شبكة قحطان - مجالس قحطان - منتديات قحطان

شبكة قحطان - مجالس قحطان - منتديات قحطان (https://www.qahtaan.com/vb/index.php)
-   مجلس الإسلام والحياة (https://www.qahtaan.com/vb/forumdisplay.php?f=11)
-   -   ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب (https://www.qahtaan.com/vb/showthread.php?t=49935)

المناضل السليماني 06-11-2012 03:40 PM

رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب
 
التهاون بالصلاة


الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين جعل المحافظة على الصلاة من صفات المؤمنين ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ وجعل التكاسل عنها من صفات المنافقين ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وصف من تركوا الصلاة بالمجرمين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصى بالمحافظة على الصلاة حتى أتاه اليقين صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون حق التقوى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ أيها المسلمون: مما لا يخفى أنَّ الصلاة عمود الدين بل هي الركن الثاني للإسلام بعد الشهادتين وهي صلة العبد برب العلمين فرضها الله من فوق سبع سموات على النبي بغير واسطة لأهميتها وعظيم مكانتها بل أمر بالمحافظة عليها جماعةً حتى المجاهدين وجعلها قرينة الإيمان في مواضع كثيرة من القرآن العظيم بل سماها إيمانا كما قال سبحانه ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ أي صلاتكم وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول " أن أَوَّلَ ما يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يوم الْقِيَامَةِ من عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ "سنن النسائي والترمذي وصححه الألباني في المشكاة. وأورث المحافظين عليها الفردوس الأعلى ووعد النبي صلى الله عليه وسلم من حافظ عليها بالجنة عهدا من رب العالمين عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ رضي الله عنه قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول " خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ الله على الْعِبَادِ فَمَنْ جاء بِهِنَّ لم يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شيئا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كان له عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ "رواه احمد في المسند ورواه النسائي وأبو داود وصصححه ابن حبان والألباني في صحيح الجامع وغيره. لذلك كله حافظ عليها المسلمون جيلا بعد جيل ولم يتهاونوا بها حتى عند المرض والسكرات قال ابن مسعود رضي الله عنه " وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وما يَتَخَلَّفُ عنها إلا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَلَقَدْ كان الرَّجُلُ يؤتي بِهِ يُهَادَى بين الرَّجُلَيْنِ حتى يُقَامَ في الصَّفِّ " وفي لفظ قال " لقد رَأَيْتُنَا وما يَتَخَلَّفُ عن الصَّلَاةِ إلا مُنَافِقٌ قد عُلِمَ نِفَاقُهُ أو مَرِيضٌ إن كان الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بين رَجُلَيْنِ حتى يَأْتِيَ الصَّلَاةَ " مسلم
وقيل لابن المسيب فلان يريد قتلك فالزم بيتك ولا تخرج فقال مستنكرا أدعى إلى الفلاح أو أسمع حي على الفلاح فلا أجيب. لقد حافظوا عليها حتى مع ضعفهم وتسلط الأعداء عليهم حتى جاء عصرنا الحاضر فعظم المصاب بتضييع الصلاة والتهاون بها ونسوا ما قال الله ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ والغي قال ابن مسعود والبراء بن عازب واد في جهنم من قيح لأنه يسيل فيه قيح أهل النار وصديدهم وهو بعيد القعر خبيث الطعم. ونسوا وعيد الله بالويل لهم ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ والويل قال عنه عطاء بن يسار " الويل واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت من حره " واختلفت أحوالهم في التهاون والتضييع بين مضيع لها بالكلية ومضيع لأركانها وواجباتها والخشوع فيها ومضيع لأوقاتها ومضيع لجماعتها في المساجد حيث ينادى بها. أيها المسلمون: وليكن حديثنا هذا اليوم مع المضيعين للصلاة والمتهاونين بها بدءا بالتاركين لها إنَّ تارك الصلاة عاص للرحمن متبع للشيطان الذي أمر بالسجود فأبى وسيحشر يوم القيامة مع يليق به في المنزلة ممن تمرد على ربه كفرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلاةَ يَوْمًا فَقَالَ "... وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُرْهَانٌ وَلا نُورٌ وَلا نَجَاةٌ وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَهَامَانَ وَفِرْعَوْنَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ " رواه احمد في المسند وصحيح ابن حبان وصححه الألباني في المشكاة. وتارك الصلاة عامدا جاحدا لوجوبها كافر بإجماع العلماء وأما إذا تركها تهاونا وكسلا مع إقراره بوجوبها فقد اختلف علماء الإسلام في حكمه على قولين أظهرها أنه كافر الكفر الأكبر وتجرى عليه أحكام المرتدين لما ورد من نصوص الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم ومنها قوله تعالى ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ والأخوة الإيمانية لا تنتفي بوجود المعاصي مهما كبرت عدا الشرك. وقال تعالى ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ....إلى أن قال فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ والذي لا تنفعه الشفعة هو الكافر كما قالوا عن أنفسهم كما حكى الله ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ﴾ وأما المسلم فتنفعه الشفاعة بإذن الله وهذا دليل صريح على كفر تارك الصلاة. ومنها عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنه يقول سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول " بين الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ " مسلم
وعن بُرَيْدَةَ الأسلمي رضي الله عنه قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " الْعَهْدُ الذي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ " رواه النسائي والترمذي واحمد في المسند وصححه الحاكم والألباني في صحيح الترغيب والترهيب وغيره.
عن مُعَاذِ بن جَبَلٍ رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِمُعَاذِ بن جَبَلٍ رضي الله عنه " من تَرَكَ الصَّلاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ منه ذِمَّةُ اللَّهِ " المعجم الكبير للطبراني وفي المسند عن أم أيمن وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب وقال في الإرواء" وهذا إسناد رجاله ثقات...". وأما أقوال الصحابة فقد قال عمر لفاروق رضي الله عنه " له لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة " وعن علي رضي الله عنه " من لم يصل فهو كافر " وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " من لم يصل فلا دين " وقال عبد الله بن شقيق " كان أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة " ولم يرد في النصوص أن تارك الصلاة مؤمن أو أنه يدخل الجنة أو أنه ينجو من النار حتى نحتاج معه إلى تأويل النصوص فنقول إن الكفر هو كفر النعمة أو الكفر الأصغر لا يخرج من الملة كما يقول أصحاب القول الثاني، وهل يرضى تارك الصلاة لنفسه أن يكون محل شك عند علماء الإسلام هل هو مسلم أم لا ؟ أيها المسلمون: إذا تبين أن تارك صلاة كافر كفرا أكبر ومرتد عن دينه فإنه تجرى عليه أحكام المرتدين ومنها : أولا لا يجوز أن يزوج ببنات المسلمين وإن عقد له وهو لا يصلي فنكاحه باطل وإن كان تركه للصلاة بعد عقد النكاح فينفسخ عقده من زوجته ولا تحل له لقوله تعالى ﴿لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ وثانيا لا تحل ذبيحته إن ذبحها، وثالثا لا يجوز له دخول مكة أو حدود حرمها لقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ ورابعا إذا مات أحد أقاربه من المسلمين لم يرث منه عن أُسَامَةَ بن زَيْدٍ رضي الله عنهما أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال " لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ ولا الْكَافِرُ الْمُسْلِم " البخاري ومسلم. وخامسا أنه إذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يجوز لأحد من أقاربه أن يدعوا له بالرحمة والمغفرة لأنه كافر لا يستحقها قال تعالى ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ ويحشر يوم القيامة مع أئمة الكفر فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف فإن كان ملكا أو رئيسا شغله ملكه ورئاسته عن الصلاة حشر مع فرعون وإن كان وزيرا أو موظفا شغلته وزارته أو وظيفته عن الصلاة حشر مع هامان وإن كان ثريا غنيا شغله غناه عن الصلاة حشر مع قارون وإن كان تاجرا يبيع ويشتري وألهاه بيعه وشراؤه عن الصلاة حشر مع أبي بن خلف ولا تسل يا تارك الصلاة عن منازل هؤلاء في النار يوم القيامة فهم في شر الدركات هذا حكم تارك الصلاة وهذه عقوبته فهل بعي ذلك تارك الصلاة ويتدارك نفسه قبل فوات الأوان، وأما المضيع لأوقاتها المؤخر لها عن وقتها المحدد لها شرعا فقد قال تعالى ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ قال ابن مسعود رضي الله عنه " ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية ولكن أخروها عن أوقاتها " وقال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ قال جماعة من المفسرين : المراد بذكر الله الصلوات الخمس فمن اشتغل عن الصلاة في وقتها بماله كبيعه وشرائه أو معيشته أو ضيعته أو ولده كان من الخاسرين. وقال تعالى ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ وهذا تهديد لمن أخر الصلاة عن أوقاتها والويل واد في جهنم وورد الوعيد بشأن صلوات مخصوصة كالفجر والعصر عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ " البخاري
وعن بن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " الذي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ "البخاري ومسلم. وعن سَمُرَةُ بن جُنْدَبٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرُّؤْيَا قال " أَمَّا الرَّجُلُ الْأَوَّلُ الذي أَتَيْتَ عليه يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فإنه الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عن الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ "البخاري. وفي حديث أبي هريرة في الإسراء أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء قال يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء الذين تثاقلت رؤوسهم عن الصلاة " قال صاحب المجمع رواه البزار ورجاله موثوقون. هذا بعض العقاب إضافة إلى ما فاتهم من الفضل العظيم لمن حافظ على الصلاة في أول وقتها فعن عبد اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال " سَأَلْتُ النبي صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلى اللَّهِ قال الصَّلَاةُ على وَقْتِهَا.." البخاري.



عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا صلى الرجل فأحسن الوضوء وأتم ركوعها وسجودها أحسبه قال والقراءة فيها قالت حفظك الله كما حفظتني وإذا أساء ركوعها ولم يتم ركوعها ولا سجودها قالت ضيعك الله كما ضيعتني " مسند البزار. عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى الصلاة لوقتها وأسبغ لها وضوءها وأتم لها قيامها وخشوعها وركوعها وسجودها خرجت وهي بيضاء مسفرة تقول حفظك الله كما حفظتني ومن صلى الصلاة لغير وقتها فلم يسبغ لها وضوءها ولم يتم لها خشوعها ولا ركوعها ولا سجودها خرجت وهي سوداء مظلمة تقول ضيعك الله كما ضيعتني حتى إذا كانت حيث شاء الله لفت كما يلف الثوب الخلق ثم ضرب بها وجهه " المعجم الأوسط للطبراني. وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا صلى العبد الصلاة في أول الوقت صعدت إلى السماء ولها نور حتى تنتهي إلى العرش فتستغفر لصاحبها إلى يوم القيامة وتقول حفظك الله كما حفظتني وإذا صلى العبد الصلاة في غير وقتها صعدت إلى السماء وعليها ظلمة فإذا انتهت إلى السماء تلف كما يلف الثوب الخلق ويضرب بها وجه صاحبها وتقول ضيعك الله كما ضيعتني " ذكره الذهبي في الكبائر. فيا من تؤخر الصلاة عن وقتها هل تريد مصيرا كهذا المصير ؟ فتنبه من غفلتك واستيقظ من رقدت قبل أن تندم في وقت لا ينفع فيه الندم وتتمنى الرجوع إلى الدنيا لتعمل صالحا ولكن هيهات هيهات ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ.......﴾



الخطبة الثانية

أيها المسلمون: اتقوا الله واعلموا أن الصلاة عمود الدين وبرهان الإيمان وشرط القبول فإن قبلت قبل سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله من وفاها وفاه الله حقه ومن طفف ففيها فقد علمتم ما قال الله في المطففين , ولا يزال الحديث مع المضيعين والمتهاونين بالصلاة ومع المضيع لصلاة الجماعة في بيوت الله أولئك الذين هجروا المساجد شأنهم شأن المنافقين وربما كان بيت الواحد منهم مجاورا للمسجد ولا يعرف طريقه فاسمعوا طرفا من الوعيد والتهديد الذي ينتظرهم إن لم يراجعوا أنفسهم ويصلحوا ما فسد من قلوبهم قال تعالى ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ وذلك يوم القيامة وما يكون فيه من الأهوال والزلازل والبلاء والامتحان والأمور العظام حين يغشاهم الذل والهوان وقد كانوا يدعون إلى السجود في الدنيا قال ابن المسيب " كانوا يسمعون حي على الصلاة حي على الفلاح فلا يجيبون وهم أصحاء سالمون " وقال إبراهيم التيمي " يعني يدعون إلى الصلاة بالأذان والإقامة " وقال كعب الأحبار " والله ما نزلت هذه الآية إلى في الذين تخلفوا عن الجماعة " فأي وعيد أشد وأبلغ من هذا لمن ترك الصلاة مع جماعة المسلمين مع قدرته على الذهاب إليها، عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ على الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ ما فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ من حَطَبٍ إلى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ" البخاري ومسلم.
وهل يمكن أن يتوعد الرسول صلى الله عليه وسلم بالتحريق بالنار أقواماً إلا بسبب ذنب عظيم اقترفوه، أتى ابن أم مكتوم رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ شَاسِعُ الدَّارِ وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي فَهَلْ لي رُخْصَةٌ أَنْ أُصَلِّيَ في بَيْتِي فرخص له فلما ولى دعاه وقال هل تَسْمَعُ النِّدَاءَ قال نعم قال فأجب لَا أَجِدُ لك رُخْصَةً "مسلم وغيره فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجد رخصة لرجل أعمى أن يصلي في بيته ولم يعذره فكيف يجوز لصحيح البدن والبصر أن يصلي بيته ؟ كيف يستبيح كثير من الناس التخلف عن الصلاة مع الجماعة في المساجد وقد أصح الله أبدانهم ووسع عليهم في أرزاقهم وآمنهم في أوطانهم أما يخشى أولئك المتخلفون الغافلون أن يكون النفاق قد تسلل إلى قلوبهم وهم لا يشعرون ؟ عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " من سمع الْمُنَادِيَ فلم يَمْنَعْهُ من اتباعه عُذْرٌ قالوا وما الْعُذْرُ قال خَوْفٌ أو مَرَضٌ لم تُقْبَلْ منه الصَّلَاةُ التي صلى" سنن أبي داود وصححه الألباني. يعني الصلاة التي صلاها في بيته وعن أبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول " ما من ثَلَاثَةٍ في قَرْيَةٍ ولا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إلَّا قد اسْتَحْوَذَ عليهم الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ "رواه الإمام احمد في المسند وأبو داود والحاكم حبان وعن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عن وَدْعِهِمْ الْجَمَاعَاتِ أو لَيَخْتِمَنَّ الله على قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ من الْغَافِلِين " سنن ابن ماجه. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلا صَلاةَ لَهُ إِلا مِنْ عُذْر " الحاكم وابن حبان. سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل يقوم الليل ويصوم النهار ولا يصلي مع الجماعة فقال هو في النار"وقال"من سمع النداء بالصلاة ثم لم يجب ويأتي المسجد ويصلي فلا صلاة له وقد عصى الله ورسوله" وقال ابن مسعود رضي الله عنه " من سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ على هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فإن اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ من سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ في بُيُوتِكُمْ كما يُصَلِّي هذا الْمُتَخَلِّفُ في بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ وما من رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إلى مَسْجِدٍ من هذه الْمَسَاجِدِ إلا كَتَبَ الله له بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بها دَرَجَةً وَيَحُطُّ عنه بها سَيِّئَةً وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وما يَتَخَلَّفُ عنها إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَلَقَدْ كان الرَّجُلُ يؤتي بِهِ يُهَادَى بين الرَّجُلَيْنِ حتى يُقَامَ في الصَّف " وقال ابن عمر رضي الله عنهما " كنا إذا فَقَدْنَا الرَّجُلَ في الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ أَسَأْنَا بِهِ الظَّن " وكان الربيع بن خثيم قد سقط شقه في الفالج " الشلل " فكان يخرج إلى الصلاة يتوكأ على رجلين فيقال له يا أبا محمد قد رخص لك أن تصلي في بيتك أنت معذور فيقول هو كما تقولون ولكن أسمع المؤذن يقول حي على الصلاة حي على الفلاح فمن استطاع أن يجيبه ولو زحفا أو حبوا فليفعل. وكم يفوت المتخلف من الأجر العظيم عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من غَدَا إلى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ الله له نُزُلَهُ من الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أو رَاحَ" البخاري ومسلم. عن بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه عن النبي قال " بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ في الظُّلَمِ إلى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يوم الْقِيَامَةِ " الترمذي وأبي داود وصححه لحاكم عن أنس وابن خزيمة. عن عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي الله عنه قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول " من صلى الْعِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قام نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صلى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صلى اللَّيْلَ كُلَّهُ " مسلم. عن أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "من صلى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا في جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَتْ له بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ من النَّارِ وَبَرَاءَةٌ من النِّفَاقِ " الترمذي وحسنه الألباني في الصحيحة ". وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتاني الليلة ربي في أحسن صورة فقال يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى قلت نعم في الكفارات والدرجات ونقل الأقدام للجماعات وإسباغ الوضوء في السبرات وانتظار الصلاة بعد الصلاة ومن حافظ عليهن عاش بخير ومات بخير وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه " مسند أبي يعلى وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب. عن عُثْمَانَ رضي الله عنه قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول " من تَوَضَّأَ فأسبغ الْوُضُوءَ ثُمَّ مَشَى إلى صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ فَصَلاَّهَا غُفِرَ له ذَنْبُه "رواه الإمام احمد في المسند وصححه ابن خزيمة

المناضل السليماني 22-11-2012 12:54 PM

رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب
 
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره .........

يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله...........


أما بعد: نعيش هذه الأيام أيامًا جميلة، إنها أيام شهر الله المحرم، أول شهور السنّة الهجرية وأحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36]، وعن أبي بكرة عن النبي : ((السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان)) رواه البخاري. هذه الأشهر الحُرُم الذنب فيهن أعظم من غيرها من الشهور، والعمل الصالح والأجر أيضًا أعظم.

أيها المسلمون، في شهر المحرم صيام يوم عاشوراء، قال النبي : ((صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله))، وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قدم النبي المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ((ما هذا؟))، قالوا: هذا يومٌ صالحٌ، هذا يومٌ نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: ((فأنا أحق بموسى منكم))، فصامه وأمر بصيامه. رواه البخاري.

فها هنا عدة وقفات:

الوقفة الأولى: إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء، فإن الله اصطفى صفايا من خلقه؛ اصطفى من الملائكة رسلا، ومن الناس رسلا، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظموا ـ رحمني الله وإياكم ـ ما عظم الله، فإن تعظيم ما عظّم الله من صفات أهل الإيمان.

الوقفة الثانية: أن نعرف فضل الله تعالى علينا في أن جعل لنا مواسم نتوب فيها ونرجع إلى الله فيكفر عنا الخطايا، ولكن مع ذلك لا بد أن نعلم أن الخطايا التي تكفر إنما هي الصغائر، فليحذر الكثير من الناس الذين يرتكبون الموبقات ويتركون الفرائض وينتهكون الحرمات ويظنون أن ذلك يكفر بصيام هذا اليوم، وينسون أن أمر الكبائر يحتاج إلى توبة وعزم على عدم الرجوع. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وتكفير الطّهارة والصّلاة وصيام رمضان وعرفة وعاشوراء للصّغائر فقط"، وقال ابن القيم رحمه الله: "لم يدرِ هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفّر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، فرمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة لا يقويان على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها، فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر".

الوقفة الثالثة: نأخذ من قول النبي : ((نحن أحق بموسى منكم)) أن هذه الأمة المباركة هي امتداد للأنبياء والصالحين، وأن كل نبي وكل صالح من الأمم السابقة فإنما هو تابع لهذه الأمة، ونحن أحق بكل نبي من قومه الذين كذبوه وعصوه، وأن الأنبياء عليهم السلام امتداد لتاريخنا، وقد قال الله تعالى بعد أن ذكر قصص الأنبياء: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]. هذه أمتكم أمة الأنبياء، أمة واحدة، تدين بعقيدة واحدة، وتتجه اتجاها واحدا، هو الاتجاه إلى الله وحده دون سواه.

وللأسف ـ أيها الإخوة ـ فإن أعداء الإسلام من اليهود والنصارى قد علموا هذه الحقيقة، وعرفوا كيف أن المسلمين يحترمون الأنبياء السابقين، فأرادوا بمكر منهم وخبث ودهاء أن يستغلوا هذه الحقيقة لتمييع المسلمين وكسر تميزهم ومحاولة تحطيم اعتزازهم بهذا الدين، وهذا الأمر هو الحدث المهم الذي يجري الآن على الساحة دون أن يتفطن له كثير من المسلمين، فالمنظّرين في الغرب يعملون الآن بجد بالتعاون مع اليهود لهدم التميز الإسلامي، من خلال عقد المؤتمرات لبحث وحدة الأديان والمحاولات الجادة لتقريب وجهات النظر بين أصحاب الأديان الثلاثة، وإغراء عدد من علماء السوء وكثير ممن يسمونهم بالمفكرين الإسلاميين بتقديم تنازلات في العقيدة لدمج الأديان الثلاثة، حتى ظهرت الدعوة الجديدة التي تدعو إلى العودة إلى دين إبراهيم، وأصبحت هناك منتديات مشتركة يحترم كل واحد فيها عقيدة الآخر، ويقر فيها المسلم بعقائد الشرك وطقوس الوثنية، والأدهى من ذلك أن يؤخذ طلبة المدارس الإسلامية لزيارة الكنائس والمعابد والمشاركة في الصلوات الشركية، وهذا الأمر أمر خطير جدا ينبغي على كل مسلم الحذر من مكائد ما يبثه أولئك الماكرون والكافرون، ولنحذر من الكافرين مرة، ولنحذر من المنافقين ألف مرة.

الوقفة الرابعة: نأخذ من أمر النبي بمخالفة اليهود والأحاديث التي جاءت في النهي عن التشبه بالكفار في كل شيء كثيرة جدًا ومنها قوله في عاشوراء: ((لئن عشتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسع))، يقول هذا عليه الصلاة والسلام مع أن صيام اليهود كان صياما صحيحا على شرع موسى عليه السلام، ولكنه التأكيد على المخالفة التي طالما أظهر تأكيدها النبي ، حتى قال اليهود: ما يُرِيدُ هذا الرَّجلُ أن يَدَعَ من أَمْرِنَا شيئا إلا خالفنا فيه.

لقد كان الرسول يريد لنا الرفعة عن مشابهة الكفار، ويريد لنا العزة، ويريد لنا التميز، فلماذا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! نحن أمة مرفوعة، فلم نكون خاضعين؟! نحن أمة متبوعة، فلم نكون تابعين؟! نحن أمة الجهاد، فلم نخاف الأذلة الصاغرين الذين غضب الله عليهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة؟!

يا من دانت لكم الدنيا وأنتم جياع, كيف استعبدكم هؤلاء وأنتم شباع؟! قد حزتم أموال الدنيا وتربعتم على أسباب الحياة. يا من قصمتم القياصرة وكسرتم الأكاسرة وحطمتم الجبابرة، كيف جبنتم عن ملاقاة ثلة ضائعة حائرة من أحفاد القردة والخنازي؟!

عجبا أيها المسلمون، أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! كيف رضيتم بالدنيا وتركتم الجهاد؟! وقد سمى الله ترك الجهاد وموالاة اليهود والنصارى ردة، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54]، نعوذ بالله أن نكون ممن قال الله فيهم: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [التوبة:87]. فإذا لم تتيسر أسباب الجهاد فليس هناك أقل من أن تبغض الكفار وتتجنب طريقهم وتحذر مكائدهم، ونحذر منهم أهلينا ومن لنا ولاية عليه، مع العلم بأن الجهاد يكون بالسنان وباللسان ويكون بالنفس وبالمال، ويكون بكل وسيلة مشروعة، ويكون للكفار والمنافقين، والله تعالى يحرض نبيه فيقول: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة:73].

الوقفة الخامسة: يجب علينا أن نحمد الله سبحانه بأن جعلنا من أتباع السنة المطهرة، وأن نجانا من اتباع طريق أهل البدع الذين اتخذوا ضرب أنفسهم وتسويد وجوههم دينا يدينون الله تعالى به، وجعلوا اللعن وسب أصحاب النبي قربة يتقربون بها إلى الله، وهي في الحقيقة تقربهم إلى جهنم وبئس المصير.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن ذكر مقتل الحسين وماذا فعل الناس بسبب ذلك: "فصارت طائفة جاهلة ظالمة ـ إما ملحدة منافقة وإما ضالة غاوية ـ تظهر موالاته وموالاة أهل بيته؛ تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهليّة من لطم الخدود وشق الجيوب والتَّعزي بعزاء الجاهلية وإنشاد قصائد الحزن ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصّدق فيها ليس فيه إلاّ تجديد الحزن والتعصب وإثارة الشحناء والحرب وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام والتّوسل بذلك إلى سبِّ السَّابقين الأولين، وشرُّ هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يحصيه الرّجل الفصيح في الكلام" انتهى.

أهل السنة لا يفرحون بمقتل الحسين ولا بمقتل أي رجل من المسلمين، ولكن ذلك لا يخرجهم إلى حد الغلو والابتداع في الدين، ولو جاز لهم فعل شيء من ذلك لكانت وفاة رسول الله أعظم مصيبة من قتل الحسين ، ولو أن هؤلاء المبتدعة يحبون الحسين حقا لاتبعوه واهتدوا بهديه في هذا اليوم، ولكانوا صياما كما كان صائما رضي الله عنه.

الخطبة الثانية


أما بعد: وفي شهر المحرم حصلت الملحمة العظيمة التي وقعت في اليوم العاشر من هذا الشهر، وهو نهاية فرعون ونجاة موسى وقومه، فنجَّى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى عليه السلام، فقال النبي : ((فأنا أحقُّ بموسى منكم))، فصامه وأمر بصيامه.

أيها المسلمون، ومن بداية قصة موسى منذ ولد حتى يوم الملحمة عدد من الدروس والعبر المهمة:

أولاً: أن نور الله مهما حاول المجرمون طمس معالمه، وأن الطغاة وإن أثروا في عقول الدهماء فترة من الزمن، واستمالوهم بالمنح والعطايا، فإن القلوب بيد الله يصرفها كيف يشاء، وتأملوا في حال فرعون وسحرته، وكم وعِدوا لقاء مواجهتهم موسى، ومع ذلك انقلبوا فجأة عليه، واستهانوا بما وعد به حين أبصروا دلائل الإيمان ولاذوا بحمى الملك الديان، فكانوا أول النهار سحرة وآخره شهداء بررة، وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ [الأعراف:113-122].

إنه موقف من المواقف الحاسمة في تاريخ البشرية، هذا الموقف بين فرعون وملئه والمؤمنين من السحرة السابقين، وإنه موقف حاسم ينتهي بانتصار العقيدة على الحياة، وانتصار العزيمة على الألم، وانتصار الإنسان على الشيطان. وليس هذا أول خرق في سفينة فرعون، فقد كان في بيته مؤمنون، ومع ضعف النساء فقد تحدت آسية امرأة فرعون زوجها وشمخت بإيمانها ولم تفتنها الدنيا ومباهجها، وضرب الله بها مثلا للمؤمنين، وقالت: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم:11]. ووجد في آل فرعون مؤمنون ناصحون رغم العنت والأذى، وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ [غافر:28].

ثانيًا: عاش المسلمون في أيام فرعون ظروفا عصيبة ملؤها الخوف والأذى، ووصل بهم الأمر أن يسروا بصلاتهم ويتخذوا المساجد في بيوتهم، قال الله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ [يونس:87]، وفى ظل هذه الظروف العصيبة أُمر المسلمون بالصبر عليها والاستعانة بالله على تجاوزها بالوسائل التالية: بالصبر: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا [الأعراف:128]، وبالإيمان بالله والتوكل عليه: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس:84]، وبالدعاء وصدق اللجوء إليه: وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ [يونس:88]. وهكذا كلما مرت ظروف صعبة بأمة فإن وسائل تجاوزها يكون بالصبر والتوكل والدعاء.

ثالثًا: إن الصراع مهما امتد أجله والفتنة مهما استحكمت حلقاتها فإن العاقبة للمتقين، لكن ذلك يحتاج إلى صبر ومصابرة واستعانة بالله صادقة، قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف:128]، أجل فلا ينبغي أن يخالج قلوب المؤمنين أدنى شك بوعد الله، ولا ينبغي أن يساورهم القلق وهم يصبرون على الضراء، ولا ينبغي أن يخدعهم أو يغرهم تقلب الذين كفروا في البلاد فيظنوه إلى الأبد، وما هو إلا متاع قليل ثم يكون الفرج والنصر المبين للمؤمنين.

نأخذ من يوم عاشوراء عبرة عظيمة حيث نصر الله تعالى فيه موسى على الطاغية فرعون، فإن الله تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، والمسلم يعلم أن النصر قادم، وأنه ليس عليه إلا أن يستعين بالله ويفعل ما أمر به ثم يصبر لحكم الله تعالى: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف:128، 129].

إنها رؤية النبي لحقيقة الألوهية وإشراقها في قلبه، رؤية النبي لحقيقة الواقع الكوني والقوى التي تعمل فيه، ولحقيقة السنة الإلهية وما يرجوه منها الصابرون. إنه ليس لأصحاب الدعوة إلى رب العالمين إلا ملاذ واحد وهو الملاذ الحصين الأمين، وليس لهم إلا ولي واحد وهو الولي القوي المتين، وعليهم أن يصبروا حتى يأذن الولي بالنصرة في الوقت الذي يقدره بحكمته وعلمه، وأن لا يعجلوا فهم لا يطلعون الغيب ولا يعلمون الخير، وإن الأرض لله، وما الفراعنة وطواغيت الأرض إلا نزلاء فيها، والله يورثها من يشاء من عباده وفق سنته وحكمته، فلا ينظر الدعاة إلى شيء من ظواهر الأمور التي تخيل للناظرين أن الطاغوت مكين في الأرض غير مزحزح عنها، فصاحب الأرض ومالكها هو الذي يقرر متى يطردهم منها.

ويحس المسلمون برباط العقيدة مهما كانت فواصل الزمن، وكما تجاوز المؤمنون من قوم موسى عليه السلام المحنة كذلك ينبغي أن يتجاوزها المسلمون في كل عصر وملة، وكما صام موسى يوم عاشوراء من شهر الله المحرم شكرًا لله على النصر للمؤمنين صامه محمد والمؤمنون، ولا يزال المسلمون يتواصون بسنة محمد بصيام هذا اليوم ويرجون بره وفضله، وقد قال عليه السلام بشأنه: ((وصوم عاشوراء يكفر السنة الماضية))، وفي لفظ: ((وصيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)).

فقدروا لهذا اليوم قدره، وسارعوا فيه إلى الطاعة، واطلبوا المغفرة، وخالفوا اليهود، وصوموا تطوعًا لله يومًا قبله أو يومًا بعده.
عباد الله صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه
الدعاء



المناضل السليماني 09-01-2013 02:27 PM

رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب
 
الخطبة عن اللعن

بسم الله الرحمن الرحيم ....
إن الحمد لله.....، أما بعد:
روى مسلم في صحيحه حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله تبارك وتعالى عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:- ((لعن الله من لعن والديه، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من غيرّ منار الأرض)).
اللعن: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله -جل وتعالى-، فكل فعل ورد في حق صاحبه اللعن إما من كلام الله أو من كلام رسوله فيجب أن نعلم بأن هذا الفعل وهذا العمل مستقبح ومنكر ومحرم، ولا يجوز فعله، إن لم يكن شركاً أو كبيرة من الكبائر، وإليك أمثلة سريعة من كتاب الله -جل وعز-:
قتل المؤمنين الأبرياء بغير ذنب: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [(93) سورة النساء].
إيذاء الله ورسوله بأي صورة كانت: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [(57) سورة الأحزاب].
ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} [(78-79) سورة المائدة].
الإفساد في الأرض وقطيعة الرحم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [(22) سورة محمد].
الكفر: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا} [(64) سورة الأحزاب].
الظلم: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [(44) سورة الأعراف] ثم إليك أمثلة سريعة أخرى من كلام المصطفى -صلى الله عليه وسلم-:
- ((لعن الله الراشي والمرتشي)).
- ((لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه)).
- ((لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، ولعن الله المتشبهات من النساء بالرجال)).
- ((لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها)).
- ((لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة)).
- ((لعن الله من سب أصحابي)).
- ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)).
اذاً فلنحذر ما ورد في حقه اللعن، ولنحذر غيرنا أيضاً، وحديث علي بن أبي طالب الذي قرأناه عليكم في مقدمة الخطبة هو ما سيتم التعليق عليه -إن شاء الله تعالى-.
((لعن الله من لعن والديه، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آذى محدثاً، ولعن الله من غير منار الأرض)).
الأول: ذلك الذي لعن والديه، أي كرامة للإنسان هذا الذي يلعن والديه، كيف لا يستحق اللعن من الله هذا الحقير المجرم الذي يلعن والديه، عجيب أمر هذا الإنسان، وعجيب قسوة قلوب بعض البشر، وهذا الأمر لو لم يكن حاصلاً، ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- نعم إنه يوجد من الأبناء من يشتم والديه، ويوجد من يقاطع والديه، بل جاءني مرة رجل في هذا المسجد بعد أحد الصلوات، وقال لي: أريد أن أتوب، فقلت له: إن باب التوبة مفتوح؛ لكن ما هو ذنبك؟ فقال: لقد ضربت والدي قبل الصلاة، لا حول ولا قوة إلا بالله، فأقول: عجيب أحوال بعض الناس، هذين الوالدين الذين بسببهما كان وجودك، وعلى أيديهما ترعرعت وكبرت، وفي أحضانهما نشأت، يسهران الليل لترتاح أنت، يتعبان طوال النهار، لتأكل وتشرب أنت، ينزعان ما عليهما لتلبس أنت، ثم يكون جزائهما أن يجدا منك السب والشتم واللعن، بئس الرجل أنت، لو كان هذا حالك، كيف تريد من ربك بعد ذلك توفيقاً في عمل أو تجارة، أو زواج، أو أي أمر آخر، وهذا حالك مع أقرب الناس إليك؟ يروى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث، لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها، إحداها قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [(12) سورة التغابن] فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه، الثانية قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} [(43) سورة البقرة] فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه، الثالثة: قوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [(14) سورة لقمان] فمن شكر الله ولم يشكر والديه لم يقبل منه".
قضى الله أن لا تعبدوا غيره حتماً *** فيا ويح شخص غير خالقه آمّا
وأوصاكموا بالوالدين فبالغوا *** ببرهما فالأجر في ذاك والرحما
فكم بذلا من رأفةٍ ولطافة *** وكم منحا وقت احتياجك من نعما
وأمك كم باتت بثقلك تشتكي *** تواصل مما شقها البؤس والغما
وفي الوضع كم قاست وعند ولادها *** مُشقاً يذيب الجلد واللحم والعظما
فضيعتها لما أسنت جهالة *** وضقت بها ذرعاً وذوقتها سمّا
وبت قرين العين ريّان ناعماً *** مكباً على اللذات لا تسمع اللوما
أهذا جزاها بعد طول عنائها؟ *** لأنت لذو جهل وأنت إذاً أعمى
يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه)) وليس في الوجود أحد بعد الله سبحانه أسدى إليك أيها الإنسان معروفاً أكثر مما أسدى إليك أبوك وأمك، فقد ربياك صغيراً، وآثراك على أنفسهما كبيراً، وكانا قبل ذلك السبب في وجودك وبروزك في الحياة شخصاً سوياً، فقد بذلا من أجلك الشيء الكثير، بذلا مهجهما وراحتهما ومالهما لإنعاشك وإسعادك، إن مرضت مرضا معك، وإن سهرت سهرا معك، إن حضرت خافا عليك، وإن غبت بكيا عليك فمن أجل هذا، ومن أجل هذا، ومن أجل أن توفق لما أمرت به من طاعة الله وبر الوالدين، فتسعد في دنياك وتنعم في أخراك أمرك الله -جل جلاله- ببرهما، والإحسان إليهما، والعطف عليهما، وخفض الجناح لهما، والترحم عليهما ومخاطبتهما باللين والرفق واليسر والحسنى ووصاك بهما تعالى، توصية مُبَيّنة حكمتها توصية تستجيش المشاعر، وتهز القلوب، {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [(15) سورة الأحقاف] وقوله: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [(14) سورة لقمان].
فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى وأطيعوه فيما أمركم من بر الوالدين وطاعتهما، فإن برهما وطاعتهما من أكبر القربات المقربة إلى الله، وعقوقهما وعصيانهما من أكبر السيئات المبعدة عن الله، روى البخاري ومسلم -رحمها الله- عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها)) قلت: ثم أي؟ قال: ((بر الوالدين)) قلت: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله)) وعن أبي بكرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)) ثلاثاً، قلنا: بلى. قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)) وكان متكئاً فجلس، فقال: ((ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور)) فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت" [رواه البخاري ومسلم].
فاتقوا الله عباد الله، بِروا تبروا، وأحسنوا يحسن إليكم، وأطيعوا الله في والديكم، يطع الله فيكم أولادكم.
وإياكم ثم إياكم من لعن الوالدين، فإنه من موجبات لعن الله، نسأل الله السلامة والعافية.
الثاني: ولعن الله من ذبح لغير الله.
إن الذبح لا يجوز أن يكون إلا لله، إن دم الذبيحة لا يجوز أن تُراق إلا لله، {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] وإنها من أفضل ما يُتقرب به إلى الله -جل وتعالى-، ولا يجوز صرفها لغيره، كمن ذبح لصنم أو لقبر أو للكعبة، ونحو ذلك، فكل هذا حرام ولا يجوز، بل ولا تحل هذه الذبيحة.
فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى كان ذلك كفراً، فإن كان الذابح مسلماً قبل ذلك صار بالذبح مرتداً والعياذ بالله، وهذا الأمر أيها الإخوة موجود في بعض بلاد المسلمين، قرابين تقرب لمقبورين، وطوائف من هذه الأمة ممن يَدّعون الإسلام هذا دينهم، وهذه عقيدتهم، يذبحون لقبورهم أكثر مما يذبحون لله، أفلا يستحق هؤلاء اللعن من رب العالمين، كيف لا؟ وهم قد دخلوا في باب من الشرك لا يُدرى هل يخرجون منه؟ أم يموتون على هذه العقيدة الفاسدة؟.
فنسأل الله -جل وتعالى- أن يختم لنا بخاتمة السعادة، وأن يبصرنا في ديننا...
وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه....
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.....

الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه…..، أما بعد:
وأما الثالث: والذي تُوّعد بهذا الحديث فهو ذلك الذي يأوي محدثاً، ولعن الله من آوى محدثاً، إن أصحاب البدع لا مكان لهم في المجتمع المسلم، وكما يقول ابن القيم: "وهذه الكبيرة تختلف مراتبها باختلاف مراتب الحدث في نفسه، فكلما كان الحدث في نفسه أكبر، كانت الكبيرة أعظم" إن الذي يتستر على أصحاب البدع والمخالفات هذا الإنسان قد ارتكب جرماً عظيماً في حق المجتمع المسلم لذلك استحق اللعن.
أن تستره عليه وإيواءه، يعني أنه راضٍ عما يصنع، هذا إذا كان مجرد إيواءٍ فقط، فما بالكم بمن يسهل هذه الأمور، ويدعم أصحابها بالمال، ويدافع عنهم، ولا يرضى بالتعرض لهم، وكل هذا يحصل في بلاد المسلمين، ولهذا فلا تستغرب إلى رفع أصحاب البدع عقيدتهم، ولوحوا بأعلامهم، وتكلموا بمليء أفواههم، ليسمعهم القريب والبعيد، وصدق الصادق المصدوق: ((ولعن الله من آوى محدثاً)) لأنه -عليه الصلاة والسلام- يعلم خطورة هذا الأمر، وأنه ما أحدثت بدعة إلا وأميتت سنة؛ ولأن البدع لو ترك لها المجال في الانتشار والتوسع فإنها ستقضى على الدين كله، وستأكل الأخضر واليابس.
إنه لا بد من وقفة مراجعة ومحاسبة لأصحاب البدع، وذلك قبل أن يعض المجتمع المسلم أصابع الندم.
((ولعن الله من آوى محدثاً)) الإحداث في الدين ليس فقط التحريف في الأسماء والصفات، كل شرخ وحدث في أي جانب من الجوانب العقدية يعتبر إحداثاً، مثل:
الولاء والبراء، إذا كان الله لعن من آوى محدثاً فكيف بمن آوى كافراً؟
وأما الرابع: فقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ولعن الله من غيّر منار الأرض))، منار الأرض هي علاماتها وحدودها التي يهتدي الناس بها في الطريق، هناك علامات توضع في الطريق ليهتدي بها المسافر والغريب عن الأرض، والذي يعبث بهذه العلامات، ويغيرها، متوعد باللعنة، لماذا؟ لأن هذا نوع من الإيذاء لعباد الله، وتضليلهم عند سبيلهم، أرأيت أخي المسلم لو كنت تريد السفر إلى مكة وأنت غريب، ومعك أهلك وأولادك، ثم رأيت علامة تقول لك بأن مكة من هاهنا، وهذه العلامة قد جاء قبلك من غيرها عن وجهتها الصحيحة، هل تظن أنك ستصل إلى مكة؟ ماذا يكون حال النساء والأطفال معك وأنت ضائع تائه في الصحراء؟ ألا يستحق صاحب هذا العمل اللعن من الله؟.
أيها الأحبة: إن منارات الأرض ضربان: منارات حسية، وهي ما سمعتم قبل قليل، وهناك منارات معنوية، وعلامات وحدود وضعها الله -عز وجل- ليهتدي الناس بها في هذه الأرض أيضاً، وهي أولى من سابقتها، ألا وهي شرعه ووحيه، الكتاب والسنة، إنهما لأعظم المنارات في هذه الأرض، فماذا يستحق من الله -عز وجل- ذلك الذي أوى أولئك الذين يغيرون في هذه المنارات، ويعبثون ويتلاعبون بها، وينتج عن هذا التغيير إضلال طوائف من البشر، وربما لأجيال متعاقبة، إذا كان تغيير منارة من منارات الأرض في طريق ونحوه يستحق صاحبها اللعنة، وقد يكون المتضرر من هذا التغيير شخص أو شخصين، قل حتى ولو ألفاً من الناس، فكيف بالذي يغير منارات بل ربما يزيل منارات يكون المتضرر منها الأمة بكاملها يترتب على تغيير هذه المنارات العبث بأفكار الناس، وتصوراتهم ومفاهيمهم؟ لا شك بأن عقوبة هذا أشد، وعاقبته أعظم؛ لأنه قد حرم ملايين من الناس من الاهتداء والاستفادة والأخذ والتلقي من هذه المنارات، فكلما اتسعت دائرة الضرر عظمت العقوبة، والله المستعان.
فنسأل الله -جل وعز- أن يصلح أحوال المسلمين، كما نسأله أن يعجل بفرج هذه الأمة...
اللهم إنا نسألك رحمة تهدي بها قلوبنا.....
اللهم وأبرم لهذه الأمة أمر رشد.....



المناضل السليماني 12-01-2013 11:15 AM

رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب
 
الحمد لله، تفرّد عزًّا وكمالاً، واختصّ بهاءً وجمالاً وجلالاً، أحمده سبحانه وأشكره، تقدّس وتنزّه وتبارك وتعالى، وأسأله جلّ في علاه صلاحَ الشّأن كلّه حالاً ومآلاً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، أمرنا بعبادته وطاعته غدوًّا وآصالاً، وحذّرنا مغبّةَ التفريط لهوًا وإغفالاً، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبد الله ورسوله أزكى الورَى خِصالاً، وأسنَى البريّة خِلالاً، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين بلغوا من السّؤدَد ذُراه، وتفيّؤوا من المجد ظلالاً، والتّابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

اليوم نتكلم عن شباب اليوم شباب الأمة، فأيّ شباب هم؟ كيف حالهم؟ هل هو حال المقبلين على الله المستقيمين على الطريق القويم، الذي يُطمئِن الأمّةَ على أن مستقبلها يسير على خير وإلى خير، أم هو حال الشباب المعرض عن تقوى الله، المنصرف إلى غياهب الضلال واللهو والعبث، والذي يُشعِر الأمة بأن مستقبلها في خطر؟ الشباب في ذلك على قسمين:

1- قسم هم أهل الصدق والاستقامة والصلاح، نظر الله إلى قلوبهم فرأى ما فيها من التقوى وحسن القصد، فكانوا أهلاً لهدايته وتوفيقه، نسأل الله لهم الثبات.

2- وقسم آخر قد تركوا طريق الخير والسعادة الذي يهدي إلى النور ويفضي إلى الضياء، وسلكوا طريق الشر، خُدِعوا بمظهره اللامع البراق الذي منتهاه إلى الظلام والويل والهلاك، نسأل الله لهم الصلاح والهداية، وهم حديثنا في هذه الجمعة.

أيها الشباب، هل سأل كل منكم نفسه يومًا: ما هدفي في الحياة، أم تريد أن تكون ضائعًا تائهًا في دروب الحياة؟! فلا أنت في شغل من الدنيا فتحمد، ولا أنت في عمل من الآخرة فتغبط.
أيها المسلمون، إن الحسرة كل الحسرة عندما نرى شباب الأمة وعماد المستقبل قد هجر كثيرٌ منهم المساجد، فأصبحت الصلاة في واقع بعضهم أمرًا محزنًا وحالاً مؤسفًا، تتلفّت بين الصفوف فينقلب إليك بصرك خاسئًا وهو حسير، متسائلاً: أين الشباب الذين يملؤون المدارس والمعاهد والجامعات؟! فتجد البعض منهم قد ضيّع الصلاة وترك قراءة القرآن، استنكف واستكبر عن عبادة ربه وخالقه ومدبّر أمره الذي وهبه الشبابَ وأنعم عليه بالصحة وأمدّه بالعافية، كأنه لا يعلم قول ربه جل وعلا: وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وِالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، ما وعى قوله : ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))! ما علم أنه لا قيمةَ لحياته ولا معنى لشبابه ولا بركة في عمره بدون طاعة الله، فما أعظمها من حسرة وندامة تكون منه يوم القيامة عندما يلقى في النار فيكون له العذاب والهوان.

وتجد آخرين يعكفون في البيوت ويقيمون الصلاة مع النساء فكأنهم من جملتهم، فقد سمعوا النداء ولكنهم صمّوا الآذان، فما كانوا من الرجال كما جاء في محكم الكتاب: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ [النور: 36، 37]، وما علموا أن مصيرهم إلى التراب، وموعدهم يوم الجزاء والحساب.

ويزيد الألم والحسرة عندما ترى كثيرا من شباب الأمة وقد ذابت شخصية بعضهم في تقليد أعمى وانسياق بهيمي، فتعجب من أمر ذاك الشاب كرمه الله بالإسلام وأعزه بهدي سيد الأنام، ثم يقلد الغرب في خنوثته وانحلاله وميوعته وشهواته ورذائله، تراه ربى شعره وهو ما يسمى بالكدش، وقد ملأه بالجل وهي مادة تثبت له شعره لها لمعان، وما تبع ذلك من تسريحات متنوعات لشعور بل والأذقان، فإذا أتاه النصح ممن يحب له الخير تجده يلهج بقوله: أنا أقتدي بالرسول في ذلك، فيا لله! ما أعظم قوله هذا وأشنَعَه، فنقول له: بل أنت متّبع لهواك وضلالك، تأخذ ما تمليه عليك نفسك، فلو كنت كما زعمت لاقتديت به في جميع شأنك، فاتبعته في ملبسه ومظهره وعبادته، وطبقت سنته لا في ما يمليه عليك عقلك وهواك.

تجده قد لبس البنطال، وقد بدت نصف إليته أو استه، فأظهر بعض عورته أو أظهر سروالا من تحت ذلك البنطال، قد بدت منه مختلف الألوان، فيا للهوان! طاح البنطال فطاحت معه الرجولة، فأين الرجال؟!

تراه مرتديًا قميصًا عليه عبارات باللغة الإنجليزية تدعو إلى العهر والفساد دون معرفة منه لمضمون تلك الكلمات، تراه قد لبس السلاسل والأساور في الأيدي والأعناق، وكل هذا مصداق لقوله : ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا شبرًا وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم))، قالوا: من يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: ((فمن؟!)).

قلدوا الكفار وتشبهوا بهم بدعوى الحضارة، فتراهم في ترف وميوعة وغرام وآهات وأغان تسبح بك في غياهب الظلمات، ساروا خلف من اعتدوا على كتاب ربّ السموات وطعنوا في عرض نبيّ الأمة عليه أفضل الصلوات بدعوى الحريات لعنهم الله وشلّ أركانهم وأرانا فيهم العبر والآيات، فهل يعد من كان هذا دأبه من الرجال؟! لا والله، فهذا كله لا يليق بالرجال، الرجال تجد فيهم الخشونة، فلا حظَّ لهم في الميوعة لأنهم علموا أن الميوعة للنساء، وقد وعوا ما روِيَ عن نبيّ الهدى: ((تمعددوا واخشوشنوا وانتضلوا وامشوا حفاة)) أو كما قال .

فانعدمت في هؤلاء الذين انساقوا وراء الغرب الكافر معالم الذكورة وصفات الرجولة حتى أصبحتَ لا تفرق بينهم وبين النساء، فهذا والله من أعجب العجب، وكما قيل:

ولا عجب أنّ النساء ترجّلت ولكنّ تأنيث الرجال عُجاب

وأين ذهب هؤلاء من الوعيد الشديد للمتشبهين من الرجال بالنساء وبالعكس؟! قال : ((لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، ولعن الله المتشبهات من النساء بالرجال))، فمن يصبر على لعن الله سبحانه وتعالى؟! واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.

تزداد الحسرة ـ أيها الأحبة ـ عندما نرى أولئك الشباب يجولون الشوارع بسياراتهم، يعبثون بها، فيضايقون المارة، ويزعجون السكان، فيعرضون أنفسهم والناس للخطر بلا حسيب ولا رقيب، يتطاولون على الكبير ويحقرون الصغير، وما علموا أن من إجلال الله توقير ذي الشيبة الكبير، وما وعوا أن ليس منا من لم يوقر كبيرنا. يظنون أن الرجولة هي بأذية الخلق في الطرقات، فتجدهم يمشون في الأرض مرحا وكبرا وتيها، تراهم قد ارتادوا المقاهي وضيعوا أوقاتهم في الشاتات والمنتديات والدردشات، فانشغلوا بذلك عن الصلوات.

وتزداد الحسرة عندما تراهم يجولون الأسواق يضايقون ويعاكسون ويؤذون المسلمات في الطرقات؛ ولهذا الموضوع وقفات في الأيام المقبلات.

ترى البعض منهم عشاقًا للرياضة والفضائيات، قبلته هي الكرة، فهو دائما يخرج فيلعب ويلعب حتى منتصف الليل، ثم يرجع لينام ليبدأ مشواره من جديد في اليوم الثاني، وهكذا حياته لا يدري لم خلق، ولا يفكر حتى أن يصليَ أو يساعد والديه، لكنه كما قيل عنه وعن أمثاله: (جيفة بالليل وحمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة)، فلو سألته من صاحب القدم الذهبية والرأس الذهبي والكأس الفضي وغير ذلك لتشدق بملء فمه وأجاب إجابة العارف، ولكن لو سألته عن الفاتحة تجده لا يحسن قراءتها إن لم يكن لا يحفظها، ولو سألته عن بعض السلف والتابعين بل عن بعض أصحاب النبيّ تجده يتخبّط ذات اليمين وذات الشمال ويتلعثم ثم لا يحير جوابًا.

أيها اللاهي بلا أدنى وجَل، اتق الله الذي عزّ وجلّ، واستمع قولاً به ضرب المثل، اعتزل ذكر الأغاني والغزل، وقل الفصل وجانب من هزل، كم أطعت النفس إذ أغويتها، وعلى فعل الخنا ربيتها، كم ليالٍ لاهيًا أنهيتها، إنّ أهنى عيشةٍ قضَيتها، ذهبت لذّاتُها والإثم حل.

ترى أولئك الشباب في زهرة ومقتبل أعمارهم، لكنهم في أعمالهم وهمتهم يحبُون حبوًا، لا ترى في عيونهم بريقًا، ولا في خطاهم عزمًا، شاخت أفئدتهم وماتت همتهم، فاستشرى شرهم وعظم خطرهم وصاروا يهددون من يحاول نصحهم أو ينكر عليهم، وما علموا أنّ كل تلك التيارات من عدوهم ليصدوهم عن دينهم فيضعفوا بذلك عزم الأمة وتكون لهم الصولة والجولة، فالشباب إذا فسدوا انهدم بناء الأمة وتسلط عليها أعداؤها كما هو الحال في كثير من بلاد المسلمين اليوم.

فيا شباب الإسلام، من يرفع راية لا إله إلا الله إذا توليتم؟! ومن ينصر هذا الدين إذا أعرضتم؟! زيادة المرء في دنياه نقصان، وربحه غير محض الخير خسران.

وكـلُ وجدان قومٍ لا ثبـات لـه فإنمـا هو في التحقيـق خسـران

يـا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبـت جسمك فيما فيه خسران

أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنـت بالروح لا بالْجسم إنسان

يـا عـامرًا لخراب الـدار مجتهدًا بـالله هل لِخراب الدار عمرانُ؟!

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.






الخطبة الثانية


حمدًا لمـن نبيـه قـد بعثـا فدوخـت بعوثه من قد عثا

ثم الصلاة والسلام ما حكت حَمـائمٌ حمـائمًا إذا بكت

علـى النبي محمّـدٍ وآلـه وصحبـه وتابعـي منواله

أما بعد: أيها الناس، إن مرحلة الشباب فرصة عظيمة لا تعوّض، يجب اغتنامها فيما ينفع الإنسان في دينه ودنياه وآخرته، وهو فرصة ثمينة تمرّ بسرعة، فإن لم تُشغل بخير شغلت بشر ولا بد، فالأوقات محدودة، والأنفاس معدودة، فعودوا إلى الله يا شباب الأمة، فأنتم الرجال الذين بهم تقوم الأمة، عودةً إلى الله حتى نريَ الأعداء زمجرة الأسود، فنحن اليوم بأشدّ الحاجة إلى شباب مؤمن يشعر بواجبه تجاه دينه وأمته وبما عليه من تبعات تجاه بناء الدين وإشادته، نحن بأشدّ الحاجة إلى شباب مؤمن يحمل نفسًا مطمئنة يشعر بأنّ أكبر سروره في إخلاص العمل لله، فما ظهر الدين وعرف الناس شرائع المرسلين إلا بفضل الشباب الصالحين الذين استجابوا لله والرسول، والتاريخ أصدق شاهد على فضل الشباب الناشئين في طاعة الله أمثال علي وأسامة بين زيد وعبد الله بن عباس وابن عمر ومحمد بن القاسم وغيرهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فهنيئا لشاب تقيّ تعلق قلبه بالمساجد ومجالس الخير وعمل الصالحات، واغتنم شبابه قبل هرمه وصحته قبل سقمه وغناه قبل فقره وفراغه قبل شغله وحياته قبل موته.

شباب الْجيل للإسلام عودوا فأنتم روحه وبكم يسـود

وأنتم سـر نهضتـه قديمًـا وأنتم فجره الزاهي الجديد

عباد الله، صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، ويقول : ((من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا)).

اللهم صل وسلم على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا فأشغله في نفسه، واجعل تدبيره في تدميره يا رب العالمين، اللهم اهد شباب وفتيات المسلمين وردّهم إليك ردًا جميلاً يا رب العالمين...

المناضل السليماني 16-01-2013 04:08 PM

رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب
 
محبة سيد ولد آدم علية صلواة ربي وسلامه

الخطبة الأولى
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه..............................

أما بعد: يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].

حب الرسول تابع لحبّ الله تعالى ولازم من لوازمه؛ لأن النبي حبيب ربّه سبحانه، ولأنه المبلغ عن أمره ونهيه، فمن أحب الله تعالى أحبّ حبيبه وأحب أمره الذي جاء به؛ لأنه أمر الله تعالى.

ثم إنّ النبي يُحَبّ لكماله، فهو أكمل الخلق، والنفس تحب الكمال، ثم هو أعظم الخلق فضلاً علينا وإحسانا إلينا، والنفس تحب من أحسن إليها، ولا إحسان أعظم من أنه أخرجنا من الظلمات إلى النور، ولذا فهو أولى بنا من أنفسنا، بل وأحبّ إلينا منها.

هو حبيب الله ومحبوبه، هو أوّل المسلمين وأمير الأنبياء وأفضل الرسل وخاتم المرسلين، صلوات الله تعالى عليه. هو الذي جاهد وجالد وكافح ونافح حتى مكّن للعقيدة السليمة النقيّة أن تستقرّ في أرض الإيمان، ونشر دين الله تعالى في دنيا الناس، وأخذ بيد الخلق إلى الخالق سبحانه.

هو الذي أدّبه ربه فأحسن تأديبه وجمّله وكمّله، وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وعلّمه، وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113]، وبعد أن رباه اجتباه واصطفاه وبعثه للناس رحمة مهداة، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، وكان مبعثه نعمة ومنّة، لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [آل عمران:164].

هو للمؤمنين شفيع، وعلى المؤمنين حريص، وبالمؤمنين رؤوف رحيم، لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]. على يديه كمل الدين، وبه ختمت الرسالات .

هو سيدنا وحبيبنا وشفيعنا، رسول الإنسانية والسلام والإسلام، محمد بن عبد الله عليه أفضل صلاة وسلام. اختصه الله تعالى بالشفاعة، وأعطاه الكوثر، وصلى الله تعالى عليه هو وملائكته، إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]. صلّى الله عليك يا سيدي يا حبيب الله، يا رسول الله، يا ابنَ عبد الله ورسول الله.

هو الداعية إلى الله، الموصل لله في طريق الله، هو المبلّغ عن الله، والمرشد إليه، والمبيّن لكتابه، والمظهر لشريعته. ومتابعة الرسول من حبِّ الله تعالى، فلا يكون محبًّا لله عز وجل إلا من اتبع سنّة رسول الله ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يأمر إلا بما يحبّ الله تعالى، ولا يخبر إلا بما يحبّ الله عز وجل التصديقَ به، فمن كان محبًّا لله تعالى لزمَ أن يتبع الرسول ، فيصدقه فيما أخبر، ويتأسَّى به فيما فعل، وبهذا الاتباع يصل المؤمن إلى كمال الإيمان وتمامه، ويصل إلى محبة رسول الله . وهل محبة الرسول إلا من محبة الله تعالى؟! وهل طاعة الرسول إلا من طاعة الله عز وجل؟! قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31].

يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية الشريفة: "إن هذه الآية الكريمة حاكمة على من ادعى محبة الله تعالى وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمديّ والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله أنه قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ))؛ ولهذا قال الله تعالى : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول كما قال بعض الحكماء: ليس الشأن أن تحبّ، إنما الشأن أن تُحَبَّ".

وحبّ سنّة رسول الله من حبّ رسول الله ، يقول عليه الصلاة والسلام: ((من أحب سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة))، ويقول رسول الله : ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرء لا يحبّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ نجاه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)) أخرجه البخاري في الإيمان (15) ومسلم في الإيمان (60)، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((أبغوني ضعفاءكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم)) أخرجه أبو داود (1594) والنسائي (3179) والترمذي (1702) وقال: "حسن صحيح" وصححه الألباني في صحيح الجامع (41).

ويروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((اللهم أحيني مسكينًا، وتوفني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين)) أخرجه عبد بن حميد والبيهقي عن أبي سعيد، والطبراني والضياء عن عبادة بن الصامت، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1261).

أتاه شابّ من شباب مكة وقد أخذ أهله كل شيء عنده لأنه أسلم، جريمته الكبرى أنه أسلم، أخذوا ماله، وخلعوا ثيابه، فما وجد إلا شملة قسمها نصفين: نصف لأعلاه، ونصف لأسفله، فلما رآه النبي عليه الصلاة والسلام أجهش بالبكاء في وجهه، وقال: ((رأيته من أغنى شباب مكة، ومن أطيب شباب مكة، ثم ترك ذلك كله لله))، إنه عبد الله ذو البجادين، وسمي بذي البجادين لأنه قسم الشملةَ على نصفين ليستر بها جسده، وأتى جائعًا طريدًا معذّبًا يحمل "لا إله إلا الله محمد رسول الله".

وتمر الأيام والرسول عليه الصلاة والسلام يملأ قلبه حبًا وحنانًا وعطفًا ورحمة، ويخرج معه في غزوة تبوك، وينام الجيش وعدده أكثر من عشرة آلاف، وفي وسط الليل يستيقظ ابن مسعود رضي الله عنه فيرى نارًا تضيء في آخر المعسكر، فيلتمِس الرّسول عليه الصلاة والسلام فلا يجده في مكانه، ويبحث عن أبي بكر فلا يجده، ويبحث عن عمر فلا يجده، فيذهب إلى مكان النار فإذا الرسول عليه الصلاة والسلام حفر قبرًا ونزل في القبر وسطَ الليل، وإذا أبو بكر وعمر يحملان جنازة يدليانها في القبر، فقال ابن مسعود: من هذا يا رسول الله؟ قال: ((هذا أخوك عبد الله ذو البجادين، توفي هذه الليلة))، ويجعل عليه الصلاة والسلام ساعده تحت خدّ عبد الله ودموعه تتقاطر على خدّ عبد الله في ظلام الليل، فلما أنزله قبره رفع كفيه واستقبل القبلة وقال: ((اللهم ارض عنه فإني أمسيت عنه راض، اللهم ارض عنه فإني أمسيت عنه راض))، فبكى ابن مسعود وقال: يا ليتني كنت صاحب تلك الحفرة. قال الهيثمي في المجمع (9/372): "رواه البزار عن شيخه عباد بن أحمد، وهو متروك".



الخطبة الثانية


الحمد لله حمدًا حمدًا، والشكر لله شكرًا شكرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المعلّم الأمين والمبعوث رحمة للعالمين والبشير النذير والسراج المنير والقائد النحرير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف نحب النبي ؟

إن حبه يكون بتعظيمه وتوقيره واتباع سنّته والدفاع عنها ونصرة دينه الذي جاء به، وبمعنى آخر أن نحبه كما أحبه أصحابه رضوان الله عليهم.

هذا خبيب بن عدي رضي الله عنه مصلوبًا على خشبة القتل عند قريش، يقولون له: أتحبّ أنك سالم في أهلك وأن محمدًا مكانك؟ فيقول: والله، ما أحب أني سالم في أهلي وتصيب محمدًا شوكة. إنه لا يجعل قتله كفاء لقتله، ولكنه يرى موته هو أهون عليه من أن يصاب رسول الله بأدنى أذى حتى الشوكة.

والحسن البصري جاءنا بمثلٍ جميل في حب الجمادات لرسول الله ، ذكر قول النبي في جبل أحد: ((أحد جبل يحبنا ونحبه))، والجذع الذي كان يخطب النبي عليه، فلما بني المنبر طلع يخطب على المنبر فإذا الجدع يحنّ إلى رسول الله ، وسمع له الناس حنينًا، فنزل النبي من على المنبر فوضع يده على الجدع فسكّنه فسكن. كان الحسن البصري رحمه الله إذا ذكر حنين الجذع وبكائه يقول: "يا معشر المسلمين، الخشبة تحنّ إلى رسول الله شوقًا إلى لقائه، فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه".



المناضل السليماني 20-03-2013 10:42 AM

رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب
 
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ









الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، وأمر بالتفكر في مخلوقاته ليُسْتدلَ بها على قدرة خالقها وعظيم صفاته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أنزل عليه الذكر ليبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون، فبلغ البلاغ المبين، وبين ما نزل إليه من ربه غاية التبيين، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته والتابعين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله وتفكروا في مخلوقاته وتدبروا آياته فقد أثنى الله على المتفكرين: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، وذم -سبحانه- المعرضين الذين لا يتفكرون فقال سبحانه: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ)، وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ).

عباد الله

قد أمر الله سبحانه بالتفكر والتدبر في كتابه العزيز، وأثنى على المتفكرين بقوله:وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً[آل عمرآن:191] وقال:إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[الرعد:3].

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله : { تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله } [رواه البيهقي].

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: ( تفكر ساعة خير من قيام ليلة ).

وقال وهب بن منبه: ( ما طالت فكرة امرىء قط إلا فهم، وما فهم إلا علم، وما علم إلا عمل ).

وقال بشر الحاقى: ( لوتفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه ).

عباد الله:

سوف نحلق فى هذا الكون الفسيح ونتفكر فى خلق الله العظيم ونعلم تفسير قوله تعالى ( وما قدرو الله حق قدره والارض

اخي الحبيب هل كوكب الأرض أكبر شيء في الوجود؟ بالتأكيد لا .. فالله تعالى خلق كوكب المشتري أكبر من الأرض بـ 1300 مرة!!.

:. وكوكب المشتري العملاق يعتبر قزماً أمام الشمس، التي تكبر الأرض بـ 1,300,000 مرة .. بعبارة أخرى إذا تخيلت أن الشمس بحجم كرة القدم فإن الأرض ستكون بحجم رأس القلم فحسب! {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا}

:. وتبقى الشمس العظيمة المهيبة نجماً متواضعاً عند مقارنتها بنجوم أخرى أودعها الخالق في سمائه وقال لنا {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ}فلما نظر الإنسان وجد أن نجم الشعرى اليمانية ألمع نجم في السماء ويكبر شمسنا بنحو 8 مرات، وصدق الخالق المالك المدبر {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} .. ولتسأل نفسك الآن ماهو حجم كوكب الأرض من الشعرى اليمانية؟ (الشعرى أكبر من الأرض بـ 10 مليون مرة) منها تدرك حجمك الحقيقي أمام عظمة خلق الله {أَوَلا يَذْكُرُ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً}.


:. {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ} إذا أمعنا النظر أكثر في السماء عبر البصر والبصيرة سنجد أن نجم الهنعة هو أكبر من شمسنا بنحو 512 مرة وأكبر من أرضنا بـ 663 مليون مرة، فلا إله إلا الله والله أكبر وأعظم .. أما نجم السماك الرامح فأكبر من شمسنا بـ 30 ألف مرة، وأكبر من أرضنا بـ 40 بليون مرة .. أما نجم رجل الجوزاء فهو أكبر من شمسنا بـ 343 ألف مرة، وأكبر من أرضنا بـ 400 بليون مرة!!.. أما نجم بيت الجوزاء فأكبر من شمسنا بـ 274 مليون مرة، لذا فهو أكبر من أرضنا بـ 355 ترليون مرة!! {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}.


:. النجوم أفران نووية مخيفة ومهيبة يتفطر لها قلب الإنسان هولاً وخوفاً عندما يتأمل ويتدبر ويتفكر بحجمها أو موقعها {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} ..



لكن هل أتاك نبأ النجم الأحمر العملاق قلب العقرب ؟ والذي يكبر الشمس بـ 343 مليون مرة!!، ويبعد عنا 600 سنة ضوئيةوالضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر،.. والمخيف أنه لو افترضنا أن نجم قلب العقرب العملاق حل مكان الشمس لبلع كل من عطارد والزهرة والأرض والمريخ وما بينهما من فضاء وسماء نظير حجمه المتعاظم الذي يفوق الشمس بـ 343 مليون مرة! وقلب العقرب أشد إشعاعاً من الشمس بـ 10,000 مرة!! ألم يسألكم خالقكم {أأنتم أشد خلقاً أم السماء؟}


وحجم السماء أكبر وأعظم من أن يستوعبه العقل البشري أو يدركه الذهن الإنساني بل ولا حتى الحاسب الآلي .. ويكفي أن نذكر هنا أن متوسط قطر المجرات يساوي 30,000 سنة ضوئية .. بينما تقدر المسافة الوسطية بين كل مجرتين بـ 3 مليون سنة ضوئية! فعندها ندرك قوله تعالى {رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} فجعلها واسعة الأرجاء ممتدة البناء لحكمة شاءها خالق الأرض والسماء {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} بل السماء {رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ}.

بارك الله لى ولكم .....





الحمد لله

:. الحقيقة أن الكلمات وحتى الأرقام تعجز عن وصف سعة الكون وما يختزنه من خلق عظيم ومدهش .. وعظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق .. والتدبر في خلق الله والتفكر في الكون والتأمل في الوجود حتماً يرسخ الإيمان في القلوب، فيتعاظم خالق الوجود فيه فيدفعه ذلك إلى الخشوع والإذعان له سبحانه وتعالى وهو أولى من الجماد {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).

:. هذا هو الموجود المخلوق فكيف بالموجد الخالق؟ هل شرقتم بحجم ومساحة وسعة السماء المنظوره فكيف بما بين السماء الثانية والثالثة ؟ لكن أتريدون أن تقرؤوا عن مخلوق يتيم يكبر السماوات والأرض؟ ولم يشاهده من البشر أحد، ولم يخلق مثله في الوجود أبدا، ودونك وصفه من الواحد الأحد حيث قال: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} .. سبحان الله والله أكبر وأجل وأعظم، خلق من خلقه يسع كل ما أدركناه وما لم ندركه، وما أبصرناه وما لم نبصره، وما صدقته عقولنا وما لم تصدقه .. فلا إله إلا الله والله أكبر وأعظم وأجل أي كرسي هذا؟ وأي خلق عظيم مهيب مخيف هذا؟ {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا}.

:. الكرسي مخلوق عظيم بين يدي العرش، والعرش ما العرش؟ وما أدراك ما العرش؟ أعظم وأكبر من الكرسي قال ابن عباس رضي الله عنه (الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى). وقال الحبيب عليه الصلاة والسلام: (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة) تأمل مقارنة المصطفى عليه الصلاة والسلام بين الكرسي والعرش .. وتدبر وحدات القياس التي استخدمها بأبي هو وأمي.. شيء يفوق حجماً وهولاً صور المقارنة بين النجوم السالفة الذكر .. بل ويؤكد بشكل غير مباشر صحة الأحجام والمسافات التي تحدثنا عنها سلفاً .. كما يؤكد أن ما لم نبصره من الخلق أعظم مما أبصرناه 0

ايها الاحبة من المؤكد أنك نسيت حجمك ايها الإنسان وما تمتلكه من غطرسة وتكبر وتجبر .. ماهو حجمكم امام ارضكم أو كوكبكم أو شمسكم أو مجرتكم أو حتى سمائكم بكرسي الرحمن!!!؟ فضلاً عن عرش الرحمن!!؟ فإذا كان هذا هو الخلق فكيف بالخالق الجبار {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} و {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} و {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}.

يا عبد الله..

عندما تتأمل حجمك وقوتك وحيلتك وحضارتك مقارنة بخلق الخالق فهل يبقى في قلبك خوف من أحد سواه؟ وهل يبقى في صدرك حب لغيره؟ وهل يبقى في فؤادك شريك معه؟ وهل يتعلق القلب خوفاً وحباً ورجاءاً وأملاً بسواه؟ وهل يستحق أحد غيره التعظيم؟ .. وعندما يهتز الإيمان ويضعف بسبب إنسان أو شيطان فتذكر حجمه في هذا الوجود مع الجبار المعبود فتزول الأعراض وتحور وفي بحر الإيمان تذوب .. وفي ختام هذه الخطبة يبشرك صاحب العطاء والجود بـ {سَابِقُوا ..} {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.

اللهم اجعلنا ممن حفظك فحفظته، وممن استنصرك فنصرته، وممن استهداك فهديته، وممن استغفرك فغفرت له، وممن دعاك فأجبت دعاءه، وممن توكل عليك فكفيته. اللهم اجعلنا من المتوكلين عليك حق التوكل.

اللهم إنا نسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه، ونسألك الدرجات العلا من الجنة.

اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

اللهم إنا نسألك إيماناً كاملاً، ويقيناً صادقاً. اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئاً. اللهم أصلح لنا أعمالنا وذرياتنا. اللهم أصلح لنا نياتنا وذرياتنا، يا ذا الجلال والإكرام!

اللهم بارك لنا في أوقاتنا وأعمارنا وأعمالنا وذرياتنا، واجعلنا مباركين أينما كنا.

اللهم اختم بالخيرات آجالنا، وحقق بفضلك آمالنا. اللهم اجعل الموت خير غائب ننتظره، واجعل القبر خير بيت نعمره،

واجعل ما بعده خيراً لنا منه، يا ذا الجلال والإكرام!

اللَّهُمَّ يَا نَاصِرَ المُسْتَضْعَفِينَ، وَيَا غَوْثَ المُسْتَغِيثِينَ، وَيَا مَلاذَ الخَائِفِينَ أَنْجِ عِبَادَكَ المُسْتَضْعَفِينَ فِي سُورِيَّا، اللَّهُمَّ أَمِّنْ خَوْفَهُمْ، وَسَكِّنْ رَوْعَهُمْ، وَقَوِّ عَزْمَهُمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ.
اللَّهُمَّ ارْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمُ، اللَّهُمَّ أَمِدَّهُمْ بِجُنْدِكَ، وَأَيِّدْهُمْ بِنَصْرِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ قَتْلاهُمْ فِي الشُّهَدَاءِ، وَاشْفِ جَرْحَاهُمْ، وَفُكَّ أَسْرَاهُمُ، اللَّهُمَّ انْتَصِرْ لِلْآيَامَى وَاليَتَامَى.
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالنُّصَيْرِيِّينَ وَالبَعْثِيِّينَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَكَ، اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ، وَشَتِّتْ شَمْلَهُمْ، وَفَرِّقْ قُلُوبَهُمْ، وَأَدِرْ دَوَائِرَ السُّوءِ عَلَيْهِمْ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار..

ربَّنا تقبّل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، سبحان ربِّك ربِّ العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين..

المناضل السليماني 27-04-2013 10:38 PM

رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب
 
تربية الأبناء

الخطبة الأولى
الحمد لله الواحدِ الأحد، الفرد الصمَد، الذي لم يلِد ولم يولَد، ولم يكن له كفوًا أحد، تفرّد بالخلق والتدبير، وتعالى عن الشبيه والنظير، فاستحقَّ وحدَه أن يُعبد، أحمده تعالى وأشكره، خلقنا ورزقنا وكفانا وآوانا، وهدانا للإسلام، واختصَّنا ببعثةِ سيّد الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن لربِّه تعبَّد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، جعل الإسلامَ طريق الجنّة الأوحَد، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، من أطاعه فقد اهتدى ورشد، ومن عصاه فلن يضرَّ إلا نفسه، ولن يضرَّ الله شيئًا.

عن أنس قال: قال رسول الله : ((إن الله سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)) رواه النسائي وابن حبان.
أيها الإخوة المسلمون، شباب اليوم هم رجال الغد وأمل المستقبل، وهم ثروة البلاد، وهم عدتها وعتادها وجنودها ورجالها. وإذا أردنا أن يكون أولادنا قرة لعيوننا وبهجة لقلوبنا فلا بد أن نرعاهم رعاية خاصة ونعطيهم كل اهتمامنا ونجعلهم أكبر همنا، فهم اليوم أمانة في أعناقنا، وغدا نسأل عنهم يوم القيامة؛ ولذلك نجد أن أمنية عباد الرحمن هي أن يرزقهم الله بذرية طيبة، يقول الله جل وعلا: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74].
ولا يمكن للولد أن يكون قرة عين لأبيه إلا حينما ينشِّئه على الدين، ويحافظ عليه، ويحسن تربيته، ويتابعه في كل مرحلة من مراحل حياته، لا يتخلى عنه بأي حال من الأحوال. فالطفل يولد على الفطرة السليمة كما أخبرنا المصطفى عليه السلام، ولكن قد يأتيه الخلل من داخل البيت أو من خارجه، فيتحول الطفل من الفطرة السليمة إلى الانحراف المدمر.
نعم قد يبدأ انحراف الأولاد من البيت؛ لأن بعض البيوت ـ وللأسف ـ تدمر أخلاق الطفل؛ لأن بعض الآباء والأمهات جعلوا أولادهم آخر ما يفكرون فيه، فالأب مشغول والأم لاهية والبيت تدخل فيه المنكرات ولا أحد يدري, الخدم يعبثون في البيوت ويقومون بأعمال مشينة أمام الأولاد، فتنغرس هذه الأخلاق السيئة في ذهن الطفل الصغير الذي لا يميز، فتصبح جزء من سلوكه وأخلاقه. فنحن حينما نرى صبيّا يتسكع في الشوارع أو يدخن أو يأتي المنكرات أو يجهل دينه فلا تتعجبوا من الطفل، بل تعجبوا من ولي الأمر الذي وصلت به الغفلة والإهمال إلى هذا الحد وهو لا يدري عن ولده شيئا.
إهمال الأولاد ـ أيها الإخوة ـ يعرضهم إلى الضياع والانحراف, وأسوأ أنواع الإهمال حينما يعتمد الوالدان على الخدم في تربية أولادهم, فالخادمة هي التي ترضع الولد، وهي التي تطعمه، وهي التي تحمله وتحتضنه، وهي التي تنام معه، وهي التي تغسله وتنظفه، وهي التي تصنع له كل شيء إلى درجة أنه لم يبق للأم دور في حياة ولدها. هنا تتحطم نفسية الطفل؛ لأنه فقد أهم شيء بالنسبة له وهو حنان الأم وعطفها.
فترة الطفولة هي من أهم مراحل التربية والتعليم، ومع ذلك ضاعت حياة الطفل؛ لأنه قضى طفولته وهو يتنقل من خادمة إلى خادمة؛ ولذلك إذا أردنا أولادًا صالحين يكونون رحمة لنا في الدنيا ويشفعون لنا في الآخرة علينا أن نحرص على تربيتهم منذ الصغر. وأول شيء نبدأ به هو أن نعتمد على الله، ندعوه ونتوسل إليه بأن يرزقنا أولادًا صالحين، يقول الله سبحانه: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38].
ومن الأشياء التي تعين على صلاح الأبناء أن يجلس ولي الأمر مع أولاده يسمع منهم، ويكلمهم ويتقرب إليهم ويرشدهم إلى ما فيه الخير، ويحذرهم من الشر، ويشعرهم بعطفه واهتمامه، ويفتح لهم صدره، أما أن ينشغل الأب عن أبنائه فلا يراهم ولا يرونه فهذا خطأ كبير.
ومن الأمور المهمة أن يغرس الوالدان الإيمان في نفوس أولادهم، الإيمان بالله واليوم الآخر، والإيمان بالرسل واحترامهم، والإيمان بالقرآن والعمل به، وهكذا يتعلم أصول الدين.
وأيضا لا بد وأن نعوّده على الصلاة منذ الصغر، ندعوه إلى الصلاة بالحكمة واللين، ونرغبه بالصلاة ونشجعه عليها، ونتابعه في صلاته كما نتابعه في دراسته بل وأكثر من ذلك، فالنبي أرشدنا إلى ذلك، فعن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي : ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع)) رواه أحمد وأبو داود والحاكم.
ومن الأشياء المهمة في التربية أن يكون الوالدان قدوة حسنة لأولادهما؛ لأن الطفل أول ما ينظر ينظر إلى والديه، فعليهم أن لا يظهروا أمام أولادهم إلا بما يليق، ولا يأمر الوالد أولاده بشيء ويخالفه، ولا ينهى عن شيء ويأتيه. ولا بد للوالدين أن يغرسا في أولادهم الأخلاق الحميدة، كالصدق والوفاء والكرم والعفة واحترام المواعيد، فالصدق أساس الأخلاق وهو يهدي إلى البر، والكذب أساس الفجور وهو يهدي إلى النار.
ومن الأمور المهمة أن يتعرف الوالدان على أصدقاء أولادهم، فالطيور على أشكالها تقع، فمن صاحب الأخيار كان منهم، ومن صاحب الأشرار صار منهم. فعلينا أن نشجع أولادنا على مصاحبة الأخيار، ونحذرهم من رفقة السوء، عن أبي هريرة قال: قال النبي : ((الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)) رواه أبو داود والترمذي، وعن أبي هريرة قال: قال النبي : ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) رواه البخاري في الأدب المفرد ومسلم.


الخطبة الثانية
إخوة الإسلام، ومن لم يتعب في تربية أبنائه وهم صغار سوف يتعب معهم إذا كبروا وانحرفوا، ومن زرع في البداية خيرا سوف يحصد خيرا في النهاية.
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يشكو إليه عقوق ولده، فأمر عمر بإحضار الولد، وأنّبَ عمر الولد لعقوقه لأبيه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟! قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب ـ أي:القرآن ـ، قال الولد: يا أمير المؤمنين، إن أبي لم يفعل شيئا من ذلك؛ أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلا، ولم يعلمني من الكتاب حرفا واحدا، فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت تشكو عقوق ابنك وقد عققته من قبل أن يعقَّك، وأسأت إليه من قبل أن يسيء إليك.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].

المناضل السليماني 29-06-2013 01:01 PM

رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب
 
استقبال شهر رمضان

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أنعم علينا بمواسم الطاعات التي تضاعف فيها الحسنات، وتمحى فيها السيئات، أحمده حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شىء قدير، يفتح لنا في رمضان أبواب الجنان ، ويغلق أبواب النيران ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، خير من صلى وصام, وأطعم الطعام وألان الكلام، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)




أيها المؤمنون: نحن على أبواب شهر رمضان، شهر الرحمة والغفران, يسعى فيه المؤمن ليكون من الفائزين، فيصوم نهاره، ويقوم ليله، ويكثر من الصدقات، ويتقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحات، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتفي بمجيء هذا الشهر الكريم ويتهيأ لاستقباله، ويعرف الناس فضائله ومزاياه، ويذكر لهم ما فيه من خيرات ورحمات وبركات, فتقوى عندهم الهمة, وتشتاق القلوب والأرواح لقدوم هذا الشهر المبارك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ».
فلنحافظ على صوم شهر رمضان, ولنبتعد فيه عن اللغو والرفث والعصيان، والغيبة والنميمة وكل فعل لا يرضي الرحمن, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه ».
عباد الله: المراد من الصيام تقوى الله عز وجل, يقول تعالى( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
والتقوى هي امتثال أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه، ويحققها المسلم في رمضان بمراقبة الله تعالى في صيامه، وامتناعه عن الشهوات والمباحات في نهار رمضان، وبالإقبال على صلاة القيام، وقراءة القرآن، وفعل البر والإحسان, وإخراج الزكاة والصدقات, وبر الآباء والأمهات، وصلة الرحم والقرابات, وإطعام الطعام، وإفشاء السلام وكفالة الأيتام, والعطف على الفقراء والمساكين, وتفقد المحتاجين، والقيام بالواجبات بنشاط وهمة، وأداء المهمات بتميز وعزيمة، والتحلي بالصبر ليفوز بالجنة.
أيها المسلمون: ومن معاني الاستعداد لاستقبال شهر البر والخيرات أن نسارع بالتوبة النصوح الصادقة, وأن نعقد النية على الإخلاص في صيامنا وقيامنا, ليغفر الله تعالى لنا ما تقدم من ذنوبنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».
ويجب على الصائمين -استعدادا لشهر رمضان الكريم- أن يتعلموا أحكام الصيام ويسألوا عن ذلك أهل العلم الكرام, وينظموا فيه أوقات الليل والنهار, ويسلكوا فيه مسلك الأبرار، فوقت لتلاوة القرآن, وآخر لذكر الرحمن, وفسحة لدعوة الأقارب وإقامة المآدب، وزمن لتعلم العلم، والزيادة من الحكمة والفهم، وهمة لقضاء حوائج الناس، وساعة للترويح عن النفس، ويكون في كل أوقاته مراقبا لله تعالى في سلوكه وأعماله، فيرد الإساءة بالإحسان ويقابل الجهل بالصفح والغفران، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل، فإن جهل عليه فليقل إنى امرؤ صائم ».
اللهم بارك لنا فيما بقي من شعبان وبلغنا رمضان, وأعنا فيه على الصيام والقيام، وغض البصر وحفظ اللسان وقراءة القرآن.
نسأل الله سبحانه أن يوفقنا جميعا لطاعته وطاعة من أمرنا بطاعته, عملا بقوله( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: ها هو شهر رمضان أقبلت نسماته، وهلت خيراته، تستعد فيه الجنة لاستقبال الصائمين من باب الريان، فعن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« إن في الجنة لبابا يدعى الريان يدعى له الصائمون، فمن كان من الصائمين دخله، ومن دخله لم يظمأ أبدا»
ألا فاستعدوا له استعداد الذي أعطي الفرصة ليفوز برحمة الله وجنانه، ويحظى بعفوه وغفرانه، ويعتق نفسه من نيرانه.
عباد الله: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته فقال تعالى(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا»
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
اللهم سلمنا لرمضان، وسلم رمضان لنا، وتسلمه منا متقبلا، اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، اللهم اجعلنا فيه ممن قبلتهم وغفرت لهم، وأعتقت رقابهم من النيران.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين لتحكيم كتابك واقامة شرعك
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر، اللهم إنا نسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات اللهم اشمل بعفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن كان له فضل علينا.
اللهم أدم علينا الأمن والأمان وعلى سائر بلاد المسلمين.
اللهم عليك بطاغية الشام ومن عاونه وأيده وحارب معه اللهم احصهم عددا وأقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا اللهم اجعل بأسهم بينهم شديد اللهم زلزل بلادهم وهدم ديارهم وقتل رجالهم ورمل نساءهم ويتم أطفالهم ياقوي ياعزيز
عباد الله
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون)

المناضل السليماني 30-09-2013 10:27 PM

رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب
 
فضل العمل في عشر ذي الحجة

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" ( آل عمران : 102 )
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " ( النساء : 1 )
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " ( الأحزاب : 70 )
أما بعد ...
بعد أيام يظلنا هلال شهر ذى الحجة ، بعشره الأوائل المباركات ، إنها أفضل أيام الدنيا ، أقسم الله بها في كتابه العزيزبقوله سبحانه وتعالي : " وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ " والمراد بالفجر هنا فجر يوم النحر خاصة ، وهو خاتمة الليالي العشر ، والمراد بالوتر يوم عرفة ، والشفع يوم النحر تفسير ابن كثير
إنها الأيام المعلومات التي شرع الله فيها ذكرَه في قوله عز وجل: " وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ " وقوله سبحانه وتعالي : " وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ "
قال ابن عباس : الأيام المعلومات هي أيام العشر من ذي الحجة ، والأيام المعدودات هي أيام التشريق .
ما من أيام يحب اللهُ العملَ الصالحَ فيها أكثر من هذه الأيام وفى فضلها قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ " سنن الترمذي
وفى لفظ آخر : " مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ أَعْظَمَ أَجْراً مِنْ خَيْرٍ تَعْمَلُهُ فِى عَشْرِ الأَضْحَى "فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : " وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ " الترمذي والدارمي
ففى الحديث تفضيل بعض الأزمنة على بعض كما تفضل الأمكنة بعضها علي بعض ، وفيه فضل أيام عشر ذي الحجة على غيرها من أيام السنة ، كأنه قيل ليس العمل في أيام سوى العشر من ذي الحجة أحب إلى الله من العمل في هذه العشر ؛ لأنها أيام زيارة بيت الله ، والوقت إذا كان أفضل كان العمل الصالح فيه أفضل .
وقد اختلف العلماء في فضل هذه العشر , والعشر الأخير من رمضان ، فقال بعضهم : هذه العشر أفضل لهذا الحديث , وقال بعضهم : عشر رمضان أفضل للصوم والقدر , والمختار أن أيام هذه العشر أفضل ليوم عرفة وليالي عشر رمضان أفضل لليلة القدر , لأن يوم عرفة أفضل أيام السنة , وليلة القدر أفضل ليالي السنة , ولذا قال ما من أيام ولم يقل ما من ليال .
وفي الحديث تعظيم قدر الجهاد وتفاوت درجاته ، وأن الغاية القصوى فيه بذل النفس لله ؛ ولهذا قال صلي الله عليه وسلم: (وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أفضل من العمل الصالح في تلك الأيام ( إِلا ) جهاد (رَجُلٍ) رجلٍ : (خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ ) المال ولا من نفسه ( بِشَيْءٍ ) فهو قد بذل ماله ونفسه في سبيل الله ، فيكون هذا ــ فقط ــ هو العمل الأفضل من أي عمل صالح آخرفي أيام العشر أو مساويا له .
إنها العشر التي بها يوم عرفة ، يوم إكمال الدين وإتمام النعمة فيه نزل قول الله عز وجل : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا " ( [8] ) ولم ينزل بعدها حلال ولا حرام ، فهذه أكبر نعم الله سبحانه وتعالي على هذه الأمة ، حيث أكمل عز وجل لهم دينهم ، فلا يحتاجون إلى دين غيره ، ولا إلى نبي غير نبيهم صلي الله عليه وسلم.
إنها العشر التي يزينها يوم عرفة ، ذاك اليوم الذي يدنو الله سبحانه وتعالي فيه ثم يباهي بأهل الموقف ملائكة السماء ، فما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة.
إنها العشر التي جمع الله فيها أمهات العبادات كلها فما من عبادة في الإسلام إلا ولها مكان في هذه العشر، إنها الموسم الأخير في هذا العام ، العمل الصالح فيها محبوب إلى الملك الديان ، أفلا تحب ما أحبه مولاك؟
إن بلوغ هذه العشر بعد رمضان نعمة عظيمة... فكم من نفس أدركت رمضان لم تدرك عيد الفطر بعده ، وكم نفس أدركت عيد الفطر لم تدرك عشر ذي الحجة ولا عيد الأضحي بعدها ، فاحمد الله على نعمة بلوغ هذا الموسم من مواسم الجنة.
إن هذه العشر هي العزاء لمن فرّط في رمضان ، فها هو مولاك عز وجل يمهلك ويمد في عمرك ... فماذا أنت فاعل؟!
كم مرت علينا في أوائل الشهور من عشرٍ لم يكن لها مزية ، أما هذه العشر فقد ميزها خالقها وجعلها خير أيام العام ، يقول النبي صلي الله عليه وسلم : " أفضل أيام الدنيا أيام العشر" ( [9] ) إنهاعشرذي الحجة ، الشهر الأخير من العام ، وعما قليل ستطوى صحائفه ، وتغلق خزائنه علي ما عملناه فيه من خير أو شر ، فاختم عامك أيها المسلم بخير فإن العبرة بالخواتيم .
علينا إذن أن نبذل أقصي الجهد لاستغلال هذا الموسم ... موسم الخير الذي فاق العمل الصالح فيه حبًا عند الله .. فاق الجهاد في سبيل الله ، مع أن الجهادَ ذروة سنام الدين ، فهي نفحة من الله قد لا ندرك مثلها مرة ثانية ــ فالأعمار بيد الله عز وجل ــ والعاقل من ينتهز الفرصة والمحروم من ضيعها.
فما هي أنواع العمل الصالح في هذه العشر التي قد لا تعود ؟؟
أولا: التوبة النصوح :
فحرى بالمسلم أن يستقبل هذه الأيام العشر ، بالتوبة الصادقة ؛ لأنه ماحرم عبد خيرا في الدنيا أوالآخرة إلا بسبب ذنوبه ، قال عز وجل : " وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ " والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنوب والمعاصي والندم على ما مضى والعزم على ألا يعود وأن تكون خالصة لله ، وأن يتمسك بشرع الله بعدها في كل الأمور ؛ فيكون بذلك ممن مدحهم الله سبحانه وتعالي بقوله : " إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " ومع التوبة يكثر من أعمال الخير في هذه العشر ، فهى موسم من مواسم الخير العامة .
ثانيا: صيام تسعة أيام من هذه العشر أو ما تيسر:
كثير من الناس يركز علي الصيام ، والصيام عمل طيب بل قد استدل بالحديث الذي ذكرناه على فضل صيام عشر ذي الحجة ؛ لاندراج الصوم في العمل ، فاحرص على هذه القربةوخاصة يوم عرفة يقول النبي صلي الله عليه وسلم : " صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ " انظر إلى هذا الفضل العظيم ، كيف أن صوم عرفة وحده يمحو الله به ذنوب سنتين كاملتين، فالسعيد من اغتنم هذه الأوقات العظيمة وصام يوم عرفة وحفظ فيه لسانه وسمعه وبصره وجميع جوارحه عما يغضب الله تعالى ، وينبغي أخي المسلم أن تدعو أهل بيتك وأقاربك وأصدقاءك وجيرانك لصوم يوم عرفة المبارك ، فإن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ " وتذكر أن : " مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا "
ثالثا: التكبير والذكر:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه :" وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ أَيَّامُ الْعَشْرِ وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا " فالتكبير هو شعار أهل الإيمان في هذه الأيام العشر ، ولا يمنعك الخجل أيها المسلم من الجهر بالتهليل والتكبير والتحميد والتسبيح ورفع الصوت بها في المساجد والدور والطرقات والأسواق في كل وقت ، فقد عرفنا من قول ابن عباس أن أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ومنهم ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى الأسواق لا لحاجة الشراء وإنما لإحياء هذه السنة وهي التكبير ويكبر الناس بتكبيرهما ، و صفته أن تقول : " الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ".
رابعًا: أداء الحج والعمرة :
وليتذكر المسلم أن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ، وأن جائزة أهل عرفات أن يقال لهم انصرفوا مغفورا لكم ، وأنت يا من تركت الحج مع استطاعتك ، تذكر زحام المحشر وحر جهنم ، ثم تذكر أن الحج باب لنفي الفقر والذنوب ، " تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ " والبخيل من بخل على نفسه.
خامسًا: الصدقة والإحسان إلى الخلق :
وتذكر أخي أنك بهذا تحسن إلى نفسك قبل إحسانك إلى المحتاجين تصدق في كل يوم من هذه الأيام ولو بالقليل أو اليسير عسى أن يرفع اسمك إلى السماء مع اسماء المنفقين فـ" مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا ".
واعلم أن الله يقبل الصدقة ولو كانت تمرة وتمعن في قول الرسول صلي الله عليه وسلم : "مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ " فكم ضيعنا في مواسم الخير من جبال ومن فرص.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
سادسًا: الأضحية :
وهنا أذكركم بسنة نسيها الكثيرون ، وهي أن من أراد الأضحية فليمسك عن شعره وظفره وبشرته أيام العشر لحديث رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم :"َ مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ "( [19] )وهذا الحكم خاص بالمضحي فقط أمّا المضحى عنهم فلا يلزمهم الإمساك ، طبعا ما عدا اللحية فإنه لايجوز حلقها أو تقصيرها لا في هذه الأيام ولا في غيرها من الأيام ، واعلم أن من أخذ شيئًا من ذلك متعمدًا فإن ذلك لا يمنعه من الأضحية وعليه التوبة.
سابعا: الحرص على أداء الصلاة جماعة والاستزادة من الأعمال الصالحة :
فاحرص أخي المسلم على إدراك تكبيرة الإحرام ، وأداء السنن الرواتب والنوافل المطلقة ، وأن تعود إلى قيام الليل يا من تركته بعد رمضان ، ولا تتهاون في أداء صلاة العيد فإنها من إقامة ذكر الله ، وليعلم المسلم أن أفضل ما انشغل به أن يقف بين يدي الله مصليا.
واحرص أيضا على تلاوة القرآن ، وحاول أن تختمه ولو مرة واحدة في هذه العشر ، واحرص على البر وصلة الأرحام ... كل هذه أنواع من الأعمال الصالحة تستطيع أن تملأ بها هذه الأيام العشر.
ثامنا :أما أيام العيد :
وهي خاتمة هذه الأيام العشر فهي : " أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ " عز وجل ... فرح ومرح في حدود المشروع ، فاحذر أن تجعلها أيام أشر وبطر وانتهاك لحرمات الله ، فتهدم بذلك ما سـبق أن بنيته من عمل صالح طيلة هذه العشر.
وتذكر ... أن الأجور في هذا الموسم تتضاعف ، فاجعلها نقطة الانطلاق إلى رحاب الإيمان وميادين المسابقة في الخيرات.
اللهم أعنا على استغلال هذا الموسم ، وبلغنا اللهم مواسم الخير دائمًا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين

المناضل السليماني 03-11-2013 02:27 PM

رد: ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب
 
محاسبة النفس

الخطبة الأولى



أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله حق التقوى.

معاشر المسلمين، مع دورة الأفلاك وتعاقب الليل والنهار وانصرام الشهر بعد الشهر ومجيء العام بعد العام، وعلى مشارف عام ينتهي وإطلالة عام يبتدي لا بد للإنسان أن يرجع إلى نفسه فيقف معها ويتأمّل فيما يصلحها وما يضرها؛ فنهاية عام يعني أن الله متع ابن آدم فيه ما يزيد على ثمانية آلاف وخمسمائة ساعة، وكم في هذه الساعات من نبضات قلب ما كان له أن يعيش لو أن الله أوقفها لحظة من الزمن، وكم صعد خلال هذه المدة من نفَس ما كان للإنسان أن يعيش لو كتمه الله لحظة من الزمن.

عام يمضي يعني امتلاء السجلات بما كسبت يداك وسطّره الكرام الكاتبون لك أو عليك، وغدًا سيكشف عن المخبوء وتبلَى السرائر، فأعدّ للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا، ومن كان مقصّرًا فليستعتِب، ومن كان محسنًا فليزدَد، وعليكم بالثبات على دين الله تعالى، الثباتَ الثباتَ، حاسبوا أنفسكم عليه في ختام العام حتى تلقوا ربكم غيرَ مبدّلين ولا مغيّرين، يقول رسول الهدى : ((بادِروا بالأعمال فتنًا كقِطَع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا)) رواه مسلم.

إخوة الإسلام، نحن في حاجة اليوم إلى فقهِ الثبات على دين الله تعالى أكثر من أيّ فترة مضت، أفواج المنحدرين قد كثرت، ومزامير الشياطين قد علت، والأطباق في كثير من البيوت قد تمكنت.

ما أوضاع المسلمين اليوم؟ وما أنواع الفتن والمغريات التي بنارها يكتوون وأصناف الشهوات والشبهات التي بسببها أضحى الدين غريبًا فنال المتمسكون به مثلاً عجيبًا ((القابض على دينه كالقابض على الجمر))؟

ولا شك عند كل ذي لبّ أن حاجةَ المسلمِ اليومَ لفقه الثبات أعظمُ من حاجة أخيه أيام السلف، والجهد المطلوب لتحقيقه أكبر من أي وقت مضى؛ وما ذاك إلا لفساد الزمان وندرة الإخوان وضعف المعين وكيد الفاجر مع قلة الناصر، ولقد كثرت حوادث النكوص على الأعقاب والانتكاسات إلى الوراء والانحدار إلى الفساد؛ مما يحمل المسلمَ على الخوف من أمثال تلك المصائر، ويتلمس أمورًا يتحصّن بها، فلقد عشنا سنين متطاولةً في هذه البلاد المباركة ونحن في معزل عن كثير من الفتن، وكان يتقاطر علينا الفساد من بعض الجوانب، ولكنه انهمر اليوم، يمطر بيوتًا كثيرة بوابله المشين، حتى تغيرت بيوتٌ وانتكست فطرٌ؛ فساء مطر المنذرين، وألفَت الفتنُ أمةً لم تتحصّن كثيرًا بالثبات وفقهه، وألفتِ الفتنُ بعضًا من القوم لم يتركوا الفساد رغبةً مجردة فيما عند الله، وإنما لأنه لم يتوفّر لهم، فلما كان الخيار لهم بين طريقين واضحَين متاحين إذا هم لا يمتنعون من الانزلاق، ولا يردّون يد لامس، بل يستبيحون محارمَ الله بأدنى الحيل.

نعم إخوة الإسلام، حُذِّرنا من هذه الفتن، وبُيّنَت لنا حرمتها، ولم تزدد إلا سوءً، ومع ذلك كثير من الناس ثبتوا زمنًا ثم استباحوا محارم الله بالأهواء والحيل، فلم يكن البعض في سبيل الثبات بأقوياء، ولا في سبيل الأمانة على الأهل والذريات بأوفياء.

ومن رحمة الله عز وجل بنا أن بين لنا في كتابه وعلى لسان نبيه وفي سيرته وسائلَ كثيرةً للثبات، يلجأ إليها المسلم في مثل هذا الزمان، ويستعين بها حتى يلقى الرحمن، ومن أبرزها أثرًا وأكثرها نفعًا لدين المرء ما يحصل له من الأثر الجميل إذا أقبل على كتاب الله تعالى، فالقرآن هو وسيلة الثبات الأولى، وهو حبل الله المتين والنور المبين، من تمسّك به عصمه الله، ومن اتّبعه أنجاه الله، ومن دعا إليه هُدِي إلى صراط مستقيم، ولقد نصّ الله على أنّ الغاية التي من أجلها أنزل هذا الكتاب منجّمًا مفصّلاً هي التثبيت، فقال تعالى في معرض الردّ على شُبه الكفار: وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْءانُ جُمْلَةً وٰحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَـٰكَ بِٱلْحَقّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا [الفرقان:32، 33]، لقد كان القرآن مصدَرًا للتثبيت؛ لأنه يزرع الإيمان ويزكي النفس بالصلة بالله، ولأن تلك الآيات تتنزل بردًا وسلامًا على قلب المؤمن، فلا تعصف به رياح الفتنة، ويطمئن قلبه بذكر الله، ولأنّ القرآن يزوّد المسلم بالتصوّرات والقيم الصحيحة التي يستطيع من خلالها أن يُقوِّم الأوضاع من حوله، وكذا الموازين التي تهيّئُ له الحكم على الأمور فلا يضطرب حكمه ولا تتناقض أقواله باختلاف الأحداث والأشخاص.

ومن هنا نستطيع أن ندرك الفرق بين الذين ربطوا حياتهم بالقرآن وأقبلوا عليه تلاوة وحفظًا وتفسيرًا وتدبرًا ومنه ينطلقون وإليه يفيئون وبين من جعلوا كلام البشر جلّ همهم وشغلهم الشاغل، ويا ليت الذين يطلبون العلم يجعلون للقرآن وتفسيره نصيبًا كبيرًا من طلبهم، فوالله سيجدون أثره صلاحًا في أعمالهم وثباتًا في قلوبهم.

ومن وسائل الثبات على دين الله ما يحصل للمرء من التزام شرع الله والعمل الصالح، فمن يلتزم شرع الله يثبته الله، يقول المولى جل وعز في كتابه: يُثَبّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلآخِرَةِ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَاء [إبراهيم:27]، قال قتادة: "أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح، وفي الآخرة في القبر"، وكذا روي عن غير واحد من السلف، وقال سبحانه: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا [النساء:66]، أي: تثبيتًا على الحق والصراط المستقيم في وقت الفتن، وهذا بيّن ظاهر البيان، وإلا فهل نتوقع ثباتًا على الدين من الكسالى القاعدين عن صلاة الفجر وعن الأعمال الصالحة؟! إن هؤلاء هم المسارعون في الفتن إذا ادلهمت، وهم حطبها إذا اتَّقدت، ولكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم صراطًا مستقيما، ولذلك كان يثابر على الأعمال الصالحة، وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل، وكان أصحابه إذا عملوا عملاً أثبتوه، وكانت عائشة رضي الله عنها إذا عملت العمل لزمته.

ومن صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجّهون إلى الله بالدعاء أن يثبّتهم، ويذكرون الله كثيرًا، وهذان الأمران: الدعاء وذكر الله من الوسائل العظيمة في ثبات المسلم، ولقد حكى لنا القرآن دعاء المؤمنين مغريًا بالاقتداء بهم أنهم يقولون: رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا [آل عمران:8]، رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا [البقرة:250]. ولما كانت قلوب بني آدم كلُّها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء كان رسول الله يكثر أن يقول:((يا مقلب القلوب، ثبّت قلبي على دينك)) رواه الترمذي عن أنس وصححه الألباني. وتأمل في هذا الاقتران بين الأمرين في قوله عز وجل: يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرًا [الأنفال:45]، فجعل ذكر الله من أعظم ما يعين على الثبات في الجهاد، وهل ثبت يوسف عليه السلام في محنته أمام امرأةٍ ذات منصبٍ وجمالٍ إلا بالذكر والدعاء، قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاى [يوسف:23] وهذه استعاذة وذكر، وقال عليه السلام: رَبِّ ٱلسّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مّنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ [يوسف:33] وهذا دعاء، قال تعالى: فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ [يوسف:34]، لقد تكسرت أمواج جنود الشهوات على أسوار حصنه، وهو الذكر والدعاء، وكذا تكون فاعلية الأدعية والأذكار في تثبيت قلوب المؤمنين.

إخوة الإسلام، ومن أعظم وسائل الثبات أن يتلقى المسلمُ تربية إيمانية وعلمية واعية، وهل كان مصدر ثبات صحابة النبي في مكة إلا بهذه التربية الواعية؟! كيف ثبت بلال وخباب ومصعب وآل ياسر وغيرُهم من المستضعفين، وحتى كبارُ الصحابة في حصار الشعب وغيره؟! وهل يمكن أن يكون ثباتهم بغير تربية عميقة من مشكاة النبوة صقلت شخصياتهم؟! لا شك أن هنالك تربية عميقة من لدن رسول الهدى محمد .

معاشر المسلمين، وبعض الناس يشعره الشيطان بأنه يسبح ضدّ التيار، وأن الناس كلَّهم هكذا، ولا بد من الاندماج في المجتمع ومواكبة العصر وغير ذلك من الحجج التي لا تعارض بينها وبين الثبات، ولكن الأفهام تختلف، ولهؤلاء نقول: إن الصراط المستقيم الذي تسلكه ـ يا أخي ـ ليس جديدًا، ولا وليد قرنك وزمانك، وإنما هو طريق عتيق قد سار فيه مِن قبلِك الأنبياءُ والصديقون والعلماء والشهداء والصالحون، فإذا عرفت ذلك فهل تشعر بالغربة مع هؤلاء؟! وهل تستوحش في طريق سلكه الأنبياء؟!

فيا أخي أزل غربتك، وبدّل وحشتك، وما يضرّك من فساد زمانك إذا وثقت بطريقك أنها موصله، وأنها صراط الذين أنعم الله عليهم، وهؤلاء كلهم إخوة لك في الطريق والمنهج، فقرَّ عينًا وطب نفسًا، فوالله إن قلة السالكين معك اليوم يدلّ على اصطفائك لا على أخطائك، والله كما يصطفي أنبياءه يصطفي أولياءه، فبدّل شعورك بالغربة شعورًا بالاصطفاء، قال الله عز وجل: قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى [النمل:59]، وقال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [فاطر:32]. ماذا يكون شعورك لو أن الله خلقك جمادًا أو دابة أو كافرًا ملحدًا أو داعيًا إلى بدعة أو فاسقًا أو مسلمًا غير معتزّ بإسلامه وغير ذلك؟! فإذ لم تكن واحدًا من هؤلاء ألا تشعر أنك مصطفى؟! ألا ترى أن شعورك باصطفاء الله لك يزيل عنك كثيرًا من الغربة ويزيدك ثباتًا على منهجك وطريقك؟! بلى هو كذلك.

ثبتك الله وسدّدك، وألهمك رشدَك ووفّقك.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.






الخطبة الثانية



أما بعد: فيا عباد الله، النفس إن لم تتحرّك تأسن، وإن لم تنطلق تتعفّن، ومن أعظم مجالات انطلاق النفس الدعوة إلى الله، فهي وظيفة الرسل ومجال إبراز الطاقات وإنجاز المهمات، والدعوة بالإضافة لما فيها من الأجر العظيم هي وسيلة من وسائل الثبات والحماية من التراجع والتقهقر؛ لأن الذي يُهاجِم لا يحتاج للدفاع، والله مع الدعاة يثبتهم ويسدد خطاهم.

معاشر المسلمين، يقول : ((إن من الناس ناسًا مفاتيح للخير مغاليق للشر)) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني، وهؤلاء صحبتهم والبحث عنهم من أعظم وسائل الثبات، ابحث عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين، وقد حدثت في التاريخ الإسلامي فتن ثبت الله فيها المسلمين برجال، ومن ذلك ما قاله علي بن المديني رحمه الله تعالى: "أعزّ الله الدين بالصدِّيق يوم الردّة وبأحمد يومَ المحنة". وهنا تبرز الأخوّة الإسلامية كمصدر أساسي للتثبيت، فإخوانك الصالحون، هم مُعين كبير لك في الطريق، وهم ركن شديد تأوي إليه؛ فيثبتونك بما معهم من آيات الله والحكمة. الزمهم وعش في أكنافهم، وإياك والوحدة فتتخطفك الشياطين، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.

معاشر المسلمين، قد ينزلق البعض في الفساد بسبب الإعجاب والاغترار بما يتظاهر به أهل الباطل، ولقد حذر الله من هذا وحثّ المؤمنين على استبانة سبيل المجرمين فقال تعالى: لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ [آل عمران:196]، وفي هذا تسرية عن المؤمنين وتثبيت لهم، وفي قوله عز وجل: فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء [الرعد:17] عبرة لأولي الألباب في عدم الخوف من الباطل والاستسلام له، ومن طريقة القرآن فضح أهل الباطل وتعرية أهدافهم ووسائلهم قال تعالى: وَكَذَلِكَ نفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ [الأنعام:55]، حتى لا يؤخذ المسلمون على حين غرة، وحتى يعرفوا من أين يؤتى الإسلام، ومن هذا الباب ما يقوم به الدعاة من كشف خطط المفسدين والمنافقين وغيرهم لاستبانة سبيلهم ومعرفة حالهم وأنها لا تستحقّ الاغترار بها أو الإعجاب.

إخوة الإسلام، ومهما يكن من الوسائل المعينة على الثبات فإنه لا محيص من استجماع الأخلاق المعينة على الثبات وعلى رأسها الصبر، لا يمكن أن تفعل شيئًا من الوسائل إذا لم تكن صابرًا، وفي الحديث قال : ((وما أعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر)) رواه البخاري ومسلم.

وبعد: إخوة الإسلام، فإن الثبات على دين الله مطلب عزيز ومرتقى صعب، لا يتجاوزه إلا المخفّون من الذنوب والموفّقون من عباد الله، فاجعل من محاسبتك لنفسك هذا العام أن تتفقّد ثباتك على الطريق الذي تحبّ أن تلقى الله عليه، تفقّد ثباتك على الطريق الذي تحبّ أن تختم حياتك به، فما أكثر الصالحين المتنسكين في المواسم، وما أقلّ الثابتين على الخير، وما عساك تستفيد من عمل سبق أن عملته ولكنك طمسته؟! وما نَفْعُك من خير عملته يومًا وتركته دهرًا إلا نفع قليل؟! وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل.

أيها المسلمون، تذكّروا أن عامًا بأكمله سيجري الله فيه ما يشاء من الأحداث، ويقدّر فيه ما يشاء من الأرزاق، ألا فاسألوا ربكم من خير هذا العام، واستعيذوا به من شروره وفتنه، فلا يردّ القضاء إلا الدعاء، وكم من فتنة حصلت، وكم من أمراضٍ ومصائبَ وشرورٍ حدثت في العام المنصرم، فإذا سلمكم الله منها فيما مضى فاسألوه أن يحفظكم منها ويعيذكم من شرورها فيما تستقبلون من عامكم الجديد.

وإنكم في هذا الأسبوع تستقبلون شهر الله المحرم، وهو إضافة على كونه محرمًا فله مزيّة أخرى وهي فضل صومه قال: ((أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل)) رواه مسلم.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...


الساعة الآن 03:17 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق الأدبيه والفكرية محفوظة لشبكة قحطان وعلى من يقتبس من الموقع الأشارة الى المصدر
وجميع المواضيع والمشاركات المطروحه في المجالس لاتمثل على وجه الأساس رأي ووجهة نظر الموقع أو أفراد قبيلة قحطان إنما تمثل وجهة نظر كاتبها .

Copyright ©2003 - 2011, www.qahtaan.com

ملصقات الأسماء

ستيكر شيت ورقي

طباعة ستيكرات - ستيكر

ستيكر دائري

ستيكر قص على الحدود