عرض مشاركة واحدة
قديم 07-07-2009, 06:31 AM
  #87
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

هذه الخطبة عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله

إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد:
فأوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله عز وجل وطاعته, قال تعالى: ) وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً ) [النساء/131].

أيها المسلمون:
منذ أن كرم الله هذه الأمة ببعثة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأفواج الدعاة المصلحين يتعاقبون فيها، علماء مخلصين، ومربين ربانيون، داعين إلى الحق، حاكمين بالقسط، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر.
وإن العناية بسير الرجال تورث الإحساس بالعزة، وتنبت الشعور بالقوة، وتهدي إلى التمسك بالحق، وتقود إلى السمو في الخلق.

إخوة الإسلام:
إمام من الأئمة، عليه أجمعت الأمة، وذكره يزيد الإيمان والهمة، نشأ في طيبة الطيبّة، ونهل من معينها، فارتفع ذكره، وملأ الأرض علمه، جلس للتدريس في جنبات المسجد النبوي الشريف، حتى إذا قيل: عالم المدينة أو إمام دار الهجرة، لم ينصرف إلا إليه, إنه الإمام مالك رحمه الله تعالى.
قال عنه الإمام الشافعي: "إذا ذكر العلماء فمالك النّجم، ومالك حجّة الله على خلقه بعد التابعين"، وقال عنه الإمام النووي: "أجمعت طوائف العلماء على إمامة مالك وجلالته، وعظيم سيادته، وتبجيله وتوقيره، والإذعان له في الحفظ، والتثبت وتعظيم حديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه".
ولد الإمام مالك بن أنس في مدينة رسول الله ، صلى الله عليه وسلمسنة ثلاث وتسعين للهجرة, في خلافة سليمان بن عبد الملك. نشأ محبا للعلم مغترفا منه، على الرغم من فقره وقلة حاله. أحسنت أمُّه تربيته، ووفقت في تنشأته، أتته يوما وقالت له: "اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه"، وهكذا فلتكن الأمهات، على الهدى والأدب يربّين، ولصلاح الولد يسعيْن، ولقد صبغت هذه الكلمة حياة مالك حقيقة لا قولا، وواقعا لا خيالا، فغدا مدرسة في الأدب ينهل طلابه من هيئته وسمته، وتقتبس الأمة من سيرته، قال مالك لفتى من قريش: "يا ابن أخي تعلم الأدب قبل أن تتعلم العلم".
إن العلم إذا فصل عن الأدب فمهما كان المخزون العلمي والثراء المعرفي، فإنك واجد ضعف شديدا في الأخلاق والسلوك، ولا خير في علم امرئ لم يكسبه أدبا ويُهذبه خلق.
الجفوة بين العلم والأدب تفرز أعرافا مرضيّة، منها:التهجم على العلماء، والتطاول على الفضلاء، وسوء الأخلاق، وشذوذ السلوك، وعقوق الوالدين، والتقليد الأعمى.
قرأ الإمام مالك على شيوخ كثيرين، وقد كانت المدينة وقتها تعج بالعلماء من التابعين، تحتضنهم الجامعة الكبرى، والمدرسة الأولى، مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، علماء أطهار الأنفاس، بعلمهم وفضلهم سادوا الناس، تربىّ عليهم الإمام مالك رحمه الله، ونشأ في ربوعهم، مما ساعد على بناء شخصيته، وقوة نفسه، من هؤلاء الكرام: عبد الرحمن بن هرمز، وربيعة بن أبي عبد الرحمن المعروف بربيعة الراي، ونافع مولى ابن عمر, ومحمد بن شهاب الزهري، وهم من كبار الأئمة، وأعلام في هذه الأئمة.

أتباع سيد المرسلين:
جلس الإمام مالك للفتيا، ولم يجلس حتى شهد له سبعون شيخا من أهل العلم أنه موضع لذلك، وفرق بين من يزكي نفسه ويصدرها، ومن يصدره أهل العلم والفضل, يقول الإمام مالك: "وليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس، حتى يشاور أهل الصلاح والفضل، فإن رأوه أهلا لذلك جلس، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخا من أهل العلم أني موضع لذلك".

إخوة الإيمان:
من الخطإ احتقار أعمال الآخرين، ومن الجهل ظنُّ بعضنا أن ما يقوم به من خير أفضل من غيره، كتب إلى الإمام مالك أحد عبّاد عصره، يحضه على الانفراد والعمل، فكتب إليه مالك: "إن الله قسّم الأعمال كما قسّم الأرزاق، فربّ رجل فتح له في الصلاة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، وآخر فتح له في العلم، ونشر العلم من أفضل الأعمال، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر".
فبالصدق والاتباع: أفراد الأمة يكمل بعضهم بعضا، لا غنى لأحدهم عن الآخر، قال تعالى: )وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ( [التوبة/71]، وفي الحديث الصحيح: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" متفق عليه.
كان الإمام مالك إذا سئل عن مسألة قال للسائل:"انصرف حتى أنظر فيها" فينصرف ويتردد فيها، فقيل له في ذلك فبكى وقال: "إني أخاف أن يكون لي من السائل يوم وأي يوم".
وسأله رجل من أهل المغرب عن مسألة كلفه به أهل تلك البلاد، فكان جواب الإمام مالك: "لا أدري، ما ابتلينا بهذه المسألة في بلدنا، وما سمعنا أحدا من أشياخنا تكلم فيها، ولكن تعود "وفي اليوم التالي عاد الرجل فقال له الإمام مالك: " سألتني وما أدري ما هي" فقال الرجل: يا عبد الله تركت خلفي من يقول: ليس على وجه الأرض أعلم منك، فقال الإمام مالك: "لا أحسن".
وسأله أحدهم عن مسألة، وطلب وقتا للنظر فيها، فقال السائل: هذه مسألة خفيفة، فرد الإمام مالك: "ليس في العلم شيء خفيف" أما سمعت قول الله تعالى: "إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا"، وقال بعضهم: "لكأنما مالك – والله – إذا سئل عن مسألة واقف بين الجنّة والنار".هؤلاء العلماء الذين ملؤوا الدنيا بعلمهم وعملهم، يقول أحدهم أحيانا: "لا أدري"، وإنك لتعجب أشد العجب من أقوام ليس لهم حظ يذكر من العلم الشرعي، ثم يتقحمون حمى الشريعة، فيخوضون تحليلا وتحريما، يوجهون وينظرون، إن على الأمة أن تكل الأمر إلى أهله، ويعطوا القوس باريها، وأن لا يدخلوا فيما لا يحسنون، يقول مالك: "من أحب أن يجيب عن مسألة فليعرض نفسه قبل أن يجيب على الجنّة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة، ثم يجيب".
ومع هذا العلم الجم، والورع والزهد، كان إقباله على الله عظيما، وعبادته في السر أكثر منها في العلانية.
يقول ابن المبارك "رأيت مالكا فرأيته من الخاشعين، وإنما رفعه الله بسريرة بينه وبينه، وذلك أني كثيرا ما كنت أسمعه يقول: من أحب أن يفتح له فرجة في قلبه، وينجو من غمرات الموت، وأهوال يوم القيامة, فليكن عمله في السر أكثر منه في العلانية".
ويقول بعض معاصري الإمام مالك: "خرجت ليلة بعد أن هجع الناس هجعة، فمررت بمالك بن أنس، فإذا به قائم يصلي حتى بلغ" ثم لتسألن يومئذ عن النعيم "فبكى بكاء طويلا، وجعل يرددها ويبكي حتى طلع الفجر، فلما تبيّن له ركع، فصرت إلى منزلي فتوضأت ثم أتيت المسجد فإذا به في مجلسه، والناس حوله فلما أصبح نظرت فإذا أنا بوجهه قد علاه نور حسن".
وقال مطرف: "لقد رأيت مالكا وهو جالس في المجلس بعد الصبح يدعو، ووجهه يصفر ويخضر حتى أطال الدعاء"، وقال بن وهب: قيل لأخت مالك: "ما كان يشتغل به مالك في بيته؟ " قالت: "المصحف في بيته".
يقول الإمام الذهبي: "قد اتفقت لمالك مناقب ما علمتها اجتمعت لأحد غيره، أحدها: طول العمر والرواية، ثانيها: الذهن الثاقب والفهم وسعة العلم، ثالثها: اتفاق الأئمة على أنه حجة صحيح الرواية، رابعها: إجماع الأئمة على دينه وعدالته واتباعه للسنن، خامسها: تقدمه في الفقه والفتوى وصحة قواعده".
إذا ما عدّت العلماء يوما فمالك في العلوم هو الضياء
تبوّأ ذروة العلماء قوم فهم كالأرض وهو لهم سماء
بارك الله لي ولكم في الوحيين، ونفعني بهدي سيد الثقلين, أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي رفع قدر العلماء, واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمرنا بالاقتداء بالفضلاء, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد المرسلين والأنبياء, اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار النجباء.

أما بعد:
فاتقوا الله أيها الناس، واقتدوا بالعلماء المصلحين، المتبعين لنهج سيد المرسلين، فهم أعلم الناس بشرع الله تعالى، وأشدهم خشية له، قال تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) [فاطر/28].

معاشر المسلمين:
وبعد حياة حافلة بالعلم والهدى، والخشية والتقى، مرض الإمام مالك اثنين وعشرين يوما، ثم جاءته منيته، قال بكر بن سليم الصراف: دخلنا على مالك في العشية التي قبض فيها فقلنا: يا أبا عبد الله, كيف تجدك ؟ قال: "ما أدري ما أقول لكم، ألا إنكم ستعاينون غدا من عفو الله ما لم يكن لكم في حساب" قال: ما برحنا حتى أغمضناه، كان ذلك سنة تسع وسبعين ومائة لعشر خلون من ربيع الأول.
مات هذا الإمام الجليل، وقد خلّف للأمة مذهبا فقهيا، وتراثا علميا، ويكفيه من الشرف أن جمع للناس سنّة النبي صلى الله عليه وسلم في موطئه، وأن قدّم للأمة تلاميذ نجباء، حملوا الراية من بعده، كالإمام الشافعي وأسد بن الفرات وعبد الله بن وهب.
رحم الله الإمام مالك رحمة واسعة، وأسكنه فسيح الجنات، جزاء ما علّم وألف ونصح.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, والمسلمين والمسلمات, الأحياء منهم والأموات, إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين, ودمر اللهم أعداءك أعداء الدين, واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس