شبكة قحطان - مجالس قحطان - منتديات قحطان

شبكة قحطان - مجالس قحطان - منتديات قحطان (https://www.qahtaan.com/vb/index.php)
-   مجلس الإسلام والحياة (https://www.qahtaan.com/vb/forumdisplay.php?f=11)
-   -   ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب (https://www.qahtaan.com/vb/showthread.php?t=49935)

المناضل السليماني 05-07-2009 05:41 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
هذه الخطبة عن السعادة

الخطبة الأولى
الحمد لله الواحد بلا شريك ، والقويّ بلا نصير ، والعزيز بلا ظهير . أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه ، فهو الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ .[ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له] ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، بلّغ الرسالة ، وأدّى الأمانة ، ونصح الأمّة ، وجاهد في الله حقّ جهاده ، وتركنا على المحجّة البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك . صلى الله [ وسلم ] عليه ، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

اوصيكم ونفسي بتقوى الله

أما بعد: يقول ربنا عز وجل: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97].

أيها المسلمون، إن الحياة السعيدة هي الهدف الأسمى والأمنية العظيمة لكل الناس، وقد اختلف الناس في مفهوم السعادة، فالبعض يرى أنا السعادة هي في جمع الأموال فقط، والبعض الآخر يرى أن السعادة هي في المأكل والمشرب والزوجة والأولاد فقط، والبعض يراها فقط في الجاه والسلطان، وكل إنسان يرى السعادة من زاوية معينة.

والكل يبحث عن السعادة بكل ما أوتي من قوة، وكثير من الناس رغم أن عندهم أسباب السعادة المادية ولكنهم غير سعداء. ولكن ما السعادة يا ترى؟ وكيف نلاقيها؟ فهل السعادة في الملك والسلطان؟! فلقد كان فرعون يبحث عن السعادة في الملك وكان يقول بكل غرور: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف: 51]، ونسي أن الذي أعطاه هو الله جل ثناؤه، وأن الله هو الذي أطعمه وسقاه، قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل: 14]، بل إنه تخطى كل ذلك وقال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص: 38]، وقال أيضا: أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى [النازعات: 24]، كل ذلك في سبيل البحث عن السعادة، ولكن هل حصل هذا الطاغيه عن السعادة؟! لا والله، إنه ظل وسيظل تعيسا شقيا إلى الأبد، فكان جزاء هذا الانحراف وهذا العتو والتكبر والتمرد على الله أن أخذه الله نكال الآخرة والأولى، فبعد أن كانت الأنهار تجري من تحته جعلها الله تجري من فوقه، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر: 46]. لا إله إلا الله، ما أتعسها من نهاية! وما أشقاها من حياة أبديه! وقد يلحق بفرعون أقوام وأقوام، وما فرعون إلا مثل لبعض الطغاة والظالمين الذين استعبدوا شعوبهم وبدلوا نعمه الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار، جهنم يصلونها وبئس القرار.

والبعض الآخر يرى أن السعادة في جمع الأموال وبناء القصور وكثرة الأولاد والزوجات فقط، فهذا قارون قد منحه الله أموالا وكنوزا ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، ونسي أن الله هو المعطي، وأن الله هو الرزاق، وأن الله هو الوهاب سبحانه وتعالى، فقال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص: 78]، فكفر بنعمة الله، وتكبر واغتر، وظن أن هذه هي السعادة، فماذا كان جزاؤه؟ وماذا كانت نهايته؟ وكيف كانت تلك النهاية المأساوية؟ لقد خرج على قومه في قمة زينته وغطرسته وغروره، فخسف الله به وبداره الأرض، فهو يتجلل فيها، فما أغنى عنه ماله من الله شيئا، فما أشقاها من نهاية! وما أتعسها من خاتمة! وما قارون إلا رمز ومثل لكل من أعطاه الله مالا فاغتر به وتكبر وظن أنه في السعادة الحقيقية والهنا.

أيها المسلمون، وهناك شريحة من الناس ظنت أن السعادة هي في حياة الملاهي والكسل والتراخي والنوم والبعد عن تكاليف هذا الدين والهروب من مشاكل هذه الحياة ومسؤولياتها، وهذه النوعية من الناس هي في الحقيقة في قمة التعاسة؛ لأنهم ليس لهم هدف في الحياة ولا قيمة في الوجود. وينطبق عليهم قول الله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يونس: 7، 8]. إنها حياة الشهوات والملذات وحياة الغفلة والحيوانات، فما أتعسها وأتفهها من حياة!

أيها الإخوة الأحبة، إن الكل يبحث عن السعادة، ولكن الكثير يخطئون الطريق إليها ويضلون عن سواء السبيل؛ وذلك بسبب إعراضهم عن السبب الرئيسي للسعادة، بل بسبب إعراضهم عن السعادة نفسها، قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 124]. ولماذا هو أعمى يوم القيامة؟ إنه أعمى بسبب أنه تعامى عن السعادة الحقيقية في الدنيا، فأعماه الله عن السعادة والجنة في الآخرة، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه: 125، 126].

إن السعادة الحقيقية هي في طاعة الله عز وجل وفي عبادته وامتثال أمره واجتناب نواهيه، ولقد ذاق طعم السعادة إبراهيم عليه الصلاة والسلام عندما حطم الأصنام وقذف في النار، قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ [الأنبياء: 69، 70].

وذاق طعم السعادة يوسف عليه الصلاة والسلام عندما قال: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يوسف: 33]، ذلك السجن الرهيب إلى مدرسة للإيمان والتوحيد.

ووجد تلك السعادة أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، عندما أووا إلى الكهف فنشر لهم ربهم من رحمته وهيأ لهم من أمرهم مرفقا.

ثم بعد ذلك ذاق طعم السعادة خير البشر محمد ، ثم ذاقها أصحابه رضي الله عنهم ومن بعدهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه: 123، 124].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر المبين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.






الخطبة الثانية


الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه.

أما بعد: أيها المسلمون، إن السعادة تنقسم إلى نوعين:

النوع الأول: سعادة وهمية يظن أصحابها أنهم سعداء بسبب الأمور المادية الذي منحهم الله إياها، ولكنهم بعيدون عن الإيمان والصلاة، بعيدون عن الأخوة الإيمانية، بعيدون عن القرآن والدعوة إلى الله والمساجد، بعيدون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعن كل ما يقربهم إلى الله، بل إن هذه النوعية من الناس قد يكونون منغمسين في أنواع من المعاصي والملذات المحرمة، فهم واهمون في تلك السعادة التي ليس لها نهاية إلا النار، قال تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 103، 104].

أما النوع الثاني من أنواع السعادة: فهي السعادة الحقيقية التي تكون في الدنيا وتمتد إلى الآخرة، هذه السعادة التي تكون أولا وقبل كل شيء هي الإيمان بالله والعمل الصالح والتمتع بنعم الله في ظل طاعة الله عز وجل، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97]، الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28].

إن صانع السعادة الحقيقية ولذتها هو المؤمن الصادق الإيمان الذي إذا أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإذا أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. هنا تكمن السعادة في الشكر الحقيقي والرضا الدائم بقضاء الله وقدره والعيش في ظل مبادئ هذا الدين العظيم، يقول الرسول الكريم : ((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي)).

فيا طلاب السعادة، ويا عشاق السعادة، ويا أيها الباحثون عن السعادة والخلود والراحة، فإنها لن تكون إلا من طريق محمد عليه الصلاة والسلام، فمن أراد السعادة فليلتمسها في المسجد ومن المصحف ومن السنة المطهرة وفي الهداية والاستقامة على كتاب الله وسنه رسوله ، فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى [طه: 123].

وصلوا ـ رحمكم الله ـ على خير البرية وأفضل البشرية محمد بن عبد الله صاحب الحوض والشفاعة، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الصحابة وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا...



المناضل السليماني 05-07-2009 05:56 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، والحمد لله على ما قدره بحكمته من دقيق الأمر وجله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.
عباد الله اوصيكم ونفسي بتقوى الله .............. آيات التقوى.................
ايهالا الناس عنوان خطبتنا في هذه الجمعة وانك لتهدي الى صراط مستقيم
لما دخل النبي مكة فاتحًا حرص على أن لا تراق فيها الدماء، وأن لا تُزهق فيها الأرواح، إلا أن بعض المشركين رفضوا هذا السلام الممنوح لأهل مكة، وقرّروا المقاومة لآخر رمق، فلما لم يستطيعوا تركوا جزيرة العرب فارِّين بكفرهم إلى أرض أخرى.

إن النبي لم يكن طالبَ ثأر ولا ناشدَ قصاص، وإنما همّه أن يفتح أقفال القلوب، وأن ينقذ التائهين الحيارى، وأن يعالج العنادَ بالرفق، وأن يَلقى الأحقاد بالعفو، وأن يحبّب الناس في الإسلام، وأن تقرّ عيناه برؤيتهم يدخلون فيه أفراد أو أفواجًا.

إنه رحمة مهداة، إنه رسول يقود العباد إلى ربهم، وليس بشرًا ينزع إلى التسلّط والجبروت، ما انتقم لنفسه قط، ولا طلب لها علوًا في الأرض، ولنسرد الشواهد على ذلك من أحداث السيرة.

كيف استقبل النبي إسلام عكرمة وصفوان؟! انظر كيف تعامل النبي مع عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية، قبل إسلامهما، هذا الإسلام الذي تأخّر كثيرًا، وسبقته عداوات رهيبة.

1- إسلام صفوان:

جاء عمير بن وهب إلى النبي يقول له: يا رسول الله، صفوان بن أمية سيّد قومي، خرج هاربًا ليقذف بنفسه إلى البحر وخاف أن لا تؤمّنه، فأمِّنه فداك أبي وأمي، فقال رسول الله : ((قد أمّنته))، لكن صفوان لم يطمئنّ، وطلب من عمير علامة تشعِره بالأمان، فقال رسول الله لعمير: ((خذ عمامتي)) التي كانت على رأسه يوم الفتح، فأراه إياها. ورجع صفوان وحضر معركة حنين مع المسلمين، ورآه النبي عند توزيع الغنائم يرمق بإعجاب واديًا مليئًا بالإبل والغنم، فقال له النبي : ((يعجبك ذلك؟)) قال:نعم، قال: ((هو لك))، فقال صفوان: ما تطيب نفس أحد بمثل هذا العطاء إلا نفس نبيّ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمّدًا رسول الله.

كان الرجل في ريبة من أمرِه، لعلّه كان يحسب محمدًا طالبَ ملك أو عاشقَ مال وجاه، فلمّا رأى نفس النبي لا تطلّع فيها ولا تعلّق لها بشيء ـ جلَّ أو هان ـ من هذا الحطام، أدرك أنها النبوة فأعلَن للفور تصديقه بها.

2- إسلام عكرمة:

أما قصة إيمان عكرمة فهي أجدر بالتأمّل الطويل، جاءت امرأته أم حكيم وكانت أسلَمت يوم الفتح، فقالت: يا رسول الله، هرب عكرمة خائفًا أن تقتله فأمّنه، فقال: ((هو آمن))، وأدركت المرأة زوجها عند الساحل، وقد ركب سفينة يريد الإبحار بها بعيدًا، فنادته قائلة: جئتك من عند أوصل الناس وأبر الناس وخير الناس، لا تهلك نفسك وعُدْ معي فقد استأمنت لك رسول الله. قال ابن عساكر: فلما دنا من مكة قال رسول الله لأصحابه: ((يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنًا، فلا تسبوا أباه؛ فإنّ سب الميت يؤذي الحيّ ولا يبلغ الميت)). ولما أقبل عكرمة وثب إليه النبي متعجلاً ليس عليه رداء من فرحه بمقدمه وعرض عليه الإسلام، فقال عكرمة: والله، ما دعوتَ إلا إلى الحق وإلى كل أمر حسن جميل، قد كنت والله فينا قبل دعوتك هذه أصدقنا حديثًا. وأعلن إسلامه في مشهد نابض بالصدق، كاشف عن مستقبل عامر بحب الله ورسوله. وكان مطأطئًا رأسه حياء من النبي ثم قال: يا رسول الله، استغفر لي كلّ عداوة عديتكها أو مركب أوضعت فيه أريد إظهار الشرك والصدّ عن سبيلك، فدعا له رسول الله ، فقال عكرمة: أما والله، ما أدع نفقة كنت أنفقها في الصدّ عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قتالاً قاتلت في الصدّ عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله.

بهذا الخلق العظيم كان صاحب الرسالة الخاتمة يصنع السلفَ الأول، إنه لم يصنعهم على هذا الغرار ليؤمنوا به وحسب، إنه يريد أن يؤمنوا وأن يحملوا إلى غيرهم الإيمان وأن يزيحوا من أمامه العوائق.

فلننظر كيف وفّى عكرمة بعهده لرسول الله ، فقد حدّثنا التاريخ أنه عندما التقى الروم والعرب في معركة اليرموك والروم أضعاف المسلمين أربع مرات، كان الموقف صعبًا جدًا، وتهشمت صفوف أمام وطأة الرومان، وزلزلت أقدام البعض. وهنا صاح عكرمة: قاتلت رسول الله وأفرُّ اليوم؟! ثم نادى: من يبايع على الموت؟ فانضمّ إليه أربعمائة من طلاب الشهادة، فقاتلوا حتى قتل منهم خلق كثير، وانهزم العدو هزيمة محت دولة الروم من الشام كله.

إن تربية محمد لهذا الجيل معجزته الكبرى بعد القرآن الكريم، وإنك لتلمح آثار النبوة في شمائل أولئك الرجال الأفذاذ، لقد أشربوا منه حب الله وطلب رضاه والشوق إلى لقائه والطمع في جنته، فأقدرتهم هذه العواطف الجياشة الصادقة على تهديم أسوار الباطل وكانت عالية عاتية، وتلاشت إمبراطوريات استعصت على الفناء قرونًا عديدة.


الخطبة الثانية


الصحابة جيل لا نظير له، إنه جيل لا نظير له في تاريخ الرسالات، وتعرف ذلك بالموازنة العادلة.

فـ"بطرس" أحد الحواريين الكبار وقد صحب عيسى ابن مريم عليه السلام طويلاً، ومع ذلك فعندما تعرّض هذا النبي الكريم للاضطهاد وشرع خصومه من اليهود والرومان يقاومون تعاليمه بغضب وصدرت الأوامر للشرطة بمطاردة النصرانية واعتقال أتباعها وتعرّض عيسى عليه السلام لحرج شديد، في هذه الآونة أُلقي القبض على "بطرس" وسئل: أتعرف عيسى ابن مريم؟ قال: لا، وأنكر عدّة مرات أن ليس له به صلة، لقد آثر النجاة بنفسه.

نقرأ هذه القصة فنتذكّر لما أخرج المشركون زيد بن الدثنة من الحرم ليقتلوه، قال له أبو سفيان بن حرب: أنشدك بالله يا زيد، أتحب أن محمدًا الآن عندنا مكانك لضرب عنقه وإنّك في أهلك؟ فقال زيد: والله، ما أحبّ أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة وإنّي جالس في أهلي، فقال أبو سفيان: ما رأيت في الناس أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمد محمدًا.

الفرق بين "بطرس" وزيد هو الفرق بين أصحاب محمد وسائر الناس، إنهم جزء من حياة محمد وجهاده، إن محمدًا هو الذي قدر بفضل الله على إحكام هذا الجيل وإبداعه على هذا النحو، وقد نجح هذا الجيل في تبليغ رسالة الإسلام وجعلها عالمية، فقد لحق النبي بالرفيق الأعلى ودينه لم يتجاوز حدود جزيرة العرب، فعلموا أنه مبعوث للعالم كلّه، فشرعوا ينساحون في الأرض مبشرين ومنذرين.

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطئَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا.

أين أمة الإسلام اليوم؟! أين هذه الأمة الآن؟! وأين صوتها في المجامع العالمية؟! وأين النماذج التي تقدمها لديننا العظيم؟! لا أقدر على الجواب، إننا نحاول بشقّ الأنفس جمع الشتات وإحياء الموات، وما ندرك سهمًا من نجاح إلا إذا أرينا الله من أنفسنا الصدق. إن المسلمين إذا فقدوا مودّة الرحمن لم يبق لهم على ظهر الأرض صديق، وإذا أضاعوا شرائع الإسلام فلن يكون لهم من دون الله ولي ولا نصير.

لا أحقر ولا أصغَر من إنسان شرّفه الله بالإسلام فخلع عنه ثوبه، وترك لواءه، وراح يسير في الدنيا عريانًا تحت لواء الجاهلية الأولى، ماذا ينتظر بعد ذلك إلا العار والشنار والبوار؟!

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



ابو سعد القحطاني 06-07-2009 09:47 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الحبيب المناضل

جزاك الله الفردوس الآعلى واسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ما كتبته في ميزان حسناتك وأن ينفع بها .







فداك نفسي وأبي وأمي وقبيلتي والناس أجمعين يا رسول الله .




أخوك أبو مصعب

يحبكم في الله

المناضل السليماني 07-07-2009 04:53 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
ابو سعد القحطاني

ولو أنني أوتيت كل بلاغة ****** وأفنيت بحر النطق في النظم والنثر
لما كنت بعد القول إلا مقصرا ***** ومعترفا بالعجز عن واجب الشكر

مشكور على مرورك ودعواتك

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------


الخطبة عن السِّحْرُ وَالشَّعْوَذَةُ

الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَتَحَ اللهُ بِهِ أَعْيُناً عُمْياً وَآذَاناً صُمّاً وَقُلُوباً غُلْفاً، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُ وَاهْتَدَى بِهَدْيِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ، وَاحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا مِـمَّنِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ: )أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ( [المجادلة:19].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

الْحَدِيثُ عَنِ السِّحْرِ ذُو شُجُونٍ، ذَلِكُمُ الْبَلاَءُ الْمُسْتَشْرِي وَالدَّاءُ الْقَدِيمُ الْمُهْلِكُ، فَهُو مُشْكِلَةٌ كُبْرَى مِنْ مُشْكِلاَتِ هَذَا الزَّمَانِ وَكُلِّ زَمَانٍ، وَفِي عَصْرِ الْحَضَارَةِ الْمَادِّيَّةِ تَزْدَادُ ظَاهِرَةُ السِّحْرِ وَالشَّعْوَذَةِ نُفُوذاً وَانْتِشَاراً، وَتَتَنَامَى طُقُوسُهُ فِي أَكْثِرَ شُعُوبِ الْعَالَمِ تَقَدُّماً، وَرُبَّمَا أُقِيمَتْ لَهُ الْجَمْعِيَّاتُ وَالْمَعَاهِدُ، أَوْ نُظِّمَتْ لَهُ الْمُؤْتَمَرَاتُ وَالنَّدَوَاتُ. إِنَّ السِّحْرَ مُحَرَّمٌ فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ، وَهُوَ يُنَاقِضُ الإِسْلاَمَ وَيُضَادُّ التَّوْحِيدَ، وَمَكْمَنُ الْخَطَرِ مِنْهُ: مَا فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ بِاللهِ وَالإِشْرَاكِ بِهِ مِنْ جَانِبٍ، وَإِلْحَاقِ الأَذَى وَالضَّرَرِ بِعِبَادِ اللهِ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ([البقرة:102].

وَوَجْهُ الْعَلاَقَةِ بَيْنَ السَّحْرِ وَالْكُفْرِ بِاللهِ الْعَظِيمِ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ: أَنَّ السِّحْرَ يَدْخُلُ فِي الشَّرْكِ مِنْ جِهَتَيْنِ: مِنْ جِهَةِ مَا فِيهِ مِنِ اسْتِخْدَامِ الشَّيَاطِينِ، وَمِنَ التَّعَلُّقِ بِهِمْ، وَرُبَّمَا تَقَرَّبَ إِلَيْهِمُ السَّاحِرُ بِمَا يُحِبُّونَ، لِيَقُومُوا بِخِدْمَتِهِ وَمَطْلُوبِهِ، وَمِنْ جِهَةِ مَا فِيهِ مِنْ دَعْوَى عِلْمِ الْغَيْبِ، وَدَعْوَى مُشَارَكَةِ اللهِ تَعَالَى فِي عِلْمِهِ؛ وَلِهَذَا أَكَّدَ الْمُصْطَفَى صلوات ربي وسلامه عليه التَّحْذِيرَ مِنَ السِّحْرِ وَشَدَّدَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ حُكْمُ الشَّرِيعَةِ فِي السَّحَرَةِ صَارِماً عَادِلاً؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ] فَجَعَل السِّحْرَ بَعْدَ الشَّرْكِ بِاللهِ لِشَنَاعَتِهِ، وَسُوءِ أَثَرِهِ، وَوَخِيمِ عَاقِبَتِهِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ السَّاحِرَ مُفْسِدٌ فِي الأَرْضِ، يَقْتُلُهُ وَلِيُّ الأَمْرِ، وَلَيْسَ الْقَتْلُ إِلاَّ لِوَلِيِّ الأَمْرِ، وَقَدْ ثَبَتَ قَتْلُ السَّاحِرِ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ رضي الله عنهم كَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَجُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ عَنْ بَجَالَةَ بْنِ عَبْدَةَ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ t كَتَبَ: «أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ» [رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ]. وَإِنَّمَا جَاءَ حُكْمُ الشَّرِيعَةِ بِقَتْلِ السَّاحِرِ؛ لأَنَّهُ مُفْسِدٌ فِي الأَرْضِ؛ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، وَيُؤُذِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَيَزْرَعُ الْبَغْضَاءَ وَالشَّحْنَاءَ، وَيُشِيعُ الرُّعْبَ وَالشَّكَّ، وَيَقْطَعُ عَلَى الْمُتَوَادِّينَ حُبَّهُمْ وَصَفَاءَهُمْ، فَفِي قَتْلِ السَّاحِرِ قَطْعٌ لِمَادَّةِ فَسَادِهِ، وَرَاحَةٌ لِلْبِلاَدِ وَالْعِبَادِ مِنْ خُبْثِهِ وَبَلاَئِهِ، وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ، وَلاَ يُصْلِحُ عَمَلَهُمْ؛ فَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ وَلاَّهُ اللهُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُنَفِّذَوا هَذَا الْحُكْمَ فِي كُلِّ مَنْ ثَبَتَ عَنْهُ مُمَارَسَةُ السِّحْرِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَحْفَظَ جَنَابَ الدِّينِ، ولِكَيْ تَقَرَّ عُيُونُ أَقْوَامٍ يَتَألَّمُونَ بِسَبَبِ مَكْرِ السَّحَرَةِ وَفَسَادِهِمْ.

عِبَادَ اللهِ:

يَرُوجُ السِّحْرُ وَيَكْثُرُ الْمُشَعْوِِذُونَ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ لأَسْبَابٍ، مِنْهَا: ضَعْفُ الإِيمَانِ فِي النُّفُوسِ، إِذِ الإِيمَانُ دِعَامَةٌ كُبْرَى، وَوِقَايَةٌ عُظْمَى مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ وَشَرٍّ وَمَكْرُوهٍ:(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن:11]؛ فَحِينَ يَضْعُفُ الرَّجَاءُ فِي اللهِ، وَيَقِلُّ الْخَوْفُ مِنْهُ، وَيَهْتَزُّ التَّوَكُّلُ عَلَيْهِ، وَيَتَضَعْضَعُ الرِّضَى بِمَا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ، وَيرِقُّ الْيَقِينُ بِمَا قَسَّمَهُ لِلْعَبْدِ وَأَعْطَاهُ عِنْدَ ذَلِكَ يَتَسَارَعُ ضَعَفَةُ الإِيمَانِ فِي الذَّهَابِ إِلَى السَّحَرَةِ وَالْمُشَعْوِذِينَ؛ فَيَزِيدُهُمْ ذَلِكَ وَهْناً عَلَى وَهْنِهِمْ، بَعْدَ أَنْ تُسْتَلَبَ أَمْوَالُهُمْ وَعُقُولُهُمْ، وَيُثْلَمَ إِيمَانُهُمْ، وَمِنْ ذَلِكَ: الْجَهْلُ بِأَحْكِامِ الشَّرِيعَةِ، وَمَا جَاءَ فِيهَا مِنْ زَوَاجِرَ عَنِ الذَّهَابِ إِلَى هَؤُلاَءِ السَّحَرَةِ وَالْعَرَّافِينَ، وَمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ ضَرَرٍ عَلَى الْمُعْتَقَدِ وَالدِّينِ، وَهَلْ يَذْهَبُ إِلَيْهِمْ مَنْ عَرَفَ وَقَدَّرَ قَوْلَ الْمُصْطَفَى r؛ الَّذِي رَوَتْهُ صَفِيَّةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ r عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّفْظُ لَهُ]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنهt قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَى عَرَّافاً أَوْ كَاهِناً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ». [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ.

وَمِنَ الأَسْبَابِ كَذَلِكَ – أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ-: طُغْيَانُ الْحَيَاةِ الْمَادِّيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ الَّتِي أَقْسَتِ الْقُلُوبَ، وَجَفَّفَتْ يَنَابِيعَ الْخَيْرِ فِي أَرْوَاحِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى نَتَجَ مِنْ ذَلِكَ كَمٌّ هَائِلٌ مِنَ العُقَدِ النَّفْسِيَّةِ، وَالْمُشِكْلاَتِ الْوَهْمِيَّةِ؛ فَظَنَّ بَعْضُ الْمَرْضَى أَنَّ شِفَاءَهُمْ فِي السِّحْرِ وَالشَّعْوَذَةِ؛ فَرَاحُوا يَطْرُقُونَ أَبْوَابَ السَّحَرَةِ، وَيَدْفَعُونَ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، وَيَنْتَظِرُونَ الشِّفَاءَ عَلَى أَيْدِيهِمْ؛ فَكَانُوا كَالْمُسْتَجِيرِ مِنَ الرَّمْضَاءِ بِالنَّارِ.
وَلأَنَّ بَعْضَ بُيُوتِ الْمُسْلِمِينَ أَضْحَتْ مَرْتَعاً لِلشَّيَاطِينِ؛ يَقِلُّ فِيهَا ذِكْرُ اللهِ، وَقَلَّ أَنْ يُقْرَأَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ، أَوْ تُرَدَّدَ فِيهَا التَّعَاوِيذُ وَالأَوْرَادُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي لاَ يَسْتَقِرُّ مَعَهَا الشَّيَاطِينُ، وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ تَجِدُهَا مَلأَى بِأَنْوَاعِ الْمُنْكَرَاتِ؛ فَهَذِهِ الْبُيُوتُ الْخَرِبَةُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الْجَمَالَ وَالْعُمْرَانَ؛ تُصْبِحُ مَأْوَىَ لِلشَّيَاطِينِ، وَتَصْطَادُ أَهْلَهَا وَتُصِيبُهُمْ بِالأَدْوَاءِ، فَلاَ يَجِدُونَ فِي ظَنِّهِمْ سَبِيلاً لِلْخَلاَصِ إِلاَّ بِالسِّحْرِ وَالشَّعْوَذَةِ، وَهَكَذَا يَسْرِي الدَّاءُ، وَكُلَّمَا ابْتَعَدَ النَّاسُ عَنْ مَنْهَجِ اللهِ عَظُمَتْ حَيْرَتُهُمْ، وَاسْتَعْصَى عَلَى الْعِلاَجِ بَلاَؤُهُمْ.
وَإِنَّ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ انْتِشَارِ هَذِهِ الْـمُوبِقَةِ الْمُدَمِّرَةِ ضَعْفَ دَوْرِ الْعُلَمَاءِ وَالْمُفَكِّرِينَ وَالدُّعَاةِ وَالْمُرَبِّينَ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ السَّحَرَةِ وَأَعْوَانِهِمْ، وَبَيَانِ الأَضْرَارِ النَّاجِمَةِ مِنَ الذَّهَابِ إِلَيْهِمْ.

وَإِنَّ تِلْكَ الدِّعَايَةَ الإِعْلاَمِيَّةَ الْخَبِيثَةَ لِلسِّحْرِ وَالشَّعْوَذَةِ الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا بَعْضُ الْقَنَوَاتِ الْفَاسِدَةِ الْمُفْسِدَةِ، مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ انْتِشَارِ هَذَا الدَّاءِ الْوَبِيلِ الْمَاحِقِ فَإِنَّهَا تَعْرِضُ السَّاحِرَ الْـمُمَخْرِقَ الْكَذَّابَ فِي صُورَةِ الطَّبِيبِ الْحَاذِقِ الَّذِي يَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَيَطَّلِعُ عَلَى الأَسْرَارِ، وَيَشْفِي مِنْ جَمِيعِ الْبَلاَيَا وَالأَمْرَاضِ!!. فَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِهِمْ، وَنَجْعَلُهُ فِي نُحُورِهِمْ. وَمِنْ بَابِ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى فَإِنَّنَا نَشْكُرُ الْجِهَاتِ الَّتِي كَانَ لَهَا بَعْدَ اللهِ تَعَالَى الْفَضْلُ الْكَبِيرُ فِي غَلْقِ بَعْضِ الْقَنَوَاتِ الفَاسِدَةِ الَّتِي اسْتَشْرَى عَلَى يَدِهَا فَسَادُ السَّحَرَةِ وَالْمُشَعْوِذِينَ، وَلَقَدْ قَطَعَ اللهُ دَابِرَهُمْ وَأَرَاحَ الأُمَّةَ مِنْ شَرِّهِمْ، فَجَزَى اللهُ تَعَالَى كُلَّ مَنْ سَاهَمَ فِي ذَلِكَ خَيْرَ الْجَزَاءِ وَأَوْفَاهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ:

إِنَّ لِلسَّاحِرِ عَلاَمَاتٌ يُعْرَفُ بِهَا؛ فَمِنْهَا: أَنَّهُ يَسْأَلُ الدَّاخِلَ عَلَيْهِ عَنِ اسْمِ أُمِّهِ، وَقَدْ يَأْمُرُ الْمُلْتَجِئَ إِلَيْهِ بِأَلاَّ يَذْكُرَ اللهَ تَعَالَى وَأَلاَّ يَقُولَ: بِسْمِ اللهِ عِنْدَ عِلاَجِهِ لَهُ، وَلَعَلَّهُ يُخْبِرُ زَائِرَهُ بِالأَمْرِ الْغَيْبِيِّ عَنْهُ كَمَكَانِ السُّكْنَى أَوْ مَقَرِّ الْعَمَلِ وَنَحْوِهِ وهذه الغيبيات يطلبها إما احد الجن الذين يعملون معه من الجني المتلبس بالمريض أو احد شياطينه من القرين ويظن المسكين انه يعلم الغيب، وَقَدْ يُعْطِي لِلْمَرِيضِ وَرَقَةً مَكْتُوباً فِيهَا بَعْضُ الآيَاتِ وَفِي أَسْفَلِهَا يَرسُمُ مُرَبَّعَاتِ وَمُثَلَّثَاتٍ يَكْتُبُ فِيهَا حُرُوفاً مُقَطَّعَةً أَوْ أَرْقَاماً، وَرُبَّمَا أَعْطَى الْمَرِيضَ أَوْرَاقاً يَحْرِقُهَا وَيَتَبَخَّرُ بِهَا، وَفِي الْغَالِبِ لاَ يَرْفَعُ السَّاحِرُ صَوْتَهُ بِمَا يَقُولُ حَتَّى لَوْ طَلَبَ زَائِرُهُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا مَوَّهَ عَلَيْهِ فَقَرَأَ بَعْضَ الآيَاتِ بِصَوْتٍ عَالٍ، ثُّمَ يَخْفِضُ صَوْتَهُ فِي الْبَاقِي، وَفِيهَا يُطَلْسِمُ بِكَلِمَاتٍ وَعَزَائِمَ غَيْرِ مَفْهُومَةٍ؛ حَيْثُ يُتَمْتِمُ بِكَلاَمٍ لاَ مَعْنَى لَهُ، وَأَحْيَاناً يَطْلُبُ مِنَ الْمَرِيضِ أَلاَّ يَمَسَّ مَاءً لِفَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ )إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ( [ق:37]. جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْتَمِعُ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُ أَحْسَنَهُ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، عِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْقَائِلُ: )وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( [يونس: 17]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ، تَضَرَّعَ إِلَى رَبِّهِ حِينَ نَالَهُ الأَشْرَارُ بِسُوءٍ فَكَشَفَ الضُّرَّ عَنْهُ وَعَافَاهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالاَهُ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ وَالاِلْتِجَاءِ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ النَّافِعُ الضَّارُّ، وَاعْلَمُوا -عِبَادَ اللهِ-

أَنَّهُ عَلَى الرَّغْمِ مِنِ انْتِشَارِ السِّحْرِ فِي بَعْضِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَوُجُودِ مَنْ يَذْهَبُ إِلَيْهِمْ إِلاَّ أَنَّ ثَمَّةَ فِئَاتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ صَانُوا أَنْفُسَهُمْ وَمَنْ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ عَنِ الذَّهَابِ لِهَؤُلاَءِ الدَّجَّالِينَ مِنَ السَّحَرَةِ وَالْكَهَنَةِ وَالْعَرَّافِينَ وَالْمُشَعْوِذِينَ؛ حَمَاهُمْ دِينُهُمْ، وَحَفِظَهُمْ تَوَكُّلُهُمْ وَيَقِينُهُمْ، وَبَصَّرَتْهُمْ عُقُولُهُمْ، وَهِيَ نَمَاذِجُ كَثِيرَةٌ وَللهِ الْحَمْدُ فِي بِلَدِنَا هَذَا، وَفِي غَيْرِهِ مِنْ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ كَثَّرَ اللهُ مِنْ أَمْثَالِهِمِ، وَجَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهُمْ.

وَاعْلَمُوا -أَيُّهَا الإخوة- أَنَّهُ لاَ يَجْرِي شَيْءٌ فِي الْكَوْنِ إِلاَّ بِقَدَرٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى:(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) [الحديد:22]، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:51].

وَاعْلَمُوا -رَحَمِكُمُ اللهُ- أَنَّ لِلسِّحْرِ دَوَاءَيْنِ: دَوَاءَ وِقَايَةٍ، وَدَوَاءَ عِلاَجٍ؛ فَدَوَاءُ الْوِقَايَةِ مَعْنَاهُ: الأَخَذُ بِالأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ، وَتَلَمُّسُ الْوَسَائِلِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالنَّبَوِيَّةِ لِـمَنْعِ وُقُوعِ السِّحْرِ، وَأَعْظَمُ وَقَايَةٍ الإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، وَبِخَاصَّةٍ أَذْكَارُ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَثَانِي هَذِهِ الأَسْبَابِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْوُضُوءِ؛ فَإِنَّهُ لاَ يُحافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ, وَثَالِثُهَا الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي مَوَاقِيتِهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَالإِكْثَارُ مِنْ قِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ فَإِنَّهُ لاَ يَزَالُ عَلَى قَارِئِهَا مِنَ اللهِ حَفِيظٌ حَتَّى يُصْبِحَ وَحَتَّى يُمْسِيَ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) [الإسراء:82]. وأكل سبع تمرات في الصباح من عجوة المدينة وقد قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز من اي تمر
ثُمَّ إِذَا قَدَّرَ اللهُ تَعَالَى وَوَقَعَ السِّحْرُ، فَلاَ تَلْتَمِسْ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُ- عِلاَجاً عِنْدَ السَّاحِرِ فَإِنَّهُ لاَ تُزَالُ نَجَاسَةٌ بِنَجَاسَةٍ، وَلاَ يُمْحَى خَبِيثٌ بِخَبِيثٍ، وَلَكِنَّ الطَّيَّبَ هُوَ الَّذِي يَمْحُو الْخَبِيثَ، وَعِلاَجُ السِّحْرِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَإِنَّ كَلاَمَ اللهِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، وَتَعْوِيذَاتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَيْرُ دَوَاءٍ وَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ أَنْ تَلْتَمِسَ الْعِلاَجَ فِيهِمَا.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَصَحَابَتِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِينِ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ الرَّاشِدِينَ؛ وَالأَئِمَّةِ الْمَهْدَيِّينَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلِ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا, وَنُورَ صُدُورِنَا، وَذَهَابَ هُمُومِنَا، وَجَلاءَ أَحْزَانِنَا. اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مِنْهُ مَا جَهِلْنَا ، وَذَكِّرْنَا مِنْهُ مَا نُسِّينَا، وَارْزُقْنَا تِلاَوَتَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ عَلَى الْوَجْهِ الذِي يُرْضِيكَ عَنَّا.. اللَّهُمَّ انْصُرِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنَّا شَرَّ الأَشْرَارِ، وَكَيْدَ الفُجَّارِ, وَشَرَّ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، إِلاَّ طَارِقاً يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ.. اللَّهُمَّ اهدنا واهد بنا واهد ولاة أمورنا، وَارْزُقْهُمَا تَحْكِيمَ شَرْعِكَ، وَالْقِيَامَ بِأَمْرِكَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ ِللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

المناضل السليماني 07-07-2009 05:11 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
خطر يهدد فلذات الأكباد

الْحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالذِي قَدَّرَ فَهَدَى، )هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى( [النجم:32].

أَحْمَدُهُ حَمْداً يُوَافِي فَضْلَ إِنْعَامِهِ، وَيَكَافِئُ مَزِيدَ إِكْرَامِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةَ مَنْ أَنَابَ وَأَبْصَرَ، وَرَاقَبَ رَبَّهُ وَاسْتَغْفَرَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَتْبَاعِهِ، مَا أَقْبَلَ لَيْلٌ وَأَدْبَرَ، وَأَضَاءَ صُبْحٌ وَأَسْفَرَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ – عِبَادَ اللهِ – وَنَفْسِي أَوَّلاً بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَطَاعَتِهِ؛ فَهِيَ سَبِيلُ النَّجَاحِ وَالْفَوْزِ وَالنَّجَاةِ وَالسَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ( [الطلاق:2-3].

إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ:

إِنَّ أَوْلاَدَنَا نِعْمَةٌ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْنَا؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: )وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ([النحل:72]، وَهُمْ هِبَةٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَبَنَا إِيَّاهُمْ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنَّا وَلاَ قُوَّةٍ؛ قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: )لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ( [الشورى:49-50]. وَهَؤُلاَءِ الأَوْلاَدُ كَمْ تَتِمُّ بِهِمُ النِّعْمَةُ، وَتَحْلُو بِهِمُ الْحَيَاةُ، لَوْ كَانُوا صَالِحِينَ!، فَأَبُو الأَنْبِيَاءِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَبْتَهِلُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَيَقُولُ: ) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ( فَقَالَ تَعَالَى: )فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ([الصافات:100-101]، وَزَكَرِيَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: )رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ( [آل عمران:38]. وَهُمْ أُمْنِيَةُ عِبَادِ الرَّحْمَنِ، وَمِنْ دُعَائِهِمْ مَا ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: )وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا([الفرقان:74]، فَهَنِيئاً لِمَنْ قَرَّتْ عَيْنُهُ بِزَوْجِهِ وَوَلَدِهِ؛ فَالأَوْلاَدُ هُمْ رِجَالُ الْغَدِ، وَعُدَّةُ الْوَطَنِ، وَعِمَادُ الأُمَّةِ، عَلَيْهِمْ تَنْعَقِدُ الآمَالُ، وَتَسُودُ الْبِلاَدُ، وَيَتَحَقَّقُ الْمَجْدُ، وَتَعْلُو رَايَةُ الْوَطَنِ.

وَلَكِنَّ أَعْدَاءَ الإِسْلاَمِ وَالْمُسْلِمِينَ لاَ يُرِيدُونَ لَنَا الْخَيْرَ، وَلاَ لِلإِسْلاَمِ الْبَقَاءَ، وَلاَ لِشَبَابِنَا الْعَافِيَةَ، فَهُمْ يُصْدِرُونَ إِلَيْنَا كُلَّ مَا لَدَيْهِمْ مِنْ أَسْلِحَةٍ فَتَّاكَةٍ، وَأَمْرَاضٍ خَبِيثَةٍ، وَأَخْطَرُ هَذِهِ الأَسْلِحَةِ سِلاَحُ الْمُخَدِّرَاتِ، فَالضَّرْبَةُ الْمُوَجَّهَةُ إِلَى شَبَابِنَا ضَرْبَةٌ قَاصِمَةٌ، وَالسِّهَامُ الْمُسَدَّدَةُ إِلَى صُدُورِهِمْ سِهَامٌ مَسْمُومَةٌ، لاِسْتِنْـزَافِ أَمْوَالِنَا مِنْ نَاحِيَةٍ، وَتَحْطِيمِ شَبَابِنَا مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، فَيَكُونُ أَعْدَاؤُنَا قَدْ كَسَبُوا مَرَّتَيْنِ: سَلَبُوا أَمْوَالَنَا حَتَّى تَلْتَصِقَ أَيْدِينَا بِالتُّرَابِ، وَاغْتَالُوا أَوْلاَدَنَا لِتَنْخَلِعَ قُلُوبُنَا مِنَ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ، وَإِذَا سَقَطَ خَطُّ الدِّفَاعِ الأَوَّلُ سَقَطَتْ مَعَهُ صُرُوحُ الْحَقِّ وَالعَدْلِ؛ لأَنَّنَا نَعِيشُ فِي عَصْرٍ لاَ مَكَانَ فِيهِ لِلْضُّعَفَاءِ. فَكَيْفَ نَمُدُّ أَوْلاَدَنَا بِأَطْوَاقِ النَّجَاةِ مِنْ هَذِهِ الْهُوَّةِ السَّحِيقَةِ، هُوَّةِ الْوُقُوعِ فِي بَرَاثِنِ الْمُخَدِّرَاتِ؟.

واعْلَمُوا إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ أنَّ السَّبِيلَ لإِنْقَاذِ فَلَذَاتِ أَكْبَادِنَا يَكُونُ أَوَّلاً: بِطَلَبِ الْعَوْنِ وَالْمَدَدِ مِنَ اللهِ تَعَالَى إِصْلاَحَ الْوَلَدِ؛ قَالَ تَعَالَى: )رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ([إبراهيم:40]، وَلِحَدِيثِ «ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لاَ شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t]، وَبِتَعْمِيقِ الإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَتَرْبِيَتِهِمْ تَرْبِيَةً إِسْلاَمِيَّةً صَادِقَةً مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِمْ؛ كَمَا أَمَرَنَا بِذَلِكَ رَسُولُنَا r فِي قَوْلِهِ: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا].

ثُمَّ بِتَعْوِيدِهِمْ عَلَى الصَّلاَةِ فِي الْمَسَاجِدِ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t]، وَبِحَثِّهِمْ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَتِلاَوَتِهِ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «إِنَّ الذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا]. وَأَيْضاً بِتَرْبِيَةِ قُلُوبِهِمْ عَلَى التَّقْوَى، وَتَنْمِيَةِ عُقُولِهِمْ بِالْمَعْرِفَةِ، وَتَقْوِيَةِ أَجْسَامِهِمْ بِالرِّيَاضَةِ وَبِمُلاَزَمَتِهِمْ وَالْحِرْصِ عَلَيْهِمْ، وَتَقْرِيبِهِمْ، لاَ بِالْبُعْدِ عَنْهُمْ؛ فَرَسُولُنَا r يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا] وَلاَ يَجُوزُ لِلرَّاعِي أَنْ يَغْفُلَ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَلَوْ لَحْظَةً مِنْ نَهَارٍ أَوْ لَيْلٍ.

فَبَعْضُ الآبَاءِ فِي شُغْلٍ شَاغِلٍ عَنْهُمْ، وَلاَ يَرَوْنَ أَوْلاَدَهُمْ فِي الشَّهْرِ مَرَّةً، وَكَذَلِكَ الأُمَّهَاتُ يَعْهَدْنَ بِهِمْ إِلَى الْخَادِمَاتِ، فَمَنْ لِهَؤُلاَءِ يَحْفَظُهُمْ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْمَخَاطِرِ؟!. وَإِذَا كَانَ الآبَاءُ فِي شُغْلٍ بِالْمادِّيَّاتِ، خَوْفاً مِنَ الْخَسَارَةِ، فَخَسَارَةُ الأَبْنَاءِ أَشَدُّ وَأَنْكَى، وَخَسَارَةُ الْوَطَنِ أَدْهَى وَأَمَرُّ؛ فَيَالَيْتَ الآبَاءَ يَعْلَمُونَ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ الْحَقِيقِيَّ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ هُوَ الذُّرِّيَّةُ الصَّالِحَةُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: )الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ( [الكهف:46].

أَلا وإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ السُّبُلِ فِي حُسْنِ التَّرْبِيَةِ، وَإِنْشَاءِ جِيلٍ نَافِعٍ - الأُسْوَةَ الْحَسَنَةَ، وَالْقُدْوَةَ الطَّيِّبَةَ؛ قَالَ تَعَالَى: )لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ( [الأحزاب:21]. وَرَسُولُنُا r مَثَلُنَا الأَعْلَى، وَأَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَالتَّابِعُونَ مِنْ بَعْدِهِمْ، لَوْلاَهُمْ بَعْدَ اللهِ سُبْحَانَهُ، مَا وَصَلَ إِلَيْنَا الإِسْلاَمُ نَقِيًّا طَاهِراً، يَمْلأُ الدُّنْيَا عَدْلاً وَخَيْراً وَبَرَكَةً، فَوَاجِبُ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ وَالْعُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ، وَالْمُعَلِّمِينَ وَالْمُعَلِّمَاتِ، وَالْمُرَبِّينَ وَالْمُرَبِّيَاتِ، وَكُلِّ مَنْ لَهُ صِلَةٌ بِالْعِلْمِ وَالْفِكْرِ وَالْخُلُقِ، أَنْ يَكُونُوا عَلَى الْمُسْتَوَى الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا الْقُدْوَةُ السَّيِّئَةُ فَلاَ يُرْجَى مِنْهَا خَيْرٌ أَبَداً، وَصَدَقَ اللهُ الْعَظِيمُ: )وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ([الأعراف:58]، وَهَلْ يَسْتَقِيمُ الظِّلُّ وَالْعُودُ أَعْوَجُ؟!.

وَإِلَى جَانِبِ ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ نَخْتَارَ لأَوْلاَدِنَا الصُّحْبَةَ الصَّالِحَةَ، التِي لاَ تَجْتَمِعُ إِلاَّ عَلَى الْخَيْرِ، وَالتِي يَسْتَمْسِكُ أَفْرَادُهَا بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَالنِّيَّاتِ الطَّيِّبَةِ، وَالسِّيرَةِ الْحَسَنَةِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَإِذَا أَوَى أَحَدُ أَبْنَائِنَا إِلَيْهِمُ احْتَضَنُوهُ وَكَرَّمُوهُ، وَبَدَّلُوا خَوْفَهُ أَمْناً، يَتَفَقَّدُونَهُ إِذَا غَابَ، وَيُعَلِّمُونَهُ مَا جَهِلَ، وَيَعُودُونَهُ إِذَا مَرِضَ، وَيَصُونُونَهُ مِنْ جَمِيعِ الآفَاتِ، فَأُولَئِكَ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ. بِخِلاَفِ رُفَقَاءِ السُّوءِ، الَّذِينَ يَنْتَشِرُونَ كَالْجَرَاثِيمِ، وَالَّذِينَ يَسْرِي شَرُّهُمْ سَرَيَانَ السُّمِّ فِي الدَّسَمِ، أَوْ سَرَيَانَ النَّارِ فِي الْهَشِيمِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الرَّيْحَانَةَ الْغَضَّةَ تَذْبُلُ بِمْجَاوَرَةِ الذَّابِلَةِ، وَالْمَاءَ وَالْهَوَاءَ يَفْسُدَانِ بِمُجَاوَرَةِ الْجِيفَةِ النَّتِنَةِ.

أَلاَ مَا أَرْوَعَ هَذِهِ الصُّورَةَ الْمُضِيئَةَ التِي نَقَلَهَا لَنَا الصَّحَابِيُّ الْجَلَيِلُ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ فِي مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ مُصَاحَبَةِ الأَشْرَارِ، فِيمَا رَوَاهُ عَنْ رَسُولِنَا r حَيْثَ قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً مُنْتِنَةً» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:

إِنَّ الْفَضَاءَ الذِي يُحِيطُ بِنَا مُزْدَحِمٌ بِآلاَفِ الصُّوَرِ، وَمَلاَيِينِ الْفِكَرِ، مِنْهَا مَا يَضُرُّ، وَمِنْهَا مَا يَنْفَعُ، وَمَا يَضُرُّ مِنْهَا أَكْثَرُ بِكَثِيرٍ مِمَّا يَنْفَعُ، فَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنَ الاِقْتِرَابِ مِنَ الْمُوَاقِعِ الْفَاسِدَةِ الْمُدَمِّرَةِ، التِي تُودِي بِنَا وَبِأَوْلاَدِنَا وَبِأَهْلِينَا إِلَى الْهَاوِيَةِ، وَإِلَى مُسْتَنْقَعٍ سَحِيقٍ مِنَ الْخِيَانَةِ وَالْمَهَانَةِ، وَضَيَاعِ الأُسَرِ، وَإِشَاعَةِ الْفُجُورِ، وَزَوَالِ الْكَرَامَةِ، وَخَرَابِ الْبُيُوتِ، وَلْنَتَّخِذْ كُلَّ الْوِقَايَةِ مِنْ كُلِّ مَا يُغْضِبُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ائْتِمَاراً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ([التحريم:6]، وَيَقُولُ الْمُصْطَفَى صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْماً أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا].

وَلاَ بُدَّ -عِبَادَ اللهِ- مِنَ التَّذْكِيرِ بِفَضْلِ الْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ وَالْخَيْرِيَّةِ الَّتِي تَقِفُ حَاجِزًا مَنِيعاً فِي وَجْهِ هذا الداء. ونسأل الله ان يعين اخواننا رجال مكافحة المخدرات ونشكر حكومتنا الرشيدة على انشاء مستشفيات الأمل والذي انتفع به كثير من اخواننا الذين وقعوا في هذه الآفة

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ سَيِّدِنَا مُحْمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيماً كَثِيراً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ – عِبَادَ اللهِ - وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَطَاعَتِهِ وَأُحَذِّرُكُمْ مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ.

واعلموا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ أن مُشْكِلَةُ الْمُخَدِّرَاتِ تَشْغَلُ مِسَاحَةً وَاسِعَةً مِنْ هُمُومِ العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ وَكَوَارِثِهِ، حَتَّى أَصْبَحَتْ تُهَدِّدُ مُسْتَقْبَلَهُ وَمُسْتَقْبَلَ شَبَابِهِ، وَالشَّبَابُ الْمُسْلِمُ يَقِفُ فِي خَطِّ الدِّفَاعِ الأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الْحَرْبِ الضَّرُوسِ؛ فَإِنَّ الْمُؤَامَرَاتِ الصُّهْيُونِيَّةَ لاَ تُرِيدُ أَنْ تَضَعَ أَوْزَارَهَا، وَلاَ تُرِيدُ أَنْ تُعْطِيَنَا فُرْصَةً لاِلْتِقَاطِ الأَنْفَاسِ، أَوْ فُرَصَةً لِجَرَيَانِ الدَّمِ فِي الْعُرُوقِ، وَإِنَّمَا تُرِيدُ أَنْ يَكُونَ شَبَابُنَا أَعْوَاداً جَافَّةً، تَسْقُطُ وَحْدَهَا وَتَذْرُوهَا الرِّيَاحُ.
فَوَاجِبُنَا – كُلٌّ فِي مَوْقِعِهِ – أَنْ يَضَعَ نَفْسَهُ مَوْضِعَ الْمَسْئُولِيَّةِ، وَأَنْ يُرَاقِبَ رَبَّهُ، وَأَنْ يَحْفَظَ أَوْلاَدَهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَمَنِ ابْتُلِيَ بِهَذَا الْبَلاَءِ فَلْيَلْجَأْ إِلَى رَبِّهِ ابْتِدَاءً لِيُعَافِيَهُ، ثُمَّ لِيَسْتَعِنْ بَعْدَ ذَلِكَ بِأُسْرَتِهِ وَأَصْدِقَائِهِ الصَّالِحِينَ؛ فَإِنَّ فِي التِفَافِهِمْ حَوْلَهُ شِفَاءَهُ وَذَهَابَ عِلَّتِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.

فَاللَّهُمَّ احْرسنا بِعَيْنِكَ التِي لاَ تَنَامُ، وَاسْتُرْنَا بِسِتْرِكَ الَّذِي لاَ يُضَامُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ، غَيْرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّينَ، وَاجْعَلْنَا سِلْماً لأَوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، نُحِبُّ بِحُبِّكَ مَنْ أَطَاعَكَ، وَنعَادِي بِعَدَاوَتِكَ مَنْ عَصَاكَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وَلِاة امورنا وَهَيِّئْ لَهُمَا البِطَانَةَ النَّاصِحَةَ الصَّالِحَةَ التِي تَدُلُّهُمَا عَلَى الْخَيْرِ واصرف عنهم بطانة السؤ من المنافقين والعلمانيين واعداء الدين اللهم واصلح ولاة امر المسلمين اجمعين واجعلهم رحمة برعاياهم محكمين فيهم شرعك وسنة نبيك، اللَّهُمَّ اجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا آمِناً مُطْمَئِنّاً سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المناضل السليماني 07-07-2009 05:56 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
ماذا بعد الاختبارات
الخطبة عن ( السفر آدابه واحكامه)

الْحَمْدُ للهِ الذِي أَنَارَ بَصَائِرَ أَوْلِيَائِهِ بِالْحِكَمِ وَالْعِبَرِ، وَاسْتَخْلَصَ هِمَمَهُمْ لِمُشَاهَدَةِ عَجَائِبِ صُنْعِهِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْعَزِيزُ الْمُقْتَدِرُ الْقَائِلُ: )سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ( [فصلت:53]، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ النَّبِيُّ الْمُعْتَبَرُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ مَا اتَّصَلَتْ عَيْنٌ بِنَظَرٍ أَوْ سَمِعَتْ أُذْنٌ بِخَبَرٍ.

أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ – عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ، وَمُرَاقَبَتِهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّقْوَى هِيَ جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ، وَسَبِيلُ كُلِّ فَلاَحٍ؛ قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
بَعْدَ سَنَةٍ دِرَاسِيَّةٍ مَمْلُوءَةٍ بِالتَّكَالِيفِ وَالْوَاجِبَاتِ يَحْتَاجُ الإِنْسَانُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الرَّاحَةِ وَالاسْتِجْمَامِ لِيَعُودَ بَعْدَهَا إِلَى مُوَاصَلَةِ الْعَمَلِ، وَالْمُثَابَرَةِ بِجِدٍّ وَهِمَّةٍ عَالِيَةٍ، وَنَفْسٍ مُقْبِلَةٍ، غَيْرِ مُدْبِرَةٍ، وَقَدْ رَاعَى دِينُنَا الْحَنِيفُ هَذَا الأَمْرَ الْفِطْرِيَّ فَأَبَاحَ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَعْمَلَ الْمُبَاحَ لِيُرَفِّهَ عَنْ نَفْسِهِ، وَيُذْهِبَ عَنْهَا السَّآمَةَ وَالْمَلَلَ، وَلَقَدْ رَاعَى رَسُولُ اللهِ r هَذَا الأَمْرَ حَتَّى فِي مَوَاعِظِهِ وَخُطَبِهِ، فَكَانَ يَتَجَنَّبُ الإِطَالَةَ وَالإِكْثَارَ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِالسَّآمَةِ وَالْمَلَلِ حَيْثُ كَانَ يَتَخَوَّلُهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ صَحَابَتِهِ الْكِرَامِ، وَمِنْ هَذِهِ الأُمُورِ الْمُبَاحَةِ التِي يَحْصُلُ بِهَا التَّرْفِيهُ وَالرَّاحَةُ: السَّفَرُ، تِلْكُمُ الْوَسِيلَةُ التِي نَبَّهَ اللهُ تَعَالَى إِلَى شَيْءٍ مِنْ مَنَافِعِهَا بِقَوْلِهِ: )وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ([الذاريات:20-21]، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ سَافَرَ وَلَمْ يَعْتَبِرْ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: )وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُون ([يوسف:105] وَبِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلاَ: (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) [الصافات:137-138].

إِنَّ سَفَرَ الْعِبْرَةِ هُوَ السَّفَرُ الذِي لاَ تَضِيقُ فِيهِ الْمَنَاهِلُ وَالْمَوَارِدُ وَلاَ يَضُرُّ فِيهِ التَّزَاحُمُ وَالتَّوَارُدُ، بِلْ تَزِيدُ بِكَثْرَةِ الْمُسَافِرِينَ فَوَائِدُهُ وَتَتَضَاعَفُ ثَمَرَاتُهُ وَعَوَائِدُهُ.

تَغَرَّبْ عَنِ الأَوْطَانِ تَكْتَسِبِ الْعُلاَ وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ
تَفَرُّجُ هَـــمٍّ، وَاكْـتِسَابُ مَعِيشَـةٍ وَعِلْــمٌ وَآدَابٌ وَصُـحْبَـــةُ مَــاجِـــــدِ

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
إِنَّ مِمَّا يُفَرِّحُ الْمُسْلِمَ الصَّالِحَ الْمُسَافِرَ أَنَّ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ التِي كَانَ يَعْمَلُهَا حَالَةَ إِقَامَتِهِ وَالتِي يُمْكِنُ أَنْ تَفُوتَهُ بِسَبَبِ سَفَرِهِ أَنَّ هَذِهِ الأَعْمَالَ يَكْتُبُهَا اللهُ تَعَالَى لَهُ أَثْنَاءَ سَفَرِهِ حَتَّى وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا؛ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً». وَإِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ جَعَلَهُ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ فِي سَفَرِهِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةرضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ، لاَ شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ].

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللهِ:
إِنَّ مِمَّا يُكَمِّلُ فَرْحَةَ الْمُسْلِمِ وَيَكُونُ سَبَباً فِي سَعَادَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى مَعْرِفَةِ هَدْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ، وَمَعْرِفَةِ مَا يَحِلُّ، وَمَا يَحْرُمُ، وَمَعْرِفَةِ الآدَابِ وَالأَحْكَامِ التِي تُقَرِّبُهُ مِنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمِنْهَا:

الْحِرْصُ عَلَى صَلاَحِ النِّيَّةِ، بِأَنْ يَنْوِيَ بِسَفَرِهِ القُرَبَ وَالطَّاعَاتِ، وَلْيَعْلَمْ بِأَنَّ النِّيَّةَ الصَّالِحَةَ يُؤْجَرُ عَلَيْهَا، وَأَنَّ الْمُبَاحَاتِ إِذَا نَوَى بِهَا التَّقَوِّيَ عَلَى الطَّاعَةِ انْقَلَبَتْ إِلَى عِبَادَاتٍ يُثَابُ عَلَيْهَا.

عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ مِنَ الأُمُورِ التِي يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهَا فِي السَّفَرِ الْحَذَرَ مِنَ النِّيَّةِ السَّيِّئَةِ كَنِيَّةِ فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ أَوْ مُقَارَفَةِ الذُّنُوبِ وَالآثَامِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَتَرَبَّصُ بِالإِنْسَانِ، وَيَنْتَظِرُ غَفْلَتَهُ حَتَّى يُوقِعَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ، وَيُخْرِجَهُ عَنِ الْجَادَّةِ.

وَإِنَّنَا أَصْبَحْنَا وَلِلأَسَفِ نَسْمَعُ عَنْ بَعْضِ الْمُمَارَسَاتِ وَالسُّلُوكِيَّاتِ الشَّائِنَةِ التِي تَصْدُرُ مِنْ بَعْضِ ضُعَفَاءِ النُّفُوسِ أَثْنَاءَ سَفَرِهِمْ وَكَأَنَّهُمْ بِغِيَابِهْمِ عَنْ أَهْلِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ غَابُوا عَنْ رَبَّهِمْ، وَخَالِقِهِمُ الَّذِي يَرَاهُمْ، وَيُرَاقِبُهُمْ، أَمَا يَعْلَمُ هَؤُلاَءِ أَنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِمْ عَالِمٌ بِسَرَائِرِهِمْ، وَخَبَايَا نُفُوسِهِمْ؟! أَلَمْ يَقَرَأُوا قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: )يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (؟! [غافر:19]، أَلَمْ يَسْمَعُوا قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ) [الحديد:4]؟!.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
يَنْبَغِي لِمَنْ عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ أَنْ يَبْدَأَ بِالتَّوْبَةِ مِنَ الْمَعَاصِي، وَيَخْرُجَ مِنَ الْمَظَالِمِ وَيُعْطِيَ مَا أَمْكَنَهُ مِنَ الدُّيُونِ التِي عَلَيْهِ، وَيَرُدَّ الْوَدَائِعَ وَيَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ، وَلاَ يَنْسَى دُعَاءَ السَّفَرِ الذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجاً إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلاَثاً ثُمَّ قَالَ: «سُبْحَانَ الذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعَثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ، وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ».

أَيُّهَا الأِخْوَةُ الأَكَارِمُ:
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ السَّفَرَ أَنْ يَطْلُبَ رَفِيقاً مُوَافِقاً رَاغِباً فِي الْخَيْرِ وَلْيَحْذَرِ الْوَحْدَةَ فِي السَّفَرِ؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّ النَّاسَ يَعْلَمُونَ مِنَ الوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

سَافِرْ تَجِدْ عَوِضاً عَمَّنْ تُفَارِقُـهُ وَانْصَبْ؛ فَإِنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصَبِ
إِنِّي وَجَدْتُ وُقُوفَ الْمَاءِ يُفْسِدُهُ إِنْ سَالَ طَابَ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِـبِ

وَمِنْ أَحْكَامِ السَّفَرِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ التَّكْبِيرُ إِذَا ارْتَفَعَتْ بِهِ الأَرْضُ وَالتَّسْبِيحُ إِذَا انْخَفَضَتْ بِهِ لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: «كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

وَإِذَا خَافَ الْمُسَافِرُ مِنْ قَوْمٍ أَثْنَاءَ سَفَرِهِ دَعَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي مُوسَى t قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَافَ قَوْماً قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ»، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَخْرُجَ مُبَكِّراً؛ لِحَدِيثِ صَخْرِ بْنِ وَدَاعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا، وَكَانَ إِذَا بَعْثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشاً بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ]. وَكَانَ صَخْرٌ تَاجِراً فَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ.

وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَخْرُجَ فِي سَفَرِهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ؛ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: «قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ فِي سَفَرٍ إِلاَّ فِي يَوْمِ خَمِيسٍ»، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: )لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا( [الأحزاب:21].

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قُوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الذِي جَعَلَ الطَّاعَةَ شِعَارَ الْمُفْلِحِينَ، وَجَعَلَ الْمَعْصِيَةَ عَادَةَ إِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ إِمَامُ الْمُتَّقِينَ وَسَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ وَصَحَابَتِهِ الْبَرَرَةِ الْمُكَرَّمِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّقْوَى هِيَ سَبِيلُ الْفَرَجِ مِنَ الضِّيقِ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ( [الطلاق:2-3].

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالسَّفَرِ مِنْ أَحْكَامٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ الفِطْرُ فِي رَمَضَانَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: )وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ( [البقرة:185]، وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ قَصْرُ الصَّلاَةِ الرُّبَاعِيَّةِ إِلَى رَكْعَتَيْنِ، وَالْجَمْعُ بِيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبِيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مَا دَامَ مُسَافِراً؛ فَعَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ: «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ تَبُوكَ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ r يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، قَالَ فَأَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْماً ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعاً ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعاً» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، وَتَسْقُطُ عَنِ الْمُسَافِرِ السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ التِي كَانَ يُصَلِّيهَا مُقِيماً وَهِيَ رَاتِبَةُ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، أَمَّا رَاتِبَةُ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ فَمَا كَانَ يَدَعُهُمَا رَسُولُ اللهِ r حَضَراً وَلاَ سَفَراً.

عِبَادَ اللهِ:
وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَدَاءُ النَّوَافِلِ وَمِنْهَا الْوِتْرُ فِي الطَّائِرَةِ أَوِ السَّيَّارَةِ وَهِيَ تَسِيرُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ؛ لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].فاستقبال القبلة في تكبيرة الاحرام ثم لا يستمر في صلاته ولو توجهت الطائرة او السيارة الى غير القبلة في النوافل اما الفريضة فلابد من استقبال القبلة من التحريم الى التسليم
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ:
إِنَّ الْمُسَافِرَ سَفِيرٌ لِبَلَدِهِ، وَصُورَةٌ عَنْ مُجْتَمَعِهِ فَلْيَحْذَرْ أَنْ يَكُونَ صُوَرَةً لاَ تَعْكِسُ الْحَقِيقَةَ وَلاَ تَدُلُّ عَلَى الْوَاقِعِ، وَلْيَحْرِصْ أَنْ يُظْهِرَ شَعَائِرَ دِينِهِ، وَمَظَاهِرَ إِسْلاَمِهِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ عِزَّةً، وَرِفْعَةً وَفِي غَيْرِهَا ذُلُّهُ وَشَقَاؤُهُ، وَلَتْحَذَرِ الْمَرْأَةُ أَنْ تُسَافِرَ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ يُصَاحِبُهَا حَتَّى لاَ تَقَعَ فِي النَّهْيِ، وَتَرْتَكِبَ الْمَحْظُورَ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرِ اللَّهُمَّ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنّاً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَفِّقِ اللَّهُمَّ وُلاَةَ أُمُورِنَا لمافيه صلاح الاسلام والمسلمين وَارْزُقْهُمْ صَلاَحَ البِطَانَةِ، وَاصرف عنهم أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْخِيَانَةِ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا...............

المناضل السليماني 07-07-2009 06:31 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
هذه الخطبة عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله

إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد:
فأوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله عز وجل وطاعته, قال تعالى: ) وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً ) [النساء/131].

أيها المسلمون:
منذ أن كرم الله هذه الأمة ببعثة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأفواج الدعاة المصلحين يتعاقبون فيها، علماء مخلصين، ومربين ربانيون، داعين إلى الحق، حاكمين بالقسط، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر.
وإن العناية بسير الرجال تورث الإحساس بالعزة، وتنبت الشعور بالقوة، وتهدي إلى التمسك بالحق، وتقود إلى السمو في الخلق.

إخوة الإسلام:
إمام من الأئمة، عليه أجمعت الأمة، وذكره يزيد الإيمان والهمة، نشأ في طيبة الطيبّة، ونهل من معينها، فارتفع ذكره، وملأ الأرض علمه، جلس للتدريس في جنبات المسجد النبوي الشريف، حتى إذا قيل: عالم المدينة أو إمام دار الهجرة، لم ينصرف إلا إليه, إنه الإمام مالك رحمه الله تعالى.
قال عنه الإمام الشافعي: "إذا ذكر العلماء فمالك النّجم، ومالك حجّة الله على خلقه بعد التابعين"، وقال عنه الإمام النووي: "أجمعت طوائف العلماء على إمامة مالك وجلالته، وعظيم سيادته، وتبجيله وتوقيره، والإذعان له في الحفظ، والتثبت وتعظيم حديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه".
ولد الإمام مالك بن أنس في مدينة رسول الله ، صلى الله عليه وسلمسنة ثلاث وتسعين للهجرة, في خلافة سليمان بن عبد الملك. نشأ محبا للعلم مغترفا منه، على الرغم من فقره وقلة حاله. أحسنت أمُّه تربيته، ووفقت في تنشأته، أتته يوما وقالت له: "اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه"، وهكذا فلتكن الأمهات، على الهدى والأدب يربّين، ولصلاح الولد يسعيْن، ولقد صبغت هذه الكلمة حياة مالك حقيقة لا قولا، وواقعا لا خيالا، فغدا مدرسة في الأدب ينهل طلابه من هيئته وسمته، وتقتبس الأمة من سيرته، قال مالك لفتى من قريش: "يا ابن أخي تعلم الأدب قبل أن تتعلم العلم".
إن العلم إذا فصل عن الأدب فمهما كان المخزون العلمي والثراء المعرفي، فإنك واجد ضعف شديدا في الأخلاق والسلوك، ولا خير في علم امرئ لم يكسبه أدبا ويُهذبه خلق.
الجفوة بين العلم والأدب تفرز أعرافا مرضيّة، منها:التهجم على العلماء، والتطاول على الفضلاء، وسوء الأخلاق، وشذوذ السلوك، وعقوق الوالدين، والتقليد الأعمى.
قرأ الإمام مالك على شيوخ كثيرين، وقد كانت المدينة وقتها تعج بالعلماء من التابعين، تحتضنهم الجامعة الكبرى، والمدرسة الأولى، مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، علماء أطهار الأنفاس، بعلمهم وفضلهم سادوا الناس، تربىّ عليهم الإمام مالك رحمه الله، ونشأ في ربوعهم، مما ساعد على بناء شخصيته، وقوة نفسه، من هؤلاء الكرام: عبد الرحمن بن هرمز، وربيعة بن أبي عبد الرحمن المعروف بربيعة الراي، ونافع مولى ابن عمر, ومحمد بن شهاب الزهري، وهم من كبار الأئمة، وأعلام في هذه الأئمة.

أتباع سيد المرسلين:
جلس الإمام مالك للفتيا، ولم يجلس حتى شهد له سبعون شيخا من أهل العلم أنه موضع لذلك، وفرق بين من يزكي نفسه ويصدرها، ومن يصدره أهل العلم والفضل, يقول الإمام مالك: "وليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس، حتى يشاور أهل الصلاح والفضل، فإن رأوه أهلا لذلك جلس، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخا من أهل العلم أني موضع لذلك".

إخوة الإيمان:
من الخطإ احتقار أعمال الآخرين، ومن الجهل ظنُّ بعضنا أن ما يقوم به من خير أفضل من غيره، كتب إلى الإمام مالك أحد عبّاد عصره، يحضه على الانفراد والعمل، فكتب إليه مالك: "إن الله قسّم الأعمال كما قسّم الأرزاق، فربّ رجل فتح له في الصلاة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، وآخر فتح له في العلم، ونشر العلم من أفضل الأعمال، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر".
فبالصدق والاتباع: أفراد الأمة يكمل بعضهم بعضا، لا غنى لأحدهم عن الآخر، قال تعالى: )وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ( [التوبة/71]، وفي الحديث الصحيح: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" متفق عليه.
كان الإمام مالك إذا سئل عن مسألة قال للسائل:"انصرف حتى أنظر فيها" فينصرف ويتردد فيها، فقيل له في ذلك فبكى وقال: "إني أخاف أن يكون لي من السائل يوم وأي يوم".
وسأله رجل من أهل المغرب عن مسألة كلفه به أهل تلك البلاد، فكان جواب الإمام مالك: "لا أدري، ما ابتلينا بهذه المسألة في بلدنا، وما سمعنا أحدا من أشياخنا تكلم فيها، ولكن تعود "وفي اليوم التالي عاد الرجل فقال له الإمام مالك: " سألتني وما أدري ما هي" فقال الرجل: يا عبد الله تركت خلفي من يقول: ليس على وجه الأرض أعلم منك، فقال الإمام مالك: "لا أحسن".
وسأله أحدهم عن مسألة، وطلب وقتا للنظر فيها، فقال السائل: هذه مسألة خفيفة، فرد الإمام مالك: "ليس في العلم شيء خفيف" أما سمعت قول الله تعالى: "إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا"، وقال بعضهم: "لكأنما مالك – والله – إذا سئل عن مسألة واقف بين الجنّة والنار".هؤلاء العلماء الذين ملؤوا الدنيا بعلمهم وعملهم، يقول أحدهم أحيانا: "لا أدري"، وإنك لتعجب أشد العجب من أقوام ليس لهم حظ يذكر من العلم الشرعي، ثم يتقحمون حمى الشريعة، فيخوضون تحليلا وتحريما، يوجهون وينظرون، إن على الأمة أن تكل الأمر إلى أهله، ويعطوا القوس باريها، وأن لا يدخلوا فيما لا يحسنون، يقول مالك: "من أحب أن يجيب عن مسألة فليعرض نفسه قبل أن يجيب على الجنّة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة، ثم يجيب".
ومع هذا العلم الجم، والورع والزهد، كان إقباله على الله عظيما، وعبادته في السر أكثر منها في العلانية.
يقول ابن المبارك "رأيت مالكا فرأيته من الخاشعين، وإنما رفعه الله بسريرة بينه وبينه، وذلك أني كثيرا ما كنت أسمعه يقول: من أحب أن يفتح له فرجة في قلبه، وينجو من غمرات الموت، وأهوال يوم القيامة, فليكن عمله في السر أكثر منه في العلانية".
ويقول بعض معاصري الإمام مالك: "خرجت ليلة بعد أن هجع الناس هجعة، فمررت بمالك بن أنس، فإذا به قائم يصلي حتى بلغ" ثم لتسألن يومئذ عن النعيم "فبكى بكاء طويلا، وجعل يرددها ويبكي حتى طلع الفجر، فلما تبيّن له ركع، فصرت إلى منزلي فتوضأت ثم أتيت المسجد فإذا به في مجلسه، والناس حوله فلما أصبح نظرت فإذا أنا بوجهه قد علاه نور حسن".
وقال مطرف: "لقد رأيت مالكا وهو جالس في المجلس بعد الصبح يدعو، ووجهه يصفر ويخضر حتى أطال الدعاء"، وقال بن وهب: قيل لأخت مالك: "ما كان يشتغل به مالك في بيته؟ " قالت: "المصحف في بيته".
يقول الإمام الذهبي: "قد اتفقت لمالك مناقب ما علمتها اجتمعت لأحد غيره، أحدها: طول العمر والرواية، ثانيها: الذهن الثاقب والفهم وسعة العلم، ثالثها: اتفاق الأئمة على أنه حجة صحيح الرواية، رابعها: إجماع الأئمة على دينه وعدالته واتباعه للسنن، خامسها: تقدمه في الفقه والفتوى وصحة قواعده".
إذا ما عدّت العلماء يوما فمالك في العلوم هو الضياء
تبوّأ ذروة العلماء قوم فهم كالأرض وهو لهم سماء
بارك الله لي ولكم في الوحيين، ونفعني بهدي سيد الثقلين, أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي رفع قدر العلماء, واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمرنا بالاقتداء بالفضلاء, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد المرسلين والأنبياء, اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار النجباء.

أما بعد:
فاتقوا الله أيها الناس، واقتدوا بالعلماء المصلحين، المتبعين لنهج سيد المرسلين، فهم أعلم الناس بشرع الله تعالى، وأشدهم خشية له، قال تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) [فاطر/28].

معاشر المسلمين:
وبعد حياة حافلة بالعلم والهدى، والخشية والتقى، مرض الإمام مالك اثنين وعشرين يوما، ثم جاءته منيته، قال بكر بن سليم الصراف: دخلنا على مالك في العشية التي قبض فيها فقلنا: يا أبا عبد الله, كيف تجدك ؟ قال: "ما أدري ما أقول لكم، ألا إنكم ستعاينون غدا من عفو الله ما لم يكن لكم في حساب" قال: ما برحنا حتى أغمضناه، كان ذلك سنة تسع وسبعين ومائة لعشر خلون من ربيع الأول.
مات هذا الإمام الجليل، وقد خلّف للأمة مذهبا فقهيا، وتراثا علميا، ويكفيه من الشرف أن جمع للناس سنّة النبي صلى الله عليه وسلم في موطئه، وأن قدّم للأمة تلاميذ نجباء، حملوا الراية من بعده، كالإمام الشافعي وأسد بن الفرات وعبد الله بن وهب.
رحم الله الإمام مالك رحمة واسعة، وأسكنه فسيح الجنات، جزاء ما علّم وألف ونصح.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, والمسلمين والمسلمات, الأحياء منهم والأموات, إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين, ودمر اللهم أعداءك أعداء الدين, واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.

المناضل السليماني 09-07-2009 10:48 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 

الخطبة الأولى
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد:
فأوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله عز وجل وطاعته, قال تعالى: ( وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً ) [النساء/131].
أيها المؤمنون، إنّ الله تعالى أوجب على عباده تكاليف الدين، وحثهم على لزومها والاستقامة عليها، وحرَّم عليهم المحرمات، ونهاهم عن اقتراف السيئات، وحذرهم من السقوط فيها، وإن الله العليم الحليم الرحيم علِم بضعف الإنسان وتقصيره وخطئه وتحكُّم هواه وشيطانه فيه، فشرع له الاستغفار محوا لما يقع فيه من ذنوب وأوزار، وتطهيرا لما يدنس روحه من أكدار، وردََّا لما يمكن أن يلحقه بسبب ذلك من مصائب وعقوبات وأضرار، فرغّب الله سبحانه عباده في الاستغفار ليتخلّصوا من ذنوبهم، ويسلَموا من تبعاتها في الدنيا والآخرة، وحتى لا يهْلكوا بسببها رحمة منه وامتنانًا وتفضلاً وإنعامًا وإحسانًا، فقال جل شأنه: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المزمل:20]، وقال: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر:49]. وشوَّق إلى واسع رحمته وحذَّر من القنوط منها فقال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

والله عز وجل أرسل رُسله جميعا إلى أقوامهم ليذكِّروهم برحمة ربهم وغفرانه، فأمروهم بالتوبة والوقوف بباب الاستغفار بين يدي ربهم متضرعين سائلين باكين، وشوقوهم في عفوه وحلمه، وأخبروهم بأن رحمته سبقت غضبه، وأن حلمه سبق انتقامه، وأنه جل وتعالى يغفر الذنوب ولا يبالي، ولو بلغت مكان السُّحب العوالي، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: ((يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنَان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة)) رواه الترمذي عن أنس وقال: "حسن غريب". الله الله، ما أوسع رحمة الله، وما أشمل وأكمل وأجمل غفران الله.

ومن دلائل رحمة الله بالمذنب وإحسانه إليه ما نطق به فم رسول الله عندما قال: ((ما من مسلم يعمل ذنبا إلا وقف الملك ثلاث ساعات، فإن استغفر من ذنبه لم يكتبه عليه ولم يعذبه به الله يوم القيامة)) رواه الحاكم عن أم عصمة العوصية وقال: "صحيح الإسناد".

فما هذا الاستغفار الذي رغبنا المولى عز وتعالى فيه؟ وكيف يكون؟

أيها المؤمنون، الاستغفار هو طلب المغفرة والصفح، وهو دليل حساسية القلب وانتفاض شعوره بالإثم ورغبته في التوبة والإقالة من الذنب وعدم المؤاخذة عليه لنيل الرحمة الربانية في الدنيا والآخرة.

أما كيف يكون فلقد بين ذلك لنا أمير المؤمنين علي حينما قال رجل بحضرته: أستغفر الله، فقال له : ثكلتك أمك! ألا تدري ما الاستغفار؟ إن الاستغفار اسم واقع على خمسة معان: أولها الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك العودة إليه أبدا، والثالث أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله وليس عليك تبعة، والرابع أن تعمِد إلى اللحم الذي نبت من السحت فتذيبه بالأحزان حتى تُلصِق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد، والخامس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول: أستغفر الله.

والاستغفار ينبغي أن يكون بتذلل وتضرع وانكسار وخضوع وافتقار، وبعيون دامعة وقلوب خاشعة ونفوس إلى رحمة ربها وصفحه وفضله طامعة, وينبغي أن يكون معه حرارة الابتهال والصدق في السؤال والتضرع في الحال والشعور بالفقر إلى المغفرة في الاستقبال. ويستحب أن يكون متواصلا بالليل والنهار، وبالأخص في الأسحار، حينما ينزل الله جل جلاله بعظمته وعزته ورحمته إلى السماء الدنيا، وينادي عباده بنداء لطيف لنيل مصالحهم وغفران زلاتهم وقضاء حاجاتهم، يقول الرسول : ((ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخرُ، فيقول: من يدعوني فأستجيبَ له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفرَ له)) أخرجه البخاري عن أبي هريرة. وعلى المؤمن أن يستغفر بالصيغ الواردة في القرآن والمأثورة عن خير الأنبياء؛ فهي أنصح بيانًا وأرجح ميزانًا وأجمع للمعاني وأروع في المباني وأعظم تأثيرًا في القلوب. على أن في الاستغفار والدعاء بالمأثور أجرين: أجر الدعاء والاستغفار، وأجر الاتباع والاقتداء. ولا حرج عليه فيما يلهمه الله ويفتح له من صيغ وابتهالات، وعليه بسيد الاستغفار كما قال النبي الكريم : ((سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) رواه البخاري عن شداد بن أوس.

والله تبارك وتعالى رغب عباده في الاستغفار لما له من فوائد عظيمة ومنافع جسيمة، وأول هذه المنافع أن المستغفر يُقر بصفة الله تعالى الغفار، ويردد اسمه تعالى ويلهج به، ويتعبد له بهذه العبادة العظيمة التي يجب توفرها في عباد الله المستحقين للاستخلاف في الأرض, ويحقق ـ أي: الاستغفار ـ للمؤمن الثقة بالله وبلطفه بعباده الضعفاء، فإذا كان الدعاء مخّ العبادة فالاستغفار جوهرها, وهو دعاء واستمداد، وهو استجابة لله وتنفيذ لأمره وذكر له وصلح معه وتقرب إليه وخضوع تام له واعتراف بعجز العبد وقدرة مولاه.

أيها المؤمنون، بالاستغفار يُقال المذنب من ذنبه ويسلَم من المؤاخذة عليه، قال الرسول المُوجّه الكريم : ((من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيوم وأتوب إليه غُفر له وإن كان فر من الزحف)) رواه أبو داود والترمذي.

وبه تمحى السيئات وتبدّل إلى حسنات، وتنزل الرحمات، وتُدفع الآفات، وتفتح أبواب السموات، وبه تفرَّج الكروب، وتتطهر القلوب، وترتبط بعلام الغيوب، وتُكشف الهموم، وتزول الغموم, وتحصل البركة في المال، وتُحقَّق الآمال، قال الرسول عليه صلوات الله وتسليماته: ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ هم فرجا، ومن كل ضِيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)) أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم عن ابن عباس. وبه تكثر الأرزاق وتزداد النعم حتى لا يدري المستغفر مصدرها، ولا الوجهة التي أتت منها.

ولقد أمر الله هذه الأمة بالاستغفار والتوبة, ووعدهم بأن يمتِّعهم متاعًا حسنًا من إغداق في النعم والطيبات وسَعة في العيش وتمتع بالأموال وصلاح في البنين والأهل إن سمعوا وأطاعوا, وتوعدهم بعذاب كبير في الدنيا والآخرة إن خالفوا وعصوا، فقال الله جل شأنه: أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ [هود:2، 3].

ومن فوائده أنه يدفع العقوبة عن صاحبه ويمنع نزول المصائب به, ويحول دون حلول الكوارث والأزمات والنكبات، ويرفع العقوبات النازلة بالإنسان، كالقحط والطوفان والجوع والأوبئة المهلكة، ويحقق الأمن النفسي والاجتماعي، يقول الرسول : ((أنزل الله عليَّ أمانين لأمتي: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33], فإذا مضَيْت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة)) رواه الترمذي عن أبي موسى عن أبيه.

الاستغفار دواء وعلاج، وملاذ المضطر وباب الفوز برضا الله، وأساس الوقاية من غضبه، وهو سبب فرح العبد وحبوره يوم لقاء الله، يوم يجد صحيفته مملوءة بالاستغفار، يقول الرسول الكريم : ((من أحب أن تَسُره صحيفتُه فليكثر فيها من الاستغفار)) أخرجه البيهقي بإسناد حسن عن الزبير. فالمكثر من الاستغفار يُبعث طاهرًا نقيًا فرحًا مسرورًا لا ذنب يؤاخذ عليه، ويزداد فرحًا وحبورًا عندما يقبض صحيفته بيمينه ويجدها ممتلئة بالاستغفار.

عباد الله، ومن فوائد الاستغفار المهمة والتي نحتاج إليها أشد الاحتياج في هذه الأيام بالذات نعمة هطول المطر ونزول الماء قطرات وهبوط الغيث النافع، يقول الله تعالى على لسان سيدنا نوح لمَّا أجدب قومه: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12]، وقال سيدنا هود لقومه: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود:52]، وقال سيدنا صالح لقومه: لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النمل:46]. ولقد أمر الله رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام بالاستغفار فاستغفر وأكثر، وأمر أمته به، ووقف على أبواب القرب من مولاه وبكى وشكا إلى الله.

الله أكبر، إنها وصايا نبوية غالية اتفقت في مجموعها على الاستغفار لما له من أثر في حصول المنافع ودفع الآفات والفواجع، ولما له من أسباب في حصول البركات وحلول الهبات وكشف الكربات.

إن نبي الله نوحا عليه السلام أمر قومه بالاستغفار ليحرك عواطفهم، وليهز مشاعرهم، وليجدد الإيمان في قلوبهم، وليُظهر لهم أن ما أصابهم من انحباس الأمطار وضيق الأرزاق وحرمان الذرية وفقد سبل العيش الكريم مردُّه أولا إلى جفاف القلوب من الإيمان وخلو الأفئدة من الخوف والتفكر والاعتبار؛ لأن جفاف القلوب والعقول أضر من جفاف الحقول، بل هو سبب كل ذلك.

أيها المسلمون الكرام، لقد اتفقت كل وصايا الأنبياء على الاستغفار؛ لأنهم عليهم السلام بدؤوا إصلاح أوضاع أممهم من القلوب، ولأنهم أرادوا أن يزرعوا الربانية في أفئدة أقوامهم، فتعطيهم قوة داخلية معنوية روحية تزرع الإيمان فيهم، فتُحرك جوارحهم بالعمل الصالح، فتتحول هذه القوة المعنوية إلى قوة مادية محسوسة.

روي أن عمر بن الخطاب استسقى يوما فلم يزد على الاستغفار، فقالوا له: ما رأيناك زدت على الاستغفار! فقال: طلبت الغيث بمفاتيح السماء، ثم قرأ قول الله تعالى: وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [هود:3]. فعمر الملهم نطق بعين الصواب، وطلب الغيث بأعظم الأسباب، لأنه ربما رأى القلوب قد غطتها الذنوب وغلفتها، فلم يرى بُدا من المصالحة مع الله لكي تصبح القلوب وثيقة الصلة بخالقها ومربوطة به حتى يقبل منها الدعاء.

وحدث مرة أن أحد الفلاحين الصالحين لم يجد سبيلا لري أرضه التي جف ماؤها، حتى كاد الزرع يصبح هشيما، وجلس في وسطها وقال: اللهم إنك قلت وقولك الحق: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [نوح:10، 11]، وها أنا ذا ـ يا رب ـ أستغفرك راجيا أن تُفيض علينا من رحمتك، ثم طفق في الاستغفار في همة وثقة بوعد الله، فلم تمض إلا ساعات حتى تلبدت السماء بالغيوم ونزل المطر فياضا مدرارا.

أيها المؤمنون، جاء رجل إلى الحسن البصري فقال له: إن السماء لم تمطر، فقال له الحسن: استغفر الله، ثم جاءه آخر فقال: أشكو الفقر، فقال له: استغفِر الله، ثم جاءه ثالث فقال: امرأتي عاقر لا تلد، فقال له: استغفر الله، ثم جاءه بعد ذلك من قال له: أجدبت الأرض فلم تنبت، فقال له: استغفر الله، ثم جاءه بعد ذلك من قال له: جفَّ الماء من الأرض، فقال: استغفر الله، فقال الحاضرون للحسن: عجبنا لك، أوَكلما جاءك شاكٍ قلت له: استغفر الله؟! فقال لهم: أوَما قرأتم قول الله من سورة نوح: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12]؟!

الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده
أما بعد: أيها المسلمون، إن الاستغفار سنة الأنبياء والمرسلين، وطريق ووسيلة الأولياء والصالحين، يلجؤون إليه في كل وقت وحين، في السراء والضراء، به يتضرعون وبه يتقربون، وبه يرتقون في مدارج القرب عند الله، به ينوِّرون قلوبهم وينيرون قبورهم، وبه يصححون سيرهم إلى الله، وبه يُنصرون ويُمطرون ويرزقون ويغاثون ويرحمون، فأبونا آدم وأمنا حواء عليما السلام لما أذنبا وعاتبهما ربهما أحسَّا بخطئهما التجآ إلى ربهما متضرعين مستغفرين نادمين مسترحمين، فكان مما قالا: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23]. وقال سيدنا نوح عليه السلام: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [نوح:28]، وقال: وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ [هود:47]. وقال موسى عليه السلام لما قتل رجلا من الأقباط: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [القصص:16]. وقال شعيب لقومه: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود:90]. وقال سيدنا صالح لقومه بعد أن أمرهم بعبادة الله: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود:61]. وحكى الله عن سيدنا داود لما تسَرَّع في الحكم بين الخصمين ولم يتريث في ذلك، فأحس بخطئه: فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [ص:24]. وهذا ابنه سليمان قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [ص:35]. وهذا إبراهيم عليه السلام كان يستغفر لنفسه ولأبيه رغم ضلاله، وبقي كذلك حتى تيقن أنه عدو الله فتبرأ منه، وكان يستغفر لكل مؤمن سابق ولاحق، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [إبراهيم:41]. وهذا خيرتهم وخاتمهم محمد قال له ربه: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19]، وقال له: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3]. وروى الإمام أحمد أن ابن عمر قال: إنا كنا لنعُدُّ لرسول الله في المجلس الواحد مائة مرة يقول: ((رب اغفر وتب علي إنك أنت التواب الرحيم)). كان رسول الله وهو المعصوم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله، وعلى قدر منزلته عند الله يستغفر ويكثر، وهو الذي قال: ((والله، إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)) رواه البخاري.

فحاجة الإنسان إلى الاستغفار حاجة أساسية ضرورية قبل كل شيء؛ لأن الإنسان يلازمه التقصير في كل طاعة، ويصدر منه الخطأ كل ساعة، يقول الرسول الكريم في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم)) رواه مسلم عن أبي ذر. وحاجتنا نحن اليوم للتوبة والاستغفار أكثر من أي وقت مضى؛ لأن وقتنا هذا امتلأ بالمغريات والذنوب، وكثرت أسباب المعاصي في البيت والشارع والعمل، وقست بسبب ذلك القلوب وعلاها الران، وانطمست البصائر والأبصار، فأصبح لزاما على المؤمنين لزوم هذه العبادة العظيمة وتجديدها حينا بعد حين، واللوذ بهذا الركن الركين، اقتداء بالرسل الكرام صفوةِ خلق الله، وبرسولنا الأواه وأصحابه والتابعين الذين وصفهم الله بقوله: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:16-18]. وقال : ((طوبى لمن وُجد في صحيفته استغفار كثير)) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح عن عبد الله بن بسر.

ومن فرط فيه جنى الحسرات وتوالت عليه الهموم والنكبات، وعاش وعنده النقص في الأرزاق، وغُبن أمام الناس يوم التلاق.

اللهم اجعلنا من المستغفرين المكثرين بالليل والنهار، واقبل اللهم استغفارنا واحشرنا مع أهلك الذاكرين، أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين...



المناضل السليماني 16-07-2009 02:11 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
هاتان خطيتان ولكنهمما منقولتان عن وفاة سماحة الشيخ ابن جبرين جزى الله الكاتب خير الجزاء
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الخطبة الأولى


أما بعد: فأوصيكم ـ عباد الله ـ ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فإنها أمانٌ عند البلايا، وذُخْرٌ عند الرزايا، وعصمة من الدنايا، فاتقوا الله رحمكم الله، ولا تغرّنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنّكم بالله الغَرُور، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: 18].
أيها المسلمون، حفظ الدين أعظم مقاصد هذه الشريعة الغراء، وإن من أعظم أسباب حفظ الدين حفظه بالرجال المخلصين والعلماء العاملين، فوجودهم في الأمة حفظ لدينها، وصون لعزتها وكرامتها، وذود عن حياضها، فإنهم الحصن الحصين والسياج المتين الذي يحول بين هذا الدين وأعدائه المتربصين.
وإن لله سبحانه وتعالى الحكمة البالغة والقدرة النافذة في كونه وخلقه، وإن مما كتبه الله جلَّ وعلا على خلقه الموت والفناء، يقول سبحانه: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن: 26، 27]، ويقول عز وجل: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء: 34]، ويقول: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [العنكبوت: 57]، ويقول جلَّ وعلا: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر: 30، 31].
وإن أعظم أنواع الفقد على النفوس وقعًا وأشده على الأمة لوعة وأثرًا فقد العلماء الربانين والأئمة المصلحين؛ ذلكم ـ يا عباد الله ـ لأن للعلماء مكانة عظمى ومنزلة كبرى، فهم ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل والأمناء على ميراث النبوة، هم للناس شموسٌ ساطعة وكواكب لامعة، وللأمة مصابيح دجاها وأنوار هداها، بهم حفظ الدين وبه حفظوا، وبهم رفعت منارات الملة وبها رُفِعُوا، يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11]. يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون به أهل العمى، ويهدون به من ضل إلى الهدى، فكم من قتيلٍ لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍ تائه قد هدوه، وما عزت الأمم وبلغت سامق القمم وأشيدت صروح الحضارات وقامت الأمجاد وتحققت الانتصارات بعد الله إلا بهم، فهم أهل خشية الله، إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28]، وهم مادة حياة القلوب، وغذاء الأرواح، وقوت الضمائر، وزاد القرائح، ومهما صيغت النعوت والمدائح في فضائلهم فلن توفيهم حقهم.
العالم للأمة بدرها الساري، وسلسالها الجاري، لا سيما أئمة الدين وعلماء الشريعة؛ ولذلك كان فقدهم من أعظم الرزايا، والبلية بموتهم من أعظم البلايا، وأنَّى للمدلجين في دياجير الظلمات أن يهتدوا إذا انطمست النجوم المضيئة. صح عند أحمد وغيره من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إنما مثل العلماء كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة)). يقول الإمام أبو بكر الآجري رحمه الله: "فما ظنكم بطريقٍ فيه آفات كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء، فقيض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم، فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءت فئامٌ من الناس لا بُدَّ لهم من السلوك فيه فسلكوا، فبينما هم كذلك إذ أطفئت المصابيح فبقوا في الظلمة، فما ظنكم بهم؟! فهكذا العلماء في الناس".
وحسبكم ـ يا عباد الله ـ في بيان فداحة هذا الخطب وعظيم مقدار هذه النازلة قول المصطفى في الحديث الذي أخرجه الشيخان عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا)).
ويُوضح ذلك ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((تظهر الفتن، ويكثر الهرج، ويقبض العلم))، فسمعه عمر فأثره عن النبي فقال: (إن قبض العلم ليس شيئًا يُنتزع من صدور الرجال، ولكنه فناء العلماء). ولقد أخبر حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الرعد: 41] قال: (بموت علمائها وفقهائها)، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (عليكم بالعلم قبل أن يُقبض، وقبضه ذهاب أهله)، وقال الحسن رحمه الله: "موت العالم ثلمة في الإسلام، لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار"، وقيل لسعيد بن جبير رحمه الله: ما علامة الساعة وهلاك الناس؟ قال: "إذا ذهب علماؤهم"، ولما مات زيد بن ثابت رضي الله عنه قال ابن عباس رضي الله عنهما: "من سرَّه أن ينظر كيف ذهاب العلم فهكذا ذهابه "، وقال رضي الله عنه: "لا يزال عالم يموت وأثر للحق يدرس حتى يكثر أهل الجهل، ويذهب أهل العلم، فيعمل الناس بالجهل، ويدينون بغير الحق، ويضلون عن سواء السبيل"، وفي الأثر عن علي رضي الله عنه قال: (إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه)،. وقال رجل لابن سيرين رحمه الله: إني رأيت الليلة أن طائرًا نزل من السماء على ياسمينة، فنتف منها، ثم طار حتى دخل السماء، فقال ابن سيرين رحمه الله: "هذا قبض العلماء"، فلم تمض تلك السنة حتى مات الحسن وابن سيرين ومكحول وستة من العلماء بالآفاق.
وقد كان السلف رحمهم الله يأسون أشد الأسى لفقد واحدٍ منهم، يقول أيوب رحمه الله: "إني أخبر بموت الرجل من أهل السنة فكأني أفقد بعض أعضائي"، وقال أيوب: "إن الذين يتمنون موت أهل السنة يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" أخرجه اللالكائي.
وقد رأينا شيئًا مما ذكر في واقعنا المعاصر في هذه الآونة الأخيرة بفقد كوكبة من علمائها وفضلائها، ووفاة نخبة من فقهائها ونبلائها، حتى رُزئت بفقد آخر في انفراطٍ لعقد متلألئ وضاء، وتناثر لحباته المتناسقة، وبموت هؤلاء الجهابذة تُطوى صفحات لامعة وسجلات ناصعة من خصال الخير المتكاثرة. إنهم نماذج شامخة وأطواد راسخة في العلم والتقوى، وأعلام بارزة في السنة والفقه والفتوى، فضائلهم لا تُجارى، ومناقبهم لا تُبارى، ثلمتهم لا تسد، والمصيبة بفقدهم لا تُحدّ، والفجيعة بموتهم نازلة لا تنسى، وفاجعة لا تمحى، والخطب بفقدهم جلل، والخسارة فادحة، ومهما كانت الألفاظ مكلومة والجمل مهمومة والأحرف ولهى والعبارات ثكلى فلن تستطيع التعبير ولا دقة التصوير، فليست الرزية على الأمة بفقد مال أو بموت شاة أو بعير، كلاّ ثم كلاّ، ولكن الرزية أن يفقد عالم يموت بموته جمعٌ غفير وبشر كثير، فموت العالم ليس موت شخص واحد، ولكنه بنيان قوم يتهدم، وحضارة أمة تتهاوى.
فجبر الله مصاب المسلمين في علمائهم، وجعل في الخلف منهم عوضًا عن السلف، والخير في هذه الأمة باقٍ إلى قيام الساعة، والله وحده هو المسؤول أن يلهمنا رشدنا، وأن يغفر لمن مات من علمائنا، وأن يرفع في عليين منازلهم، وأن يحسن في الدارين مثوبتهم، ويجزل لهم أجرهم، ويحفظ أثرهم وآثارهم، ويرفع درجاتهم في المهديين، وأن يخلف على الأمة الإسلامية خيرًا، وأن يوفق الأحياء لبيان الحق والدعوة إليه، وأن يرزقهم التسديد والتأييد، ويكتب لهم القبول ودوام النفع، ويحفظها من شرور الغير وهول الفواجع، فلله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، والحمد لله على قضائه وقدره، وهو وحده المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .
أيها المسلمون، إن موت العلماء رزية عظيمة ومصيبة جسيمة.
فحسبـك مثلهم يبكـى عليهـم وباقي النـاس تخفيـف ورحمة
إذا ما مـات ذو علم وفضل فقد ثلمـت مـن الإسلام ثلمـة
أيها الإخوة المؤمنون، لقد نزل بالأمة خطب جلل وأمر عظيم، لقد فجع المسلمون بنبأ وفاة فقيد الأمة والعالم أجمع، سماحة الشيخ العلامة الفهامة الحبر البحر عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، الذي وافاه الأجل المحتوم والقدر المحكوم ظهيرة الاثنين الموافق للعشرين من شهر رجب لعام ألف وأربعمائة وثلاثين للهجرة بعد معاناة طويلة مع المرض، لتصعد روحه الطاهرة الزكية إلى خالقها وبارئها وصانعها وموجدها، فموته أبكى الكثير من الناس، وغشيتهم الدهشة والذهول، وتسربلوا بثوب الحزن والأسى؛ لفقد عالم جليل فقيه، عابد مجاهد صابر زاهد ورع، اجتمعت القلوب على حبه، وحمل على عاتقه لواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، لقد قضى الله قضاءه بالحق، فألحق بالرفيق الأعلى، يرحمه الله، وجاد على قبره بمزون المغفرة، ولا نقول إلا ما يقوله الصابرون المحتسبون: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . ولولا أنه أمرٌ حق ووعدُ صدق وأن آخرنا لاحقٌ بأولنا لحزِنَّا على شيخنا حزنًا غيرَ هذا، ولكن يحزن القلب وتدمع العين ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراق شيخنا لمحزنون.
وإن الحُزْن على موت شيخ الأمة وأحد علمائها عالمها ابن جبرين لا يمكن وصفه، لكن عزاءنا في دعوات صادقة نتوجه بها إلى الرب سبحانه وتعالى بأن يرحم الشيخ وأن يبارك في عقبه، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خيرا، وأن يغفر له ويجمعنا به في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأعظم الله أجركم به، وأحسن عزاءكم، وجبر الله مصيبتكم، وجعلنا وإياكم من الصابرين، وألهمنا وأهله وأبناءه وخاصته وطلابه الصبر على هذه المصيبة، قائلين مرددين: اللهم آجِرْنا في مصيبتنا، واخلفنا خيرًا منها، و إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب.
أيها المسلمون، لقد رحل الشيخ ابن جبرين عن هذه الدنيا بعدما ملأها علما، وبعد حياة حافلة بالعلم والعمل والدعوة والاحتساب، وبعد أن عمر مساجد المملكة بدروسه العظيمة ومحاضراته القيمة، وبعد أن قُرِئت عليه المتون المتعددة والفنون المتنوعة، فشرحها شرح العالم البصير والمطلع الخبير، فأمتع النفوس، وشرح الصدور، وملأ القلوب والعقول بفوائده النفيسة ودرره الشيقة وتعليقاته الفذة؛ حيث تتلمذ على يديه وتخرج من دروسه علماء وفقهاء وطلاب علم من شتى إنحاء العالم. وكان يرحمه الله تعالى يُقدم (16) درسًا في الأسبوع، يشرحُ فيها (42) كتابًا، واستمر أحد دروسهِ (28) عامًا، فلله ما أعظمها من حياةٍ بذلت واحتسبت.
فالشيخ يرحمه الله عَلَمٌ فذ، وفقيهٌ فحل، وداعية نَيِّر، وصاحب قلب طهور ونفس راضية وعلم غزير وإيمان وتقوى، نحسبه كذلك والله حسيبه، ونُحِبُّه في الله، فمن رأى الشيخ أو عرفه أحبَّهُ، وأحبّ تواضُعَه وتقواه وزهده وإعراضه عن الدنيا ونُكْرَانه لذاته، والشيخ ابن جبرين من أشهر المفتين في العصر الحديث، وهو عضو إفتاء سابق بالرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، وكان يجيب على أسئلة المواطنين عبر وسائل الإعلام المختلفة.
وللشيخ ما يزيد على ستين مؤلفا، من أهمها في مجال الفتوى: "فتاوى الزكاة"، و"فتاوى رمضانية"، و"فتاوى في التوحيد"، و"فتاوى في الطهارة"، و"الأجوبة الفقهية على الأسئلة التعليمية التربوية"، و"الفتاوى الجبرينية"، و"الفتاوى النسائية".
وكان يرحمه الله شجًى في حلوق أهل البدع والخرافات، وسيفًا مسلطًا على رؤوس الزنادقة والملاحدة، فكثرت شكاياتهم، وضجت منتدياتهم، فكادوا المكائد، وحاكوا المؤامرات في محاولة لثني الشيخ عن منهجه القويم وصراطه المستقيم، فما وجدوا إلا خيبة وخزيا، وحفظ الله الشيخ حتى استوفى أجله، من دون أن يبدل أو يغير أو ينتكس على عقبيه.
وكان الشيخ يرحمه الله أحد أبرز العلماء الذين دعوا إلى نصرة غزة، وانتقد مَن تخاذل عنها خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، وكانت آخر مواقفه إصداره بيانا مع (54) عالما سعوديا آخرين في اختتام مؤتمر الفتوى وضوابطها، تضمن تحريم أي مبادرة سلام تقول بحق اليهود في أرض فلسطين، أو تنص على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
عباد الله، إن محبة العلماء عبادة؛ لما يحملونه من كلام الله تعالى وكلام نبيه، وقد قال النبي : ((إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه)) حديث حسن رواه أبو داود. وللعلماء في الدين منزلة لا تخفى، فهم الذين رفعهم الله فقال: يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة: 11]. فقد تمكنت محبة الشيخ في قلوب الجميع، وهذه منحة إلهية تذكرنا بالحديث المتفق على صحته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال : ‏‏((‏إذا أحب الله العبد نادى جبريل‏: إن الله تعالى يحب فلانًا فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء‏: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض‏))، ‏فمحبة الناس لا تشترى بالمال، ولا بالتزين الأجوف الذي لا ينطلق من مبادئ راسخة وقيم ثابتة.
ألا وإن مما يحمد لمجتمعنا المسلم حَبه للعلماء الراسخين والدعاة الصادقين، والصدور عن فتياهم، والأخذ بأقوالهم الموافقة للكتاب والسنة، فما تنزل بالمسلمين نازلة إلا ويسارع الكثيرون إلى سؤال العلماء والاستنارة برأيهم. أما إن حل بأحد العلماء أجله المقدر وانطوت صحيفته وانتقل عن هذه الدنيا فإن الجموع تحزن والعيون تدمع، وكأنها فقدت أبًا أو أمًا أو قريبًا لصيقًا، ومما يؤكد هذا ما لمسه الجميع من الحزن الذي حل بهذه الأمة بفقد العلماء يرحمهم الله، وكأن الناس ولا يزالون يبكون العلماء الربانيين، ومازال الألم بفقد مشايخنا موجعًا وقد أفضوا إلى ربهم، وهو سبحانه أعلم بعباده وما قدموه في سبيل دينه، ورحمة الله واسعة، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ ؛ ولذا كان فقد العالم مصيبة في المجتمع وخسارة عظيمة للأمة التي تعرف قيمتهم وتدرك أهميتهم وتعلم ما يترتب على فقدهم، قال الحسن: "موت العالم ثلمه في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار".
وحق للأمة أن تحزن لفقدهم؛ لأن بذلك فتحًا لثلمة في جدار الإسلام والمسلمين وضرًا للديار ونقصًا في الأرض، قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الرعد: 41]، قال ابن عباس في رواية: (خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها).
فيا عباد الله، إن الحاجة الآن ماسة إلى أخذ العبرة من سيرة العلماء والبحث في سر هذا الحب الذي ملأ القلوب وعطر الأفواه، مما تكنه جموع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف طبقاتها وتباعد أقطارها لعلماء الدين والملة، فما إن يُتوفى أحد العلماء أو الصالحين إلا وتجد الناس يتراكضون لحضور جنازته والدعاء له. وإن ما يجعل العاقل يتعجب أشد العجب كثرة المصلين وشهود الجنازة، وإن المسلم حينما يحضر جنازة أحد العلماء أو الصالحين ويشاهد هذه الجموع الغفيرة ليتذكر المقولة الخالدة لإمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل حينما قال قولته المشهورة ردا على أهل البدع فقال: "بيننا وبينهم الجنائز"، وهذا والله لا يكون إلا ببركة الأعمال التي لا يطلع عليها إلا علاّم الغيوب، قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر: 9].
أيها الإخوة المؤمنون، ولئن كان الموت غيّب جسد الشيخ عبد الله بن جبرين فإن ذكره لا يغيب، ومن يتابع صفحات المواقع الإلكترونية ويلحظ أعداد المترحمين والمودعين للشيخ في كل موقع ـ شرعي أو إخباري أو ما سوى ذلك ـ يدرك كم يبقى الذكر الحسن في العالمين، وما أحرانا أن نتعظ ونعتبر، وأن يعرف كل واحد منا دوره ومسؤوليته نحو دين الله تعالى. أما الشيخ فقد أفضى إلى ربه، ولا ينفعه منا الآن إلا الدعاء له، وما خلفه من الولد الصالح والصدقة الجارية.
يا رب فاجمعنـا معـا ونبينا في جنـة تثني عيـون الحسَّـد
في جنة الفردوس فاكتبها لنا يا ذا الجلال وذا العلا والسؤدد
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، اللهم أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.

الخطبة الثانية
الحمد لله العظيم في قدره، العزيز في قهره، العليم بحال العبد في سِرِّه وجهرِهِ، أحمدُهُ على القدر خيره وشره، وأشكره على القضاء حلوه ومُرِّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الآيات الباهرة، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فضمن له نصره، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم وترسم خطاهم، فلم يتجاوزوا نهيه واتبعوا أمره.
أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ومراقبته في الظاهر والباطن، واعلموا أن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم وسيتخطى غيركم إليكم، فخذوا حذركم.
أيها المسلمون، وإن مما يعزي نفوس أهل الإسلام في فقد علمائهم والأسى على فراقهم أن الله سبحانه بفضله ورحمته قد حفظ على هذه الأمة دينها، وحفظ لها كتابها، فالفضل الإلهي والفيض الرباني ليس مقصورًا على بعض العباد دون بعض، ولا محصورًا في زمن دون زمن، فلا يخلو زمن وعصر من علماء يقيمهم في كل فترة من الزمن أئمة عدولاً من كل خلف، أمناء مخلصين، علماء مصلحين، بصراء ناصحين، ينفون عن دين الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، يدعون إلى الهدى، ويذبون عن الحمى، ويصبرون على الأذى. فيجب أن لا نفقد الأمل بالله عز وجل، فالذي أخرج لنا العالم الفلاني سيخرج لنا مثله أو أفضل منه، وما ذلك على الله بعزيز، توفي الإمام أحمد فقيّض الله لهذه الأمة شيخ الإسلام، وتوفي شيخ الإسلام فقيّض الله للأمة أمثال ابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب، توفي الشيخ محمد بن إبراهيم فقيض الله الشيخ عبد الله بن حميد، وتوفي ابن حميد فقيض الله ابن باز وابن عثيمين وفلان وفلان، فنسأل الله أن يتغمَّد أئمَّتنا العلماء برحمته، وأن يُلحقهم بالرفيق الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن لا يَفتننا بعدهم، ولا يَحرمنا أجرهم.
فهذه الأمة أمة ولود، والخير باق فيها إلى يوم القيامة، أمة الغيث لا يُدرى خيره أوله أم آخره، ولن نكون نحن أغير على الدين والملة من الله عز وجل، فهذا دينه، وهذه شريعته، فليس حفظ دين الله مقصورًا على حفظه في بطون الصحف والكتب، ولكنه بإيجاد من يبين للناس في كل وقت وعند كل حاجة، فالله سبحانه له المنة والفضل، يتفضل على الخلف كما تفضل على السلف.
وعزاؤنا في الطلاب الذين تركهم والعلماء الذين خرجهم هذا الشيخ الفاضل، وهذه الكتب والرسائل التي سطرت علمه، فهو وإن رحل فإن علمه باقٍ وموجود فينا، ونحن مسؤولون عن نشره وتبليغه، ومن حق الشيخ علينا أن نقوم بعد وفاته بنشر علمه وفضله ومناقبه.
فأقبلوا ـ أيها المؤمنون ـ على العلوم النافعة، خذوا العلم عن الأكابر، واجتهدوا في ضبطه وحفظه، ووفروا أوقاتكم عليه، واصبروا وصابروا واتقوا الله لعلكم تفلحون. وقبل ذلك وبعده اجعلوا من علمكم دافعا لكم إلى العمل بهذا العلم والإخلاص فيه لله تعالى.
اللهم تغمد شيخنا عندك برحمتك يا أرحم الراحمين، وارفع منزلته في أعلى عليين، واخلف في عقبه في الغابرين، واخلف على الإسلام وأهله بخير يا رب العالمين. اللهم إنه صبر على البلاء والمرض فلم يجزع فامنحه درجة الصابرين الذين يوفون أجورهم بغير حساب، اللهم اجبر مصابنا، اللهم اجبر كسرنا، وصبرنا على مصابنا، اللهم اجعلنا عاملين بكتابك وسنة نبيك ، واجعلنا رجاعين لأهل العلم، واجعلنا من أهل العلم، واجعلنا أوفياء لأهل العلم، واجعلنا من الذين ينشرون العلم يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك أن تعلي للشيخ درجته في الجنة، وأن تلحقه بمنازل الأبرار والشهداء والأنبياء، وأن تجعله ممن يلتقي بهم يا رب العالمين، واجمعنا وإياه في دار كرامتك ومستقر رحمتك إنك على كل شيء قدير...

المناضل السليماني 16-07-2009 02:18 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
وهذه الخطبة ايضا عن فقيد الأمة سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين منقولة جزى الله الكاتب خير الجزاء ووالله لم تكن رغبتي ان انقل ولكن وددت ان اكتب بمدامعي مايستحقه الشيخ ولكن لضيق الوقت ولشدة ماوجدت في قلبي على الشيخ وما اردت ان يخلوا منتدانا من خطبة عن وفاة الشيخ



[size=5]
الخطبة الاولى
معاشر المسلمين،
طـوى الجزيـرة حتى جاءنِي خبرٌ فزعـت فيـه بآمالي إلى الكذبِ
حتى إذا لم يـدع لي صدقـه أملاً شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
في صحيح مسلم عن عروة بن الزبير قال: قال النبي : ((إن الله لا ينتزع العلم من الناس انتزاعا، ولكن يقبض العلماء فيرفع العلم معهم، ويبقي في الناس رؤوسا جهالا يفتونهم بغير علم فيضلون ويضلون)).
إن بلاء الأمة أن تذهب خضراؤها وتنقشع زينتها وتختفي نضارتها وتغيب نجومها وتصبح تائهة هائمة. إن الأمة تزدان بصلحائها ونبلائها الذين يهدونها ويبصّرونها ويعيدون لها ذكرها وعزها وشرفها، إنهم لها الشموس الساطعة والمنارات اللامعة، فليست الرزية والبلية قلّة الطعام والشراب، وليست الرزيّة كثرة الأسقام والأوجاع، إن الرزية ذهاب البررة الأخيار الذين استضاءت بأنوارهم الأمة وزخرت بهم الملّة وازدانت بهم السنة. قولوا: تغيرت الأنهار وتعسّرت الأسفار وتاهت الأوطار، ولا تقولوا: مات الصلحاء وذهب العلماء.
إن الحياة مع توالي نكباتها وتقاذف شدائدها وتداعي رزاياها لن تجدوا في نكباتها أشد من فرقة الأحباب، إن الحبيب إذا فارق حبيبه انهارت نفسه وتعكّر صفو حياته، فما بالكم بعالم فذّ حبيب أحبته الأمة كلها وحفلت به أرجاؤها وانشرحت به أركانها وأذعن الجميع لفضله وعلمه؟!
أهـكذا البدر تخفي نـوره الحفر ويفقد العلـم لا عين ولا أثـر
خبت مصابيح كنا نستضـيء بها وطوحت للمغيب الأنْجم الزهر
قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ ، وروى الطبراني في الكبير والضياء في المختارة عن أبي أمامة أن النبي قال: ((إن الله وملائكة حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير)).
قال الإمام أحمد رحمه الله: "الناس محتاجون إلى العلم أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يُحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلم يحتاج إليه بعدد الأنفاس". وقال ابن القيم رحمه الله: "العلماء بالله وأمره هم حياة الوجود وروحه، ولا يُستغنى عنهم طرفة عين، فحاجة القلب إلى العلم ليست كالحاجة إلى التنفس في الهواء بل أعظم، وبالجملة فالعلم للقلب مثل الماء للسمك، إذا فقده مات، فنسبة العلم إلى القلب كنسبة ضوء العين إليها".
أيها المسلمون، لقد رُزئت الأمة في علَمها وعالمها وسيدها وقائدها وتاجها وفخرها، كُنيف مُلئ علمًا، وتاج شعَّ درًا، وجبل عظم صلابة، وقلب احتشى صدقًا ومحبة، أوت إليه أفئدة المؤمنين يطلبون علمه ويرومون فضله، ويأملون شفاعته وينشدون مشورته وبصيرته. كم اجتمع عنده الطالبون! وكم سأله الشاكون! وكم حطمه الغادون والرائحون! أكثر من ثلاثين سنة لا يعرف طعامَ الغداء مع أهله، جعل كرمَه وخلقه مأوى الفقراء والمساكين والسائلين. بالأمس ثُلم الإسلام ثُلمة وفُجعت الأمة في شيخها وعلامتها وحجتها شيخنا ووالدنا الشيخ عبد الله بن جبرين الفقيه النابغة، العالم العامل ومرجع المستفتين من مختلف أنحاء العالم.
فلقد ضرب أروع الأمثلة في التواضع ولين الجانب, فهو غاية في البساطة والتواضع في الحديث مع الجلساء، وحتى في صفة الجلوس حيث يترك نفسه على سجيتها، فيحترم الجليس ويقوم للغريب ولا يمل المرء من مجالسته اللطيفة، وهو سهل في مواعيد الزيارة والحياة الاجتماعية, وفوق كل هذا هو في القمة من العلم الواسع المتخصّص والثقافة التي يعجب المرء من تنوعها في صدره، ولديه القدرة على فهم أبعادها وحاجة الناس إليها، فلم يتقوقع حول نفسه، أو ينكمش مع الماضي الجميل الذي أدركه.
تفوّق دراسيًا على زملائه، وترقى في شهادات التعليم النظامي، وحصل على شهادة الدكتوراه التي تفخر به ولا يفخر بها، حصل عليها بعد أن قارب عمره الستين سنة، لم تكن الشهادة ذات قيمة علمية له آنذاك، ولكنه ساير الحضارة ولم ينقطع عنها، ولم تكن هذه الشهادة لتهبه منصبا جديدًا أو سلمًا وظيفيًا عاليًا، فقد بلغ سن التقاعد أو قاربه.
لم يعاتب نفسه بقوله: إني بدأت في الدراسة النظامية بعد أن بلغت الخامسة والعشرين، فماذا تفيدني هذه الشهادات؟! لم تراوده نفسه أنه نشأ بين بيئة علمية تقليدية لا تقدّر هذه الشهادات وحملتها، لم يفكر أن مشايخه لم يحصلوا على شهادة رسمية ولو صغيرة، ولكنّ نفسه طامحة للسمو والعلو، وها هو البطل اليوم يصبح عصريًا، بدأ من الكتابة على الألواح في كتاتيب القرية، ودرس في التعليم النظامي بعد أن كبر سنه، وناقش رسالته ولحيته بيضاء ناصعة، ناقشها وطلابه هم دكاترة الجامعات وعمداء الكليات، ولم يرهبه هذا، فأحب أن يمارس هوايته العلمية، أحب أن يمشي في ركاب الحضارة ويكسر التقاليد والأعراف، فعاش عمره بين النخل والماء وبيوت الطين، ولازال يحب تلك الحياة ويألفها، وعاش بين المدن والطائرات والبنايات الضخمة.
لا يأبه للمناصب، وكثير من الناس يصفونه بمناصب تَشرفُ به, وينعتونه بها من حسن ظنهم بنزاهة المناصب ومن يتولاها، لكنه لم يعين فيها أصلاً، بل ليس له منصب رفيع إلا في قلوب الناس، فهو خطيب لجامع عادي في الرياض، وعضو إفتاء متقاعد فقط، هكذا بدون زيادة، شغل منصب معلّم في معهد في الرياض سنين طوال، وهذا المعهد إنما تعادل شهادته الثانوية، ونقلت خدماته للجامعة على كبر سنه، فلم يمكث فيها إلا بضع سنين.
ثم طلبه شيخه ابن باز ليكون معه في رئاسة الإفتاء بمرتبة مفتي يرد على الهاتف ويجيب على الأسئلة الشفهية ويراجع البحوث قبل نشرها بمجلة الإفتاء، لم يكن ذا منصب كبير في رئاسة الإفتاء, ولكنه إذا دخل مكتبه تقاطر الناس عليه كما يتقاطرون على مواقع الربيع والخير، فكان هو زينة للمنصب، وبقي رفيع الجاه والمكانة عند الناس.
هذا هو سماحة الشيخ ابن جبرين، رجل يملأ سمع وبصر طلبة العلم في الخليج قاطبة، يتشرف طلبة العلم بجلسة معه، يفخرون بسؤاله مباشرة، وهو يحبهم ويودّهم ولا يأبه بدنياهم، وما ازداد إلا حبًا في قلوب الناس، وما ازداد إلا تواضعًا، فهو طيب القلب، وادع في تعامله، حنون على أمته وأبنائها.
ها هو يبحث عن اليتيم والأرملة كما يبحث المزارع عن شجرة يحبها فينظر هل تحتاج لعناية فيصلحها، يقضي سحابة نهاره مع الشعب، يمسح دمعة هذا، ويشفع في حال ذاك، يسد حاجة الأسرة الفقيرة، يسدد فاتورة الكهرباء لذلك العجوز الذي لم يجد معينًا وأنيسًا، يسمع الأخبار عن أحوال المضطهدين والمشردين في العالم، يبكي ويحزن ويتألم لمصاب ابن آدم على هذا الكوكب الصغير.
في بداية الأمر سكن الرياض في أول قدومه في بيوت الطين، وبقي فيها دهرًا طويلاً، ثم بنى بيتًا في حي من أحياء المدينة الممتدة، وبيته الجديد في الرياض لم يبنه إلا بعد أن زاد عمره على الخمسين، يقع المنزل في منطقة عادية وحي يسكنه عامة الناس، وكان مبلغ بنائه للمنزل عبارة عن قرض من صندوق البنك العقاري الحكومي، فهو مثل بقية عباد الله من أواسط الشعب ذوي الدخول المحدودة رغم شهرته وسمعته، يقترض من الصناديق العامة، ويسدد من حسابه كل شهر، ولو أراد أن يتاجر بكتبه أو يرتزق من محاضراته ودروسه لفعل ولغنم أي غنيمة، لم يهرب من الدنيا ويرفضها، ولكنه لم يركض ويلهث وراءها، ومع ذلك جاءته الدنيا صاغرة، فركلها بقدميه، وآثر ما عند الله، فعاش سعيدًا محبوبًا من الناس.
عرفه طلبة العلم في المواقف الصعبة، فهو لا يتحدث إذا وجد من يكفيه في الحديث، فهو لا يتكلم لمجرد أن يقال: تكلم فلان, وهو لا يشارك الغوغاء صخبهم سواء كانوا من المنتسبين للعلم أو جهلة الناس، ولكنه إذا رأى أن العجز والضعف دب لقلوب الخاصة وخشي أن لا يقوم بالحق قائم تراه وقد قام من بين الصفوف ليكون فيصلاً وناطقًا يحمده التاريخ، فهو يَسترُ عنا سوأة الضعف والخور التي رافقت المسلمين في عصورهم المتأخرة.
في مواقفه تلك يحرص أن لا يؤذي هذا ولا ذاك، فهو لا يَمدُّ لسانه لشتم أحد أو التنقص من أحد, بل يعمل في صمت وخلق رفيع، ويحمل في قلبه صدق المؤمن الذي يعامل الناس بصفاء سريرة ومودة ومحبة؛ ولذلك زرع الله محبته في قلوب الحكام والمحكومين، فهو طراز فريد صاحب الرحلات الصيفية الوعظية والإرشادية الطويلة جدًا.
تراه وهو شيخ كبير تتناوشه الأمراض، يسافر في كل صيف، يطوف المملكة من شرقها إلى غربها، ومن الجنوب إلى الشمال، يقطع آلاف الكيلومترات، يبحث عن الناس في المدن، أو في البوادي، يبحث عنهم في مدينة عالمية، أو قرية ساحلية، أو مجموعة تعيش في الجبال بعيدًا عن الحضارة، لا يهمه ذلك، المهم أنه سيجد بشرًا يتحدث معهم، سيجد أقوامًا يرشدهم إلى الله, سيجد أناسًا يسألونه فيجيب.
يجلس بين الناس بكل حب وود ونقاء، يبين لهم أحكام الشريعة بوضوح ويسر، يراعي ظروفهم، ويتكلم بما يناسب عقولهم، يتكلم ولا يملّ هو من الحديث المكرر، فهو يتكلم في هذه القرية، ويعيد الموضوع عند جارتها، وهكذا بدون ملل، ربما شرح لهم كتابًا وأقام أيامًا، وربما عقد لهم دورة علمية مكثفة كل سنة، يكتب لهم التزكيات والتوصيات، ويزور مشاريعهم الخيرية ويجلس مع أعضائها، ويلتقي بالقضاة وطلبة العلم والدعاة الذين يحرصون أن يروه ويجلسون معه، مع أنه لا يحمل صفة رسمية للزيارة، بل يسبق زيارته أحيانًا تنسيق مع رجال الدعوة هناك, وكل هذا يفعله بدون مقابل مالي أو تكليف رسمي، والأعجب أنه يسافر بدون أن يتنقل في طائرة، ليس لأنه يحرمها، بل لأنها لن تدخل القرى والبوادي التي يريدها، فهو يتنقل بسيارته في لهيب الحرّ حيث صيف الجزيرة العربية اللافح، يتنقل مع رفقة من طلابه، تارة في مدينة جبلية أو في مدينة ساحلية، من مكة إلى جدة والطائف والباحة وأبها، ثم تراه يسافر إلى الساحل الشرقي لدورة علمية مكثفة، ثم يعود إلى المدن النجدية القائمة على الصحاري اللاهبة، ثم شمال الجزيرة مرورًا بالمسجد النبوي، ويستمر في الرحلة قرابة الشهرين من كل عام، وهو قد جاوز السبعين من عمره.
ولقد ذكر عدد كبير من الدعاة القرى النائية التي دخلها، ولقد ذكروا أيضًا أنه يدخل مناطق وقرى بعيدة عن مواطن التجارة والمطارات والأسواق، وهذه القرى لم يزرها داعية بحجم أحد من طلابه فكيف بمثله؟! فتراه بين الجبال في قرى تهامة، وفي سهول الأودية، وفي قرى الشمال حيث الصحراء، وهو في غاية النشاط والحرص على التعليم. ولربما تعب رفقائه في الرحلة وهم في قوة شبابهم، فمن ذا الذي يستطيع أن يصمد كما يصمد؟! ومن ذا الذي يتحمل ويطيق ما يتحمل رحمه الله؟!


الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان، ما زال الألم بفقد الشيخ موجعًا، وقد تجاوبت أرجاء العالم بالتعزية فيه، وذكر مآثره وتعداد مناقبه، وقد أفضى الشيخ إلى ربه، وهو سبحانه أعلم بعبده وما قدمه في سبيل دينه، ورحمة الله واسعة، وما عند الله خير وأبقى.
ولكن الحاجة الآن ماسة إلى أخذ العبرة من سيرة الشيخ والبحث في سرّ هذا الحب الذي ملأ القلوب وعطّر الأفواه، مما تكنه جموع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف طبقاتها وتباعد أقطارها. بل إن الشيخ وسيرته مدرسة حافلة بالعطاء والبذل في شتى الميادين، فقد تمكنت محبة الشيخ في قلوب الجميع، وهذه منحة إلهية، فمحبة الناس لا تشترى بالمال، ولا بالتزين الأجوف الذي لا ينطلق من مبادئ راسخة وقيم ثابتة.
والحديث عن الشيخ يدعونا إلى تلمس العظات والفوائد التي ينبغي الوقوف عندها من الجميع، لا سيما العلماء والدعاة وطلبة العلم وأهل المال والجاه، وإليكموها في هذه الوقفات المختصرة:
الأولى: تميز الشيخ رحمه الله تعالى بالحرص الشديد على العلم وقضاء الأوقات الكثيرة فيه، وترتيب الأوقات المناسبة له، والحرص على استقطاب طلاب العلم وإعانتهم وترغيبهم والإنفاق عليهم وتفقد أحوالهم وتشجيع النابهين منهم وتعاهدهم.
الثانية: عرف الشيخ رحمه الله تعالى ببذل جاهه في حاجات المسلمين في داخل البلاد وخارجها، وكم من المشاريع الإسلامية والمساجد وصروح العلم التي ساهم فيها برأيه وجاهه لدى أرباب الأموال والمسؤولين، وكان رحمه الله تعالى أبًا للمحتاجين والفقراء يواسيهم بماله قدر استطاعته، فضلاً عن الشفاعة لدى المحسنين ودلالتهم على ذوي الفقر والحاجة.
الثالثة: ومما يشهد به لسماحة الفقيد تفقد أحوال المسلمين ومتابعة أخبارهم، والتألم لآلامهم في شتى بقاع العالم، وكم صدر له من البيانات والفتاوى فيما يهم المسلمين ويمس حاجتهم.
الرابعة: أن المتابع لسيرة الفقيد وبرنامجه اليومي يرى عجبًا، فوقته رحمه الله مملوء بدروس العلم والإفتاء وخدمة المسلمين، والسعي في مصالحهم من بعد صلاة الفجر إلى الهزيع الأول من الليل، كما ذكره القريبون منه.
اللهم اغفر لشيخنا وارحمه، وارفع درجته في المهديين، واخلُفه في عقبه في الغابرين، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه، واغفر لنا وله أجمعين...[/
size]

المناضل السليماني 19-07-2009 08:31 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
إن مع العسر يسر

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة وكشف الله به الغمة ، وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين ، فاللهم صل على سيدنا محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وآل بيته ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .

أما بعد:

فقد جعل الله تعالى الدنيا دار تعب ونصب ، وبلاء وعناء وعمل ، وحياة الإنسان فيها تتقلب بين العسر واليسر ، والضيق والسعة ، والشدة والفرج ، والغنى والفقر ، وذلك لتتم قضية ابتلاء أهل الإيمان قال تعالى :" أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" [العنكبوت : 2-3 ]
وقد بين المصطفى صلى الله عليه وسلم أن البلاء قرين الإيمان ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء " ( حديث صحيح )
المؤمن الحق الصادق يرضى بقضاء الله ، ويصبر على ما يحل به من عسر وضيق وشدة ، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم حال المؤمن في السراء والضراء فقال : "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن : إن أصابته سراء شـكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له "( رواه مسلم ) فالمؤمن يتلقى النعمة بالشكر ، ويتلقى البلاء بالصبر ، فهو على خير في كل حال .


أيها المسلمون :

إذا نزل بكم ضيق أو عسر ، فلا تكثروا الشكوى ، وتظهروا الضيق والضجر ، وعليكم بدواء الأزمات والملمات الذي وصفـه الله في كتابه الكريم حيث قال ســـبحانه ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين "[ البقرة : 45 ] والتزام المؤمن بالصبر يجلب له معية الله بنصره وتأييده يقول تعالى " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين " [ البقرة : 153]
وكان هدف النبي صلى الله عليه وسلم في النوازل والأزمات أن يقف بين يدي الله يستمد منه العون والصبر وكشـف ما نزل به وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر صلى " ( رواه أحمد وأبو داود )
وإذا سلك المؤمن ذلك السبيل حال عسره أفاض الله تعالى عليه من خزائنه رحمة ولطفاً وبركة تهون عليه ما هو فيه من عسر وضيق حتى يزيل الله سبحانه ما نزل بعبده يقول تعالى : "ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " [ البقرة : 155-157]

أيها المسلمون :

لا ينسى المؤمن أن يكثر من ذكر الله تعالى حال عسره لا سيما الاستغفار فهو سبب لسعة الرزق وكثرة الأبناء ومغفرة رب الأرض والسماء قال تعالى حكاية عن النبي نوح عليه السلام : " فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً " [ نوح : 10:12]
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الاستغفار دواء لتفريج الكربات وزوال الهموم وضيق الرزق فقال صلى الله عليه وسلم : من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً ومن كل هم مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب " ( سنن ابي داود وابن ماجه )


ايها المسلمون :

اعلموا أنه إذا نزل العسر بأحدكم فإن اليسر يرافقه فإن الله تعالى قال مؤكداً ذلك : " فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً " قال الحسن رضي الله عنه : " كانوا يقولون لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين " ومعنى هذا أن العسر معرف في الحالين فهو مفرد واليسر منكر فتعدد ، ولهذا قال : لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين ، وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله :
صبراُ جميلاً ما أقرب الفرجا من راقب الله في الأمور نجا
من صـدق الله لم ينله أذى ومن رجاه يكون حيث رجا
وقال آخر :
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج

أيها المسلمون :

في هذه الآية خير عظيم ،إذ فيها البشارة لأهل الإيمان بأن للكرب نهاية مهما طال أمره ، وأن الظلمة تحمل في أحشائها الفجر المنتظر ، وقد بثت هذه الآية الأمل في نفوس الصحابة - رضوان الله عليهم - حيث رأوا في تكرارها توكيداً لموعد الله - عز وجل - بتحسن الأحوال ، فقال عبدالله ابن مسعود : لو كان العسر في حجر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه .
ولقد كان هذا حال النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قد ضاق به الأمر في بادئ دعوته لكن ذلك لم يثنه عن عزمه ، بل صبر وصابر متوكلاً على ربه سبحانه ، حتى قيض الله له أنصاراً أشربت قلوبهم بهم حبه ، وملئت نفوسهم بالرغبة الصادقة في الدفاع عنه وعن دينه ، ورأوا أن لا حياة لهم إلا بهدم أركان الشرك والوثنية ، فاشتروا ما عند الله من جزيل الثواب بأرواحهم وأموالهم وأزواجهم ، ثم كان منهم تقويض دعائم الأكاسرة ، وإبادة جيوش القياصرة .
فعلى المسلم أن يكون عظيم الثقة بربه ، متفائلاً بالنصر والتمكين ، مستبشراً بالفرج بعد الشدة ، وباليسر بعد العسر ، وألا يجعل للهزيمة النفسية في قلبه موضعاً ، فالله معه ، ومن كان الله معه ، فمعه القوة التي لا تغلب ، ومعه المنعة والحفظ والرزق والتوفيق والسداد .
ونسأل الله يبدل عسرالمسلمين يسراً ، وأن جعل لنا ولهم من كل ضيق فرجاً ومخرجا
وأقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه .

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين ، " غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الرحمة المهداة ، البشير النذير ، والسراج المنير ، صلى الله عليه ، وعلى آله وصحبه وأزواجه والتابعين لهم بإحسان . أما بعد :
فإن المؤمن يجب أن يكون حسن الظن بالله تعالى ، حتى يكون الله تعالى عند ظنه كما قال الله تعالى في الحديث القدسي : " أنا عند ظن عبدي بي " .
وليكن المؤمن عظيم الأمل والرجاء في ربه أن يزيل عنه ما نزل به من ضيق وعسر ، ولا يكن من القانطين ، فان القنوط ليس من أخلاق المؤمنين ، قال تعالى : " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " [ يوسف : 87 ]
واعلموا أيها الإخوة : أن الله أمركم بالصلاة على نبيه في محكم تنزيله فصلوا عليه وسلموا تسليما في هذا اليوم المبارك فإن من صلى عليه مرة صلى الله بها عليه عشراً .

اللهم صل على عبدك وحبيبك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا .
اللهم إنا نسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول .
اللهم اجعلنا هداة مهتدين ، غير ضالين ولا مضلين .
اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً ، سخاء رخاء ، وسائر بلاد المسلمين .
اللهم اصلح ولاة امورنا وولاة أمور المسلمين، وارزقهم البطانة الصالحة .
اللهم ارحم شهداءنا ، وفك قيد أسرانا ، واغفر للمؤمنين أجمعين .
والحمد لله رب العالمين .
وأقم الصـــــلاة .

المناضل السليماني 19-07-2009 09:10 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
اخواني واحبابي في الله نبدأ في سلسلة جديدة وهي سلسلة امهات المؤمنين رضي الله عنهن
-----------------------------------------
خديجة بنت خويلد أول من آمن بالله ربا وبحمدا نبيا وبالاسلام دينا

الخطبة الاولى
الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وأكرمنا بالإيمان، ورحمنا بنبيه عليه الصلاة والسلام، فهدى به من الضلالة، وجمع به من الشتات، وألف به من الفرقة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق أولياءه الوعد بالنصر على أعدائه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله خاتم رسله وأنبيائه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا.
احبتي في الله من هذه الجمعة نبدأ بسلسة عن امهات المؤمنين رضي الله عنهن
وأولهن خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
نسبها و نشأتها
هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى قصي بن كلاب القرشية الأسدية ، ولدت سنة 68 قبل الهجرة (556 م) تربت وترعرعت في بيت مجد ورياسة، نشأت على الصفات والأخلاق الحميدة، عرفت بالعفة والعقل والحزم حتى دعاها قومها في الجاهلية بالطاهرة

زواجها من الرسول صلى الله عليه و سلم

‏قال ابن إسحاق: كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال على مالها مضاربة، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه، بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج لها في مال تاجراً إلى الشام، وتعطيه أفضل ما تعطى غيره من التجار، مع غلام لها يقال له ميسرة
فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى نزل الشام، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريباً من صومعة راهب من الرهبان،

فاطلع الراهب إلى ميسرة , فقال: من هذا الرجل الذي نزل تحت الشجرة؟

فقال ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم. ,فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي.

ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته - يعني تجارته - التي خرج بها، واشترى ما أراد أن يشتري، ثم أقبل قافلاً إلى مكة ومعه ميسرة، فكان ميسرة - فيما يزعمون - إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو يسير على بعيره، فلما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به، فربح المال ضعف ما كان يربح.

وحدثها ميسرة عن قول الراهب وعما كان يرى من إظلال الملائكة إياه، وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها من كرامتها، فلما أخبرها ميسرة ما أخبرها، بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يعرض عليه الزواج منها , وكانت أوسط نساء قريش نسباً، وأعظمهن شرفاً، وأكثرهن مالاً، كل قومها كان حريصاً على ذلك منها لو يقدر عليه.

ولنتركْ نَفِيسَة بنت مُنْيَة تروي لنا قصة زواج النبي -صلّى الله عليه وسلَّم- من السيدة خديجة -رضي الله عنها-.

قالت نَفِيسَة: كانت خديجة بنت خُوَيْلِد امرأة حازمة، جَلْدَة، شريفة، مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير، وهي يومئذ أوسط قريش نسباً، وأعظمهم شرفاً، وأكثرهم مالاً، وكل قومها كان حريصاً على نكاحها لو قَدِر على ذلك، قد طلبوها وبذلوا لها الأموال، فأرسلتني دَسيساً إلى محمّد -صلّى الله عليه وسلَّم- بعد أن رجع في عيرها من الشام، فقلت: محمّد! ما يمنعك أن تزوَّج؟

فقال: (مَا بِيَدي ما أَتزوَّجُ بِهِ). قلت: فإن كُفِيتَ ذلك ودُعيتَ إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تُجيب؟

قال: (فَمَن هي ؟). قلت: خديجة. , قال: (وَكَيفَ لي بِذَلك ؟). قلت: عليَّ. , قال: (فأنا أَفْعلُ).

قالت نفيسة: فذهبتُ فأخبرت خديجة، فأرسلت إليه: أنِ ائتِ لساعة كذا وكذا، وأرسلت إلى عمَّها عمرو بن أسد لِيزوِّجها فحضر - لأن أباها مات قبل حرب الفِجار -.‏

فلما قالت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه عمه حمزة حتى دخل على خويلد بن أسد، فخطبها إليه فتزوجها عليه الصلاة والسلام.

قال ابن هشام: فأصدقها عشرين بكرة، وكانت أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت.

وكان لها من العمر أربعين سنة ولرسول الله صلى الله عليه و سلم خمس وعشرون سنة.

أنجبت له ولدين وأربع بنات وهم: القاسم (وكان يكنى به)، وعبد الله ، ورقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة

إسلامها و نصرتها للرسول صلى الله عليه و سلم

أول ما نزل الوحى على رسول الله صلى الله عليه و سلم

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}

فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد، فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع.

فقال لخديجة فقال : " مالي يا خديجة؟ وأخبرها الخبر و قال: لقد خشيت على نفسي.

فقالت خديجة: كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق.

فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، ابن عم خديجة.

وكان امرأ قد تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي.

فقالت له خديجة: يا ابن عم ! اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما أُري.

فقال له ورقة: هذا الناموس الذي كان ينزل على موسى

وآمنت خديجة بنت خويلد، وصدقت بما جاءه من الله ووازرته على أمره، وكانت أول من آمن بالله ورسوله، وصدقت بما جاء منه، فخفف الله بذلك عن رسوله صلى الله عليه وسلم لا يسمع شيئاً يكرهه من ردٍ عليه، وتكذيب له، فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها تثبته، وتخفف عنه، وتصدقه، وتهون عليه أمر الناس، رضي الله عنها وأرضاها.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي حَكِيْمٍ:

أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ خَدِيْجَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا ابْنَ عَمِّ، أَتَسْتَطِيْعُ أَنْ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِكَ إِذَا جَاءكَ؟

فَلَمَّا جَاءهُ، قَالَ: (يَا خَدِيْجَةُ، هَذَا جِبْرِيْلُ). , فَقَالَتْ: اقْعُدْ عَلَى فَخِذِي. , فَفَعَلَ، فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ , قَالَ: (نَعَمْ).

قَالَتْ: فَتَحَوَّلْ إِلَى الفَخِذِ اليُسْرَى. ’ فَفَعَلَ، قَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ , قَالَ: (نَعَمْ).

فَأَلْقَتْ خِمَارَهَا، وَحَسَرَتْ عَنْ صَدْرِهَا، فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: (لاَ).

قَالَتْ: أَبْشِرْ، فَإِنَّهُ -وَاللهِ- مَلَكٌ، وَلَيْسَ بِشَيْطَانٍ.

منزلتها عند رسول الله

كانت السيدة خديجة امرأة عاقلة، جليلة، دينة، مصونة، كريمة، من أهل الجنة، فقد أمر الله – تعالى – رسوله أن يبشرها في الجنة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب

عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ:

أَتَى جِبْرِيْلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَذِهِ خَدِيْجَةُ أَتَتْكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيْهِ إدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ، فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيْهِ وَلاَ نَصَبَ.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ بَعْدَ مَرِيْمَ: فَاطِمَةُ، وَخَدِيْجَةُ، وَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ؛ آسِيَةُ).
كان رسول الله يفضلها على سائر زوجاته، و لم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت وكان يكثر من ذكرها بحيث أن عائشة كانت تقول : ما غرت على أحد من نساء النبي ما غرت على خديجة وما رأيتها، ولكن كان النبي يكثر من ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له كأنه لم يكن في الدنيا إلا خديجة، فيقول إنها كانت وكان لي منها ولد

قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ذَكَرَ خَدِيْجَةَ، لَمْ يَكَدْ يَسْأَمُ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا، وَاسْتِغْفَارٍ لَهَا.

فَذَكَرَهَا يَوْماً، فَحَمَلَتْنِي الغَيْرَةُ

فَقُلْتُ: لَقَدْ عَوَّضَكَ اللهُ مِنْ كَبِيْرَةِ السِّنِّ!

قَالَ: فَرَأَيْتُهُ غَضِبَ غَضَباً، أُسْقِطْتُ فِي خَلَدَي، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي:

اللَّهُمَّ إِنْ أَذْهَبْتَ غَضَبَ رَسُوْلِكَ عَنِّي، لَمْ أَعُدْ أَذْكُرُهَا بِسُوْءٍ.

فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لَقِيْتُ، قَالَ: (كَيْفَ قُلْتِ؟ وَاللهِ لَقَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَآوَتْنِي إِذْ رَفَضَنَي النَّاسُ، وَرُزِقْتُ مِنْهَا الوَلَدَ، وَحُرِمْتُمُوْهُ مِنِّي).

قَالَتْ: فَغَدَا وَرَاحَ عَلَيَّ بِهَا شَهْراً.

الخطبة الثانية

الحمد لله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه كتب على كل مخلوق الموت ولا يبقى إلا الله الحي الذي لا يموت
خديجة حبيبة رسول الله وأول من آمن به والتيوقفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من اول لحظه تموت

وفاتها رضى الله عنها


توفيت السيدة خديجة قبل الهجرة إلى المدينة المنورة بثلاثة سنوات، ولها من العمر خمس وستون سنة، , وكانت وفاتها مصيبة كبيرة بالنسبة للرسول - صلى الله عليه وسلم- تحملها بصبر وجأش راضياً بحكم الله – سبحانه وتعالى و لقد حزن عليها الرسول صلى الله عليه و سلم حزنا كبيرا حتى خُـشى عليه و مكث فترة بعدها بلا زواج
رضي الله عنك ياخديجة وصلى الله وسلم على نبينا محمد
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات.. الدعاء

المناضل السليماني 22-07-2009 04:46 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 

الخطبة الثانية في سلسلة امهات المؤمنين

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأ شهد أن محمداً عبده الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً. اوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا توتن إلا وانتم مسلمون
عباد الله حديثي اليكم في هذه الجمعة الى احب الناس إلى قلب رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه انها الصديقة بنت الصديق انها الطاهرة المطهرة انها أم المؤمنين انها التي لا يكرهها إلا من خلى قلبه من الايمان ولا يتهمها إلا من كذب الرحمن وخلع ربقة الاسلام من عنقه انهاعائشة بنت الصديق
نسبها أي نسب كنسبها الأب فأعظم رجل بعد الأنبياء فالأب صحابي والأم صحابية والاخوه اصحاب والاخوات صحابيات والجد صحابي
هى أم المؤمنين عائشة بنت أبى بكر الصديق الطاهرة المبرئة من السماء حبيبة رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال عنها عروة بن الزبير (( ما رأيت أحداً أعلم بالقرآن ولا بفرائضه ولا بحلال ولا بحرام ولا بشعر ولا بحديث عرب ولا بنسب من عائشة)).
تقول ((فضلت على نساء الرسول بعشر ولا فخر: كنت أحب نسائه إليه، وكان أبي أحب رجاله إليه، وتزوجني لسبع وبنى بي لتسع (أي دخل بي)، ونزل عذري من السماء (المقصود حادثة الإفك)،واستأذن النبي صلى الله عليه و سلم نساءه في مرضه قائلاً: إني لا أقوى على التردد عليكن،فأذنّ لي أن أبقى عند بعضكن، فقالت أم سلمة: قد عرفنا من تريد، تريد عائشة، قد أذنا لك، وكان آخر زاده في الدنيا ريقي، فقد استاك بسواكي، وقبض بين حجري و نحري، ودفن في بيتي)).

زواجها بالرسول صلى الله عليه و سلم
عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ((أريتك في المنام، مرتين أرى أنك في سرقة من حرير ويقول هذه امرأتك، فأكشف عنها فإذا هي أنت، فأقول إن كان هذا من عند الله يمضه)).

روى الامام أحمد فى مسنده: لما ماتت خديجة جاءت خَوْلَة بنت حكيم امرأة عثمان بن مَظْعُون قالت: يا رسول الله! ألا تزوّج؟ قال: (مَنْ ؟)،
قالت: إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً، قال: (فَمَنِ البِكْرُ ؟)
قالت: ابنة أحبّ خلق الله عزّ وجلَّ إليك عائشة بنت أبي بكر، قال: (ومَنِ الثَّيّيبُ ؟)
قالت: سَودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتّبعتك على ما تقول، قال: (فاذهبي، فاذكريهما عليَّ).
فدخلت بيت أبي بكر، فقالت: يا أمّ رُومان! ماذا أدخل الله - عزّ وجلّ - عليكم من الخير والبركة، قالت: وما ذلك؟
قالت: أرسلني رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- أخطبُ عليه عائشة
قالت: انتظري أبا بكر حتى يأتي، فجاء أبو بكر،
فقالت: يا أبا بكر! ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة
قال: وما ذاك؟
قالت: أرسلني رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- أخطب عليه عائشة , قال: وهل تصلحُ له؟ إنما هي ابنة أخيه.
فرجعت إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فذكرت له ذلك
قال: (ارجعي إليه فقولي له: أنا أخوك وأنت أخي في الإسلام، وابنتك تصلح لي)،
فرجعت فذكرت ذلك له، قال: انتظري، وخرج.
قالت أم رُومان: إن مُطعِم بن عديّ قد كان ذكرها على ابنه، فوالله ما وعد وعداً قطّ فأخلفه، لأبي بكر، فدخل أبو بكر على مطعم بن عدي، وعنده امرأته أم الفتى، فقالت: يا ابن أبي قُحافة! لعلّك مُصْبٍ صاحبنا مُدخِله في دينك الذي أنت عليه إن تزوّج إليك، قال أبو بكر للمُطعم بن عديّ: أقولَ هذه تقول؟
قال: إنها تقول ذلك، فخرج من عنده وقد أذهب الله - عزّ وجلّ - ما كان في نفسه من عِدَته التي وعده، فرجع، فقال لخولَة: ادعي لي رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فزوّجها إيّاه، وعائشة يومئذٍ بنت ست سنين.

فلما هاجر رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- إلى المدينة خلّف أهله وبناته، ثم إنهم قدموا المدينة، فنزلت عائشة -رضي الله عنها- مع عيال أبي بكر بالسُّنح، فلم تلبث أن وُعِكَت - أي أصابتها الحمّى - فكان أبو بكر -رضي الله عنه- يدخل عليها قيُقبِّل خدّها ويقول: كيف أنت يا بُنية؟
قالت عائشة: فتَمَرَّق شعري أي تساقط
فقال أبو بكر: يا رسول الله! ما يمنعك من أن تبني بأهلك؟
فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم-: (الصَّداقُ)، فأعطاه أبو بكر خمسمائة درهم.
قالت عائشة: فجاء رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- ضحى فدخل بيتنا، فأتتني أمّي أمّ رُومان، وإني لفي أُرْجُوحَة ومعي صواحب لي، فصرخت بي، فأتيتها لا أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأُنْهِج حتى سكن بعض نفسي، ثم أخذتْ شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقُلن على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهنّ، فأصلحن من شأني، فلم يَرْعني إلاّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فأسلمتني إليه، وهي يومئذ بنت تسع سنين ولُعبها معها.‏

وفي رواية أخرى: قالت عائشة -رضي الله عنها-: ثم أقبلت أمّي بي تقودني، ثم دخلت بي على رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فإذا رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- جالس على سرير في بيتنا، وعنده رجال ونساء من الأنصار، فاحتبستني في حجرة، ثم قالت: هؤلاء أهلك يا رسول الله، بارك الله لك فيهن وبارك لهن فيك، فوثب الرجال والنساء، قالت عائشة: وبنى بي رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- في بيتنا.
قالت عائشة: ما نُحِرت عليّ جَزور، ولا ذُبحت عليّ شاة، حتى أرسل إلينا سعد بن عُبادة بجفنة كان يرسل بها إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- إذا دار على نسائه.
وكانت أسماء بنت يزيد بن السَّكَن -رضي الله عنها- ممّن هيّأ عائشة -رضي الله عنها- وأدخلتها على رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- في نسوة معها
قالت أسماء: فوالله ما وجدنا عنده قِرى، إلاّ قدحاً من لبن، فشرب منه ثم ناوله عائشة، فاستحيت الجارية وخفضت رأسها،
قالت أسماء: فانتهرتها وقلت لها: لا تَرُدّي يد رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- خُذي منه، فأخذته على حياء فشربت منه
ثم قال لها النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم-: (ناولي صواحبك)
قالت أسماء: يا رسول الله! بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه من يدك، فأخذه فشرب منه، ثم ناوَلَنيه، قالت: فجلست ثم وضعته على ركبتي، ثم طفِقت أُديره وأتّبعه بشفتي لأُصيب منه مَشْرب النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم-
ثم قال لنسوة عندي: (ناوِليهِنَّ) فقُلنَ: لا نشتهيه
فقال النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم-: (لا تجْمَعنَّ جُوعاً وكذباً)
فقلت: يا رسول الله! إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه: لا أشتهيه يُعدّ ذلك كذباً؟ قال: (إنَّ الكذبَ يُكْتَبُ كَذِباً، حتى الكُذَيْبَة كُذَيْبَة).‏

مكانتها عند رسول الله صلى الله عليه و سلم و حبه لها
من أخص مناقبها ما علم من حب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لها، وشاع من تخصيصها عنده، ولم يتزوج بكراً سواها ونزول القرآن في عذرها وبراءتها، والتنويه بقدرها، ووفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين سحرها ونحرها، وفي نوبتها، وريقها في فمه الشريف، لأنه كان يأمرها أن تندي له السواك بريقها، ونزول الوحي في بيتها، وهو في لحافها
عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت لو نزلت وادياً وفيه شجرة قد أكل منها، ووجدت شجرة لم يؤكل منها في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال: ((في التي لم يرتع منها)) تعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً غيرها.
عن أنس -رضي الله عنه- أن النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- سُئلَ: مَن أحبّ النّاس إليك؟ قال: (عائشَةُ)، فقيل: من الرجال ؟، قال: (أبوها).

وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- يُلاطف عائشة -رضي الله عنها- ويباسطها، ويراعي صغر سنّها، روي عنها أنها كانت تلعب بالبنات- أى العرائس- عند رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- قالت: وكانت تأتيني صَواحبي فكنّ ينقمعن - يتسترن - من رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- قالت: فكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- يُسَرِّبُهُنّ إليّ.
وكان يأذن لها أن تلهو يوم العيد وتنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فقد روي عنها أن أبا بكر -رضي الله عنه- دخل عليها وعندها جاريتان في أيام مِنى تُدَفِّفان وتضرِبان، والنبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- مُتَغَشّ بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- عن وجهه فقال: (دعهما يا أبا بكر، فإنَّها أيّام عيد، وتلك الأيام أيام منى)

وقالت عائشة: قَدِمَ وَفْدُ الحَبَشَةِ على رسول الله صلى الله عليه و سلم- فقاموا يلعبون فى المسجد، فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم- يسترنى بردائه, وأنا أنظر إليهم حتى أكون أنا التى أسأم
وقالت: خرجت مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمِل اللّحم ولم أبدُن، فقال للنّاس: (تقَدَّموا)، فتقدّموا،
ثم قال لي: (تَعالَيْ حتى أُسَابِقَكِ)، فسابقته، فسبقته، فسكت عنّي، حتى إذا حملت اللحم، وبدُنت ونسِيت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للنّاس: (تقَدَّموا)، فتقدّموا،
ثم قال لي: (تَعالَيْ حتى أُسَابِقَكِ)، فسابقته، فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: (هذه بتلك).

اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا عَائِشَةُ تَرْفَعُ صَوْتَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ:
يَا بِنْتَ فُلاَنَةٍ، تَرْفَعِيْنَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَحَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا.
ثُمَّ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَرَضَّاهَا، وَقَالَ: (أَلَمْ تَرَيْنِي حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ؟).
ثُمَّ اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ مَرَّةً أُخْرَى، فَسَمِعَ تَضَاحُكَهُمَا، فَقَالَ:
أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا، كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا.

عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُوْلُ لَهَا: (إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى).
قَالَتْ: وَكَيْفَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، قُلْتِ: لاَ، وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لاَ، وَرَبِّ إِبْرَاهِيْمَ).
قُلْتُ: أَجَلْ، وَاللهِ مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ.

عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَطَارَتِ القُرْعَةُ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، وَكَانَ إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ.
فَقَالَتْ حَفْصَةُ: أَلاَ تَرْكَبِيْنَ اللَّيْلَةَ بَعِيْرِي، وَأَرْكَبُ بَعِيْرَكِ تَنْظُرِيْنَ وَأَنْظُرُ؟
فَقَالَتْ: بَلَى.
فَرَكِبَتْ، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا. ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلُوا، وَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ، فَلَمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ رِجْلَيْهَا بَيْنَ الإِذْخِرِ، وَتَقُوْلُ من شدة غيرتها على النبي صلى الله عليه وسلم:
يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَباً أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي، رَسُوْلُكَ وَلاَ أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَقُوْلَ لَهُ شَيْئاً.

وعن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: ((إنه ليهون عليّ أني رأيت بياض كف عائشة في الجنة)) تفرد به أحمد.
وهذا في غاية ما يكون من المحبة العظيمة أنه يرتاح لأنه رأى بياض كفها أمامه في الجنة
رضي الله عن أمنا ام المؤمنين عائشة وأرضاها أقول ماتسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله ..................
وعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)).

وثبت في (صحيح البخاري) أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة، فاجتمع أزواجه إلى أم سلمة وقلن لها: قولي له يأمر الناس أن يهدوا له حيث كان.
فقالت أم سلمة: فلما دخل عليّ قلت له ذلك فأعرض عني، ثم قلن لها ذلك فقالت له فأعرض عنها، ثم لما دار إليها قالت له، فقال: ((يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عليّ الوحي في بيت وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها)).

وذكر: ((أنهن بعثن فاطمة ابنته إليه فقالت: إن نساءك ينشدونك العدل في ابنة أبي بكر بن أبي قحافة.فقال: ((يا بنية ألا تحبين من أحب؟)) قالت: قلت: بلى !. قال: ((فأحبي هذه)).

ثم بعثن زينب بنت جحش فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة فتكلمت زينب ونالت من عائشة، فانتصرت عائشة منها وكلمتها حتى أفحمتها، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عائشة ويقول: ((إنها ابنة أبي بكر)).
وقد كان رسول الله قمة في العدل فكان اذا مرض يذهب الى بيوت نسائه حتى وهو في مرض موته يتنقل بين البيوت حتى اشتد عليه المرض واحتاج الى ان يستقر فبقي في بيت عائشة وبموافقة نسائه ولو لم يأذن له لطاف عليهن ولو ان يحمل لأنه سيد العادلين

كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِيْنِي العَظْمَ فَأَتَعَرَّقُهُ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ، فَيُدِيْرُهُ حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فَمِي.
أَخْبَرَنِي أَبُو قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرٍو، قَالَ:
بَعَثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ: سَلْهَا أَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ؟ فَإِنْ قَالَتْ: لاَ، فَقُلْ: إِنَّ عَائِشَةَ تُخْبِرُ النَّاسَ أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ.
فَقَالَتْ: لَعَلَّهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَمَالَكُ عَنْهَا حُبّاً، أَمَّا إِيَّايَ فَلاَ.

ومن خصائصها: رضي الله عنها أنها كان لها في القسم يومان يومها ويوم سودة حين وهبتها ذلك تقرباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولها فضائل رضي الله عنها نذكرها في الجمعة القادمة ان شاء الله تعالى وبقي في العمر بقية

عباد الله صلوا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه

المناضل السليماني 22-07-2009 05:35 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
اللقاء الثالث مع سلسلة امهات المؤمنين ولا زال الحديث عن امنا عائشة رضي الله عنها وارضاها
------------------
الخطبة الاولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين، {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، {يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]، {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً % يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}

عباد الله لا زال الحديث عن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها وارضاها

فضائلها رضى الله عنها
عن عائشة قالت: فضِّلتُ على نساء النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- بعشر، قيل: ما هنّ يا أم المؤمنين؟
قالت: لم ينكح بكراً قطّ غيري، ولم ينكح امرأة أبواها مهاجران غيري، وأنزل الله - عزّ وجلّ - براءتي من السّماء، وجاءه جبريل بصورتي من السّماء في حريرة وقال: تزوّجها فإنها امرأتك، فكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد، ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان يصلّي وأنا معترضة بين يديه، ولم يكن يفعل ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي، ولم يكن ينزل عليه وهو مع أحد من نسائه غيري، وقبض الله نفسه وهو بين سَحْري ونحْري، ومات في الليلة التي كان يدور عليّ فيها، ودُفن في بيتي.

وروى البخاري: عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً: ((يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام)).
فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى.

عن عائشة -قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو ذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس أبا بكر رضي الله عنه فقالوا ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا لى ماء وليس معهم ماء قالت عائشة فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده خاصرتي فما منعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله عز وجل آية التيمم فقال أسيد بن حضير ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر قالت فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته.

عن عائشة قالت: رجع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول: وارأساه، فقال: ((بل أنا والله يا عائشة وارأساه)).
قالت: ثم قال: ((وما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك، وكفنتك، وصليت عليك، ودفنتك)).
قالت: قلت: والله لكأني بك لو فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك.
قالت: فتبسم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونام به وجعه، وهو يدور على نسائه حتَّى استعزبه في بيت ميمونة فدعا نسائه فاستأذنهن أن يمرض في بيتي، فأذنَّ له.
عن عائشة، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه أين أنا غداً، أين أنا غداً، يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة، حتَّى مات عندها.
قالت عائشة رضي الله عنها: فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي، وقبضه الله وإن رأسه لبين سحري ونحري، وخالط ريقه ريقي، قالت: ودخل عبد الرحمن ابن أبي بكر ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه، فقضمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فاستن به، وهو مسند إلى صدري.
ومن خصائصها: أنها أعلم نساء النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي أعلم النساء على الإطلاق.
قال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواجه وعلم جميع النساء، لكان علم عائشة أفضل.
وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً في العامة.
وقال عروة: ما رأيت أحداً أعلم بفقه، ولا طب، ولا شعر من عائشة.
ولم ترو امرأة ولا رجل غير أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث بقدر روايتها رضي الله عنها.
وقال أبو موسى الأشعري: ما أشكل علينا أصحاب محمد حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً.

كَانَ عُرْوَةُ يَقُوْلُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّتَاهُ! لاَ أَعْجَبُ مِنْ فِقْهِكِ، أَقُوْلُ: زَوْجَةُ نَبِيِّ اللهِ، وَابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَلاَ أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالشِّعْرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ، أَقُوْلُ: ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ، وَلَكِنْ أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالطِّبِّ كَيْفَ هُوَ، وَمِنْ أَيْنَ هُوَ، أَوْ مَا هُوَ؟!
قَالَ: فَضَرَبَتْ عَلَى مَنْكِبِهِ، وَقَالَتْ: أَيْ عُرَيَّةُ، إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَسْقَمُ عِنْدَ آخِرِ عُمُرِهِ - أَوْ فِي آخِرِ عُمُرِهِ - وَكَانَتْ تَقْدَمُ عَلَيْهِ وُفُودُ العَرَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَتَنْعَتُ لَهُ الأَنْعَاتَ، وَكُنْتُ أُعَالِجُهَا لَهُ، فَمِنْ ثَمَّ.
قدم رسول الله لهذه الأمة اعظم دين وكان يحمل اجمل واروع الصفات والاخلاق والطيبه والرحمة والمحبة لهذه الأمه ولكن كانت هناك فئة خبيثة تردي ان تنكد على رسول الله صفو حياته وهم يتسترون باسم الاسلام ويصلون معه في مسجده انهم المنافقون لا كثرهم الله واليكم القصة

قالت ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، فلما كان غزوة بني المصطلق أقرع بين نسائه، كما كان يصنع، فخرج سهمي عليهن معه، فخرج بي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت: وكان النساء إذ ذاك يأكلن العلق، لم يهجهن اللحم فيثقلن، وكنت إذا رحل لي بعيري جلست في هودجي، ثم يأتي القوم الذين كانوا يرحلون لي فيحملونني ويأخذون بأسفل الهودج فيرفعونه فيضعونه على ظهر البعير، فيشدونه بحباله، ثم يأخذون برأس البعير فينطلقون به.

قالت: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك، وجه قافلاً حتى إذا كان قريباً من المدينة نزل منزلاً فبات به بعض الليل، ثم أذن مؤذن في الناس بالرحيل، فارتحل الناس وخرجت لبعض حاجتي، وفي عنقي عقد لي فيه جزع ظفار، فلما فرغت انسل من عنقي ولا أدري، فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي فلم أجده، وقد أخذ الناس في الرحيل، فرجعت إلى مكاني الذي ذهبت إليه فالتمسته حتى وجدته.

وجاء القوم خلافي الذين كانوا يرحلون لي البعير، وقد كانوا فرغوا من رحلته، فأخذوا الهودج وهم يظنون أني فيه، كما كنت أصنع فاحتملوه فشدوه على البعير، ولم يشكوا أني فيه ثم أخذوا برأس البعير، فانطلقوا به فرجعت إلى العسكر( مكان الجيش) وما فيه داع ولا مجيب، قد انطلق الناس.

قالت: فتلففت بجلبابي ثم اضطجعت في مكاني، وعرفت أن لو افتقدت لرجع الناس إلي.
قالت: فوالله إني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي، وكان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجاته، فلم يبت مع الناس فرأى سوادي فأقبل حتى وقف علي، وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب، فلما رآني قال: إنا لله وإنا إليه راجعون ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وأنا متلففة في ثيابي. فاسترجع وقال إنا لله وإنا اليه راجعون فاستيقضت على استرجاعته تقول فتجلببت بجلبابي

قال: ما خلفك يرحمك الله ؟
قالت: فما كلمته.
ثم قرب إلي البعير فقال: اركبي، واستأخر عني.
قالت: فركبت وأخذ برأس البعير فانطلق سريعاً يطلب الناس، فوالله ما أدركنا الناس وما افتقدت حتى أصبحت ونزل الناس، فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بي، فقال أهل الإفك ما قالوا، وارتج العسكر، والله ما أعلم بشيء من ذلك.

ثم قدمنا المدينة فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة لا يبلغني من ذلك شيء، وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أبوي لا يذكرون لي منه قليلاً ولا كثيراً، إلا أني قد أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لطفه بي، كنت إذا اشتكيت رحمني ولطف بي، فلم يفعل ذلك بي في شكواي ذلك، فأنكرت ذلك منه.
كان إذا دخل علي وعندي أمي تمرضني قال: ((كيف تيكم ؟)) لا يزيد على ذلك.
قالت: حتى وجدت في نفسي، فقلت: يا رسول الله حين رأيت ما رأيت من جفائه لي لو أذنت لي، فانتقلت إلى أمي فمرضتني ؟
قال: ((لا عليك)).
قالت: فانقلبت إلى أمي، ولا علم لي بشيء مما كان حتى نقهت من وجعي بعد بضع عشرين ليلة، وكنا قوماً عرباً لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف التي تتخذها الأعاجم، نعافها ونكرهها، إنما كنا نخرج في فسح المدينة، وإنما كانت النساء يخرجن في كل ليلة في حوائجهن، فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مسطح ابنة أبي رهم بن المطلب.

قالت: فوالله إنها لتمشي معي إذ عثرت في مرطها فقالت: تعس مسطح - ومسطح لقب واسمه عوف - قالت: فقلت: بئس لعمرو الله ما قلت لرجل من المهاجرين وقد شهد بدراً.

قالت: أو ما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر ؟
قالت: قلت: وما الخبر ؟ فأخبرتني بالذي كان من قول أهل الإفك.((( اتدرون ماذا قالوا يا عباد الله قالوا والله ما سلمت عائشة منه وما سلم منها يعني انهما اقترفا الزنا))) يا الله ما أجرأهم وعائشة لم تعلم بهذاالكلام الذي تناقله الناس
قلت: أو قد كان هذا ؟ قالت: نعم والله لقد كان.

قالت: فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي، ورجعت فوالله ما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي؛ قالت: وقلت لأمي: يغفر الله لك تحدث الناس بما تحدثوا به ولا تذكرين لي من ذلك شيئاً ؟
قالت: أي بنية خففي عليك الشأن، فوالله لقل ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن وكثر الناس عليها.

قالت: وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فخطبهم ولا أعلم بذلك، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي، ويقولون عليهم غير الحق، والله ما علمت عليهم إلا خيراً، ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلا خيراً، ولا يدخل بيتاً من بيوتي إلا وهو معي)).
للحديث بقية في الخطبة الثانية اقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه

الخطبة الثانية
الحمدلله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين واصلي واسلم على من ارسله الله رحمةللعالمن

قالت: وكان من تولى كبر ذلك عبد الله بن أبي بن سلول في رجال من الخزرج مع الذي قال مسطح وحمنة بنت جحش، وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تكن امرأة من نسائه تناصيني في المنزلة عنده غيرها، فأما زينب فعصمها الله بدينها فلم تقل إلا خيراً، وأما حمنة فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضارني لأختها فشقيت بذلك.

فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة، قال أسيد بن حضير: يا رسول الله إن يكونوا من الأوس نكفيكهم، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج فمرنا أمرك، فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم.

قالت: فقام سعد بن عبادة، وكان قبل ذلك يرى رجلاً صالحاً فقال: كذبت لعمر الله ما تضرب أعناقهم، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا.

فقال أسيد بن حضير: كذبت لعمر الله، ولكنك منافق تجادل عن المنافقين.
قالت: وتساور الناس حتى كاد يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل علي، فدعا علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد فاستشارهما، فأما أسامة فأثنى خيراً وقاله.

ثم قال: يا رسول الله أهلك، وما نعلم منهم إلا خيراً، وهذا الكذب والباطل.
وأما علي فإنه قال: يا رسول الله إن النساء لكثير، وإنك لقادر على أن تستخلف، وسل الجارية فإنها ستصدقك.

فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة يسألها، قالت: فقام إليها علي فضربها ضرباً شديداً ويقول: أصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت: فتقول والله ما أعلم إلا خيراً، وما كنت أعيب على عائشة شيئاً إلا أني كنت أعجن عجيني فأمرها أن تحفظه فتنام عنه فتأتي الشاة فتأكله.
قالت: ثم دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أبواي، وعندي امرأة من الأنصار وأنا أبكي وهي تبكي، فجلس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((يا عائشة إنه قد كان ما بلغك من قول الناس فاتقي الله، وإن كنت قد فارقت سوءاً مما يقول الناس فتوبي إلى الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده)).
قالت: فوالله إن هو إلا أن قال لي ذلك، فقلص دمعي حتى ما أحس منه شيئاً، وانتظرت أبوي أن يجيبا عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يتكلما.
قالت: وأيم الله لأنا كنت أحقر في نفسي، وأصغر شأنا من أن ينزل الله في قرأنا يقرأ به ويصلى به، ولكني كنت أرجو أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه شيئاً يكذب الله به عني، لما يعلم من براءتي، ويخبر خبراً، وأما قرآناً ينزل في فوالله لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك.
قالت: فلما لم أرَ أبوي يتكلمان، قلت لهما: ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالا: والله ما ندري بما نجيبه.
قالت: ووالله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل علي آل أبي بكر في تلك الأيام.
قالت: فلما استعجما علي استعبرت فبكيت، ثم قلت: والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبداً، والله إني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس، والله يعلم أني منه بريئة، لأقولن ما لم يكن لتصدقونني، ولئن أنا أنكرت ما يقولون لا تصدقونني.
قالت: ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره فقلت: ولا اجد لنفسي ما اقول لكم الا كما قال ابو يوسف: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.

قالت: فوالله ما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه، حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه، فسجي بثوبه، ووضعت وسادة من أدم تحت رأسه، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت، فوالله ما فزعت وما باليت قد عرفت أني بريئة، وأن الله غير ظالمي.

وأما أبواي فوالذي نفس عائشة بيده ما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننت لتخرجن أنفسهما فرقاً من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس. فما قام رسول الله حتى انزل الله برءتي من فوق سبع سماوات في سورة النور من الآية الحدية عشرة في قوله تعالى ان الذين جاؤوا بالافك عصبة منكم إلى قوله تعالى في الآية السادسة والعشرين الخبيثات للخبيثين والطيبات للطيبن الى نهاية الآية

فقال ابو بكر وزوجته قومي الى رسول الله فاحمدية فقالت لاوالله ما احمد إلا الله ووالله ان نفسي كانت احقر عندي من ان ينزل الله في قرآن يتلى
نشهد الله وكفى به شهيد ونشهد جميع خلقه من انسه وجنه وملائكته باننا نشهد انها طاهره وانها بريئة مما قالوا ويقولون
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات .............. الدعاء

عبدالرحمن سعيد الحبابي 22-07-2009 07:42 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
جزاك الله خيراً

زادك علم وتقى

المناضل السليماني 22-07-2009 04:11 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
مشكور اخي عبد الرحمن الحبابي وتقبل الله دعواتك
------------------


اللقاء الرابع مع سلسلة أمهات المؤمنين حديثنا مع أمنا حفصة رضي الله عنها وأرضاها
------------------
الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين، {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، {يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]، {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً % يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70، 71]
حفصة بنت عمر
نسبها
حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ العَدَوِيَّةُ، أُم المُؤْمِنِيْنَ
السِّتْرُ الرَّفِيْعُ، بِنْتُ أَمِيْرِ المُؤمِنِيْنَ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ. وأمها زينب بنت مظعون
قَالَتْ عَائِشَة: هِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِن أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
زواجها من الرسول صلى الله عليه و سلم
كانت حفصة زوجة صالحة للصحابي الجليل (خنيس بن حذافة السهمي) الذي كان من أصحاب الهجرتين، هاجر إلى الحبشة مع المهاجرين الأولين إليها فرارا بدينه ، ثم إلى المدينة نصرة لنبيه صلى الله عليه و سلم، و قد شهد بدرا أولا ثم شهد أحدا، فأصابته جراحه توفي على أثرها ، و ترك من ورائه زوجته ( حفصة بنت عمر ) شابة في ريعان العمر , و لم تلد له، فترملت ولها عشرون سنة.
وكان عمر -رضي الله عنه- حين تَأيّمَتْ حفصة من زوجها عرضها على عثمان بن عفان، فقال له: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر
قال: سأنظر في أمري، فلبث ليالي، ثم قال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا
فلقي عمر أبا بكر، فقال له: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إليه شيئاً، فكان عمر عليه أَوْجَد منه على عثمان. فلبث ليالي، ثم خطبها رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فأنكحها إياه، وفي رواية: أن عمر أتى النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- فشكا عثمان، فقال النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم-: (قدْ زوّج اللهُ عثْمانَ خيراً مِنْ ابنَتِكَ، وزَوّجَ ابنَتَكَ خيراً مِنْ عُثْمانَ)، فتزوّج رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- حفصة، وأصدقها رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- أربعمائة درهم., وزوّج أم كلثوم من عثمان بن عفّان - رضي الله عنهما -.
قال عمر -رضي الله عنه-: فلقيني أبو بكر، فقال: لعلّك وَجَدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك،
قلت: نعم،
قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلاّ أني قد علمت أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- قد ذكرها فلم أكن لأُفشي سرّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- ولو تركها لقبلتها.
وَحَفْصَةُ، وَعَائِشَةُ: هُمَا اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَأَنْزَلَ اللهُ فِيْهِمَا: {إِنْ تَتُوْبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوْبُكُمَا، وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيْلُ...} الآيَةَ،

عَنْ عَطَاءٍ، سَمِعَ عُبَيْدَ بنَ عُمَيْرٍ يَقُوْلُ:
سَمِعتُ عَائِشَةَ تَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلاً.
فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا، فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيْحَ مَغَافِيْرَ! أَكَلْتَ مَغَافِيْرَ!
فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ.
قَالَ: (بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ، وَلَنْ أَعُوْدَ لَهُ).
فَنَزَلَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ...} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنْ تَتُوْبَا} -يَعْنِي: حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ-.
{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ} قَوْلَهَ: بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً.
و روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقها تطليقة ثم ارتجعها وذلك أن جبريل قال له أرجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة

عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم أمر أن يراجعها
عن عقبة بن عامر قال طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر فبلغ ذلك عمر فحثى التراب على رأسه وقال ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها
فنزل جبريل من الغد على النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر
وفي رواية أبي صالح دخل عمر على حفصة وهي تبكي فقال لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد طلقك إنه كان قد طلقك مرة ثم راجعك من أجلى فإن كان طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا

و قد كانت رضى الله عنها صوامة قوامة و روت عدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد حفظت نسخة القرآن الكريم عندها
روى أبو نعيم عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال : " لما أمرني أبوبكر فجمعت القرآن كتبته في قطع الأدم وكسر الأكتاف والعسب، فلما مات أبو بكر رضي الله عنه – كان عمر كتب ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده- أي: على رق من نوع واحد – فلما توفي عمر رضي الله عنه كانت الصحيفة عند حفصة زوجة النبي صلى الله عليه و سلم ، ثم أرسل عثمان رضي الله عنه إلى حفصة رضي الله عنها ، فسألها أن تعطيه الصحيفة ؛ و حلف ليردنها إليها، فأعطته ، فعرض المصحف عليها ، فردها إليها ، وطابت نفسه ، و أمر الناس فكتبوا المصاحف
رضي الله عنك يا حفصة العفة والطهارة ياحفصة صاحبة العبادة من صيام وقيام
اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا اليه

الخطبة الثانية

الحمد لله المتفرد بالقاء وكتب الموت على جميع خلقه فسبحان الحي الذي لا يموت ولابد لكل حي ان يموت ويفارق هذه الدنيا وهاهي امنا تموت كما مات حبيبها رسول الله صلى الله عليه وسلم
توفيت حفصة -رضي الله عنها- في شعبان سنة خمس وأربعين، أو إحدى وأربعين في خلافة معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- وهي يومئذ ابنة ستين سنة أو ثلاث وستين سنة، فصلّى عليها مروان بن الحَكَم، وهو يومئذ عامل المدينة، ثم تبعها إلى البقيع، وجلس حتى فُرغ من دفنها، وكان نزل في قبرها عبد الله وعاصم ابنا عمر وسالم وعبد الله وحمزة بنو عبد الله بن عمر

عباد الله صلوا على زوج هذه الصحابية كما أمركم الله بذلك حيث قال ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما

اللهم صلي على نبيك وعلى آله وازواجه وارض اللهم عن صحابته اجمعين وفي مقدمتهم ابي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذو النورين وعلى ابو السبطين وعنا معهم بمنك وكرمك يا ارحم الراحمين
اللهم اعز الاسلام والمسلمين.............

المناضل السليماني 28-07-2009 07:24 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
عنوان هذه الخطبة اتبعوا ولا تبتدعوا (((((((((((((((((( بدع شعبان))))))))))))))))

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي هدانا لدينه القويم، ومنّ علينا ببعثة هذا النبي الكريم، وهدانا به إلى الصراط المستقيم، أحمده سبحانه على نعمه الغِزار، وأشكره على جوده المدرار. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. فيا أيها الناس: اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في الجهر والنجوى، واشكروه أن منّ عليكم بالهداية لدين الإسلام، وجعلكم من أمة خير الأنام، الذي بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله. أرسله بالآيات البينات، والمعجزات الواضحات، أنزل عليه هذا القرآن العظيم، الذي هو هدى وشفاء لما في الصدور، إنه شفاء لأمراض القلوب من الشكوك والشبهات، والمعاصي والشهوات، والجَور والجهالات، إنه النور الذي يضيء لك الطريق، ويهديك للتحقيق،

اتقوا الله تعالى وتمسكوا بكتابه وسنة نبيه ففيهما الكفاية والهدى والنور، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلال وغرور، قال تعالى : اتبعوا ما أنزل إليكم ولا تتبعوا من دونه أولياء [الأعراف:3]، وقال تعالى: فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى [طه:123]، فقد وعد الله من تمسك بكتابه وعمل به ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الاخرة، وتوعد من أعرض عن كتابه فقال: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى .

أي: من خالف أمري وما أنزلته على رسولي فأعرض عنه وتناساه، وأخذ من غيره هداه: فإن له معيشة ضنكاً أي: ضنكا في الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء فإن قلبه في قلق وحيرة وشك، وقيل: إن المعيشة الضنك أن يضيّق عليه في قبره حتى تختلف اضلاعه : ونحشره يوم القيامة أعمى ، أي: أعمى البصر والبصيرة، كما قال تعالى: ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً مأواهم جهنم [الإسراء:97]، وقد امر الله بطاعته وطاعة رسوله في كثير من الآيات، وطاعة الله تكون باتباع كتابه، وطاعة الرسول تكون باتباع سنته قال تعالى: ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين [النساء:13-14]، وهذا من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فمن شهد أن لا إله إلا الله وجب عليه أن يطيعه ويتبع كتابه، ومن شهد أن محمدا رسول الله، وجب عليه أن يطيعه ويتبع سنته.

وقد أخبر الله سبحانه أن من يطع الرسول - - فذلك دليل على محبته لله ومحبة الله له، ومن لم يطع الرسول فإن ذلك دليل على كفره قال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين [آل عمران:31-32].

وأخبر الله سبحانه أن من أطاع الرسول فقد أطاع الله لأن طاعة الرسول طاعة لمن ارسله قال تعالى: من يطع الرسول فقد أطاع الله [النساء:80]، وأخبر سبحانه أن من أطاع الرسول – - حصلت له الهداية التامة قال تعالى: وإن تطيعوه تهتدوا [النور:54]، وأخبر أن طاعة الرسول سبب للرحمة قال تعالى: وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون . واخبر ان من عصى الرسول فهو ضال متبع لهواه. قال تعالى: فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون اأواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله [القصص:50].

وتوعد من خالف امر الرسول بالعقوبة العاجلة والآجلة فقال تعالى: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم .

قال ابن كثير – رحمه الله – أي :فليحذر وليخش من خالف الرسول - - باطنا وظاهرا. أن تصيبهم فتنة ، أي: في قلوبهم من كفر أو نفاق أو حد أو حبس أو نحو ذلك. وكان النبي – - يحذر من مخالفة الكتاب والسنة ويبين أن ما خالف الكتاب والسنة فهو بدعة وضلالة فكان يقول في خطبه: ((إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدى محمد – - وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة))، ويقول: ((من يعشْ منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الامور فإن كل محدثة بدعة))، وقال : ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد)) أي: مردود على مُحْدثه وعامله لا يقبل؛ لأنه بدعة مخالفة لما شرع الله لعباده، ففي هذه النصوص وأمثالها التحذير من البدع والمخالفات ؛ والبدعة: هي الطريقة المخترعة في الدين التي ليس له دليل من الكتاب والسنة يقصد فاعلها ومخترعها التقرب بها إلى الله – عز وجل - كإحداث عبادة لم يشرعها الله ولا رسوله، أو تخصيص وقت للعبادة لم يخصصه الله ولا رسوله لها، أو فعل العبادة على صفة لم يشرعها الله ورسوله.

فالبدعة قد تكون بإحداث عبادة ليس لها أصل في الشرع مثل بدعة الاحتفال بمناسبة مولد النبي – - والاحتفال بمناسبة الإسراء والمعراج، أو بمناسبة الهجرة النبوية. أو تخصيص وقت من الأوقات للعبادة ليس له خصوصية في الشرع، كتخصيص شهر رجب أو ليلة النصف من شعبان بصلاة أو ذكر أو دعاء، وتخصيص يوم النصف من شهر شعبان بصيام وقد تكون البدعة بإحداث صفة للعبادة غير مشروعة، كالدعاء الجماعي بعد الصلوات المفروضة، والاذكار الجماعية وما أشبه ذلك. والبدع تصد عن دين الله، وتبعد عن الله، وتوجب العقوبة العاجلة والآجلة، لأنها من دين الشيطان، لا من دين الرحمن.

والمبتدع متبع لهواه : ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله [القصص:50]. والمبتدع يقول على الله بلا علم، والقول على الله بلا علم قرين الشرك. قال تعالى محذرا من ذلك : قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله مالا تعلمون [الأعراف:33]. قال الإمام ابن القيم: والقول على الله بلا علم والشرك متلازمان. ولما كانت هذه البدع المضلة جهلا بصفات الله، وتكذيبا بما أخبر به عن نفسه وأخبر به عنه رسوله – - كانت من أكبر الكبائر إن قصرت عن الكفر. وكانت أحب إلى إبليس من المعصية، لأن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها، وقال إبليس – لعنه الله: أهلكت بني آدم بالذنوب، وأهلكوني بـ لا إله إلا الله وبالاستغفار، فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء، فهم يذنبون ولا يتوبون، لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. ومعلوم أن المذنب إنما ضرره على نفسه، وأما المبتدع فضرره على الناس، وفتنة المبتدع في أصل الدين، وفتنة المذنب في الشهوة.

والمبتدع يتهم ربه بأنه لم يكمل الدين قبل وفاة النبي – - فهو مكذب لقوله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم ، أو يتهم الرسول بعدم البلاغ.

والمبتدع يريد ان يفرق جماعة المسلمين،لأن اجتماع المسلمين إنما يتحقق باتباع ما شرع الله، كما قال تعالى: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وقال : وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله .

فالمبتدع يريد ان يفرق المسلمين عن صراط الله وعن سبيله المتحد إلى سبل البدع المختلفة، لأن البدع لا تقف عند حد ولا تنتهي إلى غاية. فكل مبتدع له طريقة خاصة غير طريقة المبتدع الاخر، كما صور النبي ذلك حينما خط بيده خطا وقال : ((هذا سبيل الله مستقيما، وخط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال : هذه السبل ليس منها سبيل الا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ: وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله [الأنعام:153])) رواه احمد والحاكم، وقال : صحيح، ولم يخرجاه. وهو دليل واضح على أن البدع تفرق المسلمين.

عباد الله: إننا في زمان كثرت فيه البدع ونشط فيه المبتدعة، فصاروا يروجون البدع بين الناس ويدعون إليها في كل مناسبة، وهذا بسبب غربة الدين، وقلة العلماء المصلحين. ومن هذه البدع ما يروج كل عام، ويغتر به الجهال والعوام، من الاحتفال بليلة النصف من شعبان وتخصيصها بأنواع من الذكر والصلاة، لأنهم يزعمون أنها تقدر فيها الآجال والأرزاق وما يجري في العام، ويظنون أنها هي المعنية بقوله تعالى: فيها يفرق كل أمر حكيم . ويخصون اليوم الخامس عشر من شهر شعبان بالصيام، ويستدلون بحديث روي في هذا، وهذا كله من البدع المحدثة، لأنه لم يثبت تخصيص ليلة النصف من شعبان بذكر ولا قيام. ولا تخصيص يومها بالصيام، ولم يثبت في ذلك حديث عن النبي – - وما لم يثبت فيه دليل فهو بدعة في الدين ومخالف لعمل المسلمين المتمسكين بالسنة التاركين للمبتدعة. وإليكم ما قاله العلماء المحققون في هذه الليلة: قال أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي في كتاب الحوادث والبدع : وروى ابن وضاح عن زيد بن اسلم قال: ((وما ادركنا أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان، ولا يَِرَوْن لها فضلا على سواها )).

وقال ابن رجب – في كتابه لطائف المعارف -: وأنكر ذلك – يعني تخصيص ليلة النصف من شعبان اأكثر علماء الحجاز. منهم عطاء وابن أبي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن اسلم عن فقهاء اهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة.

وقال ايضا : قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيه شيء عن النبي – - ولا عن أصحابه وقال الحافظ العراقي: حديث صلاة ليلة النصف من شعبان باطل وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات.

وأما صيام يوم النصف من شعبان فلم يثبت بخصوصه حديث عن النبي – -. والحديث الوارد فيه ضعيف، كما قاله ابن رجب وغيره. والضعيف لا تقوم به حجة. وأما زعمهم أن هذه الليلة تقدر فيها أعمال السنة وأنها المعنية بقوله تعالى: إنّا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم ، فهو زعم باطل،لأن المراد بتلك الليلة ليلة القدر، كما قال تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر ، وهي في رمضان لا في شعبان لأن الله سبحانه قال: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، فالقرآن أنزل في ليلة القدر وليلة القدر في رمضان بلا خلاف. بدليل قوله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن . قال الإمام ابن كثير: يقول الله تعالى مخبرا عن القران العظيم انه انزله في ليلة مباركة، وهي ليلة القدر كما قال عز وجل: إنا أنزلناه في ليلة القدر ، وكان ذلك في شهر رمضان، كما قال تبارك وتعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، قال: ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان، كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة. فإن نص القران أنها في رمضان. ثم قال عن الحديث المروي في ليلة النصف من شعبان وهو أن النبي – - قال : ((تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى ان الرجل لينكح ويولد له وقد اخرج اسمه في الموتى ))، قال : هو حديث مرسل، مثله لا يعارض النصوص.

فاتقوا الله – عباد الله - وتمسكوا بكتاب ربكم، وسنة بينكم، وما كان عليه السلف الصالح، واحذروا من البدع ومروجيها، كما حذركم النبي – -.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:

وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون [الأنعام:195].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . . . .




الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ,كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ، له الحمد حتى يرضى، وله الحمد إذا رضي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه، خاتم النبيين والمرسلين وإمام المتقين، بعثه الله بالهدى والحق المبين، وأوجب على العباد طاعته وتوقيره واتباعه ومحبته، والاقتداء بهديه, والاعتصام بسنته، وجعل العزة والنصر والتمكين في الأرض لمن اتبع هداه وترسم خطاه، وكتب الذلة والصغار والخذلان والشقاء لمن خالف أمره وعصاه، فصلى الله عليه وآله الطيبين وأصحابه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


أيها الناس: اتقوا الله تعالى والزموا السير على الطريق الصحيح الذي يوصلكم إلى دار السلام. واحذروا الطرق المنحرفة التي توردكم المهالك والآثام، واعلموا انه ليس لليلة النصف من شعبان ولا ليومها خصوصية على غيرها من الليالي والأيام، فمن كان معتادا لقيام الليل في سائر السنة فليقم في تلك الليلة كغيرها من الليال. ومن كان معتاد الصيام ايام البيض من كل شهر فليصم تلك الأيام من شعبان كعادته في شهور العام. وكذلك من كان يصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، وصادف ذلك يوم النصف من شعبان فليصمه على عادته تابعا لغيره، وهكذا من كان عادته ان يصوم غالب شهر شعبان كما روى مسلم عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: ((ولم أره صائما من شهر قط أكثر من صيامه في شعبان)) وفي رواية: ((كان يصوم شعبان إلا قليلا ))، فمن اقتدى بالنبي – - وصام غالب شعبان ومر النصف أثناء صيامه فلا بأس. لأنه في هذه الحال صار تابعا. وإنما الممنوع تخصيصه دون غيره. واعملوا عباد الله أن فيما ثبت عن النبي – - من نوافل الصلوات والصيام غنيمة للمسلم وخير كثير، فلا يجوز للمسلم أن يلتفت لما سوى ذلك من الشذوذات والمبتدعات والمرويات التي لم تثبت، فإن هذا سبيل أهل الزيغ الذين يتبعون المتشابه ويتركون المحكم ويحبون البدع ويميتون السنن. وإنك لتعجب حين ترى حرص بعض الناس على تتبع الشواذ، وترك الثوابت من العبادات.

فاتقوا الله، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، فتمسكوا به.وخير الهدي هدي محمد – - فاقتدوا به. وشر الأمور محدثاتها فاجتنبوها.فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار …

عباد الله صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه

المناضل السليماني 28-07-2009 08:17 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
نستكمل الحديث عن امهات المؤمنين (( الحديث عن امنا ام حبيبة رضي الله عنها وارضاها))
-------------------

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أرسل رسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله والشكر له على ما أولانا من واسع كرمه وفضله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هدى من هدى بفضله وأضل من أضل بحكمته وعدله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى من جميع خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وصحبه وسلم تسليما.

اوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل حديثنا في هذه الجمعة المباركة عن امنا أم حبيبة رملة بنت ابي سفيان رضي الله عنهما.
اما نسبها

فهي أم المؤمنين، السيدة المحجبة، رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف .

من بنات عم الرسول- صلى الله عليه وسلم- ليس فى أزواجه من هى أقرب نسباً إليه منها , و لا فى نسائه من هى أكثر صداقاً منها , و لا من تزوج بها و هى نائية الدار أبعد منها

أبوها أبو سفيان، زعيم ورئيس قريش، والذي كان في بداية الدعوة العدو اللدود للرسول- عليه الصلاة والسلام- وأخوها معاوية بن أبي سفيان، أحد الخلفاء الأمويين، ولمكانة وجلالة منزلة أم حبيبة في دولة أخيها (في الشام)، قيل لمعاوية: "خال المؤمنين"

زواجها من رسول الله صلى الله عليه و سلم

أسلمت ام حبيبة مع زوجها عبيد الله بن جحش فى مكة ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة مع امرأته أُم حَبيبَة بنت أبي سفيان -رضي الله عنها- فلما قدِمها تنصَّر وفارق الإسلام حتى مات هنالك نصرانياً.

رُوي عن أُمّ حبيبةَ قالت: رأيت في المنام كأن عُبيد الله بن جحش بأسوأ صورة وأشوهه، ففَزِعت فقلت: تغيَّرت والله حاله؛

فإذا هو يقول حين أصبح: يا أُمَّ حبيبة! إني نظرت في الدّين فلم أرَ ديناً خيراً من النصرانية وكنت قد دِنْتُ بها ثم دخلت في دين محمّد ثم رجعت إلى النصرانية،

فقلتُ: والله ما خير لك، وأخبرتُه بالرؤيا التي رأيت له، فلم يَحْفل بها وأكبّ على الخمر حتى مات.‏

ثم رأت في منامها أن هناك منادياً يناديها بأم المؤمنين، فأولت أم حبيبة بأن الرسول سوف يتزوجها

تروى أم حبيبة تقول: ما شعرت وأنا بأرض الحبشة إلا برسول النجاشي، جارية يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثيابه ووهنه، فاستأذنت علي، فأذنت لها

فقالت: إن الملك يقول لك: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوجكه.
فقلت: بشرك الله بالخير.
وقالت: يقول لك الملك وكلي من يزوجك.
قالت: فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته، وأعطيت أبرهة سوارين من فضة، وخذمتين من فضة كانتا علي، وخواتيم من فضة في كل أصابع رجلي سروراً بما بشرتني به،

فلما أن كان من العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب، ومن كان هناك من المسلمين أن يحضروا.

وخطب النجاشي وقال: الحمد لله الملك القدوس المؤمن العزيز الجبار، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم، أما بعد:

فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أصدقها أربعمائة دينار، ثم سكب الدنانير بين يدي القوم.

فتكلم خالد بن سعيد فقال: الحمد لله أحمده وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أما بعد:

فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فبارك الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفع النجاشي الدنانير إلى خالد بن سعيد فقبضها،
ثم أرادوا أن يقوموا فقال: اجلسوا فإن من سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج، فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا.

فكان هذا الزواج الكريم نقطة تحوّلٍ في حياة زعيم الشرك والوثنية في قريش أبي سفيان، ولما بلغه خبرُ الزواج وأن رسول الله قد غدا صهره لم يتمالك نفسه أن قال: (هو الفحل لا يجدع أنفه)، وذلك على عادته في الفخر والتعالي.

مواقف أم حبيبة

حينما نقض المشركون في مكة صلح الحديبية، خافوا من انتقام الرسول- صلى الله عليه وسلم-، فأرسلوا أبا سفيان إلى المدينة لعله ينجح في إقناع الرسول بتجديد الصلح ، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان ؛ فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه

فقال : يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عنى؟

قالت : بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس ، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال : والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر .
و هذا يبين مدى تمسكها بدينها و أن رابطة الدين عندها أقوى من رابطة الدم حتى و لو كان أباها

و نروى عنها موقف آخر

عن عوف بن الحارث، قال: سمعت عائشة تقول: دعتني أم حبيبة عند موتها، فقالت: قد يكون بيننا ما يكون بين الضرائر.

فقلت: يغفر الله لي ولك ما كان من ذلك كله، وتجاوزت وحاللتك.

فقالت: سررتيني سرك الله وأرسلت إلى أم سلمة، فقالت لها مثل ذلك.‏

وهكذا تربية بيت النبوة كل منهما حللت الأخرى وقد مدح الله العافين عن الناس اللهم وفقنا لنكون من العافين عن الناس وعافنا اللهم واعف عنا واغفر لنا وارحمنا
اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن العظيم اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، له الحمد في الأولى والآخرة ، يحيي ويميت ، وله اختلاف الليل والنهار وهو يتولى الصالحين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة بها نحيا وبها نموت وعليها نبعث يوم الدين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الناصح الأمين ، وقائد الغر المحجلين ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة حتى أتاه اليقين . فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

روايتها للحديث

روت أم حبيبة- رضي الله عنها- عدة أحاديث عن الرسول- صلى الله عليه وسلم-. بلغ مجموعها خمسة وستين حديثاً، وقد اتفق لها البخاري ومسلم على حديثين. فلأم حبيبة- رضي الله عنها- حديث مشهور في تحريم الربيبة وأخت المرأة،"

‏فعن ‏ ‏زينب بنت أم سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏أم حبيبة بنت أبي سفيان ‏ ‏قالت ‏ ‏دخل علي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقلت له هل لك في ‏ ‏أختي ‏ ‏بنت ‏ ‏أبي سفيان ‏ ‏فقال أفعل ماذا قلت تنكحها قال ‏ ‏أو تحبين ذلك قلت لست لك ‏ ‏بمخلية ‏ ‏وأحب من شركني في الخير أختي قال فإنها لا تحل لي قلت فإني أخبرت أنك تخطب ‏ ‏درة بنت أبي سلمة ‏ ‏قال بنت ‏ ‏أم سلمة ‏ ‏قلت نعم قال ‏ ‏لو أنها لم تكن ‏ ‏ربيبتي ‏ ‏في ‏ ‏حجري ‏ ‏ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأباها ‏ ‏ثويبة ‏ ‏فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن"

وفاتها توفيت- رضي الله عنها- سنة 44 بعد الهجرة، ودفنت في البقيع


صلوا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه

المناضل السليماني 31-07-2009 10:19 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
الحمد لله تقدَّست ذاتُه، وعلَت أسماؤه وصفاته، سبحانه وبحمده، تمّت صدقًا وعدلاً كلماته، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، لا تحصَى نعماؤه، ولا تحصَر مكرماته. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أسلمَت له طوعًا وكرها مخلوقاته، وأشهد أن سيدنا ونبيّنا محمداً عبد الله ورسوله، مصطفاه وخليله، وأمينه على وحيِه، خصّه بخصائصَ علت بها منزلته، وأيّده بدلائل علا بها مقامه، وبهرت معجزاته، [صلى الله وسلم وبارك عليه] وعلى آله وأصحابه، وردت نعوتهم في التوراة والإنجيل كما وردت نعوت المصطفى وصفاته، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم اما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل وطاعته
يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون
حديثنا في هذه الجمعة المباركة عن ام المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها

أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أمية المخزومية
السيدَة، المحَجبَة، الطاهِرَة، هند بِنت أَبِي أميةَ بنِ المغِيرة بنِ عبد الله بنِ عمر بنِ مَخزوم بنِ يَقَظَةَ بنِ مرة المخزومِية،
وكان جدها المغيرة يقال له : زاد الركب ، وذلك لجوده ، حيث كان لا يدع أحدا يسافر معه حامل زاده، بل كان هو الذي يكفيهم
بِنت عم خالِدِ بنِ الوليد سيف اللهِ؛ وبِنت عم أَبِي جهل بنِ هِشَامٍ.
من المهاجرات الأولِ.
كانت قبل النبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند أخيه من الرضاعة؛ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الأَسَدِ المخزومى، الرجلِ الصالح.

و كانت من أجمل النساء و أشرفهن نسباً، و كانت آخر من مات من أمهات المؤمنين
زواجها برسول الله صلى الله عليه وسلم
وكانت أم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية متزوجة بأبي سلمة - وهو عبد الله بن عبد الأسد المخزومي - فولدت له أربعة أولاد، وقد جرح في معركة " أُحد " فداوى جرحه شهراً حتى برئ، ثم خرج في سرية " قطن " فغنم نعماً ومغنماً جيداً وبعد إقامته بقليل انتقض عليه جرحه فمات -رضي الله عنه- وهو صاحب النبيّ -صلّى الله عليه وسلَّم- وأخوه من الرضاعة، وهو أول من هاجر إلى الحبشة، ولما انقضت عدتها في شهر شوال عام /4 هـ/، فأرسل لها يخطبها
عَنْ زِيَادِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ:
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لأَبِي سَلَمَةَ: بَلَغَنِي أَنهُ لَيْسَ امْرَأَةٌ يَمُوْتُ زَوْجُهَا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، ثم لَمْ تَزَوَّجْ، إِلاَّ جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمَا فِي الجَنَّةِ، فَتَعَالَ أُعَاهِدْكَ أَلاَّ تَزَوَّجَ بَعْدِي، ولاَ أَتَزَوَّجُ بَعْدَكِ.
قَالَ: أَتُطِيْعِيْنَنِي؟
قَالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ: إِذَا مِتُّ تَزَوَّجِي، اللَّهُمَّ ارْزُقْ أُمَّ سَلَمَةَ بَعْدِي رَجُلاً خَيْراً مِنِّي، لاَ يُحْزِنُهَا وَلاَ يُؤْذِيْهَا.
فَلَمَّا مَاتَ, قلت: مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟
فَمَا لَبِثت، وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ عَلَى البَابِ فَذَكَرَ الخِطْبَةَ إِلَى ابْنِ أَخِيْهَا، أَوِ ابْنِهَا.
فَقَالَتْ: أَرُد عَلَى رَسُوْلِ اللهِ، أَوْ أَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ بِعِيَالِي.
ثم جَاءَ الغَدُ، فَخَطَبَ.
عن ابْنُ عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَن أم سَلَمَةَ لما انقضت عِدَّتُهَا، خَطَبَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَرَدته، ثم عُمَرُ، فَرَدته.
فَبَعَثَ إِلَيْهَا رَسُوْلُ اللهِ، فَقَالَتْ: مَرْحَباً، أَخبر رسول اللهِ أَنِّي غَيْرَى، وَأَنِّي مُصْبِيَةٌ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي شَاهِداً.
فَبَعَثَ إِلَيْهَا: (أَمَّا قَوْلُكِ: إِنِّي مُصْبِيَةٌ؛ فَإِنَّ اللهَ سَيَكْفِيْكِ صِبْيَانَكِ، وَأَمَّا قَوْلُكِ: إِنِّي غَيْرَى، فَسَأَدْعُو اللهَ أَنْ يُذْهِبَ غَيْرَتَكِ، وَأَمَّا الأَوْلِيَاءُ؛ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُم إِلاَّ سَيَرْضَى بِي).
قَالَتْ: يَا عُمَرُ، قُمْ، فَزَوِّجْ رَسُوْلَ اللهِ.
عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ:
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: أَتَانِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَلَّمَنِي، وَبَيْنَنَا حِجَابٌ، فَخَطَبَنِي.
فَقُلْتُ: وَمَا تريدُ إِلَيَّ؟ مَا أَقول هذا إِلاَّ رَغبَةً لَكَ عَنْ نَفسِي؛ إِنِّي امْرَأَةٌ قَدْ أَدْبَرَ مِنْ سِنِّي، وَإِنِّي أُمُّ أَيْتَامٍ، وأنا شديدة الغيرة، وأنت يا رسول اللهِ تَجمَعُ النِّسَاءَ.
قَالَ: (أَمَّا الغيرة فَيُذْهِبُهَا اللهُ، و أما السن فأنا أكبر منك، وأما أيتامك فعلَى اللهِ وَعَلَى رَسُوْلِهِ).
فَأَذِنْتُ، فَتَزَوَّجَنِي.
وكانت تشكو لرسول الله صلى الله عليه و سلم قبل زواجها منه عن فقدها لزوجها، فكان يقول لها: (قولي اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها)،
وقالت: ثم إني رجعت إلى نفسي فقلت: من أين لي خير من أبي سلمة؟ فلما تزوجت برسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- قلت: فقد أبدلني الله خيراً منه رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم -رضي الله عنها-.‏
ولما بنى رسول الله صلى الله عليه و سلم بأم سلمة، قَالَ: (لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، إِنْ شِئتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ -يَعْنِي: نِسَاءهُ- وَإِنْ شِئتِ ثَلاَثاً، وَدُرْتُ؟).
قَالَتْ: ثَلاَثاً.
عن عائشة، قالت:
لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّ سَلَمَةَ، حَزِنْتُ حُزْناً شَدِيْداً؛ لِمَا ذَكَرُوا لَنَا مِنْ جَمَالِهَا، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى رَأَيْتُهَا، فَرَأَيْتُهَا -وَاللهِ- أَضْعَافَ مَا وُصِفَتْ لِي فِي الحُسْنِ؛ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ - وَكَانَتَا يَداً وَاحِدَةً -.
فَقَالَتْ: لاَ وَاللهِ، إِنْ هَذِهِ إِلاَّ الغَيْرَةُ، مَا هِيَ كَمَا تَقُوْلِيْنَ، وَإِنَّهَا لَجَمِيْلَةٌ، فَرَأَيْتُهَا بَعْدُ، فَكَانَتْ كَمَا قَالَتْ حَفْصَةُ، وَلَكِنِّي كُنْتُ غَيْرَى.

مواقفها

كان لأم سلمه رأي صائب أشارت به على النبى يوم الحديبية، وذلك أن النبي - عليه الصلاة والسلام- لما صالح أهل مكة وكتب كتاب الصلح بينه و بينهم وفرغ من قضية الكتاب قال لأصحابه: قوموا فانحروا ثم حلقوا . فلم يقم منهم رجل بعد أن قال ذلك ثلاث مرات . فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس. فقالت له أم سلمة : يا نبي الله أتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك . فقام - عليه الصلاة و السلام - فخرج فلم يكلم أحدا منهم كلمة فنحر بدنته ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا .[ كناية عن سرعة المبادرة في الفعل ].
رضي الله عن ام المؤمنين ام سلمه اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أرسل رسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما مزيدا.

اما بعد فكان لهذه الصحابية دورها فى رواية الحديث

روت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها الكثير الطيب، إذ تعد ثاني راوية للحديث بعد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، إذ لها جملة أحاديث قدرت حسب كتاب بقي بن مخلد ثلاثمائة وثمانية وسبعين حديثًا (378). اتفق لها البخاري ومسلم على ثلاثة عشر حديثًا، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بثلاثة عشر. ومجموع مروياتها حسب ما ورد في تحفة الأشراف مائة وثمانية وخمسون حديثًا (158).

وفاتها

"كانت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، آخر من مات من أمهات المؤمنين، عمرت حتى بلغها مقتل الحسين، فوجمت لذلك و غشى عليها و حزنت عليه كثيرا و لم تلبث بعده إلا يسيرًا، وانتقلت إلى الله تعالى سنة (62هـ)، وكانت قد عاشت نحوًا من تسعين سنة "
رضي الله عنها وارضاها
عباد الله صلوا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه

المناضل السليماني 01-08-2009 09:18 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
• أم المؤمنين ـ زينب بنت جحش
الحمد لله تقدَّست ذاتُه، وعلَت أسماؤه وصفاته، سبحانه وبحمده، تمّت صدقًا وعدلاً كلماته، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، لا تحصَى نعماؤه، ولا تحصَر مكرماته. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أسلمَت له طوعًا وكرها مخلوقاته، وأشهد أن سيدنا ونبيّنا محمداً عبد الله ورسوله، مصطفاه وخليله، وأمينه على وحيِه، خصّه بخصائصَ علت بها منزلته، وأيّده بدلائل علا بها مقامه، وبهرت معجزاته، [صلى الله وسلم وبارك عليه] وعلى آله وأصحابه، وردت نعوتهم في التوراة والإنجيل كما وردت نعوت المصطفى وصفاته، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم اما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل وطاعته
يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون
حديثنا في هذه الجمعة المباركة عن ام المؤمني زينب بنت جحش
نسبها
زينب بنت جحش بن رباب، أم المؤمنين
أبنة عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم
أمها : أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم و خالها هو حمزة بن عبد المطلب و خالتها صفية بنت عبد المطلب
وكانت قديمة في الإسلام و من المهاجرات الأوائل
زواجها من الرسول صلى الله عليه و سلم
كان زيد بن حارثة مولى خديجة وهبته لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل البعثة وهو ابن ثماني سنوات فأعتقه وتبناه. وكانوا يدعونه زيد ابن محمد. وقد زوجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنت عمته "زينب بنت جحش" إلا أنه كان يشكوها لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأنها تؤذيه وتتكبر عليه بسبب النسب وعدم الكفاءة، فكان يقول له "أمسك عليك زوجك": أي لا تطلقها. لكنه لم يطق معاشرتها وطلقها
وبعد أن انقضت عدتها تزوجها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لإبطال عادة التبني
وذلك أن اللّه أراد نسخ تحريم زوجة المتبني. قال تعالى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أبضا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} وقال {ادْعُوهثمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أقسَطُ عِنْدَ اللّه}
فكان يدعى بعد ذلك زيد بن حارثة.
وقال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وِطَراً زِوَّجْنَاكَهَا لِكَىْ لاَ يَكُونَ عَلى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ في أزْوَاجِ أَدْعِيائِهِمْ إذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أمْرُ اللّه مَفْعُولاً}.
وقد كان اللّه أوحى إلى رسوله أن زيداً سيطلق زوجته ويتزوجها بعده إلا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بالغ في الكتمان وقال لزيد "اتق الله وأمسك عليك زوجك" فعاتبه اللّه على ذلك حيث قال {وَإذْ تَقُولُ لِلَّذِى أنْعضمَ اللّه عَلَيْهِ وَأنْعَمْتَ عَلَيْهِ أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللّه وَتُخْفِي فِي نَفْسِكْ مَا اللّه مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللّه أحَقُّ أنْ تَخْشَاهُ}
و قد نزلت فيها آية الحجاب
عن أنس قال: لما انقضت عدة زينب قال النبي صلى الله عليه وسلم لزيد: ((اذهب فاذكرها علي)).
فانطلق حتى أتاها، وهي تخمر عجينها قال: فلما رأيتها عظمت في صدري، حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها، فوليتها ظهري، ونكصت على عقبي، وقلت: يا زينب أبشري أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكرك،
قالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أؤامر ربي عز وجل.
ثم قامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن.
قال أنس: ولقد رأيتنا حين دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا عليها الخبز واللحم، فخرج الناس وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة، فقال: ((السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته))
قالت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، كيف وجدت أهلك بارك الله لك؟ فتقرَّى حجر نسائه كلهن، ويقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة.
ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا رهط ثلاثة في البيت يتحدثون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء، فخرج منطلقاً نحو حجرة عائشة، فما أدري أخبرته أم أخبر أن القوم خرجوا، فخرج حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب، وأخرى خارجه أرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً}

زينب فى بيت النبوة
هي الزوجة التي زوجه الله بها وكانت تفتخر بذلك على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
فتقول: زوجكن أهلوكن وزوجني الله من السماء.
عن الشعبي قال: كانت زينب تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهم: إن جدي وجدك واحد - تعني عبد المطلب - فإنه أبو أبي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو أمها أميمة بنت عبد المطلب، وإني أنكحنيك الله عز وجل من السماء، وإن السفير جبريل عليه السلام.
وهي التي كانت تسمى عائشة بنت الصديق في الجمال والحظوة، وكانت دينة ورعة عابدة كثيرة الصدقة و كانت تسمى أم المساكين
قالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت امرأة قط خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم أمانة وصدقة.
وثبت في الصحيحين في حديث الإفك، عن عائشة أنها قالت: وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عني زينب بنت جحش، وهي التي كانت تساميني من نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله بالورع، فقالت: يا رسول الله احمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيراً.
عن عُبَيْدَ بنَ عُمَيْرٍ يَقُوْلُ:
سَمِعتُ عَائِشَةَ تَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلاً.
فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا، فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيْحَ مَغَافِيْرَ! أَكَلْتَ مَغَافِيْرَ!
فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ.
قَالَ: (بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ، وَلَنْ أَعُوْدَ لَهُ).
فَنَزَلَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ...} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنْ تَتُوْبَا} -يَعْنِي: حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ-.
{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ} قَوْلَهَ: بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً.

عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أسرعكن لحوقاً بي أطولكن يداً)).
قالت: فكنا نتطاول أينا أطول يداً، قالت: فكانت زينب أطولنا يداً، لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعُمَرَ: (إِنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أَوَّاهَةٌ).
قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَا الأَوَّاهَةُ؟
قَالَ: (الخَاشِعَةُ، المُتَضَرِّعَةُ)؛ وَ{إِنَّ إِبْرَاهِيْمَ لَحَلِيْمٌ أَوَّاهٌ مُنِيْبٌ

روى أنه لما خرج العطاء أرسل عمر إلى زينب بنت جحش - زوجة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - بالذي يخصها فلما دخل عليها قالت: غفر اللّه لعمر. غيري من أخواتي كان أقوى على قسم هذا مني. فقالوا: هذا كله لك. قالت: سبحان اللّه واستترت منه بثوب. قالت: صبوه واطرحوا عليه ثوباً، ثم قالت لبرزة بنت رافع: أدخلي يدك فاقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى بني فلان من أهل رحمها وأيتامها فقسمته حتى بقيت بقية تحت الثوب، فقالت لها برزة: غفر اللّه لك يا أم المؤمنين واللّه لقد كان لنا في هذا حق. فقالت: فلكم ما تحت الثوب. قلت: فكشفنا الثوب فوجدنا خمسة وثمانين درهماً، ثم رفعت يدها إلى السماء فقالت: "اللَّهمَّ لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا" فماتت.
اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه
الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أرسل رسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما مزيدا.

اما بعد فكان لهذه الصحابية دورها فى رواية الحديث
روايتها للحديث
رويت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أحد عشر حديثا
ومما أخرجه البخاري " عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن زينب بنت جحش أن رسول الله e دخل عليها يوما فزعا يقول :" لا إله إلا الله ، ويل للعرب ، من شرق اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه – وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها – قالت زينب بنت جحش : فقلت: يا رسول الله أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: " نعم إذا كثر الخبث."

وفاتها
عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ القَاسِمِ:
قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ حِيْنَ حَضَرَتْهَا الوَفَاةُ: إِنِّي قَدْ أَعْدَدْتُ كَفَنِي؛ فَإِنْ بَعَثَ لِي عُمَرُ بِكَفَنٍ، فَتَصَدَّقُوا بِأَحَدِهِمَا؛ وَإِنِ اسْتَطَعْتُم إِذْ أَدْلَيْتُمُوْنِي أَنْ تَصَدَّقُوا بِحَقْوَتِي، فَافْعَلُوْا
كانت أوَّل أزواج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وفاة. : توفيت سنة عشرين، وصلَّى عليها عمر بن الخطَّاب وهي أول من صنع لها النعش ودفنت بالبقيع. رضي الله عنها وارضاها
عباد الله صلوا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه

عايض الفهري ابوبندر 16-08-2009 06:45 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
لاهنت على المواضيع الرائعه جزاك الله خير




تحياتي

المناضل السليماني 16-08-2009 10:55 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
جزاك الله خيرا اخي عائض وبارك فيك________________________________________
هذه الخطبة عن رمضان والفرح به وفرصةالتغيير
الحمد له حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والشكر له على ما أولى من نعم سابغة وأسدى، نحمده سبحانه وهو الولي الحميد، ونتوب إليه جل شأنه، وهو التواب الرشيد . ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نستجلب بها نعمه، ونستدفع به نقمه، وندخرها عدة لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله نجوم المهتدين، ورجوم المعتدين، ورضي الله عن صحابته الأبرار الذين قاموا بحق صحبته، وحق شريعته، وتبليغ دينه إلى سائر أمته، وكانوا خير أمة أخرجت للناس. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اهلا وسهلا بالصيام ياحبيبــــــــــــــا زارنا في كل عام
لقد لقيناك بحب مفعم وكل حب في سوى المولى حرام

فكلما أقبل هذا الشهر الكريم المبارك المعظم تطلعت النفوس المؤمنة إلى لقائه، واستبشرت بمقدمه، وفرحت بقربه فرح الأبوين بمولودهما. كيف لا نفرح وهو شهر الخيرات شهر القرآن شهر الغفران شهر تفتح فيه ابواب الجنان وتغلق فيه ابواب النيران وتصفد فيه مردة الشياطين كيف لا نفرح بشهر لله فيه عتقاء من النار في كل ليلة فيه ليلة قيامها اعظم من صيام وقيام وصلاة وعمرة وحج في أكثر من ثلاث وثمانين سنة
إن هذا الشهر نعمة إلهية عظيمة، ليس في الأجور الكثيرة التي أودعها الله فيه، ولا في العتق من النيران فحسب، بل لما اشتمل عليه من دروس عظيمة لا يقدرها حق قدرها إلا من عرف حكمة الصوم وفائدته، وآثاره على القلب والنفس والبدن، والمجتمع كله.

لقد أضاف الله الصيام إليه ثلاث إضافات:
الإضافة الأولى: ((كل عمل ابن آدم له؛ الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)) متفق عليه.
الإضافة الثانية: ((لكل عمل كفارة، والصوم لي وأنا أجزي به)) رواه البخاري عن أبي هريرة.

الإضافة الثالثة: ((كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي))
متفق عليه.
ففي الأولى فائدة الإضافة أن تضعيف الأجر في الصيام لا ينحصر في عدد، بل يضاعفه الله أضعافًا كثيرة بغير حصر عدد.
وفي الثانية فائدة الإضافة أن الصيام يكفر عن العبد المظالم التي عجزت سائر أعماله عن تكفيرها، وذلك أنه إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمل الله عز وجل ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة 0 روى هذا المعنى عن سفيان بن عيينة البيهقي في السنن الكبرى وشعب الإيمان.
وفي الثالثة فائدة الإضافة أن سائر الأعمال للعباد، والصيام اختصه الله تعالى لنفسه من بين أعمال عباده، وجعله له.
وهذه الإضافة هي أوسع هذه الإضافات وأشملها؛ إذ الاستثناء فيها لم يتقدمه شيء خاص؛ إذ الأولى فيها تضعيف الأجر بغير عدد، وفي الثانية التكفير بالصوم، وأما الثالثة فليس فيها إلا أن أعمال العباد لهم بدون تخصيص هذه الإضافة بشيء، إلا الصوم فإنه لله.

فما ظنك بعمل أضافه الله إلى نفسه؟! إن فيه من الفوائد والبركات ما لا يمكن حصرها ولا عدها ولا إحصاؤها، كما أن أجره والتكفير به لا يمكن حصره ولا عده.
إن في الصوم تركَ شهوةٍ حاضرةٍ لموعِدِ غَيبٍ لم نره، لا نعلم عنه إلا أنَّا وُعِدْنا به، وفي هذا تصفية للقلب من التعلق بالدنيا وحظوظها، والتطلع إلى ذلك الغيب، الذي هو أفق واسع لا يُحد، وبهذا تتهاوى جميع لذائذ الدنيا تحت قدمي العبد الصادق الصابر؛ لما يرى من ذلك الأفق الفسيح، الذي لا يحول بينه وبين بلوغه إلا خروج هذه الروح من هذا الجسد الذي حلت فيه ابتلاء واختبارًا. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة
وكان جوده شاملاً لجميع أنواع الجود ، من بذل المال ،
وبذل النفس لله تعالى في إظهار دينه وهداية عباده ..
وهذا مالك بن أنس إذا دخل رمضان يفر من الحديث ومجالسه أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف ...
الله أكبر يفر من مجالس العلم فهل نفر من فضول المباحات ؟! فهل سنفر من القنوات ومن المسلسلات ومن المباريات والدوزري الرمضاني وهذا نوع من تمييع رمضان
وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن .
وكان سعيد بن جبير يختم القرآن في كل ليلتين .
وقال إبراهيم بن أبي أيوب: كان محمد بن عمرو الغزي يأكل في شهر رمضان أكلتين
ولذلك كان سلفنا الصالح يقدرون شهر رمضان قدره

إن النفس الإنسانية مجبولة في الدنيا على حب الشهوات والتطلع إليها، وهذه الشهوات إنما وضعت في النفس لأن الحياة لا تقوم إلا بها، فالبدن لا قوام له إلا بالأكل والشرب، والمجتمع لا يمكن استمرار بقائه إلا بشهوة النكاح والجماع، فامتناع العبد عن هذه الشهوات التي بها قوام حياته طاعةً لله معناه أنه قادر على ترك الشهوات التي بها فساد بدنه وهلاك دنياه طاعة لله تعالى.

ولهذا لما سئل ذو النون المصري: متى أحب ربي؟ قال: إذا كان ما يكرهه أمرَّ عندك من الصَّبِر ذكره ابن رجب في لطائف المعارف.
فإذا كان الواحد منا يكره الفطر في رمضان، ولو أُكره عليه بالضرب والحبس ما فعل، إلا أن يضطر إلى ذلك اضطرارًا، فكيف نقع بعد ذلك فيما نهى عنه دائمًا؟!! وهو سبب فساد ديننا ودنيانا؛ من هضم حق الفقير والمسكين، والغيبة، والنميمة، والكذب، والغش، والخداع، والخيانة، والتباغض، والتحاسد، والتدابر، والهجر المذموم، والفواحش، والمشارب المحرمة، وغير ذلك من المعاصي التي ابتليت بها الأمة!!
إن رمضان شهر مدارسة القرآن وفهمه، والتعلق به علمًا وعملا، تلاوة وتدبرًا، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدارسه جبريل القرآن في رمضان، ويعرضه كله فيه، ولهذا ينفتح للعباد من أسرار القرآن في شهر رمضان شيء كثير.
إن النفوس تقوى في رمضان على العمل ما لا تقوى في غيره، ويحصل لها من النشاط والإقبال على الخير شيء عجيب.
هذا غيض من فيض رمضان، ولهذا تفرح النفوس الصادقة المؤمنة بمقدمه؛ لما يحصل لها فيه من المواعظ والدروس والفوائد والبركات والخيرات والنشاط، ومن بغض المعاصي والمنكرات كبغضها للفطر في نهار رمضان.
اللهم وفقنا لصيام رمضان وأعنا على صيامه وقيامه، ووفقنا للتزود من معين بركاته وخيراته. اللهم آمين اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه

الخطبة الثانية

الحمد لله المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً، والمتفرد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً، المتعالي بعظمته ومجده، {تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
عباد الله ان هذه النعمة العظيمة وهي ان امدالله في اعمارنا الى ان بلغنا هذا الشهر العظيم
يجب علينا ان نشكره ومن الشكر هو شكر العمل وقليل من عباد الله الشكور كما قال سبحانه اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور
ومن الشكر لله تعالى ان نغير في هذا الشهر الكريم نغير
نغير السيجارة بالسواك نغير المجلة الهابطة بالقرآن نغير تضييع الاوقات امام القنوات الخبيثة التي انتجت شباب تعلموا منها انواع الجرائم التي لم نكن نعرفها ولا نسمع بها في مجتمعنا الطاهر الطيب المبارك
غير التأخر عن الصلوات للمسابقة الى الصف الأول غير الأغاني الى التسبيح والتهليل والحمد والتكبير
غير مجالس الغيبة والنميمة الى مجالس الخير والعلم
غير عباءة الأم والأخت والزوجة التي تفتن الى عباءة اسلامية ساترة
بالجملة ادعوك الى التوبة من جميع المعاصي والتوجه الى القرب من الله والإقبال عليه
عباد الله صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه
الدعــــــــــــــاء

المناضل السليماني 21-08-2009 07:16 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
اقبلوا يا مريدين الخير

الخطبة الأولى

الحمد له حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والشكر له على ما أولى من نعم سابغة وأسدى، نحمده سبحانه وهو الولي الحميد، ونتوب إليه جل شأنه، وهو التواب الرشيد . ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نستجلب بها نعمه، ونستدفع به نقمه، وندخرها عدة لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله نجوم المهتدين، ورجوم المعتدين، ورضي الله عن صحابته الأبرار الذين قاموا بحق صحبته، وحق شريعته، وتبليغ دينه إلى سائر أمته، وكانوا خير أمة أخرجت للناس. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، فالتقوى زادٌ لدار القرار، وعون على شكر نعم الباري الغزار.

أيها المسلمون، اختار الله من الأزمان مواسمَ للطاعات، واصطفى فيها أياماً ولياليَ وساعات، فضلاً منه وإحساناً، وكلَّما لاح هلالُ رمضان أعاد إلى المسلمين أيامَ دهرهم المباركات، وما يكون فيها من النفحات، شهرٌ ينطلق فيه الصائمون إلى آفاقِ النقاء، ويمسحون فيه عن جبينهم وعثاءَ الحياة، يستقبله المسلمون وله في نفوس الصالحين منهم بهجة، وفي قلوب المتقين فرحة، فرُبَّ ساعة قبولٍ فيه أدركت عبداً فبلغ بها درجاتِ الرضا والرضوان.

الصيام سرّ بين الخالق والمخلوق، يُفعَل خالصاً، ويتلذَّذ العبد جائعاً، ويتضوّر خالياً، ((كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به] أخرجه البخاري في اللباس (5927)، ومسلم في الصيام (1151) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. يحقِّق العبد فيه درس الإخلاص لينطلق به إلى سائر العبادات بعيداً عن الرياء.

الصيام يُصلح النفوسَ، ويدفع إلى اكتساب المحامد والبعد عن المفاسد، به تُغفر الذنوب وتكفَّر السيئات وتزداد الحسنات، يقول المصطفى : ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه.

شهر الطاعة والقربى والبر والإحسان، والمغفرة والرحمة والرضوان، يقول عليه الصلاة والسلام: ((إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسُلسِلت الشياطين)) متفق عليه0

لياليه مباركة، فيه ليلةٌ مضاعفة، هي أمُّ الليالي، ليلة القدر والشرف، خيرٌمن ألف شهر، من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.

فيه صبرٌ على حمأة الظمأ ومرارة الجوع، ومجاهدة النفس في زجر الهوى، جزاؤهم بابٌ من أبواب الجنة لا يدخلهم غيرهم، فيه تذكيرٌ بحال الأكباد الجائعة من المساكين والمقتِرين، يستوي فيه المعدم والموسر، كلهم صائم لربه، مستغفر لذنبه، يمسكون عن الطعام في زمن واحد، ويفطرون في آن واحد، يتساوَون طيلةَ نهارهم بالجوع والظمأ، ليتحقَّق قولُ الله في الجميع: إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ [الأنبياء:92].

أيها المسلمون، ذِكر الناس داء، وذكرُ الله شفاء، والقرآن العظيم أساسُ الدين وآيةُ الرسالة وروحُ الحياة، نزل في سيّد الشهور، إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ [القدر:1]، ونزوله فيه إيماءٌ لهذه الأمة بالإكثار من تلاوته وتدبره، وكان جبريل عليه السلام ينزل من السماء، ويدارسُُ فيه نبيَّنا محمداً كاملَ القرآن، وفي العام الذي توفِّي فيه عرض عليه مرتين[4]، وكان بعض السلف يختم في رمضان في كل ثلاث ليالٍ، وبعضهم في سبعٍ، وبعضهم في عشر، وكان الإمام مالك رحمه الله إذا دخل رمضان أقبل على تلاوة القرآن وترك الحديث وأهله.

وإذا أحسنتَ القول فأحسن الفعل، ليجتمع معك مزية اللسان وثمرة الإحسان، ودائرة الجود تتَّسع لما تهفو القلوب المؤمنة من التطوع في الخير والتوسع في إسداء المعروف، والمال لا يذهب بالجود والصدقة، بل هو قرضٌ حسن مضمون عند الكريم، وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ [سبأ:39]، يضاعفه في الدنيا بركةً وسعادة، ويجازيه في الآخرة نعيماً مقيماً، يقول النبي : ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً)) متفق عليه.

فتحسَّس دورَ الفقراء والمساكين، ومساكن الأرامل والأيتام، ففي ذلك تفريج كربة لك، ودفع بلاء عنك، وإشباع جائعٍ، وفرحةٌ لصغير، وإعفافٌ لأسرة، وإغناءٌ عن السؤال، ولقد كان رسول الله أكرمَ الناس وأجودَهم، إن أنفق أجزل، وإن منح أغدق، وإن أعطى أعطى عطاءَ من لا يخشى الفاقة، وكان يستقبل رمضان بفيض من الجود، ويكون أجودَ بالخير من الريح المرسلةأخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. فأكثِر من البذل والإنفاق في لياليه المعدودة، والمال لا يبقيه حِرصٌ وشحّ، ولا يذهبه بذلك وإنفاق.

وليالي رمضان تاج ليالي العام، ودجاها ثمينة بظلمائها، فيها تصفو الأوقات وتحلو المناجاة، يقول النبي : ((أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل أخرجه مسلم في الصيام من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.، و((من صلـى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلةأخرجه أحمد وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وقال الترمذي ، ومن لم يصبِّر نفسَه على طاعة ربه ويوطِّنها على محبَّته ابتُلي بتصبيرها على المعاصي وذلها، وإن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحدٌ فافعل، وفي كل ليلة يُفتح باب الإجابة من السماء، وخزائن الوهَّاب ملأى، فسل من جود الكريم، واطلب رحمةَ الرحيم، فهذا شهر العطايا والنفحات والمنن والهبات، وأعجزُ الناس من عجز عن الدعاء.

أيها المسلمون، الأيامُ صحائف الأعمار، والسعيد من يخلِّدها بأحسن الأعمال، ومن نقله الله من ذلِّ المعاصي إلى عزِّ الطاعة أغناه بلا مال، وآنسه بلا أنيس، وراحة النفس في قلة الآثام، ومن عرف ربَّه اشتغل به عن هوى نفسه، وفي هذا الشهر المبارك المنزَّلِ فيه القرآن العظيم المتعددةِ فيه طلب أنواع المغفرة من التوسّع في المعروف والبذل والدعاء وتفريج الكربات والإكثار من العبادات، إلا أنه لكلّ موسم خاصب، وبعض الناس أرخص لياليَه الغرر، أرهق فيها بصرَه مع الفضائيات، يعيش معها في أوهام، ويسرح فكره حولها في خيال، ويتطلَّع لها لعلّ له فيها سعادةَ السراب، فإذا انقضى شهر الصيام لا لما فيه جمع، ولا للآخرة ارتفع، ربِح الناسُ وهو الخاسر.

والنساء حبائلُ الشيطان، وهنَّ أكثر حطب جهنم، ولنجاة نفسِها من الحميم واجبٌ عليها مضاعفة الأعمال الصالحة، مما ينجِّيها من النيران، فليتقين الله في حرمة هذا الشهر المبارك، ولا تخرج من بيتها إلا لضرورة، وصلاةُ التراويح في بيتها أفضل من أدائها في الحرمين، يقول عليه الصلاة والسلام: ((وصلاتها في دارها خير من صلاتها في مسجدهارواه الإمام احمدوابوداود والبيهقي، وإذا خرجت لحاجة فحرامٌ عليها الخروج متبرِّجة أو متنقِّبة، وعليها بالستر والحياء، ومراقبة ربها في غيبة وليها وشهوده، والصالحة منهن موعودة برضا ربِّ العالمين عنها، وتمسكُها بدينها واعتزازها بحجابها وسترِها يعلي شأنها، ويعزِّز مكانها، وهي فخر المجتمع، وتاج العفاف، وجوهرة الحياة، وقدوة النساء.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:182].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية


الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً مزيداً.

أما بعد: أيها المسلمون، دواءُ القلب في خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر، وخلوُّ البطن، وقيام الليل، والتضرّع عند السحر، ومجالسة الصالحين.

وليكن لك ـ أيها المسلم ـ في شهر الصوم عملٌ وتهجُّد وقرآن، واغتنم عمرةً في رمضان فإنها تعدل حجة، ولقد كان من هديه عليه الصلاة والسلام الاعتكاف في رمضان، وهو لزوم مسجدٍ طاعةً لله عز وجل، وابتعِد عن خوارق الصوم ومفسداته، وإياك أن تقع في أعراض المسلمين، واحفظ لسانك وسمعك وبصرك عمَّا حرم الله، يقول الإمام أحمد رحمه الله: "ينبغي للصائم أن يتعاهد صومَه من لسانه، ولا يماري في كلامه، كانوا إذا صاموا قعدوا في المساجد وقالوا: نحفظ صومنا ولا نغتاب أحداً". ومن بُلي بجاهل فلا يقابله بمثل سوأته، يقول عليه الصلاة والسلام: ((الصيام جُنةٌ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسخب، فإن سابَّه أحدٌ أو شاتمه فيلقل: إني صائم)) رواه البخاري. واجعل شهرَ صومك جهاداً متواصلاً ضدَّ شهوات النفس، وانقطاعاً إلى الله بالعبادة والطاعة، ومدارسةً لآيات التنزيل، وقياماً مخلصاً بالليل، فهو موسم التوبة والإنابة، فباب التوبة مفتوح، وعطاء ربك ممنوح، فمتى يتوب من أسرف في الخطايا وأكثرَ من المعاصي إن لم يتب في شهر رمضان؟! ومتى يعود إن لم يعد في شهر الرحمة والغفران؟! فبادر بالعودة إلى الله، واطرق بابَه، وأكثر من استغفاره، واغتنموا زمنَ الأرباح، فأيام المواسم معدودة، وأوقات الفضائل مشهودة، وفي رمضان كنوز غالية، فلا تضيِّعوها باللهو واللعب وما لا فائدة فيه، فإنكم لا تدرون متى ترجعون إلى الله، وهل تدركون رمضان الآخر أو لا تدركونه؟ وإن اللبيب العاقل من نظر في حاله، وفكَّر في عيوبه، وأصلح نفسه قبل أن يفجأه الموت، فينقطع عمله، وينتقل إلى دار البرزخ ثم إلى دار الحساب.

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين

المناضل السليماني 24-08-2009 07:25 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
لعلكم تتقون
الخطبة الأولى

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والشكر له على ما أولى من نعم سابغة وأسدى، نحمده سبحانه وهو الولي الحميد، ونتوب إليه جل شأنه، وهو التواب الرشيد . ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نستجلب بها نعمه، ونستدفع به نقمه، وندخرها عدة لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله نجوم المهتدين، ورجوم المعتدين، ورضي الله عن صحابته الأبرار الذين قاموا بحق صحبته، وحق شريعته، وتبليغ دينه إلى سائر أمته، وكانوا خير أمة أخرجت للناس. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، فالتقوى زادٌ لدار القرار، وعون على شكر نعم الباري الغزار.

أما بعد: أيها المؤمنون، أدعوكم ونفسي لنتدبر قوله تعالى إذ يخبر عن الإنسان أنه يتعجب ويستبعد إعادته بعد موته: وَيَقُولُ ٱلإِنْسَـٰنُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً أَوَلاَ يَذْكُرُ الإِنْسَـٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً [مريم:66، 67]، فإذا خلقه ولم يك شيئا أوَلاَ يعيده وقد صار شيئا؟! فأين كنتَ يا عبد الله؟! ألم تكن من عدم؟! ألست إذًا ستبعث؟! فلم التكذيب بالأقوال؟! ولم التكذيب بالأعمال؟! فَوَرَبّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَـٰطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً [مريم:68]، ثم يقسم تعالى بنفسه الكريمة أنه لا بد أن يحشرهم جميعا وشياطينهم الذين كانوا يعبدون من دون الله: ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً أي: قعودا جاثين جثوَ الخزي والمهانة، وهي صورة رهيبة، وهذه الجموع التي لا يحصيها العدُّ محشورة محضرة إلى جهنم جاثية حولها، تشهد هولها، ويلفحها حرها، وتنتظر في كل لحظة أن تؤخذ فتلقى فيها، وهم جاثون على ركبهم في ذلة وخضوع وفزع، يليه بعد ذلك مشهد الفزع والجذب لمن كانوا أشدَّ عتوًّا وتجبّرًا، ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلّ شِيعَةٍ من كل أمة ومن أهل كل ديانة أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً [مريم:69]، أي: قادتهم في الشر، ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً [مريم:70]، فالله أعلم بمن يستحقّ من عباده أن يصلى نار جهنم ويخلد فيها، وبمن يستحق تضعيف العذاب، ثم يأتي الدور عليك يا عبد الله: وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً [مريم:71]، فأكد الأمر بالنفي والإثبات، وَإِن مّنكُمْ أي: ما منكم من أحد إلا سيرد النار، كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً، فما من عبد إلا وسيمر على الصراط، فمنهم من يمر كلمح البصر، وكالريح، ومنهم من يزحف، ومنهم من يُخطف فيلقى في النار، كل بحسب تقواه، ثُمَّ نُنَجّى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً [مريم:72]. نعم، إنها التقوى التي لا ينجو من النار إلا أهلها، ثُمَّ نُنَجّى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ، التقوى التي وُعد أهلها بالخلود في الجنة: تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً [مريم:63]، وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ [ق:31]، إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً حَدَائِقَ وَأَعْنَـٰباً [عم:31، 32]. التقوى التي وعد أهلها بالرزق الحلال وبالنجاة من الشدائد: وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3]. إنها التقوى التي من أجلها كتب الصيام قال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، فخاطب المؤمنين آمرا لهم بأن يكملوا إيمانهم ويشكروه على نعمة الإيمان، بهذا الصوم الذي كتبه على الذين من قبلهم، فلهم فيه أسوة حسنة، وليجتهد هؤلاء في أداء هذا الفرض أكملَ مما فعله أولئك كما قال تعالى: لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً وَلَـٰكِن لّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا ءاتَـٰكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ [المائدة:48].

واعلم ـ يا عبد الله ـ أن هذه التقوى التي تسعى حثيثا وراءها إنما يثمرها الصيام الشرعي، وليس الإمساك عن الحلال والإفطار على اللغو وأعراض المسلمين ولحومهم، قال : ((من لم يدع قول الزور ـ أي: الكذب ـ والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه))، فهو لا يقبل منه صيامه فكيف يثمر التقوى؟!! فهل صام من حرّم على نفسه الطعام الحلال وأحل لها لحوم إخوانه والله يقول: وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:14]؟! وهل صام من حرّم على نفسه زوجه الحلال ثم هو يفتح عينيه على نساء العالم مشرقا ومغربا وهو يقرأ قوله تعالى: قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ [النور:30].

فالصوم الذي يثمر التقوى ليس هو صوم العادة، ليس هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج فحسب، ليس هو الصوم الموروث أبًا عن جد من غير أن يكون له حقيقة، إنما هو الصوم لله قال تعالى في الحديث القدسي: ((الصيام لي، وأنا أجزي به))، وتمام الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((الصيام جنة)) أي: وقاية وستر من النار، لأنه يقي من الشهوات وإنما حفت النار بالشهوات، ولا ينجو منها إلا الأتقياء، ((من صام يوما في سبيل الله باعد الله النار عن وجهه سبعين خريفا))، ((فلا يرفث)) أي: لا يتكلم الكلام الفاحش، ((ولا يجهل)) أي: لا يفعل شيئا من أفعال الجهل، ((وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين)) فلا يعامله بمثل معاملته، بل يقول له بلسانه: إني صائم إني صائم، يذكّر نفسه ويذكِّره هو، ((والذي نفسي بيده)) فأقسم على ذلك تأكيدا ((لخلوف فم الصائم)) أي: تغيُّر رائحة فمه بسبب الصيام ((أطيب عند الله من ريح المسك)) فهي أطيب عند الله من ريح المسك؛ لأن هذه الرائحة إنما صدرت عن طاعة الله عز وجلّ، ويوم القيامة عندما يظهر ثواب الأعمال سيظهر للناس طيب ذلك الريح على المسك، ((يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)) يترك محبوباته من أجل محبوبه الأعظم، ((الصيام لي، وأنا أجزي به)) فالصيام لله، وكفى بها فضيلة للصائم، فهو لله لا يطلع عليه أحد، والله يجزي به، فكل عمل تضاعف حسناته من عشرة إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله إلا الصوم فإنه يضاعف من غير تعيين مقدار، كما قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ[الزمر:10].

عباد الله، إن تجار الدنيا إذا أقبلت مواسم التجارة وعلموا أن السلعة التي تباع بدينار تباع في ذلك الموسم بعشرة يتفرغون لها، ويشمرون عن سواعد الجد، فحري بتجار الآخرة وقد علموا هذه المضاعفات والزيادات الربانية أن يسعوا لها، ويحرصوا كل الحرص على هذه الفوائد ـ لا أقول: الربوية ـ بل المنح الإلهية.

فهذا ـ عباد الله ـ باب الريان قد فتح، فسابقوا إليه، ((إن في الجنة بابا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد، ومن دخله شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا)).

وها هو ذا الكريم المنان قد يسّر ذلك أتم تيسير، ((إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين مردة الجن، وغلّقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة))، ففي هذا الشهر يؤخذ من إبليس بالثأر، وتتخلص العصاة من أسره، فما يبقى لهم عنده آثار، كانوا فراخه قد غذاهم بالشهوات في أوكاره، فهجروا اليوم تلك الأوكار ونقضوا معامل حصونه بمعاول التوبة والاستغفار، فخرجوا من سجنه إلى حصن التقوى والإيمان، فأمنوا من عذاب النار، قصموا ظهره بكلمة التوحيد فهو يشكو ألم الانكسار، في كل موسم من مواسم الفضل يحزن، وفي هذا الشهر يدعو بالويل والثبور لما يرى من تنزّل الرحمة ومغفرة الأوزار.

عباد الله، من منكم عزم قبل غلق أبواب الجنة أن يبني غرفا من فوقها غرف، فكل شيء عسى أن يكون له خلف، أمّا شهر رمضان فمن أين لكم عنه خلف؟!

اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه





الخطبة الثانية

الحمد لله المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً، والمتفرد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً، المتعالي بعظمته ومجده، {تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين


عباد الله، وكما خص الله هذا الشهر بفريضة الصيام فقد خصَّه كذلك بإنزال آيات القرآن: شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ [البقرة:185]، هدى لقلوب العباد ممن آمن به وصدّقه واتبعه، وبينات أي: دلائل وحجج واضحة جلية لمن فهمها وتدبرها، دالة على صحة ما جاء به، تفرّق بين الحق والباطل والهدى والضلال وأهل السعادة وأهل الشقاوة، لذلك كان النبي أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه في كل ليلة من رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي ، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة، أي: الدائم هبوبها بالرحمة. ولهذا قالوا: أفضل الذكر في رمضان قراءة القرآن.عباد الله، فلنتب إلى الله، فكم قصرنا في رمضانات مضت، وها هو الكريم المنان قد أنعم علينا بأن أحيانتا لهذا الشهر الكريم، فلنقدم على فعل الخيرات فهذا شهر الصيام والقرآن، شهر الجود والدعاء والعتق من النار، ((إن لله في كل يوم وليلة عتقاء من النار في شهر رمضان، وإن لكل مسلم دعوة يدعو بها فيستجاب له))، ولنجعل نصب أعيننا حديث المصطفى لمّا ارتقى المنبر فأمّن على دعاء جبريل إذ قال: (بعُد من أدرك رمضان ولم يغفر له). فكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وكم من قائم حظه من صلاته التعب والسهر.اللهم اجعلنا ممن يصومون ويقومون رمضان إيمانا واحتسابا.

محمد المعمري 27-08-2009 11:42 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
الله يجزاك خير

و يجعل عملك هذى في موازين حساناتك

مع أطيب التحيات
//////////////////////////
محمد المعمري

المناضل السليماني 27-08-2009 02:42 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
جزاك الله خيرا اخي محمد وجلعني الله واياك وجميع المسلمين من المقبولين
__________________________________________________ _____________

ابشر ايها الصائم

الخطبة الأولى
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والشكر له على ما أولى من نعم سابغة وأسدى، نحمده سبحانه وهو الولي الحميد، ونتوب إليه جل شأنه، وهو التواب الرشيد . ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نستجلب بها نعمه، ونستدفع به نقمه، وندخرها عدة لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله نجوم المهتدين، ورجوم المعتدين، ورضي الله عن صحابته الأبرار الذين قاموا بحق صحبته، وحق شريعته، وتبليغ دينه إلى سائر أمته، وكانوا خير أمة أخرجت للناس. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، فالتقوى زادٌ لدار القرار، وعون على شكر نعم الباري الغزار
ابشر ايها الصائم ابشر ايها المقبل على الله ابشر ايها التائب ابشر ايها الساجد الراكع ابشر فإن الله لن يضيع عملك
قال تعالى : ( افنجعل المسلمين كالمجرمين)
انت عبد لله انت حبيب الله انت محبوب في السماء وفي الارض انت الذي تتزين لك الجنة الآن لأنك عبد الله لأنك صمت من أجل الله لأنك تركت شهوتك من اجل الله لأنك امتثلت لأمر الله انت الغالي انت الموفق حينما تركت السمر والسهر على القنوات وعلى القيل والقال وصفيت مع اخوانك كما تصف الملائكة تستمع لكلام الله وتركع وتسجد في صلاة التراويح وتسابق الى الصف الأول وكتاب الله بين يديك قبل وبعد كل صلاة فمن على هذا المنبر اهنئك وأسأل الله ان يرزقني واياك وجميع المسلمين الاخلاص في الاقوال والاعمال

ايها الغالي من عرف الجنة ونعيمها رغب فيها وزهد في الدنيا ومتاعها الزائل.

عباد الله، هلموا إلى دار لا يموت سكانها، ولا يخرب بنيانها، ولا يهرم شبابها، ولا يتغير حسنها, هواؤها النسيم، وماؤها التسنيم, يتقلب أهلها في رحمة أرحم الراحمين, ويتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، دعواهم: سبحانك اللهم، وتحيتهم فيها: سلام، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.

يا أمة محمد , يا عباد الله، أبشروا برحمة الله وفضله وجوده وإحسانه، ها هو شهر رمضان قد أقبل, شهر الرحمة والغفران والعتق من النيران, ذكر أبو بكر بن أبي مريم عن أشياخه أنهم كانوا يقولون: "إذا حضر رمضان فابسطوا فيه بالنفقة، إن النفقة فيه مضاعفة". قال الحافظ ابن رجب غفر الله له: "الصائم في ليله ونهاره في عبادة، ويستجاب دعاؤه في صيامه وعند فطره, فهو في صيامه صائم صابر, وفي ليله طاعم شاكر". قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].

في رمضان تقبل القلوب إلى بارئها جل وعلا, وفي الصيام تذل النفوس لربها وتسهل عليها الطاعات والقربات. كان بعض السلف صائما فوضع فطوره بين يديه، فسمع سائلا يقول: من يقرض المليء الوفي الغني جل جلاله؟ فقال ذاك الصائم: أنا أنا العبد المعدِم من الحسنات، فقام فأخذ الإناء فخرج به إلى السائل وبات وهو جائع. سلام من الله ورحمات على تلك النفوس المؤمنة المخبتة.

الصيام يشفع عند ربه فيقول: يا رب، منعته عن شهواته فشفعني فيه. وهذا لمن حفظ صومه وخاف ربه, وأما من ضيع صومه ولم يمنعه مما حرمه الله عليه فجدير أن يضرب به وجه صاحبه، ويقول له: ضيعك الله كما ضيعتني.

أبشروا معاشر المؤمنين المخبتين، فهذه أبواب الجنة الثمانية في هذا الشهر لأجلكم قد فتحت، ونسماتها على قلوب المؤمنين قد نفحت, وأبواب الجحيم كلها لأجلكم مغلقة، وأقدام إبليس وذريته من أجلكم موثقة. في هذا الشهر يفك الله من أسَرَه إبليس, قال الحسن البصري غفر الله له: "قال إبليس: أهلكت أمة محمد بالمعاصي، فقطعوا ظهري بالاستغفار، فأنيبوا إلى ربكم واستغفروا".

عباد الله، استقبلوا هذا الشهر بالتوبة والندم والانكسار والاستغفار، حاسبوا أنفسكم وتفكروا في حالكم ومآلكم, أكثروا من ذكر هاذم اللذات الموت. كان السلف يجتهدون في إتمام العمل وإتقانه, ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله يخافون أن يرد، هؤلاء هم الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة, قال علي : (كونوا لقبول العمل أشد اهتماما من منكم بالعمل؛ ألم تسمعوا قول الله عز وجل: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]؟!)، قال عبد العزيز بن أبي رواد: "أدركتهم يجتهدون بالعمل الصالح, وإذا فعلوه وقع عليهم الهم؛ أيقبل منهم أم لا؟!".

يا أرباب الذنوب العظيمة، التوبة التوبة في هذه الأيام الكريمة, فما من واعظ ولا لها من قيمة، من يعتق فيها من النار فقد فاز فوزًا عظيمًا. ينبغي لمن يرجو العتق في شهر رمضان من نار جهنم بأن يأتي بأسباب توجب العتق من النيران, وهي ميسرة في هذا الشهر ولله الحمد والمنة, ومنها التوبة والاستغفار. قال الحسن البصري: "أكثروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة", وقال لقمان لابنه: "يا بني، عود لسانك الاستغفار، فإن لله ساعات لا يرد فيه سائلا", قال عمر بن عبد العزيز: "قولوا كما قال أبوكم آدم: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23] .وقولوا كما قال نوح عليه السلام: وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ [هود:47]، وقولوا كما قال موسى: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [القصص:16], وقولوا كما قال ذو نون: لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]". كان بعض السلف إذا صلى صلاة كان يستغفر من تقصير فيها كما يستغفر المذنب من ذنبه.

عباد الله، أنفع الاستغفار ما قارنته التوبة, فمن استغفر بلسانه وعزمه أن يرجع إلى المعاصي بعد هذا الشهر المبارك فصومه عليه مردود، وباب التوبة عنه مسدود، إلا أن يشاء ربي شيئا, قال كعب: "من صام رمضان وهو يحدث نفسه إن فرغ من رمضان أنه لا يعود إلى العصيان دخل الجنة بغير مسألة".

عباد الله، لا تتعلق قلوبكم بشيء من المعاصي، واعلموا أن من ترك شيئًا لله عوضه خير منه، إِنْ يَعْلَمْ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [الأنفال:70]. فوا أسفاه على زمان ضاع في غير طاعة الله، وا حسرتاه على تفريط في جنب الله عز وجل. الله أكبر، يقال لأهل الصيام والقيام يوم القيامة: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:24]. طالما تعبت أبدانهم من الجوع والقيام بين يدي الله جل جلاله، كَفّوا جوارحهم عن معصيته, ورتَّلوا كتابه ترتيلا, واستَعَدوا لما أمامهم، كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17، 18]. صيام بالنهار وقيام بالليل وتصبر على طاعة الله في أيام قلائل, فإذا هم أمنوا مما كانوا يخافون, وبحور الحسان في خيام اللؤلؤ يتنعمون, كانوا يفرحون بالليل إذا أقبل ليفوزوا بمناجاة الملك العلام، وبالنهار إذا جاء لأن الصيام لله وهو الذي يجزي به، وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه, ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

فيا أيها الغافل المفرط، ربح القوم وخسرت, وساروا إلى الله مسرعين وما سرت, وقاموا بالأوامر وضيعت ما به أمرت, تذكر قول ربنا عز وجل: يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:68-71]. إذا اشتد خوف جميع الخلائق يوم القيامة نودوا بهذه الآية، فيرفع الناس رؤوسهم، فيقوم الذين آمنوا وكانوا مسلمين, وينكس الكفار رؤوسهم، ثم يقال للمؤمنين: ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون. اللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين.

وعظ كعب عمر بن الخطاب فقال: "والذي نفسي بيده، إن لجهنم يوم القيامة زفرة، ولزفرتها لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر جاثيًا على ركبتيه يقول: نفسي نفسي، لا أملك إلا نفسي".

عباد الله، أبشروا وأملوا خيرا, جدوا واجتهدوا في طاعة الله في هذا الشهر الكريم. واعلموا أن ربنا رؤوف رحيم يقبل توبة المذنبين ويعظم الأجر للمحسنين, يفرح بتوبة عبده إذا أناب إليه, سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة, البشائر في هذا الموسم العظيم كثيرة.

فأبشروا ـ عباد الله ـ بمغفرة الذنوب، إن من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه. أبشروا بالعتق من النيران، فإن لله عتقاء من النار في رمضان, فنسأله أن يعتق رقابنا من النيران. أبشروا بالأجر العظيم من الرب الكريم, فإن القيام من الصبر والله عز وجل يقول: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]. أبشروا فإن الرسول يقول: ((من ختم له بصيام يوم دخل الجنة)). أبشروا بفضل وأجر القيام في رمضان، يقول رسول الله : ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)). وأبشروا بليلة خير من ألف شهر, يقول الخليل المصطفى : ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)). أبشروا فإن من فطر صائمًا فله مثل أجره، وعمرة في رمضان تعدل حجة مع رسول الله . فأملوا خيرًا، واجتهدوا في طاعة الله عز وجل، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له، واغتنموا الليل والنهار قبل حلول الأجل ومفارقة دار العمل، وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:10، 11].

ومع هذا الفضل العظيم من الكريم المنان فليحذر العبد من أن يكون من المبعدين المطرودين عن رحمة الله. في ذلك الشهر الكريم أناس حل بهم سخط ربنا جل وعلا, ألم تسمعوا قول رسول الله : ((رغم أنف رجل أدرك رمضان ولم يغفر له)). آه أنت في شهر رمضان ما تبت ولا أنبت, ولا ندمت ولا استغفرت، ولا تعرضت لنفحات الله جل وعلا, ذنوبك هي هي، بل قد زادت في شهر العتق من النيران, فأين الحياء والخوف من الله عند ذاك الذي يسمع ما حرمه ربه عليه في شهر رمضان أو يطلق بصره في اللذات المستقذرة أو يلبس ويبيع الحرام في شهر رمضان؟! أقوام لا خافت ولا وجلت قلوبهم، يمني أحدهم نفسه بالعصيان بعد انقضاء رمضان, يصوم أحدهم عما أحل الله من المآكل والمشارب، ثم يقدم على حرمات الله، فأي تناقض هذا؟! والله ما شرع الصيام إلا لحكم عظيمة، منها ما ذكره الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].

اعلم ـ أخي ـ أنك ميت وتنتقل من هذه الدنيا الفانية إلى حفرة موحشة، لا ينجيك من أهوالها إلا رحمة الله والعمل الصالح والإقبال على طاعة الله جل وعلا, أترضى أن تكون من أهل جهنم من قال الله فيهم: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ [المؤمنون:104]؟! أترضى أن تكون جبارًا عنيدًا مبارزًا لله بالعصيان؟! وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ [إبراهيم:15-17]. إن كنت لا ترضى ـ وهذا الظن بك ـ فلا تمكن الهوى ولا تمكن عدو الله إبليس من نفسك، وحاسب نفسك، وتخيل موقفك بين يدي الله جل وعلا وحيدًا فريدًا عريانًا حافيًا، فتنظر عن يمينك فلا ترى إلا ما قدمت، وتنظر أشأم منك فلا ترى إلا ما قدمت، وتنظر بين يديك فإذا جهنم تحطم بعضها بعضا، وفي هذه اللحظات المفزعة طرق سمعك صوت الجبار جل جلاله, وسألك عما قدمت يداك، يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:23-26]. فإلى متى الغفلة؟! إلى متى؟! إلى أن يحضر الأجل وعندها تقول: رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99، 100]. في هذه اللحظة لا تقبل التوبة، وأنى لك الأوبة؟! أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ [فاطر:37].

فيا أمة محمد ، إن باب التوبة مفتوح، من تاب تاب الله عليه وقربه, ومن تبع هواه فلا يلومن إلا نفسه، يقول الله جل وعلا: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:124-126].

وكان أبو ذر يقول: (أيها الناس، إني لكم ناصح، وإني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور، وصوموا في الدنيا لحشر يوم النشور, وتصدقوا مخافة يوم عسير). وكان الأسود بن يزيد يكثر الصوم حتى ذهبت إحدى عينيه من ذلك, فإذا قيل له: لم تعذب جسدك؟! يقول: إنما أريد راحته. ولما حضر الموت عامر بن عبد قيس جعل يبكي، فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي جزعا من الموت، ولا حرصًا على الدنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وعلى قيام الليل في الشتاء. وحضرت الوفاة أحد الصالحين فجزع جزعًا شديدًا وبكى بكاءً شديدًا, فقيل له في ذلك فقال: ما أبكي إلا على أن يصوم الصائمون لله ولست فيهم, ويصلي المصلون لله ولست فيهم, ويذكره الذاكرون ولست فيهم، فذالك الذي أبكاني. ودعا قوم رجلا إلى طعام فقال: إني صائم، فقالوا: أفطر اليوم وصم غدًا، فقال: من يضمن لي أن أدرك غدًا؟! وكان علي يقول: (ألا إن الصيام ليس من الطعام والشراب، ولكن من الكذب واللغو الباطل). وقال جابر بن عبد الله: (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك من الكذب والمحارم, ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك). ولقد روى الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله أنه قال: ((كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر))، وخرجه البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)).

معاشر المؤمنين، يستحب للصائم الإكثار من العبادات في هذا الشهر الكريم, فإنه موسم فاضل, قال ابن القيم غفر الله له: "وكان من هديه في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات, فكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان, وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة, وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف", صلوات الله عليه وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار.

اللهم نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل, ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.




الخطبة الثانية

الحمد لله المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً، والمتفرد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً، المتعالي بعظمته ومجده، {تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

عباد الله ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم احاديث عدة في فضل الصيام وعِظم أجر أهله، فمن ذلك أن الله خصّ الصائمين بابا من أبواب الجنة لا يدخل منه غيرهم, ولقد خرج الشيخان في صحيحيهما من حديث سهل عن النبي قال: ((إن في الجنة باب يقال له: الريان، يدخل فيه الصائمون يوم القيامة, لا يدخل منه أحد غيرهم, يقال: أين الصائمون؟ فيقومون فلا يدخله أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد))، وزاد النسائي في آخره: ((ومن دخل فيه شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدًا)).

ومن فضائله أن الصوم جنة من الشهوات، لقول النبي : ((من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)) متفق عليه.

ومنها أن الصوم جنة من النار، لقوله : ((قال ربنا عز وجل: الصيام جنة، يستجن بها العبد من النار، وهو لي وأنا أجزي به)) قال المنذري: "رواه أحمد بإسناد حسن". وقال : ((من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا)) خرجاه في الصحيحين.

ومنها أن الصوم سبيل إلى الجنة، لحديث جابر أن رجلاً سأل رسول الله فقال: أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات وصمت رمضان وأحللت الحلال وحرمت الحرام ولم أزد على ذلك أأدخل الجنة؟ قال: ((نعم)), فقال الرجل: فوالله، لا أزيد على ذلك شيئًا. خرجه مسلم.

ومنها أن الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة، لقول النبي : ((الصيام والقرآن يشفعان عن العبد يوم القيامة, يقول الصيام: أي ربي، منعته الطعام والشهوات في النهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان)) خرجه الإمام أحمد.

ومنها أن أجر الصائم بغير حساب، وخلوف فمه أطيب عند الله من ريح المسك، لقوله : ((قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسخط، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: أني امرؤٌ صائم. والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه)) متفق عليه.

ومنها أن الصوم كفارة للذنوب، لقوله : ((فتنة الرجل في أهله وماله وجاره يكفرها الصلاة والصيام والصدقة)) متفق عليه، وفي صحيح مسلم مرفوعًا: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)). فالله الحمد والمنة.

أما شهر رمضان فله فضائل كثيرة ولله الحمد، منها أنه شهر القرآن، فإنه أنزل فيه، كما قال ربنا جل وعلا: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].

ومنها فتح أبواب الجنان وغلق أبواب النيران وتصفيد الشياطين، كل ذلك في هذا الشهر المبارك, قال رسول الله : ((إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء))، وفي رواية: ((فتحت أبواب الجنة))، وفي أخرى: ((أبواب الرحمة، وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين)) خرجه الإمام مسلم، وعند الترمذي: ((وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة)).

ومنها أن فيه ليلة هي خير من ألف شهر، يقول رسول الله : ((أتاكم شهر رمضان مبارك, فرض الله عليكم صيامه, تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين, فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها قد حرم)) خرجه الإمام أحمد في مسنده.

ومنها غفران الذنوب، لقوله : ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه، وقال : ((رغم أنف رجل ذكرت عنده ولم يصل علي, ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له)) خرجه الإمام الترمذي.

ومن فضائله العتق من النيران أجارنا الله منها، لقوله : ((إن لله عند كل فطر عتقاء, وذلك في كل ليلة)) رواه ابن ماجه.

يا أمة محمد ، إن من الذنوب العظام الفطر في رمضان بدون عذر، فإنه من كبائر الذنوب، وصاحبه متوعد بالعذاب الأليم، قال أبو أمامه : سمعت رسول الله يقول: ((بينما أنا نائم أتاني رجلان فأخذا بضبعي ـ أي: عضدي ـ، فأتيا بي جبلا وعرا، فقالا: اصعد، حتى إذا كنت في سواء الجبل فإذا بي بصوت شديد فقلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلقا بي فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم مشقّقة أشداقهم ـ الشدق: جانب الفم ـ تسيل أشداقهم دمًا، قلت: من هؤلاء؟ قيل: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلّةِ صَومِهم)) رواه النسائي في الكبرى والحاكم

اللهم تقبل منا الصيام والقيام واختم لنا هذا الشهر بالغفران
عباد الله صلوا وسلموا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه00000000000 الدعاء

المناضل السليماني 01-09-2009 11:35 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
الخطبة الأولى

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والشكر له على ما أولى من نعم سابغة وأسدى، نحمده سبحانه وهو الولي الحميد، ونتوب إليه جل شأنه، وهو التواب الرشيد . ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نستجلب بها نعمه، ونستدفع به نقمه، وندخرها عدة لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله نجوم المهتدين، ورجوم المعتدين، ورضي الله عن صحابته الأبرار الذين قاموا بحق صحبته، وحق شريعته، وتبليغ دينه إلى سائر أمته، وكانوا خير أمة أخرجت للناس. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، فالتقوى زادٌ لدار القرار، وعون على شكر نعم الباري الغزار

هذا الشهر الكريم العظيم الذي يرونه بعض الناس انه شهر كسل ونوم وهروب من مسؤلية العمل وتأخير المراجعين وخلق الاعذار الواهية وإعطاء المواعيد ومحاولة الهربمن العمل بحجة إننا في رمضان ونحن صيام وما علم المسكين أن هذا الشهر هو شهر الإنتصارات وشهر الغزوات وشهر الإنتصار على الشيطان والنفس الأمارة بالسوء وشهر النصر على الأعداء وإليكم بعض من الغزوات التي وقعت في رمضان
. غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية من الهجرة :ـ

ففي رمضان من السنة الثانية للهجرة خرج المسلمون بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعترضوا قافلة لقريش يقودها أبو سفيان، ولكن أبا سفيان غَيّرَ طريقه إلى الساحل واستنفر أهل مكة، فخرجوا لمحاربة المسلمين والتقى الجمعان في بدر في السابع عشر من رمضان سنة اثنتين للهجرة. ونصر الله رسوله والمؤمنين رغم قلة عددهم وعدتهم فقد كانوا ثلاثمائة وسبعة عشر وكان المشركون أكثر من ألف وأثمرت نتائج النصر ثماراً كثيرة، فقد ارتفعت معنويات المسلمين وعلت مكانتهم عند القبائل التي لم تسلم بعد، واهتزت قريش في أعماقها وخسرت كبار صناديدها وأعمدة الكفر فيها، وأخذت تعد للثأر والانتقام. وخلال سنة تحققت للمسلمين في المدينة عوامل أمن خارجية وداخلية فقبائل غطفان وسليم التي كانت تعد لمهاجمة المسلمين بلغها انتصار المسلمين في بدر وتحركهم بعد ذلك لضربها، فخافت وتركت ديارها وخلفت غنائم كثيرة للمسلمين، كما أجلي بنو قينقاع إحدى قبائل اليهود لكيدهم بالمسلمين وعدوانيتهم.

كانت تلك الغزوة فرقانا بين الحق والباطل، تلك الغزوة التي جعلت للمسلمين كيانا مهابا وجانبا مصونا . وبعد هذه الغزوة أصبح للمسلمين كيانا ماثلا لأعين الكفار يحسبون له ألف حساب ولا يجرؤون على تجاهله، بعد أن كانوا مستضعفين لا يكترث بهم بل ويستهان بهم ، أصبحوا بعدها قوة ضاربة يهابها الكفار. فكانت تلك الحادثة عرسا حقيقيا في رمضان وفرحا صادقا للمسلمين في شهر الفرقان.

. فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة .


ففي رمضان في السنة الثامنة للهجرة تحقق أكبر فتح للمسلمين وهو فتح مكة المعقل الأكبر للشرك آنئذ. فقد نقضت قريش الصلح الذي عقدته مع المسلمين في الحديبية ؛ حيث ساعدت قبيلة بكر في حربها ضد خزاعة، وأحسّت قريش بخيانتها، فأرسلت أبا سفيان إلى المدينة؛ ليقوم بتجديد الصلح مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويزيد في مدّته، ولكنه فشل في ذلك، وعاد إلى مكة خائبًا. ثم خرج ثانية عندما اقترب الجيش من مكة، ولم يستطع أن يفعل شيئاً، فأسلم وعاد إلى مكة ليحذر قريشاً من مقاومة المسلمين.

كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد عزم على فتح مكة، فأخذ يُعِدّ العدّة لذلك في سرية وخفاء. وفي اليوم العاشر[ من شهر رمضان في السنة الثامنة من الهجرة تحرّك عشرة آلاف صحابي تحت قيادة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لفتح مكة، وخرجوا من المدينة وهم صائمون، وفى الطريق إلى مكة، قابل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمه العباس مهاجرًا مع أهله إلى المدينة، فصَحِب العباس رسول الله في سيره إلى مكة، بينما تابع أهله طريقهم إلى المدينة.

وفى مرّ الظهران نزل الجيش المسلم، وكان الليل قد دخل، فأمر رسول الله بإيقاد النار، فأوقد الجيش نارًا عظيمة، مما أدخل الرعب في قلوب المشركين.

وتحرّك الجيش، ودخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة، واتجه إلى ذي طوى، وخرّ ساجدًا شكرًا لله -سبحانه وتعالى- على ما أكرمه به من العزة وذلّ الكافرين. وفي ذي طوى قسم رسول الله الجند، فسار الزبير بن العوام بجزء من الجيش، وانطلق سعد بن عبادة بقسم آخر، ثم أخذ علي بن أبي طالب الراية، ودخل خالد بن الوليد مكة من جانب آخر، وسار أبو عبيدة بن الجراح بين يدي رسول الله حتى نزل أعلى مكة.

ولم يلق المسلمون أية مقاومة تُذكَر أثناء دخولهم مكة سوى بعض المناوشات بين خالد بن الوليد وبعض رجال قريش هرب المشركون بعدها، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بألا يقاتلوا إلا من قاتلهم.

وبعد أن هدأت أوضاع الناس دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسجد الحرام وحوله الأنصار والمهاجرون، ثم طاف بالبيت وفي يده قوس، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا، فأخذ يطعنها بالقوس، ويقول: (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا). وأخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- مِفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة، وفتحها ثم دخلها، فرأى صورًا فمحاها، وحطّم الأصنام، ثم صلى في داخلها، وخرج فوجد المسجد قد امتلأ بأهل مكة ينتظرون مصيرهم، فخطب فيهم، ثم قال: "يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم"؟ قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: "فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم. اذهبوا فأنتم الطلقاء". ثم أعطى رسول الله مفتاح الكعبة لعثمان بن طلحة.

وتمّ فتح مكة، وكان لهذا الفتح أثر كبير في تاريخ البشرية، فقد قضى على الأوثان والشرك في مكة تمامًا، وتسابقت الشعوب والقبائل إلى الدخول في الإسلام، قال تعالى عن نتيجة الفتح : (( اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا * )) ودخلت الجزيرة العربية بأكملها في دين الله، وبدأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- في بعث الرسل إلى البلاد المجاورة. ووضع النبي -صلى الله عليه وسلم- الأسس الخالدة التي قامت عليها الفتوحات الإسلامية، مثل عدم الاعتداء على المدنيين، وعدم قطع شيء من النبات بلا فائدة، والعفو والصفح عند المقدرة
.

. فتح ( البويب) في السنة 13 هجرية .
لما سمع أمراء الفرس بكثرة جيوش المثنى بن حارثة، بعثوا إليه جيشا آخر مع رجل يقال له: مهران . فتوافوا هم وإياهم بمكان يقال له: البويب . قريب من الكوفة اليوم، وبينهما الفرات وأقام بمكانه حتى كاتبه مهران إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم فقال المثنى اعبروا فعبر مهران فنزل على شاطئ الفرات ، وذلك في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة ، فعزم المثنى على المسلمين في الفطر ليقووا بالطعام على قتال العدو فأفطروا عن آخرهم ، وعبأ الجيش، و خرج يطوف في صفوفه يعهد إليهم عهده وهو على فرسه الشموس وكان يدعى الشموس من لين عريكته وطهارته فكان إذا ركبه قاتل وكان لا يركبه إلا لقتال ويدعه ما لم يكن قتال فوقف كل راية من رايات الأمراء القبائل ويعظهم ويحثهم على الجهاد والصبر والصمت والثبات، وقال المثنى لهم: إني مكبر ثلاث تكبيرات فتهيأوا، فإذا كبرت الرابعة فاحملوا. فقابلوا قوله بالسمع والطاعة والقبول. فلما كبر أول تكبيرة عاجلتهم الفرس فحملوا حتى غالقوهم، واقتتلوا قتالا شديدا، وركدت الحرب، ورأى المثنى في بعض صفوفه خللا، فبعث إليهم رجلا يقول: الأمير يقرأ عليكم السلام ويقول لكم: لا تفضحوا المسلمين اليوم ؛ فاعتدلوا، فلما رأى ذلك منهم - وهم بنو عجل - أعجبه وضحك. وجعل المثنى والمسلمون يدعون الله بالظفر والنصر، فلما طالت مدة الحرب جمع المثنى جماعة من أصحابه الأبطال يحمون ظهره، وحمل على مهران فأزاله عن موضعه حتى دخل الميمنة، وقـُـتـِــلَ مهرانُ، وهربت المجوس وركب المسلمون أكتافهم بقية ذلك اليوم وتلك الليلة، ومن الغد إلى الليل. وغنم المسلمون مالا جزيلا وطعاما كثيرا، وبعثوا بالبشارة والأخماس إلى عمر رضي الله عنه. وقد قتل من سادات المسلمين في هذا اليوم بشر كثير أيضا، وذلت لهذه الوقعة رقاب الفرس، وتمكن الصحابة من الغارات في بلادهم فيما بين الفرات ودجلة، فغنموا شيئا عظيما لا يمكن حصره وكانت هذه الوقعة بالعراق نظير اليرموك بالشام .

. فتح النوبه سنة 31 هجرية.

عندما افتتح المسلمون مصر كان في شمال السودان ووسطه وجنوبه مملكتان تعرفان بمملكة (( النوبة )) هما مملكة " مقرة " في الشمال وتعرف بـ (( النوبة السفلى والوسطى )) ومملكة " علوة " في الجنوب وتعرف بـ (( النوبة العليا )) وما ان استتب الأمر لعمرو بن العاص في مصر , حتى سير حملة جنوبا بقيادة عبدالله بن أبي السرح لنشر الاسلام في بلاد النوبة النصرانية , ولتأمين حدود مصر الجنوبية ... قوبلت الحملة بمقاومة عنيفة لم تستطع التوغل جنوبا ! وبعد قتال عنيف تم عقد معاهدة حسن الجوار عرفت باسم معاهدة ( البقط ) ! .. ظلت هذه المعاهدة أساس التعامل لمدة ستة قرون تسللت معها القبائل العربية المسلمة وتمازجت مع القبائل النوبية , ليدخل الناس في دين الله أفواجا ..... ))


. بلاط الشهداء سنة 114 هجرية. .
لم يتوقف المسلمون الفاتحون عند الأندلس بل دفعهم الحماس لدينهم إلى عبور جبال البرانس الفاصلة بين الأندلس وفرنسا , و كان أول مَنْ فكر في هذا الأمر القائد العظيم موسى بن نصير، الذي أراد دخول فرنسا ثم باقي أوروبا، حتى يصل إلى القسطنطينية - عاصمة الدول البيزنطية- من الغرب.

وظلت فكرة فتح فرنسا حلمًا يراود كل القادة المسلمين، حتى قام بالفعل والي الأندلس "الحر بن عبد الرحمن الثقفي" بدخول جنوب فرنسا، وجعل مدينة "أربونة" قاعدة لمن أراد من المسلمين فتح أوروبا. ثم حاول السمح بن مالك الخولاني تحقيق تلك الفكرة ولكنه استشهد في تولوز وانهزمت جيوشه المسلمة، ورجعت إلى أربونة.

ولم تضعف للمسلمين عزيمة، ولم تلن لهم قناة، وبرغم الصعوبات والمشاق التي اعترضتهم، فإنهم لبوا النداء حين دعاهم للجهاد ونشر نور الإسلام وجاء المجاهدون من كل حدب وصوب إلى القائد عبد الرحمن الغافقي.

تناهت إلى (دوق اكتانية) الأخبار المفزعة عن مصرع صهره عثمان بن أبي نعسة، وبلغته أنباء النهاية التي صارت إليها ابنته الحسناء (مينين) .......فأدرك أن طبول الحرب قد دقت ...وأيقن أن أسد الإسلام عبد الرحمن الغافقي ممس في دياره، أو مصبح ......

لم يكذب عبد الرحمن الغافقي ظن الدوق ....، فانطلق بجيشه اللجب من شمال (الأندلس) انطلاق الإعصار، وانصب على جنوب (فرنسا) من فوق جبال (البرنيه) كما ينصب السيل . ثم عبر بجيشه الجرار نهر (الجارون)، وطفقت كتائبه الظافرة تجوس مقاطعة (أكتانية) ذات اليمين وذات الشمال. ثم اتجه المسلمون إلى مدينة (بوردو) كبرى المدن (الافرنسية) آنذاك، وعاصمة مقاطعة (أكتانية). وقد كان سقوط (بوردو) في أيدي المسلمين فاتحة لسقوط مدن أخرى كثيرة خطيرة , أهمها (ليون) و (بيزانسون) و (سانس)، وكانت هذه الأخيرة لا تبعد عن (باريس) اكثر من مائة ميل.

اهتزت أوروبا من أقصاها إلى أقصاها لسقوط نصف (فرنسا) الجنوبي كله في يدي عبد الرحمن الغافقي خلال بضعة أشهر ، وفتح الفرنجة أعينهم على الخطر الداهم , ودب الصريخ في كل مكان يدعو العجزة والقادرين إلى الوقوف في وجه هذا الهول القادم من الشرق.

كان الجيش الإسلامي آنذاك قد بلغ مدينة (تور) طليعة مدن (فرنسا) وفرة في السكان، وقوة في البنيان، وعراقة في التاريخ .... فأحاط بها المسلمون إحاطة الغل بالعنق , وانصّبوا عليها انصباب المنون إذا جاء الأجل , واسترخصوا في سبيل افتتاحها الأرواح والمهج ؛ فما لبثت أن سقطت بين أيديهم على مرأى (شارل مارتل) ومسمعه ...

وفي العشر الأخيرة من شهر شعبان سنة أربع ومائة للهجرة، زحف عبد الرحمن الغافقي بجيشه اللجب على مدينة (بواتييه). وهناك التقى مع جيوش اوربّا الجرارة بقيادة (شارل مارتيل) , ووقعت بين الفريقين إحدى المعارك الفاصلة لا في تاريخ المسلمين فحسب وانما في تاريخ البشرية كلها.

كان الجيش الإسلامي يومئذ في ذروة انتصاراته الباهرة. لكن كاهله كان مثقلا بتلك الغنائم التي انصبت عليهم انصباب الغيث ، وتكدست قي أيدي جنوده المجاهدين .، وقد نظر عبد الرحمن الغافقي إلى هذه الثروة الهائلة نظرة قلق وإشفاق , وتوجس منها خيفة على المسلمين ؛ فقد كان لا يأمن أن تشغل هذه النفائس قلوبهم عند اللقاء ، وان توزع نفوسهم في لحظات البأس و ان تجعل إحدى عيني الواحد منهم على العدو المقبل عليه , وعينه الأخرى على الغنائم التي في يديه ....

وقف الجيشان الكبيران بضعة أيام كل منهما قبالة الآخر في سكون، وترقب، وصمت، فقد كان كل من الجيشين يخشى بأس عدوه، ويحسب للقائه ألف حساب.

انقض عبد الرحمن الغافقي بفرسانه على صفوف الفرنجة انقضاض الأسود. وصمد لهم الفرنجة صمود الجبال . وانقضى اليوم الأول من أيام المعركة دون أن ترجح فيه كفة على كفه .. وظلت المعركة تدور على هذه الحال سبعة أيام طويلة ثقيلة.

فلما كان اليوم الثامن كر المسلمون على عدوهم كرة واحدة. ففتحوا في صفوفه ثغرة كبيرة لاح لهم من خلالها النصر كما يلوح ضوء الصبح من خلال الظلام. عند ذلك أغارت فرقة من كتائب الفرنجة على معسكرات الغنائم. فلما رأى المسلمون أن غنائمهم قد أوشكت أن تقع في أيدي أعدائهم. انكفأ كثير منهم لاستخلاصها منه، فتصدعت لذلك صفوفهم، وتضعضعت جموعهم، وذهبت ريحهم ...... فهب القائد العظيم يعمل على رد المنكفئين , ومدافعة المهاجمين , وسد الثغور. وفيما كان بطل الإسلام عبد الرحمن الغافقي يذرع أرض المعركة على صهوة جواده الأشهب جيئة وذهابا ... وكرا وفرا ....، أصابه سهم نافذ فهوى عن متن فرسه كما يهوي العقاب من فوق قمم الجبال. وثوى صريعا شهيدا على أرض المعركة. فلما رأى المسلمون ذلك عمهم الذعر وسادهم الاضطراب واشتدت عليهم وطأة العدو، ولم يوقف بأسه عنهم إلا حلول الظلام .

فلما أصبح الصبح وجد (شارل مارتيل) أن المسلمين قد انسحبوا من (بواتييه). فلم يجرؤ على مطاردتهم ــــ ولو طاردهم لأفناهم ــــ ذلك أنه خشي أن يكون انسحابهم مكيدة من مكائد الحرب دبرت في ليل ؛ فآثر البقاء في مواقعه مكتفيا بذلك النصر الكبير.

لقد كان يوم بلاط الشهداء يوما حاسما في التاريخ. أضاع فيه المسلمون أملا من أعز الآمال ... وفقدوا خلاله بطلا من أعظم الأبطال.... وتكررت فيه مأساة يوم (أحد) سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا...

. فتح عمورية سنة 223 هجرية[/color]

طمع "تيوفيل بن ميخائيل" ملك الروم في بلاد المسلمين، خاصة عندما علم أن جنود المسلمين جميعهم في أذربيجان يواصلون فتوحاتهم. فأخذ يعبئ الجنود، وخرج قائدًا على مائة ألف من الروم لقتال المسلمين، فوصل إلى حصن "زبطرة"، فقتل الأطفال والشيوخ، وخرّب البلاد، وأسر النساء وسباهن، وانتهك أعراضهن وحرماتهن، ومثّل بكل من وقع في يده من المسلمين . وكان من ضمن النساء امرأة اقتادها جنود الروم للأسر، فصرخت هذه المرأة، وقالت: "وامعتصماه".

فلما وصل الخبر إلى "المعتصم" خليفة المسلمين استشاط غضبًا، وأخذته الحمية والغضب لله، وقال: "لبيك". وأخذ في الاستعداد، وجمع الجنود، وأعدّ العدة، وخرج على رأس جيش لنجدة المسلمين، وعسكر بهم في غربي نهر دجلة , وبعث "المعتصم" عجيف بن عنبة وعمرًا الفرغاني لنجدة أهل زبطرة. فوجدا أن الروم كانوا قد رحلوا عنها بعد الفواحش الكثيرة التي ارتكبوها بأهلها. ولكن المعتصم أصرّ على تتبع الروم وعدم الرجوع عن قتالهم، فسار إلى بلادهم، وسأل عن أقوى حصونها، فعلم أنها عمورية؛ حيث لم يتعرض لها أحد من القادة المسلمين من قبل، وأنها أفضل عند الروم من القسطنطينية نفسها، فصمّم أمير المؤمنين المعتصم على فتح هذه المدينة، رغم ما تلقاه من تحذيرات المنجمين وتخويفهم له من أن ذلك الوقت ليس وقت فتح عمورية؛ إذ قال له المنجمون: "رأينا في الكتب أن عمورية لا تفتح في هذا الوقت، وإنما وقت نضج التين والعنب". لكن المعتصم لم يستجب لهم، ولم يرضخ لخرافاتهم، وقرر فتح عمورية.

أقام المعتصم على نهر سيحان، وأمر أحد قادته وهو "الإفشين" أن يدخل بلاد الروم عن طريق "الحدث"، كما أمر "أشناس" أن يدخل عن طريق "طرسوس"، وحدد لهما يومًا يلتقيان فيه عند أنقرة. واجتمع الجيش عند أنقرة، ثم دخل المدينة، وسار حتى وصل عمورية، ونظّم المعتصم الجيش، فجعل نفسه في القلب، و"الإفشين" على الميمنة، و"أشناس" على الميسرة، وقام الجيش الإسلامي بحصار المدينة حصارًا شديدًا، حتى استطاع أن يُحدث ثغرة في سورها، فاندفع الجنود داخل المدينة، وحاربوا بكل قوة وشجاعة؛ حتى سيطروا على المدينة، وانتصروا على الروم. ((كانت إناخة المعتصم على عمورية يوم الجمعة لست خلون من شهر رمضان وقفل بعد خمسة وخمسين يوما .. )) وقد خلّد الشاعر أبو تمام هذا النصر بقصيدة عظيمة، قال في أولها:
السيف أصدق أنباء من الكتب *** في حدِّه الحـدُّ بين الجـدِّ واللعـب
وهكذا تم فتح أصعب الحصون الرومانية، مما كان له أكبر الأثر في نفوس المسلمين، حيث قويت معنوياتهم، وسهل لهم استمرار الفتوحات في شرق أوروبا. كما أضعف هذا النصر من معنويات الروم، لأنه أظهر لهم قوة المسلمين وشجاعتهم، وأنهم أصبحوا قوة لا يستهان بها، ويخشى الأعداء بأسها. كذلك عايش بعض الروم الحياة الإسلامية، وأعجبوا بأخلاق المسلمين وطهارة سيرهم، وعظمة دينهم، فدخلوا في الإسلام، بعد أن شعروا برحمته وعدله.


. عين جالوت في فلسطين سنة 658 هجرية :ــ

"عين جالوت" بلدة من أعمال فلسطين المغتصبة - ردها الله إلى المسلمين قريبًا - وهي بلدة بين بيسان ونابلس.

وبطل هذه المعركة الجليلة هو السلطان المظفر سيف الدين قُطز بن عبد الله المعزي، الذي تولَّى الحكم في مصر يوم السبت 17 من ذي القعدة سنة سبع وخمسين وستمائة .

استمر المغول في زحفهم المدمر حتى دخلوا بغداد عاصمة الخلافة العباسية، واستطاع "هولاكو" -حفيد جنكيز خان- إسقاط الخلافة العباسية، وقتْل الخليفة العباسي سنة 1258م، وتدمير بغداد عاصمة الخلافة.

وواصل هولاكو تقدمه، فاستولى على حلب ودمشق، وكان بغي التتار قد امتد وزاد حتى احتلوا بلدة "الخليل" وبلدة "غزة" من أرض فلسطين، وقتلوا الرجال، وسبوا النساء والصبيان، واستاقوا من الأسرى عدداً كبيراً ، ولم يبق أمامه إلا مصر، حصن الإسلام المنيع، وكنانة الله في أرضه، فأرسل هولاكو رسالة تهديد لحاكم مصر آنذاك السلطان "سيف الدين قطز"، ويطلب منه الاستسلام، فأبى السلطان قطز، وأخذ يعد جيوشه وأرسل قوة استطلاعية بقياد "بيبرس" الذي استطاع أن يهزم إحدى الفرق المغولية .

ورحل السلطان قطز بعساكره ونزل الغور بعين جالوت في فلسطين، وكانت جموع التتار هناك، وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان قامت معركة عنيفة بين الفريقين، وتقاتلوا قتالاً شديدًا لم ير الناس مثله، واشتد الأمر في بدء المعركة على المسلمين، فاقتحم قطز ميدان المعركة، وباشر القتال بنفسه، وأبلى في ذلك اليوم بلاء حسنًا. وحقق المسلمون نصرًا ساحقًا على جيش المغول، وأسروا قائدهم، وأمر "قطز" بقتله.

وانتهت بانتهاء معركة عين جالوت أسطورة الجيش المغولي الذي لا يقهر، واستطاع المسلمون إنقاذ العالم كله من همجية المغول وخطرهم، والذين أخذوا يفرون إلى ديارهم وهم يجرون أذيال الخيبة والهزيمة في عين جالوت , وكانت هذه المعركة البداية لدولة المماليك في مصر والشام .

. فتح شقحب سنة 702 هجرية

وصل التتر إلى حمص وبعلبك وعاثوا في تلك الأراضي فسادا وقلق الناس قلقا عظيما وخافوا خوفا شديدا وقال الناس لا طاقة لجيش الشام مع المصريين بلقاء التتار لكثرتهم وتحدث الناس بالأراجيف ونودي بالبلد أن لا يرحل أحد منه فسكن الناس وجلس القضاة بالجامع وحلفوا جماعة من الفقهاء والعامة على القتال وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يحلف للأمراء والناس إنكم في هذه الكرة منصورون على التتار فيقول له الأمراء قل إن شاء الله فيقول إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا وكان يتأول في ذلك أشياء من كتاب الله منها قوله تعالى{ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ }. , فاطمأن الناس وسكنت قلوبهم وأثبت الشهرَ( رمضان) ليلة الجمعة القاضي تقي الدين الحنبلي, فعلقت القناديل وصليت التراويح واستبشر الناس بشهر رمضان وبركته وأصبح الناس يوم الجمعة في همّ شديد وخوف أكيد لأنهم لا يعلمون ما الخبر , واشتعلت الأراجيف بين الناس . وأصبح الناس يوم السبت على ما كانوا عليه من الخوف وضيق الأمر فرأوا من المآذن سوادا وغبرة من ناحية العسكر والعدو, فغلب على الظنون أن الوقعة في هذا اليوم فابتهلوا إلى الله عز وجل بالدعاء في المساجد والبلد , وأصبح الناس يوم الأحد يتحدثون بكسر التتر ؛ ولكن الناس لما عندهم من شدة الخوف, وكثرة التتر لا يصدقون, فلما كان بعد الظهر قرئ كتاب السلطان إلى متولي القلعة يخبر فيه باجتماع الجيش ظهر يوم السبت بشقحب , ثم جاءت بطاقة بعد العصر من نائب السلطان جمال الدين آقوش الأفرم إلى نائب القلعة مضمونها أن الوقعة كانت من العصر يوم السبت إلى الساعة الثانية من يوم الأحد( 2-3 رمضان), وأن السيف كان يعمل في رقاب التتر ليلا ونهارا وأنهم هربوا وفروا واعتصموا بالجبال والتلال وأنه لم يسلم منهم إلا القليل فأمسى الناس وقد استقرت خواطرهم وتباشروا لهذا الفتح العظيم والنصر المبارك ودقت البشائر بالقلعة من أول النهار .
. فتح قبرص في عهد المماليك سنة 829 هجرية

قبرص وفي رواية ‏"‏قُبْرُس‏"‏ بالسين من أكبر جزائر البحر الأبيض المتوسط في أقصى شرقيه، وهي جزيرة جبلية بها سلسلتان من الجبال‏.‏ يشتغل أهلها بالزراعة وأرضها خصبة جدًا، وكانت تابعة للإمبراطورية الرومانية .

كان معاوية قد ألحَّ على عمر بن الخطاب في غزو البحر لقرب الروم من حمص‏. فلم يجبه الى ما طلب ولما ولي عثمان الخلافة كتب إليه معاوية يستأذنه في غزو البحر، فوافق عثمان على طلبه ، وكتب إليه : ( لا تنتخب الناس ، ولا تقرع بينهم ، خيرهم ، فمن اختار الغزو طائعاً فاحمله وأعنه فاختار الغزو جماعة من الصحابة فيهم أبو ذر وأبو الدرداء وشداد بن أوس وعبادة بن الصامت وزوجه أم حرام بنت ملحان، وبنى معاوية أول اسطول بحري في الاسلام، واستعمل عليهم عبد الله بن قيس حليف بني فزارة وساروا إلى قبرص وجاء عبد الله بن أبي سرح من مصر فاجتمعوا عليها وصالحهم أهلها على سبعة آلاف دينار بكل سنة‏.‏ وعقب الغَزاة ماتت أم حرام الأنصارية زوجة عبادة بن الصامت‏.‏ ألقتها بغلتها بجزيرة قبرص فاندقت عنقها فماتت ، وما لبث أن صار البحر الابيض المتوسط خالصا للمسلمين

لكن الضعف والهزال الذي أصاب الدولة الاسلامية لاحقا شجع الفرنجة على غزو أطراف الدولة. وكانت الحملات الصليبية والتي اتخذت من جزيرة قبرص قاعدة لها للهجوم على مصر والشام. فقد اتخذ القبارصة من جزيرتهم مركزًا للوثوب على الموانئ الإسلامية في شرق البحر المتوسط وتهديد تجارة المسلمين، فقام "بطرس الأول لوزجنان" ملك قبرص بحملته الصليبية على الإسكندرية في سنة (767هـ = 1365م)، وأحرق الحوانيت والخانات والفنادق، ودنس المساجد وعلق القبارصة عليها الصلبان، واغتصبوا النساء، وقتلوا الأطفال والشيوخ، ومكثوا بالمدينة ثلاثة أيام يعيثون فيها فسادا، ثم غادروها إلى جزيرتهم، وتكررت مثل هذه الحملة على طرابلس الشام في سنة (796هـ = 1393م).

وظلت غارات القبارصة لا تنقطع على الموانئ الإسلامية، ولم تفلح محاولات المماليك في دفع هذا الخطر والقضاء عليه، وبلغ استهانة القبارصة بهيبة المسلمين واغترارهم بقوتهم أن اعتدى بعض قراصنتهم على سفينة المسلمين سنة (826هـ = 1423م)، وأسروا من فيها.

وتمادى القبارصة في غرورهم فاستولوا على سفينة محملة بالهدايا كان قد أرسلها السلطان برسباي إلى السلطان العثماني "مراد الثاني"، عند ذلك لم يكن أمام برسباي المملوكي سوى التحرك لدفع هذا الخطر، والرد على هذه الإهانات التي يواظب القبارصة على توجيهها للمسلمين، واشتعلت في نفسه نوازع الجهاد، والشعور بالمسئولية، فأعد ثلاث حملات لغزو قبرص، وذلك في ثلاث سنوات متتالية. خرجت الحملة الأولى في سنة (827هـ = 1424م)، وكانت حملة صغيرة نزلت قبرص، وهاجمت ميناء "ليماسول"، وأحرقت ثلاث سفن قبرصية كانت تستعد للقرصنة، وغنموا غنائم كثيرة، ثم عادت الحملة إلى القاهرة. فشجع هذا الظفر برسباي لإعداد حملة أعظم قوة من سابقتها لاعادة فتح قبرص، فخرجت الحملة الثانية في رجب (828هـ = مايو 1425م) مكونة من أربعين سفينة، واتجهت إلى الشام، ومنها إلى قبرص، حيث نجحت في تدمير قلعة ليماسول، وقُتل نحو خمسة آلاف قبرصي، وعادت إلى القاهرة تحمل بين يديها ألف أسير، فضلاً عن الغنائم التي حُملت على الجمال والبغال.

وفي الحملة الثالثة استهدف برسباي فتح الجزيرة وإخضاعها لسلطانه، فأعد حملة أعظم من سابقتيها وأكثر عددا وعُدة، فأبحرت مائة وثمانون سفينة من ميناء رشيد بمصر في (829هـ = 1426م)، واتجهت إلى ليماسول، فلم تلبث أن استسلمت للمسلمين في (26 من شعبان 829هـ = 2من يوليو 1426م)، وتحركت الحملة شمالا في جزيرة قبرص، وحاول ملك الجزيرة أن يدفع جيش المسلمين، لكنه فشل وسقط أسيرا، واستولى المسلمون على العاصمة "نيقوسيا"، وبذا دخلت الجزيرة في طاعة دولة المماليك.

اللهم رد للملسلمين عزهم وانصرهم نصرا مؤزرا يا رب العالمين اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية

الحمد لله المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً، والمتفرد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً، المتعالي بعظمته ومجده، {تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين



. معركة المنصورة سنة 647هـ

كانت في شهر رمضان سنة 647هـ ضد الصليبيين. فقد قدم "لويس التاسع" ملك فرنسا يقود جيشًا قوامه 110 آلاف مقاتل، مزودين بأحدث أنواع الأسلحة، في أحدث حملة صليبية، وهي الحملة الصليبية السابعة ضد مصر، كان طابع الحملة استعماريًّا اقتصاديًّا، وقام الملك لويس التاسع بالاتصال مع المغول للضغط على الشرق الإسلامي من الجانبين، وواصل زحفه حتى استولى على دمياط سنة 1249م، ثم توجّه إلى المنصورة، وعلى ضفاف البحر الصغير دارت معركة حامية، اشترك فيها العربان والمشايخ والفلاحون، واشترك في تعبئة الروح المعنوية "العز بن عبد السلام" وهو يومئذ ضرير، وكان قائد الجيوش فخر الدين ابن شيخ الإسلام الجويني، وانتهت المعركة بأن أسر المسلمون من الصليبيين مائة ألف وقتلوا عشر آلاف، وأُسر الملك لويس التاسع، وسجن بدار ابن لقمان بالمنصورة، ثم افتُدي الملك بدفع (40 ألف دينار)، وأٌطلق سراحه. هذا هو الاسلام هذه بطولات المسلمين هؤلاء هم آباؤنا فلنتشبه بهم عباد الله صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه................ الدعاء
[/color]

عايض الفهري ابوبندر 02-09-2009 01:45 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
جزاك الله خير

يعطيك العافيه

لاهنت

تحياتي

المناضل السليماني 04-09-2009 02:51 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
هذه الخطبة خاصة بغزوة بدر الكبرى


الخطبة الأولى

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والشكر له على ما أولى من نعم سابغة وأسدى، نحمده سبحانه وهو الولي الحميد، ونتوب إليه جل شأنه، وهو التواب الرشيد . ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نستجلب بها نعمه، ونستدفع به نقمه، وندخرها عدة لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله نجوم المهتدين، ورجوم المعتدين، ورضي الله عن صحابته الأبرار الذين قاموا بحق صحبته، وحق شريعته، وتبليغ دينه إلى سائر أمته، وكانوا خير أمة أخرجت للناس. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، فالتقوى زادٌ لدار القرار، وعون على شكر نعم الباري الغزار

عباد اللله حديثنا في هذه الجمعة المباركة مع حدث عظيم وقع في زمن رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه حديثنا مع غزوة بدر الكبرى

قال الله عز وجل ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون [آل عمران:123].

في شهر رمضان المبارك من السنة الثانية من الهجرة وقعت أولى الغزوات النبوية الكبرى , غزوة بدر الكبرى وكان سببها أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بقافلة تجارية كبيرة لقريش عائدة من الشام إلى مكة يقودها أبو سفيان, فأمر أصحابه بالخروج للاستيلاء عليها وقال لهم: لعل الله يمكنكموها , فقد كانت قريش إذ ذاك حربا على رسول الله وحربا على المسلمين وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا من أصحابه, خرجوا لا يريدون الحرب ولا يظنون أن سيكون قتال ولكن أبا سفيان أفلت ونجى بالقافلة أما قريش فلما أتاها الصارخ خرجت بأشرافها عن بكرة أبيهم في نحو ألف رجل معهم مائة فرس وسبعمائة بعير , خرجوا كبرا ورءاء الناس ويصدون عن سبيل الله معهم القيان يغنين بهجاء المسلمين , فلما علم أبو سفيان بخروج قريش أرسل إليهم يخبرهم بنجاته وإفلات القافلة ويشير عليهم بالرجوع وعدم الحرب , فأبوا وقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نبلغ بدرا فنقيم فيه ثلاثا ننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر فتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا .

أما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما علم صلى الله عليه وسلم بأمر قريش جمع من كان معه من أصحابه استشارهم , فقام المقداد بن عمرو رضي الله عنه وهو من المهاجرين فقال : يا رسول الله امض إلى ما أمرك الله فو الله لن نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك. فأثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : أشيروا علي أيها الناس . فقام سعد بن معاذ من الأنصار وهو سيد الأوس فقال : لكأنك تريدنا يا رسول الله . فقال : أجل . فقال سعد : كأنك يا رسول الله خشيت أن تكون الأنصار ترى أنه ليس من حقها أن تنصرك إلا في ديارهم وأنا أقول عن الأنصار وأجيب عنهم فاظعن متى شئت وصل حبل من شئت واقطع حبل من شئت وخذ من أموالنا ما شئت وأعطنا منها ما شئت والذي تأخذه منا كان أحب إلينا مما تتركه وما أمرت فيه بأمر فأمرنا فيه تبع لأمرك فسر بنا فو الله لو سرت بنا إلى برك الغماد لنسيرن معك ولو استعرضت هذا البحر فخضته لنخوضنه معك , والله لا نكره أن تلقى بنا عدونا غدا فإننا صبر في الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك.

فسر النبي صلى الله عليه وسلم مما سمع من كلام المهاجرين والأنصار وقال لأصحابه : سيروا وأبشروا فو الله لكأني أنظر إلى مصارع القوم .

و سار النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه حتى نزل بأدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة . فقال الحباب بن المنذر رضي الله عنه يا رسول الله : أرأيت هذا المنزل أهو منزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر أم هو الرأي والحرب والمكيدة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل هو الحرب والرأي والمكيدة .

فقال الحباب : فليس هذا بمنزل فانهض بنا حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ونغور ما وراءه من الآبار , فاستحسن النبي صلى الله عليه وسلم رأي الحباب ومضى بأصحابه حتى نزل بالعدوة الدنيا مما يلي المدينة وجيش قريش بالعدوة القصوى مما يلي مكة , وأنزل الله مطرا كان شديدا ووحلا زلقا على المشركين وكان طلا خفيفا على المسلمين , طهرهم به ووطأ لهم الأرض وثبت به الأقدام وبنى المسلمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا على تل مشرف على موضع المعركة .

ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسوى صفوف أصحابه ومشى في أرض المعركة يشير إلى مصارع القوم إلى المواضع التي سيقتل فيها زعماء المشركين يقول هذا مصرع فلان إن شاء الله فو الله ما جاوز أحد منهم الموضع الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم, قتلوا في تلك المواضع التي عينها النبي صلى الله عليه وسلم .

والتقى الفريقان وقام النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي ربه يدعو ويلح في الدعاء ويتضرع بين يدي ربه ويستغيث به , يقول اللهم أنجز لي ما وعدتني , اللهم هذه قريش قد أتت بخيلها وخيلائها تصد عن دينك وتحارب رسولك ,ثم يقول عن أصحابه : اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض .

واستجابة من الرب سبحانه وتعالى لاستغاثة نبيه واستغاثة الصحابة أنزل عليهم نصره , أنزل الملائكة فهزموا عدوهم , هزمت قريش وولوا الدبر , قتل من المشركين سبعون وأسر سبعون وجمع من القتلى أربعة وعشرون من صناديد المشركين فألقي بهم في قليب من قلبان بدر , منهم أبو جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وغيرهم من رؤوس الكفر وصناديد المشركين .

وبعد ثلاث ليال أقامها النبي صلى الله عليه وسلم ببدر , انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند انصرافه وقف علي القليب ونادى أولئك الصناديد بأسمائهم وأسماء آبائهم , يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان لقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا .

فقال له عمر الفاروق : أتنادي أجساداً قد بليت يا رسول الله . فقال : والله ما أنتم بأسمع لكلامي منهم ,ذلك أن الله عز وجل أسمعهم نداء نبيه في تلك اللحظة رواه البخاري ومسلم

وفي هذين الفريقين فريق الإيمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وفريق الكفر والشرك قريش وصناديدها أنزل الله تبارك وتعالى قوله: هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم [الحج:19].

اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب رسولك وحب من يحب رسولك وحب عمل يقربنا إليك.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية



الحمد لله رب العلمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .

ايه الاحبة في الله نقف مع بعض الدروس المستفادة من هذه الغزوة

أولا : هذه الغزوة وقعت في شهر رمضان, هذا الشهر الكريم شهر العمل وشهر الصبر والجهاد في سبيل الله , تتضاعف فيه همة المؤمن ويقرب من ربه الكريم الرحيم وتفتح فيه أبواب الجنان فهو أثمن وأنفس فرصة للمؤمن لكي يضاعف فيها نشاطه وعمله في سبيل الله عز وجل وأكثر المعارك الإسلامية الكبرى في تاريخ المسلمين وقعت في هذا الشهر الكريم.

ثانيا : هذه الغزوة تبين بجلاء ما يعرفه كل مؤمن أن النصر كله بيد الله يؤتيه من يشاء , فالصحابة رضوان الله عليهم لما خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يريدون الحرب وما ظنوا أن سيكون قتال ولذلك لم يتهيؤوا للحرب والقتال ولم يعدوا ما يكفي من العدة ومع ذلك أظفرهم الله ونصرهم على عدوهم لما صدقوا ما عاهدوا الله عليه وامتثلوا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم, فببركة إيمانهم وبصدقهم مع الله وطاعتهم لرسوله نصرهم الله وأظفرهم وأظهرهم على عدوهم .

ثالثا : حينما تكون المعركة بين الإيمان والكفر فإن النتائج لا تقاس بالمقاييس البشرية التي تبنى عادة علي الأسباب المادية وحدها , فإن الله عز وجل يؤيد جند الإيمان , يؤيد المؤمنين على الكافرين وإن كان الميزان المادي بينهم وبين عدوهم ليس متكافئا فإن الله سبحانه وتعالى الرحيم بعباده المؤمنين يعوض ما عساه نقص من استعداداتهم بما شاء من جنوده وما يعلم جنود ربك إلا هو .

فالصحابة رضوان الله عليهم في بدر كان عدوهم أكثر منهم عددا وأقوى عدة , كان جيش المشركين ثلاثة أضعاف جيش المؤمنين ولكنهم لما لجأوا إلى ربهم واستغاثوا به نصرهم الله عز وجل علي عدوهم رغم هذا الفارق المادي الكبير في العدد والعدة .

رابعا : لم يكن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوانى عن مشاورة أصحابه في جلائل الأمور وخاصة في المواقف الخطيرة كغزوة بدر وغزوة أحد وغزوة الخندق كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بمبدأ المشاورة امتثالا لأمر ربه عز وجل ولذلك كانت بركات هذا المبدأ تنزل عليه وعلى أصحابه نجاحا وفلاحا وفوزا في الأمور ونصرا وظفرا في المعارك .

خامسا : الأمر كله لله المُلك ملكه والخلق عبيده , فالخلق مفتقرون كلهم إلى الخالق وهذه هي حقيقة العبودية وهي حقيقة عرفها المؤمن وامتثل لها وعاندها الكافر وتمرد عليها وهذا هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف العظيم يعلمنا هذا الدرس الجليل مهما كانت الأحوال فان إظهار الافتقار إلى الرب عز وجل والتضرع بين يديه والتذلل له سبحانه وإظهار الضعف بين يديه والحاجة إليه والاستغاثة به , هذه كلها أمور مطلوبة من المؤمن مهما كانت الأحوال فالنبي صلى الله عليه وسلم مع يقينه بالنصر حتى إنه حدد المواضع التي سيقتل فيها زعماء المشركين ومع ذلك يقف بين يدي ربه يدعو ويلح في الدعاء والتضرع والاستغاثة وببركة هذه الاستغاثة من النبي صلى الله عليه وسلم وببركة استغاثة الصحابة الكرام استجاب لهم الرب فنصرهم وأيدهم على الرغم من ذلتهم والمقصود بالذلة ضعف القوة وقلة العدد, يقول تعالى: إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين [الأنفال:9].

صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال عز من قائل إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب:56]. وقال صلى الله عليه وسلم: (( من صلى علي واحدة صلى الله بها عليه عشرا )رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.اللهم صل وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق و ذي النورين عثمان وأبي السبطين علي وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين
.

المناضل السليماني 09-09-2009 10:09 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
فضل الاعتكاف وحكمه

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، نشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لهذه الأمة، وتركنا على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ آل عمران(102).
، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا النساء(1).

، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا. الأحزاب(70 - 71).
أما بعد:
فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: أوصيكم بتقوى الله؛ فإن بالتقوى كل حبل يقوى، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجراً، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
أيها الصائمون: ها هو شهر رمضان قد مضى ثلثاه، وقد شرع لكم مولاكم - جل في علاه - في هذا الشهر عبادات جليلة، ورتب عليها الأجور الكثيرة، ومن هذه العبادات التي شرعها الله لكم في ختام هذا الشهر "الاعتكاف"، وهو عكوف القلب على الله، والتلذذ بمناجاته، والإنس به، وذلك بلزوم المسجد وعدم الخروج منه إلا لحاجة، والانقطاع عن الدنيا وأهلها، والتفرغ للصلاة والذكر, والدعاء وقراءة القرآن، وغير ذلك من أنواع القربات والطاعات، يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "لما كان صلاحُ القلبِ واستقامتُه على طريق سيره إلى اللَّه - عز وجل- متوقِّفاً على جمعيَّته على اللَّه، وَلَمِّ شَعثه بإقباله بالكليَّة على اللَّه - تعالى-؛ فإن شَعَثَ القلب لا يَلُمُّه إلا الإقبالُ على اللَّه - تعالى-، وكان فُضولُ الطعام والشراب، وفُضولُ مخالطة الأنام، وفضولُ الكلام، وفضولُ المنام؛ مما يزيدُه شَعَثاً، ويُشَتِّتُهُ في كُلِّ وادٍ، ويقطعه عن سيره إلى اللَّه - تعالى-، أو يُضعِفُه أو يعوقه ويُوقِفه؛ اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يُذهِبُ فضولَ الطعام والشراب، ويستفرِغُ مِن القلب أخلاطَ الشهواتِ المعوِّقة له عن سيره إلى اللَّه - تعالى-، وشَرَعَهُ بقدر المصلحة بحيث ينتفعُ به العبد في دنياه وأُخراه، ولا يضرُّه ولا يقطعُه عن مصالحه العاجلة والآجلة، وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصودُه وروحُه عكوفُ القلبِ على اللَّه - تعالى-، وجمعيَّتُه عليه، والخلوةُ به، والانقطاعُ عن الاشتغال بالخلق، والاشتغال به وحده - سبحانه -، بحيث يصير ذِكره وحبه والإقبالُ عليه في محل هموم القلب وخطراته، فيستولى عليه بدلَها، ويصير الهمُّ كُلُّه به، والخطراتُ كلُّها بذكره، والتفكُر في تحصيل مراضيه وما يُقرِّب منه، فيصيرُ أُنسه باللَّه بدَلاً عن أُنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنسه به يوم الوَحشة في القبور حين لا أنيس له، ولا ما يفرحُ به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم. زاد المعاد في هذي خير العباد.
.
ويقول العلامة ابن عثيمين - رحمه الله -: والمقصود بالاعتكاف انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله في مسجد من مساجده، طلباً لفضله وثوابه، وإدراك ليلة القدر، ولذلك ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والقراءة, والصلاة والعبادة، وأن يتجنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا، ولا بأس أن يتحدث قليلاً بحديث مباح مع أهله أو غيرهم لمصلحة؛ لحديث صفية أم المؤمنين - رضي الله عنها - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً فحثته، ثم قمت لأنقلب - أي لأنصرف إلى بيتي - فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - معي. رواه البخاري ومسلم
أيها الصائمون: إن الاعتكاف سنة ثابتة، وثبوتها جاء في الكتاب والسنة وعمل سلف الأمة، قال الله - عز وجل - في نهاية آيات الصيام: وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا البقرة(187).
).

، وقد عهد الله إلى إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - بتطهير بيته للطائفين والعاكفين، فقال - عزوجل -: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. البقرة(125).
والاعتكاف - يا عباد الله - سنة قولية وفعلية، فقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها بقوله، وطبقها بفعله، فاعتكف - صلى الله عليه وسلم - هو وأصحابه وزوجاته، ولم يزل الحريصين على تطبيق سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكفون إلى يومنا هذا؛ فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم قال: "إني أعتكف العشر الأول التمس هذه الليلة، ثم أعتكف العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف" رواه مسلم.
، وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله - عز وجل - ثم اعتكف أزواجه من بعده- رواه البخاري ومسلم.
،‏ ‏وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال‏:‏ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يومًا". رواه البخاري.
بارك الله لي ولكم بالقرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأصلي وأسلم على خير داع إلى رضوانه محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم لقائه.
أيها المعتكفون: إنه يجب عليكم أن تعلموا شروط صحة الاعتكاف ومبطلاته وآدابه، فمن شروط صحته - رحمكم الله -:
1- الإسلام، فلا يصح من كافر.
2- العقل، فلا يصح من مجنون ونحوه.
3- التمييز؛ فلا يصح من الصبي غير المميز؛ لأنه ليس من أهل العبادات.
4- النية، فلا يصح الاعتكاف بغير نية؛ لأنه عبادة لله - عزوجل -، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى". رواه البخاري.
5- الطهارة من الحيض والنفاس، فإذا طرأ الحيض على المرأة حال اعتكافها وجب عليها الخروج من المسجد.
6- أن يكون الاعتكاف في مسجد تقام فيه الجماعة لئلا يخرج لكل صلاة؛ كما نص على ذلك أهل العلم.
أيها الصائمون المعتكفون: أما مبطلات الاعتكاف فهي كالأتي:
1- فقدان شرط من شروط الاعتكاف الأنفة الذكر.
2- الجماع ومقدماته من التقبيل واللمس لشهوة؛ لقوله - عز وجل -: وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. البقرة (187).

3- الخروج الكلي من المسجد لغير عذر، أما الخروج ببعض الجسم فلا يبطل الاعتكاف؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف فأغسله وأنا حائض"، وفي رواية أنها كانت ترجل رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي حائض وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها يناولها رأسه. - رواه البخاري.

4- الردة عن دين الإسلام - والعياذ بالله -، فإذا ارتد المعتكف بطل اعتكافه لقوله - عز وجل -: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. الزمر (65

أيها الصائمون : أما آداب الاعتكاف ومستحباته فهي:
1- الاشتغال بما لأجله شرع الاعتكاف.
2- اجتناب ما لا يعني المعتكف من الأقوال والأعمال، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة رقم(3211).
3- أن لا يتخذ المُعتَكَف فرصة للقاء والاجتماع والتحدث عن الدنيا؛ كحال بعض المعتكفين.
4- عدم التوسع في المباحات كفضول الطعام والكلام، والاختلاط والنظر والنوم، فإن المعتكف لم يترك بيته وأهله وأولاده لينام في المسجد، وإنما جاء ليتفرغ لعبادة الله - عز وجل -.
5- أن لا يكثر المعتكف من الخروج من معتكفه لغير حاجة معتبرة.
6- المحافظة على نظافة المسجد، فربما ترك بعض المعتكفين مخلفاتهم دون تنظيف، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها".رواه البخاري ومسلم.
7- عدم التفريط في حقوق الأهل والأولاد؛ فإن بعض الناس ربما يترك أهله وأولاده بدون إعطائهم حقوقهم من المآكل والمشرب ونحوه وهو في معتكفه.
ثم اعلم أيها المعتكف الكريم: أن الاعتكاف فرصة عظيمة لتربية النفس، وجهاد الهوى، والبعد عن الشواغل والصوارف، وكثرة المطاعم والمآكل، والتفرغ لقراءة القرآن، والذكر وقيام الليل.
واحذر أن يكون حولك بعض الفارغين فتضيع ساعات يومك وليلتك في حديث جانبي، وأمور تافهة، بل احرص على إحياء هذه السنة العظيمة، وإحياء قلبك بدوام الطاعة، وفرِّغ من شهور السنة كاملة آياماً معدودة للتزود والتفكر
جعلنا الله وإياكم ممن يتقبل طاعاتهم، ويتجاوز عن تقصيرهم وزلاتهم.
اللهم وفقنا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا، وأحسن عاقبتنا وأكرم مثوانا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام وأهله، وأذل الكفر وحزبه، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
الدعاء

المناضل السليماني 13-09-2009 11:14 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
زكاة الفطر ووداع رمضان والعيد
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله : ألا وإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد : أيها الناس: اتقوا ربكم وحاسبوا أنفسكم ماذا عملتم في شهركم الكريم، فإنه ضيف قارب الزوال وأوشك على الرحيل عنكم والانتقال، وسيكون شاهدا لكم أو عليكم بما أودعتموه من الأعمال، فابتدروا رحمكم الله ما بقي منه بالتوبة والاستغفار والاستكثار من صالح الأقوال والأفعال والابتهال إلى ذي العظمة والجلال لعل ذلك يجبر ما حصل من التفريط والإهمال.
عباد الله: إن ربكم الكريم شرع لكم في ختام هذا الشهر عبادات جليلة يزداد بها إيمانكم وتكمل بها عباداتكم وتتم بها نعمة ربكم. شرع الله لنا زكاة الفطر ، فقد فرضها رسول الله صاعا من طعام، وهي واجبة بإجماع المسلمين
والدليل على وجوبها قوله تعالى:(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) (الأعلى:14) ورد عن أبي سعيد الخدري وعطاء وقتادة أن التزكي – هنا – المراد به : زكاة الفطر (الملخص الفقهي:1/350،وزاد المسير لابن الجوزي:9/91) في صحيح البخاري وغيره أن أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ )، وفي الصحيحين عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ ) ، (والحكمة من مشروعيتها: أنها طُهرةٌ للصائم من اللغو والرفث، وطعمةٌ للمساكين، وشكرٌ لله تعالى على إتمام فريضة الصيام)(الملخص الفقهي:1/350) فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ(رواه أبو داود وغيره)[حسن . انظر صحيح الترغيب: 1085 ] . فأخرجوا أيها المسلمون زكاةَ الفطر مخلصين لله ممتثلين لأمر رسول الله ، فقد فرضها رسول الله على جميع المسلمين صغيرِهم وكبيرِهم حتى من في المهد، أما الحمل في البطن فلا يجب الإخراج عنه إلا تطوعاً إلا أن يولد قبل ليلة العيد فيجب الإخراج عنه. فأخرجوها طَيّبة بها نفوسكم، واختاروا الأطيب والأنفع، فإنها صاع واحد في الحول مرة، فلا تبخلوا على أنفسكم بما تستطيعون
أما الأصناف التي تُخرج منها فهي: صاعٌ عن كل شخص مما تَطْعمُون من غالبِ قوتِ البلد من البُر أو الشعير أو الأرز أو التمر أو الزبيب أو غير هذه الأصناف مما اعتاد الناسُ أكلَه فإن كانَ قوتُ أهل البلد غيرَ هذه الأصناف أخرجوا من قُوتهم حتى لو كان من غير هذه الأصناف، لأن المقصود – أيها المؤمنون – سدُّ حاجة الفقراء والمساكين يومَ العيد ومواساتُهم وإغناؤهم عن طلب الطعام ذلك اليوم
أما مقدارُ الصاع النبوي الواردِ في الحديث: فقد قدَّره العلماء بما يساوي ثلاثة كيلوا جرامات إلا ربعاً تقريباً .
أما حكم إخراجها نقوداً بدل الطعام : فإنه لا يجوز و لا تجزئه، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضَها وأخرجها صاعاً من الطعام ولم يفرضْها من الأموال مع أن الأموالَ كانت معروفةً عندهم ، ولأن الصحابة رضوان الله عليهم أخرجوها من الطعام ولم يخرجوها من النقود ، ولو كان إخراجُ زكاة الفطر مالاً فيه خيرٌ لسبقونا إليه، ولأن الفقيرَ في ذلك اليومِ أحوجَ إلى الطعام منه إلى المال فإن الناس ذلك اليوم مشغولون بالعيد فقد يبحث الفقير والمسكين عن الطعام فلا يجده ولو أعطينا الفقير طعاماً من قوت البلد فإنه سيأكل منه ويستفيد منه عاجلاً أو آجلاً . ولو قال قائل : إن المال أنفع للفقير فنقول له : إن الأنفع للفقير ما فرضه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهل أنت أعلم بما يصلح لعباده منه سبحانه؟! وكذلك لا يجوز إخراجها من الكسوة ، فمن أخرجها من ذلك لم تُقبل منه، ولو أخرج عن الصاع ألف ريال أو ألف ثوب لم يقبل ، لأنه خلاف ما فرضه رسول الله ، وقد قال : ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)). أي : هو مردود عليه غير مقبول وقد سُئل الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى عن إخراج زكاة الفطر من النقود ؟ فقال : الأصل في العبادات التوقيف ، ولا نعلم أن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخرج النقود في زكاة الفطر وهم أعلم الناس بسنته صلى الله عليه وسلم وأحرص الناس على العمل بها ولو وقع منهم شيء من ذلك لنقل كما نقل غيره ثم قال: (إخراج النقود في زكاة الفطر لا يجوز ولا يجزيء عمن أخرجه لكونه مخالفاً لما ذكر من الأدلة الشرعية ). أما الذين تجب عليهم زكاة الفطر : فإن الرجلَ يخرجُها عن نفسه وعمن يمونه يعني : عن الذي يُنفق عليهم من الزوجات والأقارب؛ أما الحملُ في البطن فلا يجب الإخراج عنه ولكن يستحب لفعل عثمان رضي الله عنه (الملخص الفقهي:1/352).
أيها المسلمون: أما وقت إخراجها : فيبدأُ وقت الإخراج الأفضل بغروب شمس ليلة العيد وإن تيسر لكم يومَ العيد قبلَ الصلاة فإنه أفضل ، ولا بأس أن تخرجوها قبل العيد بيوم أو بيومين، ولا يجوز قبل ذلك، وكذلك يحرُم تأخيرها بعد صلاة العيد إلا من عُذر مثل أن يأتيَ خبرُ ثبوتِ العيد فجأةً ولا يتمكن من إخراجها قبل الصلاة . لحديث ْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ ( رواه مسلم ) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ )[صحيح الترغيب: 1085]. أيها المؤمنون ادفعوا زكاةَ الفطر إلى الفقراء خاصة، والأقاربُ المحتاجون أولى من غيرهم، ولا بأس أن تُعطوا الفقيرَ الواحدَ فطرتين أو أكثر، ولا بأس أن توزعوا الفطرةَ الواحدةَ على فقيرين أو أكثر، ولا بأس أن يَجمع أهلُ البيت فطرتَهم في إناء واحدة بعد كيلِها ويوزعوا منها بعد ذلك بدون كيل .
وإذا أخذ الفقيرُ فطرةً من غيره وأراد أن يدفعَها عن نفسه أو عن أحدٍ من عائلتِه فلا بأس لكن لابد أن يكيلَها خوفاً من أن تكون ناقصةً إلا أن يخبرَهُ دافعُها بأنها كاملة فلا بأس أن يدفعها بدون كيل إذا كان يثق بقوله. وإذا أرادَ الفقيرُ أن يبيعَ الفطرةَ بعد أخذها فله ذلك لأنها أصبحت مُلكاً له يتصرفُ فيها كيف شاء.
أيها المؤمنون صلوا صلاة العيد مع المسلمين واخرجوا إلى المصلى أنتم ونساؤكم وأطفالكم وأخرجوا الحُيَّض من النساء وليعتزلن المصلى وليشهدن الخير ودعوة المسلمين كلوا تمرات وتراً قبل الخروج لصلاة العيد كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل أكثروا من التكبير والتهليل والتحميد في هذا اليوم تجنبوا المعاصي والمنكرات واشكروا الله تعالى على ما أتم عليكم من إتمام صيام شهر رمضان وعلى ما وفقكم فيه من الصيام والقيام واسألوا الله أن يتقبل منا ومنكم هذه الأعمال برحمته وجوده وكرمه إنه جواد كريم أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنعم على عباده بالنعم التي لا تعد ولا تحصى (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (ابراهيم:34) (إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل:18) وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله من أتم الله به على عباده النعمة وأكمل به الدين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد : فاعلموا – أيها المؤمنون – أن الأيام تمر مر السحاب عشية تمضي وتأتي بكرة وحساب يأتي على مثقال الذرة وإن في كر الأيام والليالي لعبرة وقد قال بعض الحكماء إن السنة شجرة والشهور فروعها والأيام أغصانها والساعات أوراقها والأنفاس ثمرها فمن كانت أنفاسه في طاعة الله فثمرة شجرته طيبة ومن كانت في معصية فثمرته حنظل وإنما يكون الجذاذ يوم الحصاد فعند الجذاذ يتبين حلو الثمار من مرها، وإن الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين وليس لهم حط عن رحالهم إلا بالجنة أو النار
أيها المؤمنون - إن شهر رمضان قد أوشك على تمامه فما أسرع ما انقضت أيام شهر رمضان ! فهل التفتنا إلى أنفسنا وتفكرنا في خطايانا لو عوقبنا ببعضها لهلكنا ولو كُشِف للناس بعضَها لاستحيينا من قبحها وشناعتها فيا خسارة تلك النفس التي انسلخ عنها شهر رمضان وما انسلخت عن قبيح عاداتها، ألا وإن من قلةِ التوفيق: قلةَ الاعتراف بالذنب فيا مؤخراً توبتَة بمطَل التسويف لأي يوم أجلتَ توبتَك كنت تقول إذا شِبتُ تُبتُ وإذا دخل رمضانُ أنبتُ فهذه أيامُ رمضانَ عنا قد انقضتْ فهل وفيت بما وعدت؟! فتدارك أيها المقصِّر عُمُرَك واغتنم ما بقيَ من هذا الشهر وابْكِ على خطيئتك فربما غسلتْ دموعُك ذنوبَك وربما نظر الله إلى قلبك وإخلاصك وتقواك فتجاوز عنك وغفر لك وستر عيوبَك اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن أعتقت رقابهم من النار في هذا الشهر الكريم وممن أنجيتهم من جهنم دار البوار وممن غفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم وأصلحت أحوالهم . اللهم وأكتب لنا وللمسلمين العفو والعافية في الدنيا والآخرة اللهم ما أنزلت في هذا الشهر الكريم من مغفرة ورحمة وعفو وعافية فاجعل لنا وللمسلمين منه أوفر الحظ والنصيب اللهم وأحسن عاقبتنا في الأمور كلِّها وأجرنا من خزي الدنيا وعذابِ الآخرة اللهم وثبتنا على طاعتك بعد رمضان إنك سميع مجيب اللهم ووفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته لبر والتقوى اللهم وأصلح به العباد والبلاد يا سميع الدعاء اللهم وانصر إخواننا المسلمين في كل مكان اللهم وأذل الكفر وأهله ودمرهم تدميراً واجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين يا قوي يا عزيز سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

عايض الفهري ابوبندر 13-09-2009 12:24 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
الله يجزاك خير

و يجعل عملك هذى في موازين حساناتك

مع أطيب التحيات

المناضل السليماني 17-09-2009 10:18 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
جزاك الله خيرا اخي عائض وتقبل الله دعواتك
------------------


محاضرة بعنوان ماذا بعد رمضان

الحمد لله السميع البصير، اللطيف الخبير، أحاط بكل شيء علمًا، ووسع كل شيء رحمة وحلمًا، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العلي القدير، القويّ المتين، الوليِّ الحميد، الفعَّالِ لما يريد، الحليم الشكور، العزيز الغفور، قائم على كل نفس بما كسبت، يحصي على العباد أعمالهم، ثم يجزيهم بما كسبت أيديهم، ولا يظلم ربك أحدًا، أحمدُه سبحانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحقّ المبين، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدًا عبده ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، الصادق الوعد الأمين، صاحبُ النهج الراشِد والقول السديد اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد
لقد فارقنا رمضان بعد أن حل ضيفا عزيزا غاليا . نسأل الله أن يتقبل منا رمضان كما بلغنا رمضان ووفقنا لصيامه وقيامه وتلاوة القرآن.
وأول ما ننصح به ألا يغتر العبد منا بعبادته
ولا يقل: لقد صمت رمضان كاملا. بل عليه أن يحمد الله أن وفقه وبلغه شهر رمضان ووفقه لصيامه وقيامه؛ فكم من محروم وممنوع.
وثانيا: ينبغي أن يستغفر الله
فتلك عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد كل طاعة
فقه هذا المعنى الخليفة الفقيه الراشد عمر بن عبد العزيز-رضى الله عنه-
فكتب إلى الأمصار يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار والصدقة
بقوله:-
قولوا كما قال أبوكم آدم:-
(ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )
وقولوا كما قال نوح عليه السلام:-
) وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين (
وقولوا كما قال إبراهيم عليه السلام:-
(والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين)
وقولوا كما قال موسى عليه السلام:-
)رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم (
وقولوا كما قال ذو النون عليه السلام:-
(لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)
يقول الحسن البصري، رحمه الله:-"أكثروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة".
ويوصى لقمان ابنه فيقول:- " يا بنى عود لسانك الاستغفار فإن لله ساعات لا يرد فيهن سائلا".
فلنكثر من الخصلتين اللتين نرضى بهما ربنا بأن نشهد أن لا إله هو إلا هو الغفور الرحيم
وأن نستغفره ونتوب إليه.
ثالثا: أن نحرص على دوام حمد الله وشكره
فإن اكتمال النعمة على العبد وتمامَها، سواءٌ بانتصاره على نفسه، أو على عدوه في معركة ،أو نجاحٍ في دعوة ،أو فراغٍ من موسم طاعةٍ وُفِّق فيه العبد لما تيسر من العمل الصالح، كُلُّ ذلك يحتم شكر الله والاعتراف بنعمه وفضله.
وهذا دأب الصالحين من سلفنا رحمهم الله ورضوانه عليهم؛ فقد كانوا دائما شاكرين لأنعم الله، لهَجَتْ به ألسنتهم، وتحركت به شفاههم، وظهر ذلك على أعمالهم. فالله _تعالى_ صرّح بالثناء على صفوة خلقه من أولي العزم من الرسل _عليهم الصلاة والسلام_ بأنهم كانوا من الشاكرين، فوصف نوحاً بأنه " كَانَ عَبْداً شَكُوراً"، ووصف إبراهيم بأنه كان "شَاكِراً لأَنْعُمِهِ " ،وقال لكلٍ من موسى ومحمد ـ عليهما الصلاة والسلام ـ : "وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ" ،وقد كانا ـ والله ـ كذلك.
فتأمل في كلمة (شكور ) فهي صيغة مبالغة، وتأمل في كلمة (شاكر) كيف جاءت على صيغة اسم الفاعل الدال على الاستمرار. وهذا نبي الله يوسف، عليه صلوات الله وسلامه، بعد ما جمع الله شمله بأبويه وإخوته، وتمت له النعمة، يقول: "رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ" يوسف:101
لقد انتزع نفسه من فرحة اللقاء، وأنس الاجتماع؛ ليلهج بهذه الدعوات المباركة، المليئة بالافتقار والتذلل، والرغبة في تمام النعمة عليه بأن يتوفاه ربه مسلماً، وأن يلحقه بالصالحين من عباده.
وهذا سليمان بن داود، عليهما الصلاة والسلام، الذي له عند ربه زلفى وحسن مآب، يكثر من شكره لنعم ربه. فحينما خرج في موكبه، وسمع النملة تنذر قومها بقولها : " ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ"(النمل: من الآية18) ! لم يشغله الاستمتاع بمعرفة لغة هذه الحشرة الصغيرة التي حجبت لغتها عن غيره من البشر ! عن التوجه إلى من أنعم عليه بهذه النعمة، بل قال: { رب أوزعني لأن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه}. ولمّا رأى عرش ملكة سبأ مستقراً عنده، بسرعةٍ هي أقل من طرفة العين، قال : "هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ" النمل:40
وهكذا تستمر القافلة المباركة ؛ لتقف عند أكمل الخلق شكراً واستغفاراً ،ألا وهو نبينا، فبعد حياةٍ حافلة بالبلاغ ،والجهاد ،والصبر ،والبذل ،والعطاء ،تتنزل على قلبه سورة النصر ، تلك السورة العجيبة التي جمعت ـ رغم قصرها ـ بين البشرى بالفتح، وبين نعي أكرم نفس بشرية ،فيمتثل _صلوات الله وسلامه عليه_ هذا الأمر في أمرين : أحدهما قولي، والآخر فعلي :
أما القولي فكان يكثر أن يقول ـ في ركوعه وسجوده ـ سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن ،أي : يمتثل أمر الله له بالتسبيح والاستغفار، والحديث متفق عليه.
وأما الامتثال الفعلي، فيتجلى في الإكثار من قيام الليل حتى تتفطر قدماه. وحين يدخل ـ بأبي هو وأمي ونفسي ـ مكة عام الفتح منكساً رأسه، متخشعاً، معلناً بذلك خضوعه، وتواضعه، وتذللـه لربه _جل وعلا_ ، ثم شفع هذه الهيئة المعبرة عن التواضع العظيم بثمان ركعات من الضحى، شكراً لله _تعالى_ على هذه النعمة الكبرى.
فإذا كان هذا حال سادة الرسل، فغيرهم أحوج ما يكون إلى شكر الله، والدوام على ذلك، مع دوام استغفار الله؛ فإن الحاجة تشتد إلى الإكثار من هاتين العبادتين، فبالشكر تدوم النعمة، وبالاستغفار تُغفر الزلة وتقال العثرة.
لذا فنحن مضطرون أشد الاضطرار إلى أن تتواطأ ألسنتنا مع قلوبنا على شكرٍ يحفظ النعمة، واستغفارٍ يرقع الخلل، عسى ربنا أن يتقبل ما منَّ به علينا، ويتجاوز عما قصّرنا فيه، وما أكثره !
فبعد أن ذكر الله _تعالى_ فرضية الصيام، وشيئاً من أحكامه، جاء التعليل الرباني لهذه الأحكام بقوله : " يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون"(البقرة: من الآية185) ،والمعنى : ولتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق.
يقول التابعي الجليل بكر بن عبد الله المزني ـ رحمه الله ـ : قلت لأخٍ لي : أوصني! فقال : ما أدرى ما أقول ! غير أنه ينبغي لهذا العبد ألا يفتر من الحمد والاستغفار، فإن ابن آدم بين نعمةٍ وذنبٍ ،ولا تصلح النعمة إلا بالحمد والشكر، ولا يصلح الذنب إلا بالتوبة والاستغفار.
ويقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ : "وما أتي من أُتي إلا من قِبَلِ إضاعة الشكر، وإهمال الافتقار والدعاء، ولا ظفر من ظفر ـ بمشيئة الله وعونه ـ إلا بقيامة بالشكر، وصدق الافتقار والدعاء، ومِلاكُ ذلك : الصبر، فإنه من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس فلا بقاء للجسد".
وحري بمن وفق للشكر أن يلاقي من ربه أعظم مما قدّم ،فإن الرب أعظم شكراً.
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ : "والله _تعالى_ يشكر عبده إذا أحسن طاعته، ويغفر له إذا تاب إليه، فيجمع للعبد بين شكره لإحسانه، ومغفرته لإساءته، إنه غفور شكور. والله _تعالى_ أولى بصفة الشكر من كل شكور، بل هو الشكور على الحقيقة، فإنه يعطي العبد ، ويوفقه لما يشكره عليه، ويشكر القليل من العمل والعطاء، فلا يستقله أن يشكره، ويشكر الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف مضاعفة، ويشكر عبده بقوله، بأن يثنى عليه بين ملائكته، وفي ملئه الأعلى، ويلقي له الشكر بين عباده، ويشكره بفعله، فإذا ترك له شيئاً أعطاه أفضل منه، وإذا بذل له شيئاً رده عليه أضعافاً مضاعفة، وهو الذي وفقه للترك والبذل، وشَكَره على هذا وذاك ...".
رابعا: الاهتمام بالقبول، ويقول علي، رضي الله عنه: كان أصحاب النبي يعملون العمل بهمة ثم إذا فرغوا أصابهم الهم أقبل العمل أم لا؛ فالهدف من الصوم هو التقوى فإذا تحققت فيك التقوى مع نهاية الشهر فقد قبل منك رمضان بفضل الله وبين لنا الحبيب أن من علامات قبول الطاعة أن تتبعها طاعة لا أن تتبعها معصية.
وها هو علي، رضي الله عنه، يخرج في آخر ليلة من شهر رمضان، ينادى بأعلى صوته:-
ليت شعري ! من هذا المقبول فنهنيه ؟؟ ومن هذا المحروم فنعزيه ؟؟
ومثله كان ابن مسعود، رضي الله عنه، يقول:
من هذا المقبول منا فنهنيه ؟؟
ومن ها المحروم منا فنعزيه ؟؟
أيها المقبول هنيئا لك
أيها المردود جبر الله مصيبتك !
فلنجتهد لنكون من المقبولين
ولنلحق بركب الصالحين
خامسا: الثبات على الطاعة
صحيح أن أيام رمضان لها ميزة خاصة وطاقة خاصة. ولكن نأخذ من هذه الطاقة ما يعيننا على الثبات بعد رمضان؛ فأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل. وهنا تتضح الحكمة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر ) والحكمة أن تثبت على الطاعة وتأكيد على الاستمرار في فعل الخيرات ورب رمضان هو رب كل الشهور.
ماذا تقول لامرأة جلست طوال شهر كامل تصنع ملبسا من الصوف بالمغزل حتى ما ان قرب الغزل من الانتهاء نقضت ما صنعته .
هذا المثل يمثل حال بعضنا فبمجرد انتهاء شهر رمضان سرعان ما يعود إلى المعاصي والذنوب فهو طوال الشهر في صلاة وصيام وقيام وخشوع وبكاء ودعاء وتضرع وهو بهذا قد أحسن غزل عباداته، لدرجة أن أحدنا يتمنى أن يقبضه الله على تلك الحالة التي هو فيها من كثرة ما يجد من لذة العبادة والطاعة ولكنه ينقض كل هذا الغزل بعد مغرب أخر يوم في رمضان.
ولا يكون الثبات إلا بالحذر الشديد من العدو الأكبر:الشيطان الذي حُبس عنا كثير من عظيم كيده شهرا كاملا وهو الآن خرج هائجا مغتاظا فكل ما فعله معك طوال العام وما أوقعك فيه من معاصي، ربما يكون قد غُفر لك في شهر، أو في الليالي العشر، أو في ليلة القدر. وهو يصر على دخولك النار، ويريد أن يضيع عليك ما كسبته من أجر في هذا الشهر في يوم واحد؛ ليثبت لك أن لا فائدة منك وانك مهما كنت طائعا فمن السهل أن تقع في المعصية .
ولذا لابد من الثبات على الطاعة بعد رمضان.
من الأشياء التي كانت تسر النظر وتفرح القلب وتشرح الصدر في رمضان منظر المسجد وهو مملوء بالمصلين في الخمس صلوات فعينك تقع إما على راكع أو ساجد أو مبتهل بالدعاء وإما قارئ للقرآن. والكل مملوء بالطاقة والحيوية والعزيمة والنشاط، ولكن مع أول أيام العيد يحدث الفتور والكسل والخمول فمنا من يؤخر الصلاة، ومنا من يترك قراءة القرآن، ويترك الدعاء، وقيام الليل.
فلنحافظ بعد رمضان على الصلوات في المسجد، وأنت استطعت أن تقرأ كل يوم جزءا أو جزئيين أو ثلاث، واجتهدت في ذلك، فحاول أن تجعل لنفسك وردا يوميا ثابتا من القرآن ولو صفحة واحدة يوميا. واحرص بعد رمضان على الدعاء ، أم ليس لك عند الله حاجة بعد رمضان فكلنا فقراء إلى الله وهو الغني الحميد فخصص وقتا للدعاء يوميا. المهم أن لا يمر يوم دون أن تدعو واسأل الله أن يثبتك على الطاعة .
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
فمن كان منكم أحسن فيه فعليه بالتمام
ومن كان فرط فليختمه بالحسنى
أسأل الله ان يجعلنا من المقبولين ... وأسأله ان يعيننا على تدارك ما بدر منا من تقصير في شهره.. وتفريط في جنبه .. إنه ولي ذلك والقادر عليه.

المناضل السليماني 22-09-2009 02:12 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
[/COLOR]اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد عدد خلقك، ورضا نفسك، وزنة عرشك، ومداد كلماتك، وأشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن محمدًا عبدك ورسولك وصفيك من خلقك، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بين جبال مكة ،في واد غير ذي زرع ،من عند بيت الله المحرم ثم ترعرع ذلك الغلام ،ومضت الأيام تلو الأيام ،والشهور تلو الشهور ،والسنين تلو السنين ،حتى بلغ ذلك الغلام 40 سنة ،فإذا بأمر غريب يحصل له ،يقلب عليه حياته كلها ،يأتيه الوحي من السماء ،ليكون رسول هذه الأمة ،فيفزع من الأمر أول مرة ،ثم يعلم بعد ذلك بتطمين خديجة له من جانب ،وقول ورقة بن نوفل له من جانب آخر ،فيأخذ أمر ربه ،ويصبح بعدها نبي ورسول هذه الأمة.
ذلك الغلام الذي منذ نعومة أظفاره ،وهو يترعرع في فجاج مكة ،ويمشي في أزقتها ،كان يعرف عند قومه منذ صغره بالصدق والأمانة ،فكانت له شخصية ،وكسب شعبية ،بأخلاقه الكريمة وإنك لعلى خلق عظيم ،فلما كلفه ربه بتبليغ رسالته ،وأن يصدع بالحق فاصدع بما تؤمر أعرض عن المشركين دعاهم إلى الإسلام ،واستنكر القوم هذه الدعوة ،واستغربوا هذا الأسلوب الجديد الذي لا عهد لهم به ،

والرسول ينادي فيهم: ((قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا)) فأدرك القوم معنى هذه الكلمة ،وأنها تعني القضاء على آلهتهم والقضاء عليها يقضي على نفوذهم الواسع وسلطانهم الجاهلي.
فلما كان لصاحب الدعوة من المكانة في أنفسهم سابقاً ،لم يتجرأوا في أول الأمر على قتله ،وقتل دعوته في مهدها ،بل اتبعوا أساليب شتى قبل قرار القتل ،فعرضوا عليه المال والجاه والرياسة ،ولم ينجح العرض إذ رأوا أنه ليس لديه أدنى ميل إلى هذه الأمور التي يرونها عظيمة ،فعمدوا إلى أسلوب خسيس يريدون به تدمير أعصاب الرسل – لو استطاعوا – والقضاء على الروح المعنوية العالية فأخذوا يقترحون اقتراحات ساخرة ،يحدثنا القرآن عن شيء من ذلك ،فيقول: وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه ولما لم ينجح هذا الأسلوب أيضا ،أخذوا يفترون على من سموه من قبل الصادق الأمين ،ويلقبونه بألقاب مفتريات ،ويشيعون ضد الدعوة إشاعات ،هم يعلمون عدم صحتها قبل غيرهم ،ولم يتركوا باباً من المكر والمكيدة إلا طرقوه ،وها هو القرآن يحدثنا عن مكرهم: وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال . ولما لم تنجح جميع الوسائل التي أشرنا إليها من عرض المال ،والرياسة ،والسخرية ،والشائعات ،والافتراءات وهي ما يسمونه بالحرب النفسية لجأ القوم إلى الحرب الحسية ينالون بها من صاحب الرسالة وأصحابه ،فجروا أحقادهم ،فعقدت جلسة خاصة ومهمة ،لسادات قريش في الحِجر ،واستعرضوا الموقف ودرسوه ،وعددوا ما فعل النبي عليه الصلاة والسلام ،وما قال في حقهم وفي حق آلهتم ،قالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط ،سفه أحلامنا وفرق جماعتنا ،وسب آلهتنا وشتم آباءنا ،وعاب ديننا إلى آخر ما عددوه.
ومن باب الموافقة أن يمر بهم النبي عليه الصلاة والسلام ،وهم يتحدثون في أمره.فوثبوا عليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به من كل جانب وصاحوا به قائلين: أنت الذي تقول كذا وكذا؟ فيجيبهم الرسول عليه الصلاة والسلام ،بكل ثقة وثبات:نعم ‍ أنا أقول كذا وكذا. وأرادوا قتله فأدركهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وانبرى للدفاع عنه ،فأخذ يدفع هذا ،ويجع هذا في بطنه ،وهو يقول: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ؟ ولما أعجزتهم جميع الحيل ،عقدوا مؤتمراً خطيراً في زعمهم في الأيام التي أخذ المسلمون يهاجرون فيها إلى المدينة ،وظنوا أن الفرصة سانحة فلا تفوت ،ومن الاقتراحات المهمة التي طرحت على بساط البحث والمناقشة للتخلص من النبي ودعوته هي الآتية:

1 – أن يسجن سجناً مؤبداً ولا يفك.
2 – أن يقتل على أيدي عدد من شباب قريش ينتخبون من عدة قبائل ليتفرق دمه بين القبائل.
3 – أن ينفى من البلد.

ولما وضعوا خطتهم وحزبوا أمرهم ،كشف الله السميع القريب أسرار مؤتمرهم وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين هذا ،وكانت المحنة على ضراوتها وقسوتها لا تزيد محمداً عليه الصلاة والسلام وصحبه إلا صلابة وتصميماً ،تصميماً في المضي مهما كانت التضحيات. وفي الوقت الذي كانوا يؤذونه عليه الصلاة والسلام، هذا الإيذاء كانوا يؤذون المؤمنين به ويعذبونهم بألوان العذاب ،وقد سجل التاريخ ما فعل أمية بن خلف ببلال الحبشي في بطحاء مكة ليكفر بمحمد ،ويعبد اللات والعزى، ولا يزيد بلال على قوله: أحد أحد. وهو تحت الصخرة ،ولكن إيمانه كان أعظم وأثبت ،وكانت هذه الكلمة من بلال تعني الهتاف بلا إله إلا الله ،و قل هو الله أحد .

وفي مكان آخر من مكة أيضاً نرى آل ياسر يعذبون ويفتنون ليكفروا بالإسلام ،ويعبدوا اللات والعزى ،ويموت الأب وهو شيخ كبير تحت التعذيب من توه.

أما الأم الشجاعة فقد أغلظت القول على أبي جهل ،فطعنها لشدة جهله برمحه ،فقتلها فهي أول شهيدة في الإسلام ،وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بآل ياسر ،وهم يعذبون فيقول لهم: صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة .

وقد شهدت أيام النبوة أبطالاً خلد التاريخ بطولتهم وشجاعتهم وثباتهم على عقيدتهم مهما كلفهم ذلك من الثمن ،ولو كان الثمن إزهاق أرواحهم الطاهرة فلنتخذ منهم خبيب بن عدي كمثال فقط لندرك أثر العقيدة في نفوسهم.
خبيب أحد الذين بعثهم النبي عليه الصلاة والسلام إلى بعض القبائل التي تسكن بين مكة والمدينة ،وهي قبيلة عضل وما جاورها من القبائل فبينما هو في طريقه اعتقل ثم حمل إلى مكة، وباعه المجرمون لبني الحارث بن عامر بن نوفل ،ليقتلوه بحارث بن عامر الذي قتله خبيب يوم بدر ،وفي اليوم المحدد لقتله خرجوا به من الحرم إلى التنعيم ليقتلوه في الحل بعد أن يصلبوه ،
فاستأذن منهم ليصلي ركعتين ،يناجي فيهما ربه ،وهو ساجد فأذنوا له ،فصلى ركعتين حسنتين ،فلما فرغ أقبل عليهم فقال: أما والله لولا أن تظنوا أنني لجزع من الموت لاستكثرت ،أو أطلت فرفع خبيب على الخشبة فقيل ارجع عن الإسلام نخلِ سبيلك ،فقال: لا والله ،ما أحب أن أرجع عن الإسلام ،وأن لي ما في الدنيا جميعاً ،وله دعوة مستجابة على الكفار في هذه المناسبة في كتب السير وكتب الحديث ولا نطيل بذكرها.
ومما قاله خبيب وهو معلق مصلوب (اللهم إني لا أرى إلا وجه العدو، اللهم أنه ليس هاهنا أحد يبلغ رسولك عني السلام، بلغه عني أنت) فبلغ جبريل سلامه إلى النبي فأخبره النبي أصحابه.
فأخذوا يمزقون جلده أشلاء برماحهم وهو يترنم بأبياته المشهورة التي منها:
ولسـت أبـالي حيـن أقـتل مسلمـاً *** على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك فـي ذات الإلـه وإن يشـأ *** يبـارك علـى أوصـال شـلو ممزع
ولسـت بمبـدٍ للعـدو تخـشعاً *** ولا جزعـاً إنـي إلى الله مرجعـي

وفي وسط هذه المحن والمشاكل المحزنة أظهر الله دينه ،وقويت شوكته وأعز الله أتباعه حتى قامت له دولة في طيبة فطابت لأتباعه ،وطاب مقامهم بها ،فجعل الرسول عليه الصلاة والسلام يستقبل الوفود تلو الوفود ،وهم يدخلون في الإسلام ويسألون عن تعاليمه ،وفي الوقت نفسه يرسل جيشه إلى الأطراف ،ليدعو إلى الله بالتي هي أحسن أولاً ،وللمعاند السيف ،هكذا أظهر الله الإسلام وأعز أهله ،ولو كره الكافرون.
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون

اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه


الخطبة الثانية

الحمد لله المحمودِ في عليائِه، والحمد للهِ حمدًا يليق بعظمته وكبريائِه، والحمدُ لله على آلائِه ونَعمائه، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه وأستغفِره، وأسأله المزيدَ من فضله وعطائِه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله وخيرتُه من خلقه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم لقائِه.

أما بعد:
وقافلة الدعوة تسير، ثم سلم الرسول الزمام لرجال أمناء تسلموا الدعوة وساروا بها سيرتها الأولى لم يغيروا ولم يبدلوا ،فأخذوا يفتحون القلوب قبل أن يفتحوا البلاد، فأقبل الناس على الإسلام محبة وتقديراً لحملته لما رأوا فيه الرحمة والإنصاف والعدل وعدم التناقض ،وهي الصفات التي جعلت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً.
هكذا مثل الإسلام أصحابُ رسول الله وأتباعهم وحببوه إلى الناس ثم انتهت تلك القرون التي هي بحق خير هذه الأمة ((خير الناس قرني ،ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)).
فآل الأمر بعد 14 قرناً إلينا ،وأصبحنا شئنا أم أبينا نحن المسئولون أمام الله عز وجل عن هذه الدعوة ،وتبليغها للناس. فمنا المقصر ومنا المفرط ومنا الباذل ،وفي ذلك فلتنافس المتنافسون.

لكنها كلمة نقولها للدعاة إلى الله عز وجل ،في هذا المقام لمن نذر نفسه لله ،وكل ينبغي أن يكون كذلك حسب طاقته ،ولن تُعدم وسيلة قدم من وقتك يومياً ،ولو بضع ساعات ،تثقل بها موازينك يوم القيامة.
إذا بزغ لك نجم الهمة في ظلام ليل البطالة فأردمه بقمر العزيمة ،لتشرق الأرض بنور ربها .
أخي المسلم: إنما أنت همة علية ،ونفس تضيء ،وهمة تتوقد ،أنت لا تعيش لنفسك ،ويجب أن تقنع نفسك أنك لا تعيش لها.
جد تجد ،ليس من سهر كمن رقد ،هذا دبيب الليالي يسارقك أنفاسك ،وسلع المعالي غاليات الثمن ،انظر لنفسك واغتنم وقتك ،فالدواء قليل ،والرحل قريب ،والطريق طويل مخوف ،والخطر عظيم ،والعقبة كؤود ،والناقد بصير.
أخي المسلم: خض ميدان التنافس وأت بجديد ،فإن قال لك البطالون والمثبطون: لو تفرغت لنا. فاقرع أسماعهم بصوت عمر بن عبد العزيز: وأين الفراغ ،والله لا مستراح للمؤمن إلا تحت شجرة طويى.

أيها المسلمون: إن النفس الإنسانية ،لابد لها أن تتحرك فإذا هي كفت عن الشر ولم تتحرك للخير ،بقى فيها فراغ وخواء ،قد يردها إلى الفساد والعياذ بالله.إن كل واحد منا أيها الأحبة سائر لا واقف إما يميناً أو شمالاً ،أو أماماً أو خلفاً ،ليس هناك وقوف البتة ،إنما هي مراحل تطوى إلى الجنة. مسرع ومبطئ ،متقدم ومتأخر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر .
أيها المسلمون: إنه لا تمام لحقيقة الإيمان في القلب ،حتى يتعرض القلب للمجاهدة في هذا الدين ،بدءاً من كراهية الباطل إلى السعي في الإصلاح، إلى نقل الناس من الغواية إلى الهدى،إنها باختصار الدعوة إلى الله ،التي تغير ماهية الشيء فتجعل من الرجل غير الرجل ومن القلب غير القلب ،تجعل صاحبها كالنحلة ،لا تأكل إلا طيبا ،ولا تخرج إلا طيبا ،وإذا وقفت على عود لم تكسره. بل مثل النحلة ،ما أخذت شيئاً منها إلا نفعك.

أيها المسلمون: إننا على ثقة بالله عز وجل ،وإنه ما يزال في الأمة رجال.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
أيها المسلمون: إنه يراد من كل واحد منكم الآن وفي هذه الفترة من حياة الأمة أن يقدم الكثير والكثير ،يراد من كل أسرة أن تقدم شيئاً لدينها ،أن تدخر من قوت شهرها ثمناً لكتاب قيم تقرأه الأسرة ،ثم يُهدى لمن ينتفع به ،ومبلغاً لمسلم محتاج ،وشريطاً نافعاً بالدعوة بالقول والعمل ،لأننا نفترض بالأُسر أنها صلُحت ونريدها الآن مصلحة بناءة.
نريد من طالب المدرسة ،أن يدخر من مصروفه ويسهم به في الدعوة إلى الله ،وأن يربى منذ صغره على العمل للإسلام.
نريد من الوجوه أن تتمعر لانتهاك حدود الله ،يعقبه تغيير أو إنكار.
نريد من التاجر أن يدعو بماله ،يقتطع مبلغاً شهرياً ولو بسيطاً يجعله في مصالح المسلمين ،وأحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل لطبع كتاباً ،أو بنظر معسراً ،ينفس كرباً يقضي ديناً ،يطرد جوعاً.
نريد من المدرسين والمدرسات ،أن يغرسوا الإيمان في قلوب أبناء الأمة ،إنهم والله مسؤولون أمام الله عن أولاد المسلمين.
الأمة بحاجة إلى قلوب تعرف الخشوع ،وعيوناً تعرف الدموع.
نطالب المربين تربية ،كتربية أبي بكر وعمر وصحبهم رضي الله عنهم ،لا نريد فراخ الصقور أن تربى تربية الدجاج فهذا جور ،ولا الأُسْدُ أن تربى تربية الخراف. إن الواقع الآن محتاج إلى كل جهد أيها الأحبة ،محتاج إلى كل جهد مهما ضئل حجمه وصغرت مساحته وقل عدده ،فعند الله لا يضيع مثقال ذرة. فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره .
الأمة بحاجة إلى مضاعفة الجهد ،وتكثيف العطاء ،وترجمة الكلام إلى عمل.
آفة الأمة: كثرة الشاكين المتوجعين ،وقلة المداويين.كثرة من يسبون الظلام وقلة من يوقدون ولو شمعة ،نعم أيها المسلمون ،لم يعد أحد هناك إلا ويشكو فمن المشكو منه إذن.
إن علينا أن ننتقل من دائرة الشكوى إلى دائرة العمل المتواصل الدؤوب.
لا ترضى أخي المسلم أن تكون من المتفرجين ،تنتظر العمل من الآخرين ،تنتظر حتى يأتي شخص من الخارج ،فيصلح لك أوضاع بيتك. بل يعمل الجميع وكل على قدر جهده وطاقته.
من استطاع منكم أن يميط شوكة من طريق فليمطها، ومن استطاع منكم أن يبذر حبة فليبذرها، من كان عنده علم دعا به ،ومن كان عنده مال دعا به فالمسئولية على الجميع ،كل بحسبه.
والأمة كلها مسئولة عن فرائض الله وحدود الله وشرائع الله وتحكيم كتاب الله.
إن المستمع عليه من المسئولية كما على المتكلم مسئولية تحويل الكلام إلى عمل ،والأفكار إلى وقائع ،وإن اختلفت درجة المسؤولية المسلم مطالب بالعمل إلى آخر رمق ،لو قامت الساعة وبيده فسيلة فاستطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها.
والله لا عمل أنفع للمسلم من عمل يقضيه في الدعوة إلى الله ،بياناً باللسان ،وجهاداً باليد ،ونفقة من العلم ،والمال والوقت فكل مسلم على ثغر من ثغور الإسلام ،أياً كان تخصصه ومستواه ،فالله الله أن يأتي الإسلام من قبله ،إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة ،همه أداء الواجب والمشاركة حسب طاقته
ولا ننسى ابنائنا المغرر بهم من اولئك الضلال المفسدون في الارض الذين يحولون ابنائنا الى قنابل موقوته علينا وعلى أمننا أن نحتويهم وان ندعوهم وأن نبين لهم فهم والله طاقة يجب ان توجه للحق وأن نذكرهم بما افتى به شياطينهم والمحركين لهم وذلك في آخر حادثة حينما اقنعوا ذلك الشاب ان يكشف عورته وان يضعوا المتفجرات في دبره أي دين واي جهاد يجعل الشخص يقتل نفسه ويقتل غيره ويكشف عورته المغلظة لمثل هذا العمل المشين
اللهم اهد شبابنا واجعلهم عزا للإسلام والمسلمين

المناضل السليماني 23-09-2009 04:38 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
بيان سعة رحمة الله , وأنه يغفر للعبد مارتكب من الذنوب إذا تاب توبة نصوحا
الخطبة الأولى
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب وأشهد أن لا إلا الله القائل ((وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ))آل عمران135
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمد عبده ورسوله القائل : (أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة(
عباد الله اوصيكم ونفسي المذنبة المقصرة بتقوى الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ آل عمران(102)
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (النساء1)

، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا. الأحزاب(70 – 71)
أما بعد:
فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: أوصيكم بتقوى الله؛ فإن بالتقوى كل حبل يقوى، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجراً، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. حديثي اليكم في هذه الجمعة عن بيان سعة رحمة الله , وأنه يغفر للعبد مارتكب من الذنوب إذا تاب توبة نصوحا

ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسول صلى الله عليه وسلم يقول (( إن عبداً أصاب ذنباً فقال : يارب إني أذنبت ذنباً فاغفره لي . فقال ربه: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له , ثم مكث ماشاء الله , ثم أصاب ذنباً آخر , وربما قال ثم أذنب ذنباً آخر فقال: يارب إني أذنبت ذنباً آخر فاغفره لي : قال ربه : علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له , ثم مكث ماشاء الله , ثم أصاب ذنباً آخر , وربما قال ثم أذنب ذنباً آخر , فقال: يارب إني أذنبت ذنباً آخر فاغفره لي : قال ربه : علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فقال غفرت لعبدي فليعمل مايشاء)) رواه البخاري ومسلم.
تباركت وتعاليت ياغفار الذنوب , وستار العيوب , فأنت الذي تقبل التوبة عن عبادك , وتعفو عن السيئات , ولاتنفعك طاعة المتعبدين , ولاتضرك معصية من أسر القول ومن جهر به , ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار , ولكنها الأعمال تحصيها لعبادك , ثم توفيها إياهم , فمن وجد خيراً فليحمد الله , ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه .
سبحانك جل شأنك تبسط يدك بالليل ليتوب مسيء النهار وتبسط يدك بالنهار ليتوب مسيء الليل وتقول ولك الحمد ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )النور31 .
وفي الحديث القدسي : (( يابن آدم إنك مادعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي . يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك . يابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة )) . وترغب العصاة في التوبة والإقبال عليك , وبأنك تبدل سيئاتهم حسنات إذا تابوا وآمنوا وعملوا الصالحات وكان الله غفوراً رحيما.
فبشرى لكم أيها المؤمنون , تحسنون فتثابون , وتسيئون فتستغفرون ويغفر الله لكم , قال تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * اُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }آل عمران136-135.
وقد جعل الله التوبة مقبولة من عباده وإن عظمت سيئاتهم , وارتكبوا كبائر الآثام والفواحش , ولامعصية بعد الكفر مالم تطلع الشمس من مغربها , أو تبلغ الروح الحلقوم , قال تعالى {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ }الأنفال 38 .
وفي الحديث القدسي (( أنا عند ظن عبدي بي , وأنا معه حيث يذكرني , والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة .
ومن تقرب إلي شبراً , تقربت إليه ذراعاً . ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً . وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه هروله )) رواه مسلم .
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر )) , لكن التوبة لها شروطاً لابد منها , والتائب ليس من استغفر الله بلسانه , واستمر في ذنوبه وعصيانه , غير نادم ولا مقلع , ولاعازم على الترك .
وأهم تلك الشروط : رد المظالم إلى أهلها , والندم على ما فات من المعاصي والذنوب , والعزيمة على عدم العودة إلى المعاصي .
فيا تاركأ ما أوجبه الله , ويا فاعلاً ما حرمه الله , تب إلى الله قبل أن يأتيك الموت فتندم ولات ساعة مندم , قال تعالى {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }النساء.
والله جل ذكره يدعوا عباده إلى رحمته , ويفتح لهم أبواب مغفرته, ويعدهم بما يرضيهم فيقول تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }التحريم8

من قصص التائبين:
1-توبة امرأة بارعة الجمال أرادت أن تفتن الربيع بن خثيم .
أمر قوم امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع بن خثيم لعلها تفتنه ، وجعلوا لها ، إن فعلت ذلك ، ألف درهم ، فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه ثم تعرضت له حين خرج من مسجده فنظر إليها فراعه أمرها ، فأقبلت عليه وهي سافرة ، فقال لها الربيع كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لونك وبهجتك ؟ أم كيف بك لو قد نزل بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتين ؟ أم كيف بك لو سألك منكر ونكير ؟ فصرخت صرخة فسقطت مغشياً عليها ، فو الله لقد أفاقت وبلغت من عبادة ربها ما أنها كانت يوم تاتت كأنها جذع محترق . أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتوب علينا توبة نصوحاً , وأن يغفر لنا ذنوبنا, إنه جواد كريم , اقول ماتسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه

الخطبة الثانية
الحمد لله المحمودِ في عليائِه، والحمد للهِ حمدًا يليق بعظمته وكبريائِه، والحمدُ لله على آلائِه ونَعمائه، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه وأستغفِره، وأسأله المزيدَ من فضله وعطائِه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله وخيرتُه من خلقه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم لقائِه..
روي أن رجلاً جاء إلى إبراهيم بن أدهم فقال له : يا أبا إسحاق إني مسرف على نفس ، فأعرض على ما يكون لها زاجراً ومستنقذاً لقلبي قال : إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية ولم توبقك لذة قال : هات يا أبا إسحاق !
قال : أما الأولى : فإذا أردت أن تعصي الله عز وجل فلا تأكل رزقه ، قال : فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه ؟ قال : يا هذا ! أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه ؟
قال : لا هات الثانية .
قال : إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئاً من بلاده قال الرجل : هذه أعظم من الأولى ! يا هذا إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له فأين اسكن ؟ قال : يا هذا! أفيحسن أن تأكل من رزقه وتسكن بلاده وتعصيه ؟ قال لا ، هات الثالثة .
قال : إذا أردت أن تعصيه وأنت تحت رزقه وفي بلاده فانظر موضعاً لا يراك فيه مبارزاً له فاعصه فيه قال : يا إبراهيم ! كيف هذا وهو مطلع على ما في السرائر ؟ قال يا هذا أفيحسن أن تأكل من رزقه وتسكن بلاده وتصعيه وهو يراك ويرى ما تجاهر به ؟ قال : لا هات الرابعة .
قال : إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فق له : أخرني حتى أتوب توبة نصوحاً واعمل لله عملاً صالحاً قال : لا يقبل مني ! قال يا هذا فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب ، وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير ، فكيف ترجو وجه الخلاص ؟ قالت : هات الخامسة :قال : إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم قال : لا يدعونني ولا يقبلون مني قال : فكيف ترجو النجاة إذا ؟ قال له : يا إبراهيم حسبي حسبي أنا استغفر الله واتوب إليه ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهما . فلا اله الا الله كم عصينا الله وبنعم الله وفي ارض الله وفي ملك الله وتحت نظر الله ولكن ابشركم بأن الله رحيم وكريم ويقبل التوبة عن عباده بل ويبدلها لمن تاب حسنات فاقبلوا على الله في كل حين وداموا على الاستغفار فمن لازم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرحا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب
وأسأل الله ان يجعل لكم من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا وان يرزكم من حيث لا تحتسبون وجميع المسلمين والمسلمات
عباد الله صلوا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه
( لا تنسون الدعاء بأن يغيث الله البلاد والعباد)

المناضل السليماني 30-09-2009 01:05 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 

هذه الخطبة عن الدنيا وقدرها

الخطبة الأولى

الحمد لله السميع البصير، اللطيف الخبير، أحاط بكل شيء علمًا، ووسع كل شيء رحمة وحلمًا، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العلي القدير، القويّ المتين، الوليِّ الحميد، الفعَّالِ لما يريد، الحليم الشكور، العزيز الغفور، قائم على كل نفس بما كسبت، يحصي على العباد أعمالهم، ثم يجزيهم بما كسبت أيديهم، ولا يظلم ربك أحدًا، أحمدُه سبحانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحقّ المبين، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدًا عبده ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، الصادق الوعد الأمين، صاحبُ النهج الراشِد والقول السديد اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله اوصيكم ونفسي المذنبة المقصرة بتقوى الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ آل عمران(102)
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (النساء1)

، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا. الأحزاب(70 – 71)
واعلموا أنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: أوصيكم بتقوى الله؛ فإن بالتقوى كل حبل يقوى، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجراً، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. حديثي اليكم في هذه الجمعة عن بيان قدر الدنيا

أما بعد:

فإن الله تبارك وتعالى ضرب للدنيا مثلاً كرره في أربعة مواضع من كتابه العزيز: في الآية الرابعة والعشرين من سورة يونس، وفي الآية الخامسة والأربعين من سورة الكهف، والآية الحادية والعشرين من سورة الزمر، والآية العشرين من سورة الحديد، كلها تحكي معنىً واحداً تدور حوله وتشتمل عليه، تمثل الدنيا بمثال لا يكاد يتغير في الآيات.

وأختار من هذه المواضع الموضع الذي في سورة الكهف لأتكلم عليه في خطبة اليوم مُتبعاً إياه بمثال من الأمثلة التي ضربها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ثم أختم ذلك بالمثال الثامن عشر من الأمثلة التي ذكرها ابن القيم – رحمه الله – كذلك للدنيا في كتابه: "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين".

يقول الله تبارك وتعالى في سورة الكهف: واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً.

يقول الله تعالى لنبيه أصلاً ولمن قام بوراثته من بعده تبعاً، أي لمن تعلم العلم الذي جاء به يقول تعالى: واضرب للناس مثل الحياة الدنيا ليتصوروها حق التصور ويعرفوا ظاهرها وباطنها، فيقيسوا بينهما وبين الدار الباقية ويؤثروا أيهما أولى بالإيثار، وإن مثل هذه الحياة الدنيا كمثل المطر الذي ينزل على الأرض فيختلط بنباتها وتنبت من كل زوج بهيج، فبينما زخرفها وزهرتها تسر الناظرين وتفرح المتفرجين وتأخذ بعيون المتفرجين إذ أصبحت هشيماً تذروه الرياح فذهب ذلك النبات الناضر والزهر الزاهر والمنظر البهي فأصبحت الأرض غبراء تراباً قد انحرف عنها النظر وصدف عنها البصر وأوحش القلب.

كذلك هذه الدنيا بينما صاحبها قد أعجب بشبابه وفاق فيها على أترابه وأقرانه وحصّل درهمها ودينارها واقتطف من لذته أزهارها وخاض في الشهوات جميع أوقاته، وظن أنه لا يزال فيها سائر أيامه، إذ أصابه الموت أو التلف لماله، فذهب عنه سروره وذهبت لذته وحبوره واستوحش قلبه من الآلام وفارقه شبابه وقوته وماله، وانفرد بصالح أو سيء أعماله، هنالك يعض الظالم على يديه حين يعلم حقيقة ما هو عليه، ويتمنى العودة إلى الدنيا لا ليستكمل الشهوات بل ليستدرك ما وقع منه من الغفلات بالتوبة والأعمال الصالحات.

وهيهات هيهات، فالعاقل الحازم الموفق يعرض على نفسه هذه الحالة ويقول لنفسه: قدّري أنك قد مُتِّ ولابد أن تموتي، فأي الحالتين تختارين، الاغترار بالزخرف في هذه الدار والتمتع بها كتمتع الأنعام السارحة، أم العمل لدار أكلها دائم وظلها ظليل، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فبهذا يعرف توفيق العبد من خذلانه وخسرانه.

وأما المثال النبوي الكريم الذي اخترته من بين الأمثلة الكثيرة التي جاءت بها السنة المطهرة للدنيا فهو المقال الذي جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم – رحمه الله تعالى – في صحيحه. عن المستورد بن شداد عن النبي قال: ((والله ما الدنيا في الأخرى إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليمّ – أي البحر – فلينظر بم يرجع)).

فتأمل وانظر إلى المقال العظيم كيف شبّه الآخرة بماء البحر الكثير الهائل العظيم. وشبه الدنيا بقطرة من مائه، والعاقل لا يعدل عن الماء الكثير الهائل العظيم إلى قطرة حسبها أن تعلق بالإصبع.

فهذا قدر الدنيا في الآخرة، هي بالنسبة للآخرة كقطرة من بحر عظيم هائل.

وأما المقال الذي ذكره ابن القيم – رحمه الله تعلى – في كتابه: "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين".

فإنه المقال الثامن عشر من بين الأمثلة الاثنين والعشرين التي ذكرها في هذا الكتاب الجليل، وقال عن هذا المقال: إنه من أحسن هذه الأمثلة – أي الأمثلة التي ذكرت – سواءً المعدودة منها أو التي لم تعد.

قال رحمه الله تعالى ممثلاً للدنيا والآخرة: ملكٌ بنى داراً لم ير الراؤون مثلها، ولم يسمع السامعون أوسع ولا أجمع لكل ملاذّ النفوس منها. ونصب لها طريقاً – أي نصب لهذه الدار العظيمة الجميلة البهية طريقاً – وبعث داعياً يدعو الناس إليها، هذا طبعاً مثل الآخرة، والداعي هو كل رسول يرسله الله تبارك وتعالى إلى أمته ليدعوهم إلى هذه الدار العظيمة، وبعث داعياً يدعو الناس إليها، وأقعد على الطريق امرأة جميلة (هذا مثال الدنيا) وأقعد على الطريق امرأة جميلة قد زُينت بكل أنواع الزينة وألبست أنواع الحلي والحلل، وممر الناس كلهم عليها. وجعل لها أعواناً وخدماً تحت يديها، وبيدي أعوانها زاداً للمارين السائرين إلى الملك في تلك الطريق.

فقال لها ولأعوانها: من غض طرفه عنك ولم يشتغل بك عنّي وابتغى منكِ زاداً يوصله إليّ فاخدميه وزوّديه ولا تعيقيه عن سفره إليّ، بل أعينيه بكل ما يبلّغه في سفره، ومن مدّ إليك عينيه ورضي بك وآثرك عليّ وطلب وصالك فسوميه سوء العذاب. وأذليه غاية الهوان واستخدميه، واجعليه يركض خلفك ركض الوحش، وما يأكل منكِ فاخدعيه بك قليلاً ثم استرديه منه واسلبيه منه كله، وسلّطي عليه أعوانك وعبيدك، وكلما بالغ في محبتك وتعظيمك وإكرامك فقابليه بأمثاله إهانةً وهجراً حتى تتقطع نفسه عليك حسرات.

ثم قال رحمه الله بعد سوق هذا المثال: فتأمل هذا المقال وحال خُطّاب الدنيا وخُطّاب الآخرة الله المستعان.

فأقول بعد هذه الأمثلة المضروبة في الدنيا: الناس على أقسام:

- فمنهم من يعيش فيها يكسب ويمشي في مناكب الأرض ويبتغي من رزق الله ليقوم بحق بدنه دونما التفات إلى حق روحه.

- ومنهم من يسعى ويكسب لمجرد الكسب وإن كان يقوم بطاعة الله من غير تركيز ومن غير إمعان ومن غير تأمل ونظر، لكنه يعتني بالكسب والتزود منه لا لأنه لا يكفيه، لا بل يكون عنده ما يكفيه وزيادة ولكنه لا يقنع بما عنده. فهو في سعي وكسب دائمين حتى وإن حصّل ما يكفيه إلى يوم القيامة.إنه لا يقنع بما عنده.

- ومنهم من يكسب لينافس غيره في الدنيا، يريد العلو فيها والمفاخرة لأهلها ومباهاتهم فقط غير ناظر إلى ما أوجب الله عليه في هذه المال، وغير قائم بما أوجب الله عليه من طاعته سبحانه.

وخير هذه الأقسام: من يسعى ويكسب ويمشي في هذه الأرض ويأكل من رزق الله مستعيناً بذلك على طاعة الله عز وجل، نائياً بنفسه عن الأسباب التي توبقه في العذاب والشقاء والنكال، جاعلاً ذلك كله بلاغاً إلى الآخرة وإلى دار النعيم، دار البقاء والخلود والفوز.

وهذا هو خير الأقسام لأنه يعرف أن الناس في الآخرة على حالين: فريق في الجنة وفريق في السعير. كما قال تعالى في سورة الشورى، وكما قال السحرة لفرعون في سورة طه: إنه من يأت ربه مجرماً فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..




الخطبة الثانية


الحمد لله المحمودِ في عليائِه، والحمد للهِ حمدًا يليق بعظمته وكبريائِه، والحمدُ لله على آلائِه ونَعمائه، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه وأستغفِره، وأسأله المزيدَ من فضله وعطائِه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله وخيرتُه من خلقه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم لقائِه.

أما بعد:

فالأمر كما استمعتم في الخطبة الأولى وكما قال السحرة لفرعون: إنه من يأت ربه مجرماً فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى هذا قسم من قسمي الناس في الآخرة: ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى. وذلك هو القسم الثاني قسم الخير قسم المنعمين، فإنه من كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً وعمل صالحاً ولم يشرك بعبادة ربه أحداً فإن الله تعالى يشكر سعيه ويثيبه عليه.

ولما كان الله تبارك وتعالى شكوراً حليماً فإنه يشكر عبده إذا أحسن طاعته ويغفر له إذا تاب عليه ويجمع له سبحانه بين شكره لإحسانه ومغفرته لإساءته إنه غفور شكور.

وهو سبحانه يؤتي العبد ويوفقه لما يشكره عليه، وهو سبحانه يشكر القليل من العمل والعطاء فلا يستقله أن يشكره، ويشكر الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف مضاعفة ويشكر عبده بقوله بأن يثني عليه بين ملائكته وفي ملئه الأعلى، ويلقي له القبول والشكر بين عباده ويشكر بفعله أيضاً. فإذا ترك العبد شيئاً لله تبارك وتعالى أعطاه أفضل منه وإذا بذل له شيئاً ردّه عليه أضعافاً مضاعفة مع أنه سبحانه هو الذي يوفقه للترك والبذل ويشكره على هذا وذاك.

وهاكم بعض الأمثلة التي تدل على أن من ترك لله شيئاً عوّضه الله خيراً منه وأعطاه أفضل منه.

- لما عقر سليمان النبي عليه السلام الخيل غضباً لله إذ شغلته عن ذكره فأراد أن لا تشغله مرةً أخرى أعاضه عنها متن الريح، لما عقر هو عليه السلام الخيل لربه إذ شغلته عن ذكر الله عوضه الله عنها متن الريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب.

ولما احتمل يوسف الصديق عليه السلام ضيق السجن شكر الله له ذلك بأن مكن له في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء.

ولما بذل الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أعراضهم في الله تعالى فنالوا منهم وسبوهم أعاضهم سبحانه من ذلك بأن صلى عليهم هو وملائكته وجعل لهم أطيب الثناء في سماواته وبين خلقه، فأخلصهم بخالصةٍ ذكرى الدار.ومعنى أخلصهم بخالصةٍ ذكرى الدار: أي جعل ذكر الدار في قلوبهم والعمل لها صفوة وقتهم. والإخلاص والمراقبة لله وصفهم الدائم، وجعلهم ذكرى الدار، يتذكر بأحوالهم المتذكر، ويعتبر بأحوالهم المعتبر، ويذكرون أحسن الذكر فأخلصهم بخالصةٍ ذكرى الدار.

ولما ترك الصحابة رضوان الله عليهم ديارهم وخرجوا منها في مرضاة الله سبحانه أعاضهم عن ذلك بأن ملكهم الدنيا وفتحها عليهم.

ولما بذل الشهداء أبدانهم لله حتى مزّقها أعداؤه شكر لهم ذلك بأن أعاضهم عنها طيراً خضراً، أقر أرواحهم فيها ترِد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها إلى يوم البعث، فإذا كان يوم البعث رد عليهم أبدانهم خير ما تكون وأجمله وأبهاه فسبحانه، سبحانه.

هو المحسن بإعطاء الإحسان، وهو المحسن بإعطاء الشكر، يشكر عبده على إحسانه إلى نفسه، العبد يحسن إلى نفسه فيشكر له إحسانه ذلك، بينما المخلوق يشكر من أحسن إليه.

فمن أولى وأجدر وأحق بالعمل: زخرف الدنيا وزهرتها وزينتها أم الله العظيم الحليم الرؤوف الشكور؟

من أولى بالعمل؟ ما أظننا إلا حتماً قائلين: الله أولى وأجدر وأحق وأعلى وأجل.


صلوا عباد الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه

بن قعصوم 30-09-2009 03:13 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
الله يعطيك الف عافية معك بن قعصوم الرفيدي

المناضل السليماني 11-10-2009 08:13 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
مشكور اخي ابن قعصوم وجزاك الله خيرا
---------------------------------------------------------------------

هذه الخطبة عن التعليم والمعلمين

الخطبة الأولى

الحمد لله السميع البصير، اللطيف الخبير، أحاط بكل شيء علمًا، ووسع كل شيء رحمة وحلمًا، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العلي القدير، القويّ المتين، الوليِّ الحميد، الفعَّالِ لما يريد، الحليم الشكور، العزيز الغفور، قائم على كل نفس بما كسبت، يحصي على العباد أعمالهم، ثم يجزيهم بما كسبت أيديهم، ولا يظلم ربك أحدًا، أحمدُه سبحانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحقّ المبين، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدًا عبده ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، الصادق الوعد الأمين، صاحبُ النهج الراشِد والقول السديد اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله اوصيكم ونفسي المذنبة المقصرة بتقوى الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ آل عمران(102)
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (النساء1)

، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا. الأحزاب(70 – 71)
واعلموا أنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: أوصيكم بتقوى الله؛ فإن بالتقوى كل حبل يقوى، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجراً، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.


إن أهل الإسلام ـ أيها الإخوة ـ هم معقل الحق ومأزر الإيمان، رسالتهم عالمية، أكرمهم الله بها، وحملهم أمانة المحافظة عليها وتبليغها في كل عصر وفي كل مصر، وبنظرة فاحصة في واقع الأمة في ناشئتها وأبنائها تبين أن الأمة أي أمة إنما تبقى محافظة على كيانها مدركة لمستوياتها ثابتة في موقعها حين يربي صغارها ليكونوا ورثة صالحين للإسلام أمناء على الميراث، يصاغون في قوالب عقائد الأمة ومناهج حياتها، عليها تتربى ومن أجلها تكافح، ومن ثم تنقلها صافية إلى الأجيال المتعاقبة، وإن القائمين على التربية والتعليم والتوجيه في الأمة ليضطلعون بدور ريادي ويؤدون واجبًا عظيمًا في هذا المجال.

وللأسف هناك فئة من العاملين في قطاع التعليم قد امتهن هذه الوظيفة الشريفة وأهانها حين اتخذها وسيلة للثراء والكسب المادي، فهو لا ينظر لهذا العمل إلا من خلال هذه الزاوية المادية. إن وظيفة التعليم أسمى وأعلى من أن تكون وظيفة رسمية أو صيدًا لكسب الرزق، إنها إعداد للأجيال وبناء للأمة، ومن حق كل فرد أن يتطلع لعيشة هنية ويتحصل على مصدر شريف لكسب الرزق، لكن هذه صورة غير تلك التي يمتهن صاحبها التدريس، فلا يختاره إلا لما يدره من مال، فهل يؤتمن من هذه نظرته وغاية تطلعه؟! هل يؤتمن مثله على رعاية الجيل وإعداد النشء؟!

وهناك فئة تشكو دهرها وتندب حظها؛ فإجازاته ليست بيده، والطلاب أحالوا شعره إلى بياض، والآباء يتمون ما عجز عنه أبناؤهم، فالمدرس عند هؤلاء أسوأ الناس حظًا، فأقرانه حاز بعضهم على مراتب عالية، وأسوؤهم حالاً من يستأذن متى أراد ويأتي متى أراد، والشك أن هذا لم يدرك شرف التعليم ولم يرتق لأهلية التوجيه.

وفئة من المدرسين الواحد منهم متبلد الإحساس فاقد الغيرة، يرى أبناء المسلمين يتهافتون على الفساد ويقعون في شباك الرذيلة ولا يحرك الأمر لديه ساكنًا أو يثير عنده حمية، فهذا ليس من شأنه، فشأنه تدريس الفاعل والمفعول أو توضيح المركبات وقوانينها أو حل المعادلات الرياضية، بل قد يتبوأ تدريس العلم الشرعي والتربية الإسلامية ومع ذلك فواقع الشباب لا يعنيه بقليل ولا كثير! ولست أدري أي عقلية تحكم هذا النوع من الناس؟! ولا أعلم من أيهما أعجب: من واقع الشباب أم من سلبية هذا الصنف من المدرسين.

فما هو المدرس الذي نريده؟ لسنا نريد ذاك الذي رمى الدنيا وراء ظهره وطلقها ثلاثًا فلم يعبأ بها، أو ذاك الذي لا يفارق محرابه، أو الذي لا تند منه شاردة ولا واردة، إنها صور ساحقة ولا شك، لكنها ليست لكل الناس.

فنحن نريد المدرس البشر الذي يتطلع كغيره لتحصيل مورد لرزقه، ويرى أن من حقه كغيره أن يتمتع بمزايا إدارية ووظيفية، لكن كل تطلعاته تلك لم ترق إلى أن تكون الهدف الأول والأساس والمقياس الأوحد والحامل الأهم في اتخاذ قراره بسلوك طريق التعليم، فقد اختار هذا الطريق ليخدم الأمة من خلاله ويعد الجيل ويربي النشء، إنه يحترق على واقع الشباب، ويعدهم أبناءه، ويعتبر إصلاحهم من أولويات وظيفته، وتربيتهم من مسؤوليته، وهو مع ذلك سيحصل ما يحصله غيره من مزايا مادية ويعيش عيشة مستقرة هنيئة.

أيها الإخوة في الله، حين يموت الإنسان ويفضي إلى ما قدم ينقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له، والمدرس يجمع بين الثلاث كلها كما بين ذلك الحافظ بدر الدين بن جماعة.

والمدرس هو اللبنة الأولى في كل شيء، فهل رأيت العالم الداعية الذي يجعل الهم دينه وتلف حوله الجماهير ويثني الناس ركبهم لديه، أم أبصرت القاضي الذي يحكم في دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، أم قابلت الجندي الذي يقف في الميدان حاميًا لعرين الأمة وحارسًا لنفوذها، ولا بد أنك قابلت الطبيب الذي يفزع إليه الصغير والكبير والذكر والأنثى والوزير والمسؤول والموظف، كل أولئك إنما جازوا من قنطرة التعليم وعبروا بوابة الدراسة، وقد كان ولا شك معلمون وأساتذة، ولم يعدموا مدرسًا ناصحًا وأستاذا صادقًا. فهو أنت أيها المدرس، تدرس الصغير والكبير، وتعدّ الجميع وتهيئهم ليصل بعضهم إلى ما لم تصل إليه، لكنك صاحب اللبنة الأولى وحجر الأساس.

أرأيت ـ أخي ـ حجم مسؤوليتك، وأدركت موقفك من المجتمع، وعلمت مكانك بين الناس؟ فذاك الرجل الطاعن في السن وتلك المرأة الضعيفة قد علقوا آمالهم بعد الله عليك في استنقاذ ابنهم وحمايته، والصالحون والغيورون يعدونك من أكبر آمالهم في استنقاذ المجتمع.

وما أغناك ـ أخي المدرس ـ عن أن أحدثك عن الواقع المرير لأمتنا أو عن التآمر على شباب المسلمين، أنسيت ما فعل وثلوب وأذنابه؟! أنسيت ما بذل جيل المسخ ليحول بينك وبين كلمة الحق الصادقة إلى القلوب المتعطشة؟! ألست داعيًا؟! ألم يقل الرسول : ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته))؟! ألست ترى المنكر؟! ألم تسمع قوله : ((من رأى منكم منكرا فليغيره...))؟! وهل وصل بك الأمر إلى أن لا تطيق أن تحمل همّ الإصلاح والتربية مع أن الإدارة التي تتبعها اسمها: "إدارة التربية والتعليم"؟! فالتربية والتوجيه والإرشاد أولاً والتعليم ثانيًا.

وعند الترمذي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها ليصلون على معلم الناس الخير))، أي منزلة يبلغها المدرس أن يصلي عليه الله سبحانه وملائكته الكرام الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. وفي صحيح مسلم يقول : ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا))، والمدرس ولا شك له نصيب من هذه الفضائل، فهو ممن يدعو إلى الهدى ويسن السنة الحسنة.

معاشر المدرسين، ما أحوجنا جميعًا إلى معرفة هديه في التعليم، وقد وصفه معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قائلاً: فبأبي وأمي رسول الله، ما رأيت معلمًا أحن تعليمًا وتأديبًا منه. بل وهل يظن مسلم أن يوجد أسمى وأعلى وأشرف منه معلمًا ومربيًا؟! بل وهل يظن ظان أنه سيرد مشرب التعليم والتربية من غير حوض أو يدخل إلى ساحة البناء من غير باب؟! فما أحوجنا معاشر المعلمين والمربين إلى التماس هديه في التعليم والتأسي به، فإليك بعض معالم هديه في ذلك:

أولاً: ترغيبه أصحابه في العلم: ولا شك أن لذلك أثرا كبيرًا في إيجاد الحماس لدى طلاب العلم للتعلم والاستزادة من ينابيعه، فحين جاء ثلاثة نفر وهو جالس مع أصحابه فجلس أحدهم خلف الحلقة والآخر رأى فرجة فجلس فيها وأما الثالث فأعرض، فقال : ((أما أحدهما فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا من الله فاستحيا منه الله، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه)).

ثانيًا: جمعه بين التربية والتعليم: فقد وصفه الله بذلك فقال: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ [الجمعة: 2]؛ ولذا لم يكن يخرج أقوامًا يحفظون المسائل فقط، بل ربى أصحابه تربية علمية وتربية جهادية وقيادية وإدارية، وقبل ذلك تربية إيمانية، فهذا حنظلة رضي الله عنه يحكي عن رسول الله أنه كان يشهد معه مجالس التذكير والعلم فكأنه يرى الجنه والنار.

ثالثًا: عنايته بتعليم المنهج العلمي: فربى علماء ومجتهدين وحملة العلم للبشرية، ولقد ظهر في آثار هذه التربية على صحابته في مواقفهم بعد وفاته من حادثة الردة وجمع القرآن والخراج وغير ذلك. ومن معالم تعليم المنهج العلمي أنه كان يعودهم على معرفة العلة ومناط الحكم وعلى منهج السؤال وآدابه: ((إن الله كره لكم القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)). ولا يقتصر في إجابته على مواضع السؤال، بل يجيب بقاعدة عامة، فلما سئل عن الوضوء بماء البحر قال: ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته)). كما كان يربي أصحابه على منهج التلقي: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي))، ويربيهم على منهج التعامل مع النصوص وتعويدهم على الاستنباط.

رابعا: من معالم هديه في التعليم ((بلغوا عني ولو آية)).

خامسًا: يشجع الطالب ويثني عليه: فلما سأله أبو هريرة يومًا: من أسعد الناس بشفاعتك؟ فقال: ((لقد ظننت أن لا يسأل أحد عن هذا الحديث أول منك لما علمت من حرصك على الحديث)). فنتصور كيف يكون أثر هذا الشعور دافعًا لمزيد من الحرص والاجتهاد.

سادسًا: كما كان يعتني بالسائل ويدرك قدرات تلاميذه وإدراكهم العقلي، ويراعي الفروق الفردية.

سابعًا: التوجيه للتخصيص المناسب، فقد استقرأ عليه السلام زيد بن ثابت فقال له: ((إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا علي أو ينقصوا، فتعلم السريانية))، فتعلمها في سبعة عشر يومًا. والأمة أحوج ما تكون إلى طاقات أبنائها وقدراتهم، فبدلاً من تشتيتها وبعثرتها أليس من حق الطالب على أستاذه أن ينصح له ويوجهه لما يناسبه حين يبدع في فن دون غيره؟!

ثامنًا: الجمع بين التعليم الفردي والجماعي، وشواهد ذلك كثيرة من سيرته.

عاشرًا: التشويق والتنويع في عرض المادة، فأحيانًا يطرح المسألة على أصحابه متسائلاً: ((أتدرون ما الغيبة؟))، ((أتدرون من المفلس؟))، وأحيانا يغير نبرات صوته، وأحيانًا يغير جلسته كما في حديث: ((أكبر الكبائر)) وكان متكئًا فجلس فقال: ((ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور)).

حادي عشر: استغلال المواقف في التعليم.

ثاني عشر: استعمال الوسائل التعليمية، فتارة يشير بيده، وتارة يضرب المثل، وتارة يستعمل الرسم التوضيحي، فقد خط خطًا مستقيمًا وإلى جانبه خطوط وقال: ((هذا الصراط، وهذه السبل))، ورسم مربعا وقال: ((هذا الإنسان))، وأحيانا يحكي قصة واقعية من الأمم السابقة.

ثالث عشر: تأكيد ما يحتاج إلى تأكيد، فقد حلف على مسائل كثيرة تزيد على الثمانية: ((والله لا يؤمن))، ((والذي نفسي بيده)).

رابع عشر: مراجعة العلم والحفظ، فقد أوصى حفاظ القرآن بتعاهده والعناية به فقال: ((تعاهدوا القرآن؛ فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتًا من الإبل في عقلها))، وكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان.

أيها المدرس الفاضل، وهذه وصايا مهمة ينبغي العناية بها:

أولا: الإخلاص لله وحده بأن يستشعر الإخلاص لله وحده ويستحضر النية الصالحة ويتفقد ذلك كل فترة، فالأعمال بالنيات، قال الحافظ ابن جماعة في أدب العالم مع طلبته: "الأول: أن يقصد بتعليمه وتهذيبه وجه الله تعالى ونشر العلم ودوام ظهور الحق وخمول الباطل ودوام خير الأمة بكثرة علمائها واغتنام ثوابهم وتحصيل ثواب من ينتهي إليه علمه". وحين يصلح المدرس نيته ويحسن طويته يتحول عمله إلى عبادة لله وحده، ويكتب له نصبه وجهده وكل ما يلاقيه حسنات عند الله.

ثانيًا: كسب طالب ولو واحد: قال ابن جماعة: "واعلم أن الطالب الصالح الذي يتلقى عنك توجيهاتك أعود على العالم بخير الدنيا والآخرة من أعز الناس عليه وأقرب أهله إليه؛ ولذلك كان علماء السلف الناصحون لله ودينه يلقون شبك الاجتهاد لصيد طالب ينتفع الناس به في حياتهم ومن بعدهم، ولو لم يكن للعالم إلا طالب واحد ينتفع الناس بعلمه وهديه وإرشاده لكفاه ذلك الطالب عند الله تعالى، فإنه لا يصل شيء من علمه إلى أحد فينتفع به إلا كان له نصيب من الأجر".

ثالثًا: الاعتناء بالمظهر بما لا يخرجه عن حد الاعتدال، وكثيرًا ما يذكر السلف في مؤلفاتهم: "باب: إصلاح المحدث هيئته وأخذه لرواية الحديث زينته"، وغني عن التأكيد القول بأن من تمام حسن المظهر وأولوياته الالتزام بالضوابط الشرعية، فإسبال الثياب أو لبس المخالف منها أو حلق اللحية مما يخل بالمظهر.

رابعًا: حفظ اللسان: فالمنطق واللسان يعد معيارًا من معايير تقويم الشخصية؛ فلذا على المدرس أن يحفظ منطقه ولسانه، فلا يسمع منه الطلاب إلا خيرًا، وحين يعاتب أو يحاسب فلا يليق به أن يتجاوز ويرمي بالكلمات التي لا يبالي بها، وكم تصفع الكلمات الطيبة في نفس الطالب وتؤثر فيه.

خامسًا: أن تكون قدوة صالحة للآخرين: فكم هم الأستاذة الذين يدعون بأعمالهم وسلوكهم ويرى فيهم الطالب القدوة الحسنه؟ فيجدر بك ـ أخي المدرس ـ أن تكون قدوة صالحة لأبنائك في عبادتك وتعاملك وسلوكك، وإن التناقض بين القول والعمل والظاهر والباطن وازدواجية التوجيه وتناقضه كل هذا من أكبر مشاكل الجيل المعاصر، وذلك نبات بذرة خبيثة واحدة، ألا وهي عدم العمل بالعلم.






الخطبة الثانية
الحمد لله المحمودِ في عليائِه، والحمد للهِ حمدًا يليق بعظمته وكبريائِه، والحمدُ لله على آلائِه ونَعمائه، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه وأستغفِره، وأسأله المزيدَ من فضله وعطائِه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله وخيرتُه من خلقه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم لقائِه.
ثم اما بعد

إن مناهج التربية وطرائق العلوم يجب أن تكون عائدة إلى الإيمان قاصدة إصلاح الأنفس وتهذيب الأخلاق. إن مظاهر القوة المادية وحدها لا تعني شيئًا إذا تداخلت في العقول الثقافات المتناقضة والعلوم المتنافرة، فتفرقت بطلابها السبل وتنازعتها التيارات والأهواء. ليس مقياس النجاح مجرد معرفة القراءة والكتابة، وليس دليل التفوق كثرة دور العلم وأفواج الخريجين.

أيها المسلمون، لا فائدة في علم لم يكس بخلق، ولا جدوى من تربية لا تثمر عملاً صالحًا، ولا خير في معارف تورث بلبلات فكرية، ولا نفع في ثقافات تشكك في الصحيح من المعتقدات وتستخف بالدين ومستوثقات التاريخ. ومن هنا كان لازمًا على القائمين على التربية والتعليم ـ وهم يشرفون على أجيال الأمة ويقومون بالعملية التعليمية التربوية ـ أن يوجهوا الجيل وجهة حسنه وينشئوه النشأة الصالحة، مستلمين العقائد والمرتكزات والثوابت من ديننا الحنيف، ومستهدين بأخلاق وسيرة سيد المرسلين. ولا شك أن الكلمة مهما كانت لها وقعها وأهميتها في توجيه أفكار الطلبة وتصوراتهم واهتمامهم كما أن التلقي فرع عن المحبة.

فاحرص ـ أيها المدرس ـ على تربية النشء واستصلاحه؛ ولهذا يقول المربي محمد قطب: "والضمان لذلك هو الحب، فما لم يشعر المتلقي أن مربيه يحبه ويحب له الخير فلن يقبل على التلقي منه ولو أيقن أن عنده الخير كله، بل لو أيقن أنه لن يجد الخير إلا عنده، وأي خير يمكن أن يتم بغير حب؟!".

ولا ننسى أن الاقتصاد في الموعظة وعدم الإكثار من بيان الأخطاء أمر له أهميته في قبول الوعظ والتوجيه، والواقعية وخطاب الناس بما يطيقونه بالتنزل للطلبة كثيرًا والذين يحتاجون للحديث عن أضرار المعاصي وعن الخوف من الله تعالى ومراقبته والمحافظة على الصلاة مع الجماعة ولتنويع أساليب الخطاب والموعظة الأثر البالغ في استجابة الطلبة.

وهكذا التضحية الخاصة والخلق الحسن وتوقير الطالب وتقديره والثناء عليه حين يحسن والعدل بين الطلاب وعدم الجفاء حين يقع الطالب في خطأ وعدم المبالغة في العتاب والمؤاخذة والاعتدال في ذلك والاهتمام بالطالب وعدم الوقوع في مواضع التهم وضبط النفس وعدم سرعة الانفعال ولغة التهديد والحذر من السخرية من الطالب واحتقاره وعدم التركيز على النقد، كل ذلك آداب ووصايا يجب على المعلم الأخذ بها لينجح في عمليته التربوية والتعليمية.

أيها الإخوة في الله، إن المدارس ودور التعليم في كافة مستوياتها هي محاضن الجيل، وهي الحصن الحصين، تكمن فيها حماية الأمة والحفاظ على أصالتها وبقائها ونقائها. إن هذه الدور تحتوي أثمن ما تملكه الأمة، تحتضن الثروة البشرية ورجال الغد وجيل المستقبل، ثروة تتضاءل أمامها كنوز الأرض جميعها.

وشر ما يقع على هذه المعاقل والحصون أن تؤتى من قبل من وكل إليهم رعايتها وصيانتها، وتكون الخيانة العظمى حين يفتحون الأبواب الخلفية وغير الخلفية ليتسلل المتلصصون ليلاً ونهارًا في غفلة من الحماة الصادقين، فتقع الواقعة وتحل الكارثة.

فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله يا رجال التربية، واعلموا أنه إذا حفظت العقول والأخلاق وأحيطت بسياج الدين المتين وربطت برباط العقيدة الوثيق فلسوف تصح المناهج وينقح التعليم وتثبت الأصالة وينقح السبيل وترتفع الراية ويحصل التمكين.

فاتقوا الله وعوا مسؤولياتكم، فإن صلاح الأمة في صلاح أعمالها، وصلاح أعمالها في صحة علومها، والتربية الصحيحة الجارية على السنن المستقيمة تنتج رجالاً أنقياء أوفياء ذوي نصح وإخاء، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف: 21].



المناضل السليماني 11-10-2009 08:28 PM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 

اعظم مربي وأعظم معلم


الخطبة الأولى


الحمد لله السميع البصير، اللطيف الخبير، أحاط بكل شيء علمًا، ووسع كل شيء رحمة وحلمًا، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العلي القدير، القويّ المتين، الوليِّ الحميد، الفعَّالِ لما يريد، الحليم الشكور، العزيز الغفور، قائم على كل نفس بما كسبت، يحصي على العباد أعمالهم، ثم يجزيهم بما كسبت أيديهم، ولا يظلم ربك أحدًا، أحمدُه سبحانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحقّ المبين، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدًا عبده ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، الصادق الوعد الأمين، صاحبُ النهج الراشِد والقول السديد اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله اوصيكم ونفسي المذنبة المقصرة بتقوى الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ آل عمران(102)
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (النساء1)

، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا. الأحزاب(70 – 71)
واعلموا أنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: أوصيكم بتقوى الله؛ فإن بالتقوى كل حبل يقوى، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجراً، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.

أيها الناس، إن هذه الأمة أمةَ محمد خير أمة أخرجت للناس، الصدارةُ منزلتها، والقيادة مرتبتها، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143]. إن مصدر أصالة الأمة ومنبر توجيهها ومنار تأثيرها هو التمسك بتعاليم دينها، كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]. هكذا أراد الله لها إن هي استقامت على النهج وقامت بالحق.

إن أمةً رفع الله من شأنها ليس لها أن تنحدر إلى مستوى التقليد والتبعية، وإن أمة قد وضحت لها المعالم من السفاهة أن تطلب الحقَّ في معالم غيرها.

عباد الله، إن أعظم مِنّة منّ الله بها على هذه الأمة هو أن بعث فيهم محمدا مبشرًا ومنذرًا، وقبل ذلك وذاك معلما ومرشدا، لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164]. حين دعا إبراهيم عليه السلام لذريته من بعده دعا لهم بكل خير، ولكنه لم ينس أن يسأل الله لهم بالمعلّم الناصح والمرشد الموجه: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة:129]، فلما أوجد الله هذا الرسول جعل وجوده قاطعًا للعذر مقيمًا للحجة، كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة:151، 152].

وما مات حتى علم الناس كل شيء، روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي ذر رضي الله عنه قال: لقد تركنا محمد وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا عنه علمًا.

عباد الله، لقد أفنى رسول الله عمره كله في سبيل تعليم أمته ونشر الدين بينهم.

كان صلوات ربي وسلامه عليه يعلم الناس على جميع أحواله، في مسجده، في خطبة الجمعة، في مواعظه لأصحابه، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إني لأتخوّلكم بالموعظة كما كان رسول الله يتخوّلنا بالموعظة مخافة السآمة علينا.

بيته مدرسة، ولهذا كان الصحابة إذا اختلفوا في أمر ذهبوا إلى بيوت النبي يسألون زوجاته عن عمله في بيته.

كان يعلم الناس وهو واقف على ناقته، يقول عبد الله بن عمرو بن العاص: لقد رأيت النبي وهو واقف على ناقته في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فما سئل عن شيء قدِّم ولا أخِّر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) رواه البخاري.

عباد الله، لقد كان لا يدع فرصةً للتعليم إلا اغتنمها، يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: كنت يومًا خلف النبي على الدابة، فقال: ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك..)) الحديث رواه الترمذي. ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه: كان النبيّ على حمار، وكان معاذ رديفه، فقال: ((يا معاذ بن جبل))، فقال معاذ: لبيك يا رسول الله وسعديك ـ ثلاثًا ـ، ثم قال: ((ما من أحدٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صِدقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار)) متفق عليه.

أيها الناس، يقول منظرو التعليم: إن التعليم التطبيقي أرسخ من التعليم النظري، ولقد سبقهم إلى ذلك محمد ، يقول عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه كنت غلامًا في حجر رسول الله ، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله : ((يا غلام، سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك)) متفق عليه. وكان يمشي ومعه الحسن بن علي، فوجد تمرةً، فأخذها الحسن، فقال : ((كخ كخ، أما علمت أنّا لا تحلّ لنا الصدقة؟)).

عباد الله، إن أمر تعليم الناس أمر عظيم، حتى إنه ليوقف غيره من العبادات لأجل العلم، روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي رفاعة العدوي رضي الله عنه قال: انتهيت إلى النبي وهو يخطب، فقلت: يا رسول الله، رجل غريب يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه، قال: فأقبل عليّ رسول الله وجعل يعلّمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته فأتم آخرها.

أيها الناس، لئن كان يعلّم الناس بأقواله وأفعاله فلقد كان يعلمهم بأخلاقه، يقول معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه: بينا أنا أصلي مع رسول الله إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكلَ أمياه! ما شأنكم تنظرون إليّ؟! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكتّ، فلما صلى رسول الله فبأبي هو وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)) رواه الإمام مسلم.

عباد الله، بمثل هذه الأعمال من المصطفى علّم أمته كلَّ شيء، حتى بلغ من ذلك أن بعض المشركين قال لسلمان الفارسي: إنا نرى صاحبكم يعلمكم كل شيء حتى الخراءة! قال سلمان: نعم، لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع دابةٍ أو عظم.

إن مستوى التعليم في زماننا لم يضعف ولم يهتزّ بنيانه إلا حينما قصرناه على جوانب محدودة فقط. إن التعليم ليس مقصورًا على مدرسة تفتح ثم تغلق ثم تفتح، إنّ الحياة كلها مجال للتعليم، البيت مدرسة، الأب مدرسة، الأم مدرسة، المسجد مدرسة، السوق مدرسة، كل واحدٍ من الناس مدرسة في أخلاقه وتصرفاته. لما بنيت المدارس ـ وأول ما بينت ببغداد ـ قال علماء ذلك العصر: "اليوم ينعَى العلم ويودِّعه أهله".

ألا فاتقوا الله عباد الله، وتفقهوا في دينكم، وليقِم كلّ واحدٍ منكم نفسه معلمًا لغيره.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.






الخطبة الثانية


الحمد لله حقَّ حمده، أفضل ما ينبغي لجلال وجهه، أحمده سبحانه لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .

أما بعد: روى الإمام الدارمي في سننه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لما توفي رسول الله قلت لرجل من الأنصار: يا فلان، هلمَّ فلنسأل أصحاب رسول الله فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس! أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله من ترى؟! فترك ذلك وأقبلتُ أنا على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل، فأتوسّد ردائي على بابه، فتسفي الريح على وجهي التراب، فيخرج فيراني، فيقول: يا ابن عمّ رسول الله، ما جاء بك؟ ألا أرسلتَ إلي فآتيك؟! فأقول: أنا أحقّ أن آتيك، فأسأله عن الحديث، قال: فبقي صاحبي الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس علي، فقال: كان هذا الفتى أعقل مني.

عباد الله، إن السابقين ما نالوا من العلم ما نالوه إلا بالمشقّة والمكابدة، وإننا لن نصل إلى مثل ما وصلوا إليه في وقتهم إلا بمثل ذلك العناء والمكابدة.

أيها الناس، إنه وإن تعددت وسائل التعليم وطرائقه إلا أنه بقدر ذلك تتعدّد المغريات والملهيات، وإن خطرها وتأثيرها لمِن أشدِّ ما يواجِه المعلّم في هذا العصر، فاتقوا الله عباد الله، وتواصوا فيما بينكم بالحق، وتواصوا بالصبر.

اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا وقلبًا خاشعًا ولسانًا ذاكرًا.

اللهم صلّ على عبدك ورسولك محمد...




المناضل السليماني 20-10-2009 01:08 AM

رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت
 
الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله : ألا وإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار

أيها المسلمون!

اتقوا الله تعالى، وارقبوه، وامتثلوا أمره ؛ فإنه للظالمين بالمرصاد.

عباد الله!

إن من المهمات التى بعث بها نبي هذه الأمة محمد تزكية النفس؛ كما قال عز وجل ممتناً ببعثه : هو الذى بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين [الجمعة:2].

وقد علق الله تعالى فلاح العبد بتزكية نفسه، وذلك بعد أحد عشر قسماً متوالياً؛ فقال عز وجل: والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها [الشمس:1-10]. والتزكية معناها التطهير.

عباد الله!

ومن وسائل تزكية النفس : الخوف من الله تعالى.

وإذا كان المسلم محتاجاً إلى تزكية نفسه بالخوف من الله تعالى في كل وقت؛ فإن الحاجة إليه في هذا الزمن شديدة؛ لكثرة المغريات والفتن.

والله تعالى أمر عباده بالخوف منه، وكل أحد إذا خفته؛ هربت منه؛ إلا الله؛ فإنك إذا خفته؛ هربت إليه:

قال تعالى: إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين [آل عمران:175]. فأمر الله تعالى بالخوف، وجعله شرطاً في الإيمان.

وقالى تعالى: فإياي فارهبون [البقرة:40].

قال ابن القيم رحمه الله: "ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الخوف، وهى من أجل منازل الطريق وأنفعها للقلب، وهي فرض على كل أحد".

وقال أيضاً: "القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر؛ فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه؛ فمتى سلم الرأس والجناحان؛ فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس؛ مات الطائر، ومتى فقد الجناحان؛ فهو عرضة لكل صائد وكاسر".

عباد الله!

والخائف من الله تعالى أجره عظيم ومنزلته رفيعة:

قال تعالى: ولمن خاف مقام ربه جنتان [الرحمن:46].

وقال عز وجل: وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى [النازعات:40].

وقال : ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله؛ اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))متفق عليه.

وقال : (( ثلاث منجيات: خشية الله تعالى في السر والعلن، والعدل في الرضى والغضب، والقصد في الغنى والفقر. وثلاث مهلكات: هوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه))رواه البزار والبيهقي وهو حسن بطرقه
عباد الله!

وكل إنسان يدعي الخوف من الله، ولكن هذا الخوف: إما أن يكون صورة، أو حقيقة ؛ فمن منعه الخوف من الله من فعل المحرمات؛ فخوفه حقيقة، ومن لم يمنعه الخوف من الله من فعل المحرمات؛ وتمادى بها؛ فإن خوفه صورة لا حقيقة، وادعاؤه كاذب.

وكنتيجة لهذا الخوف الصوري رأينا انتشار المعاصي والمنكرات في أوساط المسلمين؛ فما خاف الله حقيقة من تجرأ على محارم الله، ما خاف الله حقيقة من ترك الصلاة أو تهاون فيها، وما خاف الله حقيقة من تعامل بالربا، وما خاف الله حقيقة من استمع إلى آلات اللهو المحرمة أو اشتراها بماله أو مكن من تحت يده من استماعها أو النظر إليها أو باعها أو أعان على نشرها، وما خاف الله من شرب الدخان أو باعه، وما خاف الله من ازدرى نعم الله.

وكذلك من النساء من كان خوفها من الله صورة لا حقيقية؛ فما خافت الله من تبرجت أمام.

الرجال الأجانب أو حلت بهم أو لانت بقولها للرجال، أو كانت فتنة لكل مفتون.

وبالجملة؛ فكل من ضيع أوامر الله وارتكب نواهيه؛ فما خاف الله تعالى، وعقابه عند الله أليم.

عباد الله!

النبى - وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر - كان أشد الناس خشية لله؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله : ((إني أرى ما لا ترون، واسمع ما لا تسمعون؛ أطت السماء، وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع؛ إلا فيه ملك راكع أو ساجد، لو علمتم ما أعلم؛ لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم على (أو: إلى) الصعدات تجأرون إلى الله)). قال أبو ذر: والله؛ لوددت أني شجرة تعضد.رواه أحمد والترمذى وأبن ماجه والحاكم

عباد الله!

وكذلك كان الخوف من سمات صحابة الرسول الذين هم خير القرون؛ فعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف؛ أن عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام، وكان صائماً، فقال: "قتل مصعب بن عمير، وهو خير منى، وكفن في بردة: إن غطي بها رأسه؛ بدت رجلاه، وإن غطيت رجلاه؛ بدا رأسه، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط (أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا)، وقد خشينا أن تكون حسناتنا قدمت لنا. ثم جعل يبكى حتى ترك الطعام"رواه البخاري.

فتفكروا عباد الله في سيرة هؤلاء واقتدوا بهم، وقارنوا بين حالنا وحال أولئك القوم ؛ فستجدون أنهم في يقظة ونحن في نوم.

عباد الله!

والخوف ينقسم إلى أقسام:

قال ابن رجب : "القدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم؛ فإن زاد على ذلك؛ بحيث صار باعثاً للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات، والانكفاف عن دقائق المكروهات والتبسط في فضول المباحات؛ كان ذلك فضلاً محموداً، فإن تزايد على ذلك؛ بأن أورث مرضاً أو موتاً أو وهماً لازماً؛ بحيث يقطع عن السعى في اكتساب الفضائل المطلوبة المحبوبة لله عز وجل؛ لم يكن محموداً".

وقال بعض العلماء: الخوف له قصور، وله إفراط، وله اعتدال، والمحمود منه هو الاعتدال والوسط:

فأما القاصر منه؛ فهو الذى يجرى مجرى رقة النساء؛ يخطر بالبال عند سماع آية من القرآن، فيورث البكاء، وتفيض الدموع، وكذلك عند مشاهدة سبب هائل، فإذا غاب ذلك السبب عن الحس؛ رجع القلب إلى الفضلة؛ فهذا خوف قاصر، قليل الجدوى، ضعيف النفع.

وأما المفرط؛ فإنه الذي يقوى ويجاوز حد الاعتدال، حتى يخرج إلى اليأس والقنوط، وهو مذموم أيضاً؛ لأنه يمنع من العمل.

وأما خوف الاعتدال؛ فهو الذى يكف الجوارح عن المعاصي، ويقيدها بالطاعات.

وما لم يؤثر في الجوارح؛ فهو حديث نفس وحركة خاطر لا يستحق أن يسمى خوفاً.

قال بعض الحكماء: ليس الخائف الذى يبكي ويمسح عينيه، بل من يترك ما يخاف أن يعاقب عليه.

فالخوف يحرق الشهوات المحرمة، فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهة كما يصير العسل عند من يشتهيه إذا عرف أن فيه سما؛ فتحترق الشهوات بالخوف، وتتأدب الجوارح، ويحصل في القلب الخشوع والذل والاستكانة ومفارقة الكبر والحقد والحسد.

اللهم! اجعلنا ممن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين!

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.








الخطبة الثانية

الحمد لله حقَّ حمده، أفضل ما ينبغي لجلال وجهه، أحمده سبحانه لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله

أما بعد: أيها المسلمون!

اتقوا الله تعالى، واعلموا أن أخوف الناس لربه أعرفهم بنفسه وبربه، ولذلك قال النبي : ((الله؛ إني لأعلمكم بالله، واشدكم له خشية))رواه البخاري ومسلم.

عباد الله!

وهناك أمور يستجلب بها الخوف، وهي كثيرة:

أولها – وهو الجامع لكل ما يليه -: تدبر كلام الله تعالى وكلام نبيه والنظر في سيرته فهو سيد المتقين:

فإن تدبر هذا مما يعين على الخوف:

قال الله تعالى: يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سـوء تـود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد [آل عمران:30].

وقال سبحانه: ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسيراً ويوم يعض الظالم على يديـه يقـول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً ياويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلاً [الفرقان:28].

وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: سمعت رسول الله يقول: ((يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً". قلت: يا رسول الله! الرجال والنساء جميعاً؛ ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: "يا عائشة! الأمر أشد من ذلك)).

الأمر الثاني مما يستجلب به الخوف: التفكر في الموت وشدته:

قال تعالي: وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد [ق:19].

وقال : ((أفضل المؤمنين أحسنهم خلقاً، وأكيسهم أكثرهم للموت ذكراً وأحسنهم له استعداداً، أولئك الأكياس))رواه ابن ماجه وهو حسن بطرقة

فيا أيها العاصي الذي قل خوفه من الله! أما تذكر ساعة يعرق لها الجبين، وتخرس من فجأتها الألسن، وتقطر قطرات الأسف من الأعين؟

فتذكر ذلك؛ فالأمر شديد، وبادر بقية عمرك؛ فالندم بعد الموت لا يفيد، وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد [ق:13].

الأمر الثالث : التفكر في القبر وعذابه وهوله وفظاعته:

فعن البراء بن عازب رضي الله عنه؛ قال: كنا مع رسول الله في جنازة، فجلس على شفير القبر، فبكى حتى بل الثرى، ثم قال: ((يا إخواني ! لمثل هذا فأعدوا)).رواه أحمد وابن ماجه بإسناد حسن

وقال بعض الحكماء:

أنسيت يا مغرور أنك ميت

أيقن بأنك في المقابر نازل

الأمر الرابع: التفكر في القيامة وأهوالها:

قال تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد [الحج:1-2].

وقال تعالى: فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيباً السماء منفطر به كان وعده مفعولاً [المزمل:17].

الأمر الخامس: التفكر في النار وشدة عذابها وما أعد الله عز وجل فيها لأعدائه:

قال تعالى: ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين [الأنبياء:46].

الأمر السادس: تفكر العبد في ذنوبه:

فإنه وإن كان قد نسيها؛ فإن الله تعالى قد أحصاها، وإنها إن تحط به؛ تهلكه؛ إن وكله الله إليها، فليتفكر في عقوبات الله تعالى عليها في الدنيا والآخرة، ولا يغرن المذنب النعم؛ فقد قال : ((إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا ما يحب، وهو مقيم على معاصيه؛ فإنما ذلك منه استدراج))، ثم تلا: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون 4[الأنعام:44].

وقال تعالى: يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد [آل عمران:30].

وقال : ((إني لأعلم أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة البيضاء، فيجعلها الله عز وجل هباءً منثوراً)). قال ثوبان: يا رسول الله! صفهم لنا، جلهم لنا أن نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: ((أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله؛ انتهكوها)رواه ابن ماجه بسند صحيح
الأمر السابع: أن يعلم العبد أنه قد يحال بينه وبين التوبة:

وذلك بموت مفاجئ، أو فتنة مضلة، أو غفلة مستمرة، أو تسويف وإمداد إلى الموت أو غير ذلك، وعندها يندم حيث لا ينفع الندم.

الأمر الثامن: من الأمور التي يستجلب بها الخوف من الله تعالى: التفكر في سوء الخاتمة:

فإن العبد ما يدري ما يحدث له في بقية عمره؟!

وقـد كـان رسول الله يقول: ((يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك)).رواه أحمد والحاكم وصححه

وقال تعالى: واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه [الأنفعال:24].

وقال : ((لقلب ابن آدم أشد تقلباً من القدر، إذا اجتمع غلياناً)).رواه أحمد والحاكم وصححه

عباد الله!

هذه بعض الأمور التي يستجلب بها الخوف من الله تعالى، وكل إنسان أعلم بنفسه من غيره من الناس؛ فإن كانت هذه الأمور موجودة فيه؛ فليحمد الله، وليسأل الله الثبات، وإن كانت مفقودة؛ فعليه أن يعمل على تحصيلها؛ فإن الأعمال بالخواتيم.

عباد الله!

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون [النحل:90].

فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.






الساعة الآن 07:58 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق الأدبيه والفكرية محفوظة لشبكة قحطان وعلى من يقتبس من الموقع الأشارة الى المصدر
وجميع المواضيع والمشاركات المطروحه في المجالس لاتمثل على وجه الأساس رأي ووجهة نظر الموقع أو أفراد قبيلة قحطان إنما تمثل وجهة نظر كاتبها .

Copyright ©2003 - 2011, www.qahtaan.com