مشرف مجلس التربية والتعليم
تاريخ التسجيل: Jul 2006
الدولة: نجد
المشاركات: 8,288
تقرير اقتصادي لمقاومة التضخم في السعودية
تقرير حديث لـ" جدوى للاستثمار" : لمقاومة التضخم في السعودية .. تعديل سعر الصرف ورصد التجار ودعم المنتجين
الاقتصادية 07/10/2007
أرجع تقرير اقتصادي حديث أصدرته شركة جدوى للاستثمار المصدر الرئيسي للتضخم في السعودية إلى أسعار السلع الغذائية, حيث ارتفعت في السنوات الأخيرة بوتيرة عالية. والسبب الأساسي وراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية – كما يشير التقرير - فهو جموح الأسعار في بورصات السلع العالمية، إضافةً إلى بعض العوامل المؤقتة مثل الأحوال المناخية التي ساهمت في تعقيد عملية التحور في أنماط استهلاك واستخدامات المنتجات الزراعية متسببةً بذلك في غلاء أسعار المواد الغذائية في دول العالم كافة. ومن شأن الفجوة الحالية بين العرض والطلب أن تتقلص بمرور الوقت وأن تتراجع أسعار السلع الزراعية في نهاية الأمر، بيد أن قرائن الأحوال في الوقت الراهن تشير إلى أن الأعوام القليلة المقبلة ستشهد تواصل ارتفاع التضخم في أسعار المواد الغذائية إلى نحو 5 في المائة في المتوسط. إلى التفاصيل:
على الرغم من ارتفاع أسعار السلع الزراعية في السعودية ومضاهاة التضخم فيها مستويات دول الخليج الأُخرى وعدم اختلافه كثيراً عن بريطانيا أو الولايات المتحدة، إلا أننا لم نشهد ما يدل على انخراط تجار التجزئة في رفع الأسعار بصورة متعمدة، رغم أن الادعاءات بارتفاع الأسعار بصورة غير مبررة خلال شهر رمضان تبدو أكثر مصداقية. وساهمت عوامل محلية أخرى في غلاء أسعار المواد الغذائية، بيد أن العوامل العالمية الواردة أدناه كانت السبب الرئيسي وراء غلاء أسعار المواد الغذائية والمشروبات:
تحور الأنماط الاستهلاكية: نتج عن ارتفاع دخول الأفراد في الصين والهند تحورات كبيرة في الأنماط الغذائية عالمياً، حيث تتغير العادات الغذائية بارتفاع مستوى الدخل. وباعتبار عدد السكان المهول البالغ 2.5 مليار نسمة في هاتين الدولتين فإن التحورات فيهما لها تداعيات ضخمة على أسعار المواد الغذائية عالمياً.
استخدام المحاصيل الزراعية في إنتاج الطاقة
الزراعية كلقيم في إنتاج مادة الإيثانول (من الذرة والقمح وقصب السكر) جاء على حساب مساحات المحاصيل الغذائية الأُخرى (خصوصا في الولايات المتحدة) التي تراجعت متسببةً في ارتفاع أسعارها بصورة حادة.
الأحوال الزراعية السيئة: شهد العامان الماضيان أحوالاً مناخية سيئة على نحو غير عادي في عدد من الدول الزراعية الرئيسية، فقد شهدت أستراليا على وجه الخصوص أسوأ موجة جفاف تتعرض لها على مدى قرن من الزمان في عام 2006، ولم تكن الأحوال الزراعية في أوروبا وأمريكا الشمالية بأفضل حالاً في الأعوام الأخيرة.
ارتفاع تكلفة السلع المستورة: حيث تسبب الارتفاع في أسعار النفط في زيادة تكلفة النقل والشحن كما تسبب تراجع سعر الريال في ارتفاع أسعار بعض السلع المستوردة.
ورغم أن آثار بعض هذه العوامل ستتلاشى بمرور الزمن (بسبب تحسن ظروف الطقس على سبيل المثال) إلا أن الأوضاع على أرض الواقع مهيأة لارتفاع التضخم في أسعار المواد الغذائية بمعدلات أعلى من المعتاد. وليس في مقدور الدولة عمل الكثير حيال هذه الظروف حيث نجم الارتفاع في أسعار السلع عن مستجدات عالمية خارجة عن سيطرتها.
أسعار المواد الغذائية ترتفع بوتيرة عالية
المصدر الأساسي والأكثر وضوحاً للتضخم في السعودية في الأعوام الأخيرة هو الارتفاع المتواصل في أسعار المواد الغذائية. ورغم أن الإيجارات آخذة في الارتفاع بمعدل يفوق المواد الغذائية إلا أنها لا تزال محصورة في الرياض والمدن الساحلية في المنطقة الشرقية خلاف أسعار السلع الغذائية التي ارتفعت على نطاق كل المملكة. وكانت أسعار المواد الغذائية قد ارتفعت بمعدل لا يعدو 8.4 في المائة بين عامي 1983 و2003، لكنها قفزت بمعدل 16.8 في المائة منذ عام 2004.
أسعار السلع الغذائية المرتفعة لا تفاضل بين الأُسر، وبما أن المستهلكين يميلون إلى شراء مواد بعينها كل مرة نجد أنهم ينتبهون مباشرة إلى التغير في أسعارها. ورغم تحديد الدولة أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية، مثل الخبز والحليب والطحين والقمح والشعير، لكن لا جدال أن الأسر محدودة الدخل تعاني الأمّرين نتيجة ارتفاع الأسعار، حيث إن المواد الغذائية تشكل نسبة أكبر من إجمالي إنفاقها.
لماذا ارتفعت أسعار المواد الغذائية؟
أسعار المواد الغذائية الأعلى في السعودية نتاج طبيعي لارتفاع أسعار السلع عالمياً الذي انعكس على أسعار المواد الغذائية في كل الدول. فقد بلغ التضخم في أسعار المواد الغذائية في الولايات المتحدة 5.9 في المائة في شباط (فبراير) هذا العام وهو أعلى مستوى له طيلة 26 عاما، كما بلغ 6 في المائة في بريطانيا في نيسان (أبريل) و18.2 في المائة في الصين في آب (أغسطس). كما ساهمت بعض العوامل المحلية في الإضافة للضغوط التضخمية لكن أثرها كان محدوداً حيث إن اتجاهات أسعار الأغذية الحالية في السعودية لا تختلف كثيراً عن مثيلاتها في بقية دول المنطقة، وتشير آخر البيانات إلى بلوغ التضخم في أسعار الأغذية 5.6 في المائة في الكويت والإمارات و7.5 في المائة في دولة قطر.
وقد عملت هذه التطورات على انخفاض كمية المعروض من الذرة المتوافرة للاستخدامات الأخرى متسببة في ارتفاع أسعارها في السوق الأمريكي بواقع الضعفين خلال العام الماضي وإلى ارتفاع أسعارها عالميا بواقع 50 في المائة خلال العامين المنتهيين في آب (أغسطس) 2007. وقد انعكس ذلك بصورة واضحة على أسعار طيف واسع من السلع تشتمل على خبز التورتيلا المكسيكي والمعجنات الإيطالية والجعة الألمانية حيث تدخل الذرة كمكون أساسي في تصنيع كل منها. كما تمثل الذرة عنصراً مهماً في صناعة الأعلاف الحيوانية. وتتسبب أسعار الأعلاف المرتفعة في ارتفاع تكلفة الإنتاج على المزارعين مما يضطرهم بالتالي إلى رفع أسعار اللحوم والدواجن ومنتجاتها الأخرى (مثل البيض). إضافة إلى ذلك، وفي سياق سعيهم لإنتاج الإيثانول، لجأ المزارعون إلى خفض إنتاجهم من المحاصيل الأخرى مما تسبب في خلق حالات شح أخرى وغلاء في الأسعار.
الظروف الزراعية السيئة: الإنتاج الزراعي معرض لمخاطر تقلبات الطقس التي تتسبب عندما تسوء في تراجع الغلة وارتفاع الأسعار. وقد شهدت الأعوام الأخيرة أحوالاً مناخيةً رديئة على نحو غير عادي في الدول الزراعية الرئيسية. فقد شهدت أستراليا على وجه الخصوص أسوأ موجة جفاف تتعرض لها طيلة قرن كامل في عام 2006 متسببة في تراجع إنتاجها من القمح والشعير بواقع النصف مما زاد من حدة حالة الشح العالمية المتردية أصلا. كما عانت أوروبا وأجزاء من أمريكا الشمالية من أحوال مناخية رديئة في السنوات الأخيرة مما أثر في إنتاج أنواع أخرى من المنتجات الزراعية مثل البطاطس والجزر. وحتى إذا لم يتأثر الإنتاج في الأسواق الرئيسية ألتي تستورد منها السعودية بصورة مباشرة من أحوال الطقس فإن من شأن الطلب القوي من الدول الأخرى التي تسعى لتعويض الشح في الإمدادات بسبب عوامل الطقس أن يتسبب في ارتفاع الأسعار التي يدفعها المستورد السعودي.
أسعار المواد الغذائية في رمضان
يتعذر تحديد أسباب ارتفاع الأسعار خلال شهر رمضان من البيانات المتوافرة، لكننا نعتقد أن مرد ذلك يعود جزئياً إلى الطلب العالي على المنتجات الطازجة بما يفوق المعروض منها محليا مما يدعو لاستيراد منتجات أكثر تكلفة. إضافة لذلك، من الوارد أن بعض تجار التجزئة والجملة يستغلون شهر رمضان ويعمدون إلى رفع الأسعار خلاله. وفي مقدور تجار التجزئة والجملة، من أجل موازنة الطلب المرتفع، اللجوء إلى تعزيز مخزوناتهم من المنتجات عالية الدوران في رمضان وبالتالي تنتفي الأسباب التي تدعو إلى رفع الأسعار.
لم تتعد الزيادة الفعلية في أسعار المواد الغذائية خلال رمضان 1 في المائة في المتوسط. وربما يعد الكثير من المستهلكين أن تلك نسبة منخفضة لكن يتعين الانتباه إلى أن بيانات التضخم يتم حسابها من خلال مقارنة الأسعار الشهرية لسلة معينة من السلع. ومن الجلي أن الإنفاق على المواد الغذائية يرتفع خلال رمضان ويعزى ذلك لحد كبير إلى لجوء المستهلكين لتنويع مشترياتهم والصرف على منتجات أكثر تكلفة مقارنة ببقية العام، هذا عدا أثر العامل النفسي المعروف بأن البشر يميلون لشراء كميات أكبر من الطعام عند التسوق على بطون خاوية.
ولا تقتصر التطورات فقط على التغير في الأحوال المناخية العالمية، حيث إن الكثير من السلع الخام (مثل الحبوب والفاكهة واللحوم) تعد مكونات رئيسية لمعظم المنتجات الغذائية المتوافرة في منافذ التجزئة السعودية رغم أنها لا تشكل إلا نسبة صغيرة من السعر النهائي في أغلب الأحيان، حيث يتطلب الأمر إضافة تكاليف الإعداد والتعبئة والتسويق والتوزيع قبل إيصال المنتج إلى المستهلك النهائي. ولا يبدو أن العناصر الثلاثة الأولى قد شهدت أي اختلاف، لكن اثنتين منها عملتا على رفع تكلفة المنتجات المستوردة.
تكاليف النقل المرتفعة: الأحوال الزراعية السيئة محلياً تعني أن على السعودية أن تستورد الكثير من المنتجات الغذائية من أسواق بعيدة في معظم الأحيان، حيث تعد أستراليا ونيوزيلاندا أهم مصادر الشعير والجبن، وتأتي معظم لحوم الأبقار والدواجن المجمدة من البرازيل ويأتي التفاح من تشيلي. وقد رفعت القفزة الكبيرة في أسعار النفط (140 في المائة منذ عام 2004) من تكاليف الشحن وبالتالي الأسعار التي تدفعها السعودية مقابل السلع المستوردة.
ضعف سعر الصرف: تزامن ارتفاع أسعار المواد الغذائية مع فترة يشهد فيها الدولار تدهوراً في قيمته تسببت في ارتفاع قيمة السلع المستوردة غير المسعرة بالدولار نتيجة ربط سعر صرف الريال مع الدولار الأمريكي. ويستخدم الدولار في تسعير معظم تجارة السلع الزراعية العالمية، بيد أن العديد من المنتجات النهائية المعروضة في منافذ التجزئة مسعرة بعملات أخرى. وقد ظلت عملات دول المنطقة التي تستورد السعودية منها مستقرة لحد كبير مقابل الريال، لكن قيمة اليورو تراجعت بمعدل 36 في المائة منذ نهاية عام 2002 بينما تراجعت قيمة الدولار الأسترالي بواقع 53 في المائة. ورغم قناعتنا بأن تجار التجزئة قد لجأوا إلى امتصاص معظم الزيادة في التكاليف حتى الآن من خلال تقليص هوامش أرباحهم، إلا أن الضعف في سعر الصرف ساهم في رفع أسعار المواد الغذائية. ولا تتوافر بيانات يمكن استخدامها في عزل أثر ضعف سعر الصرف في تضخم أسعار الأغذية، لكن بالنظر إلى التغيرات في أسعار السلع العالمية لا نعتقد أنها تشكل عاملاً أساسياً. كما تضافرت العوامل المحلية والإقليمية التالية لتشكل ضغوطاً تضخمية على أسعار المواد الغذائية في المملكة وهي:
تخفيض مستويات الدعم: تم تقليص المساعدات التي تقدمها الدولة للمزارعين في سياق وفاء المملكة بالالتزامات التي تعهدت بها من أجل الانضمام إلى منظمة التجارة. وقد تم تخفيض مستويات الدعم للآليات والمعدات الزراعية وأجهزة الري والمضخات بواقع 50 في المائة في بعض الحالات وذلك في عام 2005. ومن شأن ذلك أن يؤدي لرفع تكلفة كل المنتجين السعوديين وربما يكون قد أدى بالتالي لرفع الأسعار. هناك عمليات خفض أخرى في مستويات الدعم قيد الانتظار.
الارتفاع في تكلفة المدخَلات الزراعية: ارتفعت أسعار المخصبات الزراعية 14 في المائة خلال الربع الأول هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وكانت الأنباء الصحافية قد أشارت إلى مبررات "سابك" بأن ارتفاع تكلفة الإنتاج فرض عليها رفع أسعار البيع للمستهلك المحلي.
سوء الأحوال الجوية: تسببت مواسم الشتاء البارد الأخيرة في خلق حالة من الشح في إنتاج بعض أنواع الفاكهة والخضراوات. مثال ذلك إنتاج البصل الذي تراجع 20 في المائة عام 2006 والبطيخ الذي تراجع 10 في المائة.
النقص في الأيدي العاملة في القطاع الزراعي: الطلب العالي على العمالة الأجنبية في كافة قطاعات الاقتصاد (خصوصاً البناء والتشييد) اجتذب أعداداً كبيرة من العمالة الزراعية متسبباً في رفع تكاليف الإنتاج.
إنفلونزا الطيور: المخاوف من إنفلونزا الطيور أدت إلى ارتفاع أسعار الأسماك والدواجن المستوردة. وكانت الدولة قد لجأت إلى حظر استيراد الدواجن من 42 دولة تحوطاً من انتشار إنفلونزا الطيور في آسيا عام 2004 مما دفع بالموردين إلى اللجوء إلى الأسواق الأكثر تكلفةً. وقد تم رفع الحظر عن تلك الدول في آب (فبراير) من العام الجاري.
أسعار المواد الغذائية والتضخم
اتجاهات أسعار المواد الغذائية لها تأثير كبير على مستوى التضخم الشامل في المملكة، حيث تحتل المشتريات من المأكولات والمشروبات أكبر نسبة من إجمالي الإنفاق الاستهلاكي، لذا تمثل أكبر وزن نسبي في مؤشر تكلفة المعيشة (26 في المائة). لكن أسعار المواد الغذائية لا تعد دليلاً جيداً في رصد التضخم في بقية القطاعات الاقتصادية كما أن السياسة الرسمية حيال التضخم لا تتحدد بارتفاع أسعار المواد الغذائية. ونود التنويه في هذا التقرير إلى أن التغير في أسعار المواد الغذائية يعزى بصورة أساسية إلى ارتفاع أسعار السلع العالمية وأحوال الطقس وهي عوامل خارجة عن سيطرة الدولة. إضافة لذلك، لا تنعكس أسعار المواد الغذائية على التضخم في قطاعات الاقتصاد الأُخرى خلاف الإيجار على سبيل المثال (الإيجارات المرتفعة ترفع تكلفة تجار التجزئة الذين قد يعكسونها بدورهم على المستهلك في هيئة أسعار أعلى حتى إذا لم ترتفع تكلفة السلع المخصصة للبيع). ويستخدم العديد من الدول مؤشر "التضخم الأساسي" الذي يستبعد أسعار المواد الغذائية في تحديد سياسة الدولة تجاه التضخم. ويوضح الرسم البياني في الهامش الأيمن أن التضخم باستثناء أسعار المواد الغذائية جاء سالباً حتى أوائل عام 2006 لكنه شرع في الارتفاع عقب ارتفاع الإيجارات.
تجار التجزئة
تم توجيه كثير من النقد إلى تجار التجزئة على دورهم في ارتفاع الأسعار، بل حتى اتُهموا بأنهم عمدوا إلى رفع الأسعار بأعلى من مستوى ارتفاع تكلفتهم. لكن إذا القينا نظرة على قائمة الدخل للشركات التي تمارس نشاط تجارة التجزئة/الجملة في المواد الغذائية والمدرجة في سوق الأسهم المحلي (عسير، صافولا، ثمار، المراعي، الحكير) لا نرى أي مؤشرات توحي بارتفاع غير عادي في صافي دخلها تعزز ذلك الرأي. ولا شك أن المنافسة من متاجر الهايبرماركت التي تم افتتاحها أخيرا (مثل جيان وكارفور) شكلت أحد العوامل التي حافظت على الأسعار قيد السيطرة في المدن الكبيرة.
الفرق في سرعة ارتفاع أسعار التجزئة مقارنة بالسرعة في ارتفاع أسعار الجملة من المؤشرات التي تستخدم في تحديد ما إذا كان تجار التجزئة قد ضخموا أسعارهم بصورة غير عادلة أم لا. ويوضح الرسم البياني ارتفاع أسعار التجزئة بأعلى من مستوى أسعار الجملة حتى منتصف عام 2004 عندما شرعت العلاقة في الانهيار. أما خلال فترة الثلاثة الأعوام التالية فقد ارتفعت أسعار التجزئة بمعدل يقل عن أسعار الجملة، لذا لا نعتقد أن تجار التجزئة كانوا السبب الرئيسي وراء الغلاء الحالي في أسعار السلع الاستهلاكية.
النظرة المستقبلية لأسعار المواد الغذائية
يبدو أن مرحلة ارتفاع أسعار المواد الغذائية جاءت لتبقى. وستشكل التغيرات الهيكلية في الاقتصاد العالمي والاستخدامات الجديدة للمنتجات الزراعية القوى الرئيسية التي تدفع أسعار السلع عالمياً. كما نتوقع أن تشكل العوامل المحلية ضغوطاً إضافية على الأسعار التي يدفعها المستهلك السعودي.
نسبة سكان العالم المنتفعين مباشرة من الطفرة الاقتصادية المستدامة في الصين والهند تربو على الثلث، مما من شأنه الارتقاء بمستوى المعيشة وتغيير العادات الغذائية متمثلة في رفع الطلب على النوعية الأفضل والأجود من المنتجات الغذائية وبالتالي أسعارها. ومن شأن الطلب على اللقيم من قبل العديد من مصانع الإيثانول قيد الإنشاء أن يعمل على رفع أسعار المنتجات الزراعية مستقبلاً على المستوى العالمي.
وأشار تقرير حديث صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية Oecd ومنظمة الزراعة العالمية التابعة للأمم المتحدة Fao إلى أن أسعار المنتجات الزراعية سوف ترتفع بمعدل يراوح بين 20 و50 في المائة خلال الأعوام العشرة المقبلة. كما تشير التوقعات الصادرة من وزارة الزراعة الأمريكية إلى تواصل الارتفاع في أسعار المحاصيل الرئيسية حتى نهاية العقد الحالي. وسوف يتم تمرير الارتفاعات في أسعار المحاصيل والسلع الزراعية تلك إلى المستهلك النهائي في هيئة ارتفاع في أسعار المواد الغذائية على مستوى منافذ التجزئة.
إضافة لما تقدم، من شأن الخفض في مستوى الدعم الزراعي في المملكة تمشياً مع التعهدات أمام منظمة التجارة العالمية أن يؤدي إلى ارتفاع تكلفة المنتجات الغذائية المحلية. ومن شأن الارتفاع في أسعار المنتجات المحلية أن يساهم في تكوين فكرة واضحة عن تكلفة إنتاج المحاصيل التي لا تتناسب مع الظروف المناخية في السعودية.
ورغم توجيه اللوم لتجار التجزئة عن دورهم في غلاء الأسعار، لكن يبدو أن هؤلاء قد حافظوا على الأسعار متدنية خلال الأشهر الماضية. ومن المحتم أن يتم قريباً تمرير الارتفاع في تكلفة المواد الغذائية ضمن تجارة الجملة الآخذة في الزيادة منذ الربع الأخير من العام الماضي إلى المستهلك في هيئة أسعار أعلى. أما على المدى المتوسط، فنتوقع أن تشكل المنافسة المحتدمة نتيجة انتشار ظاهرة الهايبرماركتس أحد العوامل التي تكبح نمو أسعار المواد الغذائية والتضخم بصورة عامة على مستوى كل المملكة.
الخيارات المتاحة للدولة
- إحساس المستهلك بارتفاع أسعار المواد الغذائية أضحى أمراً واقعاً مما نتج عنه زيادة الضغط على الدولة لعمل شيء حيال ذلك. وفيما يلي الخيارات التي عادة ما تلجأ إليها الحكومات للتعامل مع مثل هذه الظروف:
- رصد سلوك تجار الجملة والتجزئة من كثب: وهي سياسة ربما يتأتى عنها نجاح على المدى القصير حيث يبدو أن بعض الأسعار تم رفعها بصورة غير مبررة خلال رمضان وأن هناك تواطؤا بين بعض تجار الجملة. لكن من شأن المنافسة على المدى الطويل أن تؤدي لنتائج أكثر فاعلية في الحفاظ على أسعار الجملة والتجزئة متدنية.
- التوسع في أسلوب مراقبة الأسعار: الذي قد يحد من ارتفاع الأسعار، لكن من شأن هذا الأسلوب أن يخلق تشوهات في الاقتصاد تكون نتائجها غير حميدة على المدى الطويل.
- زيادة مستويات الدعم للمنتجين المحليين: ويتعارض ذلك مع مقررات منظمة التجارة العالمية، لذا تنتفي احتمالات اللجوء إليه.
- تعديل سعر الصرف: ضعف الريال ليس سبباً رئيسياً وراء تضخم أسعار المواد الغذائية لذا لن يؤدي رفع قيمته إلى النجاح في خفض أسعار المواد الغذائية بصورة ملموسة، بل ربما تفوق سيئات هذه السياسة حسناتها.
- تعديل السياسة النقدية: بما أن العوامل الخارجية هي السبب وراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية، فإن السياسات التي تستخدم في مكافحة التضخم بصورة عامة، مثل اللجوء لرفع سعر الفائدة، لن تكون مجدية في هذا الحال.
ونعتقد أنه ليس في مقدور الدولة عمل الكثير لمكافحة غلاء أسعار المواد الغذائية وأن أياً من الخيارات المتاحة من شأنه أن يؤدي لظهور تشوهات في أجزاء أخرى من الاقتصاد.