الغر ... الغرغر ... الغرغرينة ....
استهلال :
جار يصف جاره فيقول : جاري حريص على الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج في كل عام ،،،
ولكنه لا يتورع عن الكذب والغيبة والنميمة واحتقار بعض أقاربه وجيرانه، وهو سبَّاب وفاحش ولعَّان لزوجته وأولاده وبناته ،
وهذه امرأة تصف زوجها فتقول: إنه حريص على الصلاة في أوقاتها بالمسجد وعلى الصيام في رمضان وعلى أداء الزكاة وعلى الحج والعمرة، ومعاملته حسنة مع الناس ،،،
ولكنه !! يأكل الربا، ويسافر للخارج !!!
وإذا دخل منزله يخلع ثلاثة أشياء : حذاءه، وثيابه، وأخلاقه؛ فهو فظ غليظ سبّاب فاحش مع زوجته وأولاده، ولا يجلس معهم، بل يقضي وقته في مشاهدة البرامج والأفلام في الفضائيات والإنترنت.
سؤال يطرح نفسه !!!
هل هناك علاقة بين عباداتنا .. وبين سلوكياتنا ومعاملاتنا ؟!!
هل ديننا العظيم عبادات تؤدى لله عز وجل ( من اذكار ودعوات وصلوات وصيام وزكاة وصدقة وحج ) فقط ؟!!
ام أن ديننا المجيد عبادات ومعاملات لا يغني بعضها عن بعض !! ولا تحصل النجاة والسلامة في الدنيا والاخرة الا لمن اتى بها جميعها ؟!!
فهل من حسن الاسلام المسلم أن يكون العبد مصليا ذاكرا لله عز وجل...
لكنه ممن يشهد شهادة الزور !! ام أن هذا من سوء الديانة وضعف الاسلام ؟!!
ام هل من صحة الايمان أن يكون العبد من اهل الصيام والاقبال على الله ...
لكنه ممن اطلق لسانه غيبة وسخرية بعباد الله !! ام أن هذا من ضعف الايمان ونقصه ؟!!
ام هل من الاستقامة على دين الله أن يكون العبد من اهل الصدقة والبذل والتبرعات ...
لكنه ممن يأكل الربا ويقع في المحرمات !! ام أن هذا من الفسق والعصيان ؟!!
وهل من التقوى أن يكون العبد ممن يواظب على اداء الحج والعمرة ويتابع بينها ...
لكنه متورط في الظلم وقطيعة الارحام !! ام أن هذا من فساد التقوى ومرض القلوب ؟!!
وهل من حسن الديانة أن يكون العبد ممن تظهر عليه سمات الصالحين والاخيار ..
وهو ممن يقع في دماء المسلمين وأعراضهم بلا رادع أو رهبة !! ام هذا من اخلاق النفاق والغدر والخيانة ؟!!
تأصيل :
فهذا أمر الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ان تتوافق عباداته وسلوكياته ،،،،
قال الله عز وجل مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم : " قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له ، وبذلك امرت وأنا اول المسلمين "
فقد امر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يعلن للناس أن صلاته التي هي اشرف العبادات لله وحده ، وان نسكه وذبحه وبذله للمال كله لله وحده ، وان محياه وما يفعله في حياته لله وحده ، وان مماته وما يقدّره الله عليه لله وحده ، فكل شيء منه صلى الله عليه وسلم لله وحده ، فلزم من ذلك أن سائر أعماله وعباداته وسلوكياته لله وحده لا شريك له فلا يعبد غيره ولا يطيع غيره ولا يتبع امر غيره عز وجل ، وانه اول المسلمين والمستسلمين والمنقادين من هذه الامة لامر الله وتوحيده ، وان امته كذلك مامورة معه بهذه الاوامر كلها ,
وهذه آية كريمة في كتاب الله عز وجل تبين وتربط بين العبادة والسلوك ،،،،
قال تعالى " إنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ "
فما معنى هذه الاية ؟!!
يقول ابن مسعود رضي الله عنه " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً "
وهذا نص قرآني كريم يؤكد على علاقة الترابط والتلازم بين عباداتنا وسلوكياتنا ...
يقول الله عز وجل : " يا ايها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة "
يقول السعدي رحمه الله في معنى هذه الاية : هذا امر من الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا في السلم كافة .. وان ياخذوا بجميع شرائع الدين ، ولا يتركوا منها شيئا ، وألا يكونوا ممن اتخذ الهه هواه !! فان وافق الامر المشروع هواه اخذ به ، وان خالف الامر المشروع هواه خالفه وتركه ،
وهذا تأكيد من النبي صلى الله عليه وسلم على ترابط العبادة والسلوك ، حينما عرف الإسلام !!
فقال صلى الله عليه وسلم : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " .
فهذه إشارة عظيمة وتنبيه كريم من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن المسلم هو من سلم المسلمون من لسانه ويده !! وهذا يعني أن من لم يسلم المسلمون من لسانه ويده .. لم يحقق صحيح الاسلام .. ولم تكن عباداته على وجهها الصحيح .. فالاسلام ليس عبادات فقط ... بل هو كذلك معاملات واخلاق
وهذا حكم منه صلى الله عليه وسلم على صحابية عندما ذكروا عباداتها من صلاة وقيام وصدقة وصيام لكنها ناقضتها بأذاها للناس بلسانها ..
قيل له صلى الله عليه وسلم : فلانة تقوم الليل ، وتصوم النهار، وتفعل ، وتتصدق ، وتؤذي جيرانها بلسانها ؟ فقال " هي في النار"
فهذه النصوص الشرعية صريحة الدلالة وواضحة المعنى على تلازم العبادة والسلوك والمعاملات تلازما قويا جدا ،،،
حقيقة المشكلة :
هذا حديث عظيم .. يبين لنا فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم صورة جلية من صور الافلاس !!
وليته افلاس مال أو دنيا !! لكنه افلاس ايمان ودين ،،،
قال صلى الله عليه وسلم لصحابته : " أتدرون من المفلس؟ "
فقالوا: من لا درهم له ولا متاع ،
فقال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ...
ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا ...
فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته ...
فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم ، فطُرحت عليه ، ثم طُرح في النار "
يقول احد العلماء الكرام :
" ان حفظ حق الله يسير على كثير من الناس ، ولكن حفظ حقوق الناس مع حق الله عز وجل امر عزيز جدا ، ولا يوفق له الا الموفقون "
ان توافق عباداتنا وسلوكياتنا علامة على صحة ايماننا ،
وعلامة على حقيقة تقوانا ، وعلامة على حقيقة استقامتنا ،
وعلامة على صدق عبوديتنا لله ،،،
ولن تتحقق لنا الثمار المترتبة على هذه المعاني العظيمة الا بتحقق ذلك التلازم والتوافق بين عباداتنا وسلوكياتنا ومعاملاتنا ،
اما لماذا ذلك الفصام النكد :
1 ـ الجهل والبعد عن العلم الشرعي ، فلم نعرف ديننا كما عرفه اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ولم نفهمه فهما صحيحا كما فهموه ، فصرنا نجهل أحكاما عظيمة ، ووقعنا في مخالفتها جهلا منا بحقيقة هذه الأحكام وبالامر المقصود منها ، فتولد من ذلك مخالفة عباداتنا لسلوكياتنا وعدم الاكتراث لذلك ..
2 ـ حب الدنيا واتباع الهوى :
لقد شُغل قلب المسلم وعقله وفكره بحب الدنيا واتباع الهوى ، حتى أصبحت أكبر همه ، ولم يعُد يفكر في الموت وما بعده، بل صار يكره الموت كراهيةً عطلته عن الاستعداد له ،
وهذا ما عبّر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : « وليقذفن الله في قلوبكم الوهن ، قالوا : يا رسول الله ! وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت »
3 ـ ضعف الديانة وخلوُّ العبادة من روحها ( من الخشُوع والخضوع الحقيقي لله ) :
فلقد أصبحت الصلاة ـ مثلاً ـ لدى الكثيرين منا جسداً بلا روح !! فلم تعد تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولم يعد المصلي يستشعر بين يدي مَنْ يقوم ! ومَنْ يواجه !!
ويصوم المسلم عن الطعام والشراب، ولا تصوم جوارحه؛ فلا يكف لسانه عن الغيبة والنميمة والكذب...، ولا عينه عن النظر للعورات، ولا أذنيه عن سماع المحرمات.
ويؤدي المسلم الحج، ولكنه لا يتغير فيه شيء لا قَبْل الحج ولا بَعْده.
وهكذا الشأن في جميع عباداتنا ، اصبحنا نؤديها حركات بلا معاني ولا ارواح فيها !!!
وبذلك تحقق فينا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : « يأتي على الناس زمان تصبح فيه الصلاة عادة ، والصوم جلادة ، يحج أغنياؤهم للنزهة، وفقراؤهم للتكسُّب ، وقراؤهم للرياء والسمعة»
فلم يعد المسلم يستشعر أن الله يراه في كل وقت وحين؛ لذلك صار يقع في المخالفات الشرعية ، وأيضاً لم يعد عمله يدل على أنه موقن بالموت ، فصار لا يتوقف لمعرفة الحلال من الحرام ، وتحقق قول عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـ: « ما رأيت يقيناً أشبه بالشك من يقين الناس بالموت، ثم لا يستعدون له » يعني كأنهم في شك منه .
4 ـ الأفكار المخالفة لشريعة الاسلام : ( من عادات قديمة أو افكار وافدة )
تجد العبد قد وقع في افكار وشبهات افسدت عليه فهم دينه ، وشككته في أحكام شرعية عظيمة لا يستقيم دين المسلم بدونها .
فاقبلت حضارات متعددة بثقافاتها ... اخرجت لنا افرادا متنكرين لدينهم ... ومتأففين من احكامه السامية ...
فعاش كثير من الناس حياة علمانية من حيث شعروا ام لم يشعروا ...
فكان الفصام النكد !!!!
وبالمقابل تمسك آخرون بعادات قديمة قدم الجاهلية ،،،
جعلتنا في شبهة وفي شك من قبول لأحكام شرعية لا يجهلها جاهل فضلا عن متعلم أو عارف ،،
مما جعل سلوكياتنا ومعاملاتنا متناقضة مع عباداتنا تناقضا مريرا لا يكاد يصدقه عقل أو تقبل به فطرة .
فتجدنا ولله الحمد مصلين ،، ومن اصحاب الصفوف الاولى ،،
وتجدنا مزكين ومتصدقين ،، بل ومن اهل البذل بما نستطيع ،،
وتجدنا من الصائمين القائمين ،، والمحافظين على نوافل الصيام والقيام ،،
وتجدنا ممن يتعهد بيت الله الحرام بالزيارة والحج والتعظيم !!
ولكنك بالمقابل والله تحزن اذا وجدتنا في سلوكياتنا قد امتثلنا لجاهليات ما انزل الله بها من سلطان !!! قد اتبعنا هذه الجاهليات واستامرنا بامرها وانتهينا بنهيها ، وتنكبنا لاوامر الله عز وجل وراء ظهورنا في هذا الجانب المهم جدا ،،
فوقعنا في داء مرير وخالفنا عباداتنا بسلوكياتنا .. الغريبة على منهج الاسلام ،،
.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة نسناس ; 23-08-2006 الساعة 10:27 PM