عرض مشاركة واحدة
قديم 14-02-2011, 08:29 AM
  #6
محمد المعتصم ابراهيم
عضو جديد
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 2
محمد المعتصم ابراهيم is on a distinguished road
افتراضي رد : بلال رضي الله عنه‎

السلام عليكم ورحمة الله

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منقول

تمهيد

هذه سيرة رجل كريم من رجالات الإسلام الذين يعتز بهم، رفعه الإسلام كما رفع غيره من الموالي والأرقَّاء، ووصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه: >سابق الحبشة<· وكيف لا يكون سابقهم وهو الذي أسلم في مراحل الدعوة الإسلامية الأولى، وضحَّى بكل غالٍ ونفيس، حتى النفس بذلها في سبيل الله وابتغاء مرضاته···؟!

نسبه وبعض صفاته

هو بلال بن رباح رضي الله عنه، أمه حمامة، أصله من الحبشة، وُلِد في مكة قبل البعثة النبوية بثلاثين سنة، وقضت ظروفه أن يكون عبداً رقيقاً لأميَّة بن خلف القرشي، يسعى في خدمته وشؤونه، ثم اشتراه أبوبكر وأعتقه حراً لوجه الله تعالى·

كان أسمر اللون، نحيف الجسم، حسن الصوت نديَّه، طاهر القلب، سليم الطويَّة، صبوراً، شكوراً، صادقاً، أميناً، إدارياً، حازماً، شجاعاً، مقداماً، يعفو ويصفح، ويقبل عذر من اعتذر إليه·

إسلام بلال وصبره على الأذى

سمع بلال بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو إلى الإسلام، ويعرض فضائله ومكارمه، فارتاح إلى كلامه وأُعجب به، وسارع إلى الدخول في هذا الدين الجديد في وقت مبكر من تاريخ الإسلام، حتى قيل: بدأ الإسلام برجل وامرأة وصبي وعبد، وكان الرجل أبا بكر، والمرأة خديجة، والصبيُّ عليا، والعبدُ بلالاً· لكنَّ سيده أميَّة بن خلف رأس الكفر في مكة رفض ذلك، وأراد أن تكون له السلطة والسيادة على فكر بلال وعقله وقلبه، كما هو الحال على جسده وحريته·

وأُخضع بلال لأشد أنواع الأذى والعذاب لعله يرجع عن دينه، وقابله بلال بالصلابة والصراحة والثبات، وزاد أمية في تعذيبه وبلائه، فرماه مكبَّلاً ممدَّداً فوق الرمال اللافحة، وتحت الصخور اللاهبة، تنهال عليه ضربات السياط في وسط النهار الحار في بطحاء مكة، فكان بلال لا يزيد على أن يردِّد: أحدٌ أحدٌ·

وجاء أبوبكر رضي الله عنه إلى أميَّة يفاوضه في شراء بلال، فطلب أميَّة الكثير من المال، فأجابه أبوبكر إلى ذلك، لكنَّ أميَّة تراجع عن البيع وغالى في الثمن، فأعطاه أبوبكر ما يريد، ثم صحب معه بلالاً وأشهد الناس في مكة على إعتاقه حراً طليقاً لوجه الله تعالى، وفي ذلك نزلت الآية: (وما لأحد عنده من نعمة تُجزى· إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى· ولسوف يرضى) الليل:19 ـ 21، وصار بلال يلازم النبي صلى الله عليه وسلم ويجالسه في أي وقت يشاء·

مسؤوليات بلال بعد الهجرة

دعا الإسلام إلى المساواة بين الناس على اختلاف أجناسهم وأصنافهم وألوانهم، لا فرق بين عربيِّهم وعجميِّهم، ولا بين فقيرهم وغنيهم، ولا بين حسيبهم وسوقتهم، وعمل على جعل معيار التفاضل بين الناس جميعاً: التقوى والعمل الصالح، الذي يرضي الله تعالى وينفع الناس: (يأيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) الحجرات:13·

ومن هذا المنطلق قام النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة بإسناد وظائف كثيرة إلى بلال، نظراً لما لمِس منه من كفاءة وأمانة وتضحية واقتدار، وأعظم هذه الوظائف أنه جعله أميناً على الأذان، ذلك النداء العُلْوِي الذي يتكرر في اليوم خمس مرات، يعلن تعظيم الله تعالى وتمجيده، ويجمع الناس لأداء أعظم العبادات في الإسلام، بما تتضمنه من تآلف وطاعة ووحدة كلمة، وطهر نفسي وانضباط اجتماعي·

وقام بلال ـ أول مؤذن في الإسلام ـ بهذه المسؤولية خير قيام، مع نداوة صوت، وحلاوة حسٍّ، وعذوبة كلمات، واستمر كذلك أميناً على الأذان النبوي ـ مع آخرين من الصحابة ـ حتى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم·

كما أسند النبي صلى الله عليه وسلم إلى بلال مسؤوليات أخرى ومن ذلك: تولي نصب خيمته صلى الله عليه وسلم، والإشراف على نفقة البيت النبوي، وجباية الصدقات، ورعاية الغنائم والقيام على حفظها، وتقديم الجوائز والأعطيات للوفود والزائرين، والإشراف على إطعام الجيش في السفر·

رأى النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً فقال: >السُّبَّاق أربعة: أنا سابقُ العرب، وسلمان سابق الفرس، وبلال سابق الحبشة، وصهيب سابق الروم< رواه البزار·

لقد كان بلال في هذا المعنى بالمحل الأول والموضع الذي لا يُجهل، كان مضرب المثل عبر الأجيال، وظل اسمه يتردد على كل لسان في تاريخ الإسلام وهو من غير العرب، وهكذا يفعل الإسلام بالعاملين المخلصين المضحِّين·

موقف بلالي للتاريخ

تذكر الروايات التاريخية: أنه حدث خلاف بين أبي ذر الغفاري العربي الأرومة، وبلال بن رباح الحبشي الأصل، فقام أبوذر يُعيِّر بلالاً بأمه السوداء الحبشية حمامة ويقول: يابن السوداء، وفكَّر بلال فيما سمع، وقدَّر أنَّ هذا جرم خطير لا ينبغي السكوت عليه، مخافة أن يستشري بين أفراد المجتمع الواحد فيمزق الصف الداخلي، ويحرق الأخضر واليابس، لكنَّه لم يردَّ على أبي ذر، بل عمد إلى النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الشأن والقرار، ليعالج هذا الخطر ويقتلعه من جذوره، وذكر له ما قاله أبوذر·

وطلب النبي صلى الله عليه وسلم من أبي ذر أن يحضر إليه، ولما تأكد له ما فعله خاطبه معنفاً: >أعيَّرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية··<· ثم أوضح له ذلك المعنى الخالد بما يشرح صدر كل إنسان ويزيده إعجاباً بالإسلام: >إخوانُكم خَوَلُكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليُطعمْه مما يأكل وليُلبسه مما يلبس، ولا تكلِّفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم< رواه الشيخان·

فلما سمع أبو ذر هذا الكلام تأثر به أيّما تأثر، وألقى بنفسه على الأرض ووضع خدَّه عليها، وطلب من بلال أن يطأ خدَّه الآخر بقدمه، معتذراً إليه عمَّا فعل، راداً إليه اعتباره أمام الناس، لكنَّ بلالاً أبى ذلك، وأمسك بيد أبي ذر يرفعه إليه قائلاً: غفر الله لك يا أخي···

وهكذا دفن الإسلام العصبية والتفاخر بالأحساب، وجعل الناس إخوة متحابين، يتفاضلون عند الله بالطاعة والعمل الصالح· ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر

ظلَّ بلال ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم في حضره وسفره، يشهد معه جميع الرحلات والغزوات، ناشراً للإسلام ومدافعاً عنه وحامياً لأهله·

حضر بدراً، وأحداً، والخندق، وصلح الحديبية، وفتح مكة، وغيرها من المشاهد··· وكان شجاعاً مقداماً، تقرُّ به عينا النبي صلى الله عليه وسلم وعيون أصحابه، يتولى شؤون الجيش في طعامه وشرابه وغنائمه·

مشاركته في فتح الشام ونشر الإسلام

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وتولِّي أبي بكر الخلافة، رأى بلال أن تكون له مشاركة في إيصال الإسلام إلى بلاد الشام وتبليغه للناس، فجاء إلى أبي بكر مستأذناً في أن يخرج مع الدعاة المجاهدين في جيش أبي عبيدة، فأراد أبوبكر أن يستبقيه إلى جانبه، فقال له: يا أبا بكر، إن كنت أعتقتني لنفسك فاستبقني عندك، وإن كنت أعتقتني لله فدعني أخرج في سبيل الله، فأذن له أبوبكر فخرج ـ وقد جاوز الستين ـ مع أبي عبيدة، وكان له خير عضد ونعم المعين·

شارك بلال في نشر الإسلام والدعوة إليه والتعريف به في بلاد الشام، فطاف فلسطين داعياً مجاهداً، ثم قصد دمشق مع الفاتحين واستقر بها فترة، ثم رحل إلى حلب وأقام بها، ثم عاد إلى دمشق عازفاً عن الدنيا وما فيها، يروي الأحاديث التي سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم ويعلِّم الناس أينما حلَّ وارتحل·

وجاءه مرة بعض أصحابه يلتمسون منه الأذان للصلاة، فتمنَّع عليهم، فألحُّوا عليه لعلَّهم يجدّدون ذكريات أيام النبوة وما فيها من صفاء وحلاوة إيمان، فأجابهم إلى طلبهم وقام يؤذن بهم، فلما بلغ: أشهد أنَّ محمداً رسول الله، خنقته العبرة، وأخذه الإجهاش، فلم يستطع أن يكمل الأذان·

وفاته رضي الله عنه

استمر بلال يقيم في دمشق حتى داهم المسلمين في تلك الديار مرضٌ عُرِف بـ>طاعون عمواس<، نسبة إلى البلد التي استفحل فيها وانتشر، وذلك في خلافة عمر رضي الله عنه وكان بلال ممن أصيب بذلك المرض، وكان كلما اشتد عليه الوجع قالت له زوجته: وا كرباه، فيقول لها: بل وا طرباه، غداً ألقى الأحبة، محمداً وصحبه، ثم توفي رضي الله عنه وقد جاوز السبعين من عمره، وقيل توفي في مدينة حلب ودفن فيها·

وبعد: فهذا هو الإسلام في بعض رجاله الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وهذه سيرة هذا الصحابي الهُمَام المؤمن، الصابر المحتسب، المجاهد القدوة، الذي نال ثقة النبي صلى الله عليه وسلم وشارك في بناء الأمة الإسلامية، وعمل في إدارات مؤسساتها بإخلاص وصدق وكفاءة، لعل فيها حافزاً لنا ولشبابنا في استنهاض الهمم نحو مزيد من الصبر والتضحية، والجد والمثابرة، وجِلاد المشاقِّ لإدراك العظائم، وتحمل المسؤوليات التي تعمر الأوطان، وترقى بالمجتمعات إلى السؤدد والمجد والعزة والازدهار·

المراجع

1 ـ الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر·

2 ـ بعض كتب الحديث الشريف·

3 ـ تاريخ دمشق لابن عساكر·

4 ـ تفسير ابن كثير·

5 ـ حلية الأولياء للأصفهاني·

6 ـ مجمع الزوائد للهيثمي·
رضى الله عنه وارضاه
محمد المعتصم ابراهيم غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس