المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مـــــــــــــــــذكراتــــي اللــــــــــــــندنــــــــية


نديم الهوى
15-03-2010, 05:40 AM
السلام عليكم ورحمة الله


يسعدني أن تشاركوني في متابعة مذكراتي الحقيقية والتي دارت أحداثها في مدينة الضباب لندن

اسم القصة

الطريق إلى لندن


الحلقة الأولى

تعود بي الذكريات للعام 1984 عندما تخرجت من الثانوية العامة في مدرسة الخليج في الدمام، وأصيب أخي الذي يكبرني بمرض اللوكيميا ولم يكن له العلاج متوفر في السعودية تلك الأيام. أنا بعد أن أنهيت مرحلة الثانوية العامة قدمت في كلية الملك عبد العزيز الحربية في الرياض، وتوسط لي زوج أختي للتسجيل في الكلية، وكان عقيد ركن في قسم حساس، وأذكر أنه طلب مني فقط ورقة بيضاء عادية وكتب عليها توصية بخط يده لقائد كلية الملك عبد العزيز الحربية بالرياض. عندما وصلت الرياض قدمت أوراقي للكلية وقبلوني بكل بساطة بواسطة الورقة المهترئة إلي كتبها زوج أختي، ماكان القبول صعب في تلك الأيام، الآن لو يتوسط لك أمير كبير جداً من الصف الأول، لن تضمن القبول أو حتى التسجيل.

بعد ما قدمت أوراقي الأولية للكلية، تم تحويلنا إلى المستشفى العسكري بالرياض لعمل الفحوصات اللازمة ، ولما استلمت أوراقي وطلب مني الظابط الذهاب للمستشفى، سألت الضابط، وكان من أهل الجنوب، بلهجة أهل الشرقية التي كنت متأثر بها كثيرا رغم اني مش من أهل الشرقية (ما عندكم باااااااااص يودينا للمستشفى؟)، كانت لهجة غريبة قريبة للهجة أهل البديع في البحرين..... نظر الضابط لي شذراً وقال بأعلى صوته (أفلللللللللح) أي أقلب وجهك، الناس يا بابا تتسابق لإكمال عملية التسجيل وحضرتك تبي باااص، لا وش رايك أرسل معاك سواق العائلة يوديك,,هيهيهيه.

لكن لحسن الحظ لقيت في الصالة بعض اقراني الذين درست معاهم في المرحلة الابتدائية في مدينة الطايف، وكانوا مثلي جايين يسجلون، وشاءات الأقدار أن نجتمع بعد سنوات عديدة في الرياض. رحت معاهم المستشفى العسكري وعملنا الفحص وأتذكر إنهم اكتشفوا سرطان في الرئة لأحد الأشخاص. كان على فكرة معانا واحد دبوس يسوي نفسه يسجل معانا ويرافقنا بكل عمليات التسجيل، بس كان واضح جدا انه دبوس، لأن عمر حوالي أربعين سنة وحنا يا دوب 18 سنة، وبعدين ما كان يعرف يعبي الأوراق زي العالم ويبدو أنه كان أمياً. وبعد أن أنهينا الفحص في المستشفى رحت نمت معاهم في عزبة مثل الخرابة، بيت طين، مجمع فيه عشرين ألف خارج عن القانون، غصب عني لأن أبوي أعطاني بس 500 ريال، شاملة تذكرة سفر والإقامة لمدة يومين والسكن في عزبة حونشية.
بعد ما قبلت، مبدئياً سافرت مع زوج أختي إلى مكة المكرمة وكنا في العشر الأواخر من رمضان ورافقنا والدي، لمقابلة سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز لطلب المساعدة في علاج أخي على حساب سموه حفظه الله. دخل زوج أختي للمختصر الخاص بسمو الأمير ورجع لنا بعد أقل من دقيقة، وسأله الوالد عسى ما شر، شكلك ما قدرت تتكلم معاه، أو إنه سموه مشغول، ابتسم زوج أختي وقال لا يا عمي، طويل العمر وافق؟؟؟، كيف وافق في أقل من 40 ثانية فقط،،،،،،،،،،،،،، سبحان الله، أقل من 40 ثانية كانت تعني علاج لأخي في لندن بحوالي 8 مليون ريال في بريطانيا ، كما أطلعت على الفواتير بنفسي، ورحلة لمدة سنة وأربعة أشهر في شوارع لندن عشتها بالطول والعرض،،،،جلها وحيداً أو تورطت فيها في الكثير من المغامرات، مما غير مجرى حياتي تماما وللأبد.

بدأت التجهيزات لسفر أخي، وكان أخي الأصغر هو المتبرع، بعد أن عملنا الكشف عند الدكتور السوداني الأنيق عز الدين إبراهيم في المستشفى التعليمي في الخبر.

سافر أخي المريض، مع أخي الصغير الذي سوف يتبرع له بالنخاع الشوكي وأخي الكبير ووالدي إلى لندن، وبقيت أنا مع الأسرة في انتظار الدخول للكلية الحربية. بعد حوالي شهر اتصل فينا أبوي من لندن وقال يا نديم (اسمي المستعار طوال الرحلة) جهز التأشيرة عشان بتجي ترافق أخوك، لأن المسألة زي ما عرفنا من الدكتور قولدمان بتطول وأخوك الصغير لازم يرجع عنده دور ثاني، وأنا وأخوك الكبير لازم نرجع عندنا أشغال وإنت قدها وقدود، قلت حاضر يا أبوي هذا واجب علي، لكن والكلية العسكرية الي سجلت فيها بتضيع علي، رد علي قال بعوضك بالي يرضيك بس تعال أخوك محتاجك، قلت على بركة الله.

نسيت الكلية، وجهزت أوراقي في انتظار السفر لبريطانيا، ورحنا خيمنا في شاطيء الهاف مون لبعض الأيام وكان من زملائي الأعزاء راشد الماجد الذي اصبح مشهور في عالم الطرب، ونبيل وسعد الشعيبي ومحمد وليد، وكلهم فنانين على مستوى كبير، بل أن نبيل الشعيبي (الشعيبي وليس نبيل شعيل) كان صوته أجمل من صوت راشد الماجد بكثير، كان صوته حزين وفيه بحة جميلة، خاصة إذا أشدى بأغنية كلها شجن على العود ( يا حبيبي أهواك وروحي فداك،،، ودي أسأل والله أسأل على حبيبي إلي راح، راح وخلاني وحيد راح وخلاني حزين)

كنت نائم في الخيمة وذرات الرمال تملأ اذني والجو حار رغم وجودتكييف في الخيمة، فأتى موظف عند أخي اسمه عم حسين الشربيني، مصري أعتبره مثل أبوي يوقضني من النوم،،،،،قوم يا نديم، قوم يا عم إنت مسافر الليلة إلى لندن، قوم أمال. قمت متثاقل وغسلت وجهي وقلت لرشود ونبيل، بروح الليلة لندن، لازم تجون معاي المطار تودعوني، قالوا كذا بسرعة تونا مالنا يومين حاطين الخيام والأغراض. بس أنا ما ترددت ورحت العصر لسوق عيال بن ناصر في الدمام، الي قريب من سوق الأرزاق، وسوق الحب واشتريت بناطيل ماركة أبو رفسة وجاكيت طويل من مخلفات الحرب العالمية الثانية أو الأولى، ماني متأكد:0msq2:ورجعت البيت وأخذت كل ملابس أخوي الكبير إلي كان يدرس في أمريكا والي هو موجود حاليا في بريطانيا.

في المغرب جاء رشود ونبيل وصديق آخر اسمه ناشر وعزموني في بوفية عزيز وشربت ثلاثة أكواب منقة لأول مرة في حياتي، كنت ضعيف مرة ، حوالي 58 كيلو.

رحنا المطار وأضن الخطوط كانت برتش كاليدونيا، وهي خطوط اندثرت أو انقرضت بفعل المنافسة التجارية، ركبت في الطيارة وجلست بين واحد ياباني وثاني انقليزي، ولغتي الانجليزية كانت تفشل، لذلك لم أتحرك من كرسيي طوال الرحلة مستحي أقول للي جنبي اكسكيوزمي، خفت يكلمني وبعدين اتوهق. بعد العشاء جابو عصير وأخذت سفن آب، واكتشفت انه خمر من ريحته رغم اني ما عمري شفت خمر في حياتي، وتورطت كيف أناديها كنت خجلان مرة من فتح أي حوار، بس شفت الجماعة ناموا قمت كبيته في الأرض، وتعال شم الريحة طوال الرحلة.

لما جات تعبية نماذج الهجرة التي تسلم عند الوصول كلمت الياباني الي جنبي عشان يساعدني، لقيته مايفهم شي، حتى حسبته اصقه، ما يفهم لا يس ولا نو، كلمت البريطانيا وقعد يحاول يفهمني كيف اعبيها، تعب معاي نص ساعة بس عشان يفهمني مكان الميلاد وتاريخ الميلاد، عبيت الورق شخابيط وخط شي كبيتل وشي سمول وادعيت ان عنواني في السعودية يقع في شارع الأمير سعد، اي سعد الله يرحم والديك، أصلا ما اعرف اسم شارعنا إلي ساكن فيه عشر سنوات، لا كاتب أمير بالانجليزية shria alamerr saaaaaad اصلا:1mjqc:المهم لما نزلنا نختم الجوازات عند الدخول صفيت في سرا قصير، طلع الخط هذا حق البريطانيين فقط، ولما وصلت عند موظف الجمارك فهمت منه على غفلة إني في مكان غلط، وأشرلي على سرا ثاني، رحت وبعدين رجعت له أقوله بكل ثقة "آر يو شور"، مسوي نفسي فاهم، صرخ علي قدام الله وخلقه مع صباح الله خير صرخة مدوية ودتني لآخر السرا في المكان المخصص للمنبوذين، قصدي الي ماهم بريطانيين.

طلعت بعد جهد خرافي لصالة الوصول في مطار قيت ويك، وهو المطار الثاني بعد هيثرو، وسمعت واحد يناديني نديم نديم، وتوالت الأصوات وطالعت مصدر الصوت، شفت أبوي ومعاه اثنين جزائريين شباب، سلمت على أبوي وحبيت راسه وعرفني على الجزائريين نسيم، وعبد الرحمن. واتجهنا لمحطة القطار ولأول مرة أشوف الناس بشكل ما أنساه طول حياتي، كأني كنت في السعودية أشوف تلفزيون ابيض واسود وفي المحطة بدأت اتفرج على تلفزيون ألوان 1000 بوصة وبوسة:31x02:، أول مرة اشوف البوليس الأنجليزي في ملابسه التقليديه أمامي وطوله الفارع وأناقته والناس جميلة وأنيقة والابتسامة لا تفارقهم خصوصا لما يتفجأون بنظراتي المتفرسة والمسترسلة :1qd9e:، وركنبا القطار لمحطة فكتوريا بوسط لندن، جلست خلالها في القطار أمام صبية بريطانية في العشرينات، وعلى طول من الفقر بادلتها النظرات المشفوحة فابتسمت لي وقلت في نفسي ليت أبوي يروح ياخذ كوفي، شكلها حبتني:350nd:والله كنت اتحلم ، مصدق روحي، جاي من الحر والرطوبة وصحاري النفوذ والحين راكب في قطار خمسة نجوم الخضرة من خلف شرفة القطار والماء حولها وأمامي يضيء الوجه الحسن. وعلى ما يبدو أن الصدمة الثقافية بدأت أعراضها دون أن تأخذ حتى دور الحضانة، لذلك أعتقد أن البنت كانت تبتسم اندهاشا من ملابسي الغير متناسقة، نعال وانتم الكرامة نجدية، بنطلون أبيض نايلون من سوق الخميس بالقطيف ، جكيت بلوفر رمادي من عصر هتلر، بلوزه من سوق عيال بن ناصر ، شاري ثنتين بخمستعش ريال. بس كان والله العالم يشفع لي تلك الأيام وسامتي ورشاقتي، رغم المصيبة الي كنت مرتكبها أو لابسها:3utns:

يتبع


الرابط

http://travel.maktoob.com/vb/travel321921/

ndeemo9999@hotmail.com

جناب الهضب
15-03-2010, 06:11 AM
مشكوووووووووووور

المهلهل
15-03-2010, 08:54 AM
لاهنت وننتظر منك المزيد
من المشاركات الممتعة

العبدي
15-03-2010, 01:44 PM
متابع بشغف :)

مشاري بن نملان الحبابي
15-03-2010, 02:46 PM
مرحبا يا نديم الهوى ..

في انتظار بقية سلسلة مذكراتك ..

سجلني متابع لك وبقوة ..

نديم الهوى
15-03-2010, 02:54 PM
الحلقة الثانية


وصلنا محطة فكتوريا وأخذنا باص واتجهنا إلى كوينز واي وكنا نسكن في نهاية الشارع في عمارة تسمى رالف كورت، شقة رقم 41. عندما دخلت الشقة صدمت عندا رأيت أخي وقد سقط شعره وذقنه وحواجبه بسبب العلاج الكيماوي. بل أنه أصبح كأنه هيكل عضمي. ضممته وبكيت من حزني عليه خاصة أنه قبل أربعة أشهر كان شاب وسيم وطويل ويدرس في السنة الثانية طب في جامعة الملك فيصل. وأصيب بجرح في ركبته وحاول علاجه ولكن بدأ الجرح يزداد سوءأ، لذلك عمل فحص دم وظهرت النتيجة ايجابية باصبته باللوكيميا (سرطان الدم). بحثنا له عن علاج في كل مكان في السعودية، حتى أن أبي أشترى له ناقة ب 25 ألف ريال، وكان هذا اعلى سعر في تلك الأيام قبل مزايين الأبل، ووضعنا الناقة مع حلال رجل أعمال أجودي اسمه بن هندي وكان يحضر لنا يوميا دلواً من حليب الناقة نسقيه لأخي لعله يشفيه.

جلست في الشقة الجميلة رغم صغر مساحتها بالنسبة لبيوتنا في السعودية وعرفت أن أخي الكبير اشتراها بحوالي 45 ألف جنيه من صاحبها العراقي، وكان سعر الجنيه 4.30 ريال فقط، يعني شقة ببلاش. باعها أخي لاحقا في العام 2000 ب 770 ألف جنيه.

نمت في الشقة حتى العصر، وصحوت على شلة جزائريين مطاوعة يرحبون في ويتحمدون علي بالسلامة. أخي كان من منظري ورواد صحوة الثمانينات الهجرية في السعودية، ورغم صغر سنه وقلة خبرته كما يبدو لي الآن، إلا أنه كان يقرأ ويحفظ ويفكر بطريقة تختلف عن الكثير من أقرانه. اذكر قبل سفره إلى لندن للعلاج أنه كان من النشطين في دعم الجهاد في أفغانستان وكان يجمع التبرعات الهائلة ويجتمع مع (أمراء حرب كاموا كان يطلق عليهم) مستحيل تصدقوني لو ذكرت اسمائهم الآن، ولن أذكرهم ابدا، لأن في تلك الأيام كانوا مدعومين من كل الجهات والآن أصبحوا غير مرغوب فيهم. الحاصل سلمت على المطاوعة الجزائريين وبصراحة انسدت نفسي منهم، انا جاي لندن عندي مهمة معينة مرافقة أخي وأبي أشوف لندن الي دايم نسمع عنها ، أبي اشوف الطبيعة والأسواق والناس المتحضرة، شبعت من المطاوعة الي كانوا مخلين بيتنا مزار شريف، وما شاء الله على الأهل ما يقصرون معاهم، يسون لهم ولائم ولا ألف ليلة وليلة، وما يحلى لهم النقاش ولا يحمى وطيسهم إلى مع وجود ما لذ وطاب من النعم. لكن الغريبة انهم ما قدروا يسيطيرون على عقلي، لهم رغم احترامي لمستواهم التعليمي فأكثرهم كانوا في كلية الطب. وأذكر أنه كان عندي سيارة زوزوكي وكان أخوي يستخدمها كثير لتوصيل شباب كلية الطب لمدة سنة لأنهم كانوا مفلسين ، وكنت اجنن المطاوعة لما اتأخر عليهم ، بس ما كانوا يقدرون يقولون لي شئ كانوا محتاجيني. الآن ما شاء الله، كلهم مستشارين ومن الطبقة العليا في المجتمع، وحتى الطواعة بعضهم لحسها.
نرجع للجزائريين، الي قعدوا يتفحصوني وشكلهم ما استبشروا خير حسبوني من ربعهم، بس شافوا شخص ثاني ما راق لهم. تركتهم وطلعت بعد ما لبست بالطو هتلر واتجهات لأخر الشارع لأتنفس الصعداء، تونا في أغسطس، الجو عليل والناس حلوة ومحلات القهوة في كوينز واي على الرصيف فيها ناس كلاس أوربيين وقليل من العرب، لأنه في تلك الأيام ما كان كل العرب يجون زي الحين. تقدمت لأخر الشارع حتى وصلت لحديقة كنزقتون التي تقع في الطرف الآخر من الشارع، وهي الحديقة التي تعتبر امتداد للهايدبارك من ناحية الغرب وتسكن فيها الليدي ديانا، وتشارلز ولي العهد البريطاني. يعني صرت جار الليدي ديانا بعد ما كنت جار عبد الله بن غرم الله بن يعن الله وأولاده في السعودية. دخلت الحديقة ولأول مرة في حياتي أرى خضرة منقطعة النظير وأشجار باسقة وحمام ما يهرب لما أقرب منه، وبحيرة يسبح بها البط والوز، ولم أجد أثر للنخيل الموجود في شارع أبو مية في الدمام، الي يصبون عليه ماء مالح ليل نهار ولسنوات وطولها ما تعدى مترين ولونها مشهب ومغبر. أنا أول مرة أطلع برا السعودية، وحسيت اني بحلم ودي ما ينقطع ابد. رجعت لشارع الكوينز واي وجلست على قهوة عربية في نفس الشارع جنب مكتبة رمضان وجلست وكان جواري واحد سوداني، سلم علي وقالي انت عربي قلت نعم وقعدنا نسولف وكان يشرب بيرة، قلت له بلقافة ليه تشرب خمر ، قال هذا مهو خمر، هذا بيرة، قلت له كلها حرام، قال حتى بعض السعوديين يشربون اش معنى بتنصحني انا، رديت له بكل براءة، يا أخي أنا كل السودانيين إلي شفتهم بحياتي كانوا دايم أول ناس في المسجد، بس اول مرة اشوف سوداني يشرب خمر. أنا قلت الكلمة هذي وشكل السوداني انظرب بشحنة 200 ألف فولط تغير وجه وبكى المسكين، قال يا أخي والله أنا في قلبي مسجد ومئذنه بس ضروف هروبي من السودان خلتني اصير كذا...وطلب الحساب وغادر بسرعة لا يلوي على شي زيا ما يقولون باللغة العربية،،، وطلبت كيكه وكافي كني ما سويت شي وقعدت أفكر....وقلت لنفسي شكلي أنفع أصير مصلح اجتماعي ليش لا،،،،،بس إلا شلة الجزائريين مستحيل اعطيهم وجه، أنا ما صدقت افتكيت من الي عندنا في السعودية ألقاهم عندي هنا في لندن، شكلها التجربة الوعظية طاحت في راس السوداني،،،،هاهااهاها

العبدي
15-03-2010, 11:02 PM
هههههه

خرّبت جو الزّول :)

واصل

مشاري بن نملان الحبابي
15-03-2010, 11:26 PM
هههههههههههههه

أما الزول فحرقت كبده يا نديم ..

حلوة كلمتك ليه تشرب خمر ..

حبّذا لو كان كل جزء من القصة في موضوع منفصل ..

وفي انتظار باقي السلسلة ..

فيصل بن مسفر القحطاني
16-03-2010, 01:15 AM
لاهنت ياخوي على الطرح الرائع والأروع صاحبه.

ودوري لي كرسي كثرو متابعينك.

تقبل مروري .

نديم الهوى
19-03-2010, 07:52 AM
الحلقة الثالثة


طيب نرجع لحكايتي مع لندن، بعد ما أستقريت في لندن أخذني الوالد ثالث يوم للملحقية العسكرية لأنها هي مرجعنا في العلاج عشان كنا جايين على حساب الأمير سلطان شفاه الله. رحنا للملحقية العسكرية وكانت في منطقة هولاند بارك، قريبة من نوتنينق هيل قيت، وشمال هاي ستريت كنجنستون الشهير. المهم رحنا لموقعها الجميل بجانب حديقة هولاند وسجلت اسمي مرافق جديد لأخي لأن الوالد وأخي الكبير سوف يغادران للسعودية قريب. بهذا التسجيل صار يصرف لي 250 باوند كل اسبوع، وأخي المريض 250 يعني 500 في الأسبوع، الصراحة كان مبلغ كبير وأكثر من حاجتنا ذيك الأيام. وفي الملحقية العسكرية قابلت واحد يشبه سبأ با هبري مذيع الأخبار في السعودية، سألته قلت أنت سبأ با هبري، قال لا أنا أخوه، قعدنا نسولف نص ساعة مع بعض و لما جيت أروح قال ترى أنا سبأ با هبري بس حبيت أمزح وياك، طلع ضابط ما شاء الله عليه.

وفي اليوم التالي أخذني الوالد لزيارة السفير السعودي في بريطانيا، ناصر المنقور، رحمه الله الذي كان صديقا قديم للوالد، عندما كان الوالد في يوم من الأيام يعمل في مجال المقاولات وكان السفير رئيسا لشركة اسمنت اليمامة. قابلنا السفير بود شديد وطلب مني الاتصال به بأي وقت به أو بمدير مكتبه إن احتجت أية مساعدة، وفجأة بدأ يتحدث معي باللغة الإنجليزية، ولما حس إنه قاعد يأذن في مالطا، قال شوف يا ابني إنت جاي مرافق لأخوك، وهذا عمل نبيل، لكن بيكون عندك وقت طويل ولازم تتعلم لغة انجليزية عشان تستفيد من وجودك هنا، وما انتظر ردي ونادى سائق سوري وقال تاخذ أبو نديم توصله سكنه وتروح لمدرسة اسمها لينك انقلش سكول وتسجل فيها نديم وتغطي مصاريف الدراسة من المحاسبة. شكرناها على مبادرته الطيبة، وأصلا كنت حاط في بالي أسجل في أي معهد عندما تستقر أموري، لكن سبقنا رحمة الله بطيبته وببعد نظره.

بعد مرور بضعة أيام عرفنا إن العلاج بيستمر أشهر طويلة، وأخوي المريض كان سلفيا متشدد زي ما ذكرت وكان ما ياكل طعام"أهل الكتاب" رغم وجود فتوى بذلك وآية كريمة تحلل أكلهم، بس وش نقول عاد. عشان كذا بدأ أبوي يعلمني فن الطبخ، علمني خطوة خطوة، كيف أولاً أطلب من الجزار تقطيع الخروف حسب الأكلة الي بعملها، مثلا، المشوي بالفرن يعمل دوائر مثل الإستيك، الريش كيف تكون، وعلمني الكبسات والمشخول وعلمني كيف أسوي أكله اسمها منتو، كان أخوي يحبها، وهي عجين وسطه لحم تم تحميسه وتطبخ على البخار. احتجنا لعمله أن نشتري قدر خاص، ولذلك ركبنا الأندرقراوند من الكوينز واي إلى منطقة أسواق شعبية غالبية البائعين فيها من اليهود وفيهم الكثير من اليهود العرب تسمى ليفربول ستريت. رحنا هناك وكان السوق فعلا شعبي وعربيات فيها تقليد للماركات وأسعار رخيصة جدا وتكثر فيها المطاعم الشعبية مثل الفش آند شبس الأكلة الشعبية الأولى للإنجليز. والفش آند شبس للمعلومية أصبحت الأكلة الشعبية للبريطانين منذ العام 1888م. والسبب لأنه في تلك السنة تقريبا بدأ تسيير القطار البخاري بين معظم المدن فأصبح من الممكن نقل السمك من الشواطئ إلى المدن الداخلية خلال ساعات بسيطة قبل أن يتلف السمك، وبذلك ازدهرت مطاعم الفش آن شبس. كانوا في السابق يلفونها بورق الجرائد وتؤكل باليد، الآن تلف في أوراق أو صحون بلاستيك مع شوك بلاستيك.
المهم مالكم بالطويلة، أخذنا قدر في وسطه مثل الشبك، عشان نضع تحت الشبك ماء وفوق نضع العجينة وداخلها اللحم المحموس، وبكذا تنضج الأكلة بالبخار ونحصل على أكلة منتو.
لكن بصراحة ودي أوقف لحظة وأخبركم عن والدي، لأن أحس إن قصة حياته قد تعجبكم رغم إن عندي كثير من الكلام عن حياتي في لندن تلك الفترة، بس معليه خلوني أعطيكم فاصل بقصة والدي.

والدي الآن عمر حوالي 84 أو 86 سنة الله يعطيه الصحة والعافيه ويشفيه، رجل عظيم بمعنى الكلمة، بنى نفسه من تحت الصفر ونجح في الحياة بعد توفيق الله بسبب ذكائه وحنكته وتوقد ذهنه وصبره. وكانت بداية حياته أنه سافر مشى على الأقدام مع ثلاثة من أخوانه: الكبير 12 سنة، والدي 9 سنوات وعمي الصغير 7 سنوات، سافروا مع الجمالة (قافلة تسافر بين المدن) من قريتهم إلى مكة بمسافة نحو 400كم. لم يكن لديهم مال لركوب الجمال، وكان حينما يصيب أبي التعب والإنهاك يقوم عمي الكبير بضربه حتى يكمل السير. لذلك كلما مررنا مع أبي ونحن في طريقنا للطايف على طريق الهدى يأخذنا إلى ناحية الطريق البري بين جبال الهدى الشاهقة، وهو الطريق الذي كانوا يمشون عليه للوصول لمكة المكرمة قبل عمل الطريق المعبد، وكان يحب كثيرا أن يجلس على صخرة كبيرة ملساء في منتصف الطريق الرجلي، وهو يحكي لنا ويقول جلست يوما أبكي فوقها من شدة التعب، وأتى رجل من قبائل هذيل وسأله لماذا تبكي يا أبني، فحكى له قصة معاناته والفاقة، وكيف أن عمي يضربه كلما تعب من الطريق، فعطف عليه الرجل جزاه الله خير وأعطاه بعض العنب والفواكه وريال فرنسي. المهم بعد أن وصلوا مكة المكرمة، اشتغلوا كخدام (يسمونها يجاودون، أو مجاوده) وكان من نصيب أبي أن عمل لدى عائلة تركية طيبة في مكة، كان يحكي أبي لنا كيف كانت المرآة التركية تعطف عليه وتخيط له الملابس الجميلة في العيد وتعامله مثل ابنها. المفارقة أن أبي لم يستسلم للأمر الواقع فقد كان طموحه كبير، لذلك بدأ بعد مدة في العمل طرق العمل الحر عندما وصل عمره 13 سنة، ففتح مقهى على المسعى في الحرم المكي، يعني الشخص الذي كان يجلس في القهوة كانت رجليه في المسعى، وبعد مدة ولأول مرة بدأت الأموال تتجمع بيده. ولكن من ملاحظاته الثاقبة في المسعى كان يرى كبار السن يسعون فوق صناديق (خشب على قولة الأفارقة) مثل تلك التي تستخدم في الطواف، ففكر في طريقة أفضل من ذلك تدر عليه دخل. هذا الحديث طبعا قبل 65 سنة. ففي أحد الأيام مر من أمام أحد المحلات لتاجر اسمه قزاز، قد يكون أب أو جد قزاز صاحب العطور الحالي، فوجد عنده عربتان فقط مثل عربات المرضى أو المعاقين فصرخ مثل نيوتن عندما اكتشف الجاذبية قائلا وجدتها وجدتها. فدلف على قزاز وقال لها تعطيني العربيتين سلف وأنا أسدد لك ثمنها بعد شهرين. رد عليها قزاز، يا ولدي هذي غالية، قيمتها 200 ريال فرنسي، كيف بتسددني، لها عندي ثمانية أشهر ما احد قدر يشتريهم. فأخبره أبي أنه سوف يستخدمها في المسعى لتحميل كبار السن أثناء السعي. فلما عرف غاية ابي منها قفز من مكانه وقال خذها من الآن، لأنه كان متأكد بأن أبي سوف يحصل على قيمة العربات في أسرع وقت ممكن من الحجاج والمعتمرين. اشتغل ابي مدة ليست بالبسيطة وكان أول من سن العربيات في المسعى التي استمرت حتى يومنا هذا. وقد حصل على أرباح كثيرة وشغل معه الكثير من أقربائي لمدة سنتين، حتى انتشرت الشغلة وبدأ يفكر في طريقة أخرى أفضل في كسب لقمة العيش، فإتجه للعمل في التابلاين في مدينة رفحاء (وهي الشركة الأمريكية التي كانت مسؤولة عن خط نقل الزيت من رأس تنورة في الخليج إلى حقل الزهراني في بيروت ومن ثم إلى أوربا وأمريكأ) وهنالك تعلم اللغة الانجليزية قراءة وكتابة (أبي يكتب ويقرأ لغة انجليزية فقط، ويقرأ القرآن بتعتعه إلى الآن وكل حساباته باللغة الانجليزية). عمل حتى وصل فور مان، وهي مرتبة لم يصلها أي موظف سعودي في تلك الفترة. عنده مقابلة في صحيفة للتابلاين باللغة الانجليزية وهم يكرمونه بعد أن استطاع أن يطفى النار لوحده في احد محطات الضخ في التابلاين، بينما كان المسؤول عنها في سابع نومة. كما عمل له مزرعة في رفحاء للراحة وكان في نفس الوقت يستفيد منها تجارياً. أما كيف تزوج أمي، فالوالد مهو بسيط، كان راجع من الدوام ورآى اثنين من الأطفال يبدو عليها الجمال (كانوا قادمين من العراق، لأن خوالي وجدي سعوديين بس كانوا عايشين أيام الفقر في العراق وعادوا عن طريق رفحاء) فتبعهم ولما عرف البيت أتاهم في الليل وسأل جدي هل عنده بنت للزواج؟ أجاب جدي بالايجاب، وتم الزواج بكل بساطه.
بعد أن تزوج أبي من أمي، وصل الخبر لأبناء عمها واحد اسمه بادي والآخر بداي، وأضمروا لأبي شرا، وكانت خطتهم هي قتله والتخلص منه، لأنهم يرون أنهم هما الأولى بالزواج من بنت عمهم، والله كما أخبركم، هذا الذي كان يحدث بكل بساطة بلغة أهل البادية قبل 60 سنة أو نحوها، ولكن أبي قدم استقالته أخذ حقوقه بعد عمل نحوة 16 سنة حوالي 150000 ريال سعودي وذهب لمدينة الطايف. وفقد أثره بادي وبداي لأن لم يكن معهم جي بي اس لاقتفاء اثر والدي قبل 60 سنة. بادي توفي رحمه الله، وبداي الآن عمر حوالي التسعين وهو من أعز أصدقاء أبي.
وصل أبي للطايف واشتري أجمل منزل في حي الريان وكان الشخص الوحيد في الحي الذي لديه سيارة، وكانت مرسدس بيضاء موديل 77 وكان بيتنا البيت الوحيد الذي لديه ثلاجة في الحارة. كانت السيارات البيوت التي فيها ثلاجات في ناحية الحارات التي يسكنها البخارية، والآخرين الذين هم من أصول تركية أو شوام، كنا ننظر لهام تلك الأيام وكأنهم فرنسيين أو ناس هاي هاي. قام أبي خلال وجوده في الطايف بالاستفادة من الأموال التي حصل عليها من التابلاين بشرا الكثير من الأراضي في الطايف، والأرض الواحدة كان يشتريها ب250 أو 300 ريال، وكان من زملائه في تجارة العقار بن بكر، والد مدير جامعة الملك فهد السابق، وسفير السعودية في تونس، وكذلك شخص اسمه الخريجي، وآخر اسمه الهطلاني وبن سليم وبن فرحة. أحدهم انتحر عندما خسر ابنه لاحقا حوالي 200 مليون ريال. يقول أبي عنه، أنه من غناه في لبنان ،أيام لبنان بداية السبعينات، كان بعد ان يغلي الماء ويضعون الشاي يقوم بتخدير الشاي باشعال الليرات تحت ابريق الشاي!!!!!

لم يكتف ابي بذلك بل عمل أول مزرعة نموذجية للدواجن هناك، وأصبح يستورد تريلات من لبنان من شخص يدعى أبي اللمع. أبي اللمع يأتي بها من ألمانيا ويحورها حسب مواصفات السعودية ويستوردها أبي للسعودية. في تلك الفترة بداية السبعينات كنت طفلا صغيرا، وكان أبي يقضي في لبنان ثلاثة أشهر ويقضي عندنا أسبوع، لدرجة أن مرة طرق باب بيتنا أحد الأشخاص وسأل عن أبي فقلت له أبي في لبنان، وبعد نصف ساعة خرجت ألعب مع الأطفال وعند نهاية الشارع وجدت أبي يجلس في (دكه مع العم سلطان الحربي)، وهذا يدل كثرة سفراته وانقطاعه عنا. في نهاية السبعينات بدأت الأراضي ترتفع بشكل جنوني وأصبحت بعض الأراضي تباع بالملايين، أذكر احداها بعيت على وزارة التعليم ب 9 مليون. ومن يومها بدأ والدي يدخل قائمة أصحاب الملايين بعد كفاح وتعب مرير يستحقه عن جدارة. كان أبي قبل الطفرة يبيع الأرض الواحده ب 1500 وأكثر الأحيان على أقساط، وبعدها أصبحت أصغر قطعة ب 100 ألف ريال.

أما المرحلة اللاحقة من حياته فهو انتقاله إلى المنطقة الشرقية وعمله في النقليات ليستفيد من خبرته في مركبات النقل التي كان يحضرها من لبنان (الآن توقف الاستيراد لبدء الحرب الأهلية اللبنانية). انتقلنا للمنطقة الشرقية وبدأ في تكوين اسطول نقليات، وكان يقوم بمجهود خرافي هو ومدير أعماله مستر حسين الجنتل مان مان الهندي. لم يكن مستر حسين هنديا بسيطا، لكنه هندي ترى فيه فخامة المهراجا وارستقراطية الرجل الإنجليزي، أتى للوالد بحنكته وذكائه بعقود بعشرات الملايين، أذكر منها تخليص ونقل منشآت مطار الملك خالد بالرياض كاملة والذي كانت كل مكوناته تستورد من الخارج. كذلك مصفاة الرياض أو القصيم، لم أعد أذكر. والأجمل منها هو عقد تموين شركة كورية اسمها هونداي لديها أكثر من 5000 موظف كان مسؤول عن تموينها بكل شئ، طعام سكن، ملابس، هدايا حتى عصي المكانس، كنت أسمع وانا أجلس في المكتب معهم، عصاية المكنسة تكلف ريال وتباع لهم ب 12 ريال، ولم يكن يوجد أحد منافس في السوق فالعالم كانت نايمه في ذيك الأيام. وكان الربح في الشهر الواحد حوالي ثلاثة ملايين، الأموال متوفرة، والمشاريع على قفا من يشيل، ليس مثل الآن نفق الدمام له ست سنوات مغلق ولم يستطيعون اصلاحه،،،،


شكلي طولت عليكم اليوم، وبعدكم من لندن ، بانتظر التعليقات، اذا بغيتوني اكمل موضوع ابي، كملت أو نرجع لموضوع لندن

مشاري بن نملان الحبابي
19-03-2010, 03:01 PM
مرحبا يا نديم ..

قصة أكثر من رائعة ..

أكمل قصة كفاح والدك ومن ثمّ قصتك في لندن ..

لأنني الصراحة معجب بهذه القصة الرائعة ..

منصور العبدالله
19-03-2010, 07:54 PM
السلام عليكم ورحمه الله

اهلا اخوي نديم الهوى


واهلا بمذكراتك اللندنيه


وبالتأكيد هي مذكرات ممطرة تكسوها الضباب


ولكنها دافئة عكس مدينتها الباردة


بها صور كثيرة وجميله


في التربيه


في الأخوة


في العمل


في النجاح


في التضحيه


في الوفاء


وكثير وكثيرا


حقيقة اخوي نديم الهوى ما أوردته عن والدك حفظة الله ورعاه والبسه ثوب الصحة والعافيه


شيء رائع وتاريخ مشرف لرجل عصامي خلق من ضعفة جسرا للنجاح ومن صغر سنة سلما للوصول للقمة


أسال الله ان يحفظك ويحفظ والدك اخوي نديم الهوى


واسمح لي بالمتابعة لهذا المسلسل من مذكراتك اللندنيه

وتابع وفقك الله تميزك وإبداعك



تحياتي اخوي نديم الهوى وفي رعاية الله وحفظة


استودعك الله


-----------------------------------------------------------------------------------------------

أخوك / منصور العبدالله ( وااااادي الغلااااا )

نديم الهوى
20-03-2010, 03:29 PM
مشاري بن نملان الحبابي

منصور العبد الله


شكراً لكما على المتابعة والكلمات الرائعة، ويسعدني جداً والله التواصل معكم عبر المذكرات، وهذه الحلقة الرابعة بين أيديكم


الحلقة الرابعة



بعد أن قحش والدي الملايين والخيرات من مدينة الدمام حتى نهاية حرب الخليج الثانية، أي غزو صدام الكويت، بدأت بوصلة الدراهم أو الحنين تشير له بالتوجه نحو المنطقة الغربية، ومدينة جدة تحديداً،خاصة عندما تقدم به العمر، وفعلا تخلص من النقليات والمقاولات في عز ذروتها بعد تحرير الكويت بأقل من سنة، حيث ما لبثت أن تدهورت بعد ذلك ووصلت للحضيض. لكن أمكنه التخلص منها في الوقت المناسب وجمع أكبر قدر من الأموال الكاش وذهب إلى مدينة جدة وأستقر بها بشكل نهائي. في تلك الفترة غادر السعودية الكثير من الجالية اليمنية وتركوا خلفهم الكثير من المحلات التجارية ومن ضمنها عمائر سكنية وتجارية، فقام بشراء العديد من العمائر والعقار بأسعار متهاودة، فالعمارة التي قيمتها 6 ملايين كانت تعرض ب 3 ملايين ولا تجد من يشتريها. فكانت مرة أخرى نقلة نوعية ونهائية على ما أعتقد في مسيرة أبي في النجاح في التجارة. والآن ولله الحمد هو جالس في جدة يسبح بحمد الله ويأتيه خراج تلك العمائر وهو يتابع محطة الجزيرة أو يلعب مع أحفاده وزوراه الذين لا ينقطعون بعد أن خرج طفلاً عمره نحو 9 سنوات مشيا على الأقدام لمسافة 400 كلم بحثا عن لقمة العيش. بقي شيء واحد لم أذكره لكم، فأبي يطبق بحرفية على ثروته مبدأ (ما لقيصر لقيصر) يعني access denied to his treasure

أعود بكم إلى لندن، فقد غادر أبي وأخي الكبير والصغير وبقيت أنا وأخي المريض لوحدنا في الشقة، وبدأت في العناية به بشكل مكثف فقد كنت أختار له بحرص شديد أفضل الوجبات المغذية والصحية وأحاول أن تكون السلطات والفواكة والأغذية كلها معقمة لأن مناعته كانت أقل من المستوى المطلوب بعد أن قام بعملية نقل نخاع من أخي الصغير إليه. كنت أعمل له إفطار الصباح كورن فلكس محلى بالعسل من أجود أنواع العسل من هارودز وحليب طازج يوميا يصل إلى عتبة العمارة كل صباح كعادة وهو تقليد بريطاني بدأ عام 1880 بعربات تجرها الخيل، قبل ذلك كان العربات تجر خزان حليب كبير وتعبى في دلال أصحاب المنازل، وأذهب بعد ذلك إلى Link School of English لتعلم الإنجليزية، والمدرسة لحسن الحظ على بعد خطوات من السكن، في شارع Westbourne grove أي أنه أثناء السير في الكوينز واي، يكون مركز الوايت ليز على الشمال، وعندما ينتهي المركز يكون في نهاية الشارع PUP، تتجه لليسار وهنالك بعد حوالي خمس محلات تجارية توجد المدرسة، وهي في الدور الثاني. بعد المدرسة أعود فأشتري له من محلات الحلال الموجودة تحت المدرسة، الدجاج، أو لحم الخراف الطازجة، وهي لذيذه جدا أكثر لذة من اللحوم الموجودة في السعودية، فتخيل خرفان تتغذى على الأعشاب الطبيعة الممتدة على مدى البصر وتشرب من مياه الأنهار أو الأمطار التي لا تنقطع، لا شعير مجفف ولا كيماوي ولا حرارة تقطع أنفاسها أو أحواش ضيقة تؤثر على طراوة لحومها, فكان الفرق كبير في الطعم، حتى لو لم يستخدم سوى الملح والفلفل الأسود أثناء شيها، يكون لها طعم غاية في اللذة. وبعد أن أشتري اللحوم أعرج على بائع خضار في مدخل نهاية شارع الكوينز واي، وهم عائلة يهودية لا تزال إلى الآن تمتهن نفس العمل وصداقتي مستمرة معهم وأزورهم كلما نزلت إلى لندن حتى يومنا هذا، فكنت أبتاع منهم مقدار طبخة ليوم أو يومين فقط، حرصا أن يكون الطعام طازج قدر الإمكان. ومن ثم أعمل له غداء وعادة يكون غداء وعشاء. وكالعادة الأخوة الجزائرين لا زالو يأتون زرافات ووحدانا وكنت أعمل حسابهم يوما بعد يوم، حتى أصبحت طباخ رسمي لحضراتهم. بدل الدجاجة صرت أضع دجاجتين أو ثلاث، أو فخذ خروف كامل، بل أن بعضهم أصبح يقترح بقوة عين أن أتعلم الكسكسي، عشان أرضي جميع الأذواق ولا أكون "متعصب لأكل السعودية على قولته". كان أخي يعتبر مرشدا عاما "للإخوان الجزائريين" بينما أنا "الطباخ العام" لهم، فإزداد حنقي علي ما آلت إليه الأوضاع فأخبرت أحد زملائي في المعهد واسمه حمدي المصري وآخر اسمه فارس وهو ايراني الأصل، حمدي كان يشتغل في مطعم رمضان في شارع الكوينز واي، وكان يدرس في المعهد فقط للحصول على الاقامة والغرض من وجوده في لندن هو العمل فقط وليس اللغة، فارس كان من أبناء اللاجئين السياسين الإيرانيين. أخبرني حمدي المصري بأن الحل لديه، وبما أن أخي لن يأكل إلا طعام المسلمين فهو متبرع أن يعمل له الطعام يوميا من المطعم مقابل مبلغ بسيط، هو نفس المبلغ الذي يكلفني ثمن المقاضي، ولكن لكمية تكفي 2 أو 3 أشخاص على الأكثر، وبهذا قطعنا التموين عن "الإخوة" أو "تجفيف منابع الدجاج" مما نتج عنه أن خفت حركة الرجل عن الشقة 41 Ralph Court. فأصبح لدي وقت أكبر للحركة والخروج في شوارع لندن وزيارة متاحفها وحدائقها والسينما وما إلى ذلك. ومع مرور الأيام بدأت أتقن اللغة الإنجليزية بسرعة رهيبة لأن الجو العام وطريقة التدريس جعلت تعلمها سهل جدا بالنسبة لي، وقد كنت أعاني كثيرا قبل ذلك من الصف الأول متوسط وحتى الثالث ثانوي لم أستطيع أن أنجح إلا بالغش واللف والدوران في هذه المادة. حتى مظهري العام قد تغير 180 درجة، فقد انتظرت إلى أن أتى مناسبة Guy Fawkes وهي عيد يقوم في البريطانيين باشعال الحرائق في المنتزهات العامة وفي الساحات، احتفالا بنجاة الملك جمس الأول في العام 1570 عندما قام بعض رجال الدين بمحاولة نسف البرلمان عليه لإعتقادهم بأنه لا يطبق التعاليم الدينية المسيحية كما يجب، أي أنه كان ليبراليا أكثر مما يجب، ولكن المؤامرة كشفت بالصدفة وتم حرق رجل الدين Guy Fawkesـ وأصبح ذلك اليوم يحتفل فيه كل سنة باحراق الأشجار والألعاب النارية. قمت باستغلال هذا الحفل الكبير وحرقت بها جميل الملابس التي أتيت بها من الدمام من سوق عيال ناصر وسوق الخميس بالقطيف وعلى رأسها بالطو هتلر عديم اللون، كريه الرائحة. كما قمت بقصة شعري لدى Andrew Jose وبسبب توفر السيولة المالية، صرت ألبس أجمل الملابس من Top man و Selfridges وغيرها من المحلات التي كانت مشهورة تلك الأيام. فأصبح شكلي مقبول، أي مقبول يا عمي، كنت والله وسيم لدرجة كانت الفتيات هن اللائي يتحرشن بي، وأنا أتهرب خجلا وكذلك لعدم وجود الثقة الكاملة بأني أستطيع أن أعبر عن نفسي كما يجب، فأقول يا ولد خلهم يحسون إنك ثقيل ولا تتورط بسوالف منت قدها.

وفي أحد الأيام وعند بداية فصل الخريف كنت سائراً بجوار بحيرة السربنتاين في وسط الهايدبارك وحفيف الأشجار حولها يصدح في إذناي، والرياح الباردة تتلاعب في الأوراق الذهبية المتساقطة من فروع الأشجار فتأخذها بعيدأ نحو المجهول. وقد أصبح اليوم قصيرا جدا والمساء يأتي بسرعة، والأشجار التي كانت خضراء باسقة أصحبت الآن جرداء موحشة وفروعها كأنها أشباح تحيط بي من كل اتجاه. فجلست خارج أحد الأكواخ التي الواقعة قبالة البحيرة وتستخدم كمقهى ،وكانت الاضاءة خافته كأنها تزيد المكان وحشة. طلبت كوبا من القهوة لعلها تبعث الدفء في داخلي وجلست بالقرب مني فتاة جميلة تضع مساحيق براقة يعكسها الضوء في العتمة. ابتسمت لي وأخذت تتحدث معي عن الجو وكيف أنه موحش ويزيد الشعور من الوحدة، وافقتها الرأي وتحدثنا قليلا، وبدون مقدمات طويلة طلبت مني أن أرافقها للسهر سويا في أحد النوادي الليلية في الجهة المقابلة من الهايدبارك، يسمى sombrero، وافقت مترددا فهذه أول تجربة لي أن أواعد فتاة، ولكن في تلك الأيام كنت شابا غرا فقررت أن أخوض التجربة، فأخذت منها العنوان ووعدتها أن أكون هنالك بعد أن أطمأن على أخي وأتأكد أنه قد تناول عشاءه.

عددت للشقة وأعددت العشاء لأخي وأخبرته أنني سوف أتأخر بعض الشيء فدعى للي بالتوفيق وأن يحفظني الله من كل سوء وخرجت وركبت الاندر قراوند من Bayswater station إلى High street kingston station، بحثت عن النادي الليلي ووجده دون عناء وكان في الطابق السفلي، أي تحت الأرض. عندما دخلت وجدت أحد لاعبي الخليج المشهورين يلبس ثوب عماني (جنسيته ليست عمانية، لكنه كان أحد هدافي دورات الخليج) وجالس في النادي وكأنه في قهوة أبو حمدان (أول مرة أدخل نادي ليلي) جلست في أحد الطاولات والناس من حولي سكارى وهم سكارى وحثالة كذلك وعبق الدخان يتكم الأنفاس في جميع أرجاء المكان وصوت الموسيقى الصاخب يخترق الأذان. وصلت الفتاة التي كنت في معيتها في حديقة الهايدبارك، ولم أتبين ملامحها مرة أخرى لأن المكان لا تضيئة سوى الأنوار التي تتراقص مع الموسيقى، رحبت بها وطلبت لها قهوة سكر زيادة، لأني رفضت أن أطلب لها خمرا، وطلبت لي عصير برتقال. ضحك الجرسون من طلبي ولكنها سرعان ما عاد وقدم لنا الطلبات. أثناء الحديث معها طلبت مني أن نرقص سويا خاصة عندما أتت أغنية مشهورة تلك الأيام وهي أغنية Careless Whisper، عندما هممت بالوقوف رأيت زميل قد تعرفت عليه من قبل اسمه أحمد الحبتور من الإمارات العربية، كان يدرس في لندن، فنظر لي نظرة غريبة وكأنها متضايق من شيء. ابتسمت له وتقدمت وسلمت عليه وقلت ما بك يا أحمد تنظر إلي هكذا، رد علي بضيق شديد، نديم هل تعلم مع من تجلس الآن، رددت لا، فتاة تعرفت عليها عشية هذا المساء في الهايدبارك، ودعتني الليلة، لا أعرف سوى اسمها الأول. قال يا حبيبي هذيه الفتاة الآن كانت رجلاً حتى السنة الماضية وهي معروفة في هذا المكان وقد عملت عملية وتحولت إلى فتاة، ولا أظن أنك ترضى بالوضع المهين هذا. لم ينهي كلامه إلا وتذكرت ذنب السوداني الذي قابلته في الحلقة الأولى وأصبت مثله بشحنة كهرباء 200 ألف فولط، وذهبت مسرعاً نحو الحمام، كرمتم، وأفرغت ما في جوفي وأحسست كأني في سجن أو في قبر وذنوب الدنيا قد اقترفتها وحلت مصيبة كبيرة فوق رأسي. صعدت السلالم هربا من هذا الماخور ولحق بي أحمد ليطمئن علي، وكان لديه سيارة زد أكس حمرا اللون وقال أركب معي، سأخذك لمقهى ترتاح فيه أو إلى السكن لتنام، قلت لا ، لا تأخذني للسكن خذني للمسجد الرئيسي في لندن في green park ، وسرعان ما وصلت هنالك قبل صلاة الفجر فصليت ركعتين استغفرت فيها رب العباد وطلبت المغفرة وفتحت المصحف وقرأت، بسم الله الرحمن الرحيم (طه ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ،إلا تذكرة لمن يخشى ، تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا ، الرحمن على العرش استوى ،له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ،وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ،الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى )
يتبع

علي آل جبعان
20-03-2010, 06:03 PM
سبحااااان من حماااااك يا نديم
أنت محظوظ بقدوم زميلك الإماراتي

؛؛؛
جميل طرحكـ
وجميل برك بأخيكـ
وجميل عصامية أبيكـ

؛؛؛
استمر فنحن نتابع مذكراتك اللندنية

ودمت بودّ

مشاري بن نملان الحبابي
20-03-2010, 09:55 PM
سبحان الله اللي حفظك ..

في انتظار الجزء الخامس ..

عبدالله آل عباد
21-03-2010, 06:58 AM
نديم الهوى

تشكر على الطرح

هل أنت صاحب الموضوع الاصلي

كان يفترض أنني أراسلك على الخاص ولاكن يبدو أن الرسائل الخاصه غير مفعله عندك

أنتضر ردك

وبلا شك أطمع في أستكمال القصه الرائعه

نديم الهوى
21-03-2010, 09:31 AM
السلام أخي عبد الله آل عباد،،،

نعم هذه مذكراتي الخاصة، وسوف أكملها هنا لأن الموقع الذي بدأت فيه الكتابة له شروط كثيرة صعبة من ضمنها عدم تواصل القراء مع الكتاب


وصلت في الموقع المذكور الحلقة 18 وتوقفت

أخوك نديم

يمكنك التواصل عن طريق الاتصال الداخلي في المنتدى

تحياتي

نديم الهوى
22-03-2010, 08:26 AM
الحلقة الخامسة


من أفضل الأشياء التي كانت تتميز بها لندن قبل عصر الإنتر نت كانت الكتب المتوفرة بها والمكتبات العريقة باللغتين العربية والإنجليزية، وهي الكتب الحقيقية التي ألفها كتاب مهنيون بعضهم من المستشرقين، كما أن الثمانينات كانت سنوات هجرة الصحافة العربية والكتاب الكبار لأسباب سيساية وأمنية، فأصبحت لندن تعج بالصحف الرصينة والأخرى الصفراء التي كانت تعتمد على الابتزاز والفضائح والإثارة. ومنذ نعومة أظافري كنت شغوفا بالقراءة بشتى أنواعها، فكنت أقرأ بمعدل كتابين في الأسبوع. أكثر ما كنت أقرأ تلك الأيام قصص المغامرات البوليسية، مثل سلسلة المغامرون الخمسة تختخ و لوزة و نوسة و عاطف و محب، وهم عبارة عن مجموعة من الأطفال الذين يقومون بحل الألغاز البوليسية والجرائم التي تحصل بمحيطهم. كذلك قرأت معظم روايات أجاثا كرستي وطرزان، ومن بعدها صرت أقرأ لأنيس منصور وسيد قطب وطه حسين ومحمد أسد وغيرهم. ولعدم وجود مصادر متعددة للتسلية في تلك الازمان كانت القراءة تسحرني لأبعد حدود، فأتفاعل مع الشخصيات والأحداث كأني جزء من الحبكة. وعندما تقدم الزمن صرت أقرأ بنهم أكبر ليل نهار، حتى أنه أصبح يسبب لي بعض المشاكل الشخصية مع من حولي لأني أقرأ أكثر مما أتحدث. أذكر مرة كنت مسافر في رحلة من لندن إلى لوس أنجليس وكانت الرحلة 11 ساعة قضيتها كلها في قراءة كتاب محارب من الصحراء لخالد بن سلطان. وكان بجانبي رجل انجليزي ينام ويصحى، يأكل ويشرب، يذهب ويعود، وأنا أعيط، قصدي وأنا أقرأ حتى انتهيت من الكتاب قبل نهاية الرحلة بدقائق، ووالله لم أحس بالرحلة شئ. قالي لي الرجل الإنجليز، بعد ذلك كنت أعتقد أننا أكثر شعوب العالم قرأة، لكن عندما رأيتك علمت أننا أمة لا تقرأ. قلت هون عليك أيها الإنجليزي العجوز ولا تقس علي فأنا أقرأ أي نعم، ولكن للأسف المعلومات التي أقرأها لا أتذكرها جيدا، فذاكرتي أعتبرها أضعف ذاكرة في العالم، ولو كانت ذاكرتي قوية لكنت الفيلسوف اليوناني سقراط بسبب نهمي للقراءة. وعندما نزلت مطار لوس انجليس أخرجت كتاب ثاني أقرأه مما سبب خناقة لي من عائلتي أمام صاحب التكسي. لذلك بدأت باقتناء الكتب اللندنية من مكتبة الساقي العظيمة التي أسستها الراحلة مي غصوب، فاعدت قراءة الكتب التاريخية والدينية والسياسية ومذكرات المستشرقين، ومن أول كتاب تاريخي قرأته تلمست الفرق بين الكتب التي تكتب لدينا، فالكتاب يكون حجمه خمسمائة صفحة ولو دققت وتمحصت جيداً لوجدت أنه يمكن اختصاره في ورقه ونصف والباقي جله حشو وكذب ومضيعة للوقت. وأشد ما أعجبني قصة توحيد المملكة بأقلام المستشرقين والتي كانت تكتب بشكل مغاير عما قرأته، وخاصة 7 مجلدات قد قرأتها سابقا للزركلي باسم "شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز"، ولكن للأمانة كل الكتاب كانوا مسحورين بشخصية الملك عبد العزيز ودهائه وأنه تفوق حتى على القواد والملوك التاريخيين كمثل تشرشل والملكة فكتوريا. كنت أرى مي صاحبة ومؤسسة المكتبة باستمرار ولم أعرف قيمتها ككاتبة أو كمؤسسة لأهم المكاتب العربية في المهجر إلا بعد مدة طويلة، كانت نحيلة ومثقفة تتحدث الانجليزية والفرنسية، تأتي خلفي كلما بحثت في الجدار عن الكتب وتقوم باعدة تصفيفها لأني كنت لا أعيدها كما يجب، تحملتني بعض كثيرا، يمكن تشجيع، أواستظراف، فهي رحمها الله تجوزت سبعة أشخاص في حياتيها، بالرغم من أنها توفيت وعمرها 54 سنة فقط. ومن كثر عيادتي للمكتبة تعرفت على شخص سوري اسمه عبد الوهاب الفتال، رجل مرتبك ولجوج ومزعج ونكدي وأحمق وتطول قائمة سيئاته إلى مالا نهاية، ولكن جذبني إليه نقده اللاذع وتحويله كل حكاية إلى نكته، فالنكت عنده لا تتوقف، فذهبت معه مرة بعد أن ابتعت صحيفة صفراء ابتزازية (كانت سماوية اللون) وذهبنا إلى مقهى أخينا السوداني والتي كانوا يطلقون عليها فيما بينهم "مقهى الفكر العربي" لنتجاذب أطراف الحديث والحش في الأنظمة العربية، هم يحشون في الخليج وأنا أحش في دولهم من شرقها لغربها، كانوا شلة كذابين وكنت أتعبهم بمناكفاتي وطولة لساني وصحتي، لأنهم كانوا مرضى بالضغط والسكر فكانوا لا يستطيعون مجاراتي وإفحامي، بل أن بعضهم تأتي عليه أيام ووجه محمر ويشير علي بعدم فتح أي موضوع فالأمراض لا تساعده على النقاش. في ذلك اليوم المشهود استلمت الجريدة السماوية اللون واسمها "الشرق الجديد" وبدأت أقرأها وأنا اتبسم من اسلوبها الساخر في نقد الأنظمة العربية، بل أنني رميتها ولم أستطيع أن أكملها من كثرة الضحك خشية أن يسئ الظن بي الزبائن الذين حولي. سألني عبد الوهاب الفتال ما رأيك بها، قلت صحيفة قذره وصاحبها أقذر منها وشكله مبتز، ينقد دول الخليج بالذات ويتناول الأمور الشخصية ولو عطوه المال لقبل أيديهم وقفل المجلة أوجعلها تمجد بهم ليل نها. زعل مني عبد الوهاب وحاول التبرير والتماس الأعذار لنهج الصحيفة ولكن كنت أحاججه وافحمه في كل مرة. في المساء وأنا أتصفح ما بقي من جريدة الشرق الجديد وأنا ممدد على السرير نظرت في العمود الذي يكتب به معلومات عن الجريدة وصاحبها أو رئيس التحرير واكتشفت ويا للعجب أن اسمه "عبد الوهاب الفتال" هاهاهاهاهاها، يعني كنت طول النهار في قهوة الفكر العربي أسب في الرجال في وجهة المغسول بمرق ولم أكن أعلم،،،، ازددت ضحكا على ضحك وسقطت من السرير من كثرة الضحك وأتى أخي المريض يقول خير وش ضحك المجانين هذا، قلت تعال أعطيك السالفة، قلتها له من هنا، وفطس المسكين من هنا رغم المرض والآلام التي به.
في أحد الأيام اللاحقة صادفت عبد الوها الفتال عند "قهوة الفكر العربي" وحاول يتجاهلني وقلت له يا عم عبد الوهاب تعال أنا فهمت حكاية دفاعك المستميت عن الصحيفة، يا أخي قولي أنا صاحبها وريحني، قال خلاص عرفت اني صاحبها، اش رايك الحين، قلت رأيي زي ما قلت لك، ابتززززززززززاز. أخذني على القهوة وقال شوف يا عمي ولا ابتزاز ولا شي، أنا رجل سوري كنت عايش عندكم في الشرقية في وزارة التعليم، كرفت لين طلعت ريحتي ما كنت قادر اعيش لآخر الشهر، الآن اشتم جهة معينة أو المح اني بشتمهم يجون يعطوني فلوس من فلوسهم الي يسرقونها، يعني الي سارق من حرامي مثل الي وارث من أبوه. بس بصراحة قالي مرة على شيئ للآن ماني متأكد منه، قال إن بعض موظفي السفارات يزودونه بمعلومات يقول هدد في أحد الأعداد بانك ستكتب عن الموضوع الفلاني في العدد القادم، ويعطونه بعض الأدلة للتهويش، ولما يكتب التهديد، يجون موظفين السفارات وعندهم ميزانية معينة لشراء ذمم أمثاله، فيعطونه جزء من المال ويأخذون جزء، وكانهم أعطوه المبلغ كامل لكي يخرس ولا يفضحهم، فأصبح هذا العمل مصدر دخل اضافي لموظفي السفارات، بل أنه لو تلكأ عن الكتابة للكزوه حتى يستنهض الهمم وتبدأ عملية النهب والإحتيال.

بعيدا عن الفتال، وهو على فكرة رجع لسوريا الآن وأرى في كتابته في الانتر نت أنه بدأ يتوب لله بعد أن كسب ما كسب، غفر الله له ولنا، كنت دوما أحب أن أجلس على النافذة المنيفة في الدور الثاني من العمارة التي أقطن بها، وأفتح الشباك بعض الشيئ فينعشني الهواء البارد، حيث يحلو لي القراءة كتابا كتابا، وقد أختلس بعض نحو الأسفل أرقب المارة الذين لا ينقطعون في هذا الشارع الذي لا يهدأ ليلاً نهارا. في الجهة المقابلة من عمارتنا وفي شقة مواجهة لنا تماما، كانت هنالك إمرأة برونزية اللون تقوم كل يوم بالتريض مع كلبها الصغير من نوع بودل، كانت ترمقني بنظرات وابتسامات غاية في الروعة، فلونها البرونزي مع أسنانها البيضاء كأنها قطاف الثلج منظرا لم أكن متعودا عليه البتة، وأنا لازلت رغم مرور بضعة أشهر أعاني شيئا ما من الصدمة الثقافية خاصة من ناحية الجنس اللطيف.
في أحد الايام كنت عائدا لتوي من المدرسة، ورأتني فحيتي باللغة العربية وقالت شو ما بدك تبطل قراية عى الشباك، عامل حالك عبد الحليم حافظ. يا ساتر طلعت عربية، ابتسم لها وبصوت سعودي مصلوخ ومتهدج، قلت لها جنابك عربية، قالت يا عيب الشوم ولو عربية أبا عن جد، أنا اسمي جاكولين من لبنان، تشرفنا أنا نديم، من مدينة العمال في الدمام، شارع أبو مية،قصدي من السعودية.
سألتني شو بتعمل هون وشو العجئة في شئتكن، قلت لها على السالفة والعجئة، تعرفين سكان الجزائر كثير وبعضهم هاجر لشقتنا بحثا عن المأوى!!، ضحكت وقالت الله بيعين. مشيت معها قليلا وعندما لمحت لي لشرب فنجال قهوة، تذكرت حكايتي الأولى وقعدت أقز فيها قز لأتأكد إنها إمرأة حقيقية ونسيت نفسي بعض الشيء، فقالت لي شو بك نديم، بشو سرحان، قلت لا لا، بقلك على حكاية بتفطسك من الضحك بس بعدين. جاكلين أو جاكو كانت تشتغل في محلات ماكس مارا، يعني بنت كلاس عشان كذا بدل قهوة الفكر العربي الفاشلة أخذنتني إلى مقهى في فندق رتز والذي اشتراه في تلك الفترة النصاب الدولي محمد الفايد، صاحب محلات هارودز الشهيرة وصاحب شركة هاوس أوف فريزر. استقلينا تاكسي وشربنا شاي في بهو الفندق وأشارت لي إلى مقعد جميل محاط بحبال حمراء كسياج وسألتني تعرف لمن هيدا الكرسي، أجبت لا، قالت هيدا الكرسي محجوز منذ العام 1955 لمهراجا هندي، لأنه جنابه أتى يوما من الأيام لشرب الشاي فلم يجد مقعدا متوفراً فقام بحجز المقعد إلى الآن ليستخدمه متى ما شرف. يا ساتر، يعني حوالي ثلاثين سنة سجن، قصدي حجز، يا الله، والله لندن فيها غرايب وعجايب، وإلي عنده فلوس يقدر يسوي فيها أشياء كثيرة ما تخطر على البال هنا. والمهراجا يا ساده يا كرام هم ملوك الهندوس القدماء الذين بدأو بالانقراض حاليا ولم تعد لهم صلاحيات سوى صلاحيات شكلية، وهذا الكرسي قد يكون أهم صلاحياتهم في الوقت الحالي والله أعلم.

في اليوم التالي اتصل بي أخي من السعودية واخبرني بأن شخص كويتي عزيز عليه سوف يأتي إلى لندن ويرغب في لقائنا لأنه سوف يكون لوحده ويرغب في أن يجد أحد ليقضي وقته معه خاصة وأننا في وسط الخريف ولا يوجد الكثير من العرب هنا. هذا الشخص قد يعرفهو الكثير منكم، وسوف أسرد قصته معي أو معنا ومن أول لقاء معه في لندن، إلى أن... سأترك لكم القصة:

اسمه تعس كويتي الجنسية (لا يزعلون الأخوان الكويتين، كلنا أهل بس عشان اوضح القصة)، استقبلته في مطار هثرو وكان يبدو عليه الذكاء الشديد والفهلوة، يعني بلغة الكويتين كلكشجي. رغم أنه كويتي كان معاه كما أخبرني بطاقة هوية الخطوط السعودية استخدمها للحصول على خصم في فندق انتركونتننتال في البارك لين. كنا نجلس طوال اسبوعين في بهو الفندق فترة الظهيرة مع بعض الأصدقاء من المغرب وتعزف لنامرأة ا على البيانو اغنية أهواك وأتمنى لو أنساك وجلسات جميلة نتجاذب بها أطراف الحديث ونحدق في المارة في الهايدبارك أو في شارع الباركلين. كان الرجل كريما ، ورغم طريقة الخصم التي استخدمها في الفندق إلا أنه كان ينفق بكرم حاتمي، لكن في بعض الأحيان عندما أقول له هيا نتمشى في البارك لين، يخرج معي وبعد مدة بسيطة يقول لي يجب أن لا نمش كثيرا فأنا أخاف على حذائي تراه غالي، أخاف عليه من كثرة المشي كان حذائه من جلد النعام. تعجبت من بعض تصرفاته المتناقضة، ولكن لتتعجبون أكثر مني أتعلمون ماذا أصبح هذا الشخص بعد حوالي عشرة سنوات من تلك المقابلة، لقد حصل على الجنسية السعودية، بمساعدة منا، وهو يعلم ذلك لو قرأن هذه القصة، وأصبح من أغنى أغنياء العرب بسرعة صاروخية تدور حولها علامات استفهام كبيرة جدا. وتطورت العلاقة معه مع الأيام والسنون وأصبحنا بعد ذلك مثل الأخوان أو أكثر، وكان كل سنة يضحي بأحد من أعز اصدقائنا المشتركين، بل أنه عندم يبطش يبطش جبارا ويلاحق الناس حتى في لقمة عيشهم ليتأكد من انتقامه منهم وأنهم لن تقوم لهم قائمة. يعز أصدقائه في البداية كثيرا، وبعضهم كما رأيت وعاشرت لاحقاً أغتنى من وراءه وكان يلبس الساعات الالماس وسيارات الفيراري والبنتلي في لندن، وعندما غضب عليهم، هوى بهم إلى الأرض، أحدهم فلسطيني كان من أقرب الناس له يركب الطيارات الخاصة، ويعيش عيشة الملوك، لما غضب عليه أتى يوما يبحث عن سلفة ليشتري دفاتر وشناط المدرسة لأبنائه.
من حبه لنا أنا وأخي الكبير، أنه في أحد الايام كنا قادمين إلى لندن واستقبلتنا مندوبة عن أحد شركاته داخل الصالة الخاصة، وفي الخارج مرسدس ليموزين سترتش، وسكنا في عمارته الوثيرة في 74 بارك لين، وسعرها في اليوم الواحد 4 آلاف جنيه. وفر لنا بطاقات ائتمان لم نكن بحاجة لها، ولكن أتت لنا كهدية مقابل خدمات تعد بالملايين له، صرفنا منها حتى وصلت مئات الألوف، قد يسأل أحد وهل يعقل بطاقة تصل مئات الألوف، نعم لأنه هو من يأمر بفتح السقف الإئتماني لها. وعندما حانت ساعة الصفر وبدأت الحالة السادية تتوجه نحونا قام بشكوانا للحقوق المدنية للدفع أو السجن. تفجأت لما رأيت الإستدعاء من الشرطة وذهبت إليهم لعله خطأ من أحد الموظفية وأن تعسأ لا يمكنه عمل ذلك، لكن تأكدت أنه الشكوى منه شخصيا ورايت تعنت الضابط في شرطة الظهران، وكأنه يريد أن يدخلني السجن، وقال بالحرف الواحد تدفع الآن أو السجن، قلت له هل هذا حكم منك من أول لقاء أدفع أو السجن، قال نعم، قلت هل تعتقد أني قادم ومعي مبلغ بمئات الألوف رد هي مشكلتك. عندها أيقنت أن انفلونزا تعس قد ألمت بنا، وعرفت أنه بدأ بشراء الذمم كما رأيت من قبل ليتمتع بمنظرنا خلف الأسوار أو ليذلنا، فأنتفظت أمام الضابط وقلت بأعلى صوتي له إذا كان تعس قد إشتراك بامواله فهو لن يشتري نايف بن عبد العزيز، والله لأخرج من هنا وأتجه للرياض مباشرة لنايف بن عبد العزيز حفظه الله وأقول له ما سمعت منك وأنا أتهمك لحماسك ومحاولتك إدخالي السجن دون وجه حق، وأتحداك وأتحدا من خلفك أن تدخلني السجن الآن. تفاجأ الضابط من ردة فعلي الصاخبة خاصة أنني انفجرت غضبا أمام المراجعين الذين غصت حلوقهم من طريقتي في تأديب ذلك المتخاذل، فخرجت لمدير شرطة الظهران ولم يقل لي الضابط شيئا، وكان مدير الشرطة الذي اتجهت اليه على ما أعتقد المقدم سعيد الزهراني، إن شاء الله الاسم صحيح، وكنت في بادئ الأمر أعتقد أنه سيكون شريك له، لأني أعرف تعسا وألاعيبه، فأحببت أن أتأكد بنفسي. لكن عندما تناقشت معه لم يكن يعلم المسكين شئيئا وهدأ من روعي وقال أنت عليك قضية مالية إعتيادية ولك الحق في التعامل كما يفرضه القانون، واذهب واحضر المبلغ براحتك. خرجت من شرطة الظهران وكانت تلك الأيام لا توجد جوالات بل بياجر، ومن عنده بيجر فقد كان علية القوم الذين يشار لهم بذي بيجر، أو أبا بيجر. المهم مالكم بالطويلة أصبحت تأتيني عشرات المكالمات على البيجر كالسيل لا يتوقف، ارقام تبدأ من الدمام والظهران والخبر، وعند اتصالي بها عرفت أنه من قبل أذناب تعس (عليه من الله ما يستحق، قصدي الله يسامحه) فهو لم يتوقع ردة فعلي العنيفة، ويطلبون مني حل الموضوع بشكل ودي. أحيه ياودي خفت من نايف يا باب، غصب عنك تخاف من عمك، تحسبني مثل ربعك إلي خسفتك فيهم، أنا أخو نورة يا تعس. بعد كذا رحت لقصره عشان أقابله، وأقوله إنه مهو معاي الغبي يتصرف كذا، قبل ما أعرف اسرارك أو فضايحك، ماني ضعيف تخوفين بالشرطة يا بابا، لأن الحرامي إلي يخاف مهو الشريف. عند باب قصره جاو السيكورتي يفتشوني يحسبون عندي سلاح، قلت لهم أنا ما عندي سلاح أنا مان مجنون أنا بدخله بثوبي وهو يعرفني أنا بقابله إذا فيه ذرة رجولة. لم يقابلني إلى الآن من العام 1996. بل أنه لوضاعة وكل مدعي من قبيلتي علي في الشرطة لتشويه سمعتي، ولكن ابن قبيلتي ماذا تحسبونه قد فعل، عمل معي اتفاق بصفته الوكيل عن تعس، على أن أدفع سبعمائة ريال حتى ينقضي المبلغ يعني انتطر يا حبيبي حوالي 25 سنة،. أبي عندما علم بالمشكلة حول المبلغ كاملا إلي ولم يعلم أني وصلت لحل ولم يعلم أني استطيع الدفع اضعاف المبلغ ولكن المسألة لم تكن مسألة فلوس.
والمحظوظ من أتعض بغيره، فلو تعلمن أن تعسا الآن محجوز عليه وعلى أمواله لأنه لم يحمد النعمة أو قد تكون دعاوي خلق الله عليه، وغيه وضلمه لعباد الله. لكن لكي أكون منصفا، فالرجل له تبرعات كثيرة في المجالات الخيرية والعلاج ومساعدة المحتاجين وبناء المساجد، لكن مبتلى بمرض متأصل به وهو الساديه وقد وقع في شر أعماله. مرة أخرى وللعيش الذي بيننا ولأني بطبعي متسامح أتمنى من الله أن يفك كربتك ويعيد لك راحة البال، وأعلم بأن الحياة حق للجميع ولا يجب أن تصادر حرية أحد لأن عندك الأموال. تذكر عندما كنا نسير سويا في لندن في البارك لين وفي ريجنت ستريت. تتذكر عندما كنا نريد أن نشترتي سرج للخيل التي لديك، وعندما قال لك البائع جرب السرج وركبت بالمقلوب، فخرجنا نذحك مثل المساطيل على غبائنا، وكلمتك التي لن أنساها، مسوين روحنا عيال نعمة وحنا عيال فقر، الا تذكر رحلتنا إلى ألتون تاورز مع شركة نيفرتيتي وصاحبها المصري العجوز الطيب، لما عزمتك على الرحلة وكنت تقول (هذي الينة الينة "الجنة") مانت مصدق روحك من الطبيعة والجمال، تذكر والأوقات الجميلة لما كنا نروح نسهر في stringfellow لما شفت joan collins الممثلة المشهورة في مسلسل Dynasty وبغيت تجيب مصيبة لنا لو ما فكيناك من البدي قارد. ليتك ترجع لأيام البساطة ونرجع نسافر ونجلس في بهو فندق انتركونتنتال نشرب الشاي الإنجليزي بعد الظهر مع البسكويت ونسمع أغنية أهواك وأتمنى لو أنساك.

يتبع

علي آل جبعان
22-03-2010, 03:34 PM
أحي فيك هذا الطرح ,
وطولة البال ,
وجمال السرد القصصي الممتع مع تحفضي على بعض السرد الذي
ألمحت فيه إلى بعض الشخصيات التي أثريت بها طرحك ..
؛؛؛؛
أخي الغالي
نديم
هناك مذكرات لندنية
في بعض المنتديات
أمثال المسافرون , ملتقى الأسد للحوار
ما علاقتك بهذه العناويين والمعرفات التي تتحدث عن هذه المذكرات مع تحفظي على بعضها؟؟ّّ!!

ودمت بودّ

نديم الهوى
22-03-2010, 07:02 PM
السلام عليكم أخي علي آل جبعان

أشكر لك الإطراء الذي يعني لي الكثير والله، بالنسبة للمذكرات هذه فهي خاصة بي، وقد بدأتها في منتدى المسافرون العرب باسم الطريق إلى لندن. توقفت عند الحلقة 18 لسببين في ذلك المنتدى. أولا لعدم إعطاء حرية كاملة للتفاعل مع القراء والكاتب، ثانياً لوجود مباحثات مع بعض دور النشر والتي تسير بشكل بطيء جداً.

القصة قد تكون نقلت لمواقع أخرى تحت اسماء وهمية، لكن الفيصل في اكمال القصة، أو التعليق على بعض التساؤلات التي تكون ضمن الأحداث، ويمكني الإجابة عليها أو توضيحها، بينما الناقل ليس لديه الوقت للتعليق أو حتى لتفسير بعض الغموض في القصة


شكرا لك وأتمنى أن تعجبك المذكرات

نديم

نديم الهوى
25-03-2010, 07:52 AM
الحلقة السادسة



في أحد الأيام الشتوية وأنا أتناول الكستناء التي كانت تشوى فوق عربيات منتشرة بكثرة في تلك الأيام في البيكاديلي سيركس وهي تعتبر صرة لندن وتربط أهم الشوارع بعضها البعض، مثل ريجينت ستريت المليئ بالمحلات الراقية والمفضل لدى الملكة اليزابيث الثانية للتسوق، وشارع البيكاديلي، ومنطقة الويسد اند الشهيرة وليستر سكوير ومنطقة سوهو المليئة بالمواخير، لمحت شخصا أعرفه حق المعرفة اسمه "وسيم مذاكر"، وسيم ابن عائلة سعودية راقية تمتلك الشركة السعودية للدفاتر والتسويق ومجموعة شركات "تحت السواهي دواهي" تضم مجموعة متعددة من الماركات العالمية، وهو مسؤول عن الشركة في المنطقة الشرقية. الولد بدأ العمل من الصفر في بزنس العائلة وكان يذكر لنا أول ماتم توظيفه في الشرقية قادما من جدة أنه بدأ العمل بمرافقة العمال لتوزيع الدفاتر على مدن المنطقة الشرقية وفي عز الحر دون مكيف لمدة ثلاثة أشهر، ينام في القهاوي أو المساجد، حتى أثبت وجوده لأجداده فأصبح المدير العام بعد سنة واحدة فقط. أما أجداده فكانا كتاب درجة ثالثة أو رابعة، لكنهم أصحاب بزنس درجة أولى، أصبحو معارضين أيام الملك فيصل وذهبا للعيش في لبنان، وبعد مدة وظفهم كمال أدهم مدير الاستخبارات وفتح لهم دفتر وجه ووجه في لندن بمئة مليون دولار ليكون بوقا سعوديا يعمل يشتغل على النفط ليخرس جميع الأبواق التي كانت تعمل على الفحم الحجري، وهو ما حصل بالفعل. سلمت على وسيم وقلت وش إلي جابك وسط الشتاء إلى لندن، أخبرني بكل زهو أنه قادم من البرتغال بعد أن فتحوا أكبر مصنع في العالم لتعليب السردين. رحبت به ورافقني للشقة وتغدينا سويا، وفي الليل قال نريد أن نذهب ونغير جو، قلت حلو، الليلة ويكيند بكلم جاكو، إلي وافقت سعيدة وكلمت صديق لي اسمه مسفر وصاحبه المغربي. تقابلنا في محطة البيكاديلي سيركس في الساعة العاشرة مساء واتجهنا نحو ملهى هيبودروم في الركن المواجه لمحطة لسترسكوير، والمكان مصمم مثل ملاعب كرة اليد أو الطائرة المغلقة، أي أنه مكون من دورين حيث يمكن لمرتاديه الجلوس في الأعلى. طلب كل منا بعض من السندوتشات والعصيرات بينما لم يطلب وسيم شيئا، ومن وقت لآخر كنا نتجول في أرجاء الملهى وفي تلك الأيام كان المكان مليئ بالبانكس وهم الشباب الثائرين على كل تقاليد وخاصة في المظهر، فترى وجوههم وقد لطخت بالألوان البراقة والمخيفة وقصات شعورهم مثل سنام الديناصورات ولا يهتمون بالنظافة الشخصية البتة، وقد بدأت حركة البانكس في السبعينات وانتهت على نهاية الثمانينات الميلادية، كنا نقوم بالتصوير معهم ، وعندما رآها أحد أصحابي في السعودية لم يستغ هم وقال هؤولاء هم حطب جهنم. رجعنا لطاولة الطعام ولم نجد أثر للطعام ولا للعصير فطلبنا المزيد ضنا بأنه قد تناولها بعض المساطيل هنا أو بعض البانكس، بالرغم من أن البانكس أناس مسالمون. بعد مدة أخبرتني جاكو بشئ غريب وقالت، دخلك هيدا وسيم ابن عيلة زي ما خبرتني، أجبتها نعم وبكل تأكيد، قالة ييي شبه عم ياكل آكلنا ويزلط العصير زلط، قلت مش معقول يا جاكو تظلمين الرجال، قالت تعا وشوف بعينيك. قطعا لم أصدق ما سمعت لمعرفتي بمن يكون وسيم، لكن جاكو وضعت خطة محكمة لكي أرى بعيني، نزلنا للدور الأرضي والذي توجد به طاولتنا وطلبنا أشهى المأكولات والعصيرات مرة أخرى وآخر مرة، ولم نأكل أو نشرب سوى القليل منها، وابتعدنا ونحن بين ضحك وحنق عليه للدور الثاني وبدأنا بعملية المراقبة عن كثب، بقينا في الأعلى للحظات وشاهدنا وسيم ينظر يينه وشماله بارتاك ، ثم ينقض كجارح على فريسته لياتي بزمن قياس على جميع السندوتشات والعصيرات ولم يبق سوى قطمير هنا وهناك لنا، لا ينفع حتى لذر الرماد في العيون. تأكدنا الآن أن وسيم يستحق أن نخلع عليه اسم اشعب وبطن اكبر من ملعب وأنه رجل مستلطخ، والذي أغاظني أكثر أنه ولد نعمة، بش وش نسوي بها البلشة، وقد فضحني قدام جاكو وبقية القروب. قال مسفر لدي الحل، قلت هات ماهو، قال أنا سوف أؤدب صاحبك المستلطخ بس عطني محفظتك، قلت ليه محفظتي، قال بقلك بعدين أنت تستحي بس أنا ما بستحي منه، أعطيته المحفظة وبعدين فتشني لقى بعض الباوندات وأخذها. أنهينا الحفل بسرعة واقترح مسفر أن نذهب إلى مطعم فخر الدين الراقي في البيكاديلي لنتعشى عشاء فاخر وليس سندونتشات لا تسمن ولا تغن من جوع، وافق الجميع وكان أكثر المتحمسين وسيم، لأنه رأى عرضا مغريا جديدا. وصلنا فخر الدين وطلبنا مقبلات مما لذ وطاب، كبة نية لأول مرة آذقها في حياتي واستمريت عليها للآن في المحلات الراقية فقط لأنها لا تأكل في المحلات غير النظيفة، وطلبنا جميع المشويات اللبنانية التي تكفي لعشرة اشخاص وحلى وغيرها ولم نأكل نصف الطعام، عند الحساب قال لي مسفر نديم هل يوجد لديك المال للدفع، عندها عرفت مغزى مسفر من أخذ محفظتي حتى لا أنحرج وأظطر للدفع، قلت والله ليس في جيبي بنسا واحدا، قال وأنا كذلك لقد صرفت جميع ما لدي في الهيبدروم، نظرت لوسيم وكأن أباجورة المطعم وقعت فوق رأسه وأخذ يشرب وكأنه يتجرع السم، بعد أن عرف المقلب المرتب بدقة من مسفر، وأخرج من جيبه بطاقة أمريكان اكسبرس ذهبية بيد ترجف رجف المكينة، وعندما سحبت البطاقة على الجهاز أصيب جسمه بقشعريرة وضحكنا عليه حتى الثمالة. عندما عدنا في التاكسي نحو سكن مسفر كنا نغنيى ونرقص في التاكس، ابعاد كنت ولا قريبين المراد انكم دايم سالمين، ووسيم ضارب بوز وفي وادي آخر تماما. وعندما توقف التاكس كان الحساب ستة جنيهات، وقال يا الله يا نديم ويا مسفر كل واحد 2 باوند عشان ندفع ستة باوند، ضحكنا وقلنا يا حبيبي قلنا لك ما عندنا فلوس، فلوس ماكو، قال يا حبيبي خلاص المقلب وأكلتوني إياه من الحين ورايح فيفتي فيفتي، انفجرنا في الضحك عندما اعترف بكل صراحة وقلت لمسفر وجاكو يا عمي هذا ولد جدة ما تضحك عليه إلا برضاه، عطيني محفظتي يا مسفر.

علي آل جبعان
25-03-2010, 04:54 PM
الحلقة السادسة


أما أجداده فكانا كتاب درجة ثالثة أو رابعة، لكنهم أصحاب بزنس درجة أولى، أصبحو معارضين أيام الملك فيصل وذهبا للعيش في لبنان، وبعد مدة وظفهم كمال أدهم مدير الاستخبارات وفتح لهم دفتر وجه ووجه في لندن بمئة مليون دولار ليكون بوقا سعوديا يعمل يشتغل على النفط ليخرس جميع الأبواق التي كانت تعمل على الفحم الحجري،

لا زلنا نتابع مذكراتك اللندنية التي عشقناها من خلال
طرحك الراااائع ..
؛؛؛؛
لكن أخي الغالي
لدي تسأل ماذا يعني أجداده من الدرجة الثالثة أو الرابعة ؟
!!!!!!!!!
اللاحظ أن أصدقائك من الطبقة المخملية في كل مذكراتك السابقة يا نديم الهوى هههههه
؛؛؛
شكرا وسر على بركة الله ؛؛؛

ودمت بودّ

نديم الهوى
25-03-2010, 06:47 PM
السلام عليك أخي علي

أنا كتبت أجداده كانوت كــــــــــــــتاب من الدرجة الثالثة أو الرابعة

بالنسبة لأصحابي أنهم من الطبقة المخميلة،،،،نعم جزء كبير منهم ولكن جلهم من الطبقة المتوسطة والدنيا،،،، وأنا أعتبر نفسي من الطبقة الوسطى. لكن لو تتابع القصة للأخر بتشوف (كفاحي) خخخخخ، قريب من كفاح أبي بس مودرن على خفيف.

طبعاً كأني أتكلم ألغاز،،،، بس تابعني وبتشوف سوالف غريبة عجيبة، بعضها لو قصها علي أحد لوجدت صعوبة في تصديقة.

تحياتي لك يا الغالي

نديم الهوى
26-03-2010, 06:57 PM
الحلقةالسابعة



كما أن لندن جميلة وتتنوع فيها مباهج الحياة، إلا أنها تعج بالنصابين والأفاقين وبعضهم حرام والله يكونون فيها، فهم يشوهون ديكور لندن الجميل ويسيئون للذوق العام. في أحد الأيام وأنا أتناول إفطار الصباح مع صديق يمني شمالي اسمه قاسم يدرس الطيران الحربي "أيام اليمن يمنين ونص" في محل شاورما بالكوينز واي الموجود بجانب محل التزلج على الثلج، وجلس بركن غير قصي عنا رجل بطيني ضخم يلبس ثوبا بني اللون وشبشب حمام وأنتم الكرامة، شكله كأنه طفل ضاع من أمه فكبر في مكانه ومع الزمن انتفخ حتى شاب شعره. أثناء تناول الشاورما الساخنة الملفوفة بالخبز العربي الحار والطازج ذي العبق الشهي والمحشو بمخلل الفلفل التفاحي اللون، لاحظت وأنا أتحدث مع قاسم عن فوز المنتخب السعودي لأول مرة بكأس آسيا، أن ذلك الشخص الغريب الشكل والأطوار والشبيه بشدة بالممثل الراحل محمد رضا مشغولا باستراق السمع منا ويرقب كل كلمة نتفوه بها، بل أنه عيناه جحظتا عندما قلت بأن شريط فيدو مباراة كأس آسيا والتي فاز فيها منتخبنا عام 84 سوف يصلني غدا من السعودية مع شحنة الطائرة العسكرية التي تأتي تباعاً للملحقية العسكرية في لندن. لم يكن هنالك قنوات فضائية ولا انترنت وكان المتداول في تلك الأيام الغابرة المغبرة هي أشرطة الفيديو من نوعي JVC و VHS، لذا لم يعد مسترق السمع يكتفي بالتلصص بل قفز من منضدته وهو يرفع طرف ثوبه تماما مثل الفنان محمد رضا، ودخل بكل ما أوتي من دفاشة معنا في الحديث وبدأ بتعريف نفسه أخوكم محمد رضا السكرتير الثاني في السفارة السعودية، منورين والله، مبروك فوز المنتخب، أنا وأنا وأنا ...وأخذ يعدد مناقبه وبطولاته التي خاضها في الأحلام لما صدع رأسي. وفي نهاية المطاف سأل عن شريط الفيديو وقال ممكن نشوفه سوا، قلت ممكن جدا، بس أنا أحتاج أن أشتري جهاز فيديو أولا لكي نتفرج عليه، رد قال أنا عندي فيدو، قلت حلو، أتيت بالشريط لاحقا حسب الاتفاق وأخذه مني وقال خلاص تجون في الليل الساعة 8 نتفرج. جات الساعة ثمان وطرقنا عليه باب شقته، كان يسكن العمارة التي فيها محل الشاورما فوق الاسكيتنق، لكن للأسف لم نجد إجابة، وراح اليوم الأول والثاني وما لقينا الأخ، أخيرا رأيته في المطعم وقلت وين يا عمي اختفيت، رد علي بكلام ما له علاقة بموضوعنا أبدا " أنت شفت أحد أطيب مني؟، آذيتك بشئ؟، وأضاف أنا خطيبتي في جدة ردت لي الساعة إلي أرسلتها في البريد هدية لها، وأظهر لي الساعة من جيبه حسبتها شباصة شعر من أبو ريالين،"، والله خلاني أنسى موضوع شريط الفيديو وقلت يا أخي هذي ساعة واحد يرسلها من لندن لخطيبته، المفروض تروح بوند ستريت، وإلا هارودز وتأخذ شيء مميز، وش ذي، نعن أبوك لو جدتي شرتها من سوق الصورايخ في جدة كان ما ركبتها سيارتي، هو ما صدق إنه ضيعني بالكلام، وقال خلاص بسمع نصيحتك وأروح اشتري لها ساعة الآن من بوند ستريت، مع السلامة. لكني استدركت إنه ما رد لي الشريط، وتأكدت انه أفاك أثيم، قلت كلمة واحدة بترد الشريط وإلا لا يا محمد يا رضا، قال "أصله علق في الجهاز والجهاز عند المصلح" ما خليته يكمل، وتركته يذلف وهو رافع ثوبه كأنه كرته ، بس عرفت وش دواه هالخرتيت.

في اليوم الثاني رحت للسفارة السعودية وقابلت السفير وقلت له على حكاية السكرتير الثاني وكيف شلح علينا شريط مباراة المنتخب، وأنه لم يعيد الشريط، تعجب السفير كيف من الممكن لسكرتير السفارة أن ينزل لهذا المستوى من التعامل مع الناس، لكن بحنكته وخبرته قال لي لا تنبس بشفة واتبعني نذهب لمكتبه، دلفنا لمكتب السكرتير الثاني المزعوم ورأيت إنسان يختلف تماما عن محمد رضا المأفون، رأيت إنسان محترم ومهذب اسمه سليمان المتروك، وقدمه السفير لي وقال، هذا الأستاذ سليمان سكرتير السفارة الثاني وهذا نديم ولد أبو نديم، تعارفنا وتبادلنا المجاملات ثم ما لبثنا أن عدنا لمكتب السفير، وقال لي بابتسامة تعلوها الشفقة علي، أكيد ليس الشخص الذي تبحث عنه، قلت طبعا وش جاب الثرى للثريا، هذا شكله محترم هذاك أصالا استغربت يكون سكرتير ثاني أو سكرتير في مدرسة، سألني ما عرفت اسمه أو أي شي يدل عليه، قلت اسمه محمد رضا، رد اش قلت، محمد رضا، الله لا يعطيه العافية، روح يا ابني انزل تحت في القبو وناده لي، نزلت وتحت الدرج لقيت محمد رضا لابس طاقية لها أذنين وفي أعلى الأذنين كرة صوف منتفة كي تقيه من قسوة البرد في القبو، وسرعان ما حاول الهروب مني عندما لمحني قادم إليه واتجه نحو حمام صغير يصنعه الانجليز عادة تحت الدرج أو يستخدم أحيانا كمخزن، تبسمت من شكله وهو يحاول الفرار وقلت تعال يا سكرتير الغفلة وكلم السفير يبيك ضروري، طلع ويقول أنت وش سويت، شكلك خربت بيتي، في ستين داهية المنتخب والشريط ووو، دخل على السفير وقال له جملتين فقط، نقلناك للعمل في غينيا بيساو بعد شهر جهز حالك، بس لا تنس ترجع الشريط لنديم قبل ما تسافر،،، ورجع الشريط لي في نفس اليوم مساءً، وأصبح محمد رضا يلطم ويولول ودعاني للعشاء في مطعم إيراني في أيرلز كورت وهي منطقة يسكن بها ويملكها الكثير من أخواننا من دولة قطر الحبيبة لقلبي، وطلب مني أن اشفع له عند السفير، كسر خاطري الصراحة ما كنت ناوي أسبب له أي أذية بس هو السبب. رحت للسفير بعد يومين وقلت له سامحه عشان خاطري، رد علي إلي سواه انتحال شخصية مهمة في السفارة وأنا ماني رايح أنقلة أنا عندي عجز في الموظفين، بس خليه يخاف شوي عشان يتوب، رحت بسرعة بشرته، وهو ما صدق راح لكبينة تلفونا لندن الحمراء واتصل على أمه الست فتو وقال يا ماما باركيلي، ماني رايح أكون سفير في غنيا، أنا بكمل سكرتير أول في السفارة في لندن!!!!!.[/size]

نايف بن جليد
26-03-2010, 11:28 PM
الاخ العزيز
نديم الهوى

بداية هناك توافق عجيب فيالمسميات..فإسمي المستعار في المنتديات
الاخرى "نديم الحرف"

لقد شدني وأعجبني وراق لي طرحك وأسلوبك في سرد الأحداث ...وقد إطلعت على كامل
المذكرات في منتدى العب المسافرون ...وقد إنهيتها في 18 ساعه تقريبآ
وقد حزنت أيما حزن على عدم إكمالها ...وقد إستفدت منها كثير...خصوصآ أني أنوي أبتعث
لإكمال الدراسات العليا .....وكل التوفيق والأمنيات أن أرى هالمذكرات منتشرة في مكاتبنا...فهي تستحق ذلك

======
لقد عشت أجواء القصه كامله...بل وكأني معك في تجوالك وترحالك
ولقد أعجبت بشخصية والدك ....الله يخليه لك...ويخليك له...ويمتعكم بالصحه والعافيه

فقد ضحكت كثيرآ مع أحداث مجله عبدالوهاب
وحزنت بل دمعة عيني حينما قرروا الأطباء بوفاة أخيك
وتضجرت من تعس الكويتي مع أقرانه
وغيرها الكثير والكثير من الأحدااااث الراااائعه والممتعه
خصوصآ مع شفاء ودبي

ولدي بعض التساؤلات...ولك الأحقيه بالإعتذار عن الاجابه

لماذا لم تكمل بقية المذكرات..؟؟
لاحظتك تبني علاقاتك وصداقاتك بسرعه غريبه؟؟هل هي ثقه أم طبيعه..؟؟
هل سأرى مذكراتك قريبآ في المكتبات والأسواق

لك خالص شكري وودي

مشاري بن نملان الحبابي
27-03-2010, 02:38 AM
إبداع أخي نديم الهوى ..

واصل في نشر بقية السلسلة ..

في انتظار الحلقة الثامنة ..

نديم الهوى
29-03-2010, 08:49 PM
نايف بن جليد شكراً لك على الإهتمام بالمذكرات وأحمد الله أنها أعجبتك،،، لم أكملها في ذلك المنتدى لأسباب كثيرة، وقد أكملها هنا إن شاء الله،، وأتمنى لك التوفيق في الدراسة

مشاري بن نملان الحبابي، يشرفني استمرارك معي من بداية المذكرات،،، وأرجو أن لا تقعطنا يا الغالي من تعليقك على كل حلقة،،، تحياتي لك





الحلقة السادسة


كلما قلبت ألبوم الصور يزداد حنيني لتلك الأيام الصافيات، فلدي مئات من الصور التي التقطتها داخل الحدائق الجميلة الغنية بالورود والأزهار بكل ألوان الطيف، وأجملها الصور التي التقطتها أثناء رحلات مدرسة اللغة مع أقراني الطلاب من جميع أنحاء العالم. بعضهم من فرنسا وايطاليا وسويسرا ومن أمريكا الجنوبية وعرب وكل الملل والنحل. صورنا جميعها دون استثناء تعلوها الابتسامة وتتجلى فيها السعادة بوضوح، لم أجد صورة واحدة فيها تكشيرة أو عبوس كبقية الصور الأخرى التي التقطها لأصحابي هنا في السعودية، حتى لو كانت في حفل زفاف لا تفرقها عن صور العزاء. في أحد الأيام درسنا قصة عن روبن هود، وهو شخصيه إنجليزية تمثل فارسا شجاعا طائشا وخارجا عن القانون، عاش في العصور الوسطى وكانت لديه براعة في رمي السهام، يعيش في الغابات ومهنته سلب وسرقة الأغنياء وإطعام الفقراء. فقررنا بعدها التخييم لمدة أسبوع خلال عطلة عيد الايستر في غابة نوتينغهام وهي المنطقة التي كان يختبئ فيها روبن هود في العصور الوسطى. في تلك الرحلة فقط عرفت حقا معنى الحياة الجميلة، كنا نسهر ليلا حول النيران المشتعلة نشدو بأجمل الأغاني ونرقص ونشوي ما لذ وطاب من الطعام، وعندما نخلد للنوم ننظر كالأطفال للسماء الصافية والنجوم تتلألأ والقمر مرسوم بعناية إلهية، ومن حولنا في أعلى الروابي أنوار خافته تنبعث من الأكواخ العتيقة بمداخنها التي تبعث نحونا رائحة الحطب المشتعل. ننام نوما لذيذا بينما الهواء المنعش يدغدغ أحلامنا، ثم نصحو فجرا على صوت البلابل والكروان وطيور الوروار، فنجلب الماء القراح من نهر ترنت الرقراق لنعمل قهوة الصباح على الجمر فتكون ألذ فنجان قهوة لو ذاق طعمه الملوك لجالدونا عليه بالسيوف. وعندما يجهز الجميع نقوم بزيارة بعض مخابئ روبن هود التي درسناها سابقاً ونكتب بعض الملاحظات ومن ثم نقارنها بما لدينا من مواد دراسية.

أما صور المتاحف التي قمت بزيارتها سوءا مع المدرسة أو وحيدا فهي كثيرة، فلندن مدينة غنية بالمتاحف أجملها المتحف البريطاني وهو أكبر متحف في بريطانيا، وأحد أهم المتاحف في تاريخ وثقافة البشر، ويعتبر أقدم المتاحف في العالم وتأسس عام 1753 واعتمد في البداية على مجموعات العالم الفيزيائي السير هانز سلون، ويحتوي على أكثر من 13 مليون قطعة من جميع القارات. كذلك المتحف الوطني National Gallery ، الموجود في ساحة الطرف الأغر، ويسميها العرب ساحة الحمام، وللأسف ترى العرب يجلسون الساعات الطوال يطعمون الحمام ويلهون حول النوافير ولا يعلمون أصلا أنهم أمام أجمل المتاحف العالمية، فهذا المتحف فيه أكثر من 2300 من اللوحات التي يرجع تاريخها من منتصف القرن الثالث عشر إلى العام 1900. أحد اللوحات العالقة في ذاكرتي لحفلة شاي ما بعد الظهيرة، وهو تقليد بريطاني عريق تناول الشاي فيما بين الثالثة عصرا والخامسة، ويقدم الشاي مع البسكويت وقطع الكعك وسندوتشات الجبن أو الدجاج. كانت الصورة تعود لعصر النهضة أي القرن السادس عشر، وهي لوحة جدارية طولها نحو ستة أمتار وارتفاعها متران، مرسومة في الهايدبارك عند البحيرة الايطالية، وحضورها كن الكثير من الأميرات اللائي يرتدين اللباس الانجليزي التقليدي الضيق عند الخصر وينفرج بشدة حول الردفين ويزداد كلما اقترب من الأقدام بسبب استخدام أقفاص داخل بطانة الفساتين تشكل أجساد الحسناوات، وقبعات مزخرفة ويحمل عصي قصيرة كعصي راعي الأغنام ، وخلف الأميرات بعض الرقيق من شمال أفريقيا أو من الهند بلباسهم التقليدي، وتجر الأميرات كلاب صغيرة جميلة بسلاسل مذهبة. بينما ينظر للأميرات بشوق الفرسان الأمراء من أمراء اسكتلندا وويلز وانجلترا. الصورة تحكي دون كلام مدى رفاهية الطبقة الارستقراطية والتقليد الانجليزي العريق، والطريقة الإنجليزية القديمة في تعارف الأمراء والأميرات بغرض الزواج، والترف المادي في تلك الأيام، ولو تركت القلم لشرح ما تقوله تلك اللوحة لما اكتفيت بمائة صفحة. أما متحف مدام تيسو ، ويعرف عند العرب بمتحف الشمع فهو من أشهر متاحف الشمع في العالم، وأسسته مدام تيسو عــام 1761 والتي توفي والدها قبل أن تولد ، فرعاها طبيب اسمه كورتيس حيث كانت أمها تعمل لديه كأجيرة. فعلمها فن صناعة الشمع فأتقنته حتى أنشئت معرضها الخاص، وهو يحتوي على تماثيل للشخصيات العالمية البارزة في جميع المجالات . كان هنالك تمثال للملك فيصل رحمة الله في العام 1984، ولكنه قد أزيل ولا أعرف ماهو السبب، أما تمثال هتلر فلشدة كره الانجليز له وضع في مخرج الطوراىء تحت الدرج وكأنه زائد عن الحاجة.
لدي صور عديدة لها وسأحاول أن أضع بعض منها لكم ولكن أنتظر رأيكم.

أحد الصور التقطتها فجرا من نافذة شقتنا في 41 رالف كورت، وكان أحد أيام ديسمبر القارصة البرودة، عندما ذهبت للنوم بعد أن أشعلت المدفأة، وتركت الستارة مشرعة لأرقب جمال السماء ولأنظر لنافذة جاكو التي لا زالت مضيئة. لم أستمر طويلا حتى غطيت في نوم عميق أحلم أني عدت للسعودية وأنا في حوض العراوي أجربع "أطارد الجرابيع" في النعيرية والبرد الربيعي يلفح وجهي ويكاد يخترق عظمي، لكن من شدة البرودة صحوت فجأة فأدركت أني كنت أحلم، بيد أن البرد القارص جعل برودة جسمي مثل برودة دجاج الأخوين. فكرت بأن المدفأة قد تكون توقفت عن العمل، ولكني لاحظت أن الغرفة شبه مضيئة بالرغم من أن الصبح لم يحن بعد، اتجهت نحو النافذة فوجدت الشارع وقد امتلأ بالرمال التي غطت السيارات المتوقفة وواجهات المنازل. تشوش ذهني خاصة مع حلمي وأني كنت في براري النعيرية، فتساءلت، من أين إذن أتت هذه الرمال، لا ، لا إنها ليست رمال، إنها الثلوج يا نديم، اصحي يا عمي، يا الله أول مرة في حياتي أرى الثلوج حقيقية أمامي، وهذا الضوء الساطع الذي أضاء الغرفة ما هو إلا انعكاس ضوء أنوار الشارع على ندف الثلج البيضاء. وفي صباح الغد الباكر خرجت واشتريت حذاء خاص بالثلوج، وذهبت للحديقة المجاورة لمنزلي، حديقة كنجنستون والتي يوجد فيها قصر الأميرة الراحلة ديانا. أمام القصر كنا نلعب مع من نعرف ومن لم نعرف، نتقاذف بالثلج حتى مع رجال الشرطة، وصنعنا رجلا من الثلج، ووضعنا له أنف من جزر، وطاقية مزركشة واسكارف أحمر. صورة رجل الثلج تلك استخدمها الآن كسطح للمكتب. وعندما توغلت داخل الحديقة اكتشفت أن جميع البحيرات في الهايدبارك تحولت إلى ثلج يمكن السير فوقه ، حتى نهر السربنتاين تحول إلى ثلج وكانت هنالك لوحة تقول أن الغرامة تصل 200 باوند لمن يحاول أن يمشي فوقه نظرا لخطورة انكسار الثلج ووقوع الناس داخل البحيرة. الصور كثيرة، سوف أرفع بعضها عشان خاطركم
يتبع

مشاري بن نملان الحبابي
29-03-2010, 11:51 PM
مرحبا يا نديم الهوى ..

كتبت ورويت وقصصت فأبدعت في أسلوبك الرائع ..

الذي لا يشعر القارئ بالملل ..

نحن في انتظار بعض الصور لأيامك في لندن ..

وحبّذا لو كانت في موضوع منفصل في استراحة المجالس ..

حلوة دجاج الأخوين ..

أشكرك وفي انتظار الحلقة السابعة ..

@ابوريان@
30-03-2010, 12:34 AM
نديم الهوى

أرحب وحياك يالغالي وسعدت بتواجدك معنا


كانني عرفت من انت



واصل


متابع

نايف بن جليد
30-03-2010, 12:45 AM
الأخ نديم

أرجو إكمالها فهي بالفعل رااااااائعه

ولكن تساؤلاتي لم تجب عليها

لك ودي

بوماجد
31-03-2010, 05:24 PM
هلا اخوي نديم

مذكرات رائعة بصراحة واكمل الله يوفقك
وفي امان الله

نديم الهوى
01-04-2010, 09:45 AM
أخي نايف بن جليد شكراً لك على المشاركة ووالله سعدت جداً إنك قضيت 18 ساعة لقراءة كامل القصة،،، ف 18 ساعة من وقتك الثمين يبين لي أن الوقت الذي أقضيه في استرجاع الأحداث وتنسيقها لم يذهب هدراً فهنالك أناس كرام أمثالك يعطوني من وقتهم الكثير،، فهذا أفضل مقابل يدفعني لاستئناف الكتابة،،، وسوف أكمل الحلقات هنا إن شاء الله

بالنسة لنشر المذكرات،،، أنا كسلان شوي في البحث عن دور نشر،، وكذلك من قابلتهم لهم شروط لم ترق لي الصراحة،،، ولكن أتوقع أن أنشرها في أي لحظة،،، قد يكون خلال الصيف والله أعلم
شكراً لك

مشاري بن نملان الحبابي،،، شكراً لك أنت من المتابعين الغاليين من البداية

أبو ريان شكراً لك على الإنضمام لمتابعة مذكراتي،،، بس تقول كأنك عرفتني ،،، الله يستر لا تكون واحد من الديانة


الحلقة السابعة

كما أن لندن جميلة وتتنوع فيها مباهج الحياة، إلا أنها تعج بالنصابين والأفاقين وبعضهم حرام والله يكونون فيها، فهم يشوهون ديكور لندن الجميل ويسيئون للذوق العام. في أحد الأيام وأنا أتناول إفطار الصباح مع صديق يمني شمالي اسمه قاسم يدرس الطيران الحربي "أيام اليمن يمنين ونص" في محل شاورما بالكوينز واي الموجود بجانب محل التزلج على الثلج، وجلس بركن غير قصي عنا رجل بطيني ضخم يلبس ثوبا بني اللون وشبشب حمام وأنتم الكرامة، شكله كأنه طفل ضاع من أمه فكبر في مكانه ومع الزمن انتفخ حتى شاب شعره. أثناء تناول الشاورما الساخنة الملفوفة بالخبز العربي الحار والطازج ذي العبق الشهي والمحشو بمخلل الفلفل التفاحي اللون، لاحظت وأنا أتحدث مع قاسم عن فوز المنتخب السعودي لأول مرة بكأس آسيا، أن ذلك الشخص الغريب الشكل والأطوار والشبيه بشدة بالممثل الراحل محمد رضا مشغولا باستراق السمع منا ويرقب كل كلمة نتفوه بها، بل أنه عيناه جحظتا عندما قلت بأن شريط فيدو مباراة كأس آسيا والتي فاز فيها منتخبنا عام 84 سوف يصلني غدا من السعودية مع شحنة الطائرة العسكرية التي تأتي تباعاً للملحقية العسكرية في لندن. لم يكن هنالك قنوات فضائية ولا انترنت وكان المتداول في تلك الأيام الغابرة المغبرة هي أشرطة الفيديو من نوعي JVC و VHS، لذا لم يعد مسترق السمع يكتفي بالتلصص بل قفز من منضدته وهو يرفع طرف ثوبه تماما مثل الفنان محمد رضا، ودخل بكل ما أوتي من دفاشة معنا في الحديث وبدأ بتعريف نفسه أخوكم محمد رضا السكرتير الثاني في السفارة السعودية، منورين والله، مبروك فوز المنتخب، أنا وأنا وأنا ...وأخذ يعدد مناقبه وبطولاته التي خاضها في الأحلام لما صدع رأسي. وفي نهاية المطاف سأل عن شريط الفيديو وقال ممكن نشوفه سوا، قلت ممكن جدا، بس أنا أحتاج أن أشتري جهاز فيديو أولا لكي نتفرج عليه، رد قال أنا عندي فيدو، قلت حلو، أتيت بالشريط لاحقا حسب الاتفاق وأخذه مني وقال خلاص تجون في الليل الساعة 8 نتفرج. جات الساعة ثمان وطرقنا عليه باب شقته، كان يسكن العمارة التي فيها محل الشاورما فوق الاسكيتنق، لكن للأسف لم نجد إجابة، وراح اليوم الأول والثاني وما لقينا الأخ، أخيرا رأيته في المطعم وقلت وين يا عمي اختفيت، رد علي بكلام ما له علاقة بموضوعنا أبدا " أنت شفت أحد أطيب مني؟، آذيتك بشئ؟، وأضاف أنا خطيبتي في جدة ردت لي الساعة إلي أرسلتها في البريد هدية لها، وأظهر لي الساعة من جيبه حسبتها شباصة شعر من أبو ريالين،"، والله خلاني أنسى موضوع شريط الفيديو وقلت يا أخي هذي ساعة واحد يرسلها من لندن لخطيبته، المفروض تروح بوند ستريت، وإلا هارودز وتأخذ شيء مميز، وش ذي، نعن أبوك لو جدتي شرتها من سوق الصورايخ في جدة كان ما ركبتها سيارتي، هو ما صدق إنه ضيعني بالكلام، وقال خلاص بسمع نصيحتك وأروح اشتري لها ساعة الآن من بوند ستريت، مع السلامة. لكني استدركت إنه ما رد لي الشريط، وتأكدت انه أفاك أثيم، قلت كلمة واحدة بترد الشريط وإلا لا يا محمد يا رضا، قال "أصله علق في الجهاز والجهاز عند المصلح" ما خليته يكمل، وتركته يذلف وهو رافع ثوبه كأنه كرته ، بس عرفت وش دواه هالخرتيت .

في اليوم الثاني رحت للسفارة السعودية وقابلت السفير وقلت له على حكاية السكرتير الثاني وكيف شلح علينا شريط مباراة المنتخب، وأنه لم يعيد الشريط، تعجب السفير كيف من الممكن لسكرتير السفارة أن ينزل لهذا المستوى من التعامل مع الناس، لكن بحنكته وخبرته قال لي لا تنبس بشفة واتبعني نذهب لمكتبه، دلفنا لمكتب السكرتير الثاني المزعوم ورأيت إنسان يختلف تماما عن محمد رضا المأفون، رأيت إنسان محترم ومهذب اسمه سليمان المتروك، وقدمه السفير لي وقال، هذا الأستاذ سليمان سكرتير السفارة الثاني وهذا نديم ولد أبو نديم، تعارفنا وتبادلنا المجاملات ثم ما لبثنا أن عدنا لمكتب السفير، وقال لي بابتسامة تعلوها الشفقة علي، أكيد ليس الشخص الذي تبحث عنه، قلت طبعا وش جاب الثرى للثريا، هذا شكله محترم هذاك أصالا استغربت يكون سكرتير ثاني أو سكرتير في مدرسة، سألني ما عرفت اسمه أو أي شي يدل عليه، قلت اسمه محمد رضا، رد اش قلت، محمد رضا، الله لا يعطيه العافية، روح يا ابني انزل تحت في القبو وناده لي، نزلت وتحت الدرج لقيت محمد رضا لابس طاقية لها أذنين وفي أعلى الأذنين كرة صوف منتفة كي تقيه من قسوة البرد في القبو، وسرعان ما حاول الهروب مني عندما لمحني قادم إليه واتجه نحو حمام صغير يصنعه الانجليز عادة تحت الدرج أو يستخدم أحيانا كمخزن، تبسمت من شكله وهو يحاول الفرار وقلت تعال يا سكرتير الغفلة وكلم السفير يبيك ضروري، طلع ويقول أنت وش سويت، شكلك خربت بيتي، في ستين داهية المنتخب والشريط ووو، دخل على السفير وقال له جملتين فقط، نقلناك للعمل في غينيا بيساو بعد شهر جهز حالك، بس لا تنس ترجع الشريط لنديم قبل ما تسافر،،، ورجع الشريط لي في نفس اليوم مساءً، وأصبح محمد رضا يلطم ويولول ودعاني للعشاء في مطعم إيراني في أيرلز كورت وهي منطقة يسكن بها ويملكها الكثير من أخواننا من دولة قطر الحبيبة لقلبي، وطلب مني أن اشفع له عند السفير، كسر خاطري الصراحة ما كنت ناوي أسبب له أي أذية بس هو السبب. رحت للسفير بعد يومين وقلت له سامحه عشان خاطري، رد علي إلي سواه انتحال شخصية مهمة في السفارة وأنا ماني رايح أنقلة أنا عندي عجز في الموظفين، بس خليه يخاف شوي عشان يتوب، رحت بسرعة بشرته، وهو ما صدق راح لكبينة تلفونا لندن الحمراء واتصل على أمه الست فتو وقال يا ماما باركيلي، ماني رايح أكون سفير في غنيا، أنا بكمل سكرتير أول في السفارة في لندن !!!!!.

في أحد الأيام الشتوية وأنا أتناول حبات الكستناء التي كانت تشوى فوق عربات منتشرة بكثرة في تلك الأيام خاصة أيام الشتاء في البيكاديلي سيركس، وهي عربيات شبيهة بعربات الذرة في مصر وجدة، والبيكاديلي منطقة مهمة في لندن وتقع في وسطها تماما وتربط أهم الشوارع بعضها البعض، مثل ريجينت ستريت المليء بالمحلات الراقية والمفضلة لدى الملكة إليزابيث الثانية في التسوق، وشارع البيكاديلي العريق المليء بالفنادق الفخمة والمطاعم الراقية، ومنطقة الويسد اند الشهيرة بمتاجرها العتيقة من القرن الثامن عشر، وليستر سكوير الغنية بالمسارح ودور السينما والأوبرا، ومنطقة سوهو المليئة بالمواخير والنوادي الليلية، لمحت أثناء ذلك شخصا أعرفه حق المعرفة اسمه "وسيم مذاكر"، وهو يعمل أجيراً لدى عائلة راقية تمتلك الشركة السعودية للدفاتر والتسويق ومجموعة شركات "تحت السواهي دواهي" المتخصصة ببيع الماركات العالمية من الملابس، وهو مسئول عن الشركة في أحد مناطق المملكة. الولد بدأ العمل من الصفر في بزنس تلك العائلة وكان يذكر لنا أول ما بدأ العمل أنه قام بمرافقة العمال لتوزيع الدفاتر على مدن أحد المناطق وفي عز الحر دون مكيف لمدة ثلاثة أشهر، ينام في القهاوي أو المساجد، حتى أثبت وجوده فأصبح المدير العام بعد سنة واحدة فقط. أما العائلة التي كان يعمل لديها أجيرا فقد أسسها في الأصل صحفيان درجة ثالثة أو رابعة، أحدهم كان أكبر همه هو متابعة أخبار الفنانة شريهان أيام عزها أو كتابة شعر ركيك مهلهل، مثل حبيبتي أحببتها وحبتني، ولما حبتني قلت لها هيا إلى المأذون يا حبيبتي، لو صنفت شعره لجنة نوبل للمصالة والسخافة لأستحق الجائزة الأولى عن جدارة!!!!، لكنهم كانوا من ناحية أخرى أصحاب بزنس مبدعين لأقصى درجة. أصبحوا بعد ذلك من المعارضين أيام الملك فيصل رحمه الله وذهبا للعيش في لبنان، وبعد مدة عندما رجعت الأمور لمجاريها، قام كمال أدهم مدير الاستخبارات السعودية بتوظيفهم وفتح لهم دفتر وجه-ووجه في لندن بمائة مليون دولار ليكون بوقا سعوديا حديثا يعمل على النفط ليخرس جميع الأبواق التي كانت تعمل على الفحم الحجري، وهو ما حصل بالفعل. سلمت على وسيم وقلت وش إلي جابك وسط الشتاء إلى لندن، أخبرني بكل زهو أنه قادم من البرتغال بعد أن دشنوا أكبر مصنع في العالم لتعليب السردين لصالح الشركة الأم، وهو في إجازة هنا لمدة أسبوع. رحبت به ورافقني للشقة وتغدينا سويا، وفي الليل قال نريد أن نذهب ونغير جو باقي لي خمسة أيام فقط في لندن، قلت حلو، الليلة ويكيند سأتحدث مع جاكو صديقتنا اللبنانية الأنيقة، وأبدت موافقتها بعد أن عرفت من هو الضيف، وأن شركة ماكس مارا في السعودية تتبع جزء من الشركة العملاقة التي يعمل بها أجيراً، كما دعوت صديق آخر اسمه مسفر ولد الوادي وصاحبه المغربي. تقابلنا في محطة البيكاديلي سيركس في الساعة العاشرة مساء واتجهنا نحو ملهى هيبودروم في الركن المواجه لمحطة لسترسكوير، والمكان مصمم مثل ملاعب كرة اليد أو الطائرة المغلقة، أي أنه مكون من دورين حيث يمكن لمرتاديه الجلوس في كلا الدورين. دخلنا الهيبدروم وتحلقنا حول المنضدة الأنيقة وطلبنا سندوتشات وعصائر بينما لم يطلب وسيم شيئا، ومن وقت لآخر كنا نتجول في أرجاء الملهى وفي تلك الأيام كان المكان مليء بالبانكس وهم حركة شبابية ظهرت في بداية السبعينات تمثل الشباب الثائر على كل التقاليد وخاصة المتعلقة بالمظهر، فترى وجوههم وقد لطخت بالألوان البراقة والمخيفة وقصات شعورهم كسنام الديناصور ولا يهتمون بالنظافة الشخصية البتة، وقد اندثرت هذه الحركة مع نهاية الثمانينات الميلادية، كنا نقوم بالتصوير معهم والحديث كفضول منا لمعرفة كيف يفكرون ولماذا يلبسون هكذا، وعندما رآها أحد أصحابي في السعودية لاحقا، لم يستسغهم وقال هؤلاء هم حطب جهنم، معه حق. رجعنا لمنضدة الطعام ولم نجد أثر للطعام ولا للعصير فطلبنا المزيد ضنا منا بأنه قد تناولها بعض المساطيل هنا أو بعض البانكس، بالرغم من أن البانكس أناس مسالمون. بعد مدة أخبرتني جاكو بشئ غريب وقالت، دخلك هيدا وسيم مدير كبير زي ما خبرتني، أجبتها نعم وبكل تأكيد، قالة ييي شبه عم ياكل آكلنا ويزط العصير زط، قلت مش معقول يا جاكو تظلمين الرجال، قالت تعا وشوف بعينيك. قطعا لم أصدق ما سمعت لمعرفتي بمن يكون وسيم، لكن جاكو وضعت خطة محكمة لكي أرى بأم عيني، نزلنا للدور الأرضي والذي توجد به منضدتنا وطلبنا أشهى المأكولات والعصائر مرة أخرى وآخر مرة، ولم نأكل أو نشرب سوى القليل منها، وابتعدنا ونحن بين ضحك وحنق عليه للدور الثاني وبدأنا بعملية المراقبة عن كثب، بقينا في الأعلى للحظات، مسفر ولد الوادي يرقب من الميمنة وصديقه المغربي في الميسرة، بينما وقفت جاكو ترقب في المقدمة وأنا أحمي المؤخرة، وشاهدنا وسيما متلبسا وهو ينظر ذات اليمين وذات الشمال قبل أن ينقض كجارح على فريسته ليأتي بزمن قياس على جميع السندوتشات وشفط العصائر ولم يبق لنا سوى قطمير هنا أو قطمير هناك، لا ينفع حتى لذر الرماد في العيون. تأكدنا الآن أن أشعب أو وسيم يستحق العقاب لأنه إنسان مستلطخ من قلب، ولو كان لدي نبال لرميته من أعلى بالسهام، والذي أغاظني أكثر أنه ولد نعمة، لكن ما ذا أعمل الآن وقد خذلني أمام أصحابي وأمام جاكو بالذات. قال مسفر لدي الحل، قلت هات ماهو، قال أنا سوف أؤدب صاحبك المستلطخ بس عطني محفظتك، قلت ليه محفظتي بالذات يعني، قال بقلك بعدين أنت تستحي بس أنا ما بستحي منه، أعطيته المحفظة وبعدين فتشني لقي بعض الباوندات فأخذها. أنهينا الحفل بسرعة واقترح مسفر أن نذهب إلى مطعم فخر الدين الراقي لنتعشى عشاء فاخر وليس سندوتشات لا تسمن ولا تغن من جوع، وافق الجميع وكان أكثر المتحمسين وسيم، لأنه رأى عرضا مغريا جديدا وهو بالتأكيد مجاني حسب اعتقاده. وصلنا فخر الدين في البيكاديلي ستريت ومن زبائنه أكبر أمراء وشيوخ الخليج، وطلبنا مقبلات مما لذ وطاب، كبة نية لأول مرة أذقها في حياتي واستمرت عليها للآن في المحلات الراقية فقط لأنها لا تأكل في المحلات غير النظيفة، وطلبنا جميع أنواع المشوي المحمر والمشمر التي تكفي لعشرة أشخاص وحلى وغيرها ولم نأكل نصف الطعام الذي طلبناه. عند الحساب قال لي مسفر ولد الوادي، نديم هل يوجد لديك مال لدفع الحساب، عندها عرفت مغزى مسفر من أخذ محفظتي حتى لا أشعر بالحرج وأضطر للدفع، قلت والله ليس في جيبي بنسا واحدا، قال يا للخسارة، حتى أنا لم يبق لدي شيء، لقد صرفت جميع ما لدي في الهيبدروم، نظرت لوسيم وكأن أباجورة المطعم قد وقعت فوق رأسه وأخذ يشرب الماء وكأنه يتجرع السم، بعد أن عرف المقلب المرتب بدقة من مسفر، وأخرج بيده التي ترجف رجف المكينة من جيبه بطاقة أمريكان اكسبريس ذهبية تلمع لمعانا شديدا، لأنها والله العالم لم تستخدم أبدا. وعندما سحبت البطاقة على الجهاز أصيب جسمه بقشعريرة شديدة وضحكنا عليه حتى الثمالة. عندما عدنا في التاكسي نحو سكن مسفر كنا نغني ونرقص في التاكسي أغنية محمدعبدو، إبعاد كنتم ولا ولا قريبين المراد إنكم دايم دايم سالمين، ووسيم ضارب بوز لا يشاركنا الأفراح وفي وادي آخر تماما. وعندما توقف التاكسي كان الحساب ستة جنيهات، وقال لنا وسيم الزعلان، يا الله يا نديم ويا مسفر كل واحد 2 باوند عشان ندفع ستة باوند للتاكسي، ضحكنا وقلنا يا حبيبي قلنا لك ما عندنا فلوس، فلوس ماكو، بيسه نهي، أنت ما في معلوم كلام ، قال يا حبيبي خلاص المقلب وأكلتوني إياه، ودفعت أضعاف مضاعفة ،من الحين ورايح الحساب يكون فيفتي فيفتي، انفجرنا من الضحك عندما اعترف بكل صراحة وقلت لمسفر وجاكو يا عمي هذا ولد جدة ما تضحك عليه إلا برضاه، عطيني محفظتي يا مسفر

يتبع

مشاري بن نملان الحبابي
02-04-2010, 06:28 PM
كأني بك أخي نديم قد أعدت طرح هذه الحلقة مرة أخرى ..

نديم الهوى
02-04-2010, 07:18 PM
آسف على إعادة الحلقة السابقة



الحلقة الثامنة


سامح محمد، شاب مصري شبيه بالمخرج الأمريكي وودي آلان (Woody Allen) يعمل في فندق اسمه بارك لودج هوتيل في شارع INVERNESS TERRACE، خلف شارع الكوينز واي، وبينه وبين الهايدبارك أقل من 50 متر. تعرفت عليه في أحد الأيام وأنا أسير من أمام الفندق الصغير الذي يعمل فيه وحيدا كعامل استقبال واستدبار وجامع للغلة وسارقها في نفس الوقت. الفندق كان أقرب منه للشقق المفروشة المنتشرة في كل مكان في السعودية، وهو فندق وضيع وقديم ومتهالك لم تطله يد الصيانة من العصر الفكتوري، والعصر الفكتوري هو الحقبة التاريخية التي حكمت خلالها الملكة فكتوريا من العام 1837 وحتى العام 1901، وتعد بالمقارنة مثل فترة هارون الرشيد بالنسبة للخلافة الاسلامية من حيث الازدهار والتقدم والرقي في شتى المجالات، وأكثر مباني لندن التاريخية الحالية يطلق على تصميمها الطراز الفكتوري نسبة للملكة فكتوريا. والفندق من أملاك سيدة كبيرة في السن دردبيس مقطوعة من شجرة حنظل تمشى على عكاز، وتحتاج نصف نهار لطلوع أعلى الفندق، وعندما ترغب في النزول يقوم سامح محمد البهلواني بزحلقتها فوق قطعة بلاستيكية شبية بالطشت من أعلى الدرج لأسفله، وهو اختراع يسجل لعائلة سامح حيث يقول أن جده الأكبر أول من سن الطريقة في عمارة تابعة لهم موجودة في بولاق الدكرور، وهي أشق مهمة بالنسبة له ويتمنى في أعماق قلبه أن يأتي يوم ويطلق العنان للطشت فلا يقف بها إلا عند الحانوتي. وعندما تنتهي مهمته الشاقة اليومية يجلس طوال النهار، وينام طوال الليل في الرسبشن للاشراف على تأجير الفندق واختلاس مايمكن اختلاسة من الأموال 24 ساعة في اليوم و 7 أيام في الأسبوع. وأكثر ما يختلس الباوندات من الزبائن الذين يطلبون السكن لعدة ساعات فقط ثم يغادرون الفندق، فيساومهم على السعر وفي بعض الأحيان يرضى بسرقة خمسة باوندات فقط، وباوند على باوند يعمل كثير على رأيه.

الفندق يحتوي على 55 غرفة، وبعد أن توطدت صداقتي معه، سألني عما إذا كنت أعرف أحد من التجار السعوديين ليقنع صاحبة الفندق العجوز المخرفة بأن تبيعه "بتلات اربع مليون قنيه انقليزي" وهي صفقة مربحة جدا فيكفي موقع الفندق بجانب حديقة الهايدبارك بالاضافة لدخلة المربح حتى مع سرقاته المتكررة. أخبرته بأن أبي سوف يأتي عن قريب لزيارتنا وسوف أعرض عليه الموضوع. عندما حل علينا شهر رمضان المبارك عرجت على سامح محمد بعد الإفطار وطلبت منه أن يرافقني لنتجول في الليستر سكوير، فقد افتقدت الأجواء الرمضانية والتسلية في الليل الطويل ولم يكن يوجد في لندن مثل الآن محلات معسل وقهاوي عربية ومن غير المعقول أن أذهب لملهى للسهر في هذا الشهر الفضيل ولم يكن هنالك حل سوى التسكع بالليستر سكوير. لكن سامح محمد رد علي وقال "اللهم إني صائم يا عم أنا مستحيل أروح معاك"، قلت يا عم سامح، حيرتنا معاك، تلطش المعلوم كل يوم من العجوز المسكينة بيدك الخفيفة والحين تقول اللهم إني صائم، على راحتك أنا بروح لوحدي. وفعلا لم يرافقني طوال شهر رمضان، وربنا يزيدك ايمان كمان وكمان يا سامح يابن محمد ويتوب عليك من المال الحرام. وبعد العيد، زارنا أبي واهتبلت الفرص وعرضت عليه شراء الفندق من المرأة العجوز، وكنت أتحدث معه وأحاول أن أقنعه بأي طريقة، كان يستمع لي ولا يتكلم لمدة نصف ساعة، بالغت في أهمية المكان والسعر "تلات اربع مليون قنيه" على رأي سامح محمد، وفسرتها لأبي بأنها ثلاثة أو أربعة ملايين جنيه استرلين، ولا زال سعر الاسترليني 4.3 في تلك الأيام. لم يرد علي أبي وكنت أتوقع أنه لا ينصت إلي، لكنه قال أنا لم أرد عليك لأني عارف من البداية ماذا تريد أن تصل إليه في النهاية، تريد أن تتفاخر غدا عند راشد الماجد ونبيل ومحمد وليد بأنا نملك فندق في لندن، بغض النظر عن صحة الاستثمار، أبديت امتعاضي من استنتاجة، بالرغم من اقراري بصحة ما قال في داخلي، بيد أني طلبت منه مرافقتي ليحكم بعينيه ويتعرف على الرجل الأمين (ادعيت لأبي أنه أمين ومصلي، ولم أنس أن أذكر له عندما قال لي "اللهم إني صائم" في رمضان خشية رؤية المعاصي والفتن ما ظهر منها وما بطن في منطقة الليستر سكوير. عندما وصلنا للفندق تفحص أبي الفندق جيدا، وتفحص سامح أكثر من الفندق، وعدنا للغداء في مطعم ايطالي في ركن ادجوررود مقابل مطعم رنوش للوجبات السريعة، الآن حل محله مطعم مروش اللبناني، في المطعم كنت أنتظر رأي أبي وكنت أتمنى أن يكون من أعماق قلبي أنه وافق على شراء الفندق، لكن أبي أصيب بنوبة ضحك لا تنقطع، كل دقيقتين ودون سبب وجيه لي، كلما سالته ها بشر وش رأيك نقول مبروك؟ بتشتري الفندق، عجبك السعر والموقع؟، وكلما حاول أن يبدي رأيه ينفجر من الضحك مجددا، أسأله فيستجمع قواه ويحاول أن يرد علي، ثم يعود للضحك مرة أخرى، تضايقت من تهكمه علي وعدم اعطاء أي اعتبار أو اشراكي في الرأي على الأقل في استثماراته، فأنا ابنه ومن حقي عليه أن اشاركه في إدارة ثروته، وهذه فرصة استثمارية أتيت بها له على طبق من ذهب له وهي فرصة استثمار في بريطانيا كي نتوسع عالميا

. بعد أن قلت نتوسع عالميا لم يعد أبي يطيق أكثر وذهبت عنه نوبة الضحك خاصة أن الكلمة وسيعة شوي وما قدري يصرفها، قال يا ولدي يا نديم يا مفتح اسمعني جيدا ولا تنصدم، أولا صاحبك هذا الي تقول إنه مسلم وأمين "واللهم إني صائم" مسيحي الديانة، مع إحترامي لكل الأديان، قلت نعم شلون مسيحي هذا صاحبي وأنا أعرفه من مده وكيف مسيحي واسمه سامح محمد، رد وهو ينظر إلي بشفقة، يا ولدي اسمه سامح حنا وليس محمد، وهو ما كذب عليك بس أنت طاير بالعجة، بعدين "تلات اربع مليون قنيه" إلي قالها لك بأنها سعر الفندق ما كان يقصد ثلاثة أو أربعة ملايين جنيه، يقصد ثلاثة أرباع المليون، يعني يا فهلوي يعني 750 ألف جنيه استرليني فقط

. أم الحالة، أم الحالة، كم فولط من الكهرباء أحتاج يا عالم الآن بعد هذه الصدمة لأسترجع توازني وثقتي بنفسي، يا دي الفضيحة يا أولاد، كيف بس أتخلص من المأزق الذي وضعت نفسي فيه أمام والدي، والله صارت رقبتي أد السمسمة وانصدمت من سذاجتي وإني مسوي روحي" بزبز مان"، وتوسع دولي أو عالمي، يا حلاوة حلي. تفشلت والله فشيلة صرت بعدها ما أقدر أناقشه بأي موضوع تجاري لمدة سنوات بعد هذي الحادثة والتي كان يحلو له عندما يريد أن يمازحني بكلمة "توسع دولي"ههههه. لم أستطيع تناول شي من الطعام وكان المطعم الايطالي مطعم راقي ويتجول بين الزبائن موسيقي ايطالي يعزف على آلة الأكورديون(accordion) للزبائن، وهي الآلة التي تحمل فوق الصدر ويسحبها العازف للخارج بكلتا يديه ثم يعيد يديه للداخل بتماوج فتصدر ألحانا جميلة، لكني لم أكن رائق له وعندما اقترب مني وأخذ يدق فوق رأسي زجرته وقلت إذا لم تبتعد عني سوف أحشرك داخل آلاتك المزعجة، فهرب لأبعد منضدة مني وجلا من هذا الاعرابي الجلف الذي لا يقدر قيمة الموسيقى. ذهبت من فوري دون أن آكل شيء لسامح حنا، وحييته بتحية ما قبل الاسلام، أي تحية أهل الجاهلية، وقلت له عمت مساء يا هذا، أأنت رجل مسلم أم ماذا أجبني في الحال أيها النكبة، قال مسيحي يا عم فيها حاقة، قلت لا على عيني وراسي، بس كيف تقول ان اسمك سامح محمد، رد قال ما عمري قلتلكش محمد، أنا بأقولك سامح حنا وأنت تسمعها محمد، يبقى المشكلة في وذنيك . طيب، كيف تقول "اللهم إني صائم" قال لا، ذي الجملة بالذات بقى متعلمها منكم يا مسلمين وهي حلوة ومعبرة وإلا إيه رأيك يا هندسة. عدك العيب والله يا واد يا سامح يا بن حنا المعمداني، يا بتاع التلات ورقات أنا الغلطان، والله زين ما عرفتك على أخوي السلفي وقدمتك له على أنك مشروع مجاهد محتمل الذين "نحسبهم كذلك والله حسيبهم". لكن صداقتي مع سامح الطيب استمرت وكأن شيء لم يكن بالرغم من أنه نصاب فقد أحسست أنه لما يتعرف على سعودي أو خليجي جديد يلحن في القول عندما يعرف بنفسة فيجعل اسم سامح حنا أقرب لمحمد، فهو يلحس بعض الحروف كما يلحس الفلوس التي يسرقها...خخخخخخخخ

الفندق اشتراه شخص لبناني ب 750 ألف وباعة بعد عام 1998 ب 12 مليون جنيه ولا أعلم سعره الآن، ولكن قد يصل 18 مليون جنيه، وهذا عنوانه لمن يريد أن يقوقله، أي يبحث عنه في قوقل Park Lodge LONDON INVERNESS TERRACE.


من كثرة جلساتي مع سامح حنا في فندق بارك لودج هوتيل تعرفت على شاب سعودي يدرس في برايتون وكان قادما ليقضي اجازة اسبوعين في لندن وسكن أول يوم في الفندق، وبعد أن توطدت معرفتي به انتقل للسكن معي في الشقة توفيرا للمال وكسبته كصديق جديد فال الدنيا ويحب أن يتمتع بمباهج الحياة، كان أخي المريض قد ادخل المستشفى للتنويم في تلك الفترة. اسم الشخص هذا هو فتى النسيم، تجتمع في الكثير من المفارقات، فهو مرة إعرابي أحمق في تصرفاته، وفي بعض الأحيان انسان سريع البديهة ويعرف من أين تأكل الكتف والرقبة، وهو بالرغم من بداوته الداخلية المتأصلة فهو حليق الذقن والشنب وايطالي الملبس والمظهر إذا حافظ على فمه مغلق، لا يستقر في مكانه كأنه بندول ساعة يتحرك ذات اليمين وذات الشمال ولديه سيارة انجليزية Classic Austin Maxiعتيقة صدئة، يوجد في جانبها الأيسر الخلفي فتحة مصدية أكد لي بجدية أنه يسكن داخلها فأر وحرمه، وليس لديهم أطفال، فهم مصابين بالعقم على حسب كلامه، وموديل السيارة يعود للستينات الميلادية، وهي مليئة بالمخالفات المرورية، لن أبالغ اذا قلت أن لديه أكثر من 800 كرت مخالفة مرورية، وكان يحتفظ بالمخالفات في شنطة سيارته الخلفية كذكريات، فهذه المخالفة يتذكرها بحنين وشوق منقطع النظير، فهذه المخالفة مثلا حصل عليها عندما أوصل صديقه العزيز للمطار ووقف في مواقف التكاسي، والأخرى عندما وقف فوق فتحة المان هول" غطاء البالوعة" بعد أن أزاح من حولها المثلاثات التحذيرية، وقف فوقها وكان يشتغل أحد الانجليز تعيسي الحظ داخلها، وسرعان ما حصل على مخالفة ولحق على سيارته قبل أن تأتي (السطحة) لسحب سيارته وانقاذ الانجليزي تعيس الحظ في الحفرة، عندما رأيت كمية المخالفات في شنطة سيارته هالني كثرتها وكن أعتقدت أنها كوبونات مسابقة شهر رمضان. بعد أن عرفته أكثر أدركت أنه ليس سوى دبوس متنكر بهيئة طالب وهو لا يدرس ولا يعمل ولا يهتم بالقوانين ولا المخالفات، أهم شئ عنده هو السهر والضحك وشرب العصير، وفي الليل اظطر للسياقة بدل منه، فهو لا يستطيع القيادة في الليل بالرغم أنه لم يكن لدي في تلك الأيام حتى رخصة قيادة سعودية. ذكر لي في يوم من الأيام أثناء تجاذبنا أطراف الحديث أن لديه محل يسمى تسجيلات النسيم، على ما أعتقد في شارع الأربعين، بحي النسيم. في أحد الايام وأثناء تجولنا في بالقرب من تريكاديرو وهو محل يوجد في البيكاديلي ويحبه المراهقين من العرب لوجود الألعاب الالكترونية والبلياردو وسيارات التصادم وغيرها ويوجد به مركز غينيس للقياسات العالمية، دخل فتى النسيم على محل شاورما مصري مقابل التريكاديرو وسأل هل يوجد لديك طعام بخمسين بنس فقط، نظر إليه العامل المصري متعجب من هذا العربي المفلس الذي يشحذ الطعام واعطاه سندوتش شاورما مجاني وفلافل وبيتزا وعلبة بيبسي. استأت من طريقته في الطلب، وقلت له يا أخي ليش تشحذ منه بهذي الطريقة، إنت ما عندك فلوس؟ قلي ولا تفشلنا قدام الرجال يحسبنا ألحين شحاذين، لذلك لما عدنا للمنزل طلب مني سلفه يمشي فيها حالة حتى نهاية الشهر، وكنت ذيك الأيام من كثر الفلوس أخفيها في المخزن تحت بطانية نوم عتيقة غير الي في البنك والي يجيبه أبوي وأخوي الكبير لما يزورنا كل شهر من السعودية. وعادة اخفاء الفلوس تحت البلاطه وفي الحمام، وتحت السيفون ومثلي في المخزن، عادة سعودية وخليجية قديمة وتعتبر ماركة مسجلة في الأزمان الغابرة أثناء السفر، لعلها فوبيا السرقة التي يحذرون منها بعضهم بعض قبل الشروع بالسفر، فهم يسمعون دوما بأن الأجانب يسرقون الكحل من العين. كان السعودين وخاصة الحديثي عهد بالسفر عادة يخفون أموالهم المنقولة داخل الشراريب، بل أن بعضهم يتمنى لو أنه كان يمشي على أربع لكي يكون لديه مساحة تخزين أكبر، خخخخخ، وعندما يحاسبون يظطرون للركوع وفتح الشراريب والتي تكون عادة من النوع الرديء والرخيص واخراج القدر المطلوب من الفلوس. آخر مرة رأيت سعودي يخفي الاموال في حوافره، قصدي في رجلية كان في دولة مصر الحبيبة، وهو شخص من سامطه، حشر عشرة آلاف جنيه مصري دفعة واحدة في شرابيه وكان لون شراريبه لون غريب مثل لون العصفر، لا أعلم هل هو زيادة في التمويه مثل ما يفعل المحاربين في الغابات أو أن هذه هو اللون المتوفر في سامطه وأحد المسارحة. الأخ كان رابط الشراريب بسلك مقوى بالبلاستيك، مثل السلك الذي يلف فيه كيس الخبز اللبناني،خخخخخ، وهو يمشي وعيناه لا تبتعد عن كعبيه، فكثير ما يصدم بالمارة، ويقول للرجل آسف يا مزموزيل، يحسب مزموزيل تستخدم للرجال والنساء. ما أطول عليكم، أخرجت ألف جنيه من تحت البطانية وأعطيته فتى النسيم، ثم صحوت من النوم في اليوم التالي ولم أجد أثر لفتى النسيم، كأنه فص ملح وذاب، بحثت عنه في فندق سامح حنا، ولم أجده وبعد مدة ادركت أنه نصب علي وطار بالألف باوند ومن المستحيل أن أجد له أثر بعد ذلك، فلم أكن أعرف عنوانه ولست متأكد ان كان الاسم الذي عرف به نفسه صحيحا أم لا. بيد أني لم أستسلم وقررت أن أصل إليه مهما طال الزمن، وأصبحت أتردد على فندق بارك لودج أكثر من العادة، لأني قرأت مرة في أحد قصص شرلوك هولمز واسمها (مغامرة المشكلة الأخيرة (أنه لا بد للمجرم ومهما كانت ظروف الجريمة أن يعود لسبب أو لآخر لمكان الجريمة. وشرلوك هولمز يا أخوة يا كرام يعد من أعرق وأشهر محققي البوليس والتحري في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ولديه اسلوب رائع في فك الأحجيات البوليسية أذهلت القراء عندما قدم أول رواية له في العام 1878، واشتهر بمهارته الشديدة في استخدام المنطق والمراقبة لحل القضايا. وقد ألف أربع روايات، وستاً وخمسين قصة قصيرة، ولمن أراد أن يزور بيته الذي انطلقت منه جميع الروايات والقصص المشوقة، فهو على بعد عشر دقائق من ادجوررود إن كنتم فاعلين، والعنوان هو المنـزل رقـم 221 ب، بيكر ستريت بالقرب من المركز الاسلامي.
ولكن للأسف لم تفلح كل خطط شرلوك هولمز في القبض على فتى النسيم، وكيف تفلح الخطط ولم يفلح بوليس لندن ولا الاسكتولانديارد أن يلقي القبض عليه وفي رقبته أكثر من 800 مخالفة مرورية. لكن لأن فكرة القبض عليه واسترجاع اموالي كانت بالنسبة لي مسألة مبدأ، استطعت أن أتغلب حتى على شرلوك هولمز في الكشف عن موقع المجرم وتتبعه بطريقتي الأكثر تعقيدا وحبكة، فقد اقتفيت أثر فتى النسيم ولاحقته خلف البحار والبراري والقفار وقطعت قارة أوربا وأفريقيا وأسيا حتى أصل إليه في حي النسيم في الرياض. وقصة المطاردة المعقدة بدأت عندما عدنا للسعودية لانقضاء فترة العلاج، وبعد سنتين تقريبا من وقوع حادثة النصب، حيث كنت في زيارة خاصة لمدينة الرياض بسيارتي السيلكا موديل 86، فتذكرت خيطا موسيقيا، اقصد خيطا رفيعا سيدلني حتما علي المطلوب فتى النسيم، ألا وهو تسجيلات النسيم، نعم تسجيلات النسيم التي أخبرني بها سابقا وقال أنها تخصه، قد تكون زلة لسان منه أوصلتني له بعد سنتين. اعتصرت ذاكرتي الضعيفة لأقصى حد وتذكرت أن المحل يقع في شارع الأربعين في حي النسيم. وصلت للموقع بعد أن سألت كما هائلا من الملاقيف، كل ماسألت شخص معين أجابني بنفس الوقت سبعة أشخاص فلا أدري لمن أستمع، المهم وصلت الوكر، اقصد التسجيلات ووجدت بائع يمني الجنسية سألته عن فتى النسيم، وأشار بسبابته نحو رجل يختلف تماما عن فتى النسيم يضع شماغ برتقالي اللون على كتفه الأيسر وطاقية زري عتيقة بالية الخيوط ومنتفة وله شنب يقف عليه القنفذ ويعتمر ثوبا كويتينا أصفر مغبر. اقتربت منه وعرفني بسرعة عكسي أنا، وفغر فمه بابتسامة بلهاء، والله لم أعرفه إلا من اسنانه البنية اللون بسبب أنه بطنه قد انتفخ منذ صغره بشرب مياه الآبار الصحراوية المليئة بكمية عالية من الفلور ولم تنفع بعدها مياه ايفيان أو تلميع الأسنان في عيادات لندن لجعلها بيضاء كاسنان خلق الله. رحب بي فتى الوادي أيما ترحيب وأوجب لي ، يعني ذبح لي خروف للي لغته تمشي الحال، حتى أني خجلت أن أفتح معاه موضوع الفلوس، لكني استجمعت قوتي، وكلمة تستحي منها بدها على قولتهم، وسألته وين الفلوس يا فتى النسيم يا نصاب ليه هربت ثاني يوم من غير توديع ولا أحم ولا دستور، والله لو قلت لي ما أقدر اردهم كان سامحتك وأعطيتك زود بعد، قال نعم الفلوس في ذمتي والحمد لله إنك وصلت لي عشان تحللني، بس لازم قبل ما أردهم لك نسأل كم وصل سعر صرف الجنيه الاسترليني عشان تأخذ حقك كامل، يمكن نزل سعر الصرف، قلت يا عمي كان سعر الصرف 4.3 ضرب الف يعني أبي منك الله لا يهينك الحين 4300 ريال، قال لا، لازم نسال البنك أول شيء. رحنا بنك الراجحي القريب من محل التسجلات، وسألنا عن سعر الصرف وطلع السعر 6.2 يعني 6200، وبكذا ربحت منه الفين ريال دفعها عن يد وهو صاغر بعد أن حاول العودة للسعر الأصلي، ولكن أخذت من المبلغ وقلت له يا حبيي هذي أتعاب إدارية، هههه، او خخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخ .

يتبع

مشاري بن نملان الحبابي
03-04-2010, 01:54 PM
ما شاء الله .. ذا المصري مغير يلهط من فلوس العجيّز ..

في انتظار الحلقة القادمة ..

ابن عياف
04-04-2010, 11:02 AM
قد اكون متأخر عن كثير من الاخوان في قراءة هذه المذكرات اللندنية

للكاتب الكبير في طرحه واسلوبه

حيث انني في المذكرة الرابعه

إلا أنني استفدت كثيراً

وسألتحق بالركب المتابع لهذه السلسلة الرائعه

والتي حتى الآن ارى انها :

سيرة ذاتية

وتجربة حياة

ولقاء خاص

ولمحة من الماضي إلى الحاضرة

لمؤلف

كبير

ملاحظ : تمنيت لو انك سميت كل حلقه باسمها ووضعتها في موضوع مستقل لأن هذه العمل جبار
يستحق الاهتمام والمتابعه والرأي لك

فراس سعيد
05-04-2010, 05:55 PM
اسطورة حروفك تتالق لذا استمر لتحلق بنا فوق النوارس

الظور
05-04-2010, 08:40 PM
اخوي نديم الهوا

مساك خير وصباحك نور

لك طرح مبسط ورفيع

لقد قرآت الثمان حلقات حتى احولت عيناي ولم امل من اسلوبك الرائع

عشت تفاصيل هذه الرحله التي لم تترك فيها صغيره ولاكبيره الا اتيت بها في قالب جميل ينم عن ثقافه سلسله تنتهجها اخوي الغالي نديم

اشكرك عدد قطرات السحاب

مشاري بن نملان الحبابي
10-04-2010, 10:16 PM
ما زلنا في انتظار الحلقة التاسعة أخي نديم ..

نحن في انتظارك ..

نديم الهوى
11-04-2010, 06:30 AM
أخي بن عياف شكراً لك على المشاركة وبالنسبة لتسمية كل حلقة باسم،، قد يكون ذلك فعلاً أمر مطلوب، لكن لأني لا أرتب الحلقات وأكتبها بطريق السرد لم أفكر في ذلك، وقد أقوم بذلك عند القيام بنشر الكتاب الخاص بالمذكرات
فراس سعيد، شكرا لك على المشاركة وأرجو أن تقضي معها وقتاً ممتعاً

مشاري بن نملان شكراً على الإستمرار في المتابعة والتحفيز على الإستمرار



الحلقة التاسعة


كما ذكرت لكم في حلقة سابقة فقد أدخل أخي إلى عيادة هارلي ستريت كلينك لتردي حالته وتم تنويمه في الطابق الثالث في الغرفة رقم 333, وهذا الطابق خاص للمرضى الفي آي بي، واستمر تنويم أخي مدة ستة أشهر متواصلة، وكانت فاتورة المستشفى لوحده 500 ألف جنيه إسترليني دفعها جميعا الأمير سلطان بن عبد العزيز شفاه الله، وجعلها شفيعا له يوم القيامة. وهارلي ستريت عبارة عن شارع يقع في وسط لندن خلف محلات دبنهامز في اكسفورد ستريت ويمتد حتى شارع بيكر ستريت بالقرب متحف الشمع من الجهة المقابلة، وتشير السجلات التاريخية أنه في العام 1860، قبل نحو مئة عام من إنشاء "وزارة الصحة البريطانية إن إتش إس" كان يوجد في الشارع نحو 20 عيادة طبية، والآن وصل عدد الذين يعملون في المجال الطبي في الشارع نحو 3000 شخص. في تلك الأيام كان الشارع مليء بالعرب المحولين للعلاج فترى الكثير من المشاهير العرب وغيرهم من المرضى البسطاء الذين يتلقون العلاج في عيادات الشارع الشهيرة. كان اسم الطبيب الذي يشرف على علاج أخي الدكتور قولد مان، بريطاني الجنسية ويهودي الديانة ويعد أحد أفضل ثلاثة أطباء في العالم في علاج مرض اللوكيميا، أما الممرضات اللاتي يعملن في المستشفى فهن من أطيب وأرق ممرضات عرفتهن في حياتي في طريقة تعاملهن الإنساني مع المرضى، فهن يغدقن الحنان على المريض ويؤدين عملهن باحترافية عالية. أما بالنسبة للميزانية التي كنا نتمتع بها أثناء فترة العلاج في المستشفى فقد كانت مفتوحة على مصرعيها، لدرجة أنا كنا نطلب بجانب العلاج المكلف، ألذ أنواع الطعام من مطاعم لندن الشهيرة الإيطالية واللبنانية والفرنسية والصينية وكله على كله، بس أهم شيء نطلب عن طريق المستشفى، كما لم ننس أن نحلي بعد كل وجبة طعام دسمة بالأيسكريم أو الكيك أو الحلويات اللندنية المترفة وجلها تجلب لنا من سلفردجز لأنها حذفة عصى من المستشفى، وكله من خير الله ثم خير أبو خالد الله يشفيه يا رب. لذا رجعت حليمة إلى عادتها القديمة فازدادت حركة رجل الزوار للمستشفى لزيارة أخي، فلم نفرق بين اللوعى على حالته من الجوعى ، فاتفقت مع العاملين في المستشفى على عدم تقديم أكثر من الشاي للزوار حتى لو طلبنا أمامهم غير ذلك.

في المستشفى كانت هنالك ممرضة دبدوبة جميلة لونها وردي ووجها طفولي بريء وخدودها حمراء قانية، حبوبة تتكلم بصوت خافت جدا لا يكاد يسمع واسمها "دبي" سبحان الله دبة واسمها دبي ، دبي بكسر الداء والباء وليس بضمها أحسن شي بسميها "ديبي" عشان لا تتلخبطون مع مدينة دبي. مع مرور الأيام ومن طيبتها أصبحنا نتعامل وكأننا نعرف بعضنا منذ سنوات عديدة، وصرت أحب أن أمازحها وأخبل فيها وأجننها فأمسك خديها وأشدهما بقسوة، مثل ما عمل حسين الجسمي مع حليمة بولند، لكي أزيد من حمار خديها، كانت تستلطفني كثيرا وتحب بدورها مشاكستي طوال الوقت، وعندما أزور أخي، وبالرغم من أن أنه متشدد دينيا، إلا أن من طيبتها وقبولها لدى كل من عاشرها، كان يخبرني ويقول "ترى ديبي تسأل عنك من الصبح!! شفها في غرفة الممرضات ازعجتني كل شوي داقه الباب علي" كنت أجلب لها معي الكثير من الهدايا والكاكاو الذي تحبه كثيرا من هارودز خاصة كاكو اسمه Mozart-Herz’l.

أمام غرفة أخي توجد صالة منيفة تتوفر فيها العديد من المقاعد الوثيرة، وعندما ينام أخي أجلس فيها طويلاً حتى لا أزعجه وأقوم بقراءة بعض الكتب أو استقبل بعض ضيوفه في الخارج وأصرفهم بعد ما يشربون كاسة الشاي فقط لا غير. في أحد الأيام أخبرتني "ديبي" أن أحد الأمراء سوف يتم تنويمه في الغرفة المقابلة لنا وأنهم سيصلون الساعة الثانية ظهرا، من فضولي أتيت في اليوم التالي مبكرا وعندما دخلت المستشفى وفي الطابق الأرضي لمحت الفنانة سميرة توفيق جالسة وحيده في البهو، فغيرت من اتجاهي وتقدمت نحوها مباشرة وبدت لي جميلة وجذابة كما عهدتها منذ صغري، كانت ريانة العود بشكل يضفي عليها نوعا من الفخامة والوجاهة الملوكية، وترتدي فستانا خلابا زادها أنوثة وروعة اساسه أبيض ومحلى بصور لأوراق شجر برتقالية وصفراء اللون وأخرى وردية جذابة وحذاء بكعب متوسط كأنه مفصل على نفس لون الفستان، لن أتحدث عن نحرها ولا رقبتها لكي لا أقع في المحضور، بل أكتفي بوجهها الوضاح وحبة الخال الشهيرة وشعرها الأسود كسواد الليل المنسدل على عاتقها العريض وكحلها البدوي الذي أجزم أن ألف انجليزي قد بصق على زوجته عندما رآها في ذلك اليوم. أكمام فستانها كانت قصيرة فبدت يداها المكتنزتان جميلتان تأسر الألباب خاصة عند النظر لمعصمها الذي يزينه ساعة براقة ماركة BOUCHERON. حييتها وقلت لها سلامات يا ست الكل أنت تزورين أحد هنا أم تراجعين المستشفى، ردت بابتسامة مفعمة بالأنوثة وممزوجة بعطف الأمومة، الله يسلمك، بعيد عنك معدتي تعبانة بعض الشي، صار لي شي شهر ما بوكل إلا طعام مهروس، وبعمل فحوصات هون والشفا من عند ربنا. قلت سلامات والله، بس بصراحة إلي يشوفك يقول الناس كلهم عليلين وإنت الوحيدة الصحيحة، قالت شايف كيف، أنا بخبي آلامي داخلي، ضحكنا سويا ولم أتمالك نفسي وسألتها لما رأيت بساطتها وانفتاحها في الحديث، أش الذوق الراقي يا ست سميرة!! ساعتك جميلة كثير، قالت مقدمة والله، "بلهجتنا يعني تأمر عليها، أو تفداك"، هي الساعة أخذتها من هارودز أمس، أنت أول واحد تعجبه، قلت أكيد عليك بتطلع حلوة "القالب غالب يا ست الكل"، كانت الساعة مرصعة بالألماس واسمها BOUCHERON. لم ألبث أن ودعتها بعد أن تمنيت لها الشفاء وصعدت نحو غرفة أخي وبعد ما سلمت عليه وجلست معه بعض الوقت رجعت للصالة الخارجية وانتظرت الضيف العزيز إلي بيكون جارنا في المستشفى لمدة اسبوعين قادمين، بعد لحظات سمعت واحد يقول WHATS UP … WHATS UP…... WHATS UP، نظرت لمصدر الصوت واذا بي أرى رجل صعلوك رأسه ممغوط للأعلى ودقيق من الأسفل ويتشكل مثل حبة الفول من الأعلى، لكن عندما ركزت على ما يقول، أدركت أنه لم يكن يقول تلك الكلمة الانجليزية بل كان يقول، "وسع، وسع" يعني "درب، درب"، أي إفسحو الطريق، ويا للجهالة، كان يوجه كلامه للمرضات الانجليزيات إلي في الطريق لكي يفسحوا الطريق لسمو الأمير الذي كان يمشي الهوينا خلفه وبدا لي أنه طويل القامة وفي نهاية الأربعينات من عمره وسيم ومصفف شعره بعناية ويرتدي بدلة أنيقة بنية اللون وكرفته من نوع البوبيون التي تربط كورده في أعلى القميص ويرافقه نحو ثلاثة أشخاص وسرعان ما دلفوا إلى داخل الغرفة المقابلة لنا. جلست بعد ذلك وأنا أقرأ كتاب لعبد الله القصيمي أضن اسمه "العرب ظاهرة صوتية" واضعا قدمي اليمنى على اليسرى ومسترخي آخر استرخاء انتظارا لما ستحبل به الأيام من مفاجاءات من ضيفنا العزيز القادم لتوه ، وفجأة خرج نفس الشخص بتاع "وسع، وسع" ودنى مني إلى أن وقف فوق رأسي وتفرس بي لبعض الوقت ثم حول نظراته الخائبة نحو الكتاب الذي أقرأه، وتفرست فيه بدوري فبدا لي لون بشرته أبهصا كلون البرص (يسمى الوزغ أو أم صالح، حسب التساهيل) ومليئ بالنمش كأنه نمل يمشي على وجه، وحدقتا عيناه قريبتان من وسط أنفه لتزيده دمامة على دمامه، أما شعره فأحمر ومجعد كسلك غسيل الصحون، وبدون مقدمات ولا تحيات، قال نزل رقلك الأمير قاي، لم أرد عليه واحتراما للأمير غيرت من جلستي وعكستها فوضعت اليسرى فوق اليمنى في الاتجاه الآخر، ثم عاد وقال لي نزل رقلك التانية، ما ينفعش كدا، ثم أردف بتمادي، بلاش الكتاب ده دي الوقت، وكان حديثه أثناء خروج الأمير الذي جلس قبالي في المقاعد الموجودة خارج غرفته. عند هذا الحد قلت له يا محترم، ممكن تحل عن سماي "الصراحة قلت له كلمة ما أقدر أكتبها الآن، عشان كذا من هول المفاجأة فتح فمه بابتسامة يائسة وكأني أعطيته كف على قفاه، وسبحان الله، عندما فتح فمه كان أشبه بحمار يستعد للنهيق، ففي البداية فتح فمه فظهرت أسنانه الأمامية المطعجة، ثم ازداد فمه اتساعا فظهرت نواجذه وضحك بصوت متقطع أقرب للنهيق، فرميت الكتاب جانبا ودفعته من منكبه واتجهت لسمو الأمير تركي وحييته وتحمدت على سلامة أحد أفراد أسرته المنوم في المستشفى. كان سموه لطيف للغاية وبادلني السؤال عني وماذا أفعل هنا، فحكيت له الأخبار بالتفصيل، وسأل إن كنت في حاجة لشيء فشكرته على لطفه. كان "بريصه الأصفهاني" يراقب حديثنا وهو يتلون مثل الحرباء كلما نظرت إليه رأيت شكله يختلف عن النظرة الأولى، وانضم إلينا في الحديث وكنت قد وصلت للحديث مع سموه عندما سجلت في الكلية العسكرية بالرياض وكيف أني لم أتمم دراستي بالكلية حتى أرافق أخي، فشاركنا بالموضوع، وقال الحمد لله إنك ما سجلت "اصلو أنا لما كنت في الكلية الحربية بتاعتنا كنت بنط من فوق النار، وأزحف من تحت الرصاص، والطلاب بقى كلهم يغمى عليه من التعب، إلا أنا، دا الوزير كان بيقولي بس يا بريصه، بس يا بريصه، وأنا أقوله سيب يا وزير، سيب يا وزير دنا حكمل المشوار لحد ما أصل سينا" نظرت لسمو الأمير ورأيته يضحك من كل قلبه على الأراجوز بريصه وعرفت الآن وظيفة بريصة بالضبط، فهو لم يعدو سوى أرجوز ومصدر لتوسيع صدر سموه .


حدثت جاكو عن سميرة توفيق وعن ساعتها الجميلة في نفس الليلة، فتحمست جاكو للذهاب إلى هارودز والسؤال عن الساعة BOUCHERON، وفعلا ركبنا اليوم التالي الأندرقراوند من محطة البيزووتر وتوقفنا عند محطة هاي ستريت كنجنستون التي تبعد نحو 500 متر عن هارودز، وبحثنا عن الساعة حتى وجدناها في شباك أحد البوتيكات داخل المتجر العريق. دلفنا للمحل ورحب بنا البائع الأنيق ترحيبا ملوكيا، يحسبنا المسكين من زبائنه المترفين. سألنا عن الساعة فأجلسنا على مقاعد وثيرة وطلب لنا قهوة وكعكا لذيذا وأحضر مخدة سوداء جميلة مخملية بلون القط الشيرازي ولبس قفازات من حرير"لزوم النصب الراقي" ونحن ننظر لبعضنا البعض بزهو وضابطين دور أولاد الأكابر، ثم أتى بالساعة ووضعها بعناية فوق المخدة التي لو نمت عليها من طراوتها لما استفقت بعد مئة عام. بعد ذلك أضاء أربعة أنوار صغيرة موجهة نحو الساعة، وطفق يشرح لنا نحو ربع ساعة عن عدد الألماسات المطعمة بها الساعة ومن صممها وكم من الوقت استغرقت صناعتها ومن هو أباها وجدها وقبيلتها، ونحن نشرب القهوة بكل ثقة وهدوء ولم يبدو علينا الاستعجال أو أننا تورطنا بالسؤال، ثم أخبرنا بالمفاجأة الكبرى وهو سعر الساعة وكان 77 ألف باوند إسترليني فقط لا غير، يعني أكثر من 330 ألف ريال سعودي بسعر تلك الأيام، الآن بالتأكيد السعر أعلى بكثير. زطينا آخر قطعة من الكعك اللذيذ وأخبرناه بأننا سوف نفكر في الأمر "ونكلم دادي" ثم نعود له قريبا جدا وأعطيناه أرقام هواتف المستشفى خخخخخخ لأنها أول أرقام بدت لي عندما طلب المعلومات الخاصة بنا للاتصال للتأكد مما سنقرره لاحقا عندما نشاور داددددددددددددي، هيهيهيههيهيهيه يا دادي إلي بيدفع 330 ألف في ساعة ونص والحسابة بتحسب. يبقى قابلنا يا حبيبي، أنا لاقي أحلق عشان أشتري ساعة ب 330 ألف ريال ، بس والله تستاهلين أكثر يا سميرة توفيق ومثل هالساعة ما صنعت إلا للناس إلي مثلك إلي يستاهلون كل غالي ونفيس.


في يوم لاحق كنت أزور المريض الذي كان مع سمو الأمير وعندما نويت الخروج أعطاني سموه رسالة في ظرف مغلق لا تحمل أي عنوان، فكرت إنه يبغاني أرسلها بطريقي بالبريد، فتساءلت "نسيت تحط العنوان يا طويل العمر؟!"، ضحك وقال لا هذي الرسالة لك حط عليها عنوان بيتك، خخخخخخ.. خرجت وبريصه يراقبني وفشخ فمه فشخة بدون صوت، كتامي هذه المرة وكأنه فقد القدرة على الكلام, وذهبت من فضولي لدورة المياه وفتحت الرسالة وهالني ما رأيت في الرسالة، كانت محشوة برزم جنيهات من فئة الخمسين باوند، حسبتها فطلع المجموع خمسة آلاف باوند ، وأدركت عندئذ بأنها هدية من سمو الأمير، رحت طاير لأخوي وقلت له تعال شوف الأمير أعطانا هديه خمسة آلاف باوند، يا كثر الفلوس إلي عندنا الحين وصرت أقوله مثل سعد الفرج "بسنا فلوس، بسنا فلوس"، البطانية في مخزن الشقة انترست فلوس، والحين خمسة آلاف، يا ساتر، بيد أن أخي لم يكترث للفلوس وأبدا عدم رضاه وأعطاني مثل لم أنسه للأن "أعطى الأمير ما لا يملك إلى من لا يستحق"، قلت شلون يعني نردها له، والله فشيلة ما أقدر، أصلا لو شفته كيف فرحان وهو يعطيني كأنه هو إلي محصل المبلغ، رد علي وقال ماني ما خذ منها شي أنت بكيفك، رجعت وقلت مافيه إلا بريصه الأصفهاني هو إلي بيحلها، استنيته لما طلع وناديته بريصه، بريصه، تعال أبيك بخدمة، تقدر تساعدني وترد الظرف لسمو الأمير وتعتذر منه إنا مقدرين له كرمه بس لو يعطيها أحد يستحق أكثر منا يمكن أفضل، ابتسم بريصه ابتسامته المعهودة لكن بصوت أقرب لفحيح الأفعى هذه المرة، الظاهر لكل حالة عنده نغمة خاصة في الضحك، وقال "برافو عليك يا واد يا نديم، أنت كدا عشرة على عشرة، حتكبر كتير أقوي في عين الأمير، ويعرف إنك مش بتاع فلوس"، قلت الحمد لله طمنتني والله خفت إنه بيزعل منا إذا رديناها. وبينما أنا أتحدث مع بريصه عن ترجيع الفلوس وإذ بمفرزة من قوات الشرطة الخاصة المسماة سكوتلانديارد تسرع نحو الباب الذي يوجد به المريض من عائلة سمو الأمير فتدفع الباب بعنف وأنا وبريصه نرقب المنظر بدهشة كبيرة ، حاول بريصه من هول الصدمة والخوف أن يتسلل بخفة ويلوذ بالفرار وسط الزحمة والربكة فدعست على قدميه حتى لا يتحرك ولاحظت أحدى الشرطيات أنه يحاول الهروب وقالت له YOU ARE GOING NOWHERE ، أي إبق مكانك ولا تغادر البتة. كان يبدو على سمو الأمير الهدوء التام وهو يضع رجلا على رجل ولم يتحرك من مكانه ولم يعلق على الطريقة المشينة التي داهمت بها الشرطة غرفة المريض في المستشفى، وكان في تلك اللحظات السفير المصري متواجدا لزيارة سمو الأمير في نفس الغرفة، فقام من مكانه وعرف بنفسه واستنكر الذي يجري، رد عليه الضابط بأن هذا موضوع لا يخصه من قريب أو بعيد كسفير، وأوضح الضابط بأن هنالك بلاغ بوجود أسلحة خطيرة في هذه الغرفة، ابتسم سمو الأمير وأخرج لهم بهدوء الهدية التي أتى بها لأبنه وهي عبارة عن لعبة رشاش تفحصها البوليس بدقة وهم في غاية الإحراج فأكتشفوا الخطأ الكبير الذي وقعوا فيه واعتذروا بأشد أنواع الاعتذار ولم يسلموا من تقريع السفير المصري الشديد لهم، وعند هذه النقطه هاج وماج بريصه بعدما شعر بالأمان وقال سبهم لي يا سمو الأمير دنا حخرب بيتهم، إزاي يتقرأو يعملوا كدا هي سايبة وإلا سايبة، أنا حا أخذ حقك منهم، دنا هرد لهم الاهانة الي ما ينسكتش عليها، قاله الأمير بكل برود انثبر، رد بريصه "حأنسبر إن شاء الله.

وفي اليوم التالي شرح لي بريصة خلفيات القصة وهي أن الممرضة الخاصة بهم والتي كانت تستلم بخشيشا 200 جنيه كل صباح، لاحظت الهدية التي أحضرها سمو الأمير لابنه فحسبت أنها رشاش حقيقي فبلغت البوليس، وكانت تلك السنة هي السنة التي قتلت فيها الشرطية البريطانية ايفون فليتشر اثناء مظاهرة امام السفارة الليبية في لندن برصاصة قالت السلطات البريطانية وقتها انها اطلقت من داخل السفارة الليبية والتبس الأمر على الممرضة التي كانت تشك في كل العرب ولا تفرق بين ليبي أو سعودي أو مصري.

عرفت بريصه على أخي المريض لعله يسري عنه بنكته المتواصلة وبشلخاته التي تهتز لها الجبال وعندما رأه أخي يضحك بطريقة غريبة وكأنه ينهق وينقطع نفسه شك بأن به مس من الجان وقال له سوف أرقيك لعلك تشفى يا بريصه، ما قولك؟، أجاب بريصه، لك ما شئت يا مولانا وسلم ناصيته لأخي وبدأ يقرأ عليه المعوذات وينفث عليه ضاغطا على ناصيته وقابضا على شوشته الحمراء في نفس الوقت، ويبدو لي أن أخي قد ضغط عليه أكثر من اللازم، فتضايق بريصه وبدأ يتململ ذات اليمين وذات الشمال وتصدر عنه حشرجة وكأنه يريد أن يعض يد أخي التي تسحب شوشته، فحسب أخي أن المارد هو الذي يتململ وأنه سوف يخرج لا محالة، فقال أنطق، تحدث قل من أنت، من أنت، أنطق،،،،أنطق أيها الجان، لماذا تلبست بعبد الله بريصه الأصفهاني، حلفتك بالله أن تنطق فمن أنت، رد بريصه المسكين بصوت يكسر الخاطر، أنا بريصه يا مولانا...خخخخخخ، فضرب أخي صدره بقفا يده ونفث في صدره وقال داوم على الإذكار تشفى باذن الله يا بريصه. عدنا على المقاعد وتمدد بريصه وهو يتنفس الصعداء، وسألني إيه الإذكار يا عم نديم، وشرحت له إذكار الصباح والمساء، قال مش لما نصلي بالأول، قلت له يعني ما تصلي يا بريصه، حسبي الله عليك، الله يهديك بس. نام أخي قرير العين بعد أن قرأ على بريصة وأتت "ديبي وتطمنت على المغذي والأدوية المحقونة بوريده، وغطته بالبطانية وأتت عند قدميه وغطتهما وكان فوق قدمي أخي تلفاز معلق بالسقف يرتفع نحو نصف متر فوق رجليه وبعدما انتهت "ديبي" من تغطية قدميه رفعت جسمها وانتصبت فاصدم رأسها من الخلف بالتلفاز وهوت مغمى عليها فتلقفتها بين يدي ومددت جسمها على الأرض وحاولت أن أعطيها اسعاف سريع CPR، مع تنفس صناعي سريع تعلمته في ثانوية الخليج في الدمام!!! ، نعم شكلي قلت شيء غلط، معقولة في ثانوية الخليج، قصدي في مدرسة اللغة الانجليزية في لندن، ولاحظت بريصه يتسلل بخفة من خلفي وتوقعت أنه يريد الهرب مرة أخرى فحنقت عليه كيف يتركني هذا الأرجوز في هذه اللحظات العصيبة. لكن بينما أنا مشغول بإعطاء "ديبي" قبلة الحياة انفجرت ضاحكة في وجهي وكأنها هي التي خرج منها المارد وليس بريصه، كانت تضحك لأن بريصه الحمار عندما تسلل من خلفي ذهب مباشرة للهاتف ودون احساسي به لهول الموقف واتصل بالطوارئ 999 وطلب سيارة اسعاف ولما سألته الشرطه عن العنوان أعطاهم عنوان المستشفى، يعني بريصه حبيب قلبي كان يطلب اسعاف يجي على عنوان المستشفى عشان نركبه وناخذ لفه على الكورنيش وبعدين نرجع لنفس المستشفى لتلقي العلاج!!!!!! ، لكنه بغباءه الشديد كشف خطة "ديبي" الجهنمية من حيث لايدري، فهي لم تكن مغمى عليها حقيقة، ولكن عملت التمثيلية لحاجة في نفسها، بيد أن حظها العاثر أوقعها مع بريصة المشؤوم وأكلت علقة خفيفة على علباها طلعت أكثر من بيع السوق.


بعد أن أنهى مريض بيت سمو الأمير فترة العلاج في المستشفى خرجوا بالسلامة فودعتهم وحزنت والله لفراقهم لأنهم ملؤوا الجو حركة في المستشفى وآنسوا وحشتنا وبيني وبينكم حبيت بريصة من كل قلبي وحسدت الأمير على وجود رجل مثله معه يسري عنه بعفويته ونصبه وضحكته الحمارية. وعندما غادر الأمير ودعني بكلمات رقيقة ولهول المفاجأة أعطاني رسالة جديدة وهو يضحك وقال إنت عارف العنوان زين المرة هذي صح،،،ترددت وقلت صح يا طويل العمر شكرا لك من أعماق قلبي، وأسرعت إلى نفس التواليت وفتحت الظرف وحسبت الفلوس الموجودة وجدتها 8 آلاف جنيه هذه المرة، أكثر من المرة الأولى، حسبي الله عليك يا بريصة الأصفهاني شكلك لطشت الخمسة ألاف باوند وما رجعتهم للأمير.

يتبع



بعدين بقلكم كيف بريصة استقبلني في مصر في مدينة الشيخ زايد وكيف أكرمني وكيف تحول إلى رجل درويش لا يفارق المسجد وبتاع ربنا على قولة أخوانا المصريين

مشاري بن نملان الحبابي
15-04-2010, 11:18 PM
في انتظار الحلقة العاشرة ..

نديم الهوى
17-04-2010, 05:31 PM
ابشر يا بن نملان



الحلقة العاشرة

قابلت الأمير بعد مدة من مغادرتهم المستشفى ولم يكن في معيته بريصة وأخبرني بأنه لم يعد يعمل معه بعد الآن وأنه قد استقر به المقام في مصر وقد تغيرت أحواله بسبب ظروفه عائلية خاصة، ولم أكثر السؤال عن ماهية تلك الظروف أو عن عنوانه ونسيت موضوعة تماما، لكن الظروف تسنت لي للوصول إليه عندما حصلت على دورة متقدمة في الجامعة الأمريكية في القاهرة مع بعض الزملاء وكان عددنا 14 شخص في العام 1994 تحديدا، بعد عشر سنوات بالتمام والكمال من عملية النصب التي قام بها بريصة في هارلي ستريت كلنك.

وللإلتحاق بالدورة في مصر التي بدأت في شهر فبراير سبقني جميع أصدقائي بالسفر بالطائرة، أما أنا فقررت السفر بسيارتي الجديدة البي إم دبليو 740 الكحلية الأنيقة والتي لم يمض على شرائها شهرا لأني حبيت أن أتمتع بقيادتها في شوارع القاهرة. فقمت قبل موعد السفر بشراء الكثير من الملابس الأنيقة والهدايا والعطورات والبخور وجلها أحضرتها لأني كنت متأكد بأني سأجد من أهديها إليه لاحقا. وضعت جميع الأغراض بالسيارة في الليل على أمل أن أبدأ الرحلة في صباح اليوم الباكر. لكن بسبب سعادتي وأنا أفكر في الرحلة القادمة وما ستحبل به الأشهر الطويلة القادمة في قاهرة المعز من مغامرات، لم يأتيني النوم حتى الساعة الثالثة فجرا، فقمت من سريري وغيرت ملابسي وأطلقت العنان للسيارة من مدينة الخبر متجها نحو القاهرة. استمريت في القيادة حتى وصلت منهكا لمدينة بريدة في الساعة الثانية عشر ظهرا، نمت في فندق يمشي الحال حتى المساء ومن ثم واصلت السير إلى أن وصلت مدينة حائل ومنها اتجهت لمدينة تبوك التي بتعد عنها نحو 650 كلم، وهي منطقة صحراوية موحشة وقفراء ذات طريق مفرد ولا توجد به خدمات إلا ما ندر،وتوجد بها مدائن صالح وتشمل عدة كهوف ومقابر منحوتة في الجبال لأقوام حكموا وعاشوا في هذه المنطقة من آشوريين وأنباط ورومان وعرب، وقد قال الله عنهم في القرآن الكريم (ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين، وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين فأخذتهم الصيحة مصبحين، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون)، وعند الساعة الواحدة ليلا توقفت عند محطة مظلمة لونها بلون طين الهجير المتفطر ومكائن ضخ البنزين صدئة متهالكة مائلة متمائلة فملئت خزان وقود السيارة وتوجهت للبوفيه داخل بيت طيني وباب خشبي متهالك موجودة في وسط المحطة وطلبت شاي ليساعدني على الاستيقاظ أثناء القيادة. نظرت نحو سيارتي وأنا أنتظر العامل يسكب الشاي من أبريق أصفر نحاسي مطعج من كل الجهات، وإذ بي أشاهد رجلا بالقرب من سيارتي، أشعث أغبر وأحدب الظهر يلمس سيارتي ثم التفت إلي بنظرة مريبة ومخيفة لم أكترث له كثيرا وودت أنه لم يمس السيارة لأنها كانت جديدة وكنت أحافظ عليها كثيرا تلك الأيام، فأخذت الشاي ونظرت مرة أخرى نحوه فلم أجده وتعجبت كيف أختفى بهذه السرعة. ركبت سيارتي وتحركت مسرعا لا ألوي على شيء من هذه المحطة المظلمة كقلب كافر، وأضئت النور الداخلي، وتفحصت المقعد الخلفي بالمرآة العاكسة على سبيل الاحتياط فقط. شغلت شريط أم كلثوم واسترخيت طوال الطريق الطويل والذي يبدو أنه لا نهاية له وأنا أستمع إلى أغنيتها الخالدة التي تصدح بأحلى الكلمات" رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا *** علموني أندم على الماضي وجراحه ***اللي شفته قبل ما تشوفك عنيه *** عمري ضايع يحسبوه إزاي عليه"، وبعد نحو ساعة وأنا قي قمة الاسترخاء، سرحان وأفكر في المغامرات القادمة التي ستحدث في أزقة وفنادق القاهرة ونيلها وحول الهرم، فأخذني الأفكار حتى تخيلت أني اسير وسط وادي الملوك وأتجول بين قبور الفراعنة في الوادي الصخري المحاط بالتماثيل والتعاويذ التي يعتقد الفراعنة أنها تحمي قبور ملوكهم فتبسمت منتعشا لهذه التخيلات اللذيذة، لكن فجأة ظهر لي شيئا وسط الظلام شل تفكيري ووقف له شعر رأسي وكدت أنحرف بالسيارة من الرعب الذي أصابني، فقد ظهر لي نفس الشخص الذي رأيته قبل ساعة في المحطة الموحشة وهو يقف في نصف الطريق وبدت لحيته الكثة وأسنانه ظاهرة كأنياب ذئب متوحش وعيناه المريبة ازدادت حمرة، كل ذلك حدث في جزء من الثانية لكن صورته انطبعت في مخيلتي بكل تفاصيلها، فأصبني الهلع الشديد وخشيت أن يكون عفريت من الجان لأني كنت قد قطعت إلى الآن نحو 150 كلم ولم أمر على أثر لوجود حياة أو إنسان أو حتى نار مشتعلة، فكيف وصل هذا المسخ إلى هنا ولماذا وقف وسط الطريق، وبسرعة وبفعل الخوف والرهبة أستبدلت شريط أم كلثوم ووضعت بدل منه القرآن الكريم بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد حتى وصلت لمنطقة جبلية ومنعطفات تلتف كأنها ثعبان ولا أعلم أين تقع على الخريطة التي معي واستمريت بالسير لنحو 10 كلم أخرى ثم أنبسط الطريق مرة أخرى وكنت أتمنى أن أجد أثر للحياة أو محطة وقود أو أي شيء أتوقف عنده حتى يهدأ روعي ويطمئن قلبي. وتذكرت وأنا أستمع للآيات الكريمة وحشة القبر عندما ينقطع الإنسان عن الناس والدنيا وكيف يكون حاله عندما يكون وحيدا ليقابل مصيره الحتمي تحت التراب والظلام الدامس، ولكني بدأت أشعر ببعض الطمأنينة عندما ظهرت في جانبي سيارة عراوي وبها شخصان ويضيئها نور أحمر خافت، فتجاوزاني ونظرت للسرعة لدي فكانت 140 كلم في الساعة، ارتحت بعض الشيء لوجود بشر بالقرب مني ولكن ذلك لم يدم طويلا، فقد اختفت السيارة بعد مدة في الظلام ثم أتت سيارة أخرى شبيهة لها تماما وتجاوزتني فازدادت دقات قلبي أكثر فأكثر وأحسست أن هنالك شيء غير طبيعي في تلك السياراتين، فقررت أن أتجاوزها بدوري فزدت من سرعتي وأنا أنظر إلى من بداخلها لأرى تحت الأضواء الحمراء الخافتة قزمان أجزم أنهما بطول طفل في الرابعة من العمر يضحكان ضحكات شيطانية من كل قلبهما وكأنهما يقولان شاركنا الضحك . فتعجبت كيف يمكنها سياقة السيارة وماهي سر تلك الضحكات التي تخلع القلب من مكانه، فاستبدلت شريط عبد الباسط عبد الصمد ووضعت سورة البقرة بصوت الشيخ العجمي، وتجاوزت السيارة بسرعة قصوى وألقيت عليهم نظرة أخيرة في المرآة العاكسة وقد اختفوا بعيدا عني، ولكن ويا للهول فبعد أكثر من ربع ساعة من تجاوزهم وأنا أقود بسرعة عالية وجدت السيارة الأولى أمامي، فزدت من السرعة حتى اقتربت من 200 كلم وتجاوزتها دون أن أجرأ حتى أن أنظر إليها فسطع ضوئها الأحمر بقوة علي وأضاء قمرة القيادة حتى أني رأيت قدماي واضحتان وعليهما ظلال قرني شيطان، ولكن المفاجأة التي كادت أن تقضي علي وتنهي كل شيئ في تلك اللحظة أن ظهرت سيارة أخرى ثالثة مماثلة أمامي وبها نفس الأشخاص ونفس الضوء الأحمر، فأحسست أني قد دخلت وادي التيه وخرجت من دائرة الزمان. كان قد بقي عن صلاة الفجر نحو ساعة فصرت أدعو الله أن يأتي بنور الصباح حتى تنتهي هذه الليلة المرعبة الطويلة وأنا وحيدا وجلا في قلب هذه البيداء التي لا نهاية لها أردد الأيات مع الشيخ العجمي، لكن ولله الحمد أتى الفرج عندما ظهر على مد البصر بصيص ضوء خافت في نهاية الطريق ففرحت واستبشرت خيرا وعادت الطمأنينة لي شيئا فشيئا وقررت التوجه إلى المكان والبقاء به حتى يشع نور الصباح. كان المحل الذي قصدته هو محطة تقوية للهاتف السعودي السيار الكحيان في تلك الأزمان، فتوقفت بالقرب منه وأطمأننت حينما وجدت عدة سيارات للهاتف وشخص مسلح يقوم بسكب ما بقي من القهوة على الرمال. وقفت في جانبه وكان ينظر إلي بحذر وأنا بدوري أنظر بحذر أكثر منه، سلمت عليه ورد التحية وقلت هل تسمح لي بالجلوس معكم حتى الصباح، رحب بي وقال حياك الله، تفضل صلي معنا الفجر وافطر ثم توكل على بركة الله. جلست معهم وكانوا نحو خمسة أشخاص وذكرت لهم قصتي، فأخبروني أني لست أول شخص يتوقف لديهم بسبب شعوره بالخوف والرهبة، بل في بعض الأحيان يأتي إليهم أكثر من خمسة أشخاص ومعهم سلاح ويطلبون الاستئناس معهم مثلي حتى الصباح. بعد الافطار وخروج الشمس استعدت ثقتي بنفسي وأكملت طريقي ووصلت إلى مدينة حقل على البحر الأحمر قرب الحدود الأردنية في السابعة صباحا، وسرعان ما نسيت العفاريت وشغلت أغنية لعبد الله الرويشد "على ايش نتفاهم وحبل المودة بيننا مقطوع" .

ومن مدينة حقل الصغيرة التي تقع على في شمال البحر الأحمر يستطيع الشخص أن يرى مصر والاردن واسرائيل وهو واقف في نقطة واحدة، فتوجهت منها شطر مدينة العقبة في الأردن وفي الجمارك الأردنية البدائية فتشني كهل أردني يلبس بدلة وعليها شماغ وعقال وطلب مني في العودة أن أحضر له هدية عبارة عن جزمة مقاس 43، صدقوني هذا ما طلب، ويا ليتني وفيت بوعدي له لأني حسيت أنه رجل طيب ويستحق والله التقدير، فهو كبير في السن ويظهر أنه قد عانى كثيرا من شظف العيش. وفي ميناء العقبة التي تنطلق منها البواخر والعبارات نحو مصر كان موعد أول باخرة ستبحر نحو ميناء نويبع في صحراء سيناء عند الساعة الثالثة عصرا، فاستقليتها بعد أن دفعت 1000 ريال فقط رسوم السيارة والتذكرة وكان اسم الباخرة "حقوق الإنسان". عندما ركبت الباخرة كان قد مر علي يومان لم أنم سوى ساعات بسيطة لا تتعدى الخمس ساعات، فأدخلت سيارتي في قعر السفينة وتوجهت للأماكن المخصصة لركاب الدرجة الأولى وأخذت جولة سريعة في عبارة حقوق الإنسان التي يعود تاريخ صناعتها للستينات الميلادية واتجهت للطابق العلوي ودخلت عن طريق سلم قصي يؤدي لسطح آخر فوق دكة العبارة، فرأيت باب يشبه زنزانة السجن تماما وعليه سلسلة عظيمة كالتي تربط بها أرجل الأفيال وقفل في مقاس شنطة مدرسية متوسطة الحجم وخلف الأسوار ينتشر عمال صعايده مسحوقين ومتناثرين فوق سطح السفينة وكأنهم يقضون فترة عقوبة مع الأشغال الشاقة. كان الهدف من سجنهم في الأعلى هو عزلهم عن بقية المسافرين وكأنهم ليسوا بشرا مثلنا، وهذا دليل بأن جنوح السفن والعبارات التي تنقل البشر من وإلى مصر وآخرتها عبارة السلام هو بسبب جشع أصحاب تلك البواخر وعدم وجود من يدافع عن هؤلاء البسطاء المسحوقين.

نمت في الباخرة من الساعة الرابعة عصراً حتى الثانية عشر ليلا، وعندما وصلنا جمارك نويبع تعرفت على شخص من قطر اسمه عبد الهادي ويعمل كاتب عدل في محكمة الدوحة ولديه سيارة موستنج سوداء واتفقنا أن نكمل المشوار سويا، وطالت اجراءات الجمارك والتفتيش والبخشيش الذي لا ينقطع حتى أذان الفجر، كل شيء عليه جمارك، نوعية الاستيريو الفخمة، نوعية جنوط السيارة، فتحة السقف، ما باقي إلا شراريبي ياخذون عليها جمارك، حتى شكيت والله إنهم كميرا خفية، وكله من غير أوراق أو وصولات، إدفع تنجو، تلكأ في الدفع تنام في الجمرك، بعدها انظلقنا وسط صحراء سيناء باتجاه القاهرة دون عفاريت هذه المرة برحلة طولها نحو 500 كلم. في الطريق إلى القاهرة تغيرت المعالم كثيراً، ففي الأمس كنت أرى سيارت الجمس المتروس حريم وبزران وسيارات الكابريس والجيب والليموزين السعودي، وهأنا بعد يوم واحد فقط أتجاوز السيارات من نوع فيات ونصر وتكسي البيجو الأسود والأبيض المصري الشهير والكتابات الجميلة عليه، صلى على النبي، يا ناس يا شر كفاية قر، أبو محمود وسارة، يا تعدي يا تهدي، آكلك منين يا بطة، وناس رايقة وتحب الحياة مش مثلنا رسميين لو تنظر عند الإشارة لأي واحد تراه متجهم وجاحظ العينين وكأنه في طريقه لمستشفى الأمراض العقلية. كنت أعلق المنبه لهم وأحييهم "صباح الورد يا قدعان" وهم يحيوني بفرح ويقولون "نورت مصر يابيه، يا أمير"، فالمصريين أكثر أهل الأرض "عشرية" بل أن مصر هي البلد الوحيد في العالم الذي لا تحتاج أن يرافقك إليها صديق. إذهب إلى أي قهوة شعبية إن كنت وحيدا واسحب بكل ثقة كرسيا وسطها وأسأل أقرب شخص بجانبك، "كم الساعة يا أفندم" واعلم رحمك الله، أن المصري لن يعطيك الجواب بسرعة أو ببساطة كما تتوقع، بل سوف يقول لك "عايزها كم يا أفندم، منور والله مصر، حضرتك من فين" ثم يدخل معك بحوار طويل في السياسة والكورة والاقتصاد والحج وقبر النبي (ص)، طبعا غني عن القول بان المصري موسوعة بكل شيء، خخخخخ ، وبعدين يعزمك على الشاي"واللب والسداني" "فصفص وفول سوداني" واليوم الثاني ممكن يعزمك على بط ووز واليوم الثالث يزعل لو ما مريت عليه أو سألت عن أحوال خالته إلي أخبرك أنها عيانة وكأنك نسيت العشرة إلي بنكم، وعلى النقيض من لندن ومن الانجليز، فلو سألت رجلا انجليزيا عن الساعة، فسوف تسمع إجابة مقتضبة وكأنها رصاصة إنطلقت من فمه ولن يكرر لك الجواب إن لم تسمعه وسوف يختفي من حياتك وسط الزحام ولن تراه مرة أخرى ما حييت أبدا. ومن الأشياء الجميلة التي رأيتها في سيناء هي آثار حرب 73 التي قادها السادات رحمه الله بحنكته ودهائه، فتجد مئات الدبابات الإسرائلية محطمة ومحترقة وصدئة بفعل الزمن، والجميل بأن أغلب فوهاتها متجهة نحو الشمال الشرقي، أي أنها كانت في حالة إنسحاب إلى اسرائيل، مما يرد بعض الثقة للعربي المعاصر بأن خير جند الله في الأرض متى ما توفرت لهم الظروف المناسبة والقيادة الصادقة، فلن تجد أشجع ولا أدهى منهم في الحروب.

وصلنا مع شروق الشمس للقاهرة واتجهت أنا وعبد الهادي لفندق ماريوت وحصلنا على غرفة تطل على حديقة الشاي والمسبح ب 55 دولار فقط، يعني كل واحد يدفع حوالي 27 دولار، لذلك شاركت بشهر كامل هو مدة وجود عبد الهادي من قطر بالرغم من وجود سكن لي في الدورم (سكن طلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة).

في اليوم التالي اتجهت لسكن الجامعة الذي يقع في نهاية شارع شجرة الدر في حي المهندسين الحي الذي كان يعد في أربعينات القرن الماضي من أحياء القاهرة الراقية، وأشهر شوارعه شارع جامعة الدول العربية وشارع أحمد عرابي و شارع 26 يوليو، ووجدت جميع رفاقي قد وصلوا بالسلامة على الخطوط المصرية وحكيت لهم ما حصل لي من أهوال في الطريق بين حائل وتبوك وحقل، وأخبرني أحدهم بأنه سيعود معي في نهاية الدورة ولن يدعني أغامر في العودة لوحدي. كان سكن الطلاب جميل بناه كما توضح لوحة الشرف المعلقة في مدخله كل من القصيبي والجريسي وأحمد عبد اللطيف جميل، وهو مكون من جناحين، جناح للطلاب وجناح للطالبات وفي الطابق الأرضي، في أقصى البهو يوجد مطعم جميل خاص بالطلاب المقيمين القادمين من أنحاء العالم.

في البداية "كش" منا جميع الطلاب والطالبات لأنهم لم يستسيغوا هؤلاء الغزاة الجدد الأعراب الأقحاح أحفاد عدنان ومعد وقضاعة وطي ومضر الذين يختلفون عنهم في المظهر والسن والملبس، خاصة أننا احتلينا ركنا مميزا في البهو وقلبناه إلى سوق عكاظ نتباهى فيه بمفاخرنا فتتعالى أصواتنا المتشنجة أثناء أي حديث مهما كان تافها حتى لو أردنا شراء سندوتش فلافل بدون شطة نحدث جلبة وازعاج ونعيق فيسمعنا آخر طالب تعيس الحظ في البهو أكثر مما يسمع للشخص الذي يجلس معاه في نفس الطاولة والذي قد يكون يتحدث معه عن تكنولوجيا النانو. وجل مواضيعنا التي نناقشها مستهلكة وبيزنطية الطابع مثل مواضيع سياقة المرأة وأننا أفضل بشر في العالم وشعب الله المختار وغيرنا يخشى عليه من عذاب النار. لكن بعد مدة تمكن "بعض الخارجين عن الجماعة" وعددهم أربع وأنا كبيرهم بالطبع من كسر الحاجز النفسي الوهمي وتعرفنا على شيرل كندية مسلمة، وسمر سورية، وهيفاء وهبة لبنانيتان شقيقتان، وتبثا سامنثا أمريكية، وسهيل ودانيال سعوديان رغم أن اسم دانيال غير عربي فهما سعوديان من جدة.

كسرنا الحاجز النفسي وسحبنا على الركن السعودي الممل الفوضوي وانضممنا لاصدقئنا الجدد وأصبحنا نذهب للجامعة سويا ونعود فنقضي أجمل الأوقات في ركوب الخيل في صحراء الهرم أواستئجار البواخر النيليلة والسهر في الأماكن الراقية مثل ورلدز ويندو، وهو مطعم راقي في أعلى هلتون رمسيس أو في ماريوت والفنادق الأخرى الراقية. مع مرور الأيام بدأت أميل لهبة اللبناية وجذبني إليها بالاضافة لجمالها ذوقها الرفيع ورزانتها وكذلك ثقافتها العالية. لكني لم أظهر لها شيئا من ذلك بل عزمت أن أحول إعجابي بها إلى نوع من "التلذذ بالحرمان ،،،،، لن أكمل هنا".!!!!..

لذلك قمت بعمل اتفاق مع صاحب محل للورود في بداية شارع شجرة الدر المتفرع من شارع 26 يوليو وقريب من السكن باحضار باقة ورد كل يوم الساعة الثالثة ظهرا ويضعها في الاستقبال باسمها، فكان يرسلها مع "الصبي بلية" على دراجته الرشيقة، وللطرافة كان أحد زملائنا الطيبين والمتبسطين في حياتهم اليومية وهو من الناس الذين أعتز بصدقاتهم، كان قد اتفق مع صاحب محل فراخ بجانب محل الورد بأن يحضر فرختين عليهم القيمة يوميا لعمل كبسة محترمة يوزعها على بعض الشباب من نفس المجموعة. لم يكن الطبخ مسموح به في السكن لأسباب تتعلق بالسلامة ولوجود مطعم في الطابق الأول ولكن حبيبنا أبو عبد الله حصل على استثناء من الظابط برتبة عميد المسؤول عن أمن السكن لطبخ وجبة عشاء فرختين يوميا مع رز المهيدب طويل الحبة على شرط أن يحصل الضابط على صدر أو فخذ فرخة بالرز المعمر يوميا. "الصبي بلية" أصبح يأتي كل يوم بفرختين وبوكيه ورد، يضع على يمين المقود الورد وعلى يساره الفراخ وهو يفرق بينمها في الدريكسو حتى لا تختلط رائحة الورود بزفر الفراخ والله أعلم، فيسلم الفرختين لحراس الأمن لتتجه لأبي عبد الله مباشرة فيشرع بعملية الطبخ بمزاج عالي، بينما يتجه بوكيه الورد إلى الغرفة رقم 242 في قسم البنات. كنت أؤوكد على صاحب محل الورد دوما بأن لا يفشي السر وقد حافظ عليه تماما مع الإكرامية المتواصلة بطبيعة الحال. كنت أصرف كالعادة كل ما لدي من أموال في مقابل أن أتمتع بمباهج الحياة دون زلل لأقصى حد، وبالرغم من أن كل واحد منا كان يستلم في تلك الأيام مبلغ يصل نحو 18 ألف ريال سعودي بالإضافة إلى مبلغ 30 دولار كمصروف جيب يومي وسكن مجاني، إلا أني بسبب تلك التصرفات أصبت بالفلس قبل يومين من نهاية الشهر فإتجهت إلى صديقي العزيزي الذي يسكن معي بالغرفة واسمه سامر، وطلبت منه ألف جنيه ليومين فقط حتى تأتي المهية آخر الشهر، فرد علي يا عمي مجنون أعطيك، إحنا نقول فرصتنا في هذا الكورس بنطلع بأربعين أو خمسين ألف ريال وأنت تفلس من أول شهر، روح يا حبيبي انتبه لفولسك، قلت له لا تعطيني فلوس بس يرضيك ينقطع بوكيه الورد عن هبة، فقفز من مكانه وقال أفا عليك وأنا أخو حصة، والله ما ينقطع الورد عن هبة لين ينقطع نهر النيل، قوم معاي البنك وصرف لي ثلاثة آلاف جنيه وقال لا تنس تختار ورد زين لبكرة والله الله باللون الأحمر، كثر منه، خخخخخخخخ.

كانت البنت اللبنانية تفتخر بالمعجب الخفي أمام جميع البنات وأمامنا نحن الشباب ويبدو أنها لم تدرك أني أنا العاشق الهيمان إلي يستاهل قرص الوذان. ومن غيرة البنات منها قامت بعضهن باهداء انفسهن وردا وادعين أنه من عاشق آخر هيمان وخفي وكمان في حبهم غلبان، فتقاولن مع صاحب الورد حتى امتلاء الرسبشن بالورود فحسب بعض المارة في الشارع أن السكن تحول إلى محل لبيع الورود فقصده العرسان يبحثون عن كوشات وزينات، وزوار المرضى عن بعض الوريدات، ولكن حبل الكذب قصير ولم يمتد سوى اسبوع أو اسبوعين والصبورة من امتد بها الحال لشهر من الخيال، خخخخخ .

كان من ضمن الأشخاص الذين تعرفنا عليهم شاب سوري يدعى باسل وهو ولد معجباني ترعرع وتقرع شعر رأسه في مدينة الخبر، وسيم وجسمه رياضي ويحلق شعره على الصفر يوميا ويدعوه المصريون ب"زلبطة" يعني قرعة بلغتنا. وفي أحد الأيام كنا نتسامر وهبة تضع بوكيه الورد بكل فخر بحظنها ولكنها لما قامت سلمته إلى باسل وقالت خذ هذه الباقة لك فقد امتلئت غرفتي بالورود وأخذها باسل وتوجه بها لغرفته وعاد عندما أوشك وقت العشاء وبدأنا نحضر الطعام اللذيذ من المطعم في الطابق الأرضي. لم يرق لي ما فعلته هبة فقررت أن أقوم بمغامرة مجنونة فتسللت دون أن يشعر بي أحد وكأني ذاهب إلى دورة المياه، وهذه الطريقة استوحيتها كذلك من قصة شورلك هولمز المشوقة "مغامرة إكليل العقيق" التي يقوم خلالها القاتل بالتسلل من طاولة الطعام فيقتل الضحية ويعود لإكمال العشاء وكأنه ذهب لدورة المياه ليكون الجميع شهودا بأن القاتل كان معهم أثناء وقوع الجريمة، ذهبت وكان يفصل بين السكن الخاص بالشباب عن سكن البنات ساحة تتوسطها نافورة جميلة، نظرت فوجدت معظم الشبابيك مفتوحة في الجهتين ومن ضمنها شباك باسل وشباك هبة، فقررت تنفيذ الخطة التي طرأت لي وأقتربت من مواصير تصريف المياه وتسلقتها بخفة ودخلت غرفة باسل ووجدت البوكية فحملته ورأيت بيانو جميل في غرفته ثم وجدت ورقة وقلم فأخذت الورقة وكتبت الجملة التالية "لو أخذت الورد ثاني مرة كسرت البيانو فوق رأسك يا زلبطة، التوقيع زنهم أبودراع، فتوة الحسين "خخخخخخ، وربطت الورد في حزام بنطلوني ونزلت بسرعة بعد أن أخذت في جيبي ورقة أخرى وقلم زلبطة لأكتب رسالة أخرى لهبة واتجهت للجهة المقابلة وتسلقت إلى غرفتها ووضعت الورد على سريرها وكتب "أهديتك أجمل الورود ونسجت لك في قلبي أعذب الشعر، فاحفظي الورد كي أحفظ لكي في قلبي أجمل الأشعار، المتيم نديم الهوى". وعدت سريعا بعد أن نفضت ملابس من أي أثر للجريمة وأكملت العشاء معهم، وعندما عادت هبة لغرفتها رجعت وهي فرحة وخائفة في نفس الوقت تحمل بوكيه الورد والورقة المكتوبة عليها، فقام باسل مسرعا واتجه نحو غرفته وأحضر الورقة الأخرى التي كتبتها له وقرأها علينا جميعا، فاستغليت فرصة شعورهم بالشك والريبة والغموض الذي بدأ يتلبسهم عن سر هذا الشخص الخفي فقلت يا جماعة الخير أجزم أن لدينا جان هنا في السكن وأخبرتهم بالقصة التي حصلت لي في الطريق بين تبوك وحائل، وقلت لهم أني أشك أن الجان قد لحق بي أو أنه قد ركب في المقعد الخلفي معي بالسيارة وبدأ يلعب معنا ويتسلى بحكاية الورد، لكن تطمنوا، يبدو أنه عفريت رومانسي، وإلا حرام العفريت يحب يعني . عندما سمعت هبة ما أقول سقطت على المقعد شبه مغشي عليها وأتت بنت سمراء أخرى من جنوب أفريقيا فسالت ما بها وترجم لها باسل ما حصل وحدثها عن شكنا بالجن فسقطت كذلك مغشيا عليها وقمنا بمساعدتهما وأتى الطبيب بسرعة تسبقه كرشة العظيمة وكشف عليهما وقال أن كل نتائج الفحوصات سليمة ولكنهما تحتاجان لبعض الراحة. في الواقع لم يكن مغمى عليهم ولكنه دلع بنات مع شيء من الرهبة، وعدت المسألة على خير وبصراحة بغيت أعترف على نفسي لما حصل الموقف هذا بس انتظرت ولما تأكدت أن الجميع بخير بلعت العافية وسكت.

إلى هذا اليوم لم تكتشف هبة أني أنا الذي كنت أرسل لها الورد كل يوم، ولم أخبرها بدوري بشيء، ولم يكن يعرف سر الورد سوى صديقي سامر، لكن هبة بالتأكيد شكت في كثيرا، وقد تكون تأكدت من ذلك عندما سافرنا وانقطع عنها الورد، كما انقطعت الفراخ ورز المهيدب طويل الحبة عن السكن.

طولت عليكم، بتقولون بس وين بريصة اليوم، وأطمنكم إنه بخير وقد أخذ إجازة بسبب طول حلقة اليوم وسيعود لكم في الحلقة القادمة إن شاء الله



يتبع

مشاري بن نملان الحبابي
18-04-2010, 12:56 AM
زين أنه ما سقط قلبك ..

نحن في انتظار لقائك ببريصة ..

وفي انتظار قصة عودتك مع نفس الطريق الموحش ..

وهل واجهك من الرعب مثل ما واجهك سابقًا ..

مشاري بن نملان الحبابي
24-04-2010, 07:06 PM
ما زلنا في انتظارك يا أخ نديم ..

نديم الهوى
26-04-2010, 01:16 PM
رسالة إلى الإخوة في الإدارة

يصلني تنبيه في بريد الخاص بوجود أكثر من رسالة،، وعند طلب فتحها لا أستطيع لأن مشاركاتي يجب أن تكون 50 مشاركة على الأقل،،،أرجو حل هذه المشكلة إذا تكرمتم

شكرا

أخي بن نملان شكراً على المتابعة المستمرة ولك الحلقة الحادية عشر



الحلقة الحادية عشر

زرت معظم دول العالم وتزلجت فوق جبال الألب وركبت الأفيال ونمت في معابد الهندوس في الهند وسكنت في أجمل المنازل المترفة في بيفرلي هيلز وسانتا مونكا، عشت أياما عيشة الملوك وأيام أخرى أطول عيشة الصعاليك، تناولت ألذ أنواع الطعام في أرقى المطاعم، وأردئها من عربات مكشوفة في دليهي بجوار الجامع الكبير "مسجد جهان ناما"، لكن قلبي تعلق بام الدنيا منذ أول مرة زرتها فيها ففضلتها على دنيا رب العالمين. أحببت أزقتها القديمة وشعبها البسيط الطيب وبازراتها ومطاعمها الشعبية والحمام المحشي بالفريك والملوخية والفول والطعمية على ما تقدمه مطاعم لو تراين بلو الفرنسية ومطاعم النايتس برج ومطعم سينيور ساسي. وقد كنت محظوظا عندما تعرفت أثناء الدراسة في الجامعة الأمريكية في القاهرة على "تبثا سمنثا" البنت الأمريكية الكلاس والمتخصصة بالدراسات الشرقية والتي تتقن اللغة العربية كأنها من نسل"يعرب بن قحطان"، وتحب القاهرة كلها على بعضها بحلوها ومرها، وتحب كذلك المشي على الأقدام طوال الليل والنهار لا تتوقف كأنها تكسي الجيزة أو خط البلدة في الرياض. فكنا نمضي أكثر أوقاتنا مشياً وسط الأحياء الشعبية والأزقة الضيقة والمنازل المتلاصقة والحوانيت المتداخلة ببعضها والتي تتميز بكثافة سكانية عالية، وأشكال الناس فيها غريبة عجيبة جدا، فلباسهم عتيق ومتسخ وشعورهم مقروضة قرضا وليس لها ستايل معين، نظراتهم غائرة ونظاراتهم بائرة، إما يكون الشخص فيهم ضخم كأنها ماموث أو صعلوك لدرجة تحسبه أنه يد الشخص الضخم الذي بجانبه، فالدخول لهذه المنطقة كركوب ساعة الزمن التي تأخذك لمئات السنين الغابرة.

لكن كل تلك المثالب كانت هي سر سحر وجاذبية القاهرة لنا، فكنا نقوم باستمرار بالتجول فيها ابتداءً من الساعة الحادية عشر صباحاً من حي الحسين وذلك بعدأن نتانول وجبة الغداء في أحد المطاعم الشعبية والتي يشتهر كل مطعم فيها باجادة نوع معين من الطعام لا يمكن أن تجد مثيله في أي مطعم آخر. فمثلا مطعم الحاتي في الحسين "الكبابجي يسمى الحاتي في مصر" رهيب جدا في عمل الحمام المحشي بالفريك والكباب والكفته، ولن تجد كبابا مثل كباب الحاتي لو أفنيت عمرك كله تلف العالم من أقصها لأقصاه، مستحيل. أو نتناول الرز باللبن في مطعم المالكي، أما الطعمية والفول والمسقعة فألذها التي يعملها مطعم الجحش، خخخخخخ، هذا اسمه والله،وعندما يصل الأمر لطبق الكشري المصري الأصيل فألذه الذي يعده مطعم العمده، بينما يتميز مطعم الشبراوي بأنه أفضل مطعم شعبي يعمل السندوتشات الغنية بالمخللات والشطة الحراقة. كنا كل يوم نجرب أحد تلك المطاعم الشعبية، ثم نذهب فنتربع على مصطبات قهوة الفيشاوي العتيقة في حي الحسين والتي تجاوز عمرها المئة عام فنشرب الشاي الثقيل أو السحلب والعرق سوس أو الزنجبيل أو اليانسون، ونأرجل المعسل العجمي ذي العبق السلطاني والرائحة الزكية، وعندما يروق"دماغ تبثا" ويعتدل مزاجها من المعسل العجمي يحلو لها أن تستعرض ثقافتها عن المقهى فتحكي لي كيف كان يجلس في هذا المكان قبل أكثر من ستين سنة الفنان محمد عبد الوهاب وهو يغني بانشراح وتهادي للسهارى )أمانة عليك ياليل طول.. وهات العمر من الأول)، وتواصل بشوق كيف كان الناس يتحلقون حوله أو حول الكتاب والأدباء والقصاصين الذين تعج بهم القهوة وخاصة في ليالي رمضان المبارك ليستمعوا بشغف منقطع النظير لسيرة أبو زيد الهلالي أوالزير سالم أو عنتر بن شداد وعشيقته عبله أو لقصة تغريبة بني هلال. وبعد هذا الفاصل الزمني، نكمل رحلتنا إلى حي خان الخليلي الملاصق لحي الحسين فنتجول حول مبانية التاريخية والتي تعود لعصر المماليك، أي أنها بنيت قبل 600 سنة، ويتميز الحي بتزاحم بازاراته التي تبيع الحلي والنحاسيات والاكسسوارات والفرعونيات. ثم نعرج بعد ذلك على الأماكن التاريخية الأخرى مثل شارع ما بين القصرين وقهوة الحرافيش التي أستوحى منها الكاتب الكبير نجيب محفوظ معظم قصصه الواقعية ومسلسلاته وأفلامه، وبعدها نكمل السير في القاهرة القديمة فنتجول وسط حارة اليهود والقاهرة الإسلامية والقاهرة القبطية والقاهرة الفاطمية ومسجد عمر بن العاص وقلعة صلاح الدين وحي السيدة زينب، ثم ننهي عادة جوالتنا نحو النقطة التي بدأنا منها في حي الحسين فنقوم بتناول وجبة العشاء عند الساعة الواحدة ليلاً.

في أحد الليالي زرنا منطقة المقابر التي تقع في القاهرة القديمة أسفل قلعة صلاح الدين، وتجولنا وسط القبور والأظرحة ونحن نشعر برهبة شديدة تزيدها ظلمة الليل وعواء الكلاب والقطط من كل مكان، وكنا نستغرب من "أطفال المقابر" الذين يلهون وسطها ويلعبون "الاستغماية، هايد آند سيك" دون وجل أو شيء من الخوف، كما كان الكثير من النساء يقمن بكل أريحية بنشر الغسيل فوق حبل مربوطة بشدة بين الأظرحة.

تعرفنا خلال التجوال وسط المقابر على عائلة تتسامر أمام "بيتها" فدعونا لشرب الشاي لديهم ورؤية المقابر التي تقع داخل فناء منزلهم، فوجدنا من ينام منهم وهو يسند رأسه على طوبة القبر لينام هنيئا في "الطراوة"، بل أن ابنهم الكبير كشف لنا عن قبو داخل فناء المنزل كان يستخدم كقبر لأحد قواد المماليك وأخبرنا أن الجثة قد ازيلت منذ زمن بعيد وأنه ينام داخل القبر في بعض الأحيان وخاصة في الشتاء عندما تشتد برودة الجو.

وفي أحد الأيام الربيعية المعتدلة الجو قررنا ركوب الحنطور فأستأجرناه من قبالة فندق ماريوت وطلبنا من "العربجي" جولة لمدة ساعة حول أزقة القاهرة واتفقنا أن نعطيه 60 جنيها أجرة عن الرحلة، وفعلا بدأنا في التنزه بجوار نهر النيل لنتمتع بمناظره الخلابة والتي تمخر به البواخر السياحية وتصدح منها الموسيقى الراقصة والصاخبة، وآلاف البشر يمشون حول كورنيش النيل تراهم يهيمون في كل ركن وكل زاوية وفي البلكونات وفي الساحات، في كل مكان مئات البشر، كثافة سكانية لا حصر لها، وعادة لا تخلو يد المصري من طعام يأكله أو كوباية شاي تعدل مزاجه، فتراه يأكل سندوتش فلافل أو باذنجان بالطرشي أو حتى خبز حاف أو كوز ذره أو يقزقز لب أو يشرب كازوزه، وإذا غلبت الروم وجدته يشعل سيجارة، وشعب لا يتوقف عن أسباب الحياة أبدا، فقلدناهم واشترينا بليلة من أحد الأكشاك ثم واصلنا الطريق نحو كوبري 26 يوليه وكنا نسير عكس اتجاه السير. وددت في البداية تحذير "العربجي" (العربجي كلمة تركية يعني سائق عربة، عربة جي، وفي السعودية عربجي يعني متخلف) بعدم عكس خط السير ولكني تركته لشأنه ففي القاهرة كل شيء ماشي بالبركة، لكن فجأة ظهر لنا شاويش مختبئ خلف جدار وسط الظلام وقام بتوبيخ "العربجي" وقال له لازم تدفع 100 جنيه غرامة السياقة في الاتجاه المعاكس للسير، ولم أتدخل طوال الوقت بينهم، إلا أن الشاويش التفت إلي في النهاية وقال لي "يرضيك برضه كدا يا بركة " قلت والله ما يرضيني، خذ يا عم 50 جنيه وسامح الراقل الغلبان أصله ما يقصدش، وناولته الفلوس وكملنا المشوار ورحنا شربنا عصير منقة وفخفخينا عند فرغلي في شارع جامعة الدول العربية.

وفي اليوم التالي اتجهنا شرقا في رحلتنا على الأقدام لاكتشاف مدينة القاهرة، فسرنا باتجاه شارع الدول العربية وتناولنا طعام العشاء في مطعم أبو شقرا، وهو من أنظف والذ المطاعم في المشويات في مصر، ثم قفلنا عائدين نحو السكن وكنا نسير بمحاذات مسجد مصطفى محمود والذي يوجد بالقرب منه حراسة أمنية مشددة لوزير مصري سابق، فاستوقفنا جندي جاهل وأحمق يبدو أنه قد خرج بالأمس فقط من الترعة وقال "حضرة الصون عاوزكم"، رديت بكل ثقة مين حضرة الصون يا عمي، إذا الصون عاوزنا يجي هو عندنا، فما كان من الجاهل ابن الأحمق إلا أن رفع الرشاش في وجهي دون مقدمات وقال "الي يقوله حضرة الصون هو الي يمشي قدامي يا غجر"، فأدركت أنني مقدم على مصيبة لا محالة فسلمت أمري لله وتوجهنا للصون الأجهل من جهل الجاهلين، وبدأ لي منذ البداية من سحنة وجه حضرته اللاحم وبريهته العسكرية التي تغطي اذنيه وشنبه المنفوش كأنه برادة حديد جذبها مغناطيس، بأن عقله مقفول بالضبة والمفتاح. بادرني حضرة الصون بالسؤال مباشرة مين دي الي معاك وتعملوا ايه هنا، رديت يا محترم انت إنك عسكري حماية لشخصية مهمة زي ماهو واضح، لكن مش شغلتك تصيد الزباين من الشارع بسنارة وتحقق معاهم، بعدين هذي أمريكية ياعمي بلاش فضايح. أخونا بالله لما سمع انها أمريكية فكر انها ما تعرف عربي ودخل معاي بكلام ساقط عنها وقالي اسئلها كدا "بالامريكاني" وشوف جوابها ايه على الكلام إلي قلته لك!!!، رديت عليه وقلت عيب عليك يا حضرة الصون هذي برضه انسانة محترمة وعندها مباديء ودين وأخلاق إنت فاكر الدعوة سايبة وإلا أيه، رد وقال لي "دي عندها دين!!!! دينها ايه؟"، رديت قلت مسيحية، قام فحرك سبابته مثل مساحة سيارة، يمين شمال وهو يشير نافيا وقال بكل جدية "الأمريكان مش مسيحين، قلت أمال إيه يا حضرة الصون، قال الأمريكان دينهم كفار!!!" (يفكر كلمة كفار ديانة مستقلة خخخخخخ)"، عند هذه النقطة فهمت مدى المصيبة التي وقعنا فيها وأدركت إنه ما فيه غير طريقة واحدة للتفاهم مع هذا العبيط وهي النصب على إلي خلفوه، فقلت كلامك عين العقل يا حضرة الصون، بس لو تعرف جنابك إن "الآنسة فتاكات بنت وزير الداخلية حسن بيه الألفي"، ربنا يقازيها ألف خير كل يوم تديها دروس خصوصية عن الإسلام، أمال يا راجل، مهي صاحبتها الروح بالروح وتدعيلها كل يوم بعد كل فرض صلاة بالهداية، عندها هبط شنب الصون الجاهل وكأن المغناطيس أعطاه سالب هذه المرة وبلع ريقه وقال "يارب ينجح مقاصدها وتسلم على ايديها، أصلو باين ع البنت إنها أمريكانية طيبة قوي قوي قوي يا ولد أبوي، ما تشربوا الشاي معانا يا قماعة؟؟، الشاي ع النار!!!". رديت بسعادة يجعله عامر يا فندم، أنا لازم أروح دي الوقت تلاقي الحجة أم فتكات زمانها بدور علينا، وأنتهت المشكلة وتخلصنا من الصون الجاهل وشتمناه لما غادرنا المكان إلى أن طلع الصباح.

في يوم لاحق أشترينا وجبة كباب من الحاتي في الحسين وركبنا أحد الزوراق النيلية وكان الجو جميل منعش فطلبت من سائق الزورق أن نركب في أعلى الزورق فوق قمرة القيادة في مقدمة الزورق لنتناول وجبة الغداء حيث يمكننا أن نتمتع بمنظر جريان مياه النيل وأشجار البردى على جانبي النيل، فوافق بسعادة وجلسنا وفتحنا الكباب الحار والطرشي والسلطات والطحينية وعلب البيبسي وبدأنا في تناول الطعام بشهية عارمة. فجأة سمعنا بعض من جنود حرس المسطحات المائية يخاطبونا بالميكروفون من زورقهم وباسلوب شوارعجي "أنت يا الي هناك، إنزل يا وله (يا ولد) منك ليها ممنوع تقعد فوق، انزل يا وله، انزلي يا بت"، فقلت سننزل إلى وسط الزورق بدلا من نعيق هذا الجاهل الآخر، فرد علي صاحب الزورق "خليك مكانك، دا القندي داه لو هوب ناحيتك دنا حا أديله بالقزمة على قفاه، ما تعبروش، دنا المعلم حوشة يا راقل" إنت أصلك معذور ما تعرفش مين هو الريس حوشة سبع النيل!!!!، قلت أكيد تقدر تتفاهم معاه يا معلم حوشة، قال عيب عليك، أمال هو حد يقدر يتجرأ يقول ثلت التلاته كم للمعلم حوشة، بعدين ما تخدش بي بالك، دا عسكري غلبان، فأكملنا تناولنا الطعام ونحن فوق قمرة القيادة دون أي اعتبار للعسكري الغلبان، بيد أن العسكري لم يعجبه ذلك فلحق بنا فنبهت المعلم حوشة وقلت يا عم أهو العسكري جاي، جهز بقا جزمتك عشان أول ما يوصل تديله على قفاه. ولما اقترب الجندي المزعج من زورقنا وتحققت من رتبته التي تسطع على كتفيه وإذا هو برتبة عقيد بحري يا للهول"أو يا لهوتي"!!!، فأخبرت صاحب الزورق " العسكري طلع عقيد يا حبيبي، حتمل ايه معاه دا الوقت" اصفر وجه صاحب الزورق واحمر ولما وصل له العقيد وغسل شراعة وسأله لماذا لم لم يستجيب للنداءات المتكررة، رد عليه المعلم "حوشة سبع النيل" بانكسار وتذلل وقال "أبوس معــــــالـــــي جــزمتــك تسامحني يا بيه دنا غلبان" خخخخخخخخخ، معالي جزمتك حته واحدة يا معلم حوشة يا جبان، وين يا عمي سبع النيل الي بيديله بالجزمة على قفاه، والله حلوة منك يا ريس حوشة، وماشي يا بركة،،،،،ذكرتي والله بالعسكري بركة ، خلونا نرجع للبركة مرة ثانية.

اشتقنا لركوب الحنطور مرة أخرى فركبنا مع نفس الشخص من عند فندق ماريوت وذلك بعد مدة اسبوعين من المرة الأولى، ويبدو أن العربجي لم يتعرف علينا، فبعد أن سار بنا نحو برج القاهرة ومايسبيرو "برج التلفزيون" اتجه مرة أخرى نحو كوبري 26 يوليه وبالاتجاه المعاكس مرة أخرى، فنبهتني "تبثا" بأنه سوف يكرر نفس الخطأ ومن الأفضل تحذيره، لكني قلت لها لا، لا، لن نحذره خلينا نشوف آخرتها، وفعلا لم يخطيء حدسي فبعد مدة وأثناء السير عكس الاتجاه فوق كوبري 26 يوليه ظهر الشاويش النصاب المختبئ من نفس المكان وبدأ بمسرحية توبيخ العربجي وطلب منه غرامة 100 جنية، ثم استدار نحوي وقال بصوت يستدعي الشفقة "يرضيك برضه كدا يا بركة ؟". ضحكنا لما كشفنا سر عملية النصب التي اتفق عليها صاحب الحنطور والشاويش الغلبان، وقلنا لهم، لا المرة هذي سامحونا انتم، العرض المسرحي مجاني، حنا زباينكم خلاص، ما يصير تاخذون منا فلوس، فركش يا حبيبي منك له،،،خخخخخ .

وبعيدا عن تبثا سامنثا، سأختصر في النهاية كيف استطعت أن أصل إلى بريصة الأصفهاني بعد أن دوختكم باللفة الطويلة على القاهرة وأيامها الحلوة، فأصل الحكاية يعود لزميلنا العزيز سهيل من مدينة جدة والذي كان يدرس في المرحلة النهائية في الجامعة الأمريكية ويتقلد منصب رئيس نادي الطلبة السعوديين في مصر، ورغب في المشاركة في الحفل السنوي الذي يقيمه الطلاب في الجامعة الأمريكية للتعريف ببلدانهم تحت مسمى "اليوم العالمي". كان يتوفر لدى سهيل ميزانية 6 آلاف جنيه مصري فقط كميزانية للاشتراك في "اليوم العالمي"، وكان يحتاج أكثر من عشرة آلاف جنيه أخرى للحصول على مجسمات ونماذج تمثل البيئة السعودية يعملها عمال مصريون وعلى شراء ملابس سعودية صناعة صينية، وشماغ وطني سعودي صناعة انجليزية ودواليب عتيقة مزينة بمرايات ومعشقة بالدبابيس لحفظ وتطبيق الملابس وسجادات الصلاة صناعه هندية، وزير ماء ووجار للجمر ومهفات صناعة سورية وابريق الشاي القديم الملون بمثلثات متداخلة حمراء أو خضراء يستخدمها عادة أهل البادية وهي صناعة بلغارية. كما تقاول سهيل مع مطعم مصري لعمل "كبسة بخارية" لتوزيعها في اليوم السعودي على الزوار على أنها طبخة سعوديةّ!!!!. وكان عمنا سهيل يحاول أن يجمع المبلغ من أي كان فطرق باب السفارة ولم يجد أكثر من الستة آلاف، وتحدث مرة معي وذكر لي بأن الأمير تركي يقيم بصفة دائمة في "فندق مينا هاوس" ولو استطاع الوصول إليه فسوف يساعده لا محالة فهو مشهور عنه الكرم ويأتي بعد الأمير سلطان بن عبد العزيز في الكرم كما هو معروف. أخبرت سهيل أني من الممكن أن أساعده في هذه الحالة لعلاقتي السابقة بسمو الأمير، فركبنا سيارته السوفت الحمراء واتجهنا لطريق الأسكندرية الصحرواي الذي يوجد في بدايته فندق مينا هاوس. استقبلنا مدير الفندق المناوب وأخبرنا بكل أسف أنه لا يمكن أن يساعدنا في الوصول لسموه لأنه هو وأفراد الفندق لا يمكنهم التواصل مع الأمير الذي يسكن في قسم كامل ومفصول تماما عن الفندق إلا في الحالات الضرورية القصوى، لكني طلبت من المدير المناوب أن يبلغه باسمي ويذكره إذا نسى من أنا عن بعض الأحداث التي حصلت بيننا في لندن. وفعلا عاد المدير المناوب مع حارس شخصي للأمير أمريكي الجنسية طوله نحو متران ويبدو أنه لم يبتسم منذ حرب فيتنام، "أصول الشغلة ياعمي" وقام بكل وقاحة بتفتيشنا دون أن يتحدث بكلمة واحدة، ثم تبعناه وأدخلنا صالة كبيرة يبدو أنها قد أضيفت حديثا في الفندق وتخص الأمير وليس الفندق وانتظرنا فيها قدوم سمو الأمير.

حظر الأمير وابتسامته المعهودة تسبقه وقد بدا لي أنه قد تقدم به السن بعض الشيء وازداد وزنه فرحب بنا ترحيب أخجلنا ولمت نفسي لأني لم آتي فقط للسلام ولكن لطلب دعم النادي السعودي الكحيان. بيد أن سمو الأمير بنبله هو الذي بادر وقال "وش أقدر أسوي لكم، محتاجين مساعدة، ناقصكم فلوس، آمروا، لا يردكم إلا لسانكم". شكرته وأخبرته أولا أني أريد أن أعرف كيف أصل لبريصة وثانيا بأنا نحتاج دعما ماديا لنقيم يوم سعودي في الجامعة وينقصنا 10 آلاف جنيه مصري. أشار الأمير لأحد الحراس ودنا منه فكلمه وذهب في الحال وأحضر ظرفين ذكراني بالظروف التي استلمتها في لندن. وقال خذ هذه للنادي والأخرى لبريصة، وسوف تجد بريصة في مسجد العابد في مدينة الشيخ زايد، فشكرناه من قلبينا وودعناه بمثل ما استقبل به من حفاوة وتقدير،،، وكان في وداعة،،،لا بلاش نطول عليكم.
فتحنا الظروف في سيارة سهيل ووجدناها عشرة آلاف دولار للنادي، وخمسة أخرى لبريصة، فناولت سهيل العشرة آلاف فطار بها فرحا، وقال سوف أطلب تيوس مندية بدل من الدجاج البخاري الله يوفق الأمير بيخلينا نلعب بالورق لعب،خخخخخ.


ركبت في اليوم التالي القطار العتيق المتجه نحو مدينة الشيخ زايد وتعجبت من حالة القطار المزرية وقارنته بالقطار الذي كنت أركبه بين لندن ومانشستر، فالقطار البريطاني أنيق أحمر اللون يلمع كالبلور من الخارج وركابه يلبسون أجمل الملابس وقصات شعر النساء رائعة وجلهن يرتدين نظرات أنيقة وفخمة وعطوراتهن جذابة ويجلسون على كنبات وثيرة ويحمل أكثر الركاب الآي بود أواللاب توب أو يقرأون الكتب ويتحدثون بأصوات تتناغم مع تهادي القطار، أما المناظر الخارجية الخلابة نحو الشمال الأنجليزي ففيها متعة العشاق من أنهار وجداول وشلالات تجري طوال الطريق بين السهول والتلال والأشجار الباسقة الخضراء، والقرى المتناثرة بأكواخها الجميلة وفي كل قرية توجد بعض الحصون أو القلاع التي تذكرني بقصص سندريلا وعشيقها الأمير شارل. أما القطار الحجري الذي ركبته في طريقي لبريصة فكان لونه بلون الصدأ وقبل أن أركبه حسبت أنه مركون كمتحف لقطار من عهد الخديوي إسماعيل، وأقل جماعة من ركاب قطارنا التعيس كانوا عبارة عن أسرة تتكون من عشرة أشخاص، الحاج والحجة وأبنائهم وزوجاتهم وأحفادهم ويحملون في أيديهم وأرجلهم وفوق رؤوسهم وظهورهم الطعام والأقفاص، أما الصعيدي الذي يجلس أمامي ويلف فوق رأسه عمامة ضخمة لو فردتها لغطت سيارة سوبربان، ومن ضخامة شنباته كان من المفترض يقص لها تذكرة، ولو تذكرة أطفال على أقل حال، وكان يحمل بين يديه قفص مليئ بالحمام والوز والبيض ويسمى "الزيارة" أي الهدية التي تهدى عندما يزور أقربائه. أما القطار المتهالك فكان الأجدر تسميته قطار شحن وليس قطار أوادم، لأنا فعلا كنا مشحونين فيه كالبضائع، وزاد الطين بلة من يبيع المية والذره وسندوتشات الكبدة في القطار فأصبحنا في خرابة صاخبة، والذي هالني أكثر هي دورة المياه، كرمتم، يعني لا تزعلون مني لأني سميتها دورة مياه بس عشان تعرفون عن أيش اتكلم، فلقد فتحت الباب الذي سمي بهتانا بحمام الهنا فوجدت حمام عربي فيه فتحة مكشوفة ترى منها الأرض التي يمشي فوقها القطار، يعني عدم المؤاخذة يستطيع صعيدي واحد نقل البلهارسيا لجميع المحافظات في رحلة ذهاب واحدة ومجانا كذلك. طيب تخيلوا لو كان في السكة تحت القطار، مثلا يعني، تنكه حديد طايحة وإلا أسلاك شائكة واقتربت من الفتحة، أترك لكم لتتصورا حجم الكارثة.,,,,,خخخخخ ،،،،،،،،قصدي وووووووووووووووووعععععععععععع.

إن لم تخني الذاكرة فقد مررت بنفس هذه الرحلة، على مدينة "قها" والتي أثارت شجوني لأني عندما كنت صغيرا في مدينة الطايف كنت أحب كثيرا أن أشرب من "منجا قها"، هل تذكرونها؟؟؟، لقد كانت تباع بعلب صغيرة مغلفة بورقة بيضاء يتسوطها رجل يبتسم مرسوم على هيئة منجة وفوق رأسه طاقية طاهي وأمامه كوب من عصير المنقة المصرية اللذيذة. كانت "منجا قها" أفضل هدية تقدم في الطايف للمرضى عند زيارتهم في مستشفى الملك فيصل في الشرقية، أيام حلوة وحياة كانت بسيطة.

وصلت مدينة الشيخ زايد والتي بنيت بمنحة من صندوق أبو ظبي للتنمية، وسألت عن مسجد العابد فوصلته بسهولة، وبحثت عن بريصة، فقال لي أحد الأشخاص هل تقصد العارف بالله الشيخ الزاهد العابد العالم النحرير بريصة الأصفهاني، قلت في قلبي زين ما أضفت "رائد الفضاء" كل هاالأسماء له، وفي رقبته خمسة آلاف باوند يلعن أبو النصب، ورديت على الرجال نعم هو بذاته قدس الله سره وسر جيرانه، فأوصلني إليه في أحد القهاوي فتفجأت لما رأيته للوهلة الأولى، فقد تقدم به السن كثيراً وشاب شعر رأسه وطال حتى وصل كتفيه ويلبس ثوبا أخضرا طويل فضفاض وعمامة على رأسه مربوطة باحكمام وتدلى سلاسل وتعاويذ لاحصر لها من رقبته كما يحمل مسبحة طولها نصف متر. لما رأني فز كأن ثعبان قرصه وصرخ بأعلى صوته، مدد، مدد يا سدنا أحمد الرفاعي مدد ، وأقبل نحوي مرحبا بك يا شيخنا نديم، هذه والله رؤياي التي رأيتها البارحة، أهلا بالكريم أهلا بمن أتى من مكة والمدينة وقبر النبي (ص)، وبادلته التحايا والترحيب وجلسنا سويا في القهوة ثم أخذني لبيته وذبح لي وزه وبطه وعمل كوشري بالسمن والتقلية وملوخية بالطشة وطاجن سمك وفطير مشلتت بالعسل الأسود وحلينا بالمهلبية البيضاء بالقشطة والكنافة وبسبوسة مصرية بقمر الدين والفستق، وسألني عن صحة أخي وعما أفعل في مصر فأعطيته الأخبار بالتفصيل وأخذت منه بدوري أخباره، فأطماننت عليه لما أحسست أنه يعيش في صفاء وايمان جميل بعد أن طلق الدنيا بالثلاث والنصب بالعشرة، واعترف لي بما كنت متأكد منه، بأنه قد لطش الخمسة آلاف جنيه الاسترليني التي طلبت منه أن يرجعها للأمير قبل عشرة سنوات، وطلب مني السماح فسامحته وقلت له لن أسامحك فقط بل لك عندي خمسة آلاف دولار أمانة من سمو الأمير تركي، فقز من مكانه وقال مدددددددددددددددد ، يامانت كريم يا رب، وسلمته الخمسة الآف ثم ودعني بمثل ما استقبلت به من حفاوة وترحيب، وقفلت عائداً نحو لقاهرة في قطار الغرام، لألحق باحتفال اليوم السعودي كي نعرض بضاعتنا أمام الطلاب من ايطاليا وفرنسا وأمريكا ونسألهم السؤال التقليدي ماركة "غصب وان + غصب تو" وش رايك فينا قبل عشر سنوات والآن، وماذا تقول عن أوجه التقدم التي رأيتها اليوم خلال تجوالكم في المعرض، طبعا الإجابة ستكون " لقد دهشت مما رأيت اليوم وكانت فكرتي أن بلدكم عبارة عن صحاري ورمال، ولكن هذا المعرض غير من رأي وسوف أنقل الفكرة إلى أصدقائي عندما أعود لجزر الواق الواق....." شكلي بروح السجن مع القصة هذي، يا عمي خلني أنهي الحلقة هذي، انتهت يا حبايبي.

لكن بقي لدي كلام كثير عن القاهرة، لكني سوف أعود بكم إلى لندن في الحلقة القادمة وأكتب عن محمد الفايد صاحب محل هارودز وعن أول مرة رأيته فيها في العام 1984

علي آل جبعان
29-04-2010, 12:40 PM
شُكْرَا أَخِي الْغَالِي
نَدِيْم الْهَوَى
عَلَى هَذَا الْسَرَد الْمُمْتِع
وَقَد ثَبَت الْمَوْضُوْع لأَسْتِمَرَارِيّة عِرْضَك الْشَّيِّق
؛؛؛
أَخِي الْغَالِي
أَمَل عَدَم تَكْرَار بَعْض الْحَلَقَات
لِكَي يَسْتَمْتِع الْقَارِيِّء وَتَتَسَلْسَل الْأَحَداث ..
؛؛؛
لَا نَزَّلْنَا نَنْتَظِر الْحَلَقَة الْثَّانِيَة عَشَر ..

وَدُمْتُم بِوُدّ

ماجد الخليفي
29-04-2010, 02:31 PM
السلام عليكم اخي نديم الهوى

مذكرات جميلة

وحبذا لو ذكرت كاتبها ... احد الاجزاء رأيتها مكتةبة تحت اسماء مختلفة في عدة مواقع

http://www.suhol.com/vb/showthread.php?t=28550&page=3

http://www.brydah.com/ib/showthread.php?t=110708

http://travel.maktoob.com/vb/travel321921/

السيــف
29-04-2010, 04:17 PM
مميز وحلقاتكـ تجعل المتصفح يقف لها أعجاباً
سلمت أناملكـ

مشاري بن نملان الحبابي
29-04-2010, 05:10 PM
ما زلنا في انتظار الحلقة الحادية عشرة ..

مشاري بن نملان الحبابي
29-04-2010, 05:25 PM
السلام عليكم اخي نديم الهوى

مذكرات جميلة

وحبذا لو ذكرت كاتبها ... احد الاجزاء رأيتها مكتةبة تحت اسماء مختلفة في عدة مواقع

http://www.suhol.com/vb/showthread.php?t=28550&page=3

http://www.brydah.com/ib/showthread.php?t=110708

http://travel.maktoob.com/vb/travel321921/

مرحبا يا بو عصام ..

الرابطين الأولين مجرّد نقل لرواية الأخ نديم الهوى ..

أما الرابط الأخير فهو نفس الكاتب ولكن باسم آخر ..

فسبق وأخبر هنا بأنه قد وصل في موقع مكتوب إلى الحلقة الـ 18 ..

عوض العبيدي
29-04-2010, 06:16 PM
ننتظر القادم

نديم الهوى
29-04-2010, 07:27 PM
الأخ ماجد الخليفي

هذه المذكرات لي تحت اسم إنت معاي في مكتوب،،، ونديم الهوى في المواقع التي ذكرت

توقفت عند الحلقة 18

الآن الحلقة 19 جاهزة،،، فقط أحاول أن أجمع الصور لكي أنزلها قريباً،،، وستجدها هنا بعد أن تكتمل الحلقات في هذا المنتدى

شكراً لك على المشاركة

نايف بن جليد
30-04-2010, 05:41 AM
الاخ نديم

تملك أسلوووووب شيق وراااااائع وسلس
بل إني حاليآ عدت لقرأتها من جديد
وكأنها جديده علي

نشكرك ...وقد سعدت حينما علمت بأنك ستكملها

لك كل الود

نديم الهوى
03-05-2010, 05:58 PM
الحلقة الثانية عشر



شاهدت محمد عبد المنعم الفايد أول مرة في العام 1984، بعد سنة من شراءه شركة هاوس أوف فريرز والتي تتبعها محلات هارودز الشهيرة، وذلك عندما كنت أتناول القهوة والكعك مع موظف السفارة السعودية سليمان المتروك "تقاعد عن العمل ويوجد بالرياض حاليا" في المقهى الفرنسي الراقي والموجود في الطابق الأرضي والذي يعود تاريخ للعام 1871، ورواده هم من الطبقة المخملية الإنجليزية. كان الفايد يجلس مع بعض رفاقه في طاولة قصية بيد أن صوته النشاز كان يطن في آذاننا من بد كل رواد المقهى، خاصة وهو يتحدث بانجليزيته الركيكة بلكنة مصرية بلدية، فيردد زيس، زات، توقيزر"this, that, together" ، ثم يكركر بعد كل جملة أو جملتين. سألني المتروك هل تعرف من ذا الرجل، كنت أعتقد أنه يوناني أو من مواطني شرق أوربا على أبعد تقدير، لكنه قال لي هذا هو الفايد الذي اشترى هارودز مع أخويه علي وصلاح. وأثناء خروجنا من المقهى القينا عليه التحية ورد بتحية أحسن منها وهو الشي الذي لم يعد يقوم به الآن ويعرف ذلك كل من قابله من العرب في السنوات الأخيرة أثناء تجواله طوال النهار وخاصة في الصيف في "وكالة البلح بتاعته، هارودز"، ففي السنوات الأخيرة أصبح أكثر تجهما وكأنه لا يمت للعرب بصلة ولم يأكل معهم يوما فولاً أو بصلة. قد يكون ذلك بسبب حجم المآسي التي ألمت به وأنهكته في مشواره حياته المتقلب بين الجوع والفقر والغنى الفاحش والحروب التجارية الطاحنة والنجاح وصعود المراتب الاجتماعية بسرعة ثم فقدانه المأساوي لابنه ولفظه من قبل الطبقة المخملية الانجليزية واقفال أبواب الملكية في وجهة.

لكن من هو هذا الفايد الرجل اللغز الذي تدور حول حقيقة شخصيته الكثير من علامات الاستفهام حتى للسلطات البريطانية نفسها. ولمعرفته نبدأ باسمه الحقيقي الذي هو محمد عبد المنعم فايد وليس الفايد، يقال أنه أضاف ال للتفخيم وأخرون يقولون أن شخصاً اسمه محمد فايد وصل الي جزيرة تاهيتي بالبحر الكاريبي في يونيو عام 1964 وقد صادق المسؤولين في حكومة فرانسوا روفاليه وقام بنشاط تجاري ضخم هناك بصفته قريبا من حكام الكويت ثم هرب بعد ذلك ومعه مبلغ كبير من المال فقام حاكم الجزيرة في ذلك الوقت بإبلاغ البوليس الدولي الإنتربول ضد محمد فايد، لذلك أضاف لاسمه "ال" لتلافي القبض عليه عند ادخال اسمه في المطارات بأجهزة الكمبيوتر أوالمعاملات التجارية الأخرى. أما أبوه فهو رجل بسيط كان يعمل مدرس لغة عربية في مدارس الاسكندرية، وبدأ الفايد حياته بكل عصامية فعمل عندما كان يافعا كحمال في ميناء الإسكندرية، ثم أنشأ مكتب استيراد وتصدير في الاسكندرية مع اخويه علي وصلاح وامتلكوا ثلاثة مراكب بحرية صغيرة وسماها صلاح الله وما شاء الله وعماد الله، وهذا يوضح تأثير النشئة الدينية عليه في بداية حياته. تعرف مع مرور الوقت على تاجر السلاح السعودي حينئذ عدنان خاشقجي وتزوج من شقيقته الكاتبة الراحلة سميرة خاشقجي "والدة ابنه دودي، أو عبد المنعم" وبدأ من هنا الانطلاق نحو الحلم الكبير، فبدأ بالتكسب من الأعمال التجارية والصفقات وتجارة الإستيراد التي بدأ يزاولها في المملكة. حقق في البداية مكاسب كبيرة لكن سرعان ما تراجع للصفر بعد أن أمم جمال عبد الناصر بعض أملاكهم في مصر التي توافقت مع بعض الخسائر التجارية في السعودية فقرر ترك المملكة والتوجه للعمل في السوق الجديدة الواعدة في الامارات العربية المتحدة، فسافر برا بسيارته البيجو الكحيانة وحمل عليها عفشا بارتفاع السيارة مرتين، مثل ما نرى الآن السيارات الصغيرة في الصيف وجلهم من المدرسين العرب وهم عائدون نحو أوطانهم، فنرى سيارة كورلا مثلا تحمل عفش شقة كاملة وتسير بسرعة سيكل وعادة تكون شبابيكها مفتوحة بالرغم من حرارة الصيف اللاهبة. لم يكن يتوفر لدى الفايد الكثير من الكاش في ذلك الوقت، ولكن كان يتوفر في عقله مشاريع بالمليارات، فوصل للإمارات بشق الأنفس بعد أن عانى من وعثاء السفر وكأبة المنظر، وبدأ بسرعة العمل هنالك وكون ثروة جيدة وعوض الكثير من الخسائر المالية السابقة. دخل مع شيوخ الإمارات الكرام الذين أكرموه وأعجبوا بهذا الجنتلمان المصري الأنيق والذي كان يسرح بهم بالكثير من المشاريع التي تسيل لها اللعاب واستطاع تكوين ثروة كبيرة خلال ثلاث سنوات وهو يبلغ من العمر حوالي 36 عاما فقط. انشأ وهو في الامارات شركة مقرها بريطانيا اسمها "كوستين للمقاولات" التي فازت بعقود عمرانية ضخمة في الخليج، كما أنشأ شركة أخرى في بريطانيا استطاعت أن تفوز بعقد توفير الخضار والفواكة يوميا للقصر الملكي، وهي من أحد أسباب رفض الملكية البريطانية أن يكون المعلم بتاع الباذنجان والكوسة والقرع البلدي، نسيبا لهم في يوم من الأيام، حتى وإن اشترى لاحقا هارودز والكثير من الشركات الناجحة، فلا يزال في نظرهم المعلم الجاهل ولا تهمهم كنوزه أبداً. قام الفايد في العام 1979، بشراء فندق رتز التاريخي في باريس وأعاد له السمعة الراقية التي تميز بها طوال تاريخه العريق بعد أن تدهورت لبعض الوقت بسبب سوؤ الإدارة السابقة له، وقام بكل ذكاء بالتلحوس والتقرب من أهم زبائنه في ذلك الوقت وهو "سلطان بروناي حسن بلقيه" الذي تعود على أن يقيم فيه عند زيارته لباريس وكان يحجز عادة له ولحاشيته 111 حجرة من أصل 260 حجرة. وبسبب هذا الاهتمام الشخصي من الفايد وتوطد العلاقة بينهما، طلب منه سلطان بروناي أن يقوم بسلسلة من الاستثمارات التجارية باسمه في بريطانيا فبدأ أولا بشراء فندق الدورشستر في شارع الباركلين بملغ يصل نحو 250 مليون جنيه استرليني، ثم اشترى في العام 1983 شركة هاوس أوف فريزر وتملك بذلك متجر هارودز بالاضافة إلى العديد من المشاريع الضخمة الأخرى. "كنت سأبدأ الحش فيه هنا ولكن الحمد لله توقفت كما وعدتكم سابقاً".
الفايد لديه الآن أربعة أبناء وبنات من زوجته عارضة الأزياء السابقة الفنلدنية، بالاضافة إلى ابنه الراحل دودي من سميرة خاشوقجي. وبالرغم من استثماراته الكبيرة في بريطانيا فهو لم يحصل على الجنسية البريطانية التي يحصل عليها أي هلفوت يطلب اللجوء السياسي ويخسر الدولة البريطانية راتب ومعيشة وسكن وتعليم أبناءه مجانا، وسبب الرفض هو أنه ثبت للسلطات البريطانية بأنه شخص "غير نزيه، وغير صادق"، كما أنه ولهول المصيبة، وبالرغم من كل تلك المليارات وأنه يمتلك متجر هارودز رمز الطبقة المخملية وقبلة الطبقات العليا في المجتمع الإنجليزي والعالم كله، إلا أنه مرفوض ومنبوذ تماما من حفلات ولقاءات الطبقة الإنجليزية الراقية. فهو ممنوع عرفيا منذ نحو عشرين سنة من حضور الحفلات التي تشرفها الملكة وخاصة من قبل عدوه اللدود وزوج الملكة اليزابيث، الأمير فليب، ولذلك حاول المعلم "حسب الله" محمد الفايد أن يضرب ضربة معلم جديدة في بلاد الانجليز ويتشعبط بالعائلة المالكة بواسطة يد الأميرة ديانا في محاولة مستميته لدخول المجتمع المخملي البريطاني من أوسع أبوابه، ويحسب أن المسألة مثل الشعبطة في أتوبيس ميدان التحرير. فالمشكلة أن الفايد لا زال ورغم ثرائه الفاحش يشعر بعقدة النقص في قرارة نفسه، فحاول أن يزج بابنه للزواج من الليدي ديانا والتي كانت تمر بحالة احباط بعد طلاقها من ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز. وفي رأيي المتواضع بان الأميرة لم تكن تنوي الزواج منه بتاتا، لكن كأي مطلقة محبطة تحاول أن تغيض طليقها وأهله بأقصى ما يمكنها وأن تداوي جراحها وتنتقم لكرامتها المهدرة، فلم تمانع من التقرب من دودي كيدا في حماتها الملكة اليزابيث، وفكر المعلم "حسب الله" أبو دودي أن المسألة سايبة وأن الطريق سالكة للطبقة المخملية، فهو في مخيلته الواسعة، أنه بعد كتب الكتاب الخميس القاي إن شاء الله، وعمل الفرح فوق سطوح هارودز سيكون بلا شك أبو نسب مع العيلة المالكة وما فيش حد أحسن من حد بعد كدا ، لكن حساباته كانت خاطئة للأسف، فالعائلة البريطانية والبريطانيون لا يمانعون أن تستثمر وأن تشتري وتبيع مثلك مثل جميع تجار العالم في بلادهم، لكن أن تدخل عليهم من المنور وتختلط بالدماء الملكية، فهذه وحدها تحتاج حرب صليبية عكسية تدوم 800 سنة أخرى، والله أعلم.

وللأسف فإن الفايد مازال بعد أن تفركشت القوازه إلي كانت في دماغة لوحده، يحاول طوال الوقت أن يتحجج بقميص الأميرة ديانا وأن خلفها مؤامرة استخباراتية بريطانية فرنسية، ويضع تمثال لهما في هارودز وخاتم "ألماز" داخل هرم صغير من الكرستال في النصب التذكاري لدودي وديانا، يعني غصب خطيبته. كل ذلك غير صحيح وهراء تام، لكن الفايد إما أنه كذب الكذبة وصدقها، أو أنه يستثمرها لأخر مدى لأنها في النهاية تصب في مصلحته وتظهر مدى أهميته لأن خصومة مش أي كلام، فهم بمستوى العائلة الملكية والاستخبارات البريطانية، فهذا هو العلاج الذي يحتاجه باستمرار لمرض عقدة النقص .

وبعيداً عن الفايد وسنينه الذي أتمنى أن يتوب ويعود مثل بريصة على أقل تقدير، سأتحدث لكم اليوم عن بعض "الإخوة" الذين كانوا يتحلقون حول أخي سواءً في شقتنا في 41 رالف كورت في الكوينزواي، أو في عيادة هارلي ستريت كلينك، والتي كان أخي ينوم بها ثم يخرج للشقة، وما يلبث أن ينتكس فيعود للتنويم للأسف مرة أخرى. كان أكثر المترددين علينا هم من الأخوة من شمال أفريقيا وآخرين من سوريا، وهنالك شخص أمريكي يتحدث العربية لا أذكر اسمه الآن ولكن أذكر الشخص الثاني وهو انجليزي مسلم واسمه سليمان وهو زنجي يشبه في شكله وبناء جسمه القوي مايك تايسون. وبالرغم من أنني أصغر من أخي كثيراً فقد كنت أحس أن الشقة وكذلك المستشفى أصبحت وكراً لكل أولئك، فقد كانت تلك الأيام هي أيام الغليان التي حمى فيها ا****************س في أفغانستان وتصاعدت فيها ألهبة نيران حرب العراق وإيران والفاو وعبدان، وهؤلاء الشباب من شمال أفريقيا يتميزون بالغلظة والجلافة وبالعنف ولا شيء غير العنف، كانوا يأخذون دروس في العقيدة والحث على الجهاد عند "العلامة" أخي، بمحاضرات لا تتوقف، حتى وهو يتناول الطعام، وحدث أن أتى الطعام في أحد المرات وكاد أن ينقطع نفسه وهو يتحدث لهم ويحثهم على فضل الجهاد، ثم يحاول أن يأكل اللقمة التي في يده، فلم يقوى على الاستمرار فطلب منهم العذر لارجاء الحديث حتى ينهوا الطعام!!!!!.
في يوم من الأيام وأخي منوم في المستشفى وعندما كنت أصلي الجمعة في مسجد ريجنت ستريت الجميل الذي بني في العام 1941 في حديقة ريجنت بارك والتي تقع بالقرب من بيكر ستريت، وتم افتتاحه من قبل السفير المصري د. حسن بهجت باشا وتمت إدارته لاحقاً من قبل جماعة المسلمين، حصلت على منشور يوزعه أحد مريدي أخي وهو جزائري الجنسية، وهالني ما رأيت في المنشور الذي يدعو إلى قتل الشرطة الجزائرية والحكومة وكل المتعاونين معهم، ويظهر بالصور آثار الهجوم والتفجير بالشوارع وهنالك بعض صور الأبرياء الذين طالهم القتل، كما أنهم في نهاية المنشور يتظلمون من القوات الجزائرية التي قامت "ظلماً وعدواناً" بقتل "المجاهدين" الذين ارتكبوا المجزرة!!!!! يا حلاوة، يعني المفروض يسمحون للإرهابيين يقتلون على راحتهم ويجمعون الغنايم والسبايا، ثم يعطونهم شهادة تقدير في نهاية تلك الصولة الجهادية. صدمت من محتوى المنشور وكانت في تلك الأيام السلطات البريطانية تحتوي هؤلاء الرعاع وتغض الطرف عنهم وقد عشعشوا في كل ركن فيها قبل أن تكتوي بنارهم، الآن لو حاول أحد توزيع مثل هذا المنشور لنشروا خشمه قبل أن يجف حبر المنشور في طابعته. أخذت المنشور واحتفظت به لأجد الوقت المناسب للحديث مع أخي لكي يعرف خطورة الناس التي تتردد علينا ووحشيتها.

ولكن السؤال،لماذا تستقبل بريطانيا هؤلاء الأعداد من اللاجئين وغيرهم من الذين يشوهون سمعة الإسلام دين الله الحق؟؟، والجواب بكل بساطه بأن بريطانيا قد وقعت على معاهدة جنيف في العام 1951، والتي تقضي بضرورة منح اللاجئين السياسيين الذين يفرون من بلدانهم خشية التعرض لاضطهاد أو القتل، وهي تهيئ لهم كما رأيت بعيني السكن المجاني مع الراتب الأسبوعي وتدريس أبنائهم مع الطعام المجاني لهم في المدراس وكسوة الصيف والشتاء، وأشياء أخرى كثيرة لا تحصى، بل أن بعض اللاجئين، والله العظيم، عندما عدنا للسعودية في اجازة قصيرة أعطونا أموال لشراء ذهب لهم، وعندما سألني أحد الأقرباء ونحن نتسوق لهم، لمن هذا الذهب ما شاء الله، قلت لهم لبعض اللاجئين المساكين والمشردين بعيدا عن أوطانهم في شوارع بريطانيا، رد بحسرة، ما ياخذونا معاهم لاجئين تحت التمرين، أي لاجئين يا عمي إلي يقدرون يشترون ذهب، السعودي ما يقدر يشتريه!!!!!. والأغرب منه قيام مؤتمر في تلك الأيام أتذكر اسمه وأنا لا أصدق عقلي وكان عنوان المؤتمر "القضاء على الإمبرايلية الغربية وزعزعة أركانها" وأين أقيم!!! في لندن، عقر دار الإمبريالية وبحماية من البوليس الإنجليزي!!!!! يا صبر الإنجليز وكل شعوب العالم علينا والله.

كما زاد الطين بلة بالنسبة لي شكي المستمر بأن هذا الخليط الغريب من أفريقيين وسوريين وأمريكان وانجليز لا بد أن يكون مخترقا، خاصة من الانجليزي والأمريكي، والمسألة واضحة ما يبيلها تفكير كثير، ولكن الحماس الزائد من أخي والإخلاص المنقطع النظير يعمي العيون أحياناً، وفعلا تأكدت من حدسي كما سأخبركم بالتفصيل. فلنبدأ بالنصاب "سليمان الزنجي "اسم حقيقي وهو شخص معروف لجميع جماعة المركز الإسلامي الرئيسي في لندن"، كان هذا الشخص المفتول العضلات يخفي في نفسه ما الله مبديه لي، لم أكن مرتاح له من ناحية حماسه الزائد وشخصيته التي تتغير عندما يبتعد أخي عنا. ففي أحد الأيام كنا وحدنا وبدأ مترددا، ثم أراني كتاب اسمه "ثورة الملوخية في شارع أبو مية" موجه ضد السعودية وحاول أن يستميلني، قرأت الكتاب ورميته في وجه وقلت 90% منه كذب، 10% صحيح لأن الكمال لله وحده في أي دولة بالعالم، غضب من رأيي الصريح والحقيقي له وأشار لصورة قديمة في الكتاب ليحاول بيأس إقناعي، وكانت صورة لجبل قارة في الأحساء، وقال شوف السعودية كيف كانت واحة خضراء جميلة، نخيل وأشجار وحدائق غناء، ثم أراني صورة أخرى، صحراوية مقفرة لمكان بنفس تضاريس الصورة الأولى ويقصد بأن الأشجار قد ماتت وأزيلت بفعل الإهمال والفقر والظلم، تفحصت الصورة جيدا، وأدركت بسرعة أنها لجبل القارة في الأحساء وأن الصورة لجهة أعتقد الشرقية نحو الواحة والأخرى من جهة الصحراء وفبركت على أنها قبل وبعد. المكان لحسن الحظ زرته سابقا عندما كنا نلعب في فريق يسمى "فريق الربيع" لكرة القدم، حيث كنا نلعب يوميا في مكان سوق الواحة الحالي في الدمام، وكانت الأرض تابعة للسكة الحديد، وكابتن الفريق وأكثر لاعبيه من أبناء عائلة الغربي من الأحساء، ورتبوا لنا في يوم من الأيام مباراة مع فريق من أولاد عمومتهم في الأحساء. توجهنا نحو الأحساء في يوم المباراة وأكرمنا الأحسائيون بكرمهم المعتاد فخرجت القرية عن بكرة أبيها وعملوا لنا غداء مهيبا في الحديقة نفسها التي أظهرها لي سليمان الزنجي. أتذكر عندما لعبنا المباراة في ذلك المكان أن أتت جميع القرى المجاورة بشيبهم وشبابهم وذرارهيم وقواريهم "عربات تجرها الحمير" وقواريرهم "النساء"، فكنا نلعب أمام جمهو بالآلاف، وكانت المباراة بالنسبة لهم حياة أو موت، لا نعلم لماذا، وحنا كنا جايين نلعب ونتوكل على الله، ولا كنا ندري أصلا حتى إنه في غداء وجمهور. كان من أخشن المتواجدين في الملعب والذي سبب لنا الكثير من الإصابات والمشاكل والنرفزة هو الحكم الحساوي، صدقوا أو لا، فكان رافع ثوبه ولابس طاقية وعرقان أكثر من اللاعبين وله فحيح شديد يصدر من خنافره ويزداد كلما لحق بنا، فأحس عندما أجري خلف الكرة أن أسدا خلف أذني يوشك أن يقفز فوقي من هول فحيحة، وإذا صارت هجمة لهم، يشجع فريقه بكل صفاقة وكأنه ليس بحكم ويركض معاهم، ويصيح بأعلى صوته، يا الله، يا الله يا الله، عليهم، عليهم يا عيال، وإذا قطعنا الكورة منهم، قرعهم وسبهم ويسفل فيهم ، مالت عليكم، الله ياخذكم إن شاء الله كأنها ولية غلبانة تدعو على ابنها العاق، وفي الكثير من الأحيان كان يضايقنا بكتفه ويحاول يعيقنا من الجري، ما أحد يقدر يقوله شيء، فالصافرة في يده. لكن بالرغم من كل ذلك فزنا عليهم وكان الضحية 2 من عيال الغربي، واحد عينه ووجه انتفخوا لمدة اسبوعين بعد المباراة والثاني مفصل قدمه انفك لمدة شهرين وهنالك اصابات بسيطة شفيت خلال نهاية الأسبوع. ما أطول عليكم، حاولت أقنع اللوح سليمان، لكن ما صدق، لكن ولله الحمد، تفحصت الصورة إلي فيها الشجر مرة أخرى وكأنت مأخوذه من فوق جبل القارة كما ذكرت ولاحظت وجود سيارة كابرس صغيرة وبعيدة في الصورة موديل 82 أو 81، وقلت يا حبيبي أنا ما أبي أرد عليك، طالع السيارة هذي، الكلام المكتوب يقول "إن البلاد كانت فيما مضى مليئة بالأشجار والواحات قبل؟؟؟؟؟" طيب حنا الحين في العام 84 وموديل السيارة له سنتين تقريبا، يعني البلاد لسا بخير وما خربت زي ما يدعون في الكتاب، ومن كتابتهم بدينهم. بهت سليمان وتحجج أنه لا يعرف أنواع السيارات الأمريكية ونافح لنصف ساعة دون أن يقول شيء.
لذلك أخذته عند محل سيارات شهير في البارك لين بين فندق القروسفينور وفندق لندن هيلتون، وسألت البائع عن موديل السيارة الأمريكية في الصورة فأكد لنا بأن موديلها 81، عندها انتفخ برطم سليمان وأصبح بحجم فنجال القهوة وهو الكبير في أصله، وقفل مزاجه طول اليوم ولم يعد يتحدث معي إلى أن غادر في الليل لشقته في شيبرد بوش. ضربت فيوز سليمان بعد ذلك لمدة طويلة وأظنه عاد بعد تلك الحادثة لشغلته القديمة كما اتضح لي، فقد كنا نسير أنا وهو وقاسم اليماني في يوم من الأيام ونحن نغني أغنية بوب مارلي بفلو سولجر "buffellow soldier "، فقال إذا كنتم تحبون بوب مارلي حقا، ما رأيكم أن نزور بيته الذي يقع في نتونق هيل قيت، وافقنا فرحين لأن بوب مارلي كان هو معشوق الشباب في أيامنا تلك، ولم نكن نعلم أن له منزل في لندن، لأنه كان قبل وفاته المأساوية يعيش بين أمريكا وجاميكا، فتوجهنا فرحين عند غروب الشمس وركبنا الأندرقراوند من البايزوتر ونزلنا في نوتنق هيل قيت بعد محطة واحدة فقط، وعندما صعدنا بالأصنصير الحجري والذي يعمل عليه رجل أسود في تلك الأيام ووصلنا إلى المنطقة الموحشة اكتشفنا بأنها منطقة خطرة جدا ورأينا لوحة تحذيرية من البوليس في مدخل الحارة، بأن الدخول على مسؤوليتنا بعد الساعة السادسة مساء، ونحن الآن عند السادسة والنصف، لكن كنا متطمنين لأن سليمان البودي قارد المفتول العضلات معنا ولن نخشى أحد، سرنا قليلا فبدأت لنا لندن أخرى لم نكن نتوقع أن نجدها هنا بالقرب من الكوينز واي، فهاهو الوجه الآخر المظلم والبشع منها، فكل سكانها من الزنوج الكاريبيين والجمايكيين والأفارقة الآخرين، وزاد من رهبتنا ظلمة الشوارع الحالكة واشكال الناس المخيفة وشعورهم الطويلة المنيلة بستين نيلة والمجدولة كأنهم يحملون فوق رؤوسهم خلية نحل مؤجرة لعائلة من العناكب، وآخرين يعتمرون القبعات الكاريبية الصوفية ذات الألوان الحمراء والخضراء والصفراء، ويدخنون المروانا بكل استرخاء زرافاتا ووحدانا وأمام منازلهم الأم والأب والأبناء، وأصواتهم تتعالى وصرخاتهم الهستيرية لا تنقطع، والبعض يرقص البريك دانس موضة الثمانينات. جلسنا أمام منزل بوب مارلي الأبيض اللون وطرازه الفكتوري الجميل وبدأنا بتأمل أبوابة وسياجة المفتوح، وبدأ لنا أنه أكبر بكثير من جميع البيوت المحيطة به ويجلس فوق عتباته الكثير من الشباب الزنوج الصيع بملابسهم الغريبة المليئة بالألوان ويلبسون الخواتم الفضية والذهبية والسلاسل التي تنوء من حملها البعارين، كان شكلنا شاذا وكنا كالصعاليك مقارنة بأجاسامهم العملاقة وعضلاتهم المفتولة، وأحسسنا أننا أخطأنا عندما دخلنا المنطقة الخطرة هذه وكان الأجدر بنا هو الانصياع لنصيحة الشرطة وعدم دخولها في الليل، ولكن الذي اثار استغرابنا أكثر أن أتت بنت شقراء جميلة تتقصع في مشيتها وهي الوحيدة التي كنا نستطيع رؤية ملامحها واضحة في الظلام، لأن الزنوج الآخرين كان من الصعب علينا رؤيتهم جيدا في الظلام، إلا إذا ابتسموا فعنئذ نستطيع أن نحددهم من اسنانهم البيضاء فنرسم في عقولنا ما غم علينا من بقية زولهم "الظاهر عشان كذا السودانيين ينادون الرجل ب زول". ودون مقدمات اتجهت البنت الشقراء نحو سليمان الزنجي صاحبنا وطلبت منه شراء الماروانا، فأنزوى بها بعيدا عنا وأشار لنا بعدم الاقتراب، وقلت في نفسي يا ساتر عليك يا نديم، هذي آخرة التربية وكيف وصلت لهذا المكان ووقعت في هذه الوحل الذي لا يصدق، وبدأت باسترجاع شريط حياتي ومن أنا وماذا أريد أن أصل إليه في الحياة وكأني أنا تاجر المخدرات. وبينما أنا أفكر سألني قاسم اليماني، أين سليمان لقد أختفى فجأة ولم أعد أراه، تقدمنا للركن الذي أنزوى فيه فلم نجده بحثنا عنه حول بيت بوب مارلي فلم نجد له أثرا بالمرة، وظهر لنا فجأة خلف منزل بوب مارلي زنجي بطول مترين إلا ربع سانتي، وقلت يا قاسم سوي نفسك شراي ولا يحس إنا ضايعين، وفعلا كان هو من بدأ وعرض علينا البضاعة ونحن لا نعلم هل كانت بضاعة تشرب أو تأكل أو تشم مثل ما نراه في الأفلام، قلبنا القطعة بين أيدينا وقلنا له، "مش بطالة، بكم يا الاخو الدرزن" (زين ما طلبناه هورية، هورية مايعرفها إلا أهل الغربية) مسوين بعد فيها حقين جملة، فرد القطعة فقط ب 70 باوند، قلنا انتظرنا لحظات فصديقنا الذي معه المال قادم حالا. ابتعدنا وكأننا ننتظر صديقنا ومعه الفلوس، ثم أطلقنا سيقاننا للريح باتجاه محطة نوتنق هيل قيت التي أتينا منها، ركضنا بكل ما أتوينا من خفة ورشاقة وشباب، ثم ركضنا ونحن لا نلقي بالاً للعبند إلي يصرخون علينا في الطريق أو يتهكون بأعلى أصواتهم، فيا روح ما بعدك روح، وبعد أكثر من 9 دقائق من الجري المتواصل تعبنا فبدأنا نمشي قبل أن نستكمل الجري مرة أخرى، وفجأة ظهر لنا نفس الشخص الطويل 2 متر إلا ربع سانتي إلي خليناه ورانا بعد كل هالمارثون من الجري وهو يبتستم وقال أين صديقكم ألم يأت بعد، وأكتشفنا أن الطريق الذي ركضنا فيه وسط الحارة أنه يدور كقوس ثم يكتمل دائرة كاملة، مثل شوارع الهيلز في أرامكو، أي أننا عدنا لنفس النقطة التي بدأنا منها عملية الهروب الكبير، يا لهوتي ، قلت ما بدهاش يا قاسم، أنا عندي طريقة قديمة تعلمتها في البر وهو أن نتبع القمر ونجم سهيل مثل البدو وبنجرب الطريقة في لندن، شوف يا عمي، الكوينز واي شرق نوتنق هيل قيت يعني حط طال عمرك نجم سهيل يمينك، والقمر فوق رأسك وعلى طول إنحش باتجاه اليمين وبنوصل الكوينز واي إن قاله الله، طالعت السما، لا نجم سهيل ولا قمر، غيوم وظلمات بعضها فوق بعض، لا حول، طيب وش الحل، أخيرا سالنا واحد خال وين جهة الشرق، أشر لنا جهة الشرق وما صدقنا ودعسنا دعسة واحدة وما وقفنا إلأ بعد ما تعدينا الكوينز واي وخليناه ورانا من الخوف ووصلنا كزينوا اسمه "الكيت كات" اندثر الآن، أمام موقف الباص في البايزوتر إلي يودي لأكسفورد ستريت عند صرافين العملة، وتنفسنا الصعداء، وحمدنا الله على السلامة وقلنا توبة إن كنت أحبك تاني يا بوب مارلي ومنك يا سليمان يا نصاب، عرفناك وتأكدنا الحين يالي مسوي نفسك من "الإخوة" إنك بلغة المخابرات "مخترق للأخوة".

بعد أن تأكدت من شخصية سليمان الزائفة ومن هم الأخوة الآخرين من شمال أفريقيا كنت محتار كيف أوصل الفكرة لأخي بالرغم من تلميحي له بذلك أكثر من مرة ولكن كان أخي لا يجادل ولا يساوم ولا يجامل حتى أبي في سبيل الدعوة والجهاد، بل أن أبي قد أتخذ منه قبل مرضه الأخير مواقف كثيرة نظرا لأنه كان يريد أن يطبق التعاليم التي يؤمن بها بالقوة علينا في البيت، حتى أنه في بداية التزامه كان يمنعنا من مشاهدة صلاة المغرب المنقولة من مكة المكرمة على الهواء في "غصب وان" أثناء شهر رمضان ، كل شيء ممنوع.

أتت الفرصة عندما كان أخي منوم في هارلي ستريت كلنك، وكنت قد طلبت منه تخفيف عدد الزوار بناء على طلب الدكتور قولد مان بسبب مناعته التي بدأت تضعف، لكنه قال بأنه يعتبر الدعوة جهاد وأن روحة رخيصة في سبيل الله "وأين أنا من المجاهدين الذين يضحون بأنفسهم وأبنائهم ودمائهم" وبقية الكلام الذي تعرفونه، لكني أخرجت من جيبي المنشور وقلت له إقرأ، هل يرضيك أن يوزع مثل هذا المنشور والصور التي فيها رجل من أصحابك، يأكل ويشرب معك، بل يسمع منك ويستنير بحديثك، قرأ واستطرد في القرأة ولاحظت أن تعابير وجهة قد تغيرت غضبا وقال من وزع هذا المنشور، إن فيه الكثير من المخالفات من الخروج على الحاكم وقتل الأبرياء، لا يمكن تحليل قتل الأبرياء، نحن ندعو للجهاد ضد الروس وضد من يقتلون الأبرياء وليس ضد الأوطان، من الذي وزع هذا المنشور، أخبرته فلان الفلاني، رد بغضب مستحيل، وبدأ بالدفاع عنه، قلت سأزيدك من الشعر بيت، هل تعلم ماذا حاول سليمان أن يعمل معي، حاول أن يدخلني في مشروع "ثورة الملوخية بشارع أبو مية" وذكرت له القصة وقصة حارة نويتنق هيل قيت بالتفصيل فغصب مني ولم يصدقني وقال كلمة جرحتني والله في وقتها جرح كبير "لا تغلط على أصدقائي، تراهم عندي أهم من أخواني" والله هذا ما قاله لي، لكنه كان معذور ومخدوع بشعارات براقة ستنكسر حتما على أمواج الحقيقة عندما تأتيه عارية تماما. أخذت على خاطري، وقلت له لن أتحدث معك في هذا الموضوع وسوف أجعلك ترى بنفسك، كانت حالة أخي قد تردت تلك الأيام وكنت عندما خرجنا لصلاة الجمعة ولرؤية المنشورات بنفسه كما اتفقنا، يركب عربة المعاقين لعدم مقدرته على المشي، ركبنا التاكسي اللندني الأسود من شارع هارلي ستريت ووصلنا المسجد فدفعت عربته وصلينا صلاة الجمعة، وبعد صلاة الجمعة وقفنا في صحن المسجد وهو يرقب من بعيد ورأى النعيق والعويل من الأشخاص الذين يشتمون ويلعنون أنظمة بلدانهم ويوزعون المنشورات ووقعت عين أخي علي صاحبنا وأحضر له قاسم اليماني المنشور فقرأه وغضب غضب شديد وقال أعدني للمستشفى بسرعة. وفي يوم الأحد أخذت أخي أدفه في العربة من المستشفى حتى وصلنا الهايدبارك عند ركن الخطباء وكان سليمان الزنجي أحد الخطباء المفوهين والذين يجتمع حوله المخدوعين أمثال أخي، كان العدد يصل لمئات المعجبين بهذا الزنجي الإنجليزي المسلم الذي يدافع عن الإسلام وهم لا يعلمون حقيقته. دفعت أخي واندسينا وسط الزحام حتى لا يرى أخي ويتكلم على راحته، بدأ سليمان حديثه في الهايدبارك بالآذان ...الله أكبر.....الله أكبر....أشهد أن لا إله إلا الله...أشهد أن لا إله إلا الله....أشهد أن محمد رسول الله...........كان من بعض الضحايا الذين يرددون خلفه هو "أبوخالد" المحاسب الطيب في الملحقية العسكرية السعودية وحرمه المصون وسلم ع لي وقال بفرح وحبور" شفت كيف الإسلام عظيم، هذولا يتعبون عشان يتعلمون الاسلام واللغة وحنا ما نسوي شي للإسلام" لم أناقشه في الموضوع ولكن قلت الله يدله للحق ويوفقه لكل خير. وبدأ سليمان في موعظته واللعب على العواطف وفي النهاية بدأ بالحديث عن الموضوع الذي أتى من أجله وهو "ثورة الملوخية في شارع أبو مية" وبدأ يكيل الشتائم والتحريض والتعريض بالسعودية وتقليب الأمور ويجد الدعم للأسف من الكثير من المخدوعين الذين غرهم حماسهم وحميتهم للدين، فكانوا يتجاوزون عن بعض زلاته. نظرت لأخي وقد تغير وجهه وقلت من الأفضل أن نبتعد لأن صحته لا تساعده كثيرا في سماع هذا الهراء، فتحركنا ولاحظنا سليمان، وبدأ بتغيير الموضوع خجلا من أخي، وأردف " لا ننكر أن السعودية تبني المساجد وتوسع الحرم ولها أعمال خير كثيرة في العالم..." يبي يرقع يعني، فقال لي أخي بحزن شديد"اللهم إهدي قومي فإنهم لا يعلمون"، خذني يا أخي الحقيقي إلى المستشفى لم أعد أحتمل أحداً الآن. نظرت إليه بحزن شديد، فهذا أخي الذي كان قبل أقل من عامين يحمل الأثقال ويهتم بجمال جسمه وطوله الفارع ويدرس في كلية الطب في جامعة الملك فيصل وفي عز الشباب ووسامته، أدفعه الآن في عربة المعاقين والملاية البيضاء تغطي نصفه السفلي، وقد خذله الناس جميعا، فقبلت رأسه وقلت له، لا تحزن يا أخي إن الله معنا، ولديك في السعودية أخوة خير منهم، فيهم وفاء قحطان ونخوة عتيبة وكرم شمر وطيبة الأحساء وذوق الحجاز وفزعة أهل الجنوب وشيمة حرب، فلا تأس على القوم الفاسقين.


يتبع

مشاري بن نملان الحبابي
04-05-2010, 11:42 PM
حلقة جميلة وأكثر من رائعة يا أخ نديم ..

في انتظار الحلقات القادمة على أحر من الجمر ..

عوض العبيدي
07-05-2010, 06:04 AM
ننتظر القادم

منصور العبدالله
07-05-2010, 12:19 PM
هلا اخوي نديم الهوى


متابع


جميل تعليقك على الفايد ولهجتة الانجليزيه


الأصول العربيه ثابته



شكرا ونحن معاك اخوي نديم الهوى


وفقك الله

نديم الهوى
08-05-2010, 01:37 PM
الأخوة في الإدارة

السلام عليكم ورحمة الله

تأتيني رسائل على الخاص في الموقع ولا أستطيع أن أصل إليها لأن المطلوب أن تكون مشاركاتي أكثر من 50 مشاركة لأتمكن من ذلك

هل هنالك طريقة أخرى للوصول إلي الرسائل أقصر من ذلك

تحياتي

مشاري بن نملان الحبابي
08-05-2010, 05:13 PM
الأخوة في الإدارة

السلام عليكم ورحمة الله

تأتيني رسائل على الخاص في الموقع ولا أستطيع أن أصل إليها لأن المطلوب أن تكون مشاركاتي أكثر من 50 مشاركة لأتمكن من ذلك

هل هنالك طريقة أخرى للوصول إلي الرسائل أقصر من ذلك

تحياتي

لا أعلم غير هذه الطريقة يا أخ نديم ..

ولكن جاري أخبار المراقب عبد الله السحيمي لإيجاد الحل المناسب ..

مشاري بن نملان الحبابي
08-05-2010, 05:36 PM
أخبرني الأخ عبد الله السحيمي ..

بأن يجب أن تصل مشاركاتك إلى 30 مشاركة لتتمكن من قراءة الرسائل ..

نديم الهوى
09-05-2010, 07:02 AM
شكراً أخوي مشاري على الإهتمام المستمر والخاص

عملت حوالي خمسين مشاركة لأجد رسائل جميلة تستحق العنية من أخواني أعضاء المنتدى المتابعين للمذكرات، وقد قمت بالرد عليها جميعاً وأرجو أن تصلهم لأرى إجابتهم عليها

شكرا مرة أخرى

ابن عياف
09-05-2010, 07:52 AM
وكالعادة متأخر في القراءة

من الرابعه وحتى التاسعه

مفارقات كثيرة وجميلة

وهذا بسبب سعه فكر الكاتب

وتنوع ثقافته واطلاعه

وعندي احساس بانه من المؤلفين الكبار

والذي جاء ليثري ملتقانا

والذي ازدان به وبقلمه

فحياه الله

وتقبل التحية

مشاري بن نملان الحبابي
10-05-2010, 11:05 AM
أخ نديم ..

شركة قطر للإستثمار اشترت هارودز حقت الفايد ..

http://www.alarabiya.net/articles/2010/05/08/108056.html

نديم الهوى
12-05-2010, 06:54 PM
مشاري بن نملان،،،، أنا مدين لك لوقوفك قلبا وقالباً مع المذكرات وكأنها مذكراتك،،، أنا أشعر بذلك،،،،فلك التحية والتقدير من أعماق قلبي،،، وعلى فكرة سوف أفرد حلقة في القريب عن هارودز وعن بيعة لأني مستغرب جداً من السعر البخس الذي بيع به،،، فسعر الاسم وحده يصل نحو 2000 مليون جنيه استرليني وسعر البضاعة 800 مليون جنية استرليني،، الوليد بن طلال طلبه بأكثر من 2 مليار جنيه استرليني ولم يستطيع شرائه،،، لنرى ما سأصل إليه من نتائج قريباً،،،،،،،،،،،،،،،عوض العبيدي،،، مرحباً فيك والقادم أحلى إن شاء الله،،،،،،،،،منصور العبد الله،،، شكراً لك أخي العزيز وأرجو أن تعجبك هذه الحلقة كذلك،،،،،،،،،ابن عياف،،، شكراً على كلماتك المعبرة،، ووالله إنها تعني لي الكثير،،، فقد تأملتها وخجلت من نفسي أن تعطيني تلك الأوصاف،،، لكن عسى أن أكون عند حسن ظنك وأقدم كل ما لدي من قصص ومغامرات ومصائب:confused: لندنية


الحلقة الثالثة عشر

دفعت عربة أخي خارج الهايدبارك واتجهت به نحو المستشفى في شارع هارلي ستريت وبدأ حينها تساقط قطاف الثلج بتؤدة علينا، وما لبث أن تسارع تساقطها حتى غطت أطراف أكمامي ويدي وقبعة أخي والملاية التي تغطي نصفه السفلي وأصبحت أحتاج لجهد أكبر بعد أن غاصت دواليب العربة وسط الثلوج المتجمعة على الأرض، لكني واصلت بعزم طريقنا وسط شارع اكسفورد ستريت. كانت جميع المحلات في تلك الأيام الغابرة تقفل رسميا أيام الآحاد من كل أسبوع، فبدى الشارع خاويا لا حياة فيه البتة سوى صرير الرياح الذي لا ينقطع فتهتز منه زينات أعياد الكريسماس المعلقة في الشارع، فتصدح كرات شجرة الكريسماس الملونة بألوانها الخضراء والحمراء القانية والجذابة والأجراس الذهبية بأنغام تثير شعورا غريبا لا يعرفه إلا من جربه. ويظهر على واجهات محلات نيكست وسي آند إي، وسلفردجز وتوب مان وتوب شوب وماركس آند سبنسر تماثيل بابا نويل يحمل أكياس هدايا عيد الميلاد بجوارب حمراء مزركشة وهو يقف فوق الزلاجة الطائرة التي تجرها ستة غزلان بنية اللون. لكني لم أصادف طوال الطريق آدميا واحداً يمشي في ذلك اليوم الغريب، فلو أن حيا صاح في الشارع بأعلى صوت لرجع له صداه كما لو كان يستغيث في وادي سحيق، فأحسست وأنا أدفعه أمامي بأنا وحيدين في هذه الدنيا وقد تقطعت بنا السبل كما لو أنا تائهين في غياهب القطب الشمالي وسط الثلوج والصقيع بعيدا عن الوطن والأهل دون عزوة أو أمان. نظرت إليه من فوقه لأجد دموعه الغالية تنهمر وتختلط بقطاف الثلج وهو يحاول أن يزيلها دون أن يبدي ذلك لي، هزني انكساره وقلة حيلته وهوانه على الناس، فقلت في نفسي وآسفاه عليك يا أخي لكم عانيت من المرض ومن خذلان أولئك الأوباش وهأنت عاجزا حتى عن السير على قدميك، ولكني تظاهرت برباطة الجأش لكي أشد من أزره، فقلت له ما أجمل الثلوج يا أخي وهي تتنزل علينا كغزل البنات، إنها تداعبنا بنعومتها عندما تلامس أجسادنا. وأردفت، ألا ترى يا أخي أن الشارع أصبح ملكا لنا لوحدنا، فلا يوجد أحد فيه سوانا!!!!، لم يرد علي سوى بتنهيدة طويلة أخرجت من أعماقه دخان أبيض كثيف اخترق الثلوج المتساقطة وكأنه يدخن الأرجيلة. وصلنا إلى متجر دبنهامز فانحرفنا ناحية اليسار باتجاه هارلي ستريت كلينك، وعند بوابة المستشفى قابلتنا الممرضة الحبوبة دبي وقد انتهت لتوها من نوبة عملها، لكنها عندما رأت حالة أخي التي يرثى لها ورأتني اندهشت مما شاهدت، لأنها تعودت أن ترانا دائما مبتسمين وضحكاتنا ترد الروح كما كانت تقول لنا دوما، فعادت معنا إلى غرفة أخي وعندما نام أخي جلست معي خارج الغرفة وتحدثت معها بايجاز عن سبب حزنه الكاسر، واحساسة بالصدمة من أصحابه، وأحمد الله أني تحدثت معها، فهذه البنت الإنجليزية، كمعظم الإنجليز، لديها حكمة في النظر للأمور من زوايا قد تخفى علينا نحن كعرب عاربة أو مستعربة، فقد قالت لي بعد أن فهمت المشكلة "أفضل حل هو أن يقوم بزيارته أحد من أصدقائه القدامى من بلدكم وحبذا لو تأتي أمه وأبيه لزيارته في هذه الظروف العصيبة، فالعلاج النفسي مهم لأي مريض وهو مهم لارتفاع المناعة الضرورية في مرضه". وفعلاً دخلت الغرفة واتصلت بأبي وأمي وأخي الكبير وطلبت منهم القدوم بأسرع وقت وطلبت من أخي أن يحاول أن يدعوا أحدا من أصدقائه في الجامعة وتوفير التذاكر والمصاريف لهم إن كان ذلك ضروريا. اتصل أخي لاحقا بسليمان البابطين وخالد أبو سمرة، اللذين رفضا فكرة توفير التذاكر لهم أو أية مساندة من أخي وفي خلال أسبوع كانا في لندن وقد سبقهما والداي في الوصول.


أخبرتكم في حلقة سابقة بالتفصيل عن حياة أبي، وسوف أحدثكم بسرعة عن والدتي ولن أطيل عليكم، فوالدتي كانت بالنسبة لنا إمرأة بأمة كاملة، أغدقت علينا من حنانها وعطفها وعوضتنا كثيرا عن غياب أبي المتواصل عنا أثناء انشغالة في أعماله التجارية وخاصة عندما كان يعيش في لبنان لمدة ثلاثة أشهر ويعود ليبقى معنا لمدة أسبوع أو عشرة أيام فقط، ثم يعاود السفر مرة أخرى. في بداية حياتها إلى أن دخلت أنا إلى الصف الأول الابتدائي في مدرسة محمد بن القاسم الإبتدائية في الطايف، وأمي ما زالت أمية لا تقرأ ولا تكتب كبقية أقرانها من جيلها، لكنها كانت بالرغم من ذلك تحفظ أشعارا وقصائد بدوية جميلة ومعبرة وتحب أن تشدو بها في كل حادثة غريبة تمر بنا لتعبر بها عما يجول بخاطرها أو عن رأيها. كانت تنشد أبياتا طويلة دون تأتأة أو همهمه، فنستغرب منها كيف حفظتها عن ظهر قلب بطريق السماع فقط، وما سر تلك الذاكرة القادرة على تخزين كل تلك القصائد والملاحم. وفي بداية السبعينات الميلادية ظهرت حملة اسمها "محو الأمية" "كنا ونحن أطفال نحسب اسمها نحو الأمية" فدرست مع نصف نساء الحارة في المدرسة الموجودة بجانب قصر الأميرة سارة بنت عبد العزيز خلف الجبل الذي يقع في حارة الريان في مدينة الطايف، فأتقنت القراءة والكتابة بشكل مذهل. أذكر في يوم من الأيام أن أحد أخوالي حصل له حادث شنيع هو وأسرته فإنتظرنا خروج الحريم الذين يدرسون في المساء "محو الأمية" تحت الجبل أنا وأبناء خالي الأخرين وكانت أعمارنا بين السابعة أو الثامنة. عندما خرجن النساء من المدرسة انطلقنا ونحن نسابق الريح كلن يحاول أن يسبق الآخر، وعندما وصلنا لأمي قلنا لها "نبشرك.....خالي صار له حادث خطير " خخخخخ، نحسب كلمة نبشرك تركب هنا في هذه الجملة.


كنا عند مرض أخي قد أخفينا عنها سر المرض وأخبرناها أنه فقر دم شديد اسمه لوكيميا وعلاجه لا يوجد إلا في لندن، ولكنها في يوم من الأيام كانت تقرأ صحيفة الشرق الأوسط ، بعد أن أتقنت القرأة، وسقطت عينها على اسم المرض "اللوكيميا، سرطان الدم" فطفقت تبكي ابنها عندما عرفت أن معنى لوكيميا هو سرطان الدم ولم تعد تتحدث مع أحد لمدة طويلة، وكل ما واساها أبي أو أقربائي لا ترد وتكتفي بالقول " انما اشكو بثي وحزني الى الله"، وتوافق معرفتها بمرض أخي الوقت الذي خذله فيه الناس وأصبح أخي محتاج لها كما هي محتاجة له، وكان أخي كما عرفنا فيما بعد يردد في نفس الوقت الآية الكريمة " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون "، وكلاهما آيتان متتاليتان من سورة يوسف ، فهل كان هنالك توارد خوطر بين الأم وابنها رغم بعدهما عن بعضهما.

بعد أن استقبلت والداي في المطار وأثناء السير في الطريق من مطار هيثرو ونحن متجهون نحو لندن في السيارة المرسيدس الخاصة بالمحلقية العسكرية كانت أمي تقول بأنها تشم رائحة أخي داخل السيارة، سبحان الله، هل كانت تتوهم، أو أن ذلك كان صحيحا، فأخي قد ركب معي قبل أكثر من شهرين في نفس السيارة، الله وحده أعلم. وعندما دخلت معهما المستشفى كانت سميرة توفيق في بهو الفندق فأبتسمت لنا وحييناه بسرعة دون أن نكترث بها نظرا للظروف الصعبة التي نمر بها مما جعلها تأخذ على خاطرها كما سأخبركم في حلقة قادمة. ونحن ننتظر المصعد في المستشفى، قالت أمي أنها تحس بأنه سيغمى عليها عند اللقاء، فدقات قلبها تزداد حتى أنها تكاد أن تحصيها، وعندما دخلنا على أخي الغرفة أقبلت أمي على أخي العليل وضمته نحوها وقبلت رأسه ويديه هي تبكي بحرقة وحزن ولها نشيج يقطع نياط القلوب وبقيت أنا وأبي نرقب عاطفة الأمومة الجياشة التي أودعها الله سبحانه وتعالى فيها لنحو خمس دقائق حتى أجلستها وأفسحت الطريق لأبي الذي كان مسيطرا بعض الشيء على أعصابة للسلام عليه.

في يوم لاحق وصل سليمان البابطين وخالد أبو سمرة من السعودية، واقتصرت السماح بالزيارة لهما فقط بالاضافة لشخص آخر اسمه الدكتور عبد الله الخاطر، وهو من أصدقائه السابقين في مدينة الدمام وكان يحضر الدراسات العليا في الطب النفسي في لندن في نفس الفترة التي كنا فيه في لندن. وقد رد لي الأشخاص الثلاثة الثقة في الشاب السعودي الملتزم بعد أن هزها من جذورها ومن ثنايا ضلوعي ذلك الخليط المجنون من الأفاكين والسفاحين والانتهازيين. وتحسنت بذلك نفسية أخي كثيرا فعادت له الابتسامة واشرق وجه لاطمئنانه بوجود والداي وأصدقائه المقربين، فقسمنا اليوم بيننا لزيارته، فخالد وسليمان يعودانه من الصباح حتى الظهيرة، وأنا ووالداي من بعد الظهيرة حتى المساء.

بعد أن هدأ روع والدتي، أحببت أن أسري عنها وأنتشلها من الحزن الطويل الذي أنهكها فقررت أن أشتري لها هدية من محلات لندن الجميلة خاصة وأنه قد تجمع لدي في الشقة تحت البطانية إلي إنتم عارفينها أكثر من عشرين ألف باوند لا أعلم ماذا أفعل بها، لذلك أخذت والدتي معي نحو محل راقي اسمه قراف دايموندز Graff Diamonds، يقع في نيو بوند ستريت، وكانت والدتي تتسربل بالغطاء الأسود من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها، وعند مدخل المحل الراقي والذي يقف أمامه شخصان طويلان وسيمان يرتديان بدلتان سوداوين من تصميم فالنتينو ونظارات سوداء كذلك، أتذكر بأنا الحاجبان أوجسا منا خيفة وتفاجأوا بأنا نقصد محلهما كزبائن لأن في تلك الأيام لم ينتشر العرب في كل ركن وزاوية مثل ما هو حاصل الآن، كما أن الغاطاء الأسود الكامل لم يكن منتشرا بكثرة. دلفنا نحو المحل الأنيق واخترت لها خاتم ألماس جميل وناعم على شكل ماسة تاج الملكة اليزبث الذي يزين تاج عرشها اسمه "crown diamond ring" قيمته 9999 باوند، أي حوالي 45 ألف بسعر تلك الأيام وحوالي 60 ألف بسعر الصرف الآن ، ولكن سعر الخاتم قد يصل هذه الايام أكثر من مئة ألف بعد ارتفاع أسعار الألماس، ولكن للأسف لم يعجب أمي الخاتم أبداً ولم تحفل به بالمرة وكأني كنت سأشتري لها شمعة أو براية أقلام رصاص، وتفركشت المفاجأة، فقلت لها "لا ترديني يا أمي الله يرحم والديك، يجب أن أشتري لك هدية قيمة ترجعين فيها السعودية معاك، وتتفاخرين بها قدام أم عبد الله وأم سعود وأم سلطان". فكرت بعض الشيء ونحن نجلس على المقاعد الوثيرة في متجر قراف وبجانبنا مسشارة المبيعات الجميلة كأنها مرسومة رسما بأبعاد رباعية، فقالت "أريد أن أشتري قدور وصحون وتباسي، يمدحون قدور لندن " ضحكت من طلبها الغريب وقلت تتركين الألماس من أرقى محلات لندن وتبين بداله قدور ومواعين، أمري لله، فخرجنا من بوند ستريت واتجهنا لسلفردجز لتختار الأطقم التي تريد، ولكن لم يعجبها شيء أبداً مرة أخرى، وقالت لي "يا ابني طول عمرنا في السعودية نشتري من المحلات الشعبية، نفحص البضاعة ونقلبها ونطرق عليها ونفاصل في قيمتها، لكني لا أستطيع أن أشتري من هذه المحلات، أحس أنه تبذير ماله داعي والله لن يرضى أن أدفع 1500 ريال ثمن قدر". عندها طرأت لي فكرة الذهاب لشارع "بريك لاين" الذي يقع في منطقة شعبية شرق لندن ويقطنه الكثير من الجاليات البنغالية والهندية واليهود الاشكناز، ويقام فيه سوق الأحد الذي يشبه تماما سوق الخميس في مدينة القطيف. وهنالك اشترت ما تريد وعبينا السيارة قدور وفنجايل وملاعق وحتى أننا ويا لطرافة هذا السوق، وجدنا "كمر" وهو الحزام الذي يربطه الحاج في وسطه لحفظ الأموال والأوراق المهمة فأضفناه لبضاعة لندن المتميزه التي ستجلبها أمي معها للسعودية!!!، ولم تكلفنا البضاعة كلها على بعضها مع غداء "فش آند شبس" أكثر من 80 باوند، وبكذا تكون أمي وفرت لي من ال 20 ألف الي كنت أنوي أن أهديها لها 19920 باوند، ولكن والدتي كانت سعيدة جدا بقدورها أكثر من سعادتها عندما كانت في محل قراف دايموندز الراقي للمجوهرات، فـأكدت لي بتصرفها هذا أن السعادة شيء نسبي وكل انسان يستشعرها بطريقته الخاصة وأن سر السعادة هو القناعة في الحياة والبساطة وتقدير الأشياء التي يرزقنا الله بها، فالقدور والطناجر والفناجيل وخراطة الملوخية ومقوار الكوسة، من الممكن أن تعني للانسان أكثر من الألماس والذهب واللؤلؤ وساعات معوض والدهام، وخواتم وعقود وحلقان محلات إرم.


بعد مرور أكثر من عشرة أيام على تواجد والداي وبالرغم من اطمئنان أخي لقربهما منه بالإضافة إلى أصدقائه المقربين، إلا أن صحته وعلى عكس ما توقعنا وتمنينا بدأت بالتدهور بشكل سريع، وهذه المرة بسبب تقلبات المرض ورفض جسمه للنخاع الذي تبرع به أخي الصغير له، فعمل له الأطباء، بالإضافة إلى المغذي من الوريد، فتحة من جهة القلب تتصل بكيس معلق شبيه بالمغذي لإعطائه الأدوية الأخرى عن طريقه، وقد جربوا، كما أذكر، علاجا جديداً يستخدم لأول مرة على انسان وهو يجعله حرارته تنخفظ بشكل كبير فيبدأ بالارتعاش وكأنه وسط ثلاجة، وقد وقعنا على بعض الأوراق للموافقة على استخدامه بعد استشارة الملحق الطبي دون فائدة تذكر، بل أن أخي مع مرور الوقت بدأ يفقد التركيز حتى أصبح لا يعي ما يدور حوله ولا يستطيع التعرف على الأشخاص، وبدأ بفقدان الذاكرة بالتدريج بسبب تلك الأدوية وكأن جسمه أصبح حقل تجارب لتلك الأدوية حتى دخل أخيراً في غيبوبة كاملة.


في أحد الأيام أتى لنا الدكتور قولدمان وأخبرنا بالخبر الحزين بأنه قد فقد الأمل بتحسن حالة أخي تماما وأنه يتوقع أن يتوفاه الله، حسب المعطيات الطبية، خلال أربعة أيام، بل أنه حدد ساعات معينة لوفاته. صدمنا بالخبر المفجع وبدأت أمي تبكي حتى أبيضت عيناه من الحزن على ابنها الذي بدأ كهيكل عظمي شاحبا وجسمه مسجى بلا روح فوق سرير المسشفى. وبدأ الدكتور عبد الله الخاطر، الطبيب النفسي الطيب والخلوق، بتهدئة والدتي وتهيئتها لتقبل المصيبة وتذكيرها بما لها من أجر يوم القيامة إن هي صبرت واحتسبت وأن الله لن يحرمها الأجر وهي المرأة المؤمنة، وأن الله هو الذي وهبنا أخي، وهو سبحانه الذي سيأخذه منا، وأن تحمد الله وأن لا تحزن على فراقه فهو رجل ملتزم بتعاليم الدين وكان يؤم المصلين رغم صغر سنة في مدينة العمال في الدمام. وفعلا، كان لاسلوبه الإيماني ولتخصصه كطبيب نفسي سحرا كالبلسم الشافي لوالدتي فبدت مؤمنة صابرة جاهزة لاستقبال المفاجأة وكأنها سوف تودعه كما قال لها في المطار وستلقاه بإذن الله، يوم القيامة في أبهى الحلل في جنات النعيم.


اختلىى الدكتور عبد الله الخاطر بوالدي وبي في الصالة الخارجية وبدأ يحدثنا عما يجب علينا أن نفعله للتعامل مع مراسيم الصلاة عليه في مسجد لندن ومن ثم موارة جسده الثرى في مقبرة المسلمين في بروك وود في لندن لأن الجثة لو نقلت بواسطة الطائرة فيجب أولاً استئصال بعض الأعضاء مثل الكبد وغيرها، وإلا فلن يسمح بنقله بواسطة الطائرة من قبل شركات الطيران، وأوضح أن المقبرة الموجودة في بروك وود في لندن خصصت للمسلمين بعد أن تم دفن نحو 24 مقاتل مسلم في الحرب العالمية الأولى والثانية ومعظمهم كان من الهند حاربوا مساندة للبريطانيين وعندما أصيبوا في الحروب نقلوا للعلاج في بريطانيا ثم توفوا فدفنوا في قسم خصص للمسلمين ومن ثم اتسعت المقبرة مع الوقت بسبب تكاثر المسلمين، فهي إذن الخيار الأفضل لدفنه. دخل علينا في تلك اللحظة أحد زوار أخي وهو تاجر من الرياض اسمه "سليمان العيسى" (اسم حقيقي، وهو ليس المذيع المعروف) ولم أكن اعرفه جيدا ولا أعرفه إلى هذه اللحظة وهل هو حي أم لا، ولكن الذي أعرفه جيدا نبل هذا الرجل الذي عرض علينا نقل الجثة بطائرة خاصة على حسابه حتى لا يتم استئصال أي جزء من جسمه لأنه يعتبره أخ مسلم عزيز عليه، لكن في النهاية آثرنا دفنه في مقابر المسلمين في لندن حسب نصيحة الدكتور عبد الله الخاطر.


في اليوم العصيب الذي حدده له الدكتور قولد مان بناء على نتئائجه الطبية، أتى الدكتور على عجل وفتح المغذي بعد أن حقنه ببعض الأدوية لأقصى نسبة كخيار أخير، وأخبرنا بكل وضوح أن ليس لديه حل وأن علينا الدعاء لأخي فقط ولن تفيده الأدوية التي أعطاها إياه شيئاً، إنما هي محاولة أخيرة لعل وعسى. كان متواجدا حوله في لحظات احتضاره الأخيرة، أبي وأمي وأنا وسليمان البابطين وخالد أبو سمرة والدكتور عبد الله الخاطر، وبدأ الدكتور عبد الله الخاطر يقرأ عليه القرآن وهو يغالب دموعة ويمسح على رأسه ويلقنه الشهادة وهو في غيبوبة تامة ولا يشعر بشيء ونزل مستوى الأوكسجين إلى أن أصبح تنفسه كأنه همساً والأجهزة الأخرى تشير لإنخفاض ضغطه رويداً رويداً، ودقات قلبه تتباطء حتى تكاد أن تتوقف، وفجأة دوت أجهزة الإنذار الموصلة به معلنة اقتراب الموت منه قاب قوسين أو أدنى واستدال الستار عن حياته القصيرة، فما هي إلا لحظات ويغادر بعدها الدنيا التي عاش فيها 22 عاماً فقط كعابر سبيل نحو حياة البرزخ السرمدية تحت التراب وحده في اللحد إلى أن تقوم الساعة، فطفق الدكتور عبدالله الخاطر بحزن شديد والدموع تنهمر منه بتلقين أخي الشهادة: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله........ أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله........اللهم إرحمه يا رب، إنك رؤوف رحيم، اللهم إني أسألك أن تكتبه عندك من الصالحين والصديقين والشهداء ،،،،،،،،........الله المستعان..


وفي يوم الأحد الموافق 3 جمادى الآخرة 1410، بعد نحو ست سنوات، قام أخي المريض بيديه بدفن الدكتور عبدالله بن مبارك بن يوسف الخاطر رحمه الله في مقبرة غرب الدمام، عندما أصيب الدكتور بنوبة ربو حادة أثناء صلاة الفجر، رحمه الله............ مات الدكتور، وعاش أخي،،،،، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس باي ارض تموت ان الله عليم خبير".
يتبع

علي آل جبعان
14-05-2010, 01:43 PM
بِسْم الْلَّه الْرَّحْمَن الْرَّحِيْم
لَا غَرَابَة فِي حَس هَذِه الْأُم الَّتِي أَنْحَت عَلَى تَرْبِيَة أَوْلَادِهَا حِيْن غِيَاب رَب هَذِه الْأُسْرَة
فِي طَلَب الْرِّزْق لِهَذِه الْأَسِرَّة الْكَرِيْمَة , وَلَا غَرَابَة أَيْضا فِي حُزْنِهَا حِيْنَمَا عَرَفْت مَرَض فِلْذَة كَبِدِهَا ,
وَلَا غَرَابَة هَذَا الْحَزَن الَّذِي خَيَّم عَلَيْهَا حِيْن رُؤْيَة أُبَنَّهَا بِالمَشْفِى وَمُفَارَقَتُه لِلْحَيَاة ؛
هَذَا الْشُّعُوْر سَرَى لَنَا نَحْن الْقُرَّاء وَخَاصَّة مَن عَاش مَرَض قَرِيْب لَه وَصَارَع فَتْرَة مِّن الْزَّمَن
بَيْن رَدَهَات هَذِه الْمُسْتَشْفَيَات الَّتِي أَحْيَانا تَقْف عَاجِز عَن فِعْل شَيْء ..
؛؛؛
حَكَمْت الْلَّه وَقُدْرَتِه وَسُنَّة كَوْنِيَّة مَاضِيَة عَلَى كُل الْبَشَر , فَمَا بَالُك بِمَن امْتِلَاء قَلْبِه أَيْمَانا وَصِدْقَا
بِأَن الْحَيَاة لَابُد لَهَا مِن نِهَايَة فَنَسْأَل الْلَّه حُسْن الْخِتَام ..
؛؛؛
مِن هُنَا وَبَعْد طُول زَمَن أَحْسَن الْلَّه عَزَاؤُكُم فِي فَقِيْدِكُم وَأَلْهِمَكُم الْصَّبْر وَالْسَّلْوَان ,
وَإِنَّا لِلَّه وَإِنَّا إِلَيْه رَاجِعُوْن ..
؛؛؛؛
كَم أَعْجَبَنِي هَذَا الْرَّبْط وَهَذَا الْسَّرْد الَّذِي لَا يُجِيْدُه إِلَا نَدِيْم الْهَوَى ؛
فَبَارَك الْلَّه فِي فِكْرِك وَقَلَمُك وَصِحَّتَك كَمَا سَحَبَتِنا إِلَى عَالَمِك بِهَذِه الْرِّوَايَة
الَّتِي بِحَق تَحْتَاج مَن كَاتِبُهَا جُهْد وَعَنَاء شَدِيْدَيْن لَربَط الْأَفْكَار وَالسِّيَر فِي خَط يَجْذِب الْقَارِيِّء الْكَرِيْم
لَيُتَابَع وَيَسْتَمْتِع بِرَوّعَة هَذَا الْحُبُك ..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
لَقَد كَسَرْت حَاجِز الْصَمْت بِهَدِيَّر حَرَّوْفِك وَجَعَلْتَنَا نَنْتَظِرْهَا بَيْن الْفَيَّنة
وَالْأُخْرَى لِنُسَبِّح مَعَك فِي رَحَلَاتِك المَكُّوكِيّة وَكَأَنَّنَا مَعَك نَنْظُر بِعَيْنِك وَنِسْمَع بِسَمْعِك وَنُفَكِّر بِفِكْرِك
وَنِدَوِّن بِقَلَمِك وَأَنَامِلِك الْذَّهَبِيَّة ..
أَنَا أَعْتَقِد بِأَن الْحَلَقَات الْقَادِمَة سَتَكُوْن مُدْهِشَة وَمُثِير لِأَن مَرْحَلَة نَزِيْف الْحُزْن سَتُقَل بِفِرَاق
بَطَل هَذِه الْقَصَص وَهُو أَخُوْك رَحِمَه الْلَّه وَأَسْكَنَه فَسِيْح جَنَّاتِه وَثَبِّتْه وَجَبَر مُصَابَكُم ..
؛؛؛؛؛؛
أَخِي الْغَالِي
نَدِيْم الْحَرْف بَل نَدِيْم الْهَوَى
أَسْتَمِر وَنَحْن نَتَلَذَّذ بِهَذَا الْطَرِح الَرَاقِي وَالَّذِي يَنْقُلُنَا مِن مَنَاخ إِلَى أَخَّر ؛
سجَّلَنِي مِمَّن رَاق لَه هَذَا الْطَرْح ..

وَدُمْتُم بِوُدّ

مشاري بن نملان الحبابي
14-05-2010, 07:24 PM
أرحب يا أخ نديم مرة اخرى ..

هذه الحلقة مؤثرة جدًا ..

ولكن هل مات أخوك أم عاش ..

لأنك تقول بأنه قد دفن الدكتور بعد ست سنوات ..

نديم الهوى
14-05-2010, 07:49 PM
لمي يمت أخي


الذي مات هو الدكتور عبد الله الخاطر الذي كان يلقنه الشهادة،،،،،

نديم الهوى
18-05-2010, 06:58 PM
الحلقة الرابعة عشر

صور لندنية قديمة وبعض الصور التي تخص بعض فصول الرحلة





هذه صورة الصخرة الموجودة في الهدا في الطايف والتي كان يجلس عليها أبي وعمره 9 سنوات وهويبكي قبل نحو 75 سنة، عندما يشتد عليه التعب ويقوم عمي بضربة ليستأنف السير مع القافلة المتجهة إلى مكة المكرمة.


http://travel.maktoob.com/photo/data/500/dads-stone.jpg



فريق كرة قدم كوناه من خليط من كل الجنسيات، والرجل الثالث من اليسار وقوفا اسمه "شيية عرعر ا" وهو صاحب فنقد بجوار فندق لانكستر قيت، وقد نظم مسابقة ملكة جمال العرب لأكثر من مرة في لندن، وقد أتحدث عنه في حلقة قادمة



http://travel.maktoob.com/photo/data/500/hydepark-team.jpg


النافورة الإيطالية في الهايدبارك خلال فصل الربيع

http://travel.maktoob.com/photo/data/500/italianFountain.jpg



هذه الصورة أخذت لي ثاني يوم وصلت في لندن، كانت يدي مكسورة،"كنت ألعب تايكوندو في نادي الأتفاق، ولعبنا مباراة مع القادسية، وكسر يدي لاعب القادسية عادل الحواج"، يبدو في الصورة ملابسي التي شريتها من بسطة فوق سيارة عراوي بجانب سوق القطيف، خخخخخ

http://travel.maktoob.com/photo/data/500/queensway-photo.jpg



رحلة مدرسية للطلاب المسلمين بمناسبة عيد الأضحى لحديقة ريتشموند بارك، ويبدو زميلي مرزوق العتيبي الرابع وقوفاً من اليمين وسوف أتحدث عنه في حلقة قادمة

http://travel.maktoob.com/photo/data/500/school5.jpg



الشتاء في الهايدبارك

http://travel.maktoob.com/photo/data/500/hut.jpg



رجل البوليس الإنجليزي الأنيق، ويبدو طوله الفارع بالرغم من أن طولي 174 سم

http://travel.maktoob.com/photo/data/500/police3.jpg



باص لندن القديم رقم 23 المتجه من البايزوتر أمام حديقة كنجنستون بارك إلى شارع أكسفورد ستريت

http://travel.maktoob.com/photo/data/500/Bus-23.jpg



بعض شبابك البانكس، موضة منتصف السبعينات وحتى نهاية الثمانينات الميلادية، الآن لن تجدهم في شوارع لندن بالمرة

http://travel.maktoob.com/photo/data/500/Punks.jpg

يتبع

مشاري بن نملان الحبابي
19-05-2010, 10:47 PM
مرحبا يا نديم ..

نشكرك على هذه الصور الرائعة ..

وما زلنا في انتظار المزيد ..

نادر العبيدي
19-05-2010, 10:55 PM
اشكرك جزيل الشكر

منصور العبدالله
21-05-2010, 08:50 AM
ماشاء الله


لازلت متابع


وراجعت آخر الحلقات ولكني قرأتها بسرعة


اتمنى ان تكون كل حلقة وحلقة بينها عشرة ايام


وجميل ما ارفقته من صور


وفقك الله أخوي نديم الهوى


والله رائع رائع رائع

نديم الهوى
22-05-2010, 09:25 PM
سأكتب الحلقة التالية قريبا

مشاري بن نملان الحبابي
22-05-2010, 09:33 PM
مرحبا أخ نديم ..

سبق وأن طرحت هذه الحلقة مسبقاً برقم ( 13 ) ..

نديم الهوى
23-05-2010, 03:55 PM
الحلقة الخامسة عشر

حلت الساعة الثانية ظهرا التي حددها الدكتور قولدمان لحدوث الوفاة، بيد أن قلب أخي مازال متشبثا بالحياة من خلال قشة منفطرة تكاد أن تنقطع بين لحظة وأخرى. وكان مع الدكتور ممرضتان تساعدانه في ومراقبة الأجهزة الطبية وإعطاء بعض الحقن الذي يطلبها الدكتور من وقت لآخر، وبعد مرور أكثر من ساعة بدأ الدكتور أكثر تفاؤلا وأستدعى طبيباً آخراً اسمه الدكتور واردل للإشراف عليه، وفهمت من حديثهما أنه يعتقد بأن أخي قد مات بالفعل ثم عاد للحياة مرة أخرى، لكن إذا ما مرت الساعات الثلاث القادمة على خير، فمن المحتمل أن يتجاوز المرحلة الحرجة، وأوصاه بمتابعته عن كثب ومن ثم غادر الغرفة. نظرت لأبي وللدكتور عبد الله وسليمان وخالد فشعرت بأن اللحظات العصيبة قد رسمت آثارها على محياهم جميعاً وكأن الدماء جفت في عروقهم جميعاً، فقد كانت وجهوهم شاحبة وشفاهم بيضاء متشققة، أما أمي فقد كانت خائرة القوى ودموعها قد أغرقت نقابها بالكامل وأصبحت تترنح في حركتها في الغرفة من الأسى والقنوط الذي أصابها. قامت أمي بعدما غادر الدكتور قولدمان فسقت أخي ملعقة من ماء زمزم ومسحت به على وجهه ورأسه ودعت الله بأن يشفيه وأن لا يحرمها منه وأن لا تفقده وهو في عز شبابه، بل أنها دعت فقالت "يا رب إحفظه لي حتى لو أنك أبقيته على اغمائته الحالية ما بقي له من عمر، فقد رضيت بذلك، ولكن لا تأخذه من بين يدي، يا رب".

ومرت الساعات الثلاث الحرجة بسلام وبدأت ولله الحمد تتحسن النتائج فاستبشرنا خيرا واستطاع الجميع الاستئذان بالخروج بعد أن أطمأنوا عليه وخاصة أنهم قد قضوا أكثر من 7 ساعات من اللحظات الحرجة التي أنهكتهم، فودعناهم وشكرناهم على حسن صنيعهم وأصالة معدنهم، وبقيت أنا وأبي وأمي والممرضتان. عند الساعة التاسعة مساء طلبت من والداي الذهاب وقلت لهما بأني سأنام معه في نفس الغرفة هذه الليلة، وسأتواصل معهما عبر الهاتف إن استجد شيئاً، فغادرا بعد إصراري على أن ينالا قسطاً من الراحة ويعودانه في الغد الباكر.

استمرت حالته في التحسن مع تقدم الوقت حتى أن الممرضتين استطاعتا مغادرة الغرفة بعد إطفاء الإضاءة وطلبا مني استدعائهما إذا احتجت لأية مساعدة، فشكرتهما واستلقيت على الأريكة الجلدية السوداء أرقبه عن كثب، ثم تناولت المصحف وبدأت بقراءة سورة ياسين وسط الظلام مكتفياً بالنور الصادر عن الأجهزة الطبية المتصلة بأخي. لكني سرعان ما غطيت بنوم عميق بسبب ما كابدت طوال اليوم من نصب وتعب وأنا لم أنهي نصف السورة، فبدأت تخالجني وتتلقفني الأحلام والكوابيس فأستشعرها وكأنها حقيقة وليست كالأحلام العادية التي تمر علي كل يوم. فرأيت نفسي وأنا أسير بنعش أخي فوق عربة سوداء تجرها ستة من الخيول السوداء، ويتبعني جمع غفير من جماعة المركز الإسلامي لمسجد ريجنت ستريت ونحن نسير وسط شارع ريجنت بارك باتجاه شارع بورتلاند ثم نقطع ريجينت ستريت والبيكادلي ونهر التيمز، متجاوزين آلاف المتسوقين الذين يرمقونا بفضول، وآخرين بحزن من داخل الحافلات الحمراء ونحن في طريقنا نحو مقبرة بروك وود في جنوب غرب لندن.

http://farm4.static.flickr.com/3425/3247326992_3c6ec9ef6d.jpg

مسجد ريجنت ستريت في لندن



مقبرة بروك وود في لندن

http://1.bp.blogspot.com/_h5CrYoF5cgY/S3An70T_f8I/AAAAAAAAA48/WqFmDohQisQ/s400/walk+31+january+2010+005.jpg




وبعد أن وصلنا المقبرة، صلينا عليه صلاة الميت فنزلت معه القبر نحو مثواه الأخير وسجيت جسده اللحد ووجهته شطر المسجد الحرام، لكن فجأة بدأ تراب القبر ينهال علي من كل الجهات وأنا قابع في وسطه، فحاولت أن أستغيث بأعلى صوتي لمن هم في الأعلى كي لا يحسبون أني أنا الذي سوف أدفن، ولكن لم يكن ليصدر عني أي صوت وكأني فقدت القدرة على النطق، ورأيت فوق سطح القبر، الذي أصبح عميق جداً، سليمان الزنجي وهو ينظر نحوي نظرات تشفي ويدفع الرمال وهو منتشي للغاية ويساعده في ذلك نسيم الجزائري. حاولت القفز للأعلى فأعاقني عمق القبر الذي يصل طوله نحو مترين، وبدأ التراب يغمر جسدي ووصل حتى رأسي وأنا أغوص وسط القبر ويكاد التراب يكتم أنفاسي. وبينما أنا أحاول النجاة بنفسي بعد أن فقدت كل أمل في ذلك، ظهرت لي فجأة من داخل القبر يد أخي فجذبتني بقوة نحو الأسفل، فحاولت التخلص منها بكل ما بقي لدي من قوة، ولكن قواي خارت وأنا أسبح داخل الظلام الدامس ورائحة الطين تحشر أنفاسي، فأغمضت عيناي وسددت أنفي حتى انتهى بي المطاف وسط اللحد.


http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=194445&stc=1&d=1161457152

فوجدت أخي وقد تخلص من كفنه وتقرفص داخل اللحد الذي بدأ لي أنه فسيحاً وأكبر بكثير من الحجم الذي حفرته، ويشرف على منظر خلاب تحيطه حديقة غناء أبهى جمالا من الهايدبارك في أوج الربيع، ويتخللها أنهاراً وأشجاراً تتلألأ وتسبح فيها طيور السنور والبجع والحمام الأبيض. سألت أخي بخوف ورهبة ممزوجان بسعادة، ألم تمت بعد يا أخي؟؟؟ وكيف تخلصت من الكفن، وأين نحن الآن، هل نحن في الحياة الدنيا أم في الآخرة، رد كلا، كلا يا أخي، نحن بين الدنيا والآخرة، ولم أمت أنا ولن تموت أنت، فالله قد كتب لي من العمر بقية ولا بد لي أن أحياها لأني قد دفنت قبل أواني ويجب علينا أن نخرج سوياً من هنا وبأسرع وقت وبأية طريقة لنعيش ما بقي لنا من الحياة، أجبته بخوف وذعر شديدان، كيف يمكننا ذلك ونحن تحت التراب وفوقنا من يتربص بنا إن حاولنا الخروج؟؟، فنظرنا حولنا فوجدنا على يمين اللحد أحد المسلمين متكئاً على سرير ويتناول التين والعنب، فأخبرناه بأنا نريده أن يساعدنا لنخرج من هنا، فابتسم لنا ابتسامة صافية وأخبرنا بأنه يتوجب علينا إذا ما أردنا العودة للحياة الدنيا بأن نقطع تلك المفازة التي تقع فيها قبور الكفار في الجهة المقابلة من اللحد، وهي صحراء قاحلة لا يوجد فيها ماء أو كلاء، وقد يقضى علينا قبل أن نصل طريق الحياة فنعود لنفس هذا المكان الذي نحن فيه الآن، ونصحنا أن نبقى هنا في مكاننا فهو أجمل من الدنيا كما نرى. وبالرغم من جمال المكان إلا أننا تمسكنا بخيار الحياة الدنيا فعدونا فوق الرمال لا نلوي على شيء ونحن نقطع المفازة برمالها الحارقة وجوها اللاهب شديد الحرارة. وبعد أن قطعنا نصف المسافة وتجاوزنا قبور الكفار، دخلنا وسط وادي عميق وضيق جداً وذي صخور كلسيه عالية تتشكل صخوره كوجوه أناس عرفناهم في الدنيا ويمتلئ الوادي بأشجار طلح متشابكة تحمل شوكاً كأنه رؤوس الشياطين. فأسرعنا الخطى أكثر فأكثر وفجأة ظهر خلفنا قطيع من الإبل السوداء ترمقنا بنظرات متوعدة وتعدوا خلفنا تريد أن تفتك بنا، فبدأنا بقراءة المعوذات ونحن نلهث وتكاد تنقطع أنفاسنا من وادي الشياطين المرعب ، فلما دنت منا العير وأوشكت أن تنهش رقابنا نفث عليها أخي فاندثرت كرمال واستوت على الأرض. فأكملنا عدونا نحو خط الحياة الدنيا وقبل أن نصلها بأمتار بسيطة سقط أخي منهكاً من التعب فعدت إليه أرجوه أن يكمل ما بقي من الطريق لأنه لم يبق سوى أمتار قليلة ونعود للحياة، إلا أنه لم يستطيع أن يتحرك من مكانه وبدأ يستغيث ويطلب الماء، ....أريد ماء، نديم لا تدعني أموت من العطش، أريد جرعة من الماء، حتى أنه صرخ بأعلى صوت فأحدث دوياً هائلا تردد صداه في جنبات وادي الشياطين،،،،، ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،فصح وت مذعوراً من النوم على صوت استغاثته أتعوذ بالله من شر الشياطين ومن هذا الكبوس المرعب، وتحسست نفسي وسط ظلام الغرفة وسكونها والذي لا يقطعه سوى صوت قطرات المغذي التي تسقط رويدا رويدا، فاستعدت توازني وحمدت الله أنني ما زلت على قيد الحياة وأنه مجرد كابوس وسوف يهدأ روعي بعد قليل. وبالرغم من أني أدركت أني كنت أحلم طوال الوقت، بيد أن كلمات أخي التي ترددت في الحلم "أريد ماء، نديم سأموت من العطش، اسقني ماء أرجوك" لا زالت تتردد على مسمعي، فأنصت جيداً وإذا بي أسمع أخي هذه المرة يرددها حقيقة وسط الظلام وليس حلماً، فتحول خوفي ووجلي إلى بهجة وأضأت الأنوار وتفحصته وهو شبه نائم وتأكدت أنه الحياة قد دبت فيه من جديد، فهاهو يتمتم دون أن يشعر بتلك الكلمات، ،، فحمدت الله سبحانه الذي يحي العظام وهي رميم، وسقيته بالملعقة قليلا من الماء ثم طلبت الممرضات الذين وصلن على عجل وفحصنه وأخبروني بأنها لمعجزة كبيرة أن يعود للحياة وتظهر علامات الشفاء بسرعة كبيرة هكذا. مبروك يا نديم لقد انتهت الفترة الحرجة، وهذه أول بوادر الخير، فحمدت الله من أعماق قلبي وصليت ركعتين شكرا له عز وجل، وبعد أن أطمأنت أنه بخير عدت للأريكة أرقبه وأنا في غاية السعادة، ومن ثم غطيت في نوم عميق دون أحلام مرعبة هذه المرة.


صورة مصغرة لعيادة هارلي ستريت كلينك في لندن
http://www.vincihairclinic.com/images/Hair_Transplants_Birmingham_Manchester.jpg


وبفضل من الله وبعد أيام معدودة بدأ أخي يستعيد وعيه ويفتح عينية ويتعرف على من حوله شيئاً فشيئاً، وكان في البداية يتحدث معنا وكأنه قد فقد بعض من عقله، فأول مرة تحدث فيها معي بعد أن استطاع التعرف علي، أمسك يدي بقوة وشد عليها ونظر لي نظرة غريبة وكأنه يراني لأول مرة ثم قال لي (واجعل لي وزيرا من أهلي هارون اخي اشدد به ازري)، فأستغربت من طريقته وسألت الطبيب عن ذلك فأخبرني بأنها بسبب المخدر الذي أعطي له لكي يساعده على تخفيف سكرات الموت، والآن سوف يتم تخفيضها حتى تسحب نهائيا ويعود طبيعيا مع مرور الوقت.

تحسن أخي تحسنا كبيرا وبدأ بجلسات العلاج الطبيعي التأهيلي لتقوية عضلات جسمة، فأستعاد قدرته على المشي بعكاز، وعاد فنمى شعر رأسه الذي تساقط بسبب العلاج الكيميائي، ثم استطاع بعد مدة بسيطة التخلص من العكاز والسير بتوازن لمسافات لا بأس بها وزادت مناعته حتى اقتربت من مناعة الانسان الطبيعي.

*****************************
خلال فترة تحسنه، تحسنت كذلك نفسياتنا وعادت لنا بعض البهجة التي فقدناها، ولقيت في أحد الأيام والدتي تتاجذب أطراف الحديث مع سميرة توفيق في صالة المستشفى وكانتا منسجمتان جدا في الحديث، فوالدتي قبل ما يسمى "بالصحوة" كانت مثل غيرها من النساء السعوديات في نهاية الستينات وبداية السبيعنات الميلادية، تحب التمثيليات البدوية وتحفظ أغاني سميرة توفيق الشهيرة كلها والتي كنا نحن كأطفال نحفضها كذلك ودوما نترنم بها جل أوقاتنا، مثل أغنية "لعين موليتين واثنعش مولية جسر الحديد إنقطع من دوس رجليَّ" و "بالله تصبوها القهوه وزيدوها هيل واسقوها للنشامى ع ظهور الخيل" و ” رف الحمام مغرد .. يا دادا مجوز ولا فرداوي .. يا دادا كنك ناوي يا حبيب .. يا دادا ترا انا قليبٌي ناوي وشلك بالعشب المرعي .. وشلك باللي يريدونه". فنادتني والدتي وأخبرتني بأن سميرة كانت ماخذه على خاطرها في أول لقاء لأنا تقريبا تجاهلناها عندما رحبت بنا بحرارة، ويومها كان أخي مريضا ولم نحفل بها، وبالرغم من أن والدتي اعتذرت منها وشرحت لها الظروف وتقبلت سميرة بكل حب ورضا ما قالته والدتي، إلا أن والدتي قالت يجب أن ندعوا سميرة لوليمة عندنا في الشقة لنرضي خاطرها. ويبدو أن والدتي أحبت سميرة الأنسانة قبل الفنانة، فحاولت أن تظهر أن الاعتذار منها هو حق قد ركبنا ويجب أن نقوم بالواجب، فسعدت بذلك لأنه أمر سيفرح والدتي وسيسري عنها ويغير من روتينها اليومي في زيارة المستشفى والتسوق من الأماكن الشعبية التي تعشقها.

تحدثت مع أبي عن دعوة سميرة فوافق بدوره، وبالرغم من أنه رجل متحفظ ووقور ويظهر الكثير من الكياسة أمامنا، بيد أنه يبدو لي بأن خبرات لبنان القديمة ظهرت فجأة "كرمال خاطر سميرة توفيق"، فقال ليس من المناسب يا إبني أن ندعوها لشقتنا المتواضعة، لكن من الأفضل أن نأخذها في جولة سياحية في نهر التيمز ونعمل لها غداء يليق بمقامها أثناء الرحلة. وفعلا لم يخب ظني، فبدلا من أن نحجز طاولة يتيمة في السفينة التي ذكرها أبي، تحجج بأنه يريد أن يكون هنالك خصوصية حتى تأخذ والدتي راحتها وحجز السفينة عن بكرة أبيها وأحضر غداء فخماً وخاصاً من مطعم فخر الدين مع ست مباشرات لبنانيات مثل لهطة القشطة. فكانت رحلة ممتعة حقا، فبجانب الطعام اللذيذ والخدمة الخمسة نجوم وسوالف سميرة البدوية الذربة وطيبتها وانسجام أمي الشديد معها وإعجاب سميرة بالقصائد التي قالتها أمي وقد دونت بعضها، فقد مررنا خلال الرحلة التي أقوم بها لأول مرة على مبنى البرلمان وساعة بيق بن ولندن القديمة "ازيلت الآن وتطورت إلى منطقة الدوكلاند" وأجملها لما رسينا عند الأصيل واتجهنا لكوخ عتيق ذي أضواء خافتة ونار مشتعلة عند مدخلة ويقع على رابية فوق الضفة الجنوبية من النهر. فجلسنا نرقب هدير مياه النهر الخلابة والذي تمخر فيه أنواع شتى من الفلك، وشربنا فيه القهوة قبل أن نعود أدراجنا نحو مبنى البرلمان. وهذا الكوخ كان قد اتخذه الأديب الكبير شكسبير سكنا له في لندن لفترة من الزمن عندما كان يعرض مسرحياته الخالدة في شارع شافتسبري افينيو، في منطقة الفنون والمسارح في الويست اند.


http://www.aawsat.com/2006/10/06/images/tvsupplement.385991.jpg

سميرة توفيق
****************************

في ليلة الكريسماس "لاحظوا عدم وجود ترتيب زمني للأحداث، لأني أكتب الحدث عندما أتذكره فقط" كنت ذاهب لزيارة أخي، بعد أن سبقني والداي فركبت الباص رقم 7 من البايزوتر في بداية شارع الكوينز واي، وكنت ألبس بنطلون رياضة، وفي طريق الكوينز واي رأيت شخص ملامحة ليست بغريبة عني يميل للسمرة وشعره منكوش، حسبته انجليزي من أصول أفريقية يجلس في قهوة الفكر العربي ويشرب عصير كبس، تجاوزته ووصلت لمحطة الباصات مقابل حديقة كنجنستون بارك وركبت الباص اللندني العتيق الأحمر ذي الطابقين متجهاً نحو وسط أكسفورد ستريت، لأتوقف هنالك ومن ثم أمشي لمسافة بسيطة نحو المستشفى في هارلي ستريت. ولمن لم يحالفه الحظ ولم يركب باص لندن الأحمر العتيق ذي الطابقين، والذي توقف العمل به في 9 ديسمبر 2004 عند الساعة الواحدة ظهرا، سأشرح له بعض الذكريات الحلوة عنه، فباص لندن الأحمر الشهير ارتبط ارتباطاً وثيقاً بمدينة لندن مثله مثل أكشاك الهواتف العامة الحمراء منذ أكثر من خمسين سنة، فقد استخدم الباص الأحمر لأول مرة بطرازه العتيق في العام 1954، وأحبه الناس وأقبلوا عليه بشكله الفريد ذي الطابقين. كان باص لندن الأحمر مفتوح تماماً من ركن الجهة الخلفية اليسرى ولا يوجد فيه باب، إنما يوجد درجة بسيطة وعمود في مدخله ليسند الراكب في القفز للداخل والارتكاز على العمود لحفظ توزانه عند استقلال الباص، وكنت دوماً أفضل صعود سلمه الحلزوني وأجلس في الطابق الأعلى لأكتشف معالم الطريق أثناء تنقلي به. وبعد برهة من ركوب الباص كان يمر علينا الكمساري ومعه مكينة تذاكر ويسأل الراكب عن وجهته ومن ثم يعطيه وصل بعد أن يستلم ثمن الرحلة. عندما يرغب أحد بالنزول، هنالك جرس بزر أحمر موجود في الطابق الأول يضغطه الراكب مرة واحدة لطلب النزول، وبعد أن ينزل الراكب يقوم الكمساري بضغطه مرتين ليتحرك السائق، كنت أضغط مرة واحدة للنزول، وعندما أقفز للخارج أقوم بضغطه مرتين ليتحرك الباص فأغيظ بذلك الكمساري لأني أتدخل في عمله . لكن الآن الباصات الآن تعتمد على سائق واحد ويستخدم عادة الركاب بطاقة ذكية الكترونية للتنقل أو يدفع مسبقاً للرحلة من أجهزة أتوماتيكية توجد عند المحطة قبل استقلال الباص خاصة في وسط لندن.
هذه الصورة تم تصغيرها. اضغط هنا لعرض الصورة الكاملة. حجم الصورة الأصلي 800x571 و مساحتها 145كيلوبايت.



http://citytransport.info/PhotoCD/0376_63a.jpg

باص لندن العتيق

في رحلتي لأخي في تلك الليلة في الباص رقم 7، كنت منشكحا على الآخر وأنا أقرأ الصحيفة في الباص وعندما وصلت اكسفورد سيركس نزلت عند المحطة المقصودة بعد أن ضغطت الزر مرة واحدة للنزول، ومرتين حتى يتحرك الباص، ومن شدة البرد وضعت يداي في جيبي ولكني اكتشفت ويا للهول بأن مفتاح الشقة غير موجود في جيبي ، وأعتقد بأن ذلك حدث بسبب انشكاحي للأخر على مقعد الباص، فصعقت من المصيبة التي وقعت بها لأنه لا يوجد لدي مفتاح احتياطي فعدوت من الخرعة نحو الباص الذي نزلت للتو منه فسبقته وسبقت الذي قبله والذي قبل إلي قبله، لأن هنالك عادة أكثر من باص يحمل الرقم 7، يخدم نفس الخط ويفصل بينهما دقائق معدودة، وتوقفت بعد ذلك عن العدو لأني خفت أن أخرج بسبب ركضي المتواصل عن حدود لندن أو أني من الممكن لو استمريت في العدو أن أغرق في بحر المانش الذي يفصل بريطانيا عن فرنسا ، فأنتظرت الباصات عند أحد المحطات المتقدمة وبدأت بايقافها بكل قوة عين واحداً تلو الأخر وفتشتها جميعا أمام دهشة الكمساري والسائق وخوف الركاب من البلطجة إلي ما يقدر يقوم بها حتى رجل البوليس الانجليزي، ولكن للأسف لم أجد أثرا للمفتاح. عدت للمستشفى قافلة وياي واتصلت على جوال أبي وأنا في الطريق وأخبرته بالمصيبة الي حصلت وأني ضيعت مفتاح الشقة ولازم نروح فندق حتى الغد لين يحلها ألف حلال،،،،،أووووووووبس ،،،،،لحظة يا شباب، شلون مشت عليكم الشلخة،،، خخخخخخخ "كلمت أبي بالجوال ،،،،إذا أنتم مركزين صح، ترى القصة صايرة في العام 1984، يعني حتى البيجر ما كان موجود!!!!، ،،،، ما عليه واحد صفر عليكم، تصدقون كل شيء، بس الحقيقة إني وصلت المستشفى وأخبرت والدي بما حدث، وكانت موجودة معنا ممرضة اسمها مسز قراث، فقالت بكل بساطة مادمت بالليل ولا يوجد محل مفاتيح اتصل بالمطافيء وسوف يفتحون لك الباب. وفعلا اتصلت بهم وأعطيتهم العنوان وطلبوا من التواجد خلال نصف ساعة وذهبنا هنالك وبكل بساطة فتحوا الباب، ووصلت رسالة لنا بعد أسبوعين بأن الخدمة مجانية بمناسبة أعياد الميلاد،،،،،،واكتشفت إن الماراثون إلي سويته وتفتيش الباصات وتعطيل الأوادم إلي رايحين يحتفلون بأعياد الكريسماس ما كان يسوى علي،،،،والمسالة مافي أبسط منها،،،،،، بس تسلمون والله يا مطافي لندن وشكرا على العيدية الحلوة .


معليش شطحت فيكم شوي، بس برجع وأقولكم عن صاحبنا إلي كان في مقهى الفكر العربي، فقد كنت أسير مرة أخرى في شارع الكوينزواي، بعد نحو خمسة أيام، وكانت تلك الليلة هي ليلة رأس السنة الجديدة ورأني نفس الشخص الموجود في قهوة الفكر العربي الأسمراني أبو كشة، وانتبه لي، لأنه يبدو أنه لم يكثر بعد من عصير الكبس، وناداني بالعربي .....نادم....نديم، لو سمحت يا أخ، إنت اسمك نادم، قلت لا، لا، أنا اسمي نديم، ورحب بي بشدة واكتشفت أثناء الحديث معه بأنه أخ أحد أصدقائي في الدمام وسبق أن تقابلنا بس هو عرفني وأنا ما عرفته، كان اسم الشخص "عباس صخونة" وهو يدرس اللغة الانجليزية ويتصرمح في لندن منذ ستة أشهر، سالني وين رايح، قلت بروح حفل معلاق،، ، قصدي رأس السنة الجديدة في الترافلقار سكوير، قال زين بجي معاك بس تعال خلني أكمل قهوتي. وبدأ الرجال يشرب العصير حتى الثمالة، وبعدين مشينا لمحل الاحتفال في ساحة الحمام زي ما يسمونه العرب، وكان عدد المحتفلين حوالي مئة ألف. كان الكل سعيداً ويغني ويرقص وهم ينتظرون آخر عشرة ثوان من السنة الحالية ليقوموا مع دقات ساعة "بيغ بين" وساعة كنيسة "تشرينق كروس" القريبة من موقع الحفل بحساب تلك الثواني العشر الأخيرة حتى تدق آخر ثانية فيعلن دخول السنة الجديدة ويبدأ الاحتفال والقبلات والأحضان والصخب والهيستيريا الجماعية واختلاط الحابل بالنابل والألعاب النارية والتمنيات بسنة سعيدة. وتذكرت خلال دقات الثواني العشر الأخيرة لساعة "بق بن" التي كانت تعلن من خلال طنينها الهادر اسدال الستار عن العام 1984، ومولد العام الجديد 1985، تذكرت، ولا أعلم لماذا ، تلك الأغنية الخالدة التي كنت أسمعها قسرا من "غصب وان" والتي أصبحت من مراسم كل عيد " مـن الـعـايـديـن .. ومـن الـفـايـزيـن .. إن شـاء الـلـه،،، مـن الـعـايـديـن .. ومـن الـفـايـزيـن .. إن شـاء الـلـه "، فلله درها من أغنية، فمنذ أن ظهرت تغير أكثر من أربعة وزراء إعلام ولم تتغير ولم يتبدل لحنها ولم يودها مطرب آخر ولم يعمل لها فيديو كليب وكأنها من المسلمات التي لا نقاش فيها، فبقيت كاتمة على أنفاسنا ولاحول ولا قوة إلا بالله. ولسوء الطالع أو النازل، لافرق، فإن بعض أصدقائي عندما يأتي العيد يحولها نغمة لجواله. وخلال آخر خمسة ثواني لدقات ساعة "بيق بن" تذكرت كذلك عيدنا المليئ بتصنع الابتسامة وعبارات المحبة والترحيب المككرة، فلا شيء يميز العيد لدينا...سوى الاسهاب بالمجاملات....وكثرة السؤال عن الحال ....، ومظاهر الاحتفال لدينا سيارات محملة بالبطانيات والعفش تجوب الطرق السريعة بين المدن، إلي في الشرق يروح الغرب والشمال للجنوب والعكس، فعيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ, بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ.

وعندما بدأت السنة الجديدة، يبدو أن صاحبنا "عباس صخونة" قد خرج عن طوره تماما مثله مثل بقية الناس من حوله، فقام بكل صفاقة بعمل حركة غريبة للاحتفال بطريقته الخاصة وسط الزحمة، فكان كلما مرينا من جانب حشد من البشر أعطاهم شلوت سريع ومن ثم يلتفت نحوي بخفة وكأنه يتحدث معي وليس له علاقة بمن فعل الشلوت، طبعا محد عرف إنه هو الي يعطي شلوت لأنه يسويها بحركة احترافية رغم انه خارج وعيه، وبصراحة شاركته مرتين أو ثلاث باعطاء الشلاليت بعد ما عجبتني الشغلة، لكن في آخر مرة تصوروا وش سوا "عباس صخونة" وبغباء منقطع النظير شات له واحد عسكري انجليزي عكنف طوله مترين من غير حساب طول الطاقية، ومن هول المفاجأة والصدمة من تصرفه الأرعن صرخت بلهجة دمامية بائسة "بلللللللللللل بللللللل بلللللل"، وانتبه الشرطي لي وأنا أتأسى على ما سيغدو عليه حالنا لا محالة بالرغم من حذر "عباس صخونة" فعرف أننا نحن من أعطاه الشلوت المحترم فقبض علينا من رقابنا وقذف بنا في البقس بتاعهم وعلى طول إلى مركز البوليس إلي في "بادنقتون" وحشرنا لساعات مع السكارى والبلطجية، وهي أول مرة بحياتي أدخل فيها قسم بوليس كمدان. وبسبب كثرة الموقوفين تلك الليلة أخذوا عناويننا وأطلقوا سراحنا، وبعد نحو ثلاثة أسابيع استدعونا للمحكمة وحكموا على بأن أكتب عشرين صفحة، لثلاثة أيام، وفي كل صفحة أكتب" أنا أحترم رجال البوليس"، أما "عباس سخونة" فلأنه الفاعل، فقد حكم عليه بغسل درج ساحة الحمام لمدة ثلاث ساعات ولثلاثة أيام، أختارها عباس لتكون أيام الجمعة والسبت والأحد سحبة واحدة بعد أن اشترى له مكنسة ومساحة وسطل وعلبة تايد.

http://by119w.bay119.mail.live.com/att/GetAttachment.aspx?tnail=0&messageId=99ba9352-63c2-11df-b02f-001e0bcbb978&Aux=14|0|8CCC5E6842710E0||



ساحة الطرف الأغر "الترافلقار سكوير" بعد أن انتهاء الحكم علينا

يتبع

منصور العبدالله
28-05-2010, 07:46 AM
السلام عليكم ورحمة الله

اهلا اخي نديم الهوى


ساعات من الخوف والقلق والتوتر على ماسيئول له أخاك


وبدأت تفرج من اضيق الحدود


ولله الحمد


تابعتها بكابوس اسود وكأن يعكس واقع رأيت بعض منه


والحمد لله ان زال عنة وعفى




واكملها عباس بأفعاله وبانتظار الافراج عنكم في الحلقة القادمة


وفقك الله اخوي نديم الهوى


حقيقة حلقات رائعة موثقة بالمواقف السعيدة والحزينه والصور والاحداث



تابع وفقك الله ايها المبدع



دعواتي لك اخوي الغالي نديم الهوى


في رعايه الله

نديم الهوى
28-05-2010, 09:38 AM
الحلقة السادسة عشر


في أحد ليالي الخريف الباردة والمعتمة كنت عائداً من زيارة أخي سيراً على الأقدام من شارع هارلي ستريت متجهاً إلى شقتنا في شارع الكوينز واي، حيث يبعد المستشفى عن السكن نحو ستة كيلومترات وكنت أقطع المسافة في أقل من 35 من السير الحثيث، وفي أحيان كثيرة كنت أستقل الباص اللندني الأحمر العتيق رقم 23 أو رقم 7 أو رقم 23، المتجه نحو الغرب بإتجاه السكن، وإن كنت مستعجلاً فأركب الأندرقرواند من أكسفورد سيركس واستخدام السنترال لاين ذي اللون الأحمر نحو محطة ماربل آرش ومن ثم محطة لانكستر قيت وأتوقف عند غايتي في محطة الكوينزواي.


http://up.graaam.com/uploads/images/graaam-e7ec687eae.jpg


شارع الكوينز واي



وشبكة قطارات الأندرقراوند (قطارات تسير تحت الأرض) هي اﻷقدم على مستوى العالم، إذا أستثنينا نفق الدمام بالطبع والذي يقال أنه دخل موسوعة جنيس للأرقام القياسية في مدة بنائه والله المستعان. ويعود تاريخ انشاء الأندرقراوند إلى عام 1863م، ومجموع طول الشبكة يصل 415 كم. وأهم المحطات الرئيسية هي محطة تشارينغ كروس (Charing Cross)، ومحطة أوستون (Euston)ومحطة كنغس كروس (King's Cross) ومحطة ليفربول ستريت (Liverpool Street) ، ومحطة بادينغتون (Paddington)، ومحطة سانت بانكراس (St Pancras)، ومحطة فيكتوريا (Victoria) ومحطة واترلو (Waterloo) ومحطة لندن بريدج (London Bridge)..



http://www.essential-architecture.com/LO/022-Paddington_Station.jpg.

محطة بادنقتون في لندن


في تلك الليلة كنت قد عزمت الأمر على ركوب الأندرقراوند نظراً لبرودة الجو وكانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف مساءً، سرت حتى وصلت بوابة محطة أكسفورد سيركس، ولكن قبل أن أدخل إلى المحطة غيرت رأيي في آخر لحظة عند العتبة بالضبط، وقلت لنفسي سأسير على قدماي ما دمت ألبس ملابس شتوية مناسبة كي أعرج بطريقي إلى ادجور رود ومن ثم أقرر هل أركب الباص أم أكمل السير على قدماي من هناك. كنت رغم صغر سني أسير لوحدي في الليل وأحب أن أسلك الشوراع الجانبية المعتمة في طريق الذهاب أو العودة للمستشفى وأمر بجوار البارات والنوادي الليلية الخلفية والمواخير الخطرة ولم أفكر يوماً بأن ذلك ليس من الحكمة بشيء من ناحية الأمان، لم أشعر ولو مرة واحدة بالخوف من المكان الذي أنا فيه إلا عندما تواجدت في نوتنقهيل قيت، المنطقة التي يوجد بها منزل بوب مارلي، فتلك المنطقة موحشة بالفعل، وأجسام الزنوج لا يمكن التعامل معها عندما يحمى ا****************س، ولا يمكن كذلك الفرار منهم إذا لزمت الحاجة فهم مشهورين بالسرعة في العدو، فأين المفر؟؟. والشجاعة هذه أو الجرأة لم أكسبها من مدينة الدمام الوادعة، بل اكتسبتها من نشأتي المبكرة في مدينة الطايف، فقد كنا نسكن في حارة اسمها الريان وكان منزلنا مقابل المقبرة تماماً والتي كنا نلهو حولها في الليل ونتحدى بعضنا في الطرق على جدارها الطيني والاختفاء بين القبور أثناء اللعب ، وأهل الطايف شجعان بطبعهم وإن لم تكن ذئباً بينهم أكلتك الأسود هناك. كنت وكان غيري والذين لم تتجاوز أعمارهم الثالثة عشرة في الطايف نحمل السكاكين في طيات ملابسنا طوال الوقت، وإن غلبت الروم نحمل مفكات البراغي . أذكر مرة من المواقف الطريفة عندما كنا صغار في السن لم تكن البقالات تبيع الخبز كما هو حاصل الآن، بل يوجد "تماس" أي خباز في بعض الحارات يتجه له الناس في الصباح والمساء، أما وقت الظهيرة فالعادة تعمل ربة البيت الخبز الخاص بالمنزل. كان "التماس واسمه العم حاتم اليماني" يوجد في الحارة المقابلة لحارتنا وتسمى حارة الجعدة، وهم قبيلة كاملة وكريمة تسكن في حي واحد، وإذا تعاركوا مع أحد يخرج الرجال والنساء والأطفال عن بكرة أبيهم وتشتعل المعركة ويحمى ا****************س فويلاً لمن كان الضحية ، قد تحسبوني أبالغ في نقل الصورة، لكن والله هذا ما كان يحدث في تلك الأيام وقد لحقت على الكثير من تلك المضاربات واشتركت في اثنتين منها على ما أذكر،. كنا عندما نريد شراء الخبز من حارة الجعدة نذهب سوياً مع مجموعة من شباب الريان ومعنا المفكات والسكاكين وجنازير السياكل ونشتري الخبز بكل حذر وعادة يكون وقت شراء الخبز هدنة بين جميع الأطراف وتتوقف أعمال القصف ويقل خرق الهدنة إلا ما ندر ولم يفرض علينا حصار اقتصادي في أية لحظة من قبل قبيلة الجعدة لظروف انسانية على ما يبدو.

http://www.imageurlhost.com/images/0ugs4503omzj9pygtxqr.jpg

صورة قديمة لمدينة الطائف

في يوم من الأيام كان معي أخي الذي يصغرني سنا، وهو الآن تاجر كبير جداً في أمريكا يحصد ملايين الدولارات من عمله في مجال الإنشاءات في ولاية كلورادو وتعدت ثروته ثروت أبي في وقت قياسي، كنا عائدين متأخرين بعض الشيء صباح الجمعة فلاحظ أخي وجود بعض أطفال الجعدة مندسين خلف أحد السيارات فصاح بأعلى صوته "كمممممممممممين " فعدونا للمنطقة الخضراء لننفذ بجلودنا حتى أنا سبقنا ظلنا من سرعة العدو، وأنا أرفع سروالي من الخلف لأني ضعيف جداً وأخي يرفع سراوله من الأمام لأنه بدين بعض الشيء ، وعندما وصلنا لحدود المنطقة الآمنة شاهدنا المرحوم "غازي العشي" فسقط على ظهره من الضحك علينا وفضحنا في الحارة أمام أصدقائنا وقال "كان واحد يرفع سرواله من قدام والثاني من من ورا ومرعوبين وهم يجرون"، "غازي العشي" توفي لاحقاً في حادثة قصر أفراح الطايف الشهير الذي سقط على النساء عندما دخل لإنقاذ الأطفال والنساء وبعد أن أنقذ أكثر من عشرين نفس سقط عليه الجدار وتوفي رحمه الله . كذلك أذكر مرة تعاركت مع واحد اسمه "القرص" مشهور بالقوة والشجاعة والغباء بنفس الوقت، وهو من عائلة الحربي في حارة الريان، وهنالك أكثر من عائلة نسبها الحربي في حارتنا ، جميعهم يتحدثون اللهجة المصرية ، أزيك، أخبار الحقة ايه، يا راقل وإذا قعدت عندهم ساعة أو ساعتين وجيت ماشي يقولن لك "ما تشرب الشاي، الشاي ع النار (والنبي) ع النار" ، يعني كلام مصري مية في المية، بس أصلهم سعوديين عاشوا في مصر أيام العدم وعادوا للسعودية أيام الملك سعود. القرص هذا لم جيت أتخانق معاه طلعت المفك من جيبي و يازعط كنت ناوي أضربه على كتفه، قسم بالله يا جماعة الخير مسك المفك وبيد واحدة من غير ما يستخدم اليد الثانية كسر المفك بين أصابعة وقالي وش رايك الحين يا أبو ندم؟؟؟!!! ، والحمد لله قبل ما يهبدني بيديه الأخرى إلي مثل الصبة طلع أبوه من بيتهم وقال "تعال يا حمار يابن الحمار عامل راقل على عيل صغير ادخل قوى البيت يا ابن الك،،،،،،خخخ". القرص هذا لم يهجده أحد ويكسر عينه سوى ابن عمه عبد المنعم، إلي كان عنده سيارة كورلا غريبة صفراء تفحط من الكفرات الأمامية عكس جميع السيارات وفي البيبان الداخلية يعلق صور جميع الممثلات من فاتن حمامة وسميرة توفيق والهام يونس وشريفة فاضل.

وفي لندن لم أتعرض لمحاولة سرقة أو اعتداء رغم طيشي في السير في الأماكن الخلفية من الشوارع طوال السنة والنصف سوى مرة واحدة، فقد كنت قادماً من عند صديق في شارع اسمه موسكوس رود، يتفرع من عند محل البيتزا إلي في الكوينز واي، مقابل ماكدونالدز الآن (كان برقر كينق في السابق). كنت أسير من الاتجاه المعاكس لماكدونالدز، وخارج البار كان يقف شاب انجليزي أصلع الرأس وأبهص الوجه وأطول مني بقليل وعليه صحة ماشاء الله تبارك الله، سلم علي بلقافة وقال وين رايح، رديت عليه السلام وقلت مهو شغلك وين رايح، وعلى طول تحولت نظرته نحو جيب بنطلوني إلي فيه المحفظة، وقال تعطيني فلوس وإلا ما خليك تمشي من هنا، فلوسك أو حياتك!!!!، وبدون مقدمات أعطيته بقس في وجهه بدل المحفظة وجيت بعطيه بقس ثاني قبل أن أهرب من المكان أو يأتيه المدد من داخل البار، لكنه ترنح بسبب الضربة وبسبب إنه سكران طينة، وحطيت رجلي وما وقفت إلا لما وصلت عند أنوار المطاعم في الكوينز واي.

أعود لكم لحكاية الأندرقرواند في تلك الليلة، فلله الحمد لم أركبه وأكملت طريقي سيراً وأخذت عشاء من مطعم يوناني وأتذكر وجبة العشاء إلى الآن واسمها "كلفتكو". في اليوم التالي قرأت صحيفة الاستندارد، ويا للمفاجئة، فقد اشتعل حريق كبير ليلة البارحة في محطة الأندرقرواند في أكسفورد ستريت في الساعة التاسعة والنصف، وهو نفس الوقت الذي كنت أنوي ركوب الأندرقراوند فيه ومات في تلك الحادثة المأساوية عشرة أشخاص، وكان سبب الحريق هو عقب سجارة أحد الركاب كما بينت التحقيقات اللاحقة، لذلك منع في تلك السنة التدخين في القطارات الأرضية بسبب تلك الحادثة. حمدت الله أن نجاني من ركوب القطار في تلك الليلة المشؤومة وأطلعت أخي على الخبر في الصحيفة وأخبرته كيف أني غيرت رأيي في آخر لحظة وكيف نجاني الله بأن لا أكون معهم أثناء الحريق، فتعجب من ذلك وحمد الله وقال لي يجب أن تشكر الله وتتصدق فقد كتب لك عمر جديد، والإنسان لا يظمن متى يأتي الموت. ولكني وبرغم تقصيري كأي إنسان وسطي، أحس دوماً أن العناية الإلهية تحرسني كما حرستني في هذه المرة ومرات أكثر، ليس لكثرة طاعة والله المستعان ولكن لأمور أخرى الله وحده أعلم بها.

في الأيام التالية آثرت عدم ركوب القطار أو حتى الباص كذلك وكنت أعود للمنزل سيراً على الأقدام وهي الهواية التي أحبها كثيراً وأمنيتي التي تدور في رأسي منذ مدة أن أسير على قدماي من مدينة الخبر حتى أصل إلى لندن يوما ما. وفي أحد الأيام وأنا عائد للشقة من الشوارع الخلفية كالعادة مررت بشارع وقمور ستريت ثمً بورتمان سكوير وتجاوزت فندق تشرشل حتى وصلت لإدجورود، ولم يكن هنالك الكثير من العرب في لندن خاصة في فصل الخريف، وحتى المهاجرين لم يكونوا سوى أقلية قليلة لم تتوالد بعد ولم تكثر من الحرث والنسل، فكان وجود أي عربي يلفت النظر وإن كانت إمرأة عربية فهذه حكاية أخرى يطول شرحها!!، كانت لدي كأي سعودي فاضي ومشفوح رادار متقدم يكشف عن وجود أي فتاة خليجية تسبح في مجاله الجوي ويفرزها عن غيرها حتى لو كانت تسير وسط مبنى الأمم المتحدة . فعندما دخلت شارع ادجورود وقلت يا هادي لاحظت في الجهة المقابلة على بعد خمسمائة متر تقريبا فتاة كعود الخيزرانة تمشي الهوينا بعبائتها المطرزة نحو محل خضار هندي، فاشتغلت جميع أجهزة الإستشعار عن بعد وعن قرب وتوجهت نحو المحل وتظاهرت بأني أنوي شراء كيلو كوسة . أقتربت منها وكانت مشغولة بشراء بعض الحلويات، فلاحظتني وعرفت أني خليجي، فمشت أمامي بدلال وغنج واضح فرميت أبو الكوسة في الفريزر وقلت يا عمي هو أنا بتاع كوسة ، وسلمت عليها وردت بخجل وبصوت كامل الأنوثة، بلعت ريقي وقلت منورة والله لندن كيفك، أنا أخوك نديم من السعودية، ممكن نتعرف عليك،،، صمتت بعض الشيء ثم قالت بهدوء اسمي "شفاء وأنا من دار الحي". سألتها وش جايبكم الحين، أول مرة أشوف ناس جايين لندن في الخريف، ردت قالت حنا نجي نتسوق مرة في الخريف ومرة في الربيع غير الصيف إلي نقضي معظمه هنا في لندن، وأخبرتني بأن لديهم شقة في العمارة التي فوق المحل واسمها "ووتر قاردن". تمنيت لها السلامة وأعطيتها رقمي وقلت لها أنا مرافق أخوي للعلاج وإذا احتجت أي شيء هذا رقم الشقة، في أي وقت (ترقيم الثمانينات). باي شفاء،،،، باي نديم،،،،، .



في عصر اليوم التالي كنت سائر في نفس المكان في ادجوررود وفجأة سمعت من ينادي " نديم،،،نديم""نظرت للأعلى ورأيت فتاتين في الدور الثالث، فسألتني إحداهن على استحياء إنت نديم إلي البارح، قلت نعم أنا نديم، وإنت شفاء صح، قالت ايه،،، تعال اطلع عندنا من خلف العمارة شقة رقم ؟؟؟، طلعت الشقة وعرفتني على أمها "أم خماس" وأختها "شمة" ولم يكن معهم رجل (جميع الأسماء مستعارة هنا)، كانت عائلة طيبة وثرية، بدوية يبدو أن الحضارة فاجأتها على حين غرة فبدت كالغراب الذي قلد الحمامة فضيع مشيته ومشية الحمامة، لهجتهم بدوية، لبسهم بدوي على افرنجي، عباية فوق البنطلون الضيق أو التنورة القصيرة، والأم تلبس بطولة "برقع"، يسرحون ويمروحون في لندن وفي كل سوق ويهيمون
.
في اليوم الأول سوت أمهم أم خماس أكلة شعبية اسمها "الخبيص" وقالت "بنسير عند أخوك ونغديه" قلت وين يا عمي عند أخوي، تبين توديني في داهية، أخوي مطوع بنروح له بيتضايق، خليني آخذ الخبيص وأنا أوصله دليفري له، بس تسلم يدينك والله، رحت لخوي واستانس عليه وقصيت عليه، قلت جيرانا طلعوا من دار الحي وطبخوا لنا من غداهم وهذي ذواقتك.

شفاء كانت فتاة جميلة جمال إيراني، أقصر مني بعض الشيء، شعرها أسود داكن وجميل وتشبه الممثلة اللبنانية الأمريكية سلمى حايك، لا تضع أي نوع من أنواع الميك آب، سوى كحل خفيف على عينيها البراقتان وهي لا تحتاج لأكثر من ذلك كي تبدو جذابة، ابتسامتها رقيقة جداً، تبتسم بهدوء لتظهر أسنان جميلة براقة، وتفكر لبرهة قبل أن تجيب على أي سؤال فيزيد ذلك من سحرها ورقتها، ففيها الكثير من الحلم والتؤدة، ملت إليها كثيراً وأصبحت صورتها لا تغيب عني لحظة واحدة طوال الوقت، وقد تكون هي الحب الأول في حياتي، وهي كذلك سرعان ما بادلتني الحب، كنا نقضي سوياً ساعات كثيرة في التسوق والغداء والعشاء في الخارج وأجمل الأوقات في حديقة جيمس بارك التي تحبها والتي تقع بطريق قصر الملكة اليزابث الثانية.

وفي أحد الأيام قلت لها سوف نذهب لأمباير كلوب والذي يقع في ساحة الليستر سكوير وكانت أم خماس تلبس عبائة وبطولة وتريد أن ترافقنا للكلوب فأخبرتها أن ذلك غير مناسب لها أبداً إذا كانت ترتدي العبائة، فردت "والله ما أعقها، أنا لي عشرين سنة وأنا أجي لندن وماعمري عقيتها" عشرين سنة يا أم خماس، يعني لو نقصناها من عام 84 بنوصل للعام 64، يا الله حسن الخاتمة وبس، وش أسوي معاها هذي، المهم رحنا وجات بالبطولة والعباية. كان كل من كلوب الإمباير وسترينق فالو وكلوب الهيبدروم من الكلوبات الراقية جداً ولا يدخلها كل من هب ودب، فزبائنها تلك الأيام عادة الطبقة الوسطى والعليا، لكن الطبقة ما تحت المتوسطة أو الدنيا نادرة ما يسمح لها بارتياد تلك الأماكن كما هو الحاصل الآن، في المدخل كانت النادلات الجميلات يستقبلن الزبائن بملابس "أرنبية" ونسلم لهن البلوفرات والجاكتات، ثم ننزل لأسفل نحو المطعم وتجمع الزبائن، فأقتربت إحداهن من أم خماس وتوقعت أنها سوف تعطيها هذا اللباس الغريب فكادت أن تحدث معركة بينهن لأن البنت الإنجليزية رأسها وألف سيف ما تنزل أم خماس بالعباية والبطولة لأنها أعتبرتها مثل البلوفر ويسري عليها القانون كغيرها. حلينا المشكلة بعد جهد خرافي قبل ما يقفل الملهى بساعتين فقط. ويا فرحة ما تمت، بعد حوالي نصف ساعة أتت أم خماس تصيح وسط أصوات الموسيقى العالية من رجل انجليزي أعجب ببناجرها وخافت أن يسرقها منها ودعتنا للخروج، خرجنا وأركبناها تكسي أسود مثل حظنا المهبب وشحناها لشقتها وأكملنا السهرة في كلوب آخر في الطابق العشرين في فندق الهيلتون في البارك لين.

مع مرور الأيام أحببت شفاء حباً حقيقياً وهمت بها هيام تمكن من كل سكناتي،،،،،ولن أسترسل هنا لأسباب كثيرة، وهي بدورها بادلتني الحب واستطاعت أن تمدد اجازتهم من ثلاثة أسابيع لخمسة وخمسين يوم كما أذكر، وعندما سافرت إلى بلادها وتركتني وحيداً خلفها اكتئبت لأول مرة في حياتي وأحسست بلوعة الفراق وأصبح في حلقي غصة حقيقية وتغيرت معالم وجهي فأصبحت أكثر شحوباً أسير من غير هدى، وشعرت بأن لندن مدينة أغلقت أبوابها في وجهي وأني أسير والله وحيد رغم زحمة الناس من حولي، أذهب للهايدبارك أرى الأشجار والنهر الذي كنت أحبه فأشعر أنه قد تحول لنهر رتيب ممل والأشجار المتهادية الجميلة الخضراء اليانعة وكأنها أعجاز نخل خاوية، لم أعد أحب شيء، كنت لا أكل حتى الطعام، وعندما يشتد بي الجو ولكي أبقى على قيد الحياة أشتري شاورما من رنوش وأحاول أكلها فتنسد نفسي عن الطعام حينما أشتم رائحته. كنت دوماً أسير وأترنم وحيداً بأغنية عبد الكريم عبد القادر " غريب،،، غريب،،،،، غريب،،،،أمشي وبقلبي حزن، أمشي وبقلبي ألم" والأغنية الأخرى التي كان يغنيها راشد الماجد عندما كنا صغار " راح وخلاني وحيد، راح وخلاني حزين، يا حبيبي أهواك وعمري فداك،،،، ودي أسأل والله أسأل على حبيبي إلي راح". وأخذت القلم وكتب بها قصيدة تقطر حزنا ودموعاً كعادتي عندما تسيطير علي فكرة وتتمكن مني، وأريتها لرئيس تحرير صحيفة عربية قومية تصدر من لندن تسمى"العرب" واسمه رئيس التحرير الحاج أحمد الهويني، وكان يجلس في العصريات مع شلة النصب والاحتيال والأفاكين وأنصاف المثقفين في "قهوة الفكر العربي" فأعجب بالقصيدة، وقال سأنشرها ولكن سوف أغير أي كلمة تشير إلى "دار الحي" لأسباب شرحها لي، فوافقت على نصيحته، وفعلا نشرها بعد أن زينها بالصور والرسومات فظهرت معبرة جداً وأخذت أكثر من نسخة من الجريدة وارسلتها بالبريد إلى شفاء على عنوانها في دار الحي فقرأتها وارسلت لي الجواب رسالة فارغة فيها ق ب ل؟؟؟؟ حمراء فقط.

كانت هذه أول مرة يدق فيها قلبي ويفتح على مصرعية لحب حقيقي، ولكني أذكر عندما كنت صغيراً وأنا في الرابعة ابتدائي في مدينة الطايف، وكان يأتي في الصيف أيام الملك خالد يرحمه الله، وقبله الملك فيصل الكثير من المصطافين الذين كنا نطلق عليه اسم "الشروق" لأنهم يأتون من ناحية الشرق. وسكن في البيت الملاصق لنا أحد هؤلاء الشروق، وبالرغم من أن عمري كان نحو عشرة سنوات فقط، إلا أن قلبي دق على خفيف لبنت رائعة الجمال من بنات الشروق والتي بدورها عطتني وجه فنادتني في صباح يوم باكر وأنا أنظر لها من فوق السطوح، فأتيت عند بابهم وأعطتني "فش فاش، وعلك فلكس واجن وميرندا قزاز، وقالت لا تنس ترجع القارورة"خخخخ، كان هديتها عبارة عن عربون حب وصداقة، رحت بيتنا وأهلي نايمين وفكرت وش أعطيهاهدية، فكيت الثلاجة ما فيه إلا لحم وبامية وأدوية كحة وتحاميل خخخخ، رحت للدور الثاني لقيت أخوي إلي كان يدرس في أمريكا في السبعينات الميلادية جايب عطر حلاقة أولدسبايس old spice، قلت يا ولد ما فيه إلا هذي الهدية إلي بتخليها تموت في حبي، وفعلا أعطيتها الهدية بعد ما حطيتها في كيس مكتوب عليه "محلات بادغيش للملابس النسائية، فرع الطايف" وشكرتني وقالت ما فيه داعي تكلف على نفسك وأعطتني فش فاش ثاني لأنها تأكدت بأني مخلص بالحب، ورجعت لها قارورة الميرندا، خخخخ.

شفاء قابلتها أكثر مرة في لندن بعد ذلك، مرة أخرى أثناء علاج أخي، ومرات أخرى في زيارات مختلفة حتى رأيتها ومعها أحد أطفالها فأبتعدت عنها ونسيتها أو تناسيتها ودارت الأيام والسنوات وبعد أكثر من عشرين سنة كنت أتناول الطعام مع صديق في مطعم الحمراء في الماي فير بجوار السفارة السعودية وكان أمامي صبية جميلة تشبه شفاء ومعاه أمها وتلبس عباية وبطولة، فقلت في نفسي سبحان الله كأنها شفاء وأمها "أم خماس" أيام الثمانينات، وعندما بدأت الأم بتناول الطعام أزاحت البطولة ونظرت نحوها وللمفاجأة كانت هي شفاء وهذي هي بنتها إذن ،!!!فقد كبرت وأصبحت تشبهها في شبابها، لكن شفاء كبرت أسرع من اللازم وقد زاد وزنها وأصبحت "أم خماس" نسخة معدلة واكتفت بالابتسامة لي وأنا كذلك وكأننا لم نلتقي يوما ما،،،،،ولم أستطيع بعد عشرين سنة عندما رايتها أن اكمال طعامي ذلك اليوم، لأني تذكرتها عندما سافرت وتركتني وحيداً خلفها فكنت أمد يدي للطعام حينها فتمنعني لوعة الفراق من ذلك.

http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:Fm68S5cxRO54-M:http://up.3ros.net/get-5-2009-umtko1i0.jpg

ألم الفراق

************************************************** ********************************

وبعيد عن الحب وسنينة سأختم لكم اليوم بقصة طريفة حصلت لي لاحقاً مع القاضي الذي حكم علي بكتابة عشرين صفحة "أنا أحترم رجل البلويس" وحكم على صاحبي "بغسل درج ساحة الحمام لمدة ثلاثة أيام"، فقد رأيت ذلك الرجل الطيب في صيدلية بوتس ولم أعرفه لأنه كان يرتدي في المحكمة باروكة بيضاء، وهي تقليد بريطاني يعمل به منذ نحو 300 سنة لإضافة الهيبة والوقار للقاضي، فتبسم لي وحياني فحييته وعرفني وقال كيفك أيها الشاب الصغير أرجو أن لا أكون قسوت عليك في الحكم، فقلت له كلا الحكم كان جداً بناء ويذكرني دوماً بأن أحترم رجال البوليس. ودعوته لتناول القهوة فوافق وقال ليس بيننا قضية الآن ولا يوجد مانع مهني من أن ألبي دعوتك، وفعلا تشرفت كثيراً بمعرفته واستفدت من طريقة إدارته للحوار ونظرته للأمور وتواضعه، وحدثني أنه يحب الشرق وسحره وقد عمل في كل من العراق وعدن عندما كان شاباً.


وهذ اللقاء الجميل ذكرني بأحد أصدقائي الصعاليك أيام المرحلة المتوسط الذي أصبح لاحقاً شيخاً وقوراً وقاضياً في أحد المحاكم، وقصة هذا الشيخ والذي اسمه "زريق" الذي كان ضعيف البنية في الأيام الخالية ودقيق الملامح وأحمر الخدين كأن به عرق شامي، وكان حقنة بمعنى الكلمة طوال الثلاث سنوات التي قضيناها في مدرسة الفيصل المتوسطة التي تقع في لخطوط الأربع في الدمام. لم نكن نعطيه وجه بالمرة ولا يلعب معنا أبداً، وفي مرة من المرات كنا نلعب كرة قدم وقت الفسحة في ساحة مدرسة الفيصل المتوسط، وهو ماكان يعرف يلعب، وكان غصب يبيي يلعب معنا أو يخرب علينا ، كان قاعد برى الملعب ولما جاته الكورة عنده شاتها برا سور المدرسة انتقاماً منا، رحت له قلت له جيبها يا زريق زي ما شتها برا السور، قال ماني جايبها، جيبها يا ابن الحلال انت إلي شقحتها فوق السور، ماني جايبها، قمت أعطيته كف، وكف ثاني وقلت بروح أجيبها أنا, فجأة قام نقز علي مثل القرد وتعلق في وسطي وحط رجولة حول جسمي ويدينه خلف ظهري، أستنيت بشوف ايش يسوي يمكن بيرد لي الكف أو يعضني أو يجر شعري أو أي شيء!!، لكنه ما سوى شي أبد، واقف كأني غورلا وكأنه أبني على غفلة متعلق في ، قلت أنزل يا حمار، قال ماني نازل، ياابن الحلال أنزل، ،،، اعطيه كف، كفيين، بقس ما فيه فايده، اطيح فوقه في الأرض ما هو راضي يفكني، أدور فيه عشان يدوخ، دخت أنا وطحت وهو متمسك في، كأنه قفل الكتروني، يا زريق عيب عليك انزل، طيب أعطيك الوجبة المدرسية واليخنة (وجبات مدرسية كانت توزع مجانا على الطلاب) ، طيب اعملك اسكان شعبي يا حبيبي، ما نزل، نعن أبوك الفسحة خلصت انزل بروح الفصل، اطيب تعلق من ظهري عشان الاستاذ لا يشوفك لما أجلس في الفصل،،،مانزل لين وصل الخبر لمدير المدرسة "عريج" واستاذ حسنين مدرس الهندسة واستاذ بسيوني مدرس الجغرافيا، والدكتور عبد الله الربيعة وزير الصحة المتخصص في فصل الأطفال السياميين (أمزح) وفكوه مني بعد أن قبل يديه المدير وقال وعد يا زريق إن فكيت نديم بنجحك هذي السنة وبنخليك عريف الفصل بعد، بس فك الولد خخخخخخ، ،،،هذا الزريق دارت الأيام وقابلته لما رحت لمدينة صغيرة بالقرب من الدمام لبيع أرض للوالد، وعندما لم نتفق مع المشتري قرر الوالد عمل توكيل لي بمحكمة نفس المدينة عشان لما يجي زبون ثاني أقوم أنا ببيعها بدل أن يأتي أبي لتلك المدينة مرة أخرى، وجينا مع الشهود ودخلنا المحكمة وتفاجأت بأن "زريقاً" هو القاضي أو كاتب العدل فلما رأني أندهش أكثر مني وكاد أن يبتسم وأن يفز من مكانه ويطير من ثنايا بشته الملكي ، لكنه بجزء من المليون من الثانية سيطر على جميع الأجهزة لأن ذلك سوف يؤثر على هيبته على ما يبدو. كنت سوف أطقه بكفه وأقول كيفك يا أبو الشباب والله زمان عنك يا زرووووووق يا حبيب قلبي، بس لاحظت إن الرجال كاتم مرة، وبدأ يسأل بصوت مسرحي مفخم أين الموكل، أين الوكيل،،،،أين الشهود،،، سلمناه البطاقات وقلت يمكن يعرفني الحين،،،أنزل رأسه وهو يخفي وجهه داخل طيات شماغه كأنه يقرأ البطاقات، وصدر عنه صوت مثل صوت المساحة لما نسحبها على طاولة الفصل "ايييءءء" فتأكدت أن يحاول أن يكتم ضحكة في نفسه وهو يصارع تلك الضحكة بكل ما أوتي من قوة، وقد يكون تذكر عندما نط علي وجثا على صدري مثل الجاثوم في متوسطة الفيصل، فحاولت أن أنظر له من تحت شماغة لأتأكد من حدسي، فأنزل رأسه زيادة مثل الطلاب إلي يغشون في الإمتحانات من البراشيم ، ثم استأذن للذهاب للمختصر، وقلت لزميل الشاهد معنا تركي الهاجري على حكاية زريق فمات أبو شايع من الضحك وقلت أحلق شنبي يا أبو شايع إذا ما كان منسدح الحين على الكنب وفاقع ضحك خخخخخ علينا، قال يا عمي أنتبه لا تستهون في هذا الشيخ، ترى الأسبوع إلي راح صك واحد بستة شهور سجن، قلت هذا زريق يقدر يسجن واحد ستة شهور، قال إيه زريق، انتبه والله ليطلع الطق إلي أعطيته يومنكم صغار بشخطة قلم واحدة ولا أحد يفكك منه، قلت يصير خير. بعد شوي طلع وكان وجهه حمر كأنه فلاح سوري في عز الشتاء، وتأكدكت إن زريق فك الضحكة لربع ساعة في المختصر ورجع بعد ما رجعت له السكينة والوقار المزيف.

زريق إنسان طيب بطبعة ولكن يبدو أنه كان خايف تنقلب الجلسة ضحك أمام المراجعين وإلا إني أفضحة بالحكايات إلي صارت بينا أيام المتوسط ، وآخر مرة شفته في العام 2001 عند بيتي عند أشارة المعهد الصحي في الدمام، كان فيه إشارة في آخر شارعي ومر من جنبي وشافني وكان بيوقف ويسلم لأن ما كان في أحد في الشارع، لكنه غير رأيه وكمل طريقه ووقف عند الإشارة، وأنا أطالعه وهو يناظرني من المراية العاكسة وشكله ميت ضحك وبعدين لما ولعت الإشارة طق هرن لي ولوح لي بيده الكريمة من شباك سيارته الجيب الفي إكس آر التي يفتن بها كل سنة مرة أو مرتان.


يتبع

منصور العبدالله
28-05-2010, 12:06 PM
هلا اخوي نديم الهوى


روعة هذة الحلقة وعن انواع وسائل النقل وتعددها


وكذلك وانتم تجوبون شوارع المدينه


ويحدق بكم الخطر من أطفال الجعدة



وجميل سلسة يومياتك وعلاقاتك ومعاملاتك



واصل وفقك الله



روعة والله روعة اخوي نديم الهوى


واتمنى ان تضع بين الحلقة والحلقة اقل شيء اسبوع لنتمكن من قراءة كل الحلقات



وفقك الله اخوي الغالي نديم الهوى


كم انت فعلا نديم رائعا ومتحدثا لبقاً



وفقك الله يالغالي

مشاري بن نملان الحبابي
29-05-2010, 01:14 AM
مرحبا يا نديم ..

حلقة أكثر من رائعة ..

عندي استفسار .. أنت عتيبي ؟؟

لأنك دايم تقول الطايف ..

فراس سعيد
30-05-2010, 02:45 AM
كسرب الحمام تتلو بعض نحو قمم الحروف الابجديه الذهبيه

بانتظار ابداعك

نديم الهوى
03-06-2010, 09:07 AM
منصور العبدالله ، شكراً لك على التواصل الدائم،،، وسمعت نصيحتك وأسبوع تقريبا عن المشاركة،،، ولا يهمك يا ولد عمي،،،تامر،،،،،مشاري بن نملان الحبابي شكراً لك على التشجيع المستمر،،، وبالنسبة هل أنا عتيبي،،، والله أتشرف أن أكون من عتيبة لكني لست منهم وإن كنت أحبهم،،،،،،،،،،أتكلم عن الطائف لأني ترعرعت فيها حتى أنهيت المرحلة الإبتدائية ولي فيها ذكريات وحكايات وأشجان لا بد أن أخطها يوماً ما،،،،،،،،،،،،،،،،،،قد تكون "مذكراتي الطائفية"""""""""""""""شكراً لك مرة أخرى،،،،،،،،،،،،،فراس سعيد،،، شكراً لك عزيزي على النثر الجميل،،، وأتمنى أن أكون عند حسن ظنك دوماً....



الحلقة الثامنة عشر

الأستاذ عابد العتيبي، مدرس من مكة المكرمة قوي البنية وفي عنفوان الشباب ويتمتع ظاهرياً بصحة وافرة، وصل مدينة لندن بعدنا مباشرة بحثاً عن العلاج وكان مصاباً كذلك بسرطان الدم، وعندما تعرفنا عليه إعقتدنا بأن الشخص الآخر المرافق له والضعيف البنية كأنه هيكل عضمي أنه هو الشخص المريض وأن الأستاذعابد الصحيح البدن هو من سيتبرع بالنخاع العضمي للصعلوك المرافق له. لم نكن نحن من أعتقد ذلك فقط، بل أن الدكتور قولد مان الطبيب المعالج عندما أستقبلهما ألتبس عليه الأمر في البداية كما حصل معنا. وهذا يوضح مدى خطورة هذا القاتل الصامت الذي قد يصيب الإنسان في أي وقت حتى وإن كان صحيح البدن وفي مقتبل العمر.

سكن عابد العتيبي ومرافقه مرزوق العتيبي في فندق يقع في شارع Gloucester Terrace ويعمل بنظام الشقق ويبعد مائة متر عن فندق لانكستر قيت الشهير والمواجه للهايدبارك، والفندق الأخير معروف للسياح العرب وتقام فيه حفلات غنائية في الصيف لمحمد عبده وراشد الماجد وعبادي الجوهر ورابح صقر ونوال ونجوى كرم وغيرهم، وقد حضرت بعض تلك الحفلات وسكنت فيه لاحقاً مرات عدة. أما الفندق الصغير الذي سكن فيه الأستاذ عابد، والذي يعمل بنظام الشقق فتعود ملكيته لشخص عربي أو عربجي، لا فرق واسمه "شيبة عرعر" وهو شاب متهور وجشع وبلطجي طويل وهبيل أبيض البشرة كريه العشرة ويعشق كرة القدم مثلي لكنه أكثر جنوناً وجنوحاً وصفاقة،

وقد توطدت علاقتنا معه عندما كنا نعود عابد باستمرار في شقته وكونا معه فريق كرة قدم جله من سكان الفندق الخاص به وبعض الإنجليز الصيع من نفس الحي، وكان شيبة عرعر من هوسه باللعب ينقلب إلى تكروني أبيض خاصة إذا أغاضه أحد أثناء اللعب سواءً بعدم تمرير الكرة له دون غيره أو في إضاعة فرصة التهديف في مرمى الخصم، فيقوم بالزعيق والصراخ ويلطم على وجهه الأشلح، بل أنه في كثير من الأحيان يشق قميصه إلى نصفين عندما يهزم. وبالرغم أننا كنا نلعب للتسلية وحباً في رياضة كرة القدم، إلا أنه كان يخبرني أحياناً بأنه في بعض الليال يجافيه النوم بسبب هزيتمة في التمرين وكأنه فقد التأهل لكأس العالم.

عابد وبالرغم من مرضه الخطير، كان إنساناً وسطياً أو أقل من وسطي حبة ونص، وكنت أنا وسطي وعليها بوستين من الناحية الدينية ومتأثراً كثيراً بأخي لدرجة ما خاصة فيما يتعلق ب "طعام أهل الكتاب" فكنت كلما نود أن نأكل طعام ما، أقول لهم "لحظة يا جماعة، لن نأكل هذا الطعام حتى نتأكد بأن ليس به أي من مشتقات الخنزير" فيصبرعلي الأستاذ عابد صبر أيوب حتى أتأكد بأن ex3F16، مثلاً ليست مادة من مشتقات ذيل أو رمش أو عرق الخنزير لا سمح الله،،،،وكان عابد يمشي الأمور ما أستطاع إلى ذلك سبيلاً ويكتم غيضه صابراً على لقافتي وأضنه غير محتسباً لذلك، حتى أتى يوم وقد أبتاع صابونة من النوع الرخيص والرديء من سوق شبردزبوش الشعبي الذي يقع من ناحية الغرب من الهايدبارك، وقد شد للصابونة الرحال مسافة سبعة كيلومترات قطع خلالها خمس محطات أندرقراوند،
http://farm3.static.flickr.com/2235/1774863131_3e86586b9d_b.jpg
سوق شبردز بوش (شجيرة الراعي)

وعاد فرحاً بها هاشاً باشاً واستعد المسكين للإستحمام، فقلت له تمهل ياعابد أفندي، دعني أقرأ المكونات فقد يكون ضمن مكونات الصابونة زيت شحم الخنزير والعياذ بالله، لأني سمعت كثيراً بأنه يستخدم عادة كرغوة للصابون،،،،،،،،،،،،فأكفر وجهه وأحمرت عيناه وأرتعدت فرائصه وسحب الصابونة مني بكل عنف وقال "والله يا نديم يا ولد أبو نديم يا فيلسوف العصر والأوان، لو أني عصرت الصابونة بكلتا يداي هاتين وطلع منها خنزيراً حياً يمشي بشحمه ولحمة لما ترددت أن أستحم بها صباح مساء، أغرب عن وجهي فقد غثيتني بنصائحك وحاصرتني حصار عكا بخنازيرك" ،خخخخخخ، وعندها عرفت أن لقافتي أقد أوصلت عابد إلى حافة جنون الخنازير،فقلت له خلاص روح استحم ولا تزعل وحقك علي يا عم عابد، وعلى ما تخلص استحمام بالصابونة المشبوهة سوف أذهب أنا ومرزوق"المرافق له في العلاج" لإحضار العشاء حتى يطيب خاطرك. وذهبنا لمطعم في شارع Bishop's Bridge والذي تقع فيه محطة بادنقتون ستيشن العتيقة والتاريخية والتي أفتتحت عام 1854 واشتهرت بتصوير الكثير من الأفلام القديمة داخلها نظراً لطرازها الفكتوري الخلاب والملهم لكل المخرجين، ويتفرع شارعها من شارع ادجوررود.

http://www.londonist.com/attachments/tikichris/LON-08.15.07---Golden-Age-o.jpg
المطاعم التي تعج بها المنطقة

فأحضرنا من أحد المطاعم العتيقة في ذلك الشارع كمية وافرة من الفش آند شبس وبيتزا وبيبسي، كما أني وجدت بيضاً شهياً مغطى بطبقة من السماق المقرمش فأحضرت منه عدد خمس بيضات، وعدنا أدراجنا وقد خرج عابد من حمام الهنا منتعشاً طرباُ ويغني حاملاً بين يديه الصابونة بكل حرص وعناية وكأنه يخشى أن أصادرها على غفلة منه. وبدأنا بتناول العشاء اللذيذ خاصة وأن الجو كان بارداً جداً وفي البرد يحتاج الجسم للطعام أكثر من أيام الدفء، وقبل أن نبدأ الطعام قال لي مازحاً "هاه يا دكتور نديم، فيه خنزير وإلا نسمي بالله" رديت "لا خلاص أنا غيرت الإستراتيجية من الآن فصاعداً، سوف نأكل الطعام أولاً ثم نتأكد، ولكل حادث حديث، فحتى أنا والله طفشت من حكاية الخنزير" خخخخخ، وفعلاً بدأنا بالأكل بشهية مفتوحة، وأتت فجأة خديجة المغربية والتي تعمل في الرسبشن تسأل عن صاحبنا السعودي "فؤاد" الذي يسكن في نفس الفندق ونظرت نحو الطعام الذي نتناوله وصرخت فينا بشدة "تاكـــلوا"حلـــوف"، حرام عليكم، احشموا يامسلمين" قلنا وين "الحلوف" (الخنزير) يا خديجة، ردت"البيض المسلوق إلي بتزطوه، فيه تحت طبقة السماق شرايح لحم حلوف قرف الإنجليز، الله يقرفكم". انصدمنا لما تأكدنا بأنا قد تناولنا الخنزير فعلاً والمصيبة أنني أنا الذي أحضرته بيدي وقد كنت لهم دوماً الناصح الأمين،،،،،،، ورحنا كل واحد أفرغ مافي جوفة من الطعام، وحرمت بعدها أن أكون مصلح اجتماعي ما حييت أبداً.



أما فندق شيبة عرعر الذي يسكن فيه عابد فقد كان فندقاً مريباً جداً، وشيبة عرعر صاحبه كذلك كان شخصاً تدور حوله الكثير من الشبهات باستمرار من قبل السكان وخاصة السعوديين، فقد كان هنالك حوالي خمس شقق مؤجرة لسعوديين، بالإضافة إلى الأستاذ عابد، كان على ما أذكر هنالك طباخ من مكة المكرمة لديه طفل مريض جداً بالإسهال المزمن،عدم المؤاخذة، وكان يصاب جسمه بالجفاف والهزال حتى يقترب من حافة الموت بسبب فقدانه السوائل، ليدخل المشفى فتعود له الحياة بواساطة المغذيات لفترة من الزمن ثم يخرج فسرعان ما ينتكس، فأتى به أباه إلى لندن بحثاً عن العلاج.

وشخصاً آخراً اسمه "مهجع" اسم حقيقي من الشمال، وأخراً اسمه "شوعي" من جيزان، كان ابنه لايسير على رجليه ويركب عربة ولكن لا أذكر الآن ماذا كان نوع مرضة، لكن الذي أذكره أنا كنا في رحلة عربية إلى "ملاهي آلتون تاوزر" وسأله منظم الرحلة خلال مسابقات بين المسافرين للتسلية في الطريق عن هوايته، فأجاب أن هوايته أن يشتري مزرعة، فأعاد السؤال أكثر من مرة بأنه، ليس "ماهي أمنيتك يا شوعي" ولكن "ماهي هوايتك يا شوعي"، وأصر شوعي على شراء المزرعة حتى كادت أن تقوم خناقة بينه وبين منظم الرحلة.

كما كان يسكن في الفندق المشبوه شاب اسمه فؤاد، من جدة وكان في سني ولكن وزنه يصل نحو 200 كيلوغرام وهو يتعالج من داء السمنة، ومشكلة جسمة كما عرفت، بأنه يحتاج يوماً كاملاً لحرق بيضة واحدة فقط، لذلك عمل له البرفسور برنامجاً ممتازاً مع بعض العلاج حتى وصل وزنه 68 وأصبح وسيماً وسعيداً ومقبل على الحياة ويرتدي أجمل الملابس بعد أن كان يمشي في أزقة لندن بثوب سعودي كأنه خيمة يكلفه طاقة كاملة من القماش ويرتدي فوقه جاكيت رصاصي طوال المدة التي عرفته فيها. في أحد المرات طلعت له صورة من الخلف في مجلة المجلة وهو يسير في شارع البيزووتر، وكانت الصورة ضمن تقرير عن استثمارات العرب العقارية في بريطانيا، وكتب تحت صورته (أحد تجار العرب يبحث عن فرصة اسثمارية في لندن)، وكان فؤاد سعيداً بظهور صورته الخلفية بدلاً من أن يقدم شكوى ضد المجلة التي استغلت صورته دون وجه حق. بعد أن نزل وزن فؤاد وأصبح وزنه معقول جداً، بل رائع غادر لندن في إجازة للسعودية لمدة شهرين ليري أهله المفاجأة الجميلة وكيف أصبح إنساناً آخراً وسيما ًتعشقه الفتيات، اللائي كثيراً ما صددن عنه بل ضحكن منه أو أشفقن عليه عندما مر دونهم يوما ما. لكن وللأسف الشديد، فعندما عاد إلى لندن بعد انقضاء اجازته الطويلة نوعاً ما، استقبلته في المطار وصدمت من هول ما رأيت، فقد عاد إلى وزنه البشع القديم بالتمام والكمال وحشر نفسه من جديد في لباسه القديم، ذلك الثوب المنفوش المهلهل والجاكيت الرصاصي الكريه. وعندما عاد كان قلقاً ويوجس في نفسه خيفة أن يراه البرفسور المعالج في صورته الجديدة القديمة، فأخذني معه في اليوم التالي للمشفى وعندما دخلنا على البرفسور وتأكد أنه هو فؤاد، قذف الطبيب بنظارته بعنف على الطاولة وكأنه صعق بتيار كهربائي من محطة توزيع كهرباء رئيسية وبكي بحرقة كالطفل على مجهود سنة كاملة والذي تبخر بسرعة على موائد مطاعم "أرملة البحر الأحمر جدة".



كما أني لا زلت أذكر بأسى شخصاً رابعاً من جدة اسمه "عابر سبيل" ومصاباً بسرطان الرئة، في الخمسينات من عمره، ويهيم دوماً وحيداً على وجه في أزقة لندن بثوب وشماغ دون عقال ويحمل معه أينما ذهب سجادة صلاة عتيقة زرقاء اللون من القطيفة المتموجة يصلي عليها كلما حان وقت الصلاة. وأخبرتني في أحد الأيام الممرضة "مسز قراث" بأن أمام "عابر سبيل" فرصة أقل من شهرين للحياة وبعدها سيموت لا محالة بسبب تطورات المرض الخبيث. فأصبحت أساعده في شراء أغراضه وتوصيله والعناية به وخدمته وتلبية طلباته كأنها أوامر بالنسبة لي، حتى أنه سألني أحد الأيام بعيون حائرة ونظرات حزينة، عن سبب عطفي الزائد عليه، فتوقف الكلام في حلقي ودمعت عيناي وهربت منه دون أن أستطيع أن أرد عليه لأنه على ما يبدوا لي لم يكن يعلم بأنه سيموت بعد أسابيع قليلة. وقد توفي لاحقاً بعد أن نوم في المستشفى لآخر أسبوعين وأصبح خلالها يصاب بنوبات سعال لا تنقطع، لا أبالغ بالقول أنها تستمر نحو 5 ساعات متواصلة، فكنت من حزني عليه أصم أذاني وأنا في غرفة أخي حتى لا أسمعه وهو يسعل والله المستعان.
http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:wGflhv73Q-CZ9M:http://www9.0zz0.com/2009/09/22/16/676079733.jpg
عابر سبيل مر سريعاً وأختفى عن الحياة


كان يوجد الكثير من العرب في الفندق، ولكن لم أنس أبداً فتاتان يمنيتان تعيشان لوحدهما في الفندق، "اسم المريضة دمعة والأخرى أمل"، كانت دمعة مصابة بسرطان في أحد أعضاء جسمها ولم أكن أذكر كيف وصلتا لندن، ولكن أذكر أنهما أصيبتا بالفاقة وضيق ذات اليد ولم يستطيعا حتى دفع أجرة الفندق، فما بالكم بالعلاج. وكنا في الغربة نعتبرهم مثل أخواتنا، فكفيناهما السكن والطعام والمصروف اليومي، وهذا ما كنا نقدر عليه في تلك الفترة، وعندما نذهب للنزهة في الهايدبارك والذي يقع في خلف الفندق في العصريات الجميلة، كانتا تسيران خلفنا على استحياء، ثم تجلسان في مكان قصي عنا ونحضر لهم المكسرات والبسكويت والكعك وهما تعدان لنا القهوة اليمنية بالقشر والشاي الصنعاني، وقد تجلت بيننا الرحمة والأخوة في الإسلام بكل صفاء وإثار، فأصبح شغلنا الشاغل هو سترهما ومساعدتهما في تدبر أمورهما، لكن بقي مشكلة علاج المريضة منهما مشكلة ليست لها حل، فتكلفة العلاج تقدر بعشرات الألوف من الجنيهات وهو ما يفوق ميزانياتنا جميعاً. وفي يوم من الأيام كان الأستاذ عابد يسير وحيداً في الهايدبارك وجلس بجانبه رجل عربي وقور وتبادلا الحديث معاً، وكان اسم الشخص على ما أذكر "السويدي" وهو من الإمارات العربية المتحدة وكان يعمل مستشاراً لشخصية كبيرة في الامارات فأستغل عابد الفرصة وشرح له مأساة "دمعة وأمل" وعرض عليه إمكانية مساعدتهما، فوافق "السويدي" دون تردد وطلب أن تأتي الفتاتان للسفارة الإماراتية من الغد والتحدث مع السفير الإمارتي حينئذ وأضن اسمه "مهدي التاجر" وتم تحويل "دمعة" للعلاج بكل بسطاة ودون أي روتين أو تعقيد في مشفى Cromwell Hospital، وقد احتفلنا بعابد بعد أسبوع من حصول "دمعة" على العلاج في حديقة "رتشموندز بارك" وحملناه فوق رؤوسنا وقذفنا به في السماء بعد الغداء مثل ما يعمل اللاعبون عندما يحملون مدرب الفريق عند الفوز بالكأس وسط زغاريد "دمعة وأمل".
http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:yHzQeav2IYeTdM:http://uae-id.com/vb/uploaded/2_01270734677.jpg
كل من يذكره،،، يذكره بالخير،،،،،،،،،،،،،السويدي بجانبه


ومع مرور الأيام بدأت تحدث في الفندق المشبوه سرقات متكررة للسكان الخليجين والسعوديين منهم بالذات، فقد تمت سرقة جميع المرضى السعوديين الواحد تلو الآخر باسثتناء شخص واحد فقط، كان كل أسبوع أو أسبوعين يسرق أحد المرضى، فيتم الإستيلاء على ماله كاملاً أو الذهب والمجوهرات، وكان واضحاً للجميع أن السرقة تتم بتواطيء من داخل أصحاب الفندق لأنه لا يوجد عنف أو كسر للغرف، كما أن السرقة تكون خلال خروج السكان للعلاج أو السوق، وكأنهم يعرفون مواعيد دخولهم وخروجهم، ولم ينجو من السرقة سوى "مهجع" الشمالي لأنه كان بدوي بمعنى الكلمة، لا يثق في أحد مطلقاً، حتى نحن لم يكن يثق بنا. وهذا أعتقد أنه هو سر نجاته. فالشيخ "مهجع" إذا جلس معنا لا يخبرنا شيء عن نفسه بتاتاً وكأنه يحمل أسرار خاصة "بالسي آي إي"، ولا يأكل من أي طعام نقدمه له أو حتى يشرب الشاي معنا، وعرفنا بعد ذلك بأنه موصى كويس في السعودية من الحرامية والدجالين، لدرجة أنه أدخلنا في قائمة المشتبه بهم، فقد كان يعتقد بأنا سنضع له الحبوب المنومة في الكأس مثل الأفلام،خخخخخ، وأحلق شنبي إذا ما كان مخبي فلوسة،،،، كل فلوسة في شراريبه أو في طيات ملابسه الداخلية طوال فترة علاجه، وأعتقد بأن من كان يعرف سر مكان فلوس "مهجع بيه" هو فني الأشعة فقط والذي من المؤكد أنه رآى الفلوس واضحة في شرائح الأشعة خاصة المعدنية منها، والله أعلم.


كان السعوديين في تلك الأزمان "مغفلين" ويستغفلهم الناس بكل ما تعنية الكلمة من معنى، فلم يشتك أحد من الضحايا للشرطة لعدم فهم حقوقهم أو لخوفهم من أن يسبب لهم ذلك المتاعب كما كانوا يتصورون. وقد شكينا كثيراً في شيبة عرعر، وما زلت أعتقد إلى الآن أنه هو من كان خلف تلك الجريمة التي تقع أسبوعياً في فندقه، فهو لا يكترث لتلك الجرائم، ولم يتخذ أي إجراء ليحافظ على أموال زبائنه أو سمعة فندقه. وبالرغم من أني لا أسكن في الفندق لكني حنقت عليه بسبب سرقة هؤلاء المرضى المساكين، وقررت الإنتقام منه بطريقتي الخاصة، بالرغم من أني مسالم مع الآخرين وأسامح دوماً كل من يسيء لي، ولكن لم أحتمل أن يسرق ذلك الأخرق الجشع المرضى المساكين.

http://c.photoshelter.com/img-get/I0000IYAehsWS.0k/t/150

الإنجليزي ينتظر وقوع كارثة،،،،وش يصلح وش يرقع،،،،الباص جاي طاير،،، يفكرونه خط البلدة بيوقف لهم

فأخبرت "مرزوق مرافق عابد" بما نويت فعله لشيبة عرعر جزءاً وفاقاً لما اقترفت يداه، وفعلا انتظرت إلى أن أتى وقت تمرين فريق كرة القدم (هنالك صورة وضعتها في حلقة سابقة تظهر الفريق) وأختارني شيبة عرعر أن أكون معه في نفس الفريق لسؤ الحظ ولكني طلبت أن أكون في الفريق المضاد، فوافق على مضض، وسرعان ما أتت الفرصة التي انتظرتها طويلاً عندما أتت هجمة علينا وكنت ألعب في الدفاع وكان شيبة عرعر يجري بكل سرعته خلف الكرة كمهاجم ويريد أن يرفع الكرة على مرمانا فعدوت بإتجاهه بكل سرعتي وبدلاً من أن أنقض على الكرة ركزت بدقة على مفصل قدمه وأنا أتذكر الرجل المسكين "عابر سبيل" الذي سرقت كل أموال، فأصطكت رجل شيبة عرعر المندفعة بباطن حذائي المدعم بأصابع صغيرة مدببة، حتى سمعت من قوة الإلتحام صوت قرقعة صادرة عن ثنايا مفصله. فصرخ شيبة عرعر بأعلى صوته صرخة اهتزت لها الأشجار في الهايدبارك وتحدث بها الركبان في باصات هاي ستريت كنجنستون، ثم تلوى في الملعب من شدة الألم، وأخيراً حاول النهوض واللحاق بي لينتقم مني، لكنه عندما ارتكز واقفا هوى مرة أخرى نحو الأرض لأن قدمه انطبقت كانطباق الذراع نحو الساعد بسبب تهشم مفصله، فقلت في نفسي "ذق "يا شيبة عرعر" انك انت العزيز الكريم"يا سارق المرضى والمساكين .
http://travel.maktoob.com/photo/data/500/hydepark-team.jpg
فريق كرة القدم الذي كوناه بتصريح من الأمم المتحدة،، والشاطر يطلع شيبة عرعر

وأصبح شيبة عرعر بعدها يمشي بجبيرة لمدة تزيد عن شهرين، توقفت معها سرقات المرضى طوال وجود الجبيرة في رجله. ولم أعد لزيارة المرضى في الفندق إلا بعد أن هدأ غضب "شيبة عرعر" وتقبل الأمر بأنه مسألة خطاء وليس عن قصد، فعاتبني عندما رأني بعد ذلك بشدة لكني لم أكترث له، وقلت يا عمي "مفصل رجلك هو إلي ضرب باطن رجلي، وباطني رجلي ما ضرب مفصل رجلك" تقدر تعيدها خمس مرات ؟؟؟؟ خخخخ، لكن "شيبة عرعر" الهبيل قال لي بكل صفاقة "كنت سوف أجعلك يا نديم عضواً في لجنة تحكيم ملكة جمال العرب في لندن" لكني ألغيت اسمك تماماً عن ذلك عقاباً لك على ما فعلت بي، ألا تعلم أنك كنت ستعيش أجمل أيام حياتك في تلك اللجنة يا مسكين، فقد كان من الممكن أن يكون لك صلاحيات كبيرة وكل يخطب ودك من المتسابقات الجميلات. ولما استفسرت منه عن ماهية تلك المسابقة الغريبة التي ينوي عملها، شرحها لي بالتفصيل الممل، فقلت، تباً لك، والله لا أتشرف "يا شيبة عرعر" أن أكون معاك في لجنة الفسق والمجون أيها المسكين. لكن لو تعلمون يا قومي من هن ملكات جمال العرب التي قدمهن الأفاك شيبة عرعر في لندن والتي عاصرت أحداثها لاحقاً عندما نظمها في العام 1985، وغطتها الصحافة العربية في المهجر للأسف ومن ضمنها صحيفتنا الخضراء التي تغط الآن في نوم عميق، فإثنتان من المتسابقات كانتا تعملان في غسيل الصحون في مطعم إيراني في Earls Court، وواحدة كانت تعمل في ملهى كيت كات. وملهى كيت كات كان موجود في نهاية شارع الكوينز واي(اندثر الآن)، وبداية البايزوتر أمام موقف الباص المتجه لإكسفورد ستريت. وقد ارتدت ذلك الملهى أيام الصبا والطيش، والذي أثار فضولي الشديد في تلك الأيام وجعلني أخوض تلك التجربة، أنه كان يقف دوماً أمام باب الملهى حارس مصري يلبس طربوش أحمر ونظارة طبية دائرية عتيقة سمكها 7 ملي ووجه قديم كأنه ولد عام الفيل وهو يشبه كثيراً سمكة البراكوده وأسنانة نصفها محطمة والنصف الآخر متداخل مع بعضه. رأني الحارس المنتف وعرف أني عربي وقال "أرب آرب" (أقترب، أقترب)، فأقتربت ونزلت الدرج المظلم وجلست على منضدة في المقدمة وكأني في مغارة علي بابا المضاءة بكل ألوان الطيف وتصدح فيها أغنية "السح الدح أمبوه". ثم أتى لي الجرسون بعصير أناناس وعليه كما أذكر الآن مظلة صغيرة كزينة وقطعة أناناس في طرف الكأس، وحسب الجرسون أني طفل تاه من أهله في لندن وتدحرج من الدرج فسقط على طاولة (البيست) وقال "والله" كما أذكرالآن "طبعاً الشمسية دي تشيلها قبل ما تشرب العصير" يا حلاوة شايفني أهبل ذا الجرسون ،،،،لكني رديت عليه "شكراً نورت المحكمة والله، يعني فاكرني حاشرب العصير بالمظلة، دي تبقى المظلة هي إلي حتمطر علي،،،، هو أنت فاكرني لسا قاي من الترعة يا بسطويطي بيه" خخخخ. وكان يجلس في المنضدة المقابلة لي فتاة جميلة تضع رجل على رجل مثل طريقة الممثلة "ناهد جبر" في مسرحية "شاهد ما شافش حاقة" وتبدو صغيرة وجميلة جمال لا يوصف وعندما تعرفت عليها أخبرتني بأن اسمها "رمال"،،،، لن أكمل هنا، وهذ الفتاة هي أحد المتسابقات التي شاركن في مسابقة "ملكة جمال العرب في لندن". ومتسابقة أخرى كان وجهها مليئ بحب الشباب وعندما تغضب يصبح لونها أحمر والحبوب بيضاء بشعة مقززة، وخليط غريب وعجيب من المغلوبات على أمرهن، وكل واحدة منهن تحمل في طيات قلبها مأساة حزينة تقطع أنياط القلوب بالرغم من فجورهن الظاهر. لكن شيبة عرعر الفهلواني حبك المسرحية بحرفية عالية ووصولية تامة، وكان للتصوير من زوايا معينة وملابس المتسابقات ولمسات الكوافير الفضل في أخراج المسرحية وتغطيتها إعلامياً على أنها مسابقة رصينة لاختيار ملكة جمال العرب في لندن والتي أقامها في الفندق المجاور لوكره، لانقستر قيت هوتيل. وفي اليوم المشهود ارتدى شيبة عرعر ملابس فخمة وذهب للكوافير وظهر بشكل رائع يستحق به منافسة المتسابقات على اللقب. وفاز بلقب ملكة جمال العرب أحد الفتيات التي تعمل في غسل الصحون في مطعم ايرلز كورت وكانت هديتها فديو وثلاثمائة باوند فقط ورحلة إلى ألتون تاورز قيمتها 60 جنيه، وحصل شيبة عرعر على دعم مالي كبير من تلك الصحف العربية أضافها لما سرقه من أموال المرضى.

وصدق الأمير خالد الفيصل عندما قال في قصيدته الجميلة "اتعجب!!! ماعلى الدنيا عجب .. حكمة الرحمن خلاها تدور"، فقد دارت الأيام والسنون وبعد أكثر من 22 سنة، تحجبت بائعة الهوى "رمال" التي كانت تعمل في ملهى "الكيت كات" ولله الحمد، وتابت وحسنت توبتها، وهي تعمل الآن في مدرسة عربية "أحتفظ باسم المدرسة والمدينة"، وقد ازداد وزنها كثيراً وودعها الجمال إلى الأبد وأصبحت أم لثلاثة أبناء، وآخر مرة شاهدتها فيها كان في العام 2006 وكانت تتريض في أحد الحدائق بعد أن أوصلت أبنائها للمدرسة الإنجليزية، وكم كنت سعيداً وأنا أراها وهي تتبدل من حال إلى حال وتحرق المراحل المخجلة من حياتها خلفها، والجميل أنها تتعامل معي وهي تجهل أني أعلم أسرار ماضيها، فلم أكن بحياتها سوى "عابر سبيل" ولم أكن يوماً "عابر سرير".


يتبع

فراس سعيد
04-06-2010, 01:23 PM
ترسي حروفك على الشواطئ اللندنيه ولاكن لابد ان من الغوص من جديد بعمق الاسطوره لتكمل الروايه

ونحن بانتظار رفع الستار لتبدا بالعزف بالناي ونحن نصمت

منصور العبدالله
04-06-2010, 05:18 PM
جميله الحلقة 18 واحداثها


حقيقة مذكرات جميله


استمتعنا في رحلاتك اخوي نديم الهوى



واصل ايها المبدع


والله مبدع


واشكرك على سماع نصيحتي


والهدف ان هذة المذكرات متكامله


احداث - ظروف - صور - والكثير الكثير


ولهذا لابد ان نستمتع مع كل حلقة بوقت كافي



اشكرك ياقمة الإبداع ( نديم الهوى )

مشاري بن نملان الحبابي
05-06-2010, 12:16 PM
مرحبا يا نديم ..

حلقة مميزة وأكثر من رائعة ..

في انتظار الحلقة التاسعة عشر ..

منصور العبدالله
10-06-2010, 10:03 PM
اخوي نديم الهوى


اهلا بك


لازالت متابع لجديدك في الحلقة القادمة


واشكرك ان اعطيت فرصة لكل حلقة عشرة يام كمافعلت اخر مرة


احببت ان اسجل حضوري واهديك سلامي وارفع لك شكري واقدم لك تقديري ايها المبدع

مشاري بن نملان الحبابي
14-06-2010, 01:13 AM
في انتظار باقي الحلقات على أحر من الجمر ..

منصور العبدالله
23-06-2010, 08:51 AM
السلام عليكم ورحمه الله


غاب نديم الهوى


نسال الله ان يكون المانع خير ان شاء الله ويرجع بالسلامة

مشاري بن نملان الحبابي
05-07-2010, 02:15 PM
في انتظار بقية الحلقات من المذكرات اللندنية ..

نديم الهوى
07-07-2010, 01:30 PM
السلام عليكم ورحمة الله

أعتذر عن التأخير بسبب السفر


الحلقة التاسعة عشر



مليكة المغربية فتاة ذات قوام رشيق وجذاب، تبدو أحياناً جميلة لدرجة الغواية وأحياناً أخر بشعة وعيناها مريبة وذلك حسب تقلب مزاجها والوقت الذي ترى فيه، وغالباً ما تكون بشعة بعد العودة من السهر،،، كانت تسكن في عمارة "كوينز كورت" التي تقع فوق مركز التزلج على الثلج قبل محطة الكوينز واي، وهي نفس العمارة التي يقطن بها "محمد رضا" الموظف الدعي في السفارة السعودية في لندن. مليكة لم أعرف طبيعة عملها قط،،، لأنها كانت تنام طوال النهر وتخرج من بعد الظهيرة حتى الفجر تتسكع في حوانيت لندن ومواخيرها، وكانت تستغل جمالها النسبي في غواية العرب العاربة الذين يتصادف مرورهم في الشارع، وأكثر ما تصداد ضحاياها من محل ذهب في أسفل العمارة، بين بنك باركليز والمطعم العربي "تحول الآن إلى بنك إتش بي سي". المحل ليس مثل محلات الذهب التي نعرفها في السعودية ولكنه اقرب في التشبيه لها،، فكل ما يحتويه هو بعض الخواتم والفصوص و السلاسل الدقيقة والبناجر ذات الدقات الهندية. تعرفت علي مليكة أول مرة وأنا أتناول طعام الغداء في المطعم الصيني كياسو المواجهة لنفس العمارة التي تقطن فيها والملاصق للكنيسة الوحيدة في الكوينز واي. وفي هذا المطعم تعرفت على المطبخ الصيني وأحببته كثيراً واستمريت في قصد المطاعم الصينية في كل بلد أسافر إليه حتى هذه اللحظة، وبصراحة كان طلبي في مطعم كياسو الصيني تلك الأيام هو طلب واحد لم يتغير سوى مرة أو مرتين، وهو "صويا شكن آند داك ويذ رايس" وكأني نقلت معي عدوى "الرز البخاري مع الرز البشاوري"، وفي النهاية أطلب الشاي الصيني الأصفر بعد كل وجبة غداء،،،،،،،،حتى أصبح النادل يحضر الطلب لي دون أن يسألني عما أريد ،،،.


وفي ذلك اليوم الذي عرفت فيه مليكة وكان وقت الظهيرة حينها والجو شاعري جداً في الكوينز واي،،، ودافيء بعض الشيء بعد شتاء طويل وقارس... دلفت المطعم أنا وقاسم اليماني،،، وحصلت على طلبي المعتاد وطلب قاسم شربة بالحلبة الصينية، وبدأنا في الأكل والحديث وفجأة ألقت التحية مليكة علينا ولم نكن نعرف أنها عربية في البداية،، فتبادلنا الحديث معها حتى عرفنا أنها تسكن في العمارة المقابلة وأنتهى الغداء وانتهت معه المقابلة، ولم نعرها اهتماماً يذكر لأنها كانت تسأل أسئلة كثيرة ومعظمها شخصية فودعنها ونسيناها أو تناسيناها..

في يوم من الأيام وصل إلى لندن شخص سعودي متواضع اللبس ويظهر أنه قليل التعليم لعلاج زوجته في هارلي ستريت كلنك،،،وسرعان ما تعرفنا عليه بحكم الغربة وبسبب الظروف المتشابهة التي كنا نمر بها جميعاً،، فعرفت أن اسمه "معاشي" وهو صاحب مزرعة كبيرة في السعودية وتاجر شعير لا يشق له سنبلة. "معاشي" كان يستأجر أمرأة مقيمة عربية في لندن عملت كمترجمة ومرافقة لزوجته بمئتين جنيه يوميا، نحو 1200 ريال،،، مترجمة أقصى ما تقوله يس/ نو وكذلك "ذا ومن ايز هنقري" ،،، أو الجو بارد في الغرفة"؟ سكن معاشي في البداية في فندق كامبرلاند الموجود في بداية أكسفورد ستريت... ولكن بعد ذلك أقترح عليه الأستاذ عابد وأخي أن يسكن في أحد الشقق في العمارة المواجهة لي بدل الفندق وتسريح المترجمة الفورية لعدم الحاجة لها لخدماتها وسعودة الوظيفة بأحد منا وبالمجان كذلك،،،، وهذا ما حصل...

استأجر لاحقاً "معاشي" شقة أمام العمارة التي أقطن فيها فوق شقة "جاكو" بدورين وأشترى فيدو وتلفزيون ومايكروف واستريو وكأنها فلبيني حصل على أول راتب له في السعودية. وأصبح يتنزه في شارع الكوينز واي و يرحب كل لحظة وأخرى بالإنجليز بحبور وسعادة باللغة العربية "يا هلا بالإنجليز الطيبين،،،هلووو،،،، وشلون الــوالــد،،،، ويكركر بعد أن يلقي التحية خاصة على البنات الجميلات... كان الإنجليز يبادلونه الإبتسامة رغم عدم فهمهم مايقول،،،، ولكن طريقته كانت كوميدية وتبعث على الضحك خاصة وأن له خشم مضحك يقول هو عن نفسه "لو يعرف الإنجليز الفقع كان سرقوا خشمي،،، يحسبونه فقعه!!،،،خخخخخ .

وقد توطت علاقتي مع معاشي ودقيت معاه الصحبة وكان هو المراهق وأنا الذي أحاول أن أكبح جماحة في كل شارع يحل فيه أو ملهى يكتسحه، فقد كان يتعامل مع جميع الطبقات في لندن كما يتعامل مع زبائنه من مستهلكي الشعير،،، ولكن للحقيقة وكما أذكر الآن فقد كون صداقة مع الكثير من الإنجليز وأصبح شخصية محبوبة واكتسب شعبية كبيرة يحسده عليها نواب البرلمان الإنجليزي وسياسي الوايتهول ودوننق ستريت، وما أجمل الإنجليز عندما يرحبون به بسعادة عندما يحل عليهم بملابسه المهلهة "ويلكم مستر "مااا آشي" هاو آر يو تودي،،، إتز سو نايس تو سي يو....

كما وصل لندن كذلك شاب من البطحاء من الرياض اسمه "غزاي"،،، شاب على قد حاله يعمل "باش كاتب" على بند الأجور فيما كان يسمى سابقاً "البرق" وهو جزء من الهاتف السعودي الكحيان "البرق والبريد والهاتف،،، ولاحقاً البيجر ومن ثم الجوال"،،،،،،،،،،،غزاي كان يسوق سيارته العراوي في أحد شوارع البطحاء في الرياض بسرعة عالية،،،،وظهرت له فجأة أو فجعة، لافرق،،، سيارة أمير مشهور لرئاسته أحد أندية الرياض يوماً ما،،،، فأصدمت سيارة غزاي صدمة خفيفة في صدام الأمير الأمامي فحلق ونيت غزاي نحو السماء واستدا كأنه صاروخ سكود مخلفاً وراءه دخان كثيف من عادم السيارة المخروم،،،ثمى هوت السيارة نحو الأرض،، مما استدعى تحرك الأسطول الأمريكي السادس في الخليج العربي وحاملة الطائرات الامريكية 'أيزنهاور' لاشتباه البنتاقون بوجود تجارب على صناعة صاروخ سري عابر للقارات إنطلق للتو من البطحاء،،، لكن الحقيقة أن غزاي وسيارته المسكينة تقلبا حتى تكسرت معظم عظام جسمه وتصدعت سيارته المنتفة في الأصل،،.....الأمير كانا طيباً جداً أشفق عليه فأرسله على حسابه الخاص للعلاج في لندن،،، خاصة عندما حاول انقاذه فأقترب منه ووجده يبكي مثل الأطفال....

عندما كان يقص علينا غزاي حكاية الحادث النكته الذي وقع له، سألته هل كانت الآلام مبرحة لدرجة جعلتك تبكي مثل الأطفال كما ذكرت؟؟ ،،،،،،،،،،وهل فكرت في الموت والآخرة عندما طارت العراوي في السماء مثل صاروخ سكود وهل قلت في نفسك أنك في طريقك للنزول لأكثر من مستوى الأرض،،، أي للقبر لا سمح الله،،، عندما هوت السيارة مرة أخرى نحو الأرض،،، رد غزاي وقال،،، "أول ما رأيت السيارة تتجه للسماء قلت " يا ساتر،،،،والله شكل الصدمة هذي بتكلف كثير من المال" خخخخخ،،،،،يعني ما فكر في الموت أبد،،،سبحان الله،،،،،!!!! طيب والبكاء يا غزاي ليه كنت تبكي ؟،،، رد وقال "عرفت إن إلي صدمته من نوع السيارة ومن رائحة العود والبخور وبشته الملكي عندما اقترب مني بأنه أمير لا محالة،،،،،، فقلت أكيد أن الخطاء بحيطه المرور علي مية في المية،،، عشان كذا قعدت أبكي والأمير يحسب إني أبكي من الألم"خخخخ....لا والله سلامات يا غزاي،،، ورب صـــدمــة خير من ألف ميعاد وإلا ما كان عمرك بتشوف لندن في حياتك البائسة.....


بعد أن تعافى غزاي بعض الشيء ذهبنا للعشاء والسهر في "زينون كلوب" بالقرب من فندق رتز،،، أغلق الآن وأصبح مكانه مطعم ايطالي،،،، وكانت معنا مليكة المغربية والتي توطت علاقتها مع "معاشي" المراهق الخمسيني،،،،،"زينون كلوب" أنا من اقترحت لهم الذهاب إليه،،، لأني كنت عازم الذهاب إليه منذ وصولي إلى لندن،،، ولم تحن الفرصة إلا تلك الليلة،،، وتعود حكاية "غزوة زينون" لزمان قديم عندما كنت أدرس في الصف الأول متوسط ،،،، وقد سمعت مغامرة خالي الذي هبطت عليه الثروة فجأة بسبب عمله في العقار أيام السبعينات مما جعل الفلوس تجري بين يديه،،، فذهب في رحلة استجمام طويلة بدأها من إيران،، أيام كانت إيران مقصد السياح والباحثين عن الجمال الإيراني الفتان،، ثم عرج من هنالك للهند ليرى عجائب الدنيا كلها فيها،،،،،، فمصر،،، وعندما لم يجد معاملة جيدة في مصر بسب توقيع السادادت معاهدة كامب ديفيد وانشقاق العرب،،، ذهب للإسكندرية وقفز وسط أول باخرة متجهة نحو اليونان،،،ثم قذفت به الباخرة السياحية فوق رصيف دوفر البريطاني،،،فأستقل أول قطار متجه إلى عاصمة الضباب لندن،،فدخلها شاهراً شيكاته مؤزراً بإذن الله في غرة صفر من العام التاسع والتسعون وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية الموافق لشهر أغسطس 1980 إفرنجي،، وقد كنت أصغ لقصص رحلات خالي حول العالم وأنا أتخيل أني أسير معه أينما حل،،، في غابات الهند مع الأفيال والنمور ومعابد الهنودس،،، وأتوه عندما يصف جمال النساء الإيرانيات وكبريائهن،،،فأصبحت أبحث عن صورة أية إمرأة إيرانية في مجلات النهضة واليقضة أو في الحوادث ومجلة الوطن العربي حتى وقعت يوماً على صورة "فرح ديبا" إمبراطورة إيران السابقة
وزوجة الشاه الأسبق محمد رضا بهلوي،، فقصصتها وبروزتها بورق مقوى ولزقة بيضاء وركبتها بجانب مرآة الدراجة الخاصة بي، ،،،والمفارقة أني لم أنس ما ذكره لنا عندما كان يحدثنا خلال سهرة في قصر أبي الصيفي في الطائف عما حدث له من مقالب في لندن بالذات،،،فقد أخبرنا أنه ذهب مرة لذلك الكلوب الراقي "زينون" ولم يكن يعرف أي شيء عن أكل الغرب إلا "الهمبرقر" حتى البيتزا لم يسمع عنها بعد،،،، فدخل مع مرافق له وطلب 2 همبرقر وأثنين بيبسي....كان الكلوب راقياً ويقدم آكلات إيطالية وفرنسية،،،فصمت النادل برهة ،،،، ثم قال بأعلى صوته للزبائن الآخرين،،،"انتباه لو سمحتوا،،،،هذا الزبون الصعلوك يريد 2همبرقر و2 بيبسي"فضج النادي بالضحك والقهقهة على محدث النعمة المسكين،،، وعرف خالي بأنه أرتكب خطأ ثقافي عويص،،، فهرب ومرافقه من الكلوب وسط تندر اللوردات والبارونات الإنجليز دون أن يعرف لغز هذه المصيبة،،،،،وقد فسرها له أخي الذي كان يدرس في أمريكا عام 1982،،وأخبره بالمصيبة التي عملها....بعض صور خالي القديمة التي رأيتها له في لندن استغربت أصلاً كيف سمح له بالدخول في ذلك الكلوب،،، فقد كان يلبس كرفتة برتقالية نحيلة من الأعلى وتصل نصف صدر لتنفرج بعرض أكثر من 30 سم ومليئة بالألوان الصفراء والبرتقالية والزهرية،،، وشعره يقطر دهناً من كريم قديم معروف باسم كريم ليدا " ابو ورده" (علبة بيضاء بلاصق أسود) وفي يديه دخان أبو بس وله شنب عراقي مفتول،،، والجاكيت ضيق جداً يحتاج خمسة رجال لزر الزرار،،، والبنطولن شارلستون ضيق من الأعلى وينفرج عند الساق كأنه مشقوق عند النظر إليه من الجنب. لكني كنت قد صممت على اقتحام الكلوب اقتحام الفاتحين،، قد يكون رد اعتبار لخالي،،، أو للأخذ بثأر العائلة كلها من ذلك النادل النذل،،، فقد عرفت الكثير من الأكلات الغربية ويمكنن أن أطلب بثقة ماهو صحيح دون خوف أن أخطيء ماذا،،، وأين أطلب،،،،،، والله يخلي الدايننق هول في أرامكو إلي علمتنا حتى طريقة الأكل بالشوكة والسكينة... عموماً،،، عندما أقتربنا من الكلوب نظر إلينا الحراس نظرة ازدراء من البداية،،وكأنها بدأت المعركة،،،بسبب الكوكتيل الغريب الذي يرونه شاخصاً أمامهم،،،،حسبونا في البداية غجر أوربا،،نريد أن نقوم بالرقص والغناء أمام الكلوب لجمع قوت يومنا،،،فهذا بدوي منتف في ملابس مهلهلة،،، لايكف عن الضحك والتهريج بالعربي مع الإنجليز،،، وغزاي بعكازاته وفنيلة الهلال تحمل رقم 9 وأنا يعني أمشي الحال ومليكة لا بأس بها،،ولكن شوشتها المنفوشة لكم عليها،،،،، في البداية رفض الحراس دخولنا وتعذروا بعدم لبس غزاي و معاشي للكرفتة واللبس اللائق،،،،لكن مليكة النصابة ضحكت على الإنجليز وأدعت أن "معاشي" و "غزاي" فنانين ورسامين سيرياليين لا يشق لهم غبار قادمان من بلاد الشرق،،، فأفسح الحراس لنا الطريق وفتحوا جميع الأبواب الموصدة وحيونا ورافقونا للداخل حتى أنهم أجلسونا على طاولات مميزة,,,,,وهذه من الأشياء التي تعجبني بشدة في هذا البلد العريق،،،، فهنالك نظام وهنالك لبس معين لإرتياد بعض الأماكن وبرتكول لا يمكن التنازل عنه لكائن من كان،،،، ولكن دائماً يستثنى الفنانين والموهبين مثل الرساميين والنحاتيين والموسيقيين والذين يفكرون دوما خارج المؤلوف من تلك الأشياء لأنهم يعتبرون أن عقولهم هي ثروتهم ولا ينظرون إلى أشكالهم أبداً.... ونحن في الشرق نحكم دوماً على الشخص من لبسه،،،، فكم مرة رأيت رجلاً يلبس الثياب الجميلة والبشت الملكي وما أن يتحدث حتى تلعن اليوم الذي جمعك معه وجعلك تضيع وقتك في الإصغاء إلى جهلة المركب........أذكر لما دخلنا "زينون كلوب" أن أبدى لي "غزاي" والذي كان يسمي كلوب زينون "كوب زيتون" حرفنة عالية بالتزامه بأتيكيت مائدة الطعام،،،من أين يبدأ وماذا يطلب وأي كوب على الطاولة هو الخاص به دون غيره،،،،،،، فقد طلبت لي Sirloin Steak ،،،،وطلبت له طبق فوتوشيني الايطالي اللذيذ لعله يرتقي بذوقه في الطعام،،، وعندما أتى طلبي قبله وهو الإستيك،،،، سحب الصحن ناحيته وحاول تقطيعة بالشوكة والسكينة وعندما يئس من ذلك، قام وأنا أتابعة بدهشة بأكله بكلتا يديه،،، ودون أن ينتظر طلبه طبق الفوتوشيني ،،وعندما أتى طلبه لاحقاً أخبرني أنه كان يعتقد بأن الإستيك كان مجرد مقبلات،،،،،فقلت له والله الشرهة مهي عليك ،، الشرهة على الأمير إلي صدمك وجابك هنا،،، المفروض قضى عليك،،،أو عالجك في مستشفى الشميسي ... خخخ،،،،

ومع مرور الأيام لاحظت أن مسيو "معاشي" بدأ يتمادى في اللهو واللعب وكأنها ردة فعل من الحرمان الطويل الذي عاناه خلال "سنوات الشعير" وزبائنه من تجار الغنم الأجلاف الحفاه،،، وكيف لا ،،،وقد ودع أحواش الخرفان ورعيانها والزرائب المنتنة على غفلة من الزمن،،،وهاهو يتمخطر في جنبات حديقة جيمس بارك بجوار قصر الملكة اليزابيث ملكة انجلترا وحول بحيرتها التي تسبح بها جميع أنواع الطيور من الأوز والبجع والسناجب الوديعة تقفز أمام ناظرية بدلاً من الجرابيع والضبان،،، ويسمع بإذنيه خرير الجداول الرقراقة والخضرة الدائمة والأشجار المتهادية والحمام يرفرف فوق خشمة الذي كانت تعافه الذباب،،، والطامة الكبرى التي لم يحلم بها يوماً ما هو أن يرى بنات الإنجليز الشقروات تحطن به من كل صوب ،،،بعد أن يئس من جلبة قطعان الأغنام والإبل....بل أن الحال وصل به إلى أصبح يزدري وينتقد الشعير وينتقص منه وهو مصدر رزقه الوحيد والذي جعله يلعب بالأموال كأنها ورق في يديه في أسواق وحانات لندن،،، وأخذ يقارن بين خرفان الإنجليز التي تأكل من الأعشاب الطبيعة ومياه الأنهار،،،، وقال بكل صراحة،،، إن ما تأكله الأنعام لدينا هو ماهو إلا خشاش الأرض ونفاياته،،، وأن لحم الجرابيع هو أنقى من لحوم الأغنام لدينا،،،........،،، آلآن تقول هذا الكلام يا معاشي..!!!!؟؟؟

لكن لأن المراهقة في الكبر أخطر منها في الصغر فقد وقع "معاشي" في شر أعمال مليكة المغربية،،، ففي يوم من أيام لندن الجميلة،،، كنت سائراً نحو المطعم الصيني للغداء مع قاسم اليماني،،، ورأيت معاشي في محل الذهب متأبطاً مليكة يبتاع لها بعض الحلى الذهبية فاغراً فمه كالأبله ويوزع الإبتسامات لأصحاب المحل والزبائن وكذلك الناس الذين يمرون في الشوارع.... حييته وقلت لقاسم أجزم أنه وقع ضحية لها ولن ترحمه مليكه ولن تتركه حتى تسلب منه ما قيمته محصول عام من الشعير....، دخلنا المطعم ونحن نرقبهم في الجهة المقابلة،،،، ورأيناه يتجه لشقتها في نفس العمارة وهو يحمل بعض من الهدايا وأكياس مليئة بالعصيرات لزوم السهرة..بعد الغداء قررنا أنا وقاسم أن نذهب لشقة مليكة وكأننا لا نعرف أن عندها أحد في الشقة. فتحت لنا مليكة الباب ونظرت إلينا نظرة إزدراء وكأننا شحاتين على الباب،،،، وقالت "فووووووتو" يا حــوالــة،،، لم أكن أعرف معنى حــوالـــة باللهجة المغربية آنذاك،،،واكتشفت بعد عشر سنوات بأن معناها "خــرفان" حسبي الله عليك يا مليكة أثر عليك معاشي أبو الشعير فأصبح ضيوفك خرفان،،، ما علينا،،،،دلفنا إلى الصالة،، وإذا بمسيو معاشي يرمقنا بنظرة أكثر إزدراءً وغيضاً وكأننا أيتام اقتربنا من طاولة لئام،،،،،،،،،،،،،،،بيد أن فضاوتنا ولقافتنا وحب المغامرة كانت هي الدافع لأن نكون ضيوف عليهم ولو بالقوة،،،وبنخرب بنخرب،،،، وإلي يحصل يحصل...

عملت لنا مليكة شاي مغربي لم يشرب منه قاسم شيء،،، وقال "يا قني "جني" إنت تثق في هذه المخبولة تحط لك منوم وإلا سم" ضحكت عليه وشربت الشاي بعد أن سميت بالله الرحمن الرحيم... لما ذهبت مليكة إلى التواليت ذهبت للمطبخ المقابل للبحث عن سكر، حيث كان الشاي سكره ناقص......وعندما فتحت الدرج تفاجأت بزجاجات معباً فيها ضفادع وثعابين داخل زجاج في مادة مثل الزيت خضراء اللون،،،، وأخرى أشبه بعروق الأشجار الصغيرة والأعشاب الغريبة.....اشمئزيت من المنظر وأقفلت الدولاب في نفس الوقت الذي دخلت فيه مليكة المطبخ،،، وسألتني عما أبحث فأخبرتها عن السكر وأحضرته لي على مضض.

طلبت من قاسم الخروج وودعناهم وأخبرت قاسم ونحن في المصعد عما رأيت في الدولاب ،،،،فقال "ما قلت لك يا قني هذي الحرمة مشبوهة والله إنها سحرتكم اليوم؟؟؟" الله يعينك يا نديم،،،،،!!!! نزلت كلمات قاسم علي كالصاعقة وتعكر مزاجي بسرعة وفارقته لأذهب إلى الشقة لأرتاح بعض الشيء بعد أن شعرت أني لست على ما يرام بعد أن شربت من شاي مليكة،،،،، وفي الطريق نحو الشقة بدأت أقرأ بعض آيات القرآن الكريم الخاصة بالسحر التي أحفظها عن ظهر قلب ،،،، وفعلاً،، أو قد يكون ذلك كله نفسياً كما أعتقد الآن،،،أو أنها وضعت في الشاي بعض المخدارت والله أعلم،!!!،،،،، أحسست وكأني يئست فجأة من الحياة وكل شيء حولي أصبح مخيف ولم أشعر قط بعدم الآمان مثل ذلك اليوم من عمري،،، حتى نظرات الناس لي أصبحت أشعر أنها تؤنبني وتقول لي أنت مذنب يا نديم ،،، أنت أسئت إلي كثيراً يا نديم،،، بالرغم من أنهم أناس أراهم لأول مرة في حياتي،،،شعور غريب بالذنب والدونية دون سبب واضح،،،، حتى أني شعرت بأن عواميد الإنارة تنتظر اقترابي لتهوى على رأسي فتقتلني،، فأتحاشى المرور من جنبها وأهرب للرصيف المقابل،،، حاولت أن أقاوم وأضحك بأعلى صوتي وأقول أنني دوماً سعيد،،،بل أني أسعد الناس في لندن،، فخرجت من ضحكة متقطعة لا معنى لها،،، وتحولت نهايتها إلى حشجرة فبكاء وأنين حزين,,,, لو سمعها انس أو جان لبكى معي دون أن يسأل عما بي...!!

ذهبت نحو الفراش ونمت وأنا وجل وخائف حتى من سماع صوت العصافير الذي يأتي من شباك غرفة النوم،،، وبالرغم أني لست متعوداً على النوم في أوقات العصريات،،، إلى أن النوم تمكن مني بسب ما أحس به من تعب وإرهاق،،،،،وبدأت الكوابيس تتلاقفني فأرى نفسي وأنا أتوضاً في مكان نجس، عدم المؤاخذه،،، وكلما أحاول أن أنتهي من الوضؤ وأصل لقدمي في نهاية الوضوء أبدأ من جديد في المضمضة فأنسى ترتيب الوضوء،،،،،،،،،،،،،،،،،،وحول قدماي ثعابين وكلاب في نفس المكان النجس. ...

ومن عادتي منذ كنت صغيراً عندما يمر علي كابوس أثناء المنام،،، وعادة يكون كابوس بسيط، ليس كمثل كابوس ذلك اليوم،،، أن أبدأ وأنا نائم بقراءة آية الكرسي فأشعر بالطمأنينة وينجلي عني أي حلم مزعج مهما كان،،، لكن هذه المرة لم ينجلي أبداً ،،،،، فصحوت فزعاً من النوم وأنا أحس كأن جبلاً على جسمي وشقي الأيمن من الأعلى حتى أخمص قدماي متنمل وشبه مشلول ،،،،، بصقت عن شمالي ثلاثاً،، واستعذت بالله وانتظرت حتى أفقت تماما ونظرت إلى الساعة فعرفت أن صلاة العصر قد فاتت منذ زمن بعيد،،،، فأتجهت متثاقلاً إلى الحمام لأتوضاً وكأني قد نمت مع أصحاب الكهف،،،، فتحت صنبور المياه فتدفقت المياه الباردة وفتحت الصنبور الأخر الدافيء وخلطت الماء بيدي بسرعة حتى تتوازن حرارة الماء،،، وهذه عادة غريبة من عادات الإنجليز أن يكون كل صنبور يعمل لوحده دون وجود خلاط رغم حاجتهم أكثر من غيرهم لوجود خلاط بسبب برودة الجو معظم أيام السنة,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,خلطت الماء وغسلت يداي وتمضمضمت وغسلت وجهي وعندما هممت بغسل يداي حتى المرفقين،،، نظرت لصورتي في المرآة فلم أجدها أمامي،،،،ووجدت صورتي بعيدة وأنا أجلس في أقصى الحمام ،،،، جحظت عيناني وحاولت أن أستدرك ما أرى فنظرت مرة أخرى لأرى صورة طفلة صغيرة بدل مني تنظر لي بنظرة غريبة كنظرة الموناليزا، ،،،، كدت أجن من شدة الرعب وهربت من الحمام وأنا أكاد أحس أن شعر رأسي سيطير مني بسبب الخوف والرهبة واتجهت لخارج الشقة وعدوت نزولاً نحو الأسفل وقابلني البواب السكير "آلتون"،،، وسألني ما الخطب،،،هل هو حرامي أم حريق في الشقة،،،،،لم أجبه وخفت منه هو الأخر،،،، وعندما وصلت للشارع استدركت أن الناس ستعتبرني مجنوناً إن واصلت العدو دون هدى،،،ففكرت بالعدو نحو أقرب صديق لي في الكوينز واي،،، واتجهت لمطعم رمضان الذي يعمل فيه زميلي المصري في مدرسة اللغة حمدي المصري،،، وسرعان ما وصلت المطعم ودخلت حافي القدمين نحو المطبخ الداخلي وكان في وقتها مشغول في تقطيع الخضروات،،، فهاله منظري وتسائل قبل أن أتحدث،،،،"أخوك قرى له حاقة يا نديم****قلت لا يا حمدي أنا إلي جرى ليه حاجات أنا تعبان يا حمدي،،،، العفاريت تلاحقني ،،، أكاد أن أفقد عقلي،،،، أجلسني حمدي وأحضر لي كوب من الماء وسمع الحكاية كلها فلم يستسغها وقال بكل رجولة وشهامة أعادت لي توازني ،،،،قم معاي،،، قلت له وين يا حمدي،،، قال نروح الشقة،،، قلت معقولة نروح الشقة،،،،، رد علي وقال،،،إلي تخاف منه إبدأ فيه،،، وفعلاً أحسست بقوة داخلية ومقاومة بدأت تدب في أعماقي،، مهما كانت صغير،،،فقد كنت أحتاج ذرة منها في ذلك الوقت،،،، وأحضر حمدي معاه سكينة ،،، فضحكت رغم الفزع وقلت بتقتل عفريت بسكينية يا حمدي،،، رد ،،، لا يا نديم،،، إحتياط بس....وصلنا الشقة وكان البواب يقف عند بابها يحرسها بعد أن تأكد من عدم وجود سؤ فيها،،،، وتجولنا في الشقة وأشغلت سورة البقرة بصوت الشيخ علي جابر ولبست ملابسي وأتجهت لأخي بعد أن شكرت حمدي وأطمأنت نفسي بعض الشيء.

وصلت لأخي وقرأ كالعادة مافي عيني وسألني ما الخطب،،، فقصصت عليه القصة بحذافيرها،،،، وكان أخي يوماً من يؤم الناس في أحد المساجد في مدينة العمال رغم صغر سنة ويقرأ على من به ضرر من وقت لآخر،،،، فقرأ علي بعض الأيات فتذكرت وأنا أصارع الألم الداخلي سخريتي على بريصة يوماً من الأيام عندما قرأ عليه أخي،،، وأحسست أني أنا من يتلوى في مكانه وبكيت والله بكاء مثل الأطفال وأحسست بألم في جانبي الأيسر من البطن وكلماته التي لم أنساها "اصبر وابشر بالخير يا نديم،،، اصبر قليلا" ثم يعاود القراءة،،،،، حتى أنهكتني القراءة ونمت على الكنبة التي بجانبه نوماً عميقاً دون شيء يذكر هذه المرة،،غير أنه أخبرني أنه كان يرتعش جسمي"أنز" بين فترة وأخرى وأنا نائم... وعندما استيقظت أحسست براحة كبيرة ولكن النوم ما زال يغالبني، فأشار علي بأن أذهب لأحد غرف المستشقى المجاورة والتي لا يوجد بها أحد وأغلق على نفسي الغرفة وأقرأ سورة البقرة ثلاث مرات لمدة ثلاث ساعات متواصلة....................ولله الأمر من قبل ومن بعد،،،،،،،،،،،،،،،،،،،والحمد لله،،،، فقد خرجت من الغرفة وكأني قد شحنت بطاقة إيمانية وثقة بالنفس وسعادة تكفي عشرة رجال،،،، وضحكت من تصرفي الجبان الذي قمت به وأقسمت أني سأنام لوحدي في الشقة رغم اعتراض أخي الشديد والذي طلب مني بأن أنام معه في المستشفى هذه الليلة على أقل تقدير..........

بعد أن زالت الغمة بدأت أقترب من الله أكثر وأحافظ على وردي وأتمعن في الآيات التي أقرأها في اذكار الصباح والمساء،،،، فهدأ روعي كثيراً والحمد لله،،،،،،،،،،،،،لكن مازال معاشي في ورطه وكان من واجبي أن أمد له يد المساعدة ما أستطعت،،،، فقد لحظته في يوم لاحق من شباك شقتي وهو يقوم بإنزال جميع الأجهزة المنزلية التي اشتراها من شقته فنزلت مسرعاً نحوه وألقيت عليه التحية وتفحصت وجهة فعرفت أنه في خبر كان وسألته أين سيذهب بهذه الأجهزة،،، وأتذكر كلمته إلى الآن ولها نحو 24 سنة "هذي الأجهزة بوديها لحبة القلب مليكة الكيكة" فعرفت أن مليكة قد تمكنت منه وأنا بدأ يعمل استربتيز لشقته ونقل كل محتوياتها في جنح الليل وأطراف النهار لها،، فقررت الذهاب مع حامد المصري وقاسم اليماني وفارس الإيراني لشقة مليكة في وقت لاحق عندما يختلي بها معاشي لنرى ما وصلت له الأمور بأعيننا....وصلنا بعد أن تأكدنا من نافذة المطعم الصيني أنه دلف نحو عمارة كوينز كورت،،، فطرقنا مرة أخرى الباب بعد أن قرأنا كل الأيات والسور التي نحفظها مراراً وتكراراً، ففتحت الشريرة مليكة الباب لنا وعندما رأتنا كشرت عن وجهها وحاولت طردنا ولكنا دخلنا بقوة فهالنا ما رأينا،،، ويا خسارة ويا حيف على الرجال،،، فقد كان "معاشي" فارس الشعير المتخلف يربط وسطه ويرقص ويتمايل على أغنية "اتمخطرى يا حلوة يا زينة، يا وردة من جوه جنينة."وهو غائب عن الوعي تماماً،،،، وعندما رأنا لم يستح على وجهه بل دعانا بكل بجاحة مشاركته الأفراح وهو يقول "عيشوا ليومكم يا شباب لا تضيعون عمركم مثلي وأنا ألهث خلف الشعير والبعرة والبعير...!!!!"" ،،،،نصحناها وأخبرناه أن مليكة ماهي إلا ساحرة شريرة تقوده للتهلكة،،،،، لكنه غضب منا وفك الحزام عن وسطه الأغبر،،،،،وقال "أننا مراهقين صيع وأطفال نتدخل فيما لا يعنينا،، وأنه غلطان إلي أعطانا وجه من البداية"،،،، فتأكدنا أنه لافائدة من الحديث مع، فتوجهنا لمليكة وأغلظنا الحديث معها "صايرين هيئة على غفلة" وهددناه بأنا سنعاقبها بأيدينا قبل أن نشتكيها،،،،فردت لمن ستشتكوني للبوليس،،،، قولوا للبلويس أني ساحرة،،،، هل تعتقدون أنه سيصدق قصص الشرق الخيالية،،، ولعلمكم توقف حرق الساحرات في أوربا من القرن السادس عشر،،،،برا،،،،برا،،،،!!!!!!!وصرخت علينا باعلى صوتها بأنها ستسحقنا وتحطمنا تماماً إن لم نخرج،،،، تحديناها وقلنا لها لو كنت رجلاً لأوسعناك ضرباً وكسرنا عضامك، لكن ستعلمين من يضحك أخيراً أيتها الساحرة الشريرة القبيحة،،،،،.

أخبرت لاحقاً الأستاذ عابد وأخي عن مصيبة "الراقصة الجديدة على الساحة،،،معاشي" وما آل إليه حاله من التردي وأنه يحتاج للمساعدة منا بأسرع وقت ممكن خاصة أن زوجته المسكينة تعاني من المرض وتحتاج رجلاً حريصاً يرعاها كل الوقت وأخر ما تحتاجه رجل مسحور يهز وسطه عند النساء،،، وكان الرأي الأول أن نخبر السفارة السعودية في لندن، أو أي أحد من أقربائه يمكن أن نصل إليه عن طريق زوجته ،،،، ولكن لم ينتظر الأستاذ عابد العتيبي أحداً وسحب معاشي بكل قوة من عند زوجته وأحضره إلى أخي وقال إقرأ عليه ،،،، وعندم أعترض معاشي أمسك به الأستاذ عابد بكل قوة وطلب مني أن أساعده،،، وبدأ أخي يقرأ عليه وكانت حالته يرثى لها ولا يمكن وصفها من سوؤها،،،،،،، وأستمر أخي في القراءة عليه مدة أكثر من أسبوعين،،،، هدأ بعدها معاشي،،وبدأ يستعيد توازنه ويذهب للمركز الإسلامي للصلاة في معظم الأوقات،،، وحلف وأقسم بعدها بأنه لنا لن يسير في الطريق الموحل الذي وقع فيه مرة أخرى،،، وعاد عوداً حميداً وتأكدت من ذلك عندما اشترى ثلاجة ومايكرويف وتلفزيون وفيديو من جديد، وبدأ يثني على الشعير السعودي المجفف ويجزم بأنه أفضل من العشب الإنجليزي الطبيعي ،،،لأنه يضيف نكهة سرية للحم الخرفان النعيمي والنجدية وطز في خرفان الإنجليز...

يتبع.

منصور العبدالله
16-07-2010, 03:54 PM
اهلا اهلا اخوي نديم الهوى


الحمد لله على السلامة والرجوع


اسعدني تواجدك يالغالي


وفي الحلقة التاسعة عشر


نعود لمتابعة ذكريات حملت في طي ايامها الماضيه الدموع والابتسامات


فأهلا بنديم الهوى من جديد


( التثبيت بواسطتي )

مشاري بن نملان الحبابي
16-07-2010, 04:55 PM
حلقة أكثر من رائعة ..

الله كفاك من شر السحر ..

في انتظار الحلقة القادمة ..

منصور العبدالله
16-07-2010, 05:06 PM
اشكرك اخوي مشاري بن نملان


على حرصك ومتابعتك الدائمة


مشرف رائع ويعمل رائع ويكتب روائع


وفقك الله

نديم الهوى
05-08-2010, 08:24 AM
الحلقة العشرون

وبعد أن نجحت خطتي في مع الشريرة مليكة وتمكنت بمساعدة قاسم وفارس وحمدي انقاذ تاجر الشعير المتهور "معاشي" من براثن تلك الساحرة الشمطاء، دخلت مزاجي شغلة "الهيئة" وعرفت إنها شغلة مسلية وبسيطة لا تحتاج إلى High Tech أو أية مؤهلات،،، فأصبحت"والله وتالله وبالله " ،،،،، لا ،،،لا،،، صدق والله ما أكذب عليكم،،، أصبحت، بل أني أمسيت كذلك آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر في مدينة الضباب لندن ،،، وركزت في البداية عمليات المداهمة في الفترة الصباحية في شارع الكوينز واي الشارع الذي أسكن فيه، وخاصة عند بار "برنس الفرد" المقابل لسوق "الوايت ليز" الذي كان مغلقاً تلك الأيام وحيث يكثر الإختلاط والخلوة المشبوهة،



،، ،،، أما فترة المساء فركزت أكثر على شارع الإدجوررود في طريق عودتي من زيارة أخي اليومية ولوجود الكثير من العرب يتجولون بثيابهم البالية وهم صيد ثمين للغواني،،،،،. والذي شجعني لذلك هو عدة عوامل ،، دينية في أساسها plus، لقافة،، وشباب،،وحب التسلط،،، وقد كنت محظوظاً "كرجل حسبة تحت التمرين" عندما تزامنت مبادرتي مع ظهور مرض خطير وفتاك في تلك الحقبة من الزمان الغابر،،، ألا وهو إكتشاف مرض "الإيدز" لأول مرة وانتشاره كوباء مع بداية العام 1985، حيث أصبح المرض الشغل للصحافة البريطانية والعربية ،،، وحديث الساعة لكل إثنين إجتمعا صدفة أو على ميعاد في لندن



وللحقيقة وللتاريخ، فقد كنت محتسباً واقعياً في فرض تلك الشعيرة المهمة،،، فطبقتها على العرب والمسلمين،، ولم أكره اليهود ومن هاودهم والنصارى ومن ناصرهم،،،ولا أصحاب الديانات الوثنية الأخرى كالبوذية والهندوسية والتوسيمية التي تعج بها لندن ،،،،،، فقد كنت في جولاتي الميدانية أسير راجلاً وبدون "الجمس" في إدجوررود مثلاً،، ،،،وعندما أرى غانية تتحدث مع خليجي أبله،،،،، أختلي بالخليجي فأخبره بأن هذه الفتاة مريضة بالإيدز ومن الأفضل له أن يبتعد عنها ليحفظ نفسه من الهلاك وغضب الله عليه أيضاً،،،، فيكفهر وجه الأبله ويشكرني من أعماق قلبه،،، ويتوارى سريعاً من المكان،،،، أما الفتاة فإن تلكأت،، وحاولت الاستفسار عن سبب لقافتي، وتطفيش الزبون،،، فأخبرها بكل ثقة بأني قد خدمتها من حيث لا تدري،،، فالشخص الذي كان في معيتها قبل قليل، ماهو إلا رجل يعاني من إنفصام الشخصية وسفاح هارب من حكم صادر غيابياً ضده في بلاده وقد يتحول من شخص وديع إلى وحش كاسر في أية لحظة معاها،،،وقد أخبرته بأنك أنت من الشرطة السرية البريطانية لكي يدعك وشأنك،،، وهذا يفسر فراره السريع منك،،،،،..............وكما أذكر الآن،،، فقد نجحت هذه الفكرة لدرجة لا بأس بها في بدايتها وحميت الفضيلة ما استطعت لذلك سبيلاً في "زون وان،،،منطقة رقم واحد في لندن"،،،،،ولكن بعد مدة قصيرة، أقل من أسبوعين فقط وللأسف الشديد،، انكشف أمري،،،وتأكد الجميع بأني لست بعضو رسمي في الهيئة ولكني متعاون غير شرعي معها،،،ولا أتبع لأي من المراكز الرسمية ،، ولا حتى هيئة حفر الباطن،، أو هيئة طبرجل ،،،فطفقت الغانيات يحذرني من التدخل في شؤونهن وتطفيش الزبائن،، وإلا فإن عقابي سيكون قاسي جداً،،،،،،،،،،،،،، وفي الحقيقة أذكر أني في محاولة يائسة للمضي قدماً في المشروع النبيل،، أن جربت تغيير في الخطة وتحسين نوعية الخدمات التي أقدمها بالمجان،،لتكون الجودة أشمل،،،فأدخلت بعض التعديلات فأضفت إلى نشاطي الحسبوي،، مهمة أخرى وهي مكافحة التسول ،،، "والله ما أكذب عليكم "، فكنت أصد جميع من يحاول من الشحاتين العرب أن ينصب على الخليجين ويطلبون منهم أموال كمساعدة بحجة ضيق ذات اليد والرجل،،،،، وقد كان جل الشحاتين الذين لاحقتهم بلا هوادة،،وأصبحت حقنة لهم بمعنى الكلمة،،،، وأطلع لهم من تحت الأرض قبل أن يخرج الخليجي يده من جيبه فيمد لهم الدراهم،،، فهم شاحتين دجالين ونصابين درجة أولى،،، ينصبون على الخليجي الغشيم الذي يسير عادة كالفقمة في شوارع لندن،،، خليجي بداية الثمانينات التعيس الأبله،، الذي هبطت عليه الثروة فجأة فوجد نفسه بين ليلة وضحاها في فندق الدروشستر الوثير يتنعم بالحياة الباذخة ،،،،،،أذكر مرة حكاية خليجي قديمة،،وصل لندن عام 85،،ونظراً لإسلوبه الدفش وقلة ثقافته بأن عاملة موظفي الفندق بقليل من الإحترام ،،،بل بالإحتقار الشديد،،،،فقام من شدة غيضة فأشترى الفندق ليس لأن الصفقة مربحة ولكن عناد ونكاية بالعاملين الذين لم يعطوه وجه،،،واحتقروه،،، وقد كتبت الصحافة البريطانية في حينه الكثير عن ذلك الخليجي محدث النعمة،،،،،ما علينا،،،نرجع للشحاتين،،،،،،، فقد كنت أرى هؤلاء الشحاتين لاحقاً،،، وبعد ساعات دوامهم الرسمية،،، من خلال حياتي اليومية وهم يتسوقون من نفس المحلات التي أتسوق منها،،، ويأكلون من نفس المطاعم الجميلة التي آكل فيها، بس الفرق أنهم يأخذون الطلب سفري،،، مستعجلين حسبي الله عليهم عشان لا يطيرون الزباين،،،،،،،،،،،لذلك كنت متأكد بأنهم نصابين،،، فكنت أحذر الخليجين منهم في كل شارع،، وعند كل مطعم أو مقهى،،،...............ولكن عندما طفح الكيل بغانيات لندن وشحاتيها من العرب المستعربة،،، اتحدوا جميعاً وكونوا "حلف الفجار" ضدي،،، فأحاطوا بي يوماً ما بجوار "ملهى الرمال" في ادجورروود،، والذي كان يعود ملكيته للفنانة الكويتية المعتزلة "ليلى عبد العزيز"،، ومن أشهر أغانيها القديمة الجميلة ،،،"وش علامك يالاسمرانيه، وأغنية يامسافر سلملي على الكويت ، وكذلك، أستحلفك بالله ما تسيبني بحالي" وكانت تعلق صورتها أمام الملهى طول مدة بقائي في لندن وهي ترتدي "الهامة"،، وهو الذهب الخليجي الذي يوضع فوق الرأس ويتدلى مثل خصلات الشعر"،،، الفنانة ليلى اعتزلت الغناء الآن وهي تعيش في جدة مع ابنتها،،، والكزينو اندثر الآن وتحول إلى "كازينو رنوش"،،، بجوار مطعم رنوش كذلك،،، الملاصق للكوافير النسائي اللبناني حالياً,,,, المهم يا أحبتي،،،،،، تحلق حولي الشحاتين من كل صنف والغانيات من كل لون،،، فإذا نظرت نحو اليمين،،نحو الشحاتين،،، فتنسد نفسي من الوجيه الكالحة القذرة والشعور المنكوشة والملابس الممزقة،،كأنهم خاريجين من تحت أنقاض عمارة هوت على رؤوسهم،،، لكن إن نظرت ناحية الشمال،، فأشاهد أحلى الخصوم بعيون كحيلة وجمال مغربي آسر وفتان،،، وفساتين سهرة براقة وروائح عطرية جذابة،،، فأسقط بيدي كيف يمكن أن أتعامل مع نقيضين في وقت واحد،، وأية لغة يمكن أن تحاجج وتلاجج هذا الجمع المتنافر،،،،،،،، وأدركت أني في معضلة وورطة لايمكن حلها ،،، وعذرت والله رجال الحسبة عندما يقعون في مواقف لا يحسدون عليها،، كما رأيت لاحقاً ً في الملاهي والمنتزهات عندما يتعارك رجال الحسبة وتدخل النساء والولدان في المناوشات الدائرة ويحمى وطيس الصولة الجهادية،،،،،،،،، بيد أن إحدى الغانيات إنبرت فقالت لي بكل وقاحة،،،،يا أخي "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق،،،، بتتركنا نشوف رزقنا وإلا بنتصرف معاك تصرف ثاني"،،، صمت لبرهة ثم أطلقت ضحكة بلهاء وصفراء،، لا معنى لها وأكدت لهم بأنني كنت أتسلى فقط بالتخريب عليهم،،، وتماديت بفعلتي التي فعلت عندما أعجبتني التجربة،،، خاصة وأن الجميع كان ينصاع لأوامري بطريقة غريبة،،، بس خلاص،، توبة،،،، والله توبة ما عاد أعودها مرة ثانية،،، وقررت الإنساحب وتوديع المهنة إلى مالا رجعة واعتذرت من الغانيات بأدب جم والدعاء لهم بالستر وأن يتوب الله عليهم،،، ثم أدرت بصري نحو الشحاتين وبصقت في وجيهم،،، لأن الغانيات أشرف منهم ألف مرة،،، وسرعان ما قدمت استقالتي من فوري إلى نفسي وقبلتها دون تردد،،،،وبناءً على طلبي كما جرت العادة،،، وتركت اللقافة التي لم أجني منها سوى التسلية ومضيعة الوقت ،،،،،. ولكن بقي شيء واحد مهم للغاية،،وذلك لحفظ الحقوق الأدبية الخاصة بي،،، وهو أنه إذا ما قدر الله عز وجل،،،ودخلت جحافل القوات السلفية المؤزة إلى لندن وافتتحتها وضمتها كولاية تابعة لأمة الإسلام،،، بمساندة من الطابور الإسلامي الخامس الذي تغلغل وعشعش في بريطانيا منذ زمن،،،،، ولا أستبعد أن يكون عام الحسم بحدود العام 2040 على أبعد تقدير، أن تنسب لي وبكل تواضع أنا محدثكم "نديم الهوى" بأني أنا أول من أقام شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عقر دار الإمبريالية الغربية ،،لندن،،،،،على أن يسجل اسمي بالمحتسب الأول في سجلات "المملكة المتحدة الإسلامية"،، وحبذا لو كرمت بتمثال بسيط لن يكلف خزينة "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،،فرع نايتس بردج" الكثير من المال،،، نظراً لوجود الأساس مبني وجاهز في ميدان الطرف الأغر "Trafalgar Square" ،،،، فيمكن فقط تحطيم تمثال الأدميرال اللورد نيلسون الذي يقع في أعلى السارية في ساحة الحمام أو سحبه بسلسة تربط في طرف صدام "جمس الهيئة الخلفي" لكي يهوى نحوى الأرض، ويستبدل بتمثال لي شخصياً وأنا أتمنطق بالبشت الملكي بدل جاكيت نلسون الكالح، وأستعيض بخيزرانة عليها القيمة،،،بدلاً من سيف الولد نيلسون الصديء المعقوف.



************************************************** *************************

في أحد الأيام كنت أعود أخي بعد أن أعددت له وجبة برياني أصفهاني تعلمتها من حمدي المصري الذي يعمل في مطعم رمضان،، كان الإنجليز يشمون رائحتها الشهية وأنا في طريقي إليه في قطار الأندرقراوند،،،،سالكاً خط السنترال لاين ذي اللون الأحمر،، من محطة كوينز واي، إلى محطة لانكستر قيت، ثم محطة ماربل آرش وأخيراً محطة أكسفورد ستريت التي تقع عند مفترق ريجنت ستريت واكسفورد ستريت، ومنها أكملت طريقي مشيا نحو هارلي ستريت كلنك،،وهي رحلة جميلة أحببتها لأنها أقرب للنزهة وفيها اشاهد يومياً أطياف غريبة وجميلة من البشر كل منهم ماضي لغايته ويبحر بهدوء في عالمه الخاص،،، وكان ركاب الأندرقراوند الإنجليز البيض في تلك الأيام يشكلون أكثر من 90% من عامة الركاب،،مع وجود القليل من الإنجليز السود من أصول أفريقية،،،، ولكن الآن عندما أركب الأندرقراوند أجد ان نسبة الإنجليز لا تصل حتى خمسين في المئة خاصة في منطقة السنتر،، فقد زاد الأسيوين بشدة،، والأفريقين والعرب الصينين وكل الملل،،،،...



عندما دخلت على أخي وجدت عنده شخص غريب الشكل واللباس،، فقد كان بدينا بالمرة وجاحظ العينين وشنباته مفتولة وفيه حمرة وترهقه سمرة،،، ويرتدي ثياب عربية لم أعتد رؤيتها من قبل،،، عرفت لاحقاً أنها عراقية،،، فثوبة رصاصي ذي لمعة،، مطرز عند الأكمام وعند الأزرار كمخدة قديمة،،، وعقاله سميك وشماغه أسود وأبيض،،، ويلبس بشت يسمى "خاجية"،،فحييته وتعرفت عليه وعرفني باسمه "طلفاح" وأخبرني أخي بأنه قريب لصدام حسين حاكم العراق السابق وأنه في زيارة لأحد أفراد عائلته الذين يتلقون العلاج في لندن،،،،كان الرجل ثرثاراً مهذاراً ويلهث طوال الوقت دون أن يحمل أحد على عاتقه شيء،، ويكثر الحديث في السياسة طوال الوقت الذي جالسته فيه،،، وذكر لنا قصص وحكايات طويلة عريضة،،،وأسماء لم أكن أعرفها في حينها،،،مثل ،،، نوري السعيد،، وعبد الكريم قاسم،،،،وشكري القوتلي،،،، ولكن أغرب شيء سمعته منه، لا فض فوه، بأن الرئيس جمال عبد الناصر، رحمه الله، أصله يهودي من جهة أمه،،،،. لذا لم أعره إهتماماً يذكر خاصة أنه أزعجني بصوته الجهوري ووقاحته وهذرته وكأنا في محاضرة سياسية،،، والي سد نفسي أكثر وجود غمص في كلتا عينية زاده دمامة على دمامته،، وأضنه مرض وليس غمص عادي يمكن أن يزول بغسل الوجه. وكان قد وصل لندن في نفس الفترة التي وصل فيها طلفاح،،كهل كويتي للعلاج يرافقه كهل آخر أكهل منه،،، المريض الكهل اسمه "فهيد" والمرافق "سعدون" انضما إلينا عند أخي وكانا سعيدين جداً بحديث السعدان "طلفاح" وهو يسرد عليهم بطولاته وتحليلاته السياسية لتاريخ كفاح العرب الحديث،،، "فهيد" المريض الكويتي أخبرنا طبيبه المعالج،،بأنه يحتاج فترة علاج لمدة 15 يوم فقط ثم يعود للكويت بسلامة الله،،، "سعدون" المرافق كان متقاعد من الجيش الكويتي،،، وكان يقول لنا كما أذكر،،،،"والله يا جماعة الخير إني دخلت العسكرية في الكويت وخدمت فيها ثلاثين سنة،،، وتقاعدت ولا أدري وش السالفة ولا عرفت شيء عن العسكرية" خخخخخخ ، والله ما ظلمته هذا كلامه بنفسه "الشاويش سعدون"،،،،،،،،، "...أما طلفاح" فكان فقد واصل حديثة حتى بدأ بالحديث عن اليهود،،فأخذ يشتمهم،،ويؤكد لنا بأن اليهود جبناء رعاديد،،، وأنهم يخشون مواجهة العرب كخشيتهم مواجة الأسود،،، فتدخلت بعد أن طفح بي الكيل من جهله المركب ،،، وبينت له أن الإنتقاص من الآخرين والنفخة الكذابة هي أهم أسباب هزائمنا المنكرة المتكررة ،،، واننا شعوب فالحة بس بالكلام،، وقد صدق من قال بأن "العرب ظاهرة صوتية" وعالة على الأمم،،،،،واسترسلت مستهزءاً ،،والله واضح إن كلامك صحيح يا شيخ طلفاح،،، والدليل حرب 48 إلي شردت نصف الفلسطينين وبعثرتهم بين دول العالم كلاجيئين إلى يوم الدين،،، و لا تنس ياحبي النكسة ،، وحرب الأيام الستة، ،، وأننا ونحن22 دولة ما عندنا غير الزعيق والنعيق الفاضي ولم نستطيع يوماً تركيع إسرائيل،،،،،،،،،،،،،،،فأحمرت عينا طلفاح وكادت تنفتق أزراره القيطان التي تكتم أنفاسه وتشد معدته المنتفخة،،،،،وقال بلهجة محذرة وبطريقة استعلائية وهو يشير بسبابته نحوي مهدداً ومتوعداً "ولك غاتي أنتبه على روحك هاالساع"،،،،، (غاتي كلمة عراقية أصلها تركي ومعناه يا باشا أو يا أمير)،،،، ،،،، يعني بالعربي "سكر فمك يا نديم إنت ما أنت قدي"،،، وهذي الجملة هي الشيء الوحيد الي استفدته من "طلفاح" في ذلك اليوم التعيس،،، وما زلت أرددها حتى اليوم عند المزاح مع أصدقائي... ،،لذا سحبت على طلفاح واستأذنت من أخي لأخرج من الجو الكئيبت واتجهت نحو غرفة الممرضات واستخدمت هاتف الممرضات واتصلت على جاكو وواعدتها في منطقة الليستر سكوير لنتانول طعام العشاء ومن ثم ذهبنا لمشاهدة فلم كانت دعايته في كل شارع وكل اندرقراوند وباص في تلك الأيام،،، واسمه The Woman in Red..أثناء العشاء وقبل مشاهدة الفيلم،،،،تحدثت مع جاكو عن طلفاح وعن نزقه وعنجهيته،،،، فلم تلق بالاً لما أقول،،،،،، ولم تشاركني الحماس في الحش فيه،،،،،،،،،،وبعد أن شاهدنا الفيلم الجميل خرجنا من السينما وكانت الساعة تشير للثانية صباحاً فبحثنا عن تاكسي لإيصال كل منا إلى شقته،،، فلم نجد تكسياً واحداً متوفراً ،،فكلها مشغولة بالزبائن السهارى،،،، فسرنا من شارع الهاي ماركت باتجاه البيكادلي سيركس،، ومن ثم إلى بيكاديلي ستريت،،،،، ونحن ما زلنا نتمنى أن نجد تاكسي فاضي من تكاسي لندن السوداء العتيقة التي حافظت على شكلها لمدة 75 سنة،،،قبل أن تبدأ بالتنازل عن لونها الأسود أولا،،، ومن ثم شكلها الخارجي،،، وأخيراً بتصديرها لمدن عالمية أخرى،،، وعادة إذا كان النور الذي يوجد فوق التاكسي مضاءً فذلك يعني بأن التاكسي متوفر للخدمة،،، وإن كان غير مضيء فذلك يعني أن التكسي محجوز أو خارج الخدمة،،،،، وهو ما حصل للأسف طوال الطريق معنا،،، فلم نجد تكسي واحد مضيء نوره تلك الليلة،،،،،،،ومن كثرة ما سرنا على أقدامنا باتجاه السكن في الكوينز واي،،، مررنا على "فندق ريتز" الفخم،،،


وكانت جاكو تلبس رداء أبيض كامل، بنطلون بقميص يظهر جمالها الفتان،، وتجذب أنظار كل المارة،،،حتى شباب الإنجليز،،،،وتذكرني رشاقتها الآن برشاقة الفنانة مريام فارس،،،، غير أن شعرها كان جميلاً وناعماً يغطي معظم جسدها وكأنها حورية بشعرها الطويل الذي ما يلبث أن يتطاير مع كل نسمة هواء لندنية باردة تداعبه،،،،،،،، وعندما اقتربنا من الفندق وصلت سيارتان فخمتان عند الباب الرئيسي ونزل منهما للمفاجأة "طلفاح" وكان لديه على ما يبدو حراسة ،،، فأخبرت جاكو بأن هذا هو طلفاح الذي حدثتها عنه أثناء العشاء،،،، فردت بصوت خافت،،،،،"يي دخيلك نديمو،،، شو مزوق هي "التفاح" رفيقك،،،شو عامل بحاله،، تجاهلت ما قالت خشية أن يسمعنا، وعند إقترابنا منه حييته بابتسامة عريضة ومتفائلة،،،، ولكن بحلق في جاكو وسالت سعابيلة،،،، ولو تعلمون ما ذا رد علي السخيف طلافيحو،،،،رد والله بأعلى صوته،،، "حي الله ها الطوايف" ودخل الفندق بعد أن ستر بطنه ببشته الأشلح،،،،،، تبا لك يا طلفاح،،، أهكذا ترد التحية،،، تابعت سيري وأنا قافلة معي من المشي والتكسي الذي نبحث عنه دون جدوى،،، وزاد البلة طينة الإهانة الموجهة من طلفاح،،، وكدت أعود له فأبصق في وجهة المغمص،،، ولكن جاكو منعتني وقالت ألا ترى البودي قاردز الذين حوله،،، عراقيين والله ليبسطونك في الأرض قبل أن تقدر أن تمس شعره من رأسه،،،،،،،،زعلت بالمرة،،، وأيقنت أن طلفاح قد رد لي الصاع صاعين،،، لأني لم أوافقه على أحاديثه السخيفة ظهر ذلك اليوم عند أخي في المستشفى،،،،،،،،طز فيك يا طلفاح وفي الليلة المهببة إلي شفتك فيها،،، وواصلنا سيرنا بعد ذلك لمدة ساعة ونصف حتى وصلنا عند الفجر للكوينز واي وودعت جاكو،،،ودخلت شقتي فصليت الفجر وسرعان ثم غطيت في نوم عميق حتى ظهر اليوم التالي.

وصلت لأخي في اليوم التالي وكان يوجد عنده الأستاذ عابد الذي يتعالج هو الآخر من سرطان الدم،،،،لكني أحسست أنهما ليس على ما يرام ،،، فأستفسرت من عابد ما الخطب،،،،،،فقال لي "فهيد يطلبك السماح"،،، لم أفهم معنى قوله،،، ولماذا فهيد الكويتي يطلبني السماح،،،،،فلا شيء بيني وبينه سوى الإحترام المتبادل،،،، ولكني استدركت وقلت تقصد "طلفاح" يطلبني السماح،،، أكيد خبركم عما حدث البارح وكيف جرحني برده الماصل،،،،،،خلاص مسامحة بس خليه يحل عني الله يرحم والديه،،،،لكن أخي قال لي "فهيد هو إلي يطلبك السماح مهو طلفاح،، إنت وش فيك مفهي،!!!!،،،،يعني فهيد توفي إلى رحمة الله،،، ويطلبك السماح،،، أي أنه في أمس الحاجة الآن من أي إنسان أن يسامحه" ،،،صدمت من هذا الخبر المفجع على بداية اليوم المهبب،،، فالرجل كان يجلس معنا بالأمس وهو في صحة جيدة وكان سعيداً وهو يحدثنا عن رحلات القنص التي قام بها في السودان وباكستان،،، وقد حدد الدكتور فترة علاجة لمدة 15 يوم ثم يعود بعدها للكويت،،،،،سبحان الله ،،، الله يرحمك يا فهيد ويغفر لك،،،،،،، ولما سألت أين هو الآن،،،قال لي عابد،،، في غرفته مغطى بالشرشف لأنها مات قبل أقل من ساعة،،،حتى مرافقه "لشاويش سعدون" لم يأت بعد ولا نعلم رقم هاتفه،،،، لاحول ولا قوة إلا بالله،،،،، ذهبت لغرفته المقابلة لنا ودخلتها وكانت خاوية إلا من سريرة وجسده مسجى ومغطى بالكامل بالشرشف،،،،اقتربت منه وجلاً فهذه أول مرة في حياتي أدخل على إنسان ميت وجثة مغطاة لا حياة فيها،،،، أزحت الغطاء بكل فضول وظهر وجهة النحيل وعيناه تحلقان في سقف الغرفة وهو صامت صمت سرمدي،،، فطفقت أدعو له بالرحمة وكنت أتمنى من أعماق قلبي أن يفيق وأن الأطباء قد أخطأوا في أنه قد مات،،،لكن لا شيء يقطع هدوءه التام وبرودة جسمه المتناهية،،،، وفجأة قطع سكون الغرفة صرير الباب الذي فتح بقوة ،، فزادت معه دقات قلبي،،،وظهرت الممرضة مسز قراث،،،،التي ضايقها وجودي مع الجثة،،،وأخبرتني أنه يتوجب علي ن أغادر الغرفة في الحال قبل أن يأتي المختصين لنقله لثلاجة المستشفى،،،،عدت لأخي فوجدت طلفاح قد وصل،، فقلت والله كملت القصة الحزينة،،، أصلا من يوم شفته وكل شيء متردي،،،،،لكن طلفاح أظهر لي شهامة ومواقف رجولية غيرت من نظرتي إليه للأبد،،،، فقد قام هو ومرافقيه البودي قاردز بإنهاء جميع الإجراءات المطلوبة من المستشفى الخاصة بالمرحوم فهيد،،، وقام بدفع المصاريف المترتبة لنقل جثته للثلاجة ودفع فاتورة المستشفى قبل وصول " الشاويش سعدون" الذي كان يغط في نوم عميق في شقته ايرلز كورت،،،. ولما وصل "الشاويش سعدون" صدم صدمة قوية هزته وأثرت على توازنه كما ظهر لنا،،، وحزن حزنا شديدا على فهيد،،، ،،لأنه لم يكن يتوقع أن يتوفى مرافقه بهذه السرعة ودون أية مقدمات،،،،،،،،،وبالرغم من أنه لا يعرف أية كلمة انجليزية،،، ولكن بسبب الصدمة بدأ يتكلم معهم بالعربي ويلعلع بأعلى صوته لمدة طويلة، احتجاجا ً وحزنا،، بل يأساً،،،وقد فهم الإنجليز كل ما قاله بسبب تعابيره الحزينة ،،،وليس بسبب ماقاله بالعربي الفصيح.

عند المساء،،، وبعد أن هدأت الأمور ودعت طلفاح وشكرته على حسن صنيعه وشهامته،،،،بيد أني توقفت قليلاً وسألته عن ليلة البارحة،،،، وقلت له لقد عدت يا طلفاح باشا متأخراً البارحة فأين قضيت ليلتك،،،، فأخبرني أنه قضاها في كزينو فكتوريا،،، وهو محل قمار شهير يلعب في العرب بالورق لعب،،، بالخمسين ألف باوند وبعضهم بأكثر من ذلك،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،بيد أنه عاود فسألني "كيف عرفت بأنه كان ساهراً ليلة البارحة"،،،، فأخبرته أني رأيته وهو ينزل نحو فندق ريتز،،، وأردفت،، يا شيخ طلفاح،،،أنا سلمت عليك البارحة ورديت على برد غريب زعلت منه بصراحة عندما قلت "حي الله ها الطوايف"،،،،،،،،،،،،عندها ضحك طلفاح بصوت جهوري وكح عشرين كحة وهو يلف سجارته العراقية عند باب المستشفى،، وقال " والله ما انتبهت لك يا نديم" خطية أنا كنت أباوع "أطالع" الفرس الأسمراني إلي كان وياك،،، حقك علي"،،،،،،،،،،،،،،،،وعندها عذرت طلفاح وأدركت أني ظلمته واستعجلت بالحكم عليه،،، لأنه لم يكن يقصد إهانتي،،،، فقد حسب أنني شخص غريب،، ،،،،،،،فتذكرت نكتة جاكو عندما رأته البارحة وقلت له هل تعلم ماذا سمتك جاكو السيدة التي كانت تسير معي البارحة،،،، قال ماذا سمتني،،، قلت تحسب أن اسمك "تفاح" وليس "طلفاح"،،،،،،،،فغضب طلفاح وأشار بسبابته نحوي مهدداً ومتوعداً "ولك غاتي أنتبه على روحك هاالساع"،،،،،
يتبع

منصور العبدالله
07-08-2010, 05:58 AM
السلام عليكم ورحمه الله


اهلا بك استاذنا الغالي نديم الهوى في حلقة من مذكراتة الشيقة


ونعرف من خلالها ان كاتبنا يحسن الطهي وبإتقان



اهلا بك كاتبنا نديم الهوى


وفقك الله ورعاك على سلسلة هذة المذكرات


استودعك الله استاذي الغالي



--------------------------------------------------------------------------------------------

أخوك / منصور العبدالله ( واااادي الغلاااااا )

مشاري بن نملان الحبابي
08-08-2010, 12:04 AM
مرحبا يا أستاذ نديم الهوى ..

حلقة مميزة وأكثر من رائعة ..

رحم الله فهيد وغفر له ..

شامانـ العاطفي
08-08-2010, 02:31 AM
العضو المبدع نديم الهوى

يعطيك الف عافية على سرد مذكراتك الرائعة وأسلوبك الشيق

واستمر ومتابعين لك .

نديم الهوى
19-08-2010, 12:16 PM
الحلقة الواحد والعشرين

رغم مرور سنوات طويلة منذ أن وطئت قدماي لندن لأول مرة في العام 1984، وزياراتي المتعددة لها لاحقاً،،، وكذلك دراستي الجامعية فيها لنحو خمس سنوات متواصلة،،،، إلا أن الحنين إلى تلك الأيام الخوالي لازال متمكناً مني حتى هذه اللحظة،،،، ودوماً ما استسلم لأحلام اليقظة واستعيد شريط ذكرياتي وأنا أتجول في شوارعها العتيقة وحدائقها ومتاحفها،،،،،،وحاناتها ذات الطراز الفكتوري الذي يأسر الألباب،، والأماكن المتعددة في كل زاوية وشارع من منطقة وسط لندن والتي تعني لي شخصياً الشيء الكثير،،، لأني قد أكون تعرفت فيها على إنسان عزيز في ذاك المطعم،،، أو لهوت وتناجيت مع حبيب على شاطئ ذلك النهر الجاري،،،،أو ضحكت بجنون مرة،،،،وبكيت مرات بأنين وألم من لوعة فراق كوى أضلعي وأنا أسير وحيداً في ظلال أشجار الهايدبارك،،،، ففي تلك الفترة التي امتدت نحو سنة وأربعة أشهر وأنا أودع فيها آخر سنة من سنين المراهقة،،، تعلمت فيها ما ألم أتعلمه طوال سبعة عشر عاماً خلين من عمري غير المحسوب في السعودية،،،،،،فقد خرجت من مدينة الدمام ذات يوم صيفي مغبراً مصفراً ورأس مالي ومبلغ علمي ذكريات هشة هي مجموع ما سمعته في بوفية الميناء التي تجمع السلنتح أو بوفية عزيز التي تجمع لاعبي كرة القدم،،، وقبلها استراحة ريم في العدامة،،،أو استراحة سقراط في الخبر،،،، لم أذكر مدرستي هنا،، لأني لم أتعلم منها شيء قط،،، ولم تضف لي شيء لولا أني كنت ميالاً بطبعي للقراءة وعقلي يتساءل دوماً عن طبيعة الأشياء،،،،،،ولم أذكر أني استفدت من مدرسة الفيصل المتوسطة بالذات شيئاً أبداً سوى قصتين مأساويتان لم أنسهما أبداً،،، أولهما عندما ضحك علينا المدرسين النصابين وأكلونا مقلب وأخبرونا بأنه سيكون هنالك يوم مفتوح في أحد أيام الخميس لتنظيف المدرسة وزراعتها وتجميل مداخلها،،،،،وسوف يكرم الطلاب المشاركين والمميزين في الحفل بجوائز قيمة ودرجات إضافية نهاية السنة الدراسية،،،،،،،،،لم أكذب خبراً مع مجموعة من أصدقائي المقربين وحضرنا صباح الخميس مبكرين قبل حضور فرقة حسب الله للتدريس أو التدليس ،،لا فرق،،،، وبدأنا العمل مبكراً ننظف الأرض ونزيل الأحجار ونردم جحور الزواحف والعقارب ،،،ونزرع الأشجار وأكثرها فسائل نخل،،،، ويا له من نخل لم يقم له قائمة حتى يومنا هذا،،فما زال طوله نحو متر ونصف منذ ثلاثون سنة،،،،،،،واصلنا العمل خلال الضحى وحتى الظهيرة الحارقة عندما وصلنا لصخرة كبيرة جداً تتوسط فناء المدرسة،،،وطلب منا الأستاذ فرغلي الحفر تحتها لإخراجها من القاع وإزاحتها لأخر السور،، ،،،،،،حفرت حتى كل متني وجلست من الإرهاق والتعب وأنا مصمم على متابعة الحفر مع زملاء سذج مثلي،،،،وأثناء الحفر مر بعض رفاقنا الماصلين وقاموا بالانتقاص منا والضحك على إخلاصنا الذي لا طائل منه،،،،، وتوجهوا لقيلولة طويلة حتى آذان العصر داخل الفصول المكيفة يتقدمهم أحدهم وكانت عيارته "فسيو" عدم المؤاخذة،،، ،،،،،،وكنا في هذه الأثناء قد تمكنا بشق الأنفس من إزاحة الصخرة الضخمة إلى آخر سور المدرسة،،، واستعدينا للحصول على الجوائز والتكريم من قبل مدير المدرسة "عريج" وهيئة التدليس،،،،،وتفاجئنا والله العظيم بأن فسيوً "مدري يصلح منصوب الاسم بالتنوين دون الألف بسبب دخول إن أم لا" وشلته الماصلة هم من حصل على الجوائز والتكريم،،،فكل دقيقة ينادي الأستاذ فرغلي،،،،،،،الطالب المثالي "فسيو""" "تصفيق،،، وتهليل"""،، ثم الطالب صاحب الروح الرياضية "فسيو" ،،فرجل العام "فسيو"،،تصفيق،،، الله أكبر،،،،،تهليل،، والغريبة أن فسيواً "يمكن كذا منصوبة أدق"،،،لم يكتف بسرقة عرق الغلابة أمثالنا بل أنه في نهاية الحفل امسك الميكرفون وبدأ بالاستهزاء بنا نحن الملطخون بالطين المنتفين وأشكالنا كالمشردين أمام المدرسين الذين أبدوا إعجاباً بموهبته بالتنكيت علينا حنا عيال،،،،الكـلـــ،،،،،،،،وقد أعطي فسيواً كل ذلك لأنه كانت لدى والده محطة بانزين وكان يوزع لهم طوال السنة كوبونات مجانية لتعبئة سياراتهم الكحيانة،،،،،،،،،،،،،،،،،عندها حلفت وأقسمت بيني وبين نفسي بأني "لن أخلص في عمل سوف أؤديه ما حييت أبداً" بعد هذه الصدمة القوية في حياتي،،،،،ولكن مع مرور الزمن نسيت فسيو والمدلس فرغلي الذي كان دوماً يستلف القلم ولا يرده أبداً،،، ويجمع الوجبات المدرسية من الطلاب ويأكلها في عزبته،،، ودفعت كفارة يمين واستغفرت الله وعدت لطبعي الإخلاص وحب إتقان العمل حتى أتى يوماً وأخبرنا فرغلي بزهو كعادته في النصب بأن هنالك مسابقة جديدة لأجمل وأنظف فصل وسيكون "البرايم" تبعها بعد ثلاثة أشهر،،،،فطفقنا بتنظيف الفصل وعمل اللوحات الجميلة والديكورات الرائعة وأحضرت من وكالة أبي لتموين شركة هونداي بعض اللوحات والتحف المناسبة للفصل ووضعنها في كل ركن من الفصل حتى بدأ الفصل كأنه مدرسة انجليزية وبقية الفصول كعنابر مجانين،، ومن حين لآخر يأتي طلاب الفصول الأخرى وقت الاستراحة وينظرون من الباب بذهول نحو فصلنا،،،،بل أن أحدهم وعيارته "قرش قريش" قام عند الباب بخلع نعاله خارج الفصل ودخل حافياً...:"قرش قريش" كان مجنون بجد ولم يكتشف أنه مجنون حتى وصل مرحلة الثانوية وهذا يدل على أن المدرسة أصلاً لا تفرق بين إنشتاين أو إسماعيل ياسين،،،، ما علينا،،،فبعد ثلاثة أشهر إلا يوماً انصرفنا من المدرسة وكنا واثقين بأنا نحن الفائزون لأنه لغاية آخر يوم لم يهتم فصل من الفصول الأخرى بهذه المسابقة التي لا تعني لهم شيئاً،،،،ولكن عندما أتى اليوم المشهود يوم "البرايم" وكان يوماً مشئوما كذلك لأنه نفس اليوم الذي دخل فيه جهيمان واستحل الحرم المكي الشريف،،،،،،،،،،،،،،،،،ما قلت لكم ذكريات المدرسة كلها ماصلة،،،،،،، وفجأة في طابور الصباح صعد مدرس صعلوك كذاب اسمه بسيوني الحدق،،، فوق الدرج وأمسك الميكرفون وتمايل ذات اليمين والشمال وهز وسطه على صدى الميكرفون وهو يعلن بحبور وانشكاح ،،، بأن الصف الفائز بجائزة الأوسكار للنظافة والنظام والفصل المثالي هو فصل ثاني "ب"،،،،،نعم،،،،،نعم،يا ابن الكــ،،،، كيف ثاني "ب" يا صعلوك وحنا تركناه خرابة عند "الصرفه" في الأمس،،،،لكنه قدس الله سره أخبرنا بأن طلاب ثاني "ب" قد سهروا طوال الليل يعملون على تنظيم وتنظيف الفصل حتى الساعة الثانية ليلاً وبذلك تذهب الجائزة إليهم بالتزكية من مجموعة المدلسين الأفاكين خريجي خطة طه حسين "كيف تحصل على مدرس في خمسة أسابيع"،،،،،صدمت مرة أخرى وأنا لم أفق بعد من صدمة فسيو،،،فهؤلاء الأوغاد عملوا في آخر لحظة للفوز بالجائزة وليس بهدف جعل الفصل جميلاً طوال السنة كما هو مطلوب،،،،،،،،،،،،لكن ما زاد الطين بلة وزاد حنقي على هذه المدرسة التعيسة عندما وصلنا فصلنا "ثاني أ" بأن وجدنا أن اللوحات التي وضعنها لتزيين فصلنا والله قد سرقت بالإضافة للكثير من التحف وصحف الحائط،،، وألقي هنا وهناك بعض من القمامة،،،،،،،،،،،،،،،،والله حرام،،،،يعني اليهود ما يسون كذا،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وندمت على الكفارة التي دفعتها في المرة الأولى ،،،،،،،،،،،،فهل هذه مدرسة ممكن أن يستفيد منها أحد،،،،،،،،،الرأي لكم،،،،،،،،،،،،،،،،،، كما أني لم أذكر قبل مغادرتي مدينة الدمام سوى الحفريات التي تنتشر في كل شوارعها من حارة الدوغة، والعمامرة وسوق الحب،، والقزاز وعبد الله فؤاد،،،،والعدامة والناصرية،،، وش الناصرية،،، خمس بيوت والباقي مخازن شركات ،،،،،،،،،،،،،،كذلك لا أنس جريدة اليوم المليئة بإعلانات هروب العمال والتحذير شديد اللهجة من إيوائهم أو التستر عليهم،،، أو المواضيع التي تتحدث عن عمتكم النخلة،،وتطورات الحرب العراقية الإيرانية،،،،،،،،بالإضافة للحر طوال فصلين فقط في السنة لا يفرقهما سوى درجات الحرارة دون تغيير ملموس على البيئة المحيطة،،،،فحر حارق في الصيف أو برد قارص في الشتاء وكان الله غفوراً رحيماً ،،،،،وكل واحد يصلح سيارته،،،،،، وعندما يجن الليل يبدأ الشاب الوسيم سليمان العيسى بقراءة نشرة الأخبار المليئة بالاستقبالات، وكذلك "نفى مصدر مسئول ما أوردته وكالة رويتر بأن المملكة اشترت فاصوليا من الكيان الصهيوني!!!!!"،،، ثم تأتي درجات الحرارة ومقدمها التعيس العابس،،ليخبرنا عن درجات الحرارة آخر همنا في العبيلة،،، شواله،،، عرعر ،،،، ثم يعود الشاب الوسيم مرة أخرى سليمان العيسى بطلته البهية ليظهر متنكراً بأنه مع المواطن في برنامج "مع الناس"،، ويختم التلفاز برامجه بتقديم أسماء الصيدليات المناوبة لهذه الليلة ، فيغلق التلفاز باليد المجردة،،، لعدم وجود جهاز تحكم عن بعد،،،،،، فأعيش 17 عشر عاماً رتيبة مملة، بل عاماً واحد مكرر 17 مرة ،،،فلا يوم يفرق عن آخر،،،صورة كربونية مكررة وكئيبة.....،،،،،،،،،،،،،،لكن تلك الصورة اختلفت كلياً من الوهلة الأولى التي وصلت فيها لندن في نهاية صيف وبداية خريف العام 1984،،، فلقد رأيت لأول مرة الفصول الأربعة التي طالما قرأت عنها في الكتب التي كنت أقتنيها من مكتبة الحجاز أو مكتبة المتنبي،،،، فبعد أيام قليلة من وصولي لآخر يومين من شهر أغسطس،،،،،، أستدل الصيف اللندني ستارة وانفض سامره،،،، وبدأت رياح الخريف الموحشة تهب سريعاً كأنها تستقبلني بصفيرها الشجي الحزين ،،،،،فكنت أتعمد أن أسير وسط الرياح المتقلبة في حديقة كنجنستون بارك الملاصقة لشقة أخي لأتمتع بحفيف الأشجار الذي كان يسري في جسمي قشعريرة تكسب وجهي حيرة غريبة،،،،خاصة عندما اعتدت أن أعرج على فتاة غجرية غاية في الجمال تقف عند شجرة باسقة تحت نوافذ قصر الأميرة الراحلة دايانا الموجود في نفس الحديقة وتعزف على القيثارة سيمفونية "المونامور"،،، والتي عرفت لاحقاً أنها للمغني الفرنسي رتشرد أنتنيو،، كانت الفتاة الشقراء تربط رأسها بخيط ذهبي كذلك وتلبس لباس أبيض قصير رغم برودة الجو،،،،، تعزف بهدوء وسكينة في أجواء حالمة،،، وأوراق الأشجار التي تحولت إلى اللون الذهبي في الخريف تتساقط حولها قدميها فتحملها الرياح على أنغام موسيقاها نحو نهر السربنتاين أو تطير في الهواء فتحملها نسائم الخريف فتسافر بها نحو الريف الإنجليزي تاركة الأشجار خلفها جرداء وأشباح شامخة وسط عتمة الضباب،،،،،
http://1.bp.blogspot.com/_AqOMam65mrw/SwGuk6dKqgI/AAAAAAAACNE/ywhICoiEZvU/s1600/Autumn-Leaves,-Green-Park,-London.jpg


خريف لندن


وبعد الخريف يأتي الشتاء متسللاً فيقصر النهار لخمس ساعات فقط وتهاجر الطيور الجزيرة البريطانية نحو جنوب الكرة الأرضية تاركة أعشاشها حول الأنهار وفوق الأشجار،،،قبل أن تهطل الثلوج فتكسي تلك الأشجار العارية والبيوت والأكواخ العتيقة ثلوجاً بيضاء صقيلة فتتحول الدنيا جلها بيضاء لا لون آخر فيها سوى زينة وأزياء الحسناوات الإنجليزيات من كنزات واشاربات وقلنسوات مزركشة وأبوات طويلة جذابة،،،،فتصبح الدنيا لوحة كبيرة متحركة صورها رسام عاشق للجمال والحياة،،،،،،،. عندما حل الشتاء أول مرة كنت قد انكفيت في الشقة بجوار جهاز التدفئة العتيق عندما رأيت الثلوج أول مرة وكأني كهل متقاعد من "مكتب مكافحة التسول" في انتظار الموت وبجانبي خير صديق للمتقاعدين "الوجار المليء بالجمر المتقد"،،، ولكني عند الصباح،،، رأيت الأطفال والكبار والنساء،،، بل حتى رجال البوليس يلهون بالثلوج ويتقاذفونه فيما بينهم،،،فتشجعت ونزلت وشاركتهم اللهو واللعب بالثلوج،،، ولم أعد للشقة إلا عندما أصبح جسمي في برودة دجاج الأخوين.
بعد الشتاء الرومانسي وفصل الأناقة للنساء الإنجليزيات،،،، يأتي الربيع مبشراً بالهواء الطلق العليل ،،، ولا تسألني عن ربيع لندن،،،لكن إن استطعت يوماً ما فأسل عينيك إن كنت تريد جواباً شافياً،،، فلو قدر لك وزرت لندن في الربيع ونظرت لشارع ساسكس قاردن المتفرع من ادجوررود والمتجه إلى بادنقتون ستيشن،،بعد الشتاء مباشرة وعند دخول فصل الربيع فسترى شارعاً أخراً لا علاقة له بالشارع أيام الشتاء،،، فهو قد تغير من ركن الإدجور رود وعلى مدى البصر،،،، لتبدو أطراف الأشجار مستدلة نحو الشارع بألوان زهرية ثم كحلية فحمراء فأقحوانية وبيضاء وصفراء،،،،،،،،،،،،،،،،وأشجار بكل ألوان الطيف مصطفة كعارضات أزياء سرياليات في الهواء الطلق،،،،،،،،،،،،كما تكون أوراقها الأخرى قد اكتست حلة خضراء يانعة وكأنها لمعت في "زيبارت لتلميع السيارات"،،،،


http://www.aleqt.com/a/314850_72061.jpg

الأمير سلطان بسبب توقيع من يده الكريمة حصلت لي كل هذه الأحداث وتهت في لندن السبع توهات

أما صيفك يا لندن فكان قصة من قصص ألف ليلة وليلة وهو يحمل البشرى بقدوم خير أوان وأحلى الأيام ولقاء حبيب قبل الفراق،،،،،وياليت الدنيا كلها صيف لندن. فعندما يقرع الصيف اللندني أجراسه يطول النهار، فتشرق الشمس عند الثالثة صباحاً وتغرب عند الساعة العاشرة والنصف مساءً فتتهيأ للجميع ظروف استثنائية لمن أراد أن يتمتع بمقاهي لندن وحاناتها ومطاعمها وأنهارها وغاباتها والريف المحيط بها ورحلات اليوم الواحد إلى الضواحي المجاورة،،،ورؤية السياح الخليجين وجلهم من علية القوم تلك الأيام الذين اعتدت أن أراهم دوماً في وسائل الإعلام فقط،،،،وكلما سرت في الحدائق ترى الأطفال المرحين يلهون في الأراجيح والزحليقات والألعاب ،،، وآبائهم يجلسون بالقرب منهم بأناقة فوق سجادات مقلمة وبجانبهم حقيبة رحلات وبها عادة أجبان فرنسية ومربى وأنواع شتى من الخبز وعصائر مختلفة....
هذه الأجواء الجميلة والفصول المتغيرة بتباين واضح هي بيئة صحية للتأمل والهدوء واستقراء الحياة والتفاعل الإيجابي معها،،،،،،،،،،،كل تلك الفصول عشتها وأدركتها بحواسي الخمس لأول مرة في حياتي،، وغبطت الإنجليز على النعمة التي يرفلون بها وعلى جمالها ،، ولا عزاء لمن بكى من الفرحة عندما وجد فقعة عجفاء في ربيع النعيرية أو عرعر،،،أو ضاع عمره في مطاردة الجرابيع.
*****

وعندما حل صيف العام 1985، وقد مر على وجودي الآن نحو سنة في لندن،،،، كانت الأجواء منعشة ودافئة ومشجعة على الخروج والاستمتاع برؤية السياح يسيرون كالأمواج في الشوارع ويأتون من كل حدب وصوب،،، أو يتناولون الطعام ويكرعون الجعة خارج الحانات على طاولات صيفية رصت بكثرة خارج المحلات،،،،. سرت في غرة أغسطس وبرفقتي جاكو من منطقة الكوينز واي حتى ماربل آرتش ثم إستقلينا الأتوبيس الأحمر ذي الطابقين إلى منطقة الليستر سكوير والتي يوجد فيها سينما أوديون وكانت غايتنا هي مشاهدة فلم جمس بوند واسمه A View to a Kill، أو" نظرة للقتل"،،،،الذي بدأ عرضه للتو،،،،،،،في ذلك اليوم ذهبنا مبكراً في الظهر أو العصر،،،لا أعرف تحديداً أي وقت،،،لأن الظهر يؤذن نحو الساعة الثالثة والعصر 6:30 وكان الوقت نحو الرابعة،،، شاهدنا الفلم الذي صورت أكثر معالمه في باريس وشاركته البطولة الفنانة والمغنية وعارضة الأزياء المتوحشة Grace Jones،،، استمتعنا بالفلم ونحن نتناول الفشار والكولا بالثلج ثم خرجنا ومازلنا في وقت الظهيرة فاقترحت جاكو أن نعرج لنتنزه في منطقة "سوهو" التي تقع في الجهة الشمالية من "الليستر سكوير،،،وهي منطقة تعج بالحانات والمقاهي والملاهي والمواخير المتلاصقة،،، فلا يوجد بها مسكن أرضي واحد ، ،،،كما يوجد فيها المدينة الصينية القذرة كالعادة (شاينا تاون)........لكن الذي يميزها أكثر عن غيرها هو سمعة محلاتها السيئة وعصابات المافيا والمخدرات،،،،، فكثير من المحلات التي توجد فيها هي محلات نصب واحتيال وسرقة وبلطجة...سرنا بين المحلات الفاجرة وكان"الدلالين" يشجعوننا على الدخول لمحلاتهم وهم يخبرونا بأن المشاهدة لا تكلف أكثر من 50 بنساً،،،،كنت أجهل عما في الداخل،،،،،ولكن لأن "الولد الشقي نديم" كان دوماً محباً للمغامرة وذي فضول لا حدود له ،،سألت جاكو إذا كان بالإمكان أن نجرب ونرى بأنفسنا ماذا يمكن أن نجد خلف تلك الكواليس ،،،وافقت بعد تردد وقالت لي"بس دير بالك علي" ،،،،أجبتها بابتسامة مطمئنة "ولو جاكو،،،مادمت معي فأنت دوماً في حمايتي"،،،،،ودخلنا بسرعة ووضعنا الخمسين بنساً في فتحة مثل فتحة التلفون فتمكن كل منا أن يرى صندوق الدنيا لأول مرة وآخر مرة في حياته،،،ولمدة دقيقة واحدة،،،،،،،،،بعد أن انتهى العرض،،، لم ننظر لبعض وخرجنا في الشارع وارتدت جاكو نظراتها الأنيقة "شانيل"،،، وما لبثت أن خلعتها وهي غاضبة،،، ورمتها في السماء ثم ركلتها بقدمها محتجة على ما وصلت إليه الأمور،،،وتعبيراً عن الغضب مني شخصياً،،، بالرغم من أني كنت أجهل مثلها عن ماذا في الداخل،،،،،،،اتجهت نحو نظارتها وأردت أن أعيدها لها وأعتذر منها،،،، بيد أنها سبقتني وأوقفت تكسي واستقلته وسارت مبتعدة عني في نفس الوقت الذي حملت فيه نظارتها من الأرض ،،،ولكني استطعت في آخر لحظة أن أقذف بالنظارة داخل التاكسي،،،،،تسمرت في مكاني وأنا ألوم نفسي على الحماقة التي ارتكبتها،،،،،وكنت أتمنى أن تعطيني الفرصة لأشرح لها أني لم أقصد شيئاً يجرحها،،،، وبينما أنا كذلك وإذا بشخص بدأ لي مهذباً جداً يدعوني للدخول إلى داخل المحل وتناول القهوة والكعك الإيطالي الذي لا مثيل له في لندن بعد أن رأى خصامي مع جاكو،،،،،،،،،،،هززت رأسي بالموافقة فأكثر ما أحتاج إليه الآن هو كوباً من القهوة يعيد لعقلي التوازن والهدوء،،،،دخلت بسرعة دون تفكير ولم أقرأ حتى اسم المحل،،،،،فكان المحل من الداخل مطلياً بالكامل بالسواد ولا يضيئه سوى النور القادم من الباب المفتوح،،،جلست على منضدة مواجهة للباب وطلبت القهوة،،، من النادلة التي بادلتني بابتسامة رقيقة،،،،،،،،،لكن سرعان ما أغلق الباب وحل الظلام،،،،فردت حينها علي بصلف "لا يوجد قهوة"،،،يجب أن تطلب شراباً مسكراً،،،،وحددت لي الأنواع التي يمكنني الاختيار من بينها،،،،،،،،أحست عندها أني دخلت في مأزق ويجب أن أتحلى بالحكمة للخروج منه،، فنظرت نحو الباب وإذا بالشخص الذي كان يتظاهر بالأدب يقف كأنه حارس على الباب ويبتسم بسخرية،،،،،قمت واقفا وقلت يجب أن اضرب هذا الصعلوك على حين غرة،،، وعندما أطرحة سأفتح الباب لأخرج للحرية وأنفذ بحياتي،،،،،،،كنت واثقاً من أني سوف أتغلب عليه،،،فرغم ضعفي جسدي في ذلك الوقت إلا أني كنت قبل قدومي للندن أمارس رياضة التايكوندو في نادي الاتفاق وقد حصلت على الحزام الأسود قبل أن أتوقف عن ممارستها بسبب حصول كسر لي أثنا مباراتنا مع نادي القادسية ومن كسر يدي اسمه "عادل الحواج" ،،،لعله يقرأ قصتي ويتذكرني،،،،،،،،،،،،،أذكر مرة أنا قمنا باستعراض بين مبارتي الاتفاق والأهلي التي حضرها نحو 25 ألف متفرج،،،،وكان دوري بين الشوطين أن أقوم بالعدو والقفز من وسط دائرة مشتعلة ناراً ومن خلفها نحو خمسة من لاعبي التيكونود يحملون عدد خمس من الطوب الرصاصي الذي يرصف به الشارع،،،،،فعندما أقفز من وسط النار،،،،أضرب تلك الطابوقات الخمس فأحطمها وسط تشجيع وحماس الجمهور للقوة الخارقة التي أملكها،،،،،،،،،هيء هيء هيء،،،،،،،بس لحظة من فضلكم،،،، لا تحسبوني أكذب عليكم،،،فهنالك سر أكشفه لكم لتعرفوا سر الصنعة،،،،،فالطابوق هذا الذي قمت بتكسيره إرباً إرباً أو إلى شظايا،، ما هو إلا طوب منقوع في الماء لمدة أربع وعشرين ساعة متواصلة،،،،بل أن المشكلة التي كنا نواجهها هي حمل الطابوق بعناية فائقة حتى لا ينكسر بسبب لمسه باليد المجردة،،،،،هذه هي الحكاية وهذا هو السر،،، فلو أن إذني وليس قدمي هي التي لمست الطابوق لتناثر في وجوه اللاعبين الآخرين،،،،لكن بالرغم من ذلك كانت لدي لياقة وبعض من القوة والخفة،،،،،،،،،،،،،أذكر كذلك أيام ممارسة رياضة التايكوندو أن كان معنا شاب اسمه تبارك،،،،،مطوع متهور وعقله ملحوس ،، وكان شجاعاً ومهووساً وحاد الطباع،،،،ومدربنا ياباني يكسر الحديد والطابوق غير المنقوع والأخشاب الغليظة،،،، لكن عندما أختلف المدرب الخارق يوماً ما مع تبارك المهووس،،،، حسب أن تبارك سيكون لقمة سائغة بين يديه،،فصرخ في وجهه بقوة وعندما استدار تبارك عائداً إلينا،،،،أعطاه المدرب شلوت محترم،،،،،،الأمر الذي جعل تبارك يسود ويحمر ويكفهر وجهه ثم يرتد فيحمل المدرب ويقذف به على الأرض ويمرغ أنفه بالتراب ويضع قدمه على رقبته حتى كاد أن يدق عنقه،،، وقد أثر هذا المنظر على ثقتنا في المدرب ولم نعد نحترمه بعدها البتة،،،،ولم ينقذه من "تبارك" إلا نحن عندما ترجيناه وقلنا له "امسحها بوجيهنا يا تبارك،،،،طالبينك تفك الياباني ترى عنده عيال صغنونين ينتظرونه في البيت"،،،،خخخ،،،. تبارك واصل نشاطه وهوسه في حياته لاحقاً،،، وأخر قصة سمعته عنها أنها عندما ذهب لإكمال الدراسة الجامعية في الرياض وبالرغم من أن شكله يوحي بأنه مطوع تقليدي،،،، فقد خطط لسرقة أسئلة الامتحانات من الجامعة التي كان يدرس فيها،،،، وكانت خطته الجهنمية تقضي بالدخول للغرفة التي كان يعتقد أن فيها الأسئلة عن طريق فتحات التكيف المركزي ،،، وفعلاً حشر نفسه وسار في متاهات فتحات التبريد،،،يمينا وشمالاً وشرقاً وغرباً حتى تاه من كثرة ما دخل من تحويلات إجبارية،،، فظل الطريق في آخر الأمر ولم يعرف حتى خط العودة ،،،ومما زاد الطين بلة بأنه أصيب بالإعياء بسبب البرودة الزائدة فوصل فوق غرفة الفراشين وسقط من الفتحة بالقرب من فنجاين القهوة وأباريق الشاي مستغيثاً بهم من البرد وقال لهم "دثروني سأموت من البرد"،،،، وبعد التحقيق معه طرد من الجامعة شر طرده،،،،ومؤخراً قبل شهر فقط،،،كنت مع زميل في رحلة وأخبرني بأن تبارك بدأ بتعلم الملاكمة بعد أن بلغ من العمر عتياً،،،خخخخ

معليش شطحت بكم بعيداً،،، المهم نرجع لمدعي الطيبة الذي كان يقف عند الباب،،،،قمت بعمل حركة سريعة وكأني فريد شوقي وقلبت الطاولة وقفزت في الهواء نحوه وأنا أحسبه والله حسيبة بأنه طابوقة منقوعة في الماء وضربته ضربة موجعة في بطنه ترنح للخلف فأكملت خطتي لفتح الباب والهروب ولكن الباب كان مقفولاً ولا يمكن فتحه،،،،،،،،تباً لكم أيها المجرمين،،،أين المفر منكم،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وفي هذه الأثناء سمعت البنت الشريرة تنادي بأعلى صوتها "غوريلا"،،،"غوريلا" لدينا زبون يريد أن يقابلك،،،،وفعلاً ظهر لي من خلف أشرطة سوداء معلقة على كوة "فتحة" رجل أسود أفطس جرم عكنف أجزم أنه لو تزوج بغوريلا لطلبت منه الطلاق في الصبحية غير المباركة،،،،،تقدم مني الغوريلا وبعد أن شتمني بحرف الإف نزل بيده على رأسي بضربة رأيت معها شرراً وبرقاً يومض أمام عيني،،،فسقطت على الأرض،،، وجسمي كلها يهتز من قوة الضربة،،،،،،،،وعندما استويت على الأرض،،،رأيت من خلف الأشرطة السوداء المعلقة لوحة "مخرج الطوارئ" وهي ما تلزم بها جميع المحلات في لندن ولكنها مخبأة بشكل جيد خلف الأشرطة ولولا أن سقطت لما رأيتها أبداً ،،،،فقررت عمل أي شيء للهروب من باب الطوارئ،،،،فأظهرت لهم بأني سوف أنفذ كل ما يريدون لكن يجب أن يتوقف مسلسل الإهانات والضرب،،، وعندما ادعيت بأني سوف أقف فررت بسرعة البرق من تحت الأشرطة المدلاة وقفزت على باب الطوارئ الذي فتح بسرعة مقروناً بصوت جهاز الإنذار ومن سرعتي في الهروب اصطدمت بعامود إنارة خلف باب الطوارئ في نفس المكان الذي ضربني فيه الغوريلا،،،،،،،،،،،،،،،يعني جات الطوبة في المعطوبة،،،،،،،،،،،،،تحسست نفسي وأنا أبتعد والناس ينظرون إلي بفضول فلم أجد أثر لدماء فتوقعت أنه أمر بسيط وسيزول خلال أيام رغم الألم والصداع الشديدين الذي أحسست به.
سرت نحو اللستر سكوير،،،وفي منتصف الطريق نادني شخص مصري سائق تكسي خاص عرفته سابقاً واسمه عبد المنعم،،، وهو مصري قح تعرف أنه مصري لو رأيته في الإسكيمو،،،،كنا نسميه "شفاط النمل" لأن له بوز طويل ضارب املط مثل محمود ياسين،،،لكن بدلاً من النمل كان دوماً يأكل الفص فص،،،،وبالرغم من أنه متزوج من انجليزية وعايش في لندن إلا أن كل ملابسه من مصنع "غزل المحلة" في مصر كما أخبرنا هو بذلك بفخر شديد،،،"صنع في مصر" على قولته،،،،لكنها كانت صناعة رديئة تلك الأيام وتظهر صاحبها وكأنها متأخر قرناً من الزمان عما يلبس الناس من حوله،،، بادرني عبد المنعم،،،،مالك يا نديم أنت مش على بعضك،،،،تخانقت،،،،رديت بالإيجاب وقصصت له القصة،،،،،فأخذني بدون مقابل كما أذكر وأوصلني للشقة وأعطاني نصيحة بأن أضع ثلج مكان الإصابة وأخذ مسكن للألم وغداً حكون زي الحصان،،،،،،،صعدت الشقة واستلقيت على السرير وأحسست بالنصب والآلام الشديدة وثقل شديد في رأسي وعدم القدرة على التركيز وأحسست بالضعف الشديد والوهن،،،،،وكأني طفل صغير لا حول لي ولا قوة،،، وبالرغم من وجود الهاتف بجانبي وبإمكاني الاتصال بهاتف الطوارئ المتطور في بريطانيا والذي يحضر في معدل خمس دقائق لإسعاف المريض،، أو الاتصال بالملحق العسكري أو السفارة التي كانت أرقامها متوفرة لدي إلا أني أحسست أني محتاج في تلك الفترة الحرجة إلى أمي فهي الوحيدة التي كنت أعتقد أنها ستحس بآلامي التي تكاد تقضي علي وينفجر رأسي بسببها،،،، فأختلطت آلامي،، بحاجتي لحنان أمي،،، فأمسكت الهاتف وضغطت على الأزرار 0096638،، وكانت أمي هي من ردت علي في الطرف الآخر من الكون،،،،، وعندما سمعت صوتها أجهشت بالبكاء،،،،،،،،وقلت لها فقط أني أحبها،،،،،ولم أستطيع أن أكمل فقد بدأت أدخل مرحلة بين الغيبوبة والصحوة،،،،،،،،وطاف في مخيلتي ولا أعلم لماذا لحد الآن وأنا أتحدث معها "زحليقة قديرة"،،، وهي صخرة ملساء كبيرة جداً بحجم منزل من ثلاثة أدوار موجودة في الطائف،، في منطقة كانت برية يوما ما وهي من ضواحي الطائف واسمها قديرة،،،كنا نذهب للتنزه عندها عندما كنا أطفال مبهذلين حفاة،،شبه عراة،،،وكان يأتي إليها في الصيف الأميرات الصغار في السن ومعهن العبيد ونحن نبتعد عنهن حتى ينهين لعبهن وكنا مشدوهين من الحمرة التي يضعنها لأنه في تلك الأيام لم تكن حتى النساء الكبار في حارتنا يضعن الحمرة ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وبعد أن ذكرت لأمي "عن شوقي للزحليقة" لم أعد أعي شيئاً وأذكر فقط بكاء أمي على الهاتف ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ً.
بعد أن أسقط في يد أمي ولم تفهم ماذا وراء هذا الاتصال الغريب،،، قامت للتو بالاتصال بأخي لتطمئن عليه بعد أن التبست عليها الأمور وأخذتها الظنون،،، فأكد لها أخي أنه هو بخير،،، ولكنه لم يرني طوال اليوم على غير العادة،،،،،ثم اتصل أخي بدوره بي فوجد الخط مشغول،،،،،،،،،،،فأخذ بيده مفتاح الشقة الاحتياطي وطلب من الممرضة فصل أجهزة التغذية والأدوية الموصلة به وأخبرها أنه سيذهب لزيارة مريض في غرفة أخرى حتى لا تمنعه من القدوم إلي نظراً لخطورة وضعه،،،،،،وصل أخي للشقة وعندما نظر إلي تفاجأ بأني مسجي بلا حراك فوق السرير،،، ورأسي كان ضعف حجمه الطبيعي بسب الورم الذي ألم بي نتيجة معركتي الخاسرة مع الغوريلا،،،، وبخبرة أخي الطبية البسيطة عرف أنه نزيف في الرأس فأتصل من فوره بالإسعاف والذي وصل بسرعة ونقلني نحو مستشفى كروميل والمملوك للشيخ المحبوب زايد رحمه الله ويقع في جنوب الهايدبارك بشارع كروميل روود،،،،،،،،وصلت للطوارئ وشخصت حالتي بأنها نزيف بسيط في الرأس من شدة الضربة،،وتم عمل عملية بسيطة في مقدمة الجمجمة وسحب الدم المتجمد وتم تنويمي وأنا غائب عن الوعي لمدة ثمانية أيام،،،،، كانت كلها أحلام بأيام الطفولة والصبا،،، ولم تخرج عن مدينة الطائف أبداً،،،،علقت الأحلام كثيراً ب "زحليقة قديرة" ولا أعلم هل ذلك بسبب أنه آخر شيء قلته قبل أن يغمى علي،،،كذلك حلمت بقصة طريفة عندما كنت ألهو في الشارع الرملي في حارتنا وقدمت سيارة مرسيدس من النوع القديم يركبها "خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله" ولم يكن قد أصبح حتى ولي للعهد آنذاك،،،،،،،،،،نظرت لذلك الشخص المهيب المنكس عقاله على الآخر وبجانبه سائق أسود البشرة،،،،،،،،وسيارته تتجه ببطء نحوي ،،،فالشارع ضيق ورملي،،،،وعرفت أنه أمير ولكن لم أعرف من هو وصرخت نحوه يا أممممممممممممممير،،،،نظر لي بابتسامة رائعة،،،،لكن جارنا الشاويش "محمد الأحمري" الذي كان يراقب المنظر ويعمل عسكري في الصيانة في الطائف قدم إلي وأعطاني كف على قفاي،،،وقال "تدري لو رجع لك كان قص لسانك على لقافتك"،،،،صدقته والله،،،،فقد كان لدى كبار السن في تلك الأيام خوف وهلع غير مبرر من الأمراء،،،،هذه والله قصة حقيقية تذكرتها كثيراً في غيبوبتي وأنا مسئول عن صحتها،،،حتى لو استدعيت من قبل الديوان للتحقيق فيها،،،،،،،،،،،خخخخ،،،
بعد ثمانية أيام أفقت من غيبوبتي وأنا أسمع صوت مريض آخر جار لي في الغرفة وهو يخبرني بأن خالي كان هنا قبل قليل لزيارتي وقد غادر قبل قليل،،،،لم أستوعب ما قال جيداً فأنا لم أزل بين الغيبوبة والحياة،،،،،لكن بعد مرور بعض الوقت بدأت أعرف أني في مستشفى وأحسست بالألم برأسي وبدأت باستدراك الكثير من الأمور وتحسست أعضاء جسمي كلها خوفاً أن يكون قد بتر أحدها،،،،شعور غريب لأني لم أكن أعرف ما الذي يجري،،، هل أصبت بحادث أو انفجار قنبلة أم ماذا؟؟؟،، ومن الذي أتى بخالي إلى لندن وفي المستشفى ومتى حدث كل هذا،،،،ولكن المريض الذي عرفت أن اسمه "باري" قد انبرى بالحديث معي عن إصابته وأخبرني بأنه ذهب برحلة استجمام هو وثلاثة من أخوته إلى مدينة برايتون الساحلية وكانوا يلهون في البحر وركبوا ثلاثتهم حماراً لئيماً في ذلك اليوم،،، فصعدوا بهم تلة مرتفعة،،وعندما قرروا العودة نحو الشاطئ،،، انتقم الحمار اللئيم منهم ومن حملهم الثقيل بطريقته الخاصة’’’’فجرى بهم بسرعة نحو أسفل التل،، وما أن بلغت سرعته أقصاها،،، توقف فجأة فسقطوا جميعاً من فوقه ما عدا "باري" الذي تعلق بذيل الحمار،،، لكن الحمار طلع أشطر من باري ،،فقام برفسه فوق رأسه،،،فسقط مغمى عليه،،،،،،،،،،
عندما ذكر باري ذلك تذكرت كل شيء،،،،،وقلت له حمار؟؟؟،،،،،،،،،،،حمار يا "باري"،هذي آخرتها،،،،،،،،،،أنت خصمك حمار،،،،أنا أفضل منك،،،،،،،،،،،،،،أنا خصمي "غوريلا" ولا فخر،،،،،،،،،،،،خخخخ

الآن تذكرت كل شيء ،،،وأخذت الهاتف واتصلت بأخي في مستشفى هارلي ستريت كلينك وتفاجأت بأن والدتي هي من ردت علي ،،،وبكت من شدة الفرحة،،،،،،،،،،وكان فعلاً معها خالي وأبي وأخي الذي كشفت خطة هروبه من المستشفى فأصبحت الحراسة مشددة عليه هذه المرة،،،خخخخ.

لم أخبر أحداً عن سبب إصابتي وادعيت أني كنت ألعب بالزلاجات في الهايدبارك وسقطت على الأرض وهذه هي الحكاية،،،،،،،،،،،،،،وقد أكدت على "باري" بعدم إفشاء السر وهو الذي أخبرني بأن من حقي رفع دعوة وسوف أكسب الكثير من المال عن طريق محامي يأخذ أتعابه من الغرماء،،،،،،،،،ولكني أضمرت للغوريلا شراً ستعرفونه في حلقة قادمة..................

بعد نحو ثمانية أيام من تنويمي في المستشفى خرجت في تاريخ 11 أو 12 أغسطس على ما أعتقد،،،، وذهبت في البداية لزيارة أخي وشكره على مجازفته بالخروج من المستشفى وإنقاذي من موت محقق، فلو استمر النزيف والإغماء لخمس ساعات لاحقة لفارقت الحياة كما أخبرني طبيبي الدكتور "هورنر" الدمث الأخلاق،،،،،،،،،،،،،،،،،عانقت أمي وخالي،،،أمي التي كانت في البداية تخشى أن تفقد ابنها المريض مرض عضال،،، وهاهي تكاد أن تخسر الاثنين معاً،،،،ولكن الله سلم وعمر الشقي بقي.
بعد أن استقرت الأمور أخبرني أخي بأن هنالك موظفة تدعي بأنها من سفارة "دار الحي" قد اتصلت مراراً تسأل عني وقد أخبرها بأني منوم بمستشفى "كروميل"،،فردت على أخي بأنها سوف تزورني في 15 أغسطس لأمر هام،،،،وقد استفسر أخي مني عن تلك الموظفة،،،رغم أنه أبدى شكوكه من أنها تتصل من لندن،،لأن خطوط الاتصالات الدولية كانت غير واضحة مثل الآن،،،،،لم أتمكن من التهرب من جواب أخي وادعيت أني لا أعلم عن الأمر شيئاً ،،بيد أني كنت في داخلي سعيد جداً باتصالها في المستشفى على أخي،،،،،لكن كيف عرفت رقم أخي،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،عدت للشقة وأدرت رقم الاتصال بدار الحي 00971، وسمعت صوت شفاء فسرت في جسدي قشعريرة عندما قالت "وا عني يا نديم" وش صار فيك يا حيا..،،، ليته فيني ولا فيك،،،،،،،،،،،،،. كلمة "واعني" أي فديتك بروحي،،،،كانت بلسماً شافياً أفرزت في جسمي مادة "الأدريانيل" التي تولد للإنسان الشعور بالمتعة والثقة وتزيل الشعور بكل الآلام،،،، تبادلت معها الأخبار،،،وقلت لها بأن لك يا شفاء والله من اسمك نصيب،،،فما بقي بي من آلام قد تلاشت تماماً عندما سمعت صوتك،،،،ردت بسعادة،،، إذن انتظر لتراني بعد يومين،،،فأنا قادمة في رحلتي الصيفية إلى لندن،،،،وسوف أرى ماذا سيحل بك عندما تراني،،،،،،،،،رددت سوف يغمى علي مرة أخرى،،،وضربتان في القلب توجع يا شفاء،،،،،،،،،،،،،لكني على كل حال في انتظارك على أحر من الجمر مهما يكن الأمر،،، وذلك في مطار هيثرو بعد يومين،،،،،،،إلى اللقاء،،

ذهبت من فوري لوكالة عربية في لندن اسمها نفرتيتي تنظم رحلات في ادجوررود وحجزت رحلة لثلاثة أيام من موعد وصول شفاء لمدينة بلاك بول الترفيهية وحجز غرفتين منفصلتين في فندق إمبريال هوتيل IMPERIAL HOTEL BLACKPOOL. استقبلتها في المطار في الصباح الباكر،،، وقدمت لها باقة ورود بيضاء ،،،واستقلينا التاكسي حتى ادجوررود ووضعنا الحقائب في شقتها ،،،لكن للأسف فالحافلة المتجه إلى بلاك بول قد غادرت لندن إلى بلاك بول منذ أن كنت في المطار،،، فاستقلينا القطار من محطة يوستن حتى بلاك بول ووصلنا إلى الفندق قبل أن تصل الحافلة بنحو ساعة ووجدنا أسمائنا ضمن الحجوزات في غرفتين متقابلتين،،،،،،،،،.

كان الجو منعشاَ وصيفياً جميلاً في بلاك بول،،،،المدينة الشاطئية التي تقع في الشمال الغربي مقابلة للبحر الأيرلندي أو بداية المحيط الأطلسي،،،،وتتميز بوجود الملاهي والألعاب على طول الشاطئ الذهبي الجميل،،،،،،،،،،،،،

ذهبنا من فورنا إلى الملاهي الرئيسية في بلاك بول وهي نسخة مصغرة عن والت ديزني،،،ولم أركب الألعاب الخطرة لعدم ثقتي بشفاء إصابتي تماماً بعكس شفاء التي كانت تسرح وتمرح في كل لعبة وهي تضحك علي بأني لا أستطيع أن أجاريها اللعب،،،،والحمد لله أنها لم تستطع أن تستفزني لأنها عندما عادت من لعبة قطار الموت،،،، عادت وهي تبكي من الخوف،،،، وكحلها البدوي يملأ وجنتيها وشعرها منكوش وقد طارت "شيلتها" في السماء،،،،نحو أيرلندا الشمالية،،،خخخ،،، ولو أني طاوعتها وركبت معها لطار الشاش الأبيض الذي يلف رأسي،،،،لكني كنت متأكداً بأن الشاش لو طار فهو لن يطير لوحده،،،بل سيحلق في السماء بحثاً عن شيلتها ليعانقها ويطير بها بعيداً في غياهب بحر الظلمات،،،،،.
أخذنا راحة قصيرة بعد ذلك عندما حل وقت الغداء في مطعم وسط الهواء الطلق وطلبنا فش آند شبس ونحن نراقب أحد المحلات التي تعمل قوارير فيها رمال ملونة وأخرى لعمل ساعات رملية جميلة تنقلب بعد مرور ساعة كاملة،،لتبدأ بالانسكاب لساعة أخرى،،، ومكتوب عليها ساعات "بلاك بول الرملية" عشرة جنيهات للواحدة،،،،،،،،،،،،،،،،انتهينا من الغداء وخرجنا نحو الشاطئ الرملي الجميل وبدأت لي شفاء بروح معنوية عالية فتخلصت من حذائها وجرت حافية كسندريلا على الرمال الذهبية وأنا أنظر بافتتان لقدميها الجميلتين التي تزينها نقوش الحناء الغاية في الروعة والأنوثة،،،،فدنوت منها وأخذت كيساً فارغاً وجمعت فيه الرمل الذي وطئتها بقدميها وهي ترقبني بحيرة،،،،،،،،،وقالت نديم "ما بك" هل تريد أن تسحرني،،،لن تستفيد شيئاً فقد تمكنت من روحي بدون سحر،،،،،،،،،،،رديت عليها ،،لو كان الأمر بيدي لسحرتك سحر تفريق،،،،لأني في هواك أصبحت كالغريق،،،،وأخذت الرمل الذي فيه أثرها وعدت معها إلى صاحب الساعات الرملية وطلبت منه أن يعمل لي ساعة تحمل الرمال الذي وطئتها قدميها،،،،فأبتسم الثعلب الإنجليزي بمكر،،، وقال سوف يكلفك ذلك خمسون جنيهاً يا سيدي،،،،تعال في الغد وستكون الساعة جاهزة بين يديك،،،،،،،،،،قلت له بل اصنعها الآن أمامي كي يطمئن قلبي أنك لن تغير "الرمال التي وطئتها شفاء" وخذ مئة جنيه،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الساعة لا زالت تتقلب في مكان آمن في "مغارات تورا بورا" منذ سنوات عدة عندما ذهبت للجهاد في أفغانستان ولم أتخلى عنها وكنت أتمنى أن تدفن معي،،،،،،،،،،،،،ولم تهتز يوما من قنابل زنتها 20 طناً،،، وعدت من دونها والله وقاني من اسباب المنيه

منصور العبدالله
28-08-2010, 05:27 AM
السلام عليكم ورحمه الله


اهلا بالكاتب المبدع في مذكراتة


في حلقة جديدة


الواحد والعشرون



صورة رائعة لحديقة كنجنستون بارك


في خريفها وتساقط أوراقها



اشكرك اخوي نديم الهوى


واشكر حرصك على إكمال هذة السلسة بنجاح وبدون توقف


منتهى الإبداع يالغالي


حفظك الله ورعاك وسدد خطاك


أستودعك الله يالغالي

مشاري بن نملان الحبابي
01-09-2010, 06:21 AM
مرحبا يا نديم ..

حلقة أكثر من رائعة .. والصراحة أني قد استمتعت بها ..

وأنت ستجشعني على زيارة لندن خاصة وأن أخي يدرس هناك ..

في انتظار الحلقات القادمة على أحر من الجمر ..

حمد آل سويدان
01-09-2010, 09:55 AM
أخ نديم الهوى

رواياتك المفروض تكتب وتسطر بماء الذهب ^_^


متابع معك الى النهاية


اعجبنتني مواقف ونقاط عديدة سوف اذكرها لاحقاً

لي عودة إن شاء الله


تحياتي
مبتعث كندا

نديم الهوى
08-09-2010, 02:52 PM
شكراً للجميع على الكلمات المشجعة والجميلة والتي تعني لي الشيء الكثير،،،،،،،،،،،،وكل عام وأنتم وقبيلتكم الكريمة بألف خير


الحلقة الثانية والعشرين


في آخر شارع الكوينز واي تقع الشقة رقم 41 رالف كورت التي كنت أقطن فيها، وهي مكونة من مدخل صغير طوله نحو مترين في مترين وعلى اليمين تقع دورة مياه، وعلى اليسار يوجد مطبخ صغير وفي الأمام غرفتي نوم،،،وعلى اليسار كذلك بجوار المطبخ يوجد صالة استقبال منيفة بها مدخنة عتيقة ونافذة عريضة وتطل على شارع الكوينز واي الجميل الذي لا ينام أبداً. ويعتبر موقعها رائعاً للغاية فهي في منطقة "الوستمنستر" والتي تسمى المنطقة رقم 2 من وسط لندن. في تلك الأيام، ومازلت حتى الآن، كنت أحب أن أقضى جل أوقاتي ليلاً ونهاراً بصحبة الأصدقاء لأني أقدس تلك اللحظات التي لا تقدر بثمن ،، ولا يعتقد أي صديق عرفته يوماً ولو فترة بسيطة بأني قد نسيته حتى لو أبدت له الأيام ذلك،،،فلكل إنسان مكانة في قلبي مهما طال الزمن وتعاقبت السنين،،،،وفي لندن سبب لي ذلك الطبع بعض الإحراجات من وقت لآخر نظراً لصغر مساحة الشقة،،،فقد كنت أعزم أي شخص أراه وأتعرف عليه لزيارتي في الشقة،،، وأقدم له دوماً واجب الضيافة وهي عادة اكتسبتها من أخوالي البدو،،،،ففي إحدى عطل نهاية الأسبوع اجتمع في الشقة ثلاثة أشخاص من الرياض اسمهم "سعد وفهد وناصر"، يدرسون في مدينة بورتسمث جنوب لندن،،،وقد تعرفت عليهم في فندق بارك لودج عند سامح حنا بتاع "تلات أربع مليون جنيه"،،،كذلك وصل في نفس الوقت إنسان مثقف من سكان شارع أبو مية في الدمام واسمه برجس "وهو متابع لهذه المذكرات ويحبها" وكان وجوده هادئاً كشخصيته،،،،وآخر اسمه عادل النصر شاب متأنق يرتدي ملابس عصرية وبريهة ايطالية جميلة ومظلة فخمة يتكأ عليها وهو يتمخطر بزهو في شوارع لندن الرئيسية ويهش بها على من يقترب منه وكأنه لورد انجليزي عريق،،،،بالرغم من أنه يعمل في أرامكو في منطقة نائية اسمها السفانية،،، وعرفني عن طريق توصية من شخص آخر،،،وقد سعدت جداً بمعرفته والتنزه برفقته في لندن،،،، فقد تجولنا كثيراً في حدائقها وحاناتها وشوارعها الخلفية وخاصة منطقة المقاهي الراقية والمسارح في كوفنت قاردن التي تناسب أسلوب حياته المتأنق،،، وأذكر أن لغته الإنجليزية جداً قوية،،، أقوى مني بمراحل في تلك الفترة،،،،لكن ما أذكره كذلك بأنه قد غضب مني وبقوة في أحد الأيام،،،لأنا كنا نلهو مع بعض الأحباب في كلوب الإمباير الذي مازال ليومنا هذا يتوسط ساحة اللستر سكوير ،،، ومن الحماس والميانة سحبت بريهته الإيطالية وقذفت بها نحو السقف فظهرت صلعتة اللامعة التي كان يخيفها بعناية فائقة عنا تحت الأضواء العاكسة،،،، فسرعان ما جلس القرفصاء في محاولة يائسة للاختباء تحت أرجل المتراقصين مغطياً صلعته بكلتا يديه وكأنه قد تعرى ،،،ثم قرر الانتقام مني،،، ففررت منه للدور الثاني وبدأت مطاردة توم آند جيري وسط الظلام فكنت أتحاشاه بسهولة وسط حشد من الإنجليز الذين شاركوني اللعبة فقد كنا نرى بوضوح انسطاع الأضواء على صلعته اللامعة وهو قادم نحونا.
ووصل أيضاً لشقة الحرية محمد الماجد وهو شاب دمث الأخلاق من الرياض،،، أذكر أنه عندما رأى الزحمة في الشقة، أقترح إبقاء المفتاح الوحيد الخاص بباب الشقة معه لئلا يضطر للانتظار عند عتبة العمارة عندما يكون الجميع في الخارج،،،(العب غيرها يا حمودي والله لو أنك جاكو يا عمي)،،، كما حشر معنا في الشقة الدكتور عادل الكيلاني من سوريا،، وكان يدرس تخصصاً طبياً دقيقاً في أدنبره،،،،،،،،،،،ونعرفه عن طريق أخوه الذي كان يدرس المرحلة الثانوية في الدمام والذي سبق وأن حصل على مرتبة الطالب الأول على مستوى المملكة في العام 1980 ولكنه زحزح للمركز الخامس حتى يكون السعودي دوماً في المقدمة ولو بالتزوير والضحك على الذقون..،،،الدكتور عادل الكيلاني عندما كان يريد مراجعة سفارة بلاده السورية في لندن يقوم بتفتيش شنطته فيسلمني المصحف الشريف ويقول لو رأته السفارة لدي لاتهموني بأني من الإخوان المسلمين وداعمي الإرهاب،،وقد ينهون بعثتي الدراسية بسبب وجود المصحف،،،، وما أذكره عن هذا الرجل الطيب هو نصائحه المهذبة لي طوال فترة معرفته في لندن،،، فقد كنت في تلك الفترة الولد الشقي الغر الذي يهوى المشاكسة والتسكع واللعب والسهر وكثرة الحركة،،،،فكان يلاحظ ذلك فينصحني نصائح أبوية وهو خجل مني وكأنه هو المذنب،،... في إحدى المرات عندما كان يزورني ذهبت للمطبخ لعمل العشاء،،، وكان يوجد على المنضدة الشريط السلبي (النيجتف) لصور التقطها أنا وجاكو على شاطئ جزيرة "آيل أوف وايت" الإنجليزية التي تقع على بحر المانش بين بريطانيا وفرنسا ، فتفحصها جيداً تحت الضوء، فلم ترق له،، فبدأ بسلسلة من النصائح الهادئة حتى أني نسيت العشاء على الفرن إلى أن أحترق،،،،فقدمته له محروقاً وقلت له هذا ما جنيته على نفسك الليلة يا دكتور عادل عشاء محروق،،،،، ولم أذكر للأسف بأني عملت بأي من نصائحه يوما ما،،ولكن بقي له مكانة عظيمة في قلبي وأتمنى أن أزوره في سورياً وأرى كيف أصبحت أحواله بعد كل تلك السنين.


وكذلك وصل من السعودية في نفس الوقت "بن خميس" وهو رجل في الخمسينات من العمر أسمر البشرة ويعمل ميكانيكي في قسم صيانة السيارات في أرامكو وكان يشكو من العقم وأتى إلى لندن طلباً للعلاج بفيزة سياحة،،،، ويتميز بطيبته وجزالة أحاديثه وقصصه الطويلة الشيقة التي تمتد لساعات وساعات دون أن نمل من الإصغاء إليها وكأنه حكواتي سوري يحكي في ليالي رمضان في سوق الحميدية العتيق،،،ومن شغفنا بقصصه كنا نتحلق حوله كطلاب كتاتيب لسماعها مفضليها على السهر أو مشاهدة الأفلام في السينما أو التسكع في شوارع لندن،،، وقد تاه بن خميس أيما تيه في لندن بين الأطباء العرب النصابين الذين طلبوا منه عمل عشرات التحاليل والأشعات والفحوصات دون فائدة ترجى،،،،،،،،كما أنه طوال مدة مكوثه في لندن كان يلبس ثوباً خربزي اللون من الجرسيه ذي لمعة خفيفة،، ينام فيه ويقوم دون أن يتجعلك،،،فلم يحتاج لكيه أبداً،،،. أول يوم وصل فيه لنا قطع لي لحمة من فوق صحن الرز أثناء العشاء وقذفها باتجاهي وقال "منقولة" أي تفضل،،، أخذتها وازدرتها فشعرت أني قد أكلت لحمة مغموسة في بنزين 91،،،ويبدو أن يديه لا زالتا مخضبتان بالبنزين من آثار عمله في صيانة السيارات ،، وبسبب تلك اللحمة المليئة بالمادة المشتعلة ابتعدت عن أي مصدر لشرر لأيام عدة خشية أن "يقب" حلقي فأحترق بداءً من معدتي ،،،،،،،بن خميس كان دوماً يصحو مبكراً فيذهب من فوره وقبل أن تقوم الشلة إلى البقال الهندي المجاور فيعود حاملاً فوق رأسه، كأهل مكة، كرتوناً به أنواع شتى من الخبز والجبن والخيار والطماطم والمخلل وعلب الفول المدمس والبيض والبسطرمة والزيتون،،، ليبدأ هوايته كهبة ريح بالتفنن بعمل فطوراً ملكياً شهياً يبدأ بما يسميه مقبلات الفطور وهي الخبز المحمص والزبدة اللندنية اللذيذة والشاي المنعنش. عندما أيقظني وهو عائد من البقالة لأول مرة كان يترنم بصوته الأجش بقصيدة بدوية بأعلى صوته وهو يدلف وسط الشقة حاملاً كرتونته على متنه هذه المرة،،، فرحبت به واتجهت معه نحو المطبخ لمساعدته في إعداد وجبة الإفطار،،،فتفاجئنا أن سليمان الزنجي ينام على بلاط المطبخ،، بينما خالد اليماني كان قد أغلق غطاء الموقد ووضع فوقه بطانية ومد جسمه عليه وشخيره يصل لساعة البيق بين،،،،،،،،،،فقمت بمعاونة بن خميس بسحب خالد وقذفت به في الصالة في مكاني وسليمان في مكان بن خميس اللذين أصبحا شاغرين الآن ولله الحمد والمنة.
لسوء الحظ لم يستفد بن خميس من العلاج في لندن شيئاً فكانت زيارته سياحية كفيزته،،،بل أنه للأسف أصيب بعرج دائم في ركبته قبل العودة من كثرة مشاوير لندن الكعابية وبسبب وزنه الزائد،،،،، والقشة التي قصمت ركبة البعير هي أني محطته يوماً سيراً على الأقدام من الكوينز واي مروراً بالماي فير ثم منطقة البيكاديلي ولم أراعي سنه أو وزنه وكانت غايتنا شراء فاكهة من سوق الخضار الشعبي في البيكاديلي،،، بيد أن فيوز ركبته اليسرى ضربت بسبب هذا المشوار الطويل الذي أمتد أكثر من 4 ساعات ذهاباً وإياباً،،، فعاد للسعودية بعدها متأبطاً عكازاً يتهادى به ذات اليمين وذات الشمال،،،وأجزم بأن مشكلة العقم لديه قد تعقدت أكثر فأكثر، فالركبة لها دور لا يستهان به حسب معلوماتي المتواضعة من الناحية الفيزيائية.
لم يستمر حال الزحام طويلاً فبعد أسبوعين بدأ الجميع بالرحيل فأخذت عهداً على نفسي ألا أعزم من هب ودب فالشقة أصبحت كحراج بن قاسم ،،،وطال الإزعاج حتى الجيران الذين بدئوا بالتذمر من الأصوات العالية والجلبة التي نحدثها في تلك الفترة،،،، لكنها سرعان ما خلت الشقة إلا من الثلاث الذين خلفوا وهم "سعد وفهد وناصر" ،،،وكان قد مر على معرفتي بهم نحو 15 يوماً،،،لكني اكتشفت للأسف بعد أن هدأت الأجواء وأصبحنا لوحدنا في الشقة،،،وحين عودتي من زيارة أخي يوماً من الأيام منظراً أزعجني جداً،،،،فقد قام الشباب باستقبال بعض الغانيات المغربيات داخل الشقة وتفاجأت عندما رأيتهن وهن منهمكات بتقطيع البصل وفرم الثوم والبقدونس والطماطم وتقطيع اللحم استعداداً لعمل وجبة الكسكسي في المطبخ بكل أريحية،،، بل أن إحداهن كانت قد أحضرت معها ملابسها لتكويها في شقتي ريثما يجهز الطعام وهي تثرثر مع الشباب في لباس غير محتشم وضحكاتها الماجنة لا تبشر بخير،،،، وأبو الشباب "سعد" كان غائباً عن الوعي تماماً بسبب عصير العنب الذي يكرعه وعجاج دخانه يملأ جنبات الشقة وخديجة تتمايل أمامه على أنغام أغنية طلال المداح " مر بي مر بي... مايس الأعطاف قده لولبي. ". لم أستسغ ذلك المنظر المخزي،، فمهما كان فللبيت حرمته،،، ولو أن تلك الفتيات لسن بغانيات فلا بأس من وجودهن،،،بل على الرحب والسعة،،، لكنهن كن في الأساس مجموعة فتيات يصل عددهن نحو 7 ويسكن في الطابق الخامس في نفس العمارة،،،،واعتدت رؤيتهن باستمرار أثناء خروجي ودخولي للعمارة،،،ولم أعرهن يوماً أي اهتمام ، بل أني كنت أزدريهن بنظراتي،،،ففي النهار كنت أشاهدهن في حالة يرثى لها وهن يلطخن رؤوسهن بالحناء ويربطنه بحجاب رخيص منتف ويصبغن حواجبهن بطريقة غريبة ويضعن حوله شريط لاصق لتثبيت الصبغة على ما يبدو،،،فيظهرن كغجر أوربا خاصة عندما يحملن الغسيل أثناء لنهار ويذهبن نحو مغسلة تقع خلف العمارة تعمل بتعبئة النقود. لكن عندما يأتي الليل يتبدلن مائة وثمانون درجة،،، فيرتدين أبهى الفساتين الفاضحة والعارية،،،ويتبرجن بماكياج صارخ،،،وكثيراً ما سببن الحساسية لي عندما أركب المصعد من قوة عطرهن النفاذ. وللأسف الشديد كانت أسمائهن خديجة،،،فاطمة،،، طاهرة ،،،الخ..
أعربت لسعد عن استيائي من وجود هؤلاء النسوة وأنه لم يستأذنني بإدخال العصير الذي يكرعه في شقتي،،،، فنظر إلي بعيون حمراء مثقلة وهو في قمة الباي باي،،وقال "كم حسابك يا نديم"،،،، صدمني أكثر ذلك المنسم برده الماصل،،وقلت له أنت ضيف عندي يا سعد،، ولم أطلب منك مقابل نظير إقامتك معي ،،،لكني لا أوافق أن تأتي بغانيات وتقلب الشقة إلى ماخور مهما يكن الأمر،،،، ودخلت غرفتي لتغيير ملابسي غضبانا آسفاً من هذه المصيبة السوداء،، وعندما خرجت وجدت الشباب قد استعدوا بالخروج بعد أن حزموا شناطهم احتجاجاً على توبيخي لسعد،،،،،فودعتهم وطلبت منهم السماح عن أي تقصير وطلبت من الغانيات أن يحملن الكسكسي معهن إلى شقتهن وأغريتهن بالاستعجال بتقديم علبة شطة مجانية لهن. كح كح كح،،،،،،،،هذه كحة بسبب ما بقي من الدخان الذي كان يملأ الشقة...........وعندما أخبرت لاحقاً "سامح حنا" بما حصل،وكيف أني لمت نفسي على طريقة نهاية العلاقة مع الشباب،،،،،،قال لي "سيبك منهم يا نديم أنت عملت الصح،،بس بيني وبينك دول عيال صيع،،،،طلعوا من الشقة عشان كان هو كدا وإلا كدا كان آخر يوم ليهم في لندن،،،وكانوا حاقزين على القطر في نفس اليوم لبورتسمث"،،،،،،خخخخ
***************
وما دمت قد حدثتكم عن ذكرياتي في الشقة،،فلا بد من النزول نحو الشارع الذي عشت فيه أحلى الأيام وهو شارع الكوينز واي الذي تردد ذكره في الحلقات كثيراً،،،فهذا الشارع الجميل يقع في الجهة الغربية من وسط لندن وجل سكانه من العرب والبرازيليين والأمريكان المهاجرين إلى لندن...ويشتهر بأشياء عديدة يشد لها الرحال من جميع أنحاء لندن مثل الحمام التركي الواقع في نهايته، تحت العمارة مباشرة،،،،كما يوجد بها سوق الوايتليز المشهور للسياح العرب وقد كان مهجوراً ومغلقاً تلك الأيام وافتتح لاحقاً في بداية التسعينات الميلادية،،، ويوجد في الشارع محطتي أندرقراوند رئيسيتان هما الكوينز اي ستيشن وكذلك بيزووتر ستيشن،،ومقهى "الفكر العربي" ،،،،،وصالة التزلج على الجليد تحت العمارة التي تسكن فيها الشريرة مليكة المغربية،،،،كما يجد الكثير من المطاعم العربية والصينية والهندية والمقاهي الراقية والبوبز وكنيسة أور ليدي،،،،وقد سمي الشارع بكوينز واي،، أي "طريق الملكة" لأن الملكة فيكتوريا ولدت في طرفه الجنوبي في 24 مايو 1819، وتحديداً في قصر كنجنستون بارك المقابل للشارع والذي أخبرتكم سابقاً بأن الأميرة ديانا اتخذته بيتاً لها،،،،فكان بيتاً أوهن من بيت العنكبوت،،، والعن.. كبوت هنا هو أبو عين زايغة تشارلز زوجها عليه من الله ما يستحق،، فقد فرط بهذه الإنسانة الرقيقة، أيقونة الصفاء والحب بعجوز شمطاء لا تسر الناظرين.
في هذا الشارع تعرفت على أصناف شتى من البشر في العديد من المناسبات،،وكان لي في مقهى "الفكر العربي" مناكفات ومنافحات،،،،لكن يبقى الشجي منها هو ذكريات اللقاء السريع الذي غالباً ما يعقبه الفراق،،،وأقساها على الفؤاد التي لا يكون بعده وصال. وقد خبرت تجربة اللقاء السريع ثم الفراق السرمدي أكثر من مرة في هذا الشارع الونيس،،،لكن أكثر ما زال راسخاً في داخلي،،،، كلما زرت لندن ومررت في الكوينز واي،، هو لقائي السريع ثم فراقي بملاك الفتاة الجميلة القادمة من شمال العراق،، وتحديداً من أرض صلاح الدين الأيوبي،،،، فقد أعتدت في غدوتي ورواحي فيه أن أعرج على محل ورود صغير لأحضر كل بضعة أيام باقة ورود أزين بها غرفة أخي في المشفى، وكنت أبتاع تلك الورود من محل صغير ملاصق تماماً لمدخل محطة البيزووتر واسمه "ورود اللحظات الأخيرة" لصاحبه أندرو. إلى أن أتى يوماً وكانت غايتي شراء باقة ورود كالعادة،، قبل أن أتسمر حينها في مكاني عند مدخل المحل وأنا أشاهد لأول مرة "بائعة الورود" الجميلة بدلاً من أندرو الجلف وهي تنسق بعض الأزهار البيضاء في مزهرية أنيقة...نظرت لها مشدوها من جمالها الذي يأسر الألباب،، فقد كان مياساً قدها،، وشعر أسود منسدل حتى جنبها،،، وعيناها بحر عميق من وقع فيه لا محالة غريق،، فلما سلهمت بسكينة وأمان، خلت رمشيها جناحي يمامه تهم بالطيران. ،،، فسميت عليها في قلبي سبع مرات،،، ورجعت القهقرى خجلاً ومتظاهراً بأني كنت أنوي دخول المحطة لا محل الورود، بيد أنها عاجلتني بتحية عربية وبلهجة عراقية ناعمة لا أكاد من نعومتها اسمعها "الله بالخير"،،،،رددت "الله بالخير"،،،يا،، يا،،،فأجابت بابتسامة رقيقة،، اسمي ملاك،، ..أهلاً بك يا ملاك ،، أنا ،،، أنا،،،،اسمي،،،،،اسمي،،،نسيت اسمي والله،،،،،،،،،آه تذكرت اسمي نديم،،،أعطني هذا البوكيه من فضلك،،،،،،،،،،أخذته وسرعان ما انصرفت لا ألوي على شيء.
هذا هو اللقاء الأول مع ملاك،،، ولكن لأن نديم الرومانسي دوماً كان قلبه مفتوحاً على مصراعيه في تلك الأيام وأن الحب داء قد أصابه، فقد أقترب كثيراً من ملاك وبسرعة تحسب له،،، ودون الخوض في تلك التفاصيل،،، ذهبت برفقتها بعد أن توطدت العلاقة بيننا برحلة نحو منطقة البحيرات بالقرب من اسكتلندا في شمال بريطانيا والتي تسمى (Lake District). وهي منطقة تتميز بجمالها الساحر وطبيعتها الخلابة وتصب فيها الأنهر من بين الجبال لتكون ثلاث بحيرات رائعة الجمال ,وتحيطها التلال والهضاب التي يكسوها بساط اخضر فاقع اللون يسر الناظرين،،، وتشبه كثيراً خشم العان في السعودية،، والبعض الآخر يشبهها بالخرخير والله أعلم. من الذكريات الجملية التي لا تغيب عن مخيلتي في تلك الرحلة، أنا استأجرنا قارباً صغيراً وبدأت أجدف فيه نحو شلال هادر يتوسط "بحيرة وندرمير" ،،، وكانت أثنائها ملاك تحتسي القهوة باسترخاء وهي جالسة أمامي والضباب الكثيف يلفها متسللاً من خلفها ومختلطاً بالرذاذ الذي يتطاير من الشلال ليداعب وجنتيها القانيتين كحبات الكرز، فلم أكد أتبينها جيداً من كثافة الضباب، فبدت لي فعلاً كملاك قادم من خلف الغيوم ،، خاصة وأنا أنظر نحو شعرها وهو منسدل خارج القارب وتلامس أطرافه الحريرية سطح الماء لتعزف خصلاته أحلى لحن مائي يتهادى مع سير القارب البطيء،،،،،،،،،وعندما مررنا ببعض الصيادين في منتصف البحيرة، سمعتهم يتناجون فيما بينهم ويقولون "حاشا لله،، إن هي إلا حورية وليست بشراً". بيد أن سعادتي كانت يتيمة في هذه الرحلة الجميلة ،،،،ولم تكتمل فصول الفرحة فيها ،،فقد أخبرتني ملاك بعد أن عدنا للشاطئ وأثناء تناولنا وجبة الغداء، بأن ما بقي لها من إقامتها في لندن هو أسبوعان فقط،،،،فمكوثها وعملها فيها، كان بسب إجازتها القصيرة من دراستها للطب في أيرلندا.........فحزنت أيما حزن مما قالته وأخبرتها أنه كان من الأفضل لو أنها أجلت هذا الخبر حتى نعود من الرحلة لكي لا تفسد جو السعادة الذي يغمرنا،،،، وأشحت عنها بوجهي الحزين وترنمت دون أن أشعر بأبيات لخالد الفيصل،، "تعلقت بك والله كتبي لي على فرقاك،،،،حسبي على حظي الردي كانه أشقاني"،،،،،،،،،،،،،،،فتبسمت بنشوة لما قلت وتساءلت "أهذه الأبيات لك يا نديم"،،،،،،،فأجبت بالنفي،،، ولكن إن عدنا إلى لندن فأعدك بأني سأكتب أبياتاً خاصة لك دون سواك.
في اليوم التالي في لندن،،،خطيت لها القصيدة والله بأقل من نصف ساعة،،،،ولكني لم أنهيها حتى يومنا هذا،،، وبقيت القصيدة مبتورة وليس لدي نية لإكمالها أبداً،،،لأني أحس أنها طالما بقيت معلقة فسأبقى دوماً معلقاً بتلك الذكرى الجميلة. والذي قطع حبل أفكاري وأنا أنسج أبياتها، هو أني عندما كنت منسجماً في بحرها، دق باب الشقة فجأة ومن غير ميعاد،،،وعندما فتحته، ظهرت لي ملاك من طرف الباب تقف على استحياء، وكانت تضع يومها اسكارف كريب أسود مليء بنقاط فضية حول شعرها،،فبدا الإسكارف الأسود كسماء سوداء مظلمة والنقاط الفضية كنجوم متلألئة فوقه ،،بينما تجلى وجهها المشرب بحمرة وهو مضيء كالقمر في تمامه،،،، فتبسمت لها وقلت "مرحباً ملاك ما الذي جاء بك"،،،،،،،،،ردت بوجل،،"لا أعلم ماذا أقول لك يا نديم،،،،،أنا مسافرة غداً في الصباح الباكر،، لن أنتظر لمدة أسبوعين كما أخبرتك سابقاً،، يجب أن أعود لظروف خارجة عن إرادتي،،وجئت لأودعك وأشكرك على اللحظات الجميلة التي قضيناها سوياً والتي لن أنساها ما حييت أبداً"،،،،،صدمت من هذه المفاجأة الغير منتظرة وأسقط بيدي،،،فماذا عساي أن أقول لها الآن وهي لا تعلم مدى ميلي نحوها،،، بيد أن تظاهرت برباطة الجأش وودعتها بحزن وألم شديدين يعتصران فؤادي وبذلت جهداً كبيراً لكي لا أبدي لها ذلك،،،،،فقد كانا حزن وألم ممزوجاً بامتنان لها لأنها عجلت بالرحيل، فقد خشيت والله أن أكون ضحية عشقها لو أنها أطالت البقاء في لندن..فقد كنت في أعماقي أتمنى أني لم أراها يوماً ما،،،،,لأني كنت متأكد بأن حبها سيكون داء لا ترياق له،،،،وهذه هي أبيات القصيدة التي لم تكتمل إلى هذا اليوم،،،،


أرجوك عجل بالرحيل
يا ناعم الصوت ويا كحيل العين******يا بو رمش فتان والقد النحيل

يا نسمة الطفولة وذكريات كلها حنين** وريحة ورد دجلة وخزامى وادي بعد سيل

ليه ذكرتني بأيام مضت من عمري وسنين***وهيضت شجوني وعلقتني فيك بالحيل

وأنت عابر سبيل بقالك في لندن يومين ****ثم تسافر بعيد وتتركني مكسور وعليل

ألا يا شيب عيني بعدك وآه ياقلبي المسكين***مكتوب عليه الفرقا والسهر ليل ورا ليل

يا أغلى من الغلا طالبك ترأف بالمتيم المسكين***إنك تعجل بالهجر اليوم ولاّ باكر وتعزم بالرحيل


http://www.oye.no/Photography/BoatCanal.jpg

***********************************
تتوسط قهوة الفكر العربي شارع الكوينز واي وتقع أمام محطة البايزوتر وتقدم معظم خدماتها للزبائن في الهواء الطلق مثل المقاهي الفرنسية،، وقد أعتاد أن يجتمع بها خليط غير متجانس من كتاب الصحف العربية المهاجرة التي تصدر في لندن في أيام الثمانينات، وكذلك ثلة من المرتزقة والمعارضين السياسيين والقتلة الفارين من أحكام صادرة ضدهم. وكما أخبرتكم فقد كنت أرتادها أحياناً لتناول القهوة، بالإضافة لوجود فضول غريب لدي في تلك الأيام للدخول في مناظرات ومماحكات ومهاترات مع أنصاف المثقفين وعديمي الضمير والإحساس من كتاب وصحفيين وبتوع الثلاث ورقات. إلى أن أتى يوماً وكان النقاش يدور حول الرئيس جمال عبد الناصر وكان جل المتواجدين يمجدونه ويثنون عليه،،،فدلوت بدلوي القاصر منتقصاً منه وأكدت أنه قام بتعذيب الإخوان المسلمين وقتلهم وسجنهم،،،وبقية الكلام الطويل،،،وجله أو مجملة سمعته من أخي بطريقة التلقين دون معرفة الأسباب التي أدت لذلك،،،،فألتفت نحوي بغضب شخص مغاربي اسمه "برقوق أبو شوشة" وهو شاب شيوعي من جبهة البوليساريو، الحركة المسلحة التي كانت تسعى إلى انفصال الصحراء الغربية عن المغرب العربي،،،فانبرى منافحاً عن جمال مقدماً كل الحجج والبراهين وكأنه مكينة للكلام،،،،فقلت له خلاص صدعتني بكلامك المتواصل،، ترى توني مسوي عملية في رأسي وما أستحمل كثر الكلام،،،،،، ضحك مني "برقوق أبو شوشة" واستفسر عن سبب العملية وآلام رأسي،، فأخبرته بقصة الإصابة التي لحقت بي بسبب الغوريلا الذي يعمل في أحد المحلات في سوهو،،،وأستغرب مني لأني لم أنتقم منه وآخذ حقي لحد الآن. فأخبرته أني لم أنسه للحظة ولكني أنتظر أن أصل يوماً لطريقة تمكنني من النيل منه. فرد بابتسامة واثقة بأنه يستطيع مساعدتي بذلك إن أردت،،،،صمت لبرهة وقلت في نفسي بأن هذا الثوري المجنون أبو شوشة وسن مفروقة هو أنسب شخص يمكنه مساعدتي بخبرته في المقاومة في الصحراء المغاربية وحرب العصابات، فاتفقنا على اللقاء غداً في حانة The Red Lion بالقرب من الوايتهول عند العاشرة صباحاً.
خلدت للنوم في الليلة السابقة للموعد وأنا أفكر ما الذي سيحبل به الغد من مفاجئات وماذا سيقدم لي "برقوق أبو شوشة" من أفكار للانتقام من عدوي اللدود "غوريلا"،، وسرعان ما نهضت مبكراً وتناولت فطوراً سريعاً في برقر كينق وتوجهت إلى حانة الأسد الأحمر في الوايتهول، الشارع الذي يوجد به مبنى رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك "مارقريت تاتشر" 10 دوانينق ستريت. وعند العاشرة تماماً حضر "برقوق أبو شوشة" وبمعيته رجل قروي يرتدي ملابس مهلهلة كأنه درويش انجليزي لا حياة في وجهة، بل أن أقرب وصف له هو أن ينعت ب "المتوفى". قدمه لي بأن اسمه "جيري" وهو من منظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي وهي منظمة شبه عسكرية تسعى هي الأخرى لتحرير أيرلندا الشمالية من الحكم البريطاني وإعادة توحيدها مع الجمهورية الايرلندية. وبعد أن عرف "جيري" خلفيات المشكلة، أخبرني بأن الطريقة المتبعة في أساليب المنظمة هي عمليات التفجير المحدودة، ولكنهم يعطون تحذير للعامة ولرجال البوليس لمدة ساعة قبل وقوع الانفجار في كل عملية يقومون بها،، ولذلك فمن المستبعد أن يصاب الغوريلا بأدنى ضرر،،،فأعربت له عن عدم فائدة ذلك، وتساءلت عن حل آخر وإن كان بالإمكان مثلاً حرق المحل من جميع الجهات وبذلك لا يصاب سوى الغوريلا ومن معه في المحل،، فرد أن ذلك ممكن جداً وسوف يزودني بالمادة الحارقة في غضون أسبوع. وبعد أن اتفقنا على تفاصيل العلمية، غادرت الحانة وبدأت بإتباع تعليمات "جيري"، فكنت خلال الأسبوع اللاحق أزور المكان يومياً وأجلس في مطعم يقع في Trocadero ويطل من الأعلى على المحل،،، فلاحظت بأن "غوريلا" يأتي له في تمام الساعة الرابعة عصراً ويتناول النبيذ في الخارج لمدة ساعة وهو يتجاذب أطراف الحديث مع الفتيات الساقطات اللائي يعملن معه في الماخور، ثم يدخل فلا يخرج إلا إذا ظهرت مشكلة ما مع ضحية جديدة،، وكل الزبائن يدخلون من نفس الباب الذي دخلت منه،،ثم يغلق الباب مرة أخرى،،،ولم أرى أحداً يخرج أو يهرب مثلي من باب الطوارئ.
وقبل اليوم الموعود زارني "جيري" و " برقوق أبو شوشة" في الشقة وأحضرا معهما حافظة بها نحو أربعة لترات من مادة سريعة الاشتعال، بالإضافة إلى مادة أمونية مسحوقة،،، وأخذ "جيري" يشرح لي بالتفاصيل طريقة عملها وما هي الاحتياطات اللازم اتخاذها لإنجاح العملية وتفادي الوقوع في أدنى خطأ.
وفي الليلة الموعودة للانتقام من "غوريلا" والقضاء عليه، التي خططت لأن تكون أحد ليال السبت الصاخبة، قمت بإتباع خطوات الجريمة جيداً، فارتديت بالطو طويل وقبعة ويلزيه تخفي معالم وجهي أكثر مما تبديه ، وحملت معي المادة التي سأسكبها على المحل والأخرى التي سأرشها فوقها،،، لكي تتفاعل معها وتشعل النار فيها بعد نحو خمسة عشر دقيقة من رشها. سرت سيراً على الأقدام نحو شارع هولاند بارك، وهو شارع معاكس لطريق السير نحو البيكاديلي "مسرح الجريمة" واستلقيت تكسي من تلك المنطقة. وكان ذلك من ضمن الخطة حتى أبعد الشبهة عني لو حصل تحقيق لاحق لا سمح الله،،، أو عندما يسأل أي سائقي التاكسي عما إذا كان قد قام بنقل شخص بمواصفاتي من عند شقتي واتجه به نحو البيكاديلي. وصلت عند محطة اللستر سكوير في حدود العاشرة والنصف مساءً، وتوجهت للمحل الذي أنوي حرقه وأخذت دورة كاملة على البلك الذي يوجد فيه، وعندما تأكدت بأن الأمور على ما يرام ولا يوجد أحداً في الخارج يمكن أن يلحظني،،صببت المادة السائلة على الباب الرئيسي وعلى الشبابيك وعلى باب الطوارئ كذلك،، ثم ابتعدت بعيداً وتخلصت من القبعة والبالطو وأعطيتها لأحد المشردين الذي كان يتدفأ بنار مشتعلة في ميدان سوهو،،، ثم عدت لنفس المكان بشكل مغاير عن المرة الأولى ونثرت المادة المسحوقة بسرعة ودقات قلبي تكاد تطغى على جلبة الموسيقى الصادرة من داخل المحل،، فهذه أول مرة أقوم بعمل سيؤدي لقتل إنسان وينهي حياته،،وبسرعة وببعض رباطة الجأش التي بقيت لدي، اتجهت للمطعم الذي يقع في أعلى Trocadero وقررت أن أنتظر فيه للتمتع بمشاهدة "غوريلا" يشوى كالدجاجة عكس ما طلب مني "جيري" العقل المدبر للجريمة. فقد طلب مني حين الانتهاء من رش المادة التي ستشعل النار بأن أتجه إلى "ملهى الهيبدورم" ولا أخرج منه حتى الصباح، نظراً لوجود كميرات مراقبة تسجل رواده،،، وهو دليل بأني بعيد عن مسرح الجريمة. أخذت مكاني بجانب النافذة وطلبت وجبة خفيفة وأنا أنظر للساعة وقد بقي أربع دقائق وتبدأ الجريمة التي خططت لها مدة طويلة،،، وفي أثناء انتظاري بلهفة وشوق سقطت فجأة على يدي نقاط حمراء لزجة حارة مصدرها فمي،، فقمت بسرعة نحو المرآة في الحمام ولاحظت وجود دم يخرج كينبوع من بين أسناني وقد غطى أطراف فمي وشفاهي،، فسرت وفي نفسي نشوة لذيذة وشعوراً بالسادية لم أعهده من قبل، وأدركت حينها كيف يتلذذ السفاحون بقتل ضحاياهم ،، وكيف تزداد تلك السعادة كلما تألمت الضحية وتعذبت،،، إذاً هاهو سر السعادة الغامرة في القتل التي أعيشها لحظاتها الآن والذي أتمنى أن تستمر معي دوماً. جففت أسناني وفمي بسرعة من آثار الدماء واحتفظت بالمنديل في جيبي واتجهت مسرعاً نحو المنضدة فقد بقي أقل من دقيقة وتشتعل النار الحارقة لتبرد على قلبي الذي امتلأ بالحقد والضغينة على "غوريلا". وفعلاً فما هي سو لحظات، انتشرت بعدها النيران بشكل سريع أكثر مما توقعت وغطت المحل بكامله من جميع النواحي وخاصة باب الطوارئ وبدأت حينها بتناول الطعام بشهية مفتوحة "ولم أحتج لكاتشب،، وأنتم تعلمون لماذا" وأنا أتخيل الجميع وهم يستغيثون والنار تحرق أجسادهم وعظامهم. وسرعان ما تجمهر الناس حول المكان في لحظات ورأيت النادلة الفضولية تتصل في المطافئ ولولا خوفي من أن أجلب الشبهة لنفسي لقطعت أسلاك الهاتف عنها أو وجهت لها ضربة على رأسها ليغمى عليها فيتأخر وصول رجال الإطفاء.
لكن فجأة حصل ما لم يكن في الحسبان أبداً،، وهالني ما رأيت،،، فمن وسط اللهب المتطاير، بدأ بعض من في داخل المحل بالقفز من نوافذ الدور الثاني والتعلق بعمود الكهرباء الواقع خارج باب الطوارئ والذي سبق أن أصدمت به، وهم ينزلون واحداً تلو الآخر بمساعدة من تجمهر من الناس،، الذين طفقوا بسحبهم بعيداً عن مصدر النيران،، ثم ظهر فجأة خصمي اللدود غوريلا وأنا أرقبه يقفز من الشباك ليحاول أن يمسك بالعامود وينزل بسلام نحو الأرض لينجو بنفسه كالآخرين،،،، ولكنه بسبب ضخامة وزنه وبعض النار التي لحقت به، سقط على الأرض قبل أن يتمكن من التمسك بالعامود، وبدأ يتلوى من شدة الألم وهو مسجى على الإسفلت الصلب. تملكني الغضب الشديد من فشل الخطة التي عكفنا على رسمها بدقة لمدة طويلة، وأصابني كذلك خوف وهلع شديدين من أن يقبض علي رجال البوليس أو يتعرف علي أحد. وبدأت تتقاذفنني الوساوس ويقتلني الخوف من أن أتفاجأ برجال البوليس يقبضون علي بتهمة القتل المتعمد من الدرجة الأولى. وصرت ألوم نفسي بقسوة،،،،،يا الله ماذا فعلت،،،،لماذا تسرعت،،،،وماذا جنيت من محاولة إزهاق أرواح بريئة،،،،وهل مات أحد،،، وكم عدد من ماتوا؟. ولم أعد أحتمل كمية الإحساس بالخوف وعدم الأمان في هذا المكان الذي يكاد أن يصبني بالاختناق،،،فقررت الهروب بعيداً نحو الشقة ،،،،ومن شدة هلعي ووجلي، طلبت الفاتورة من النادلة وأنا لا أجرأ النظر نحوها خشية أن تقرأ القلق والخوف في عيني،،، فوضعت عشرة جنيهات بجانب الفاتورة وسقط بجانبها المنديل المليء بالدماء دون أن أتنبه لذلك، وغادرت البيكاديلي.

يتبع

ابن عياف
28-09-2010, 09:37 AM
ما زلت اطارد الركب الطيب في قراءة مذكراتك اللندنية

مما جعلني اكتشف اشياء كثيرة

في شخصيتك الكبيرة

ولكني لم اتوقع ان يكون قلبك اخضر لهذه الدرجة

ولكن اتوقع ان الظروف والعوامل المحيطة كانت اقوى بكثير من قدرات نديم الهوى

ابن عياف
28-09-2010, 10:43 AM
اخي الغالي نديم الهوى

تم منحك لقب (( قلم من ذهب ))

تقديراً لقلمك وابداعك في مذكراتك اللندنية

وانت تستاهل اكثر واكبر من هذا

فتقبل التحية والتقدير

مشاري بن نملان الحبابي
29-09-2010, 01:29 AM
في انتظار الحلقة الثالثة والعشرين ..

منصور العبدالله
04-10-2010, 12:18 PM
اسلام عليكم ورحمه الله


حقيقة سلسة من المذكرات المتكامله


ابدع في اخراجها كاتبنا نديم الهوى


ويستحق ان يكون قلما من ذهب


فشكرا لك يابو منيف


وشكرا لك استاذي نديم الهوى



وفقكم الله ورعاكم وسدد خطاكم

نديم الهوى
28-10-2010, 06:20 PM
أنتظروا الحلقة الثالثة والعشرين

ماالذي حدث لغوريلا بعد أن نقل للمستشفى

ماذ كتبت صحيفة الإستاندرد عن القضية

محاولتي للهروب للسعودية عندما ضاق الخناق علي

كيف قضيت على غوريلا بشكل نهائي

وكيف ستكون تلك النهاية


قريباً

مشاري بن نملان الحبابي
05-11-2010, 05:51 PM
حياك الله يا نديم بعد طول غياب ..

نحن في انتظار الحلقة القادمة ..

صالح بن ناعمه
05-11-2010, 06:20 PM
بارك الله فيك يالذيب

منصور العبدالله
11-11-2010, 12:01 PM
السلام عليكم ورحمه الله


اهلا بك اخوي نديم الهوى


ونحن ننتظر الحلقة الثالثة والعشرون


ويبدو ان احداثها صاخبة

غوريلا وكيف قضيت عليها وهروب


شوقتنا لهذة الحلقة اخوي نديم الهوى


وسيعاد تثبيت الموضوع حتى نهايه جميع الحلقات


واشكر لك تلك الروايات والمذكرات في حلقات جميله


مسلسل وبطوله رائعة اخوي نديم الهوى


وفقك الله يالغالي


----------------------------------------------------------


أخوك / منصور العبدالله ( واااادي اااالغلاااااا )

نديم الهوى
29-11-2010, 09:52 PM
الحلقة الثالثة والعشرين


نزلت مسرعاً نحو الدور الأرضي من التريكاديور واتجهت ناحية الشمال وسرت حتى حاذيت شارع بولند ستريت من الجهة الشمالية الشرقية لمنطقة البيكاديلي، ثم انحرفت نحو الغرب لأدخل إلى اكسفورد ستريت الذي يتقاطع مع ريجنت ستريت وبورت لاند،، وهو طريق متعرج للغاية وهدفي هو عدم العودة بطريق مباشر للشقة،،،،كنت أسير وقد غشتني رعشة شديدة طوال الطريق بالرغم اعتدال الجو تلك الليلة،،، لدرجة أن أسناني أصبحت تصطك بعضها البعض من شدة رجف جسدي الذي أنهكته الأفكار والشعور بالرهبة مما اقترفته يداي،،،،. وعندما وصلت لشارع أكسفورد ستريت، وقد تجاوزت الساعة منتصف الليل بكثير، بدا الشارع خاوياً ومقفراً كأنه لم يكن مطروقاً البتة في النهار السابق،،،،،لم أرى في الشارع سوى متشرد نائم عند مدخل محلات "توب شوب" المقابلة لمحلات "دبمنهامز" في تلك الأيام،،،، فتجاوزته مسرعاً دون أن أعيره ادنى اهتمام،، فقد اعتدت رؤية المشردين ينامون عادة في مثل تلك الأماكن. ،،، ولكني سرعان ما أبطأت من خطواتي بعد أن غالبني الشعور الغريب مرة أخرى وعادت لي شهوة القتل من جديد،،، فشعرت بالدماء تسيل بين أسناني مرة أخرى فتكاد تملأ فمي إن لم أقم بعمل يوقف غريزة القتل القهرية التي تملكتني تلك الليلة،،،،،فتساءلت ما عساي مقدم عليه في هذه اللحظات العصيبة التي لم أكد أفلت منها بعد،،، فرجعت فجأة للخلف واتجهت مباشرة للمتشرد الذي كان يغط في نوم عميق محتضنا بين يديه المتشحة بالسواد والقذارة قارورة خمر من النوع الرديء والرخيص ،،، فحدثت نفسي لبرهة،، بأن هذا المتشرد ما هو إلا وغد نتن لا يستحق الحياة التي وهبت له، وهو يعبث بها كيفما شاء في طريق التهلكة،، لكني سوف أريحه منها في ثوان معدودة دون أن يكلفه الأمر شيئاً،،،، فاقتربت منه بعد أن تأكدت من خلو الشارع تماماً من المارة،،وبحركة سريعة ثبت جسمه بقدمي اليمنى ودون أن أسمي عليه قمت بتدوير رقبته بعنف شديد 360 درجة كاملة وأرجعت رأسه كما كان للأمام مع ثبات جسمة تحت قدمي،،،،لأتلذذ بسماع فرقعة عظام رقبته كصوت كرات بلياردو تصدم ببعضها عند ضربة البداية،،،،،وابتعدت مسرعاً بعد أن تأكدت أنه قد نام نومته الأخيرة التي لن يفيق منها أبداً،،، وبعد أن تجاوزته بأمتار قليلة أحسست أني لم أشفي غليلي منه بعد، فلم أشعر أنه قد عانى من أية آلام ولم أسمع له صرخة أبداً،،ولم يحاول حتى مقاومتي ،،، فعدت له مرة أخرى وقمت بركلة في بطنه ورأسه ونواحي متفرقة من جسده حتى كليت من ذلك،، فابتعدت عنه عندما رأيت ضوء مصابيح الحافلة الليلة رقم 83 قادمة وسط الظلام من ناحية البيكاديلي والتي تمر على شارع البيزوتر القريب من سكني،،، فسبقتها ووقفت عند محطتها القادمة التي تبعد نحو عشرين متراً من جثة المتشرد التي تركتها خلفي.


استقليت الحافلة وجلست أمام امرأة تحتضن رضيعها بدفء بين يديها بينما يغالبها النعاس بين هنيهة وأخرى وهي تحاول جاهدة مقاومته،،، فنظرت ليدي وملابسي لأتأكد من عدم وجو آثار للجريمة،،، ولحسن الحظ،،،لم يبدو علي أي أثر غير طبيعي سوى بقعة دم صغيرة من أظافر يدي اليسرى،،، جففتها بسرعة على كرسي الحافلة،، ثم وجهت نظرتي نحو الطفل الرضيع الذي يجلس في سكون وسط حضن أمه،،، ففكرت فيما لو أني قتلته كما قتلت المتشرد قبل دقائق معدودة،،، هل ستشعر أمه النائمة بشيء،،،هل يمكنني أن أقوم بذلك دون أن يكتشفني أحد،،،، إنه لأمر جميل ومشوق أن تصحو لندن غداً على ثلاث جرائم غريبة ومتسلسلة من صنع يداي،،،، والمثير أن لا تجد دليلاً واحداً قد يوصل إلي،،،، ولكني ترددت لوهلة،،، فما ذنب هذا الملاك الصغير الذي لم يهنأ بعد بحياته،،، فغيرت رأيي وأنا أنظر لعيناه الزرقاوين الوادعة وابتسامته التي تظهر أسنان لبنية دقيقةهي غاية في الرقة،،،، لكن شيطاني الذي تملكني بالوسواس أخذ بزمام عقلي وهمس داخل إذني وقال،،، أسمع،،،لما تدع هذا الكافر الصغير يعيش حياة لا طائل منها،، هل تدعه ليكبر فيكفر،،، لما لا تريحه الآن من عذاب الدنيا،،، وقد تنفذه من عذاب الآخرة،،،،ما رأيك،،،سوف تحصل على متعة،،، وعمل طيب،،، عليك به الآن يا نديم. أسرتني الفكرة الشيطانية المقنعة،،، فلم أكن أحتاج لأكثر من ذلك لأقوم بدق عنقه في ثوان،،،،،،فمددت يدي نحوه رقبته بهدوء تام،،، وعندما أحسست بطراوة رقبته على أناملي وهممت بكسر رقبته الرقيقة،،،،،، استيقظت أمه فجأة كالمفجوعة ونظرت إلي بوجل بداية الأمر كأنها استفاقت من كابوس مرعب،، فأبديت لها أني ألاطف طفلها الجميل،، فابتسمت لي ابتسامة صافية،،وهي ترى رضيعها سعيداً ليداي التي تدغدغ خديه المخمليين....
نزلت عند محطة بعيدة بسبب هذه المغامرة الفاشلة، فقد وصلت نحو نوتنق هيل قيت بعد أن تجاوزت شقتي بمسافة كبيرة،،، قفزت خارج الحافلة وقفلت عائداً حتى وصلت للشقة قبيل الفجر بساعات قليلة واتجهت مباشرة نحو السرير وأحكمت اقفال غرفة النوم وتوقعت بأني سوف أنام نوماً عميقاً بعد ما بذلته من جهد نفسي وبدني أنهكا عقلي وجسدي معاً،،،،لكن النوم جافاني وأنا أتقلب طوال ما بقي من الليل فريسة الأفكار والهواجس التي تمكنت مني تكاد تخنقني وتطبق على أنفاسي،،، فيمر أمامي طيف "غوريلا" وهي يقفز من فوق المبنى والنار تشتعل في جسده،،،،، وكذلك المتشرد الذي قضيت عليه وهو نائم دون أن أعرف حتى من يكون.


وبينما أتقلب في انتظار النوم الذي يبدو أنه لن يأتي أبداً، سمعت طرقاً خفيفاً على باب الباب وصوت مواء قطط،،، فضننت الطرق على باب الشقة،، لكن من ذا الذي أتى ومعه قطط في منتصف الليل،،،،فقمت وجلاً نحو الباب ونظرت من الفتحة السحرية فلم أجد أحداً،، ثم فتحت الباب ونظرت في الخارج من الجهتين وتقدمت نحو المصعد المقابل للشقة، فلم أجد ما يدل على وجود أثر لإنسان،،فتراجعت للخلف وقفلت الباب بخوف وأنفاس متسارعة ووضعت ظهري على الباب واستدرت ونظرت نحو غرفة نومي،،، وهالني ما رأيت،،،فقد كانت بطانيتي ومخدتي وبياضات السرير قد قذف بها في الصالة أمام باب الغرفة،،،،، فإزدادت ضربات قلبي ومعها توتري وأصابني التشوش فلا طاقة لي أبداً بما يحدث لي من أهوال،،، فهل أصابني مس أو تمكن مني الجان وأصبحت في يوم وليلة سفاكاً ورهينة لشرهم،،،. فتوجهت للمطبخ بعد أن شعرت بعطش وجفاف عظيم في حلقي،، فسكبت بعض الماء من الصنبور وشربته،،،، ولما نظرت إلي ما بقي من الكأس،، كان دماً وليس ماء. أصبت بالرعب تماماً وأدركت أني هالك لا محالة هذه الليلة،،، فأتجهت نحو الصالة وأشعلت الإضاءة وفتحت الستائر والنوافذ على مصرعيها وبدأت أنتظر طلوع الشمس،، فلن أنام في العتمة بعد الآن أبداً ولن أقوم بأي عمل حتى يظهر نور الصباح.



طال ليلي وأنا أنظر نحو نافذة جاكو المطفئة، ونحو القمر الذي يظهر ثم يختفي على استحياء خلف الغيوم،،، ففكرت في البداية أن أتصل بجاكو لعلها تسري عني وتأنس وحشتي،،،، ولكني ترددت لخوفي أن تعرف شيئاً عما حدث الليلة أو أني أنهار وأخبرها بكل شيء،،، ففضلت أن أصارع الكوابيس وحدي حتى لو قضي علي، على أن تعرف الوجه الآخر البشع الذي أصاب نديم،،، فالموت أرحم لي من أن تغير شعورها أو إحترامها لي. وبينما أنا مشغول في خضم تلك الأفكار السوداوية،،،،،ظهر لي ما كنت أخشاه، عندما لمحت عربة الشرطة قادمة نحو عمارة "رالف كورت" التي أسكن بها،،، وعرفت أن النهاية حتماً قادمة،،،، فأسرعت وأرتديت ما قدرت عليه من ملابس وأخذت بعض الباوندات الموجودة على منضدة غرفة النوم وفررت من الشقة عبر الدرج،،،في نفس الوقت الذي كانت الشرطة تدخل فيه الشقة عن طريق مصعد اعمارة،،،،واستطعت الهرب واتجهت بغير هدى لمحطة البيزووتر والتي بدأت تعمل لحسن الحظ مع انبثاق الفجر،،، فركبت قطار "السيركل لاين" ذي اللون الأصفر والذي يدور حول وسط لندن،، وأستمريت في الدوران لأكثر من ثلاث مرات، لا أعرف إلى أين أتجه،،، وفي النهاية قررت السفر بعيداً عن لندن وتحديداً إلى الشمال الغربي من الجزيرة البريطانية،،، نحو مدينة مانشستر،، لأني أحسست بأن ذلك سيعطيني بعض الأمان بعيداً عن مسرح الجريمة،،، فأتجهت أولاً لمحطة "كنزكروس" وغيرت القطار إلى محطة "يوستن" التي تنطلق منها القطارات لشمال البلاد،، وأخترت القطار الذي يتجه كل ساعة نحو مانشستر. ارتاحت نفسي قليلاً وأنا أودع لندن، فقد أحسست أني كل متر أقطعه بعيداً عنها يزيد في مساحة الأمان لدي،،، حتى عندما وصلت لمانشستر وكان الوقت ما قبل الظهيرة نزلت في محطة تسمى البيكاديلي كذلك،،، وهي غير بكياديلي لندن،،، وتقع وسط المدينة أيضاَ.


ذهبت من فوري لفندق "بريتانيا" المجاور لها وحاولت الحصول على غرفة لأستريح وأنام بعض الشيء، ولكن للأسف لم أستطع الحصول على ذلك لأني من العجلة لم أحمل أية بطاقة إثبات،، فخرجت وتناولت طعامي في شارع يسمى رشم "RUSHOLME"، مليئ بالمطاعم الشرقية،،، ومن ثم تسكعت في الشوارع وبين المحلات طوال اليوم وأنا أشاهد كل فترة قط أسود يلاحقني في كل مكان أكون فيه حتى وافني الليل وأنا منهك تماماً وقد وصلت لحديقة منيفة وعتيقة السور ،، فدخلتها وتجولت وسطها لأكتشف بأنها مقبرة لمنطقة تسمى شولتن "Chorlton Cemetery"،،،، عرفت ذلك عندما رأيت شواهد القبور والصلبان منتشرة في سطها،،، ولكن لأني لم أعد قادراً على السير تماماً ولو لخطوة واحدة للأمام، قررت النوم في أي مكان قصي في المقبرة،،، فأقتربت من قبر مكتوب على شاهده اسم صاحبة John Rylands ، فتوسدت عتبته كمخدة ومددت جسمي العليل على مسطبته وعيناي المرهقة شاخصة نحو القبور المحيطة بي وسط ظلام وهدوء قاتلين، لا يقطعهما سوى حفيف الأشجار الذي يهب هواه فجأة ثم يعود للسكون. استسلم بدني لنوم عميق حرمت منه طويلاً وتوقعت أني سأنام ليوم كامل،،،، لكن فجأة وفي نحو منتصف الليل استيقظت على صوت غريب لم أعهده من قبل،، فلا هو صوت انسان ولا حيوان،،،يقترب للحظة ثم ما يلبث أن يبتعد،،،، فتحت عيناي وأنصت لأتحقق من الأمر فلم أرى شيء،،، لكني سمعت الصوت مرة أخرى بوضوح، فكان خليطاً من خبب الحصان ومشي الإنسان،، ثلاث ضربات لوحدها،،،ثم تتابع الخطوات،،،وفجأة نظرت خلفي نحو شاهد القبر فرأيت فوق رأسي تماما،،، أرجل بغل مشعرة تقف ثابتة بجانبي،،،فرفعت بصري للأعلى وتسمرت فوق القبر مما هول ما رأيت،،،فقد كان أعلى جسم البغل يتكون من رأس شبيه بالإنسان البدائي،، مشعر وذي أذان طويلة كالخفاش وأيدي طويلة وأصابع من وزغ،،،يقف صامتا وعيناه يطاير منه الشر والهيبة. لم أعد أقوى حتى على الصراخ أو الكلام وأحسست بشلل تام من أصابع رجلي مروراً بجسدي كله وحتى لساني لم أعد أحس أنه عضو مني. ثم صلصل المسخ بضحكة شيطانية،،،، وقال "نديم ابن عفراء المقاتل" (اسمي قرنه بأمي وليس بأبي)،،،، أنت متهم بقتل شخصين ومطلوب حضورك لمحكة الجــن المستعجلة عند الطبقة السادسة تحت الأرض.




www.way2london.com/wordpress
ndeemo9999

يتبع

منصور العبدالله
18-12-2010, 07:46 AM
اهلا اخوي نديم الهوى


شكرا على الحلقة 23


وجميل أن واصلت معنا حتى هذة الحلقة


وننتظر المزيد منك اخوي نديم الهوى


وفقك الله يالغالي ودعواتي لك دوما

نديم الهوى
30-12-2010, 08:20 PM
انتظروا الحلقة الرابعة والعشرين وفيها

نزولي تحت الأرض ومحاكمتي من قبل الجن والشياطين والغيلان

كيف سارت المحاكمة وإلى ما أنتهت،،،،وبماذا حكم علي ملك الجان

ثلاثة أشخاص قتلتهم بعد تلك المحاكمة،،، فمن يكونون،،،ولماذا قتلتهم،،،، وكيف تبت إلى الله بعد ذلك،،،،،،فهل تظنون أن لي توبة

ماذا قالت لي شفاء عندما عرفت بالحقيقة وهل فشت بسري،،،، أم كتمته لسنوات

انتظروني قريباً ،،،، وأرجو أن تتأكدوا بأن القصة حقيقية وليست من نسج خيالي وسأثبت لكم فيما لا يدع مجال للشك ذلك،،،

إلى اللقاء

نديم التائب

نايف بن جليد
01-01-2011, 02:54 PM
راااائع أخي نديم

وننتظر الحلقه القادمه

بكل شوق

نديم الهوى
02-01-2011, 08:31 PM
الحلقة الرابعة والعشرين


أنشلت أطرافي كاملة وأنا أنظر نحو هذا المسخ الهجين التركيب من البشر والحيوان،، وبقي علي من الإغماءة قيد أنملة من هول من الرعب الذي حل بي،، واستدركت أن ما أصابني هو بسبب نومي فوق القبر وسيري بقدمي لمكان مسكون،،،، لكن العفريت لم يترك المجال لخيالي أن يأخذني بعيداً،، وقال بحزم،، قم يا نديم فأنت مطلوب في الحال،،، فالمحكمة قد نصبت لك بحضور ملك الجان "نمرود"،،،، وفر خوفك ووجلك لما ينتظرك الليلة. وبعد أن استجمعت شروى قطمير من قواي سألته برهبة،،،، بالله عليك من أنت،،وهل أنت صديق أم عدو ،،، أنس أم جان ،،،، رد بضحكة أظهرت أنياباً حادة بل صديق غير كل أصدقائك الذين عرفتهم من قبل،،، وسأكون لك بداءً من هذه الليلة قرينك الذي لن يترك لحظة واحدة،، واسمي "سنشع".....قم الآن معي ولا تخش شيء ما دمت قرينك......هيا فالقوم مؤتمرون في المحكمة،،،،،،،،ولم ينتظر"سنشع" ردي،،، فجذبني بأصابعه البشعة وقذف بي على صهوته وحلق نحو السماء بقفزة عالية،، ثم نزل بعدها نحو الأرض وطفق يعدو وهو يصهل بنشوة محارب وصليل حوافره يقصف عيدان شجر الغابة الكثيفة التي تتوسط المقبرة المظلمة،، وعندما وصل للجزء المخصص لموتى اليهود،،، عرج نحو قبور غريبة الشواهد ومائلة للأمام تحوطها أشجار ناصعة البياض،،،، وفجأة ظهر شق مظلم وسط أحد الأشجار البيضاء،،،فدلفنا من خلاله،،،وبدأت وسط العتمة أشعر بعملية الهبوط السريع بطريقة الدوران نحو باطن الأرض،،،فأحسست بدوامة ورهبة كالتي تصيب راكبي الإفعوانية،،،فأغمضت عيناي واستسلمت إلى أن وصلنا غايتنا ،،، باطن الأرض السادسة.

لم أكن لأجرأ أن أفتح عيناي عندما وصلنا للمحكمة بينما "سنشع" يسير بي وسط حشود من المخلوقات وقد كنت أسمع أصوات همهماتها ولغطها،،،، وضحكاتها المكتومة،،، ووقع حوافر مختلفة،، يختلط بعواء ذئاب،، ونباح كلاب،، وفحيح أفاعي،،،،، عقبه زئير أسد هادر،،،ساد بعده صمت تام.

أنزلني "سنشع" فوق مقعد حجري وأحسست بالحال بشيء لزج كبل يداي وقدماي،،،ففتحت جزءً يسير من عيناي ووجدت أنها ثعابين تستخدم كأصفاد..وقال لي أفتح عينيك يا نديم،،،فلن تحاكم وأنت مغمض العينين....سأكون معك ،،، هيا تشجع يا نديم،،،،، ترددت كثيراً،، ولكن مع إصراره وطمأنته لي ،،، فتحت عيني دفعة واحدة لأتلقى الصدمة بسرعة بدلاً من الخوف دون معرفة ما يحيق بي من أهوال.

لما فتحت عيناي بدأت لي فعلاً أنها شيئاً يشبه المحكمة التي يعمل بها الأنس،،، فكانت محكمة منصوبة في طرف ساحة قلعة خربة ،،، تتحرك في نهايتها القلعة كأنها تتنفس كل لحظة وأخرى،،،وسمائها وأرضها وأشجارها والقلعة العتيقة وكل ما يحيط بي ملون باللونين الأسود والرمادي فقط. وفي كبد السماء الحالكة السواد ،،يوجد أثر لنور طفيف،،،يبدو أنه الطريق الوحيد لسطح الأرض الذي سلكه "سنشع" عندما أتى بي إلى هنا.

أما جمهور المحكمة وحضورها فقد كانوا أغرب وأبشع ما رأيت في حياتي كلها ،،،فقد اصطف أمامي 12 مسخ غريبي الخلقة من" الغيلان" وعرفت أنهم يشكلون هيئة المحلفين ،،،، وهم يشبهون الجاموس الأمريكي الضخم المسمى "بفلو"،، بيد أنهم يجلسون كما يجلس الإنسان ويبدو عليهم الوقار والحكمة ،،،، وعن شمالهم وقف الإدعاء العام،،، وهو كلب بثلاثة رؤوس وفي كل رأس عين واحدة،،، أما القاضي،،،،،،،،ومساعديه فكانوا عبارة عن جذور شجر ثابت في الأرض ويمتد فرعاها في السماء فيخترقها ليصل إلى المقبرة في الأعلى وتظهر على سطح الأرض كأنها شجرة عادية تماماً،،، وعرفت لاحقاً بأن شجرة القاضي هي الشجرة التي نمت تحت أغصانها الوارفة في المقبرة. ويبدو أني قد أرغمت على السير حتى وصلت لها، فقد كمنت مسيراً لا مخيراً. أما جمهور المحكمة فالواحد منهم تجتمع فيه صفات جسمانية من الإنس والحيوان ،،، وآخرين من حشرات وزواحف وكثير منهم يشبه الغوريلا،،، ومن أغرب ما رأيت وأقشعر له بدني هي رؤوس أغنام فقط،،، محروقة،،، ولكن فيها حياة فأسمع منها همهمة وهي تتحرك في الهواء من مكان لآخر.

افتتحت المحكمة بعد أن طلب القاضي من المدعي العام،،،الكلب ثلاثي الرأس سرد التهمة التي أعرفها جيداً ،،،وبدأ حديثة بأنه قد رصدني عندما قدمت إلى لندن ودخلت أول مرة في حياتي إلى الديسكو المسمى sombrero ، فقد كان هو الشيطان المكلف بذلك الملهى الليلي. وبعد ذلك حاول أن يجذبني نحو المعاصي بكل أنواعها ،،، كان يضعها في طريقي أينما ذهبت ويسهلها لي،،، في المطعم،،، في الطريق،، في القطار،،،،، في المدرسة،،،،، لكنه فقد الأمل لأني كنت دوماً مهما فعلت أحافظ على الصلاة،،، وعلى الأذكار،،فقد كنت أحوم حول الحمى ولا أقع فيه. إلى أن أتى ذلك اليوم الذي كان ينتظره بفارغ الصبر لنحو سنة كاملة،،،، عندما لم أذكر الله وقد ملأ الحقد قلبي،،، فقمت بحرق ماخور البيكاديلي في محاولتي لقتل "غوريلا"،،، فتمكن حينها من السيطرة علي تماماً وعزز ذلك بدفعي لقتل الرجل المتشرد في أكسفورد ستريت.

وطلب المدعي العام في مجمل عريضة الدعوى، بعد أن أصبحت رهينة لهم كما فهمت من سير المرافعة، أنا أتعاون معهم لارتكاب كل أنواع الجرائم التي يمكن أن تخطر أو لا تخطر على بال أحد،،،قتل،،، سرقة،،،،حريق،،،فتن،،دون حدود لتلك المهمات. وطلب في النهاية أن تلخص مهمتي في أن أكلف بقتل 1000 نفس قرباناً للأسياد والشياطين،،،،ومن ثم يمكنني أن أكون حراً ،،،أو أستمر معهم إذا ما استهوتني الجريمة،،،،،،،،،،،،،لكن لا تنازل عن قتل 1000 نفس.

أعترض "سنشع" المحامي الخاص بي وقال إن موكلي "نديم" ليس بحاكم ولا بمسئول كبير حتى يتمكن من قتل هذا العدد الكبير،،، وسوف يلقى القبض عليه من البشر قبل أن أتمكن حتى من تنفيذ ربع الجرائم المطلوبة،،، لذا يطلب من هيئة المحكمة أن تنزل العدد إلى 99 فقط، كما جرت العادة في تكليف عامة البشر من دون ذوي المناصب أو الحكام،،وضرب أمثلة سابقة لمحكمات سابقة لمحاكمات تمت،،،وذكر أسماء أعرفها جيداً....بل أن "سنشع" تمادى في طلب الرخص لي،،،، وطلب إعطائي خصم 5% من العدد 99، لأني من المفترض أني قمت بقتل "غوريلا" والمتشرد من قبل،،،،، وطلب أن تكون بمثابة "مكرمة شيطانية" وهي ليست بمستغربة في ظل هذه القيادة الرشيدة أدام الله عزها.

وافق القاضي الكهل بحبور على اقتراح "سنشع" وأيده بشدة تشجيعاً لي وتأليفاً لقلبي،،، وسأل إن كان لدى الإدعاء أو المحامي أية إضافة قبل أن ترفع الجلسة. لكني بعد أن عرفت سر وجودي هنا وأن المحكمة مؤيدة لي،،، بل أنها تطلب مني أن أقوم بقتل المزيد من البشر بدل أن تحاكمني لذلك،،، وقفت بكل كبرياء وهدوء وطلبت الإذن من القاضي للحديث. وقلت يا سيادة القاضي،،، يا حضرات العفاريت،،،، أنا أعترض بشدة على حكاية الخمسة في المية،،،،،أرجوكم ،،، أرجوكم أعفوني منها،،،،فلدي حساسية كبيرة من هذا الرقم،،، ألا يكفي يا جماعة العفاريت الكرام أنها ورانا ورانا فوق الأرض،،،، والآن تريدون أن تتكرمون علي بها تحت الأرض،،،،،،،،إنني أحتج بشدة،،،، فقد أصبحت الشعوب تعيرنا بأنا أبوخمسة ،،،،،،،،،فهل يرضيك ذلك يا حضرة القاضي،،، أفصح يا مولانا؟؟؟؟؟ . عندها ضجت القاعة بالضحك الهستيري،،، وأنبرى شيوخ هيئة المحلفين الذين كانوا في السابق صامتين صمت سرمدي "الظاهر أنهم يستلمون مخصصات من القاضي وهذا سر صمتهم الغريب طوال إجراءات المحاكمة،، قائلين "هو صادز،،،،، هو صادز" (هو صادق،،، هو صادق) ،،، " ما بوه غير الخمسة،،، وراه ما تكون خمسين بالمية،،،،أربعين،،،، ثلاثين،،،،نعن أبوكم استحوا شوي فشلتونا عند الإنس". عندها ابتسم القاضي خجلاً "حتى ابتلت لحيته" (عادي الجني لما يضحك تبتل لحيته خخخ) وقال "طيب يا نديم،،، بنخليها هالسنة خمسة،،،والسنة الجاية خمسة،،، وإلي بعدها خمسة،،،،،،،،،،،يعني المجموع خمسطعش وعلى وزير الغلة تنفيذ ذلك،،،، من قدك يا عم".

وبعد أن وافق القاضي على اقتراحي، ضجت القاعة بالتصفيق ثم تكرم وقلدني بسلسلة لأعلقها على نحري مصنوعة من بقايا عظام طفل قدم قربانا للقاضي قبل خمسمائة سنة،،، وقال أن ارتدائي للعقد هذا سوف يمكنني من الضحية التي أنوي أن أغدر بها،،، فعندما أنظر للضحية لمدة ثلاث ثواني بعيناي،،على أن تلتقي عيناي بعينيه ،،سأتمكن من السيطرة عليها وسوف تتبعني إلى أي مكان دون شعور منها ،،،،،كما زودني كبير هيئة المحلفين بخنجر مسموم،،،وأخبرني أن نصله قاتل ولن يمس إنس أو جن إلا صرعه في الحال.

رفعت الجلسة بعد أن أوصت المحكمة بعودتي لاستكمال نومي فوق القبر،،، على أن أقوم في اليوم التالي عند شروق الشمس بالالتحاق بملك الكهنة في لندن واسمه "أفيستان" والذي يسكن في Berkeley Square50 ، وذلك لمدة أسبوع حتى يصقل مهارتي كي أكون سفاحاً ماهراً لا يكتشفني أحد،،،حتى أقرب الناس إلي.

عدت مع "سنشع" والذي أصبح أول صديق لي من الجن،،، وشكرته على حسن صنيعة ودفاعه عني حتى جعل العدد المتبقي لي نحو 95 نفس بدلاً من الألف. فرد لا داعي للشكر الآن ويجب أن تخلد للنوم الآن فلدينا من الغد عمل طويل. سألته كيف يمكن لي أن أنام بعد تلك الأحداث الجسام التي كابدتها طوال الليل ومسلسل الرعب الذي لم يكد لينجلي،،،وهل بقي شيء من الليل لأستغله في النوم،،،، رد علي بابتسامة شيطانية ،،، وقال يا نديم " كل الساعات التي قضيتها لا تحسبها بطريقة الوقت الذي يعمل بها فوق الأرض،،،، ففي حساب أهل الأرض تبدو أنها 8 ساعات كاملة،،،، أما في حسابنا نحن،،، فهي أربع ثواني فقط،، أي أنه مساوي للوقت الذي تستغرقه في التقلب فوق القبر ،،،، أما بالنسبة للنوم، فأنا المسئول عنه وسوف تنام قرير العين،،، ولا تنس أن تضع القلادة حول عنقك ويكون الخنجر المسموم دوماً في متناول يدك،،،،،،،،،،،،ليلة سعيدة يا نديم،،،،،،،،،،،لقد كنت أشجع مما توقعت"،،،، ليلة سعيدة يا "سنشع" بيه.

نمت بسكينة كطفل في المهد،،،دون أحلام مزعجة أو كوابيس كما كنت أخشى،،،وعند الصباح أحسست بيد طرية توقظني بهدوء،،، ففتحت عيناي وأنا أتحاشى أشعة الشمس التي تسلل من خلف رأسه،،،، فلمحت شخصاً يبتسم لي قائلاً "صباح الخير يا بني،،،لماذا تنام هنا في هذا المكان،،، هل تشكو من شيء،،،،وهل يمكنني أن أساعدك". أمعنت النظر إليه فعرفت من لباسه ورقته بأنه قسيس تابع للكنيسة الملحقة في ركن المقبرة،،،،،،فأخبرته أني جائع للغاية وأشعر بالبرد الشديد لنومي في العراء طوال الليل.........فدعاني للدخول إلى بيته الملحق في الكنيسة وأجلسني بالقرب من المدفأة وأضاف لها بعض الحطب لكي تشيع الدفء في المكان،، وهو ما كنت في أمس الحاجة إليه،،،،وبعد وقت قصير أحضر ليه فطوراً شهياً،،ً مكون من بيض مخفوق وتوست محمص ونقانق،،، وغادر الغرفة بعد تركني لتناول الطعام لوحدي،،، وأخبرني أنه سيذهب ليؤدي الصلوات في الكنيسة كعادته كل صباح. تناولت إفطاري بسرعة وأنا أسترجع ما حصل لي البارحة كأنه حلم،،، ولولا وجود القلادة حول عنقي والخنجر داخل طيات ملابسي لما صدقت حتى نفسي،،،لكن ما هذه المهمة الثقيلة المطلوبة مني،،، وكيف سأنفذ ما طلب مني بقتل نحو 95 نفس،، فأنا في بعض الأوقات،،، كهذه اللحظة،،،، لا أستسيغ فعل ذلك، وأستغرب أصلاً كيف اقترفت يداي قتل إنسان بريء،،، أووووه يا ألهي،،، ما لي وهذه الحياة البائسة وطريق الشر،، أنا لم أخلق قط لهذا العبث وحياة البؤس والشقاء. وبينما كانت تتلاطم في رأسي الأفكار،، وأنا أهم بتناول آخر لقمة من الإفطار،،،، نظرت نحو صحيفة يومية اسمها "مترو" على طاولة القسيس،، فوجدت في الصفحة الأولى تغطية كاملة للحريق الذي قمت به في ملهى "غوريلاً" وكذلك قصة الرجل المتشرد الذي قتلته في شارع أكسفورد ستريت،،،،،،،،،،كانت التحليلات تربط بين الجريمتين وأن الفاعل قد يكون سفاح جديد سيستمر ليتسلى بقتل ضحاياه وقد يتمكن من قتل الكثير من الناس قبل أن يلقى القبض عليه. كما أن صورة "غوريلا" كانت تغطي نصف الصفحة الأولى، وظهر بأرجل مكسورة،،،وتعليق صغير تحت الصورة يخبر عن إصابته بشلل رباعي وأنه يتلقى العلاج في مستشفى "هامر سميث". وبينما أنا منهمك في القراءة، أحسست بالدماء مرة أخرى تسيل من بين أسناني وعادت لي الرغبة الجامحة في القتل فألقيت بالصحيفة بعيداً وكذلك طاولة الطعام واتجهت مباشرة نحو الكنيسة أبحث عن القسيس نفسه. دخلت بحذر،،، وعندما خطوت نحو المذبح الخاص بالكنيسة،،،وجدته وحيداً مديراً ظهره لي وتلاعب يداه آلة البيانو بينما يترنم بأدعيته المقدسة. اقتربت منه بهدوء وتحسست جيبي ووجدت الخنجر المسموم فاستليته وغرسته في ظهره حتى لم يبق خارج جسمه سوى قبضة الخنجر، فسقط مضرجعاً بدمائه قبل أن يتشهد بالتثليث. وبعد أن تأكدت بأنه قد هلك لا محالة،،،سحبت جثته وربطتها على صليب الكنيسة وجردته من كل الأموال التي معه لأستخدمها في طريق العودة إلى لندن.

غادرت مانشستر مسرعاً واتجهت إلى لندن وتحديداً لمحطة القطار في bond street ، لأتدرب على الشعوذة وطرق القتل والخديعة لمدة أسبوع لدى ملك الكهنة في انجلترا العجوز"أفيستان" Avestan، والذي يسكن في Berkeley Square50. وصلت وكره عند الضحى وطرقت الباب بحذر،، فأنفتح من تلقاء نفسه وسمعت صوتاً يناديني كالهمس "تفضل بالدخول يا نديم"،، ادخل برجلك الشمال وأنزل نحو القبو. تحسست الطريق المظلم ونزلت نحو القبو ووجدت "أفيستان" منكباً على أحد الكتب العتيقة،، وبدأ لي موحش الهيئة،،فوجهة يشبه البوم وعيناه شاخصتان،، ضخم البنية،، محني الظهر كأحدب نوتردام. رحب بي وأخبرني أنه علم بقرار محكمة الجن وسمع عني الكثير من "سنشع" وهو مسرور جداً لما أنجزته قبل يومين، ويجب أن أشمر عن ساعدي وأكون متيقظا للغاية فلدي الكثير من الدروس لأستوعبها،،، قبل أن أستحق أن أكون سفاحاً محترفاً أقدم الضحاياً قرباناً للأسياد. وسرعان ما بدأنا العمل سوياً فأخذ يخبرني عن مباديء السحر والفرق بين السحر الأسود والأبيض،،،العلوي والسفلي،،،كما تعلمت منه أن أبدو طيباً للغاية أمام الناس وأن أبدو تحديداً "أهبل" حتى أبعد الشبهات عني لأقصى الحدود.

وفي منتصف الأسبوع حدثني عن كثير من عمليات القتل التي قام بها وأغربها أنه قتل طفلة اختطفها من الشارع ليطعمها لتمساح يربيه في الحديقة الخلفية،،،،،،،،والسبب أنه لم يكن يرغب في الذهاب لشراء طعام له من مكان مخصص لطعام التماسيح،،، وقام في اليوم التالي بمساندة العائلة في البحث عن الطفلة وطلب صورة لها ليعممها على أعمدة الشوارع كطفلة تائهة يبحث عنها ذويها.

وبعد خمس ليال وقد كنت مستغرقاً في النوم،،،استيقظت على صوت همس ناعم محبب إلى قلبي،،،، غير أني شعرت أنه كان ممزوجاً ببحة حزينة بعض الشيء،،،يناديني بتؤدة،،،،نديم،،،نديم،،،،،،فصحوت لأرى طيف "شفاء" يقف شفافاً أمامي بالرغم من ملابسها التي ترتديها كانت كحلية اللون ،،،،،،،،،،،،سألتها بشغف هل أنت "شفاء" حقاً أم أنها العفاريت تتلبسك،،،،ردت بل أنا "شفاء" وجئت أقول لك بأني كنت أحبك وأهيم في هواك ودقات قلبي كلها تعزف دوماً أنغام اسمك،،،،،،،،،،أما اليوم فأسمح لي أن أودعك وداعاً لا يكون بعده لقاء،،،،فقد أخترت طريق الخطيئة والشر،،،،،،،،وأكثر ما أحببت فيك هو طيبتك وحبك للخير وحبك لكل أصناف البشر،، أما الآن فوداعاً أيها الشرير نديم،،،فإني عنك راحلة ولن أبحث بعدك عن حب جديد،،،وسأكره كل عاشق كاذب مثلك. صدمت من توبيخها لي وكان هذا أسوء شيء قد يصيبني في حياتي،،،،فلم يكن ليهمني لو أدرك العالم كله عما اقترفته يداي،،،،ولكن أن تعرف بذلك شفاء،،، فالموت أرحم من الشعور به.

لم أستطع أن أقول لها شيء،،،ووضعت يداي بين رأسي وقلت أعدك أن أعود كما عرفتيني نديم المحب دوماً ومن الغد مهما كلفني ذلك،،،،،،،،،،أرجوك أعطني فرصة واحدة وأخيرة،،،،،،،،،،أرجوك يا شفاء أعطني فرصة أخيرة،،،،لكن شفاء لم ترد علي ولم تعطني فرصة لأتكلم أكثر،،،فبدأت بالتلاشي بسرعة حتى أختفت تماما.ً

عند الصباح أخبرني "أفيستان" بأن "سنشع" يريديني على انفراد بعد الإفطار في القبو،،، فأنهيت إفطاري بسرعة ونزلت نحو القبو لأرى ما أستجد اليوم بالرغم من أني بدأت أفكر في التراجع عما ورطت نفسي به. وعندما وصلت للقبو رأيت "سنشع" متجهماً على غير العادة،،وبادرني بصرامة قائلاً "نديم" العمل معنا لا يختلط بالعواطف أو يعيقه الحب،،،،،،،،لقد أخبرني "أفيستان" أنه سمعك تناجي "شفاء" البارحة وقدمت لها اعتذارك ووعدتها بأنك ستتوب وتعود للجادة. هذا الكلام غير مقبول نهائياً ويجب أن تعتذر لي أنا وليس لشفاء،،،وإعتذاري سيكون بأن أسري بك الآن نحو "دار الحي" وتقوم بنفسك بقتل "شفاء". يا إلهي،،،،صدمت من طلبه الغريب والذي يستحيل أن أقوم به ولو قتلت ثم أحييت مئة مرة لن أقوم به أبداً،،،فأعترضت عليه بشدة وأخبرته أنه يمكنه أن يطلب مني أن أقتل 1000 من البشر دون أن أمس شعرة من شعرها المقدس. لكن "سنشع" أصر بشدة وبدأ يتضايق مني ويزمجر ويقول إما أن تقتلها أو أحضرها لك الآن وأعذبها أمامك. فعرفت أني لا محالة مقبل على أقسى اختبار يمر علي في حياتي ويجب علي أن لا أستسلم لأخف الشرين فكلاهما لا يمكن أن أقبلهما أبداً،،،،فقررت بسرعة أن أعالج الموضوع بطريقتي الخاصة الآن بعد أن فاض بي الكيل،،، فأدخلت يدي داخل جيبي وأخرجت الخنجر المسموم وغرزته في نحر "سنشع" صارخاً فيه "خذها مني وأنا أخو نورة"،،،،،فترنح وهو يتحشرج،،، وصاح بي "ثنها،،،،،ثنها" أي كرر الطعنة،،،فقلت له "أمي لم تعلمني "الثواني"،،،،وهذه "التثنية" عرفتها عندما كنت صغير وحكت لي جدتي أن الذي يقتل العفريت يجب عليه ألا يثني الطعنة لأن الطعنة الأولى تقتله،،،بينما الثانية تحييه.

صعدت للدور الثاني ورأيت "أفيستان" الذي فتن بي عند "سنشع"، يجلس بالقرب من المدفأة المشتعلة يتحرى عما فعلت معه،،،ضاناً بأني قد خنعت لسنشع،،،فأقتربت بهدوء من المدفأة وزدتها حطباً حتى أصبحت لظى من ألسنة اللهب. فقال لي "هل تشعر بالبرد لهذه الدرجة"،،،فلم أرد عليه وإنما حملته من وسطه وقذفت به وسط النيران المتلظية وهو يصيح ماذا تفعل يا مجنون كيف تجرؤ على ذلك،، إنك ستدفع الثمن غالياً،،،،،،وعندما بدأ يصطلي بالنار، تحول إلى عشرات من الخفافيش التي تطير ثم تهوى وسط النار لتحترق هي بدورها.

خرجت من المنزل المرعب وفي بالي شيء واحد هو القضاء على "غوريلا" فقط حتى لا يشي بي ومن ثم أعود لحياتي القديمة الهادئة،،،فقد أرهقت تماماً خلال العشرة الأيام الأخيرة،،،ولوعشتها شهراً آخر فقد أشيخ وأموت من شدة الأهوال. لذا استقليت الحافلة الحمراء رقم 72 المتجهة لمستشفى هامر سميث والتي ينام بها "غوريلا" لأتمكن من أن أقضي عليه وأرتاح نهائياً. في الطريق خطرت لي فكرة سهلة للقضاء عليه دون أن أسبب أدنى لفت نظر لي،،، وكانت الفكرة أن أحصل على كمية صغيرة من مادة الأسيد وأحقنها في المغذي الذي ظهر أنه موصل إلى وريده في الصورة المنشورة في الصحيفة،،،،وسيموت حتماً عندما يتغلل الأسيد الحارق نحو قلبه،،،فتوقفت عند محل بناء صغير في شبوردز بوش وأخذت أصغر كمية أستطعت أن أبتاعها،،، ثم عرجت على صيدلية وطلبت إبرة واحدة فأحظر الصيدلاني لي كمية من الإبر في كيس واحد،،، أخذت منها واحدة وقذفت البقية في برميل النفايات.

عندما وصلت بالقرب من المستشفى،،،قمت بملء الإبرة بالمادة الحارقة وتخبئتها في جيبي،،،وصعدت بكل هدوء وثقة نحو الدور الرابع الذي يتلقى العلاج فيه،،، وعندما تأكدت بأنه لا يوجد أحد حول الغرفة أو بداخلها،،، تسللت داخلها وأقتربت منه وأزحت الستار عنه،،،فرأيته كما بدا في الصورة مغمى عليه وآثار الكسور والحروق تملأ جسده المسجى على السرير الأبيض. فقلت في نفسي،،،لقد أتت اللحظة التي أريحك فيها من آلامك نهائيا،،، وأريح نفسي مما لحقها من أذى وآلام وهواجس خلال الأيام المنصرمة،،،،،،،،،،،،،،وأخرجت الإبرة من جيبي،،، وقلت سامحني يا "غوريلا" فأنت أول إنسان حاولت أن أقتله،،،،،،،،،،،ولكن يبدو ويا للعجب،،، أنك ستكون آخر إنسان أقتله.

وغرزت الإبرة في المغذي الموصل بوريده،، في نفس المكان الذي أعتدت أن أرى الممرضات يغرزن الأبر فيه لدى أخي الذي ينام الآن في مستشفى "هارلي ستريت كلينك"،،، وعندما تأكدت بأن الإبرة قد استقرت بالداخل،،، ضغطت عليها بشدة لأفرغ الأسيد الحار الذي سيغلي في قلب "غوريلا" وصدره وعروقه خلال ثوان معدودة’’’’’لكن المفاجأة الكبيرة التي باغتتني وجعلتني أشهق من شدتها أن قام "غوريلا" بعد أن عرفي أني غريمه وأني أنوي به شر وأطبق على عنقي بيدين حديديتين كأنهما كماشة،،،وبدأت أحس بالاختناق وانقطاع النفس مني،،،وتأكدت بأني سأموت قبل أن يصل الأسيد إلى جوفة،،،،،وزادت قوة يداه الهائلة من الضغط على فقرات عنقي حتى أحسست أنها ستنكسر من شدة الضغط،،، فبدأت أستغيث بصوت عال وأحاول الهرب يمنة ويسرى،،،حتى سمعت دوي هائل بعد أن سقطت تحت سريره،،ثم فتحتي عيناي لأجد المفاجأة التي أنهت كل شيء،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،كان ذلك الصوت الهائل هو صوت سقوطي من فوق السرير واصطدامي بالمدفئة المجانبة للنافذة،،،،،،،،،،،،،،ما هذا يا إلهي لقد كنت أحلم طوال تلك المدة،،،،حلم طويل،،،غريب،،، شيطاني والعياذ بالله. أضأت الأنوار ونظرت للساعة وإذا بها تشير لنحو الثالثة صباحاً،،،فتوجهت للمغسلة وتوضأت،،،، وصليت السحر وقرأت وردي مرات ومرات،،، وحمدت الله على أني لم أمس دماُ يوماً ما،، وإنما هي أدغاث أحلام،،، والحقيقة منها أني قابلت فقط الليبي "برقوق أبو شوشة"، وهو الذي أوحى إلي أنه سوف يساعدني بأن أنتقم من "غوريلا" فلما ذهبت للبيت ولم يكن في رأسي سوى الانتقام منه،،،، تلاعبت بي تلك السلسلة من الأحلام والكوابيس القبيحة لتكون درساً لي يحذرني ما حييت أبداً من أن أفكر يوماً ما أن أنتقم من أحد،،،فاليوم ودوم حياتي ستكون خراباً إن لم يكن عنوانها الحب والتسامح.


في اليوم التالي قررت أن أذهب لغوريلا لأراه حياً يتمتع بالحياة التي وهبها الله له وحاولت أن أنزعها منه في الحلم،،،،وفي الطريق وجدت "برقوق شوشة" يخرج من محل أصباغ يقع في بداية الكوينز واي،، وكان يلبس بالطو مثل بالطو هتلر الذي اقتحمت به لندن قبل سنة ثم أحرقته بعد عرفت أنه يشوه المنظر العام للندن،،،،، وسألني ألا تريد الانتقام من "النقرو" الذي هشم رأسك أو أنك لا زلت جباناً يا نديم،،،،،،،،،،،،،،،قلت له،، لا أريد منك نصائح بعد اليوم يا وجه الشؤم،،،ولكن أتمنى أن تستفيد من الصبغ الأسود الذي تحمله وتصبغ في وجهك،،، فأنا لم أعد أطيقك أبداً.

وصلت للمطعم الذي يقع في أعلى Trocadero، وهو المطعم الذي كنت قد حلمت بأن أراقب منه عملية حرق الملهى،،، وطلبت أكثر من خمسة أكواب قهوة وأنا انتظر حتى دقت الساعة الرابعة،،موعد عمل غوريلا،،،،،،وعندما رأيته قادماً قفزت مسروراً وكأني أرى عزيز قد غاب عني لسنوات طويلة،،، فنزلت الدرج مسرعاً وطرقت باب الملهى وطلبت أن يحادثني غوريلا في الخارج. فظهر لي وعرفني وهو ينظر نحو بشك وتحدي،،،،يحسب أني قادم لأطلق علي الرصاص أو أدخل في معركة غير متكافئة. لكني بادرته بأن مددت يدي إليه مصافحاً وقلت له اسمي نديم،،،، واعتبرني صديقك من الآن،،،،،،،ولكن لن أتحدث معك هنا،،،،أريدك أن تذهب معي نحو حانة The Red Lion بالقرب من الوايتهول،،،وسأشرح لك كل شيء بالتفصيل... حانة الأسد الأحمر هي الحانة التي حلمت أني قابلت فيها "برقوق أبو شوشة والايرلندي جيري". وهنالك وعلى منضدة الغداء مع غوريلا،، شرحت له ما حصل لي من كوابيس وأحلام مزعجة،،، وكيف أني بسبب رغبتي في الانتقام منه أمسيت سفاحاً وعبداً للشياطين،،،وكان "غوريلا" ينصت بشدة مشدوهاً بحماسي في سرد الوقائع وبإحساسي بتأنيب الضمير وأني دعوته هنا لأعتذر منه بالرغم من أنه حلم،،، وأنه هو الذي أعتدى علي في الحقيقة. وعندما أنتهينا من تناول الغداء،،، استأذنته بعد أن أحسست براحة ضمير وانشراح صدر لا مثيل لها وركب غوريلا الحافلة رقم 73 عائداً لملهاه وهو يشير نحوي مودعني بكلتا يديه من خلف زجاج الحافلة،،،،أما أنا فقررت أن أتجه لأخي في المستشفى لأحكي له هذه القصة المثيرة التي ستعجبه لا محالة. لكن بعد نحو دقيقتين وأنا أنتظر الحافلة الخاصة بي،،،رأيت "غوريلا" عائداً نحوي وهو يبتسم ابتسامة عريضة،،،،،،،وبادرني نسيت أن أسالك يا نديم،،،،، ما هي ديانتك،،،،،،،،،،،،فرددت ،، هل نزلت من الحافلة وعدت لتسألني هذا السؤال،،،،،،،،،،،قال نعم،،،،،،قلت بفخر ،، ديني هو الإسلام.

وبعد نحو أسبوعين حضرت صلاة الجمعة في المركز الإسلامي في "ريجنت بارك"،،، وبعد الصلاة أعلن إمام المسجد في تلك الأيام "الشيخ زكريا" المورد الخدين دون ميك آب، ببشرى دخول أخ جديد لنا في الإسلام وتقدم من بين الصفوف،،،،فعرفت أنه يا للسعادة "غوريلا" بالرغم من أنه كان يلبس رداءً أفريقياً،،،،،،،،،،وبدأ ينطق بالشهادة،،،،" أشهد أن لا إله إلا ،،،،،الله،،،و أشهد أن ،،،،محمداً ،،،،رسول الله" وبدأت جموع المصلين من العرب والمسلمين بالتهليل والتكبير فرحة بأخ مسلم جديد،،،، فاقتربت منه أبارك له وأحييه،،، فأخذني بالأحضان،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وقلت له الحمد لله الذي هداك للإسلام يا أخ "غوريلا".

رد لي بابتسامة أظهرت أنياباً تشبه أنياب "سنشع" خخخ،،،،،،،،،،،،،اسمي لم يعد بعد الآن "غوريلا" ،،،،،،،،،،،،،،اسمي أصبح "غرم الله"


يتبع



www.way2london.com/wordpress

مشاري بن نملان الحبابي
07-01-2011, 12:09 AM
حياك الله يا أستاذ نديم بعد طول غياب ..

حلقة مميزة وأكثر رائعة ..

وما زلنا في انتظار بقية الحلقات ..

منصور العبدالله
30-01-2011, 09:31 AM
السلام عليكم ورحمه الله

حلقة بها أكشن غير طبيعي


اضطررت ان أعود للحلقات 23 و22 كيف اعرف اين تكون


حقيقة صدقت وانت تقول ليس خيالا


وانما حقيقة


ماهذة الحانه التي وقعت بها


شيء مدهش اخي نديم الهوى!


واصل يامبدع


ننتظر الحلقة القادمة


وفقك الله على ماقدمت لنا في سلسلة من حلقاتك اللندنيه


والله مجهود جبار نقدرة ونشكرة لك يالغالي


سأظل متابع ...حتى آخر حلقة


رعاك الله وسدد خطاك يالغالي


ملاحظة: أخواني مشرفي هذا المجلس

تم االتثبيت بواسطتي وحتى إكتمال الحلقات جميعها

وسأقوم بتنقيحها وإظهارها كحلقات متصله دون فواصل


شكرا جزيلا لكم ايها المبدعون


------------------------------------------------------------------

أخوكم / منصور العبدالله ( وااادي الغلاااا )

عوض العبيدي
31-01-2011, 01:17 PM
منصور جهد مشكور عليه

مشاري بن نملان الحبابي
23-04-2011, 01:08 AM
أين أنت يا نديم ؟

نحن ما زلنا في انتظار بقية مذكراتك اللندنية ..

نديم الهوى
13-05-2011, 10:13 AM
--------------------------------------------------------------------------------


السلام عليكم ورحمة الله

أولاً أعتذر بشدة عن التأخير في الرد لإنشغالي في السفر وأعمالي اليومية التي لا تنقضي. وأحب أن أبشر أخوتي وأخواتي القراء بأني أنهيت تجهيز الكتاب بعد التفاوض طوال المدة السابقة مع داري نشر أحدهما خليجيجة والثانية لبنانية عريقة. وأتوقع أن تنشره دار النشر اللبنانية وأسمها الشركة العالمية للكتاب.الشركة العالمية للكتاب - ناشرون - دار الكتاب العالمي، مكتبة المدرسة، الدار الافريقية العربية


الكتاب سيختلف عن المذكرات بشكل كبير جداً، حيث قسمته لخمس وعشرين فصل ويقع في مئتي صفحة. وقد قمت بتدقيقه ومراجعته بطريقة مهنية حتى لا تتكرر الأخطاء النحوية أو الإملائية التي كانت في المذكرات هنا. يحتوي الكتاب كذلك على أكثر من 25، صورة فيها لأول مرة صوري واضحة، وصور أخي ووالدي والكثير من الذين ذكرتهم في القصة.

اسم الكتاب سيكون"مذكراتي اللندنية"، وصفحة الغلاف أتوقع بتعجب الجميع، حيث صممتها الفنانة السعودية السيدة، أمل أبو السعود، بخلفية شفافة لمعالم لندن وفوقها صورتي وأنا في الهايدبارك،،، وعنوان القصة في الأعلى مكتوب على لوحة شارع "الكوينز واي" الأصلية الموجودة في نفس الشارع، بعد تغيرها ببرنامج الفوتوشوبـ،، مع ابقاء اسم الشارع.

أرجو أن يجهز الكتاب في خلال ثلاثة أشهر في الأسواق، وكذلك في معارض الكتب القادمة.

وفي النهاية أشكر جميع أحبتي القراء هنا والذين كانوا ملهمي في تدوين القصة كما بدت، وساعدوني كثيراً على إكتشاف نفسي كذلك!!!!.

أعدكم بأن الكتاب سيكون "متعوب عليه"، لأنكم تستحقون أن يتعب الإنسان من أجلكم ويرد لكم جميل كلماتكم التي قلتوها لي.

محبكم نديم

مشاري بن نملان الحبابي
13-05-2011, 12:12 PM
--------------------------------------------------------------------------------


السلام عليكم ورحمة الله

أولاً أعتذر بشدة عن التأخير في الرد لإنشغالي في السفر وأعمالي اليومية التي لا تنقضي. وأحب أن أبشر أخوتي وأخواتي القراء بأني أنهيت تجهيز الكتاب بعد التفاوض طوال المدة السابقة مع داري نشر أحدهما خليجيجة والثانية لبنانية عريقة. وأتوقع أن تنشره دار النشر اللبنانية وأسمها الشركة العالمية للكتاب.الشركة العالمية للكتاب - ناشرون - دار الكتاب العالمي، مكتبة المدرسة، الدار الافريقية العربية


الكتاب سيختلف عن المذكرات بشكل كبير جداً، حيث قسمته لخمس وعشرين فصل ويقع في مئتي صفحة. وقد قمت بتدقيقه ومراجعته بطريقة مهنية حتى لا تتكرر الأخطاء النحوية أو الإملائية التي كانت في المذكرات هنا. يحتوي الكتاب كذلك على أكثر من 25، صورة فيها لأول مرة صوري واضحة، وصور أخي ووالدي والكثير من الذين ذكرتهم في القصة.

اسم الكتاب سيكون"مذكراتي اللندنية"، وصفحة الغلاف أتوقع بتعجب الجميع، حيث صممتها الفنانة السعودية السيدة، أمل أبو السعود، بخلفية شفافة لمعالم لندن وفوقها صورتي وأنا في الهايدبارك،،، وعنوان القصة في الأعلى مكتوب على لوحة شارع "الكوينز واي" الأصلية الموجودة في نفس الشارع، بعد تغيرها ببرنامج الفوتوشوبـ،، مع ابقاء اسم الشارع.

أرجو أن يجهز الكتاب في خلال ثلاثة أشهر في الأسواق، وكذلك في معارض الكتب القادمة.

وفي النهاية أشكر جميع أحبتي القراء هنا والذين كانوا ملهمي في تدوين القصة كما بدت، وساعدوني كثيراً على إكتشاف نفسي كذلك!!!!.

أعدكم بأن الكتاب سيكون "متعوب عليه"، لأنكم تستحقون أن يتعب الإنسان من أجلكم ويرد لكم جميل كلماتكم التي قلتوها لي.

محبكم نديم

أرحب يا نديم ..

من طول الغيبات جاب الغنايم ..

بيض الله وجهك على الخبر السار ..

ونحن في انتظار نزول الرواية إلى السوق على أحرّ من الجمر ..

ولكن السؤال هل ستفصح في الرواية عن اسمك الحقيقي ..

منصور العبدالله
14-05-2011, 08:31 PM
--------------------------------------------------------------------------------


السلام عليكم ورحمة الله

أولاً أعتذر بشدة عن التأخير في الرد لإنشغالي في السفر وأعمالي اليومية التي لا تنقضي. وأحب أن أبشر أخوتي وأخواتي القراء بأني أنهيت تجهيز الكتاب بعد التفاوض طوال المدة السابقة مع داري نشر أحدهما خليجيجة والثانية لبنانية عريقة. وأتوقع أن تنشره دار النشر اللبنانية وأسمها الشركة العالمية للكتاب.الشركة العالمية للكتاب - ناشرون - دار الكتاب العالمي، مكتبة المدرسة، الدار الافريقية العربية


الكتاب سيختلف عن المذكرات بشكل كبير جداً، حيث قسمته لخمس وعشرين فصل ويقع في مئتي صفحة. وقد قمت بتدقيقه ومراجعته بطريقة مهنية حتى لا تتكرر الأخطاء النحوية أو الإملائية التي كانت في المذكرات هنا. يحتوي الكتاب كذلك على أكثر من 25، صورة فيها لأول مرة صوري واضحة، وصور أخي ووالدي والكثير من الذين ذكرتهم في القصة.

اسم الكتاب سيكون"مذكراتي اللندنية"، وصفحة الغلاف أتوقع بتعجب الجميع، حيث صممتها الفنانة السعودية السيدة، أمل أبو السعود، بخلفية شفافة لمعالم لندن وفوقها صورتي وأنا في الهايدبارك،،، وعنوان القصة في الأعلى مكتوب على لوحة شارع "الكوينز واي" الأصلية الموجودة في نفس الشارع، بعد تغيرها ببرنامج الفوتوشوبـ،، مع ابقاء اسم الشارع.

أرجو أن يجهز الكتاب في خلال ثلاثة أشهر في الأسواق، وكذلك في معارض الكتب القادمة.

وفي النهاية أشكر جميع أحبتي القراء هنا والذين كانوا ملهمي في تدوين القصة كما بدت، وساعدوني كثيراً على إكتشاف نفسي كذلك!!!!.

أعدكم بأن الكتاب سيكون "متعوب عليه"، لأنكم تستحقون أن يتعب الإنسان من أجلكم ويرد لكم جميل كلماتكم التي قلتوها لي.

محبكم نديم


اهلا بك اخي نديم الهوى


ونبارك لك هذا الانجاز


وننتظر ان يكون لنا في ملتقى الكتاب اهداء من هذا الكتاب

انت ابدعت في هذة السلسة من المذكرات


وبالتأكيد سيكون في الكتاب مزيدا من الإبداع


ونجاحك لو جزئيا يعتبر نجاح كلي لنا


شكرا لتواصلك ووفقك الله اخي نديم الهوى


في رعايه الله