عرض مشاركة واحدة
قديم 15-06-2008, 11:36 AM
  #5
حسين آل حمدان الفهري
. . :: كاتب وباحث :: . .
 الصورة الرمزية حسين آل حمدان الفهري
تاريخ التسجيل: Jan 2005
الدولة: ديرة تولد بها .. وديرة ترزق بها
المشاركات: 2,947
حسين آل حمدان الفهري has a reputation beyond reputeحسين آل حمدان الفهري has a reputation beyond reputeحسين آل حمدان الفهري has a reputation beyond reputeحسين آل حمدان الفهري has a reputation beyond reputeحسين آل حمدان الفهري has a reputation beyond reputeحسين آل حمدان الفهري has a reputation beyond reputeحسين آل حمدان الفهري has a reputation beyond reputeحسين آل حمدان الفهري has a reputation beyond reputeحسين آل حمدان الفهري has a reputation beyond reputeحسين آل حمدان الفهري has a reputation beyond reputeحسين آل حمدان الفهري has a reputation beyond repute
افتراضي رد : الفرق--بين الثقافه والمعرفه--!!

وهنا اقدم لكم تعريف للاديب المعروف ابراهيم البليهي عن تعاريف الثقافة:



تعدُّد تعريفات مفهوم الثقافة



إبراهيم البليهي
لا يستطيع أي مجتمع أن يتقدم ويزدهر حتى يعرف المكوِّنات الثقافية التي تتحكَّم به وتُنَمِّط تفكيره وتحدِّد اهتماماته وتوجِّه نشاطه. إن الثقافة بمعناها الانثروبولوجي هي أسلوب أو طريقة الحياة التي يعيشها أي مجتمع بما تعنيه من تقاليد وعادات وأعراف وتاريخ وعقائد وقيم واهتمامات واتجاهات عقلية وعاطفية وتعاطف أو تنافر ومواقف من الماضي والحاضر ورؤى للمستقبل، إنها طريقة تفكير وأنماط سلوك ونُظُم ومؤسسات اجتماعية وسياسية وما يعيشه المجتمع من انفتاح أو انغلاق، فالثقافة بهذا المحتوى العلمي هي في الغالب لا تأتي قصداً من الأفراد وإنما يكتسبها الناس امتصاصاً من البيئة منذ ولادتهم، وإذا اكتسبوها بالقصد فإن قصْدهم يون محدَّداً بالبرمجة من الأهل والمجتمع، فهم يتشرَّبون ثقافة أهلهم ومجتمعهم مثلما يتشرَّبون اللغة الأم ويحكمون على كل شيء وفق المعايير السائدة التي امتصوها امتصاصاً تلقائياً، وامتزجت بعقولهم ووجدانهم.. فهي تحركهم بمخزون اللاشعور ولكنهم يتوهمون أنهم يفعلون ذلك بمحض اختيارهم وفيض إرادتهم ويجهلون أن مصدر هذه الثقة هو البرمجة الراسخة فيظلون مأخوذين بما تبرمجوا عليه ولا يخطر على بالهم أن يرتابوا فيه أو يراجعوه، ومن هنا تمايزت أوضاع المجتمعات.
إن تنوع الثقافات هو الذي يحدِّد تنوع المجتمعات فإليه تعود الاختلافات الكثيرة والكبيرة في الأحوال والأوضاع وطُرق التفكير وأنماط السلوك، كما أن التنوع الثقافي هو الذي يحدِّد المستويات الحضارية للمجتمعات وهو السبب في هذا التفاوت الشاسع في درجات التخلف أو التقدم، ومع كل هذا التعقيد الشديد لمفهوم الثقافة فإن أكثر القراء يتوهمون بأن (الثقافة) مفهوم شديد الوضوح جَرْياً على ما اعتادوا عليه في الحس العام، وهو حسُّ مبنيُّ في الغالب على ثقافة المشافهة وليس مبنياً على المعرفة العلمية الممحَّصة فيبقون واثقين من صحة فهمهم ويظلون واهمين بأن المفهوم لا يحتاج إلى بحث ولا تعريف، ومن هنا يأتي الإعضال لأن الذي يستشكل يجتهد في البحث حتى يعرف الحقيقة فلا يطمئن حتى يزول الإشكال. أما الذي يعتقد أنه يعرف دلالات المفهوم وهو لا يعرفها فإنه يتوهم جَهْلَه علماً فيصرُّ عليه ويدافع عنه ويبقى مغتبطاً به مما يحول بينه وبين محاولة إدراك حقيقة مفهوم الثقافة الذي أتعب الفلاسفة والعلماء والباحثين بمحاولة استقصاء دلالته واستكناه محتواه ومحاولة إيجاد تعريف جامع مانع له ثم الحرص على تبسيطه ليكون مفهوماً لغير المتخصصين.

لقد بلغت كثافة مفهوم الثقافة وتعقيدات مضمونه وتعدُّد عناصره وتنوُّع محتواه واختلاف موصوفه وتباين درجات مدلوله أن فرعاً علمياً بأكمله تستغرقه محاولة تعريف هذا المفهوم المحوري وتحديد دلالاته وإبراز نتائجه وتتبُّع آثاره وبسبب هذه الأبعاد الدلالية الزاخرة بات يتردد في الكتابات أن له أكثر من مائة تعريف إمعاناً في تأكيد غموضه والتباسه ولم تقتصر محاولات جلاء هذا الكائن الكُلّي المركَّب على علماء الانثربولوجيا الثقافية والاتنولوجيا وعلم الاجتماع بتفريعاته المتعدِّدة وإنما واجهت المفكرين في كل مكان معضلةُ عجز كثير من المجتمعات عن التفاهم أو عدم قدرتها على الإفلات من قبضة التخلف، وكانت هذه المعضلة حافزاً للمفكرين للتعرُّف على محفّزات النمو ومعوِّقاته فاحتلَّ مفهوم الثقافة بؤرة الاهتمام وبات قاسماً مشتركاً بين المعنيين بالإصلاح والمهتمين بالتنمية والمشتغلين بالفكر. لقد امتد الاهتمام بالتباينات الثقافية إلى فروع معرفية واسعة ومتنوعة وشارك مثقفون كثيرون من كل الثقافات في محاولات شرح هذا المفهوم وتقريب مدلولاته وتأكيد أهمية المعرفة الفردية الراقية داخل الثقافة الواحدة لأن التكامل بين إبداع القلة واستجابة الأغلبية من أهم عوامل الازدهار.

ومع كل هذه الكثافة وهذا الغموض والالتباس الذي استوجب من الفلاسفة والمفكرين والعلماء والباحثين كثيراً من الجهود الفكرية والبحثية للتوصُّل أوَّلاً إلى اكتشاف الفعل الحاسم للثقافة السائدة في أي مجتمع وكونها تتحكَّم بعقول وعواطف وأوضاع المجتمعات وتعمل على استمرار هذه الأوضاع ثم من أجل تكوين هذا المفهوم الجامع ثانياً ثم من أجل جلائه وتحليله وشرحه ثالثاً، ولكن رغم كل ذلك فإن القارئ الساذج قد يتوهم أنه يعرفه تمام المعرفة فلا يحاول أن يتعرَّف عليه ويبقى جاهلاً به فتفوته مداخل أساسية للمعرفة الممحَّصة لا تُعَوِّضها القراءات المشتتة مهما اتسعت. فإدراك المفهوم هو مفتاح المعرفة العلمية أما إذا سار الدارس وهو يفتقر إلى هذا المفتاح فإنه كمن يجمع مواد البناء دون أن يؤسس لها ودون أن يكون معه لها إطارٌ جامع ودون أن يجيد تنظيمها وبناءها ودون أن يتوافر لديه مخطط أو تصميم لهذا البناء.

يتبع
حسين آل حمدان الفهري غير متواجد حالياً