شبكة قحطان - مجالس قحطان - منتديات قحطان

الخميس 22 جمادى الآخرة 1429هـ الموافق 26 يونيو 2008م العدد (2827) السنة الثامنة

كتاب اليوم

علي سعد الموسى
أبطال الأزمة: ما بين البطولة والتهمة
أبطال الأزمة: ما بين البطولة والتهمة
وفي ثنايا تحليلي لمفهوم "الأزمة" التي نعشقها حد الموت في الحديد والأرز والماء والخطوط والفكر توصلت لما لم يصل إليه الأوائل: اكتشفت أن "صناعة الأزمة" تحيل الصانع لها من متهم بالتقصير إلى بطل ومنقذ. هنا، وفي هذا المجتمع فقط، لا يصل المبدعون ولا المسؤولون المواظبون المجتهدون إلى بريق الإعلام والشهرة، بل إن سادة "الأزمات" هم المسيطرون على الصفحات الأولى وأباطرة الأحاديث التلفزيونية لترقيع ما أفسده الدهر. أما كيف تحيل "الأزمة" أباطرة التقصير إلى أبطال إنقاذ فسأذكر نماذجه في الشوارد التالية: نفقت الإبل بسبب المادة الكيميائية على الأعلاف ولم يكن أحد يومها يعرف أن في البلد إدارة عليا للأعلاف والدقيق. عوضنا البعير لأهله بأرقام فلكية ثم صحونا على المؤتمر الصحفي الذي تأبط فيه المسؤول ملفات التحقيق رافعا شعار: لا بعير يموت لدينا بعد اليوم، فيما أصحاب القطعان يتباشرون بنفوق كل بعير ليأخذوا القيمة بالعشرة المضاعفة. في أزمة المياه الطاحنة كان مسؤول المياه يزف البشرى للمواطنين الكرام باعتماد مليونين لإصلاح "الغلاية" وهنا تقاطر عليه الخلق بالدعاء بعد كل صلاة لأنه أنقذ الموقف بعد أن دفعنا الملايين لشراء الماء من السوق الغبراء. لم نكن نعلم أن الأزمة فقط كانت بانتظار ورق بيروقراطي لاعتماد مليوني ريال ولو كنا نعلم الغيب لدفعناها ولو - بالقطَّة -.
في أزمة الأسمنت التي دارت رحاها أشهرا بشرنا سعادة زعيم "الكارتيل" أن المصانع أوقفت التصدير فإذا بالأسمنت يعود للأسواق وأن أشهر الأزمة الطاحنة كانت مجرد مزحة ثقيلة. في أزمة "الأرز" حزمنا البطون وملأناها بالبطيخ وارتعدت القلوب حتى بشرتنا إدارة المخزون بأنها رفعت حجمه الاستراتيجي لما يكفي لعامين وها نحن ندعو لهم بعد كل كبسة. في أزمتنا مع مقاعد السفر زفت إلينا البشارة بأن ناقلنا الرسمي سيشتري العام المقبل 70 طائرة فلماذا لم يفعلوا ذلك منذ عام مضى ومع هذا سندعو لهم كلما انتهينا مباشرة من دعاء السفر. وخلاصة القول أن أهل الأزمات هم أصحاب الفضل: يورطوننا في الأزمة ثم يذهبون للإعلام من أجل الحلول. يتحولون من متهم إلى منقذ وبين التهمة والإنقاذ فترة أزمة.