عرض مشاركة واحدة
قديم 29-10-2012, 01:31 AM
  #17
يحي البشري
عضو متميز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
المشاركات: 757
يحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond reputeيحي البشري has a reputation beyond repute
افتراضي رد: تجارة الرقيق في اوائل القرن التاسع عشر في الحجاز

- أفارقة الحجاز:

وتوزع أفارقة مكة على جماعات اثنية منغلقة على نفسها منذ القرن الميلادي التاسع عشر، لكل جماعة منها شيوخها وشبكتها الاجتماعية الخاصة – تمركزت غالبيتها في منطقة البير المالح امام المنشيّة بحارة المسفلة او في حارة جرول. كان لكل جالية افريقية في مكة شيخها (كبيرها) الذي يفصل في خلافاتها بأحكام قضائية موازية، يعاضده نقيب مدجج بعصا، يقوم مقام السلطة التنفيذية.

ونحن نعلم ان من شيوخ البرنو في مكة في العشرينات الميلادية من القرن الماضي الشيخ محمد فونتامي (أو: فولاني) والشيخ محمد جبركاني، فيما كان شيخ الفلاتة: الشيخ سمبو.

وساهم الرقيق من افريقيا الشرقية والسودان واثيوبيا وافريقيا الغربية (التكارنة) في اغناء التنوع الثقافي والإثني لمكة والحجاز.

ومنذ عام 1885م وصف المستشرق الهولندي سنوك هوروخرونيه ملامح الحياة الاجتماعية للجاليات الافريقية/المكيّة وكشف شيئاً من مظاهر ثقافتهم الفرعية الهجينة.

فهم يقومون باحتفالات شعبية اسبوعية تبدأ من ظهيرة يوم الخميس وتمتد الى تباشير صباح الجمعة. وكان لهم في مكة ما اسماه هوروخرونيه بـ”الاوركسترا الافارقية“: فيلعب الزنوج في مكة بآلة العود “الطنبورة” المكيّة، مرفقة بآلات الطبل، فيما يرتدي الراقصون أحزمة مشغولة بحوافر الغنم تُخرِج قرقعة أثناء الرقص والاحتكاك… ثم يرقصون رقصة المزمار البلدي. وبين دورات الجوش يحتسي لاعبو العصا من شراب محلي مُسكر يسمّى البوظة. ثم يعودون ادراجهم للعمل مع ظهيرة يوم الجمعة. [71]

ويقول هوروخرنيه: ومأكلهم متوفر ولابأس به. وهم بعد تحريرهم يسعى الفرد منهم للعمل بالأجرة كعمال بناء او سقائي مياه، الخ. فيما اغلبهم يفضلون البقاء تحت وصاية الأسر التي خدموا فيها خصوصا اذا قرروا الزواج.

ويتصدى الزنوج ذو المواهب الأكثر بروزاً للأعمال المنزلية او يعملون كأمناء متاجر ومحاسبي دكاكين تجارية.

ان اثرياء مكة يحبذون ملء منازلهم بالعبيد، وهؤلاء العبيد بدورهم يعيشون حياة مترفة مقارنة بغيرهم ويجري التعامل معهم كأفراد من العائلة. اما الكفؤين منهم فيتحولون تلقائياً الى مسيّري شئون التجارة للأسر التي يعملون فيها حتى يغدو “العبد” في كثير من الحالات مجرد لفظ خالٍ من اي مدلول.

وأغلب عبيد المنازل يجري اطلاق سراحهم حال تجاوزهم سن العشرين، نظراً لخوف ملاّكهم من استمرار اختلاطهم كبالغين مع نساء الأسرة وجواريها، ثم ان التحرير يبقي العلاقة مستمرة انما يمنح المّلاك فسحة من الثقة مع الأفراد المُحررين. [72]

ويتنافس المعاتيق مع الرجال المكيين في كافة مجالات الحياة بنديّة متساوية.

ولم تفرّق لوثة الاسترقاق بين أي طرف، كما انها لم تقف حكراً على اجناس الأفارقة والجاوى.

وارسل عيد بن سالم احد عُربان المدينة المنورة الذين تم أسرهم في احد معارك الاخوان وتم بيعهم، برسالة “نداء” بعثها في الحادي عشر من ابريل 1926م الى الوكيل القنصلي البريطاني في لنجا (على سواحل فارس) يخبره بملابسات اختطافه.

حينما حاصر جيش السلطان بن سعود المدينة كان عيد يخدم في حامية مدائن صالح ومع سقوطها تم تسليمه لجيش ابن سعود فنُفي الى قطر وهناك تملكه محمد بن فضال لمدة شهر ثم اخذه في قارب لثلاث اشهر بين جزر اللؤلؤ، وهناك حاول بيعه في جزيرة الشيخ (وهي جزيرة فارسية) لكنه هرب قبل ان يوقف في ساحل فارس ليعود ويمكث مع مالكه في نخيلو، حتى هروبه الثاني الان الى لنجا حيث يريد حسم امر حريته واثبات هويته. [73]

و خدم عيد بن سالم في جيش الشريف حسين النظامي منذ 1915م حين كان في سن الخامسة عشر، وأكدّ في رسالته الى انه شخصية معروفة يمكن ان يضمنها هؤلاء السادة من اعيان المدينة: الشريف شحات، والشريف ناصر، واسعد بن طاهر سنبل وعبدالمحسن بن طاهر سنبل. وان عمّه هو جمعة بن شليّه واخوه هو عايض بن سالم.

وسمّت وثائق الخارجية البريطانية، في مايو 1926م، في رسالة للكولونيل بريدو، المعتمد السياسي في الخليج، اسماء تجار نجديون وحساويون يتاجرون في تهريب العبيد من سواحل الامارات الى دواخل نجد: عجيل النجدي في دبي، ومحمد القفيدي في دبي والشارقة والبريمي، وبن عتيق في الشارقة وعجمان، وعبدالله الطويل في الشارقة، ومحمد بن عبدالله النصيبي في عجمان. [74]

ووقّعت حكومة الحجاز، تحت الادارة السعودية الجديدة، اتفاقية الغاء الرق في جنيف في سبتمبر 1926م.. لكن لحداثتها في الحجاز الذي كان يدخل مرحلة سياسية انتقالية، لم تعطى الاتفاقية اي عناية، فاُهملت.

وفي عام 1926م استخدمت حكومة التاج البريطاني اسطولها الرابض في مالطا لمراقبة تجارة العبيد في البحر الاحمر. كانت بريطانيا لا تزال تُحكم السيطرة على البحر الاحمر، الشريان الامبريالي الاكثر اهمية لها.

ومخرت البارجة كورنفلاور (العنبر) القادمة من مالطا العباب بين عدن وجدة وبورتسودان. اما البارجة داهيلا (زهرة الأضاليا) تركت مالطا للبحر الاحمر في 1927م.. وآبت البارجة كليماتس (الياسمينة) من ميناء بورتسودان الى مالطا عبر جزر كمران اليمانية.

وكان متعهدو نقل العبيد بين ضفتي البحر الاحمر متى ما صادفوا بارجة حربية بريطانية، فانهم يوعزون في فورهم للعبيد بسرعة الاختباء، بعد ايهامهم بأن هؤلاء الرجال “البيض” انما هم من فصيل “أكلة لحوم بشر”. [75]

ومن سخرية الأقدار ان البارجة كورنفلاور التي كانت تُستخدم للتفتيش عن العبيد المهرّبين في سنابيك البحر الاحمر، كانت هي من تولى نقل الشريف علي بن الحسين، آخر ملوك الحجاز الهاشميين الى منفاه الأخير في 25 ديسمبر 1925م.

وفي مايو 1927م اعترفت بريطانيا رسمياً بالحكم السعودي لمملكة الحجاز ونجد. وأصبح السير اندرو رايان، ممثلها في قنصلية جدة، أول مسؤل دبلوماسي رفيع بعد التحولات السياسية الأخيرة وصعود ابن سعود على عرش الحجاز.

وتم توقيع الاتفاقية البريطانية-السعودية، فيما يعرف بـ”اتفاقية جدة“. وجاء في مادتها السابعة ان “يتعهد صاحب الجلالة ملك الحجاز ونجد وملحقاتها بأن يتعاون بكل مالديه من الوسائل مع صاحب الجلالة البريطانية في القضاء على الاتجار بالرقيق”.

لكن في السابع من يوليو 1927م قام السنبوك الشراعي “سلك الهوا”، الذي يملكه حاجي محمد، ويقوده الناخوذة محمد صالح الدنقلي، بنقل 75 عبد اثيوبي من أملاك التاجر احمد عمر، الذي جلبهم من جيبوتي، بالقرب من تاجورة، مورّداً اياهم الى موانئ زيلع (الصومال)، وأوبخ (جيبوتي) ومنها الى المخا (اليمن) ومن الأخيرة الى الحجاز بالتهريب. [76]

وقدرت الوثائق البريطانية انه في عام 1927م وحده تم تهريب ما بين ثلاثمائة الى اربعمائة عبد بين اثيوبيا وحدها الى موانئ الجزيرة العربية.

وكانت آلية تهريب العبيد الاثيوبيين تجري كالتالي:

يُخطَف العبيد الاثيوبيون وخاصة البنات الصغار من انحاء أديس أبابا الغربية: من جماعات كافا وولغا وبني شنقول (وهؤلاء مقرّهم غرب اثيوبيا وهي منطقة تتبع شيخ الخوجلي الذي كان يفرض رسوم ضريبية على تجار العبيد فيها) – وكلهم من اصول عرقية زنجية يُسَمون باللغة الأمهرية بجماعة الشنقيلة – وهم ليسوا حاميين مثل جماعات الجلاس، فالجالاس والأمهريين هم من يخطف العبيد الزنوج ويتاجر بهم – ثم يعبر العبيد المخطوفون في مسارات سريّة الى شمال اديس أبابا حيث اسواق العبيد في باتيس وداوا (مناطق تابعة للعيسى) ومنها يساقون الى تاجورة من خلال التُجار الدانقلة.

في تاجورة يجري تنظيم العبيد في جبل الغواد – ويفرض عليهم سلطان راهيتا ضرائب تجبى عبر شيوخ قبيلة العيسى الصومالية.. ثم يباع العبيد الى التجار العرب في جيبوتي مقابل 160 دولار للرأس. ثم لا يبعثون من موانئ تاجورة الرئيسية مباشرة توجساً من الرقابة البحرية، فيرحلون بدلا من ذلك الى رأس دمار حيث يفرض سلطانها المحلي ضريبة اضافية عليهم. وحينما تهب الرياح الجنوبية على البحر الأحمر بين شهري نوفمبر ومارس، تنشط السنابيك وترفد سواحل جيبوتي موانئ الجزيرة العربية بأسراب العبيد والجواري صغيرات السن.

وكان سلاطين الدناقلة في ساحل جيبوتي يتقنون صناعة النعل والسِكافة بشكل ماهر، لكنهم تورطوا الى جانب ذلك في تجارة وتسويق الجواري البغيضة. وكانت الحكومة الفرنسية في جيبوتي في فترة من الفترات تقاسم السلطان الدنقلي ارباحه من تجارة العبيد.

وتحمل السنابيك في البحر الأحمر الكثير من الحصى الصغير (الصابورة) التي تستعمل كثقل الموازنة، وكانت تستخدم لتقييد ايدي العبيد.
يحي البشري غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس