لحيته وصدره وهو يصلي، فوالله ما أحسَّ بها ولا اهتزّ له، ولا قطع من أجلها قراءته ولا تعجل ركوعه. وسئل عنه ابن عباس فقال على رغم ما بينهم من خلاف: (كان قارئًا لكتاب الله، مُتَّبِعًا سنة رسوله، قانتًا لله، صائمًا في الهواجر من مخافة الله، ابن حواريّ رسول الله، وأمّه أسماء بنت الصديق، وخالته عائشة زوجة رسول الله، فلا يجهل حقه إلا من أعماه الله).

كان عبد الله بن الزبير من العلماء المجتهدين، وما كان أحد أعلم بالمناسك منه، وقال عنه عثمان بن طلحة: كان عبد الله بن الزبير لا يُنازَعُ في ثلاثة: شجاعة، ولا عبادة، ولا بلاغة). وقد تكلّم عبد الله بن الزبير يومًا والزبير يسمع فقال له: أي بُنيّ، ما زلت تكلّم بكلام أبي بكر رضي الله عنه حتى ظننتُ أنّ أبا بكر قائمٌ، فانظُر إلى منْ تزوّج فإنّ المرأة من أخيها من أبيها. وأول من كسا الكعبة بالديباج هو عبد الله بن الزبير، وإن كان ليُطيِّبُها حتى يجد ريحها مَنْ دخل الحرم.

اللهم احشرنا في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك.

عباد الله، صلوا على نبيكم وهاديكم محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وخلفائه وأصحابه وتابعيهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم وفق الشباب للخير والصلاح، وجنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، واجعلهم قرة عين لأمتهم يا رب العالمين...

__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس